وتأملات في «مبادرة السادات»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وتأملات في «مبادرة السادات»


بقلم : عبد العال الباقوري

هل كان الرئيس المصري أنور السادات يتوقع ـ حين اتخذ قراره بزيارة القدس وهي تحت سنابل الاحتلال أنه يبدأ مرحلة تمتد ثلاثين عاماً، ولما تنته بعد؟

كان الرجل في عجلة من أمره ربما راوده ظن أن خطوته بكسر ما سماه الحاجز النفسي، سيعود منها وقد عمل الأرض العربية المحتلة بين يديه، أو على الأقل حاملاً شبه جزيرة سيناء هدية خالصة له.

لقد أقدم رئيس مصر ، قبل 30 عاماً بالتمام والكمال، على خطوة لا تزال تطرح عشرات الأسئلة، ولا تزال ـ على الرغم من مرور هذه السنوات تثير أعمق الخلاف بين مناصريه ومعارضيه، ولا يزال الخلاف مستمراً، ولا تزال حدته تتزايد عاماً بعد آخر، وقد وضح هذا في شهرنا هذا، بمناسبة الذكرى الثلاثين للخطوة التي اعتبرها صاحبها «مبادرة» فقد وقف كل فريق في خندقه: إما بالتأييد المطلق أو بالرفض المطلق معارضو لزيارة يريدون أنها أضعفت الموقف العربي إلى أبعد الحدود، وهي إن «استردت» سيناء إلا أنها أتاحت للعدو فرصة تهويد وصهينة أراض عربية أخرى لا يزال يقبض عليها ويرفض الخروج منها في حين لا يرى مؤيدوها سوى أنها أعادت إلى مصر كرامتها وحررت أرضها التي احتلت في 1967 إلى متى سيظل هذا الاشتباك قائماَ؟

هذا سؤال لا يتعلق بالماضي فقط، أي بما جرى غير ثلاثين عاماً، مضت، بل يتعلق أكثر بما يجري اليوم وصولاً إلى «قعدة أنابوليس» عبر عديد من الخطوات والمؤتمرات والاتفاقات والقرارات والبيانات هناك اليوم تلال من هذا كله، تلال مبدأ وراق الأبحاث والمناقشات والحوارات فهل هذه لا تكفي مصدراً لتقييم «الزيارة» ونتائجها وآثارها...

والغريب في ذلك كله أن بعض مؤيدي السادات و«مبادرته» لم يعودوا يرون فيها سوى الإيجابيات، والايجابيات فقط، علماً بأنهم كانوا من قبل يبدون قدراً من التحفظ على الزيارة ونتائجها، ويشيدون بشكل مطلق بخطوة السادات ويمدحونه بقولهم إنه <سبق عصره».

مثال ذلك، موقف الدكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في مؤسسة «الأهرام» المصرية ففي مقال بعنوان: «ثلاثة عقود على زيارة الرئيس السادات للقدس» المنشور في صحيفة «الأهرام» في يوم الاثنين 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، أي في ذكرى يوم وصول السادات إلى القدس المحتلة في عام 1977، ويكفي أن نورد من هذا المقال فقرة يتحدث فيها كاتبها عن السادات بأنه: «الرجل الذي عرف قدر مصر فَلِم يجعلها مطية لجماعة من المزايدين والمغامرين العرب الذين فضلوا الاحتلال على التحرير، والتخلف على التقدم، والضعف على التنمية، ومن ثم حررها، وجعلها قادرة على اتخاذ قرارات الصعبة التي تخص مستقبلها»..

