أضواء على النشاط الشيوعي في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أضواء على النشاط الشيوعي في مصر 1921 -1950


دراسة وثائقية الدكتور عبد الوهاب بكر

مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب – جامعة الزقازيق دار المعارف

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

شهدت مصر خلال سنوات تاريخها في القرن العشرين محاولات متفرقة لتشييد بناء تنظيمات تدين بالفكر الماركس ولعل العشرينيات من هذا القرن وأر بعينياته خير شاهد على هذه المحاولات .وقد قدر لبعض هذه المحاولات أن يعيش لبعض الوقت ، بينما انهار بناء البعض الآخر لأسباب عديدة.

ورصد محاولات إقامة الناشط الشيوعي في مصر عمل مشوق وجدي بالبحث – بالنظر لما أحاط هذا النشاط على مدي الزمان من سرية وتكتم سواء من جانب الطرف المشتغل به أو الطرف المشتغل بمناهضته .

ولقد خضع العمل اليساري في مصر لأكثر من دراسة تناولته بالتقييم والنقد – يتصدرها على سبيل المثال وليس الحصر مجموعة الأعمال الرائعة للدكتور رفعت السعيد ( تاريخ الفكر الاشتراكي في مصر – تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر 1900 - 1925 – اليسار المصري 1925 -1948 – الصحافة اليسارية في مصر 1925 -1948 تاريخ المنظمات اليسارية المصرية 1940 -1950)

والفصول الممتازة في كتاب الأستاذ طارق البشري ( الحركة السياسية في مصر 1945 -1952) تحت عنوان " الاتجاهات الجديدة في الحركة الوطنية" و" الحركة الشعبية والثورة الاجتماعية" و" الحركة الشيوعية " وكتاب الأستاذين " إيغور بيليايف" و" إفغيني بريما كوف "مصر في عهد عبد الناصر ).

والدراسة لتي قدمتها الأستاذ الدكتور / عاصم الدسوقي في مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ( المجلدان 28، 29 تحت عنوان " من أرشيف الحركة اليسارية في مصر 19191925 ") ودراسة الأستاذ الدكتور / محمود متولي ( مصر والحركة الشيوعية خلال الحرب العالمية الثانية )

غير أن أغلب من تعرضوا لدراسة النشاط الشيوعي في مصر – اعتمدوا على كتاب " والترلاكور " "الشيوعية والقومية في الشرق الأوسط" الصادر عام 1956 كمصدر أساسي – مع ما في ذلك من قبول وتسليم لآراء قد لا تسلم من الشطط والزلل.

ولعل عذر هؤلاء يمكن قبوله عندما يعرف القارئ أن المصاعب تقف أمام المهتم بالتاريخ المصري فيما يتعلق بالوثائق والمعلومات الدقيقة الكافية التي تمكنه من دراسة التنظيمات الماركسية دراسة منهجية من حيث النشأة التطور وعلاقة كل منهما بالأخري وناخي الخلاف وأسبابه – وأن " لاكور " قد اعتمد على وثائق أصلية لم تتيسر لكثير غيره من الباحثين المصريين .

وترجع صعوبة الكتابة عن " النشاط الماركسي " في مصر – في مصر - في الأساس – إلى السرية التي فرضها ولا يزال يفرضها النظام الحاكم على " الدعوة الاشتراكية " بتنظيماتها ومطبوعاتها باعتبارها دعوة تحض على كراهية الحكومة والنظام والطبقات الحاكمة وتروج للثورة .

ومع ذلك فإن الظروف قد تتيح للباحث أحيانا فرصة اختراق هذا التعتيم الحكومي والوصول إلى أسرار هذا الناشط – بل وأحيانا نشاط " النظام " في مجال المكافحة.

وفيما يتعلق بهذه الدراسة فإن أمرين ساعدا على خروجها إلى النور – كان أولهما إمكانية اختراق ستر الحجب الحكومية والوصول إلى وثائق لها قيمتها في التعرف على الناشط الشيوعي في مصر وثانيهما ما إتاحته لى فرصة الزمالة كأستاذ زائر بجامعات انجلترا في العام الجامعي 1982 /1983 من الاطلاع على أوراق وزارة الخارجية البريطانية F.R.o بلندن عن الفترة 1948 -1952 .

ومع هذا فإنني لا أستطيع الإدعاء بأن ما حوته هذه الدراسة هو القول الفصل أو خاتمة المطاف ولكنه محاولة لتقديم مجموعة من الوثائق التي تستخدم للمرة الأولي – والتي قد تضيف – إلى جانب ما سبقها من الدراسات – بعض الضوء على " الناشط الشيوعي في مصر "

وفي نفس الوقت فهي دعوة لكل مشتغل بالبحث التاريخي للإسهام ف كشف بعض من جوانب تاريخ مصر الذي لم يكتب للكثير من أسراره أن يري النور حتى الآن .

وقد قسمت هذه الدراسة إلى أربعة فصول – تناول الفصل الأول منها النشاط الشيوعي منذ بداياته وحتى قيام الحرب العالمية الثانية.

واختص الفصل الثاني بدراسة هذا النشاط في الاربعنيات وحتى 1953 .وتعرض الفصل الثالث لتقييم النشاط الشيوعي في مصر من خلال دراسة المنشورات الشيوعية التي توفرت لدينا .

أما الفصل الرابع فقد رصد مظاهر نشاط النظام الحاكم في مواجهة النشاط الشيوعي ومدي مشروعته.وقد جاء ترتيب الفصل الرابع – بعد الفصل الثالث الخاص بالتقييم مستهدفا عقد المقارنة ما جهزت به الحكومة نفسها وحجم النشاط الشيوعي في البلاد.

وقد اعتمدت هذه الدراسة على وثائق أجهزة الأمن العام بوزارة الداخلية المصرية – ووثائق وزارة الخارجية البريطانية كمصادر أساسية .

كما استعانت بمؤلفات الدكتور / رفعت السعيد – والمستشار طارق البشري والمرحوم شهد عطية الشافعي باعتبارها أعمال لها قيمتها بالنسبة لهذه الدراسة – إلى جانب غيرها من الأعمال .

ويطيب لى في الختام أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير للسيد اللواء / إبراهيم محمد الفحام – وكيل الإدارة العامة للتنظيم والإدارة بوزارة الداخلية – والسد اللواء / سعيد الجداوي. لما قدماه لى من مساعدة ووثائق قيمة كان لها أكبر الأثر في إخراج هذه الدراسة على هذا النحو.


والله الموفق ... وهو المستعان

دكتور / عبد الوهاب بكر

مصر الجديدة – 1983 .

الفصل الأول

النشاط الشيوعي في مصر من العشرينيات وحتى قيام الحرب الثانية

مع بدايات القرن العشرين كانت مصر تعيش ظروفا اقتصادية تصل بالطبقة الكادحة فيها إلى ما دون مستو الكفاف – وكانت وفقا لذلك من أكثر بلاد العالم ملائمة لنمو الفكر الماركس بحسباته فكرا ينادي بالعدالة للمحرومين وتحرير الكادحين من استعباد المستغلين.

فنظام توزيع الثروة كان مختلا بصورة رهيبة – وكان الأغنياء يزدادون ثراءا بينما الفقراء يزدادون فقرا.

فعلي الصعيد الفلاحي – كانت نسبة مساحة الملكيات الزراعية التي تزيد عن 50 فدان إلى المساحة الكلية للأرض في عام 1901 34،4% - ارتفعت في 1906 إلى 45،6% .

وكان الأجانب يملكون من مصادر الثروة في البلاد ما قيمته 7،326،000 مليون جنيه في 1892 ارتفعت في 1907 إلى 87،176،000 مليون جنيه – وقفزت في 1912 إلى 100،152،000 ملون جنيه .

وكان عدد الملاك الزراعيين المدينين في عام 1912 ( 619، 107) وجملة الأرض المدينة 619،214 فدان - وجملة المديونية على مالكي خمسة أفدنة فأقل 16،990، 660 مليون جنيه – وجملة الدين على كل فدان 25، 87 جنيها.