قبل سنوات لم يكن الدكتور عبد المنعم سعيد نفسه على هذه الدرجة نفسها من الحماس لـ«المبادرة» و«صاحب المبادرة» بل رأى في خطوته وفي سياسته نقاط ضعف ففي بحث قدمه من 1988 إلى المؤتمر السنوي الثاني للبحوث السياسية، بعنوان «العودة إلى الصف: مصر والوطن العربي 1978 ـ 1988» ، رأى أنه في ظل «القيود العسكرية الواردة على سيناء في ظل معاهدة السلام، فإن سيناء أصبحت رهينة لأي تغير في الفكر الإسرائيلي..» أكثر من هذا، ذهب الدكتور عبد المنعم سعيد إلى أنه: «مع التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد، ظل الأمن القومي المصري معرضاً للتهديد ولم يكن ممكناً من وجهة النظر المصرية الاعتماد على حسن النوايا الإسرائيلية لذلك فإن الأمن الاقتصادي المصري أصبح أيضاً مهدداً» وفي البحث نفسه، اعترف الدكتور عبد المنعم سعيد بأن هناك «مساوئ» في الإستراتيجية التي اتبعها الرئيس السادات.

ألا يكفي هذا التغيير في مواقف كاتب واحد، دليلا على غياب التقييم الموضوعي للرئيس السادات و«مبادرته» وسياسته بصفة عام؟!

ولا يقل أهمية عن غياب هذا التقييم سوى غياب المعلومات الدقيقة عن «مبادرة» السادات وسياسته، ولا أحد يقطع إلى اليوم، وبعد مرور ثلاثين عاماً، متى وكيف وأين تبلورت فكرة الزيارة، في ذهن الرئيس السادات، خاصة وأنه في خطبه وأحاديثه قدم كعادته مواعيد ومعلومات متضاربة وبينما عاد البعض إلى اللقاء الذي تم في المغرب بين السيدين حسن القهامي وكمال حسن علي وموشي دايان ووزير الخارجية الإسرائيلي.

فإن مصدراً حديثاً نسبياً يكشف عن أن السادات بدأ يطرق باب اللقاء المباشر مع الإسرائيليين بمجرد تفرده بالسلطة بعد القضاء على الجناح الناصري في القيادة المصرية، فيما سمع عندئذ ـ في مايو (أيار) 1971.

«ثورة التصحيح». ففي مذكراته بعنوان: <؛ مع عبد الناصر والسادات» ذكر مراد غالب وزير خارجية مصر الأسبق أن السادات حاول الاتصال بالإسرائيليين «بعد وفاة عبد الناصر بأربعة أشهر عن طريق الأستاذ أحمد حمروش»(2)، الذي اجتمع مع «ناثان يلين مور» في باريس، وبحضور «هنري كورييل» مؤسس أحد التنظيمات الشيوعية في عصره ويقول مراد غالب إن حمروش طلب من «يلين» أن ينقل إلى حكومة جولدا مائير اقتراحاً للتفاوض مع الرئيس السادات، فيجتمع موظفون كبار من كلا البلدين سراً على أرض محايدة، ويتعهد الطرفان بألا يذيعا شيئاَ عن محادثاتهما إن كتب لها الفشل» ويشير صاحب هذه المذكرات إلى «رسالة» نقلت إلى جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل عندئذ، والتي رفضت هذا الاقتراح، وفي الغالب، فإن هذا الاتصال لم يكن الوحيد من نوعه الذي قام به الرئيس السادات مع الإسرائيليين قبل 1977.

علماً بأن حمروش يشير في مذكراته إلى اتصالات قام بها مع عدد من اليساريين الإسرائيليين وأنصار السلام في «إسرائيل» بمعرفة الرئيس جمال عبد الناصر ومن ذلك المحاولة التي جرت لدعوة «ناحوم جولدمان» رئيس المنظمة الصهيونية إلى زيارة القاهرة(3) وإن كان أمين هويدي وزير الدفاع المصري الأسبق ورئيس هيئة المخابرات الأسبق، أن هذه العملية كانت أساساً «عملية مخابراتيه» من الألف إلى الياء