وبلغت متأخرات الفلاحين لدي البنك الزراع في عام 1910 (416،887 جنيها ) ونزعت ملكية 2544 فلاحا من المدينين .

وتناقصت إنتاجي الأرض – فبعد ما كان متوسط محصول الفدان من القطن في بداية القرن خمسة قناطير وكسور هبط في 1902 إلى 4،58 وفي 1904 ،وفي 1905 إلى 3،08 وفي سنة 1906 إلى ثلاثة قناطير فقط.

وساهمت أمراض الماشية ودودة القطن إلى جانب المديونية في مضاعفة خسائر المشتغلين بالعمل الفلاحي وآلامهم .وكانت المحصلة هي هبوط أسعار المحاصيل وعدم قدرة ناتج الأرض عن الوفاء بالمطلبين الأساسيين للفلاح ( الأموال الأميرية – القوت )

وإذا كانت هذه العجالة توضح إلى حد ما سوء حالة القطاع الفلاحي من الشعب فكيف كانت حالة القطاع العمالي .كان العامل غير الفني خلال العقد الثاني من القرن يتقاضي ثلاثة قروش يوميا بالمحالج مقابل 17 ساعة عمل – وعامل النقل بالتزام ثمانية قروش يوميا مقابل 13 ساعة عمل – وكان عمال السكك الحديدية يعملون 12 ساعة متوالية في الوردية الواحدة مقابل جنيهان في الشهر ودون رعاية صحية .

كان العامل والفلاح يعيشان ظروفا بالغة السوء في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية والحبوب وإيجارات المنازل.كان سعر إردب القمح ( المواني ) وفقا لتسعيرة الحكومة في منتصف عام 1918 _34 1 قرشا) والأردب ( الهندي ) 326 قرشا – والإردب البلدي والبحيري والفيومي 316 قرشا – أما إردب التسغير فبلغ سعره 178 قرشا – وأدب الفول الإسناوي 270 قرشا – وإردب العدس الفرشوطي المجروش 275 قرشا – وإردب الأذرة الشامية 210 قرشا – والذرة الرفيعة 204 قرشا للإردب.

وبلغ ثمن أقة الأرز 3،75قروش- وأقة الدقيق 39 مليما – وبلغ ثمن رطل الزبد البلدي 77 مليما وثمن رطل السمن الصافي عشرة قروش ونصف – وأقة الزيت الفرنساوي عشرة قروش – ولتر الغاز 17 مليما - ولتر السبرتو 30 مليما – ورطل العسل الأسود تسعة مليمات ونصف وأقة السكر الأبيض الناعم الغير مكرر 52 مليما.

أما اللحم فقد بلغ سعر الرطل من البقري الصغير ستة قروش ونصف والجاموس الصغير ستة قروش والبقري والجاموسي خمسة قروش والضأن الأوزي سبعة قوش ونصف – والضأن ستة قروش ونصف والجملي أربعة قروش .

ومن المسلم به أن الشكوى والاحتجاج هما وسيلتا المظلوم – فإذا ما اقتنع بأن متاعبه لم تزل – فإنه يشع بالسخط والنقمة – وإذا ما داخلت نفسه أسباب السخط والنقمة فإنه يسعي إلى البحث عن الوسائل والسبل التي تمكن له من العيش في ظروف أفضل ... وهذا لا يتأتي إلا بالتغيير فإذا لم تساعده إمكانياته على التغيير فإنه إما أن يلجأ إلى البحث عن متعاطفين يشاركونه الآلام والبحث عن حل – وإما أن يسعي إلى الانتقام أو العمل تحت الأرض .

اتخذت الطبقة العاملة " الإضراب والاعتصاب " وسيلة لتوصيل صوتها وشكواها إلى الحكومة وكان هذا العمل حلقة في سلسلة متصلة من الأعمال .

كان عام 1899 هو بداية ظهور الإضرابات العمالية في مصر عندما نشرت " جريدة الأهرام " خبرا عن إضراب عمال شرك البواخر الخديوية وكان سبب الإضراب هو " المطالب العالية " الخاصة بإنقاص ساعات العمل عن أحد عشر ساعة.

وفي عام 1906 أضرب عمال المركبات ( الحوذية ) بالإسكندرية معترضين على فرض الحكومة المحلية في الإسكندرية ضرائب جديدة على خيولهم .

وتبع الحوذية ( عمال توزيع التلغراف ) في 16 / 2 / 1906 بسبب ضآلة ما يصرف لهممن مبالغ مقابل توزيع الإشارات التلغرافية .وفي 1908 أضب عمال محطات السكة الحديد بسبب زيادة ساعات العمل .

وفي 18 أكتوبر 1908 أضرب عمال شركة الترام اعتراضا على رفع ساعات العمل إلى 12 ساعة وانخفاض الرواتب .وفي أكتوبر 1910 أضرب عمال عنابر السكك الحديدية عن العمل بسبب عدم الاستجابة إلى مطالبهم بزيادة الرواتب مرة كل أعوام ثلاثة .

وكان إضراب 30 يوليو عام 1911 هو أ‘نف إضراب للعمال – عندما أضرب عمال ترام القاهرة عن العمل واستمروا مضربين لمدة أسبوع تزايدت فيه أعمال العنف الثوري بينهم وبين قوات الحكومة – وبلغ عدد الجرحي من العمال 12 شخصا – وعدد جرحي قوات الحكومة 17 شخصا .

ومثل باقي الإضرابات فقد كان هذا الإضراب يتصل اتصالا مباشرا بالأحوال المعيشية وظروف العمل.والمتتبع لحركات العمال هذه – يستطيع أن يكشف أنها بدأت كنوع من الشكلية من سوء الأحوال المعيشة طالب خلالها العمال أصحاب الأعمال بتحسين أحوالهم – فلما لم يستجب لهم أصحاب الأعمال أضربوا سلميا عن العمل – فلما لم تجد هذه الوسيلة تحولوا إلى الإضراب مع استخدام العنف ودخلت هذه الإضرابات مرحلة التصادم الثوري مع السلطة.

ولقد صاحب ( الإضرابات العمالية ) عمليات للتجمع والتوحد وتنظيم الصفوف في شكل جمعيات أو شبه نقابات لبحث أحوال الطبقة العاملة أو التحدث باسمها .

فأقام عمال السجاير بالقاهرة عام 1899 أول نقابة للعمال في مصر – تبعتها جمعية اتحاد عمال الخياطين وجمعية الحلاقين وجمعية عمال المطابع عام 1901 – وجمعية عمال الأدوات المعدنية وجمعية كتبة المحامين عام 1902 .

ونقابة عمال الصنائع اليدوية التي أنشأها الحزب الوطني عام 1909 .وساهمت هذه الجمعيات في تنظيم حركة العمال ومطالبهم أمام أصحاب الأعمال .ومن بين مظاهر النشاط العمالي في ذلك الوقت أيضا – استخدم " الإعلام " وسيلة لتوصيل شكاواهم إلى المسئولين – فصدرت في عام 1908 جريدة ( الوضاح) وصدرت في عام 1912 ( مجلة عمال السكة الحديد) وفي ( طنطا) ظهرت مجلة ( التعاون )

وقد أسكتت إحداث الحرب العظمي ( 1914 -1918 ) وإعلان الأحكام العرفية في البلاد صوت الطبقة العاملة الشاكية من الظلم إلى حد ما لكل هذه الطبقة ما لبثت أن عادت إلى إضراباتها الثورية خلال أحداث ثورة عام 1919 واختلطت الأهداف العامة للثورة بالمطالب الاقتصادية العمالية كرفع الأجور وتخفيض ساعات العمل وتقديم المزايا ومنح المكافآت السنوية ورفع الاضطهاد ومنح علاوات الغلاء والعطلات الأسبوعية.

وأن ثورة 1919 لم تستطع أن تخفي اللون الاقتصادي والاجتماعي لحركات العمال خلالها – فالعمال خلال حركتهم لرفع الظلم عن أنفسهم كانوا يحاربون معركة طبقية قوامها المطالبات الاقتصادية والاجتماعية كانوا يحاربون ضد قلة الأجور وانخفاضها – وتعرضهم لأخطار العمل وإهمال أصحاب الأعمال لهم – كانوا يحاربون لوقاية أنفسهم من مخاطر العمل – وضد انتشار البطالة بينهم .