(4). وعلى أية حال، فإن الاتصالات مع الإسرائيليين في عهد السادات وقبله لم تكتب إلى الآن بشكل دقيق وموثق، إذ ا تزال الوثائق غائبة، وربما تكون محجوبة عن العلانية، وربما لا تكون هناك وثائق أصلاً، ولعل هذا ما يدفع إلى سرد وقائع لم يتم تدقيقها فمثلاً يذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل أن الرئيس السادات بعد أن ألقى خطابه أمام مجلس الشعب في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977، والذي تحدث فيه عن استعداده للذهاب إلى القدس <طلب توجيه الصحف المصرية إلى عدم إبراز المقطع الذي ورد فيه اقتراحه باستعداده للذهاب إلى الكنيست»

(5) في حين أن ما حدث كان عكس ذلك، بشهادة، صحفي كان قريباً من الأحداث، ففي عموده اليومي «مجرد رأي» في صحيفة «الأهرام» ذكر صلاح منتصر أن علي حمدي الجمال رئيس التحرير عندئذ طلب منه أن يخفي من عناوين الصفحة الأولى ما قاله السادات عن زيارة القدس «فقد كانت زلة لسان و حماس أكثر من اللازم» ولكن السادات اتصل برئيس التحرير «الأهرام» وقال له إنه كان يقصد كل كلمة قالها، كما طلب منه أن يتصل برؤساء تحرير الصحف «واحد واحد» لإبراز موضوع زيارة القدس في العناوين الضخمة

(6) وهذا ما حدث بالفعل وتوالت الأحداث ورفعت الزيارة وبعد 30 سنة لا يزال السؤال مطروحاً: لماذا ذهب السادات إلى القدس المحتلة؟

في حديثه مع إبراهيم كامل وزير الخارجية الذي ذهب إليه في اليوم الأخير في مؤتمر كامب ديفيد في 1978 يحاول إقناعه بعدم التوقيع على الإطارين اللذين تم إعدادهما، برر السادات موقفه بقوله:

«إنك لا تعلم شيئاَ عن العرب أسألني أنا، إنهم لو تركوا لشأنهم فلن يحلوا أو يربطوا، وسيظل الاحتلال الإسرائيلي قائماً إلى أن ينتهي إلى التهام الأراضي العربية المحتلة، دون أن يحرك العرب ساكناً غير الجعجعة وإطلاق الشعارات الفارغة، كما فعلوا من البداية ولن يجمعوا على حل أبداً» ولم يدر السادات عندئذ وبعدئذ أن مبادرته هذه هي التي عطلت تحرير بقية الأراضي العربية المحتلة، التي يبدو أنه لم يعطها كبير اهتمامه ومع ذلك فإن أنصاره لا يزالون يتحدثون عنه بوصفه بطل الحرب والسلام.

والسؤال اليوم وبعد 30 عاماً على الزيارة: أين هذا السلام الذي يتحدثون عنه 12 ولو أدركوه وأدرك السادات نفسه أن الغزوة الصهيونية كانت موجهة إلى مصر قبل فلسطين، فربما تصرفوا بشكل مختلف.. وربما أعادوا تقييمها اليوم بشكل مختلف. هوامش:

أحمد يوسف أحمد (محرر): سياسة مصر الخارجية في عالم متغير مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد، القاهرة، 1990 ص652.

مراد غالب: مع عبد الناصر والسادات مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 2001 ص93.

أحمد حموش: نسيج العمر الهيئة المصرية العامة للكتاب/ القاهرة 2002 ص209 وما بعدها.

أمين هويدي: الفرص الضائعة، الطبعة الثانية شركة المطبوعات للتوزيع بيروت، 1992 ص225 ـ 226.

محمد حسنين هيكل:/ حديث المبادرة دار الشروق، القاهرة 1998 ص58.

صلاح منتصر: مجرد رأي الأهرام/ 11 و12 نوفمبر ـ تشرين الثاني 2007 ص11.


المصدر