كان " الإضراب" و" التجمع" والإعلام وسائل العمال لشرح شكاواهم وإيصال أصواتهم إلى الجهات المعنية .. إذ كان هذا هو الطريق الذي سلكته طبقة العمال .... وسنعود إليه بعد قليل لنستكمله – فماذا كان مسلك الفلاحين .

لقد كانت مصرا بلدا زراعيا أكثر منه صناعيا أو تجاريا – وكان السواد الأعظم من السكان يباشرون الزراعة وما يرتبط بها .

فإذا ما تدهورت أسعار الحاصلات الزراعية وبخاصة القطن الذي كان المحصول الرئيسي للبلاد – وانقبضت تلك الأيدي التي اعتاد الفلاح أن يراها مبسوط إليه بالمال ثمنا لحاصلاته فلا أقرب من أن يغريه الفتك بمخالفة القوانين في سبيل قضاء حاجاته فيندفع في تيار الإجرام لسد عوزه .

ولنتابع تاريخ الأزمات التي مرت بالبلاد ونربطها بمعدلات الجريمة لننتهي إلى علاقة السببية !!في الأزمة المالية التي شهدتها مصر عام 1907 والتي كانت نتيجة لازم للتهافت على المضاربات الطائشة في سوق الأوراق المالية وأراضي البناء عام 1906 والتي امتدت آثارها إلى سنوات 1908 ،1909 كانت معدلات الجريمة كالآتي :-

بلغ عدد الجرائم في عام 1907 ( 3288) ارتفع في عام 1980 إلى 3655 وفي عام 1909 إلى 3828.

أما في عام 1910 عندما تلاشي أثر تلك الأزمة فقد هبطت الجنايات فيها هبوطا محسوسا إذ لم يتجاوز عددها 3371 أى بنقص 457 جناية عن العام السابق .

فلما حدثت الأزمة المالية في 1911 والناشئة عن تحج مركز البنك المصري وتوقفه عن الدفع وقبض البنوك أيديها عن التسليف – زادت الجنايات في لذلك العام زيادة محسوسة فبلغت أيديها عن التسليف – زادت الجنايات في ذلك العام زيادة محسوسة فبلغت في طفرة واحدة 3874 أى بزيادة 503 جناية عن عام

1910 – وعندما تلاشي أثر تلك الأزمة هبط عدد الجنايات في سنة 1912 إلى 3784 أى بنقص90 جناية . ومع اندلاع نيران الحرب العظمي ( 1914 -1918) وهبوط أسعار القطن – وقعت البلاد في أزمة مالية أحدثت نفس الأثر الذي أحدثته أزمات السنوات السابقة .

ففي عام 1914 كان عدد الجنايات 2769 ارتفع في 1915 إلى 4192 وفي 1917 إلى 4241 حتى وصل في 1918 إلى 4494 جناية .

ثم سجل عام 1919 أكبر زيادة في تاريخ الإحصاء الجنائي عندما ارتفعت الجنايات إلى 7060 جناية دفعة واحدة أى بزيادة 2566 جناية عن عام 1918 .

وابتلي الفلاح في عامي 1920 و1921 بهبوط أسعار القطن من 99 ريال إلى 18 ريال في المتوسط 0 فأوصلت هذه الأزمة عدد الجنايات في السنة الأولي إلى 7502 بزيادة 442 عما كانت عليه عام 1919 ثم وثب هذا العدد في 1921 إلى 8681 جناية بزيادة جناية عن سنة 1920 .

ومع هدوء الأزمة الاقتصادية في أعوام 1922 – 23 – 24 و1925 هبط عدد الجنايات إلى 8360 -7699 -7001 – 6890 على التوالي .

ولكن الضيق المالي الشديد الذي حل بالبلاد في أخريات 1926 وتمادي في شدته إلى عام 1927 كنتيجة لازدياد تدهور أسعار القطن وما نتج عنه من تجر الفلاحين من كل ما في حيازتهم من حاصلات زراعية ومتاع وماشية لمواجهة مطلب الملاك إلي لا قبل لهم على دفعها – رفع ( الضيق المالي ) معدلات الجريمة إلى 7062 في 1926 ثم 7950 في عام 1927 .

وتمثل أنواع معينة من الجرائم حدة أجيج الحقد في صدور الفلاحين على الملاك – وأعني بهذه الأنواع – تلك الجرائم التي تدخل في نطاق الجريمة المرتبطة بالاقتصاد – والتي تعطي في نفس الوقت مؤشرا لما يعتمل في نفوس مرتكبيها ... هذه الجرائم هي ( إتلاف المحاصيل ) – ( تسميم الماشية) – حريق الآلات الزراعية ) – ( الاعتداء بأنواعه ) - ( السرقة) .

كان عدد جرائم القتل والشروع فيه عام 1906 ( 1090) بلغت في عام 1907 ( 1120) وفي عام 1908 ( 1354) وفي عام 1909 ( 1446) وفي عام 1920 ( 2188) ثم وصلت في عام 1921 ( 2538) وبلغ عدد السرقات المعدودة من الجنايات ( 559) في سنة 1907 وصلت في عام 1909 ( 591) وفي سنة 1920 ( 1753) وفي سنة 1921 ( 1757)

أما سرقات المحاصيل (وهي جرائم لا خلاف في أن الدافع إليها هو الحاجة والفقر ) فقد بلغت في عام 1927 ( 243) جناية مقابل (136 )جناية في عام 1926.

ومن الجدير بالذكر أن المسروقات في هذه الجنايات كانت قليلة الأهمية ولا تتجاوز قيمة المسروق فيها بعض المليمات – لكن السبب في اعتبارها جنايات هو ما اقترن بها من ظروف كمحاولة السارق الإفلات بوسيلة من الوسائل .

ولعله من الطريف أن نورد بعضا من هذه الجنايات على سبيل المثال :

الجناية 464 فارسكور سنة شروع في سرقة خيار قيمته 5 مليمات
" الجناية 483 طهطا سنة 1927 شروع في سرقة بصل قيمته 10 مليمات
الجناية 887 شربين سنة 1927 سرقة طماطم وخيار قيمته 20 مليما
الجناية 948 نجع حمادي سنة 1927 سرقة قصب قيمته 20 مليما
الجناية 122 كف الزيات سنة 1927 شروع في سرقة ذرة قيمته 30 مليما
الجناية 301 السنطة سنة 1927 سرقة كرنب قيمته 30 مليما
1831 نجع حمادي سنة 1927 سرقة بطيخ قيمته 40 مليما
الجناية 100 الأقصر سنة 1927 سرقة كيزان ذرة قميتيها 200 مليم
وبلغ عدد جنايات الحريق العمد في سنة 1907 456
وفي سنة 1908 501
وفي سنة 1910 559
وفي سنة 1911 680
وفي سنة 1920 1656
وفي سنة 1921 2438

وقد بلغت الجرائم الراجعة إلى الضيق المالي والمترتب عليها سوء الأثر في العلاقة بين الملاك والمستأجرين 51 جناية في مديرية الغربية – و36 جناية في مديرية الدقهلية .

وتزايدت جنايات تسميم الماشية من 85 في عام 1926 إلى 116 في عام 1927 كذلك أصاب جنايات إتلاف المزروعات زيادة ملحوظة فبلغت 216 جناية في عام 1926 ثم ارتفعت إلى 278 جناية في عام 1927 ومؤدي ما فات هو أن الطبقة العاملة استخدمت سلاح الإضراب عن العمل والتجمع في شكل جمعيات أو شبه نقابات – واستخدمت الإعلام لتوصيل صوتها إلى السلطة وتعريف الأمة بأحوالها – ثم تصادمت مع السلطة بعنف عندما تعارضت مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كان النظام الحاكم يحافظ على استمرارها بحسبانه نابعا منها .

أما الفلاحين – فإنهم بالنظر للظروف المعيشية التي يعيشونها – وانعزالهم عن مجتمع المدينة وعدم قدرتهم على التعبير عن أحوالهم ومعاناتهم فقد لجأوا إلى إشباع حاجاتهم وتغطية متطلباتهم عفويا وبالأساليب التي تميلها عليهم ظروفهم الحياتية.

وعندي أن الاختلاف في أسلوب الدفاع عن الحقوق بين العمال والفلاحين وأن اتحد الهدف يرجع بالضرورة إلى اختلاف ظروف نشأة كل منهما .فقد قامت حركات التجمع العمالي الأولي على أكتاف العمال الأوروبيين الذين تولوا إقامة الصرح الصناعي المصري في نهايات القرن التاسع عشر .

وكان لهؤلاء الأوروبيين خبرات قديمة ومستفادة من الحركات العمالية في الخارج – حصلوها بالمشاهدة والمعاناة خلال مراحل حياتهم المبكرة في أوروبا وقبل قدومهم إلى مصر – كذلك فإن هؤلاء العمال كانوا منفتحين على الصحف والمجلات الأوروبية التي كانت تزودهم بأخبار العمل والعمال في الخارج – أثناء اشتغالهم في مصر – ولا شك أن انفتاحهم على " الفكر الاشتراكي " بفضل منبتهم الأوروبي وصلاتهم ببلادهم الأم كان مبكرا.

لهذا لم يكن غريبا أ يحدث ذلك " الانصهار الفكري " بين العمال الأوروبيين وزملاء العمل المصريين وأن يتقبل الأخيرين أفكار رفقائهم الأكثر خبرة ونضجا في ( العمل والفكر السياسي والثقافة) والذين هم بالنسبة لهم ( أ ى للعمال المصريين) بمثابة الأساتذة أصحاب الفضل في مجال الإتقان المهني" وهو أمر له اعتبار كبير عند العامل المصري على مر العصور يماثل تماما رابطة الأستاذية التي تربط الحرفي بشيخ الحرفة في الأزمنة السابقة.

ولم يكن غريبا أن يطلق على تجمعات العالم اسم " النقابات المختلطة " فالعمال المصريون والأجانب كانوا يقفون من المطالب والحقوق العمالية أمام أصحاب الأعمال موقفا واحدا متماسكا – ولعل أبرز مثال على انصهار الحركة العمالية المصرية في مثيلتها الأوروبية وتشرب أفرادها بفكر العمال الأوروبيين هو ما حدث في أكبر إضراب في تاريخ الحركة العمالية وهو المعروف بإضراب " عمال ترام القاهرة " في يوليو 1911 – عندما قاد العمال في " تياتروهارمونيا " في أغسطس 1911 أحد المعتصبين الأوروبيين.

كذلك عندما تزعم أحمد العمال الايطاليين إضراب عمال ترام الإسكندرية في 6 أغسطس 1911 - وما نشرته ( الجريدة في 6 أغسطس 1911 تعقيبا على تسرب الأفكار الاشتراكية إلى عقول العمال المصريين عندما قالت " تسري عدوي الأفكار والآراء كما تسري عدوي العلل والأدواء من فرد إلى فرد ومن بلد إلى بلد ويكون لها من النتائج في كل بقدر ما تجد من الاستعدادات في نفوس الناس ..

وإذا فكرنا في اغتصاب عمال الترامواي في العاصمة ثم في قيام زملائهم اليوم بالإسكندرية بإعلان اعتصاب جديد حكمنا مع الاعتقاد التام بأن ما جري هو نفحة من تلك الرياح الاشتراكية التي تجوب المعمورة بلدا بلدا .

وتحمل عدوي الأفكار الحديثة إلى كل مكان ... وإذا أمعنا النظر وجدنا أن كل أمة تتدرج في مدارج الفلاح لا نجد منها مناصا ولا تري خلاصا ما دام فيها عمال ورباب أعمال ... وإذا كنا لا نخشى في مصر حركات اشتراكية هائلة كالتي تحدث بين عمال المصانع والمعامل الأوروبية الكبيرة لأن معظم الأيدي المصرية تعمل في الزراعة فإن تطلع مصر إلى ترقية الصناعة ووقوع الحوادث التي جرت حتى الآن يكفيان فيما نظن لعدول الحكومة عن الاكتفاء بالتوسط ولخروجها إلى مجال أوسع من الموقف الضيق التي أوقفت فيه نفسها والعمال والجمهور .

لقد كانت المجتمعات الأوروبية في مصر تضم تنظيمات اشتراكية تنتسب إلى الأحزاب الاشتراكية في الأوطان الأوروبية الأم – وكانت هذه التنظيمات الاشتراكية الأوربية في مصر تؤدي دورها الإيجابي في أوساط العمال الأجانب في مصر – وكان التنظيم الاشتراكي اليوناني – والايطالي من أنشط التنظيمات في هذا المجال .

ويرجع تاريخ وجود الفكر الاشتراكي بين العمال الأجانب في مصر إلى تسعينيات القرن التاسع عشر – ولعل أقدم دعوة لترويج الفكر الاشتراكي في مصر هي تلك التي تحدثت عنها الصحافة المصرية في 1894 عندما أشارت إلى ضبط أحد اليونانيين في 18 مارس 1894 وهو يوزع " منشورا فوضويا " يحض فيه العمال على الاحتفال بتذكار نهضة الكومون عام 1871 .

لكن هذا اليوناني لم يكن وحده في مجال نشر " الفكر الاشتراكي " فقد وجد بين أعضاء الجالية اليونانيه في مصر ساكلاريدس كاكيس - مالانوس - كازانتزاكس – نيكوس نيقولا ييدس – جورج بيريدس كونستانتيندس بيريدس – زربيني) وكان هؤلاء الرجال يقيمون المراكز الأدبية والمكتبات الشعبية والجمعيات – ويقرأون عن الثورة الروسية ومؤلفات ( ماركس وأنجلز) " ولينين " وألف جورج بيريدس – سكرتير الحزب الاشتراكي اليوناني في مصر كتابا بعنوان " عمال القطن"

وساهمت الجالية اليونانية في إقامة الصالونات الأدبية ونش دواوين الشعر والأدب الروسي ( لتولستوي) و( ديستويفسكي) و( ليرمنتوف ) وكانت نقابة عمال الأحذية احدي نتائج جهودهم .

وانتشرت " المنظمات الماركسية" بين أعضاء الجالية الأرمينية ونشطت في نشر المنشورات وشاك أفرادها في إنشاء " الحزب الاشتراكي المصري " عام 1921 وواصلوا نشاطهم بين صفوفه .

أما الايطاليون فقد كان " الحزب الاشتراكي الايطالي " في ايطاليا يتولي تنظيم نشاطهم الاشتراكي في مصر لدرجة إيفاد كوادر اشتراكية للعمل والتنظيم خلال أعدادهم العمالية الكبيرة في البلاد.

وكانت " الجامعة الشعبية الحرة " لتعليم العمال احدي ثمار جهود الاشتراكيين الايطاليين في مصر ولا يخفي أن أغلب الصناعات المصرية كانت متخلفة حتى وفدت إلى البلاد الإعداد الضخمة من اليونانيين والايطاليين خلال القرن التاسع عشر ( وهما أكبر الجاليات الأوروبية في مصر ) وقاموا بتطوير هذه الصناعات وتوسيع نشاطها ( كصناعة المنسوجات – وحلج وكبس وتنظيف القطن - والصناعات التعدينية والهندسية - والصناعات الاستخراجية ، والصناعات الغذائية كالسكر – والحلوي – والمطاحن والمضارب والمكرونة والنشا والجلوكوز – وزيت الطعام – والمثلجات – البيرة والخمور – وملح الطعام – وصناعة الدخان والسجاير – والصناعات الكيماوية والدوائية - وصناعة مواد البناء

فإذا كنت القاعدة العمالية في هذه الصناعات من المصريين – والطبقة الإشرافية المتمرسة والقيادية من الأوروبيين المتشربين " بالفكر الاشتراكي "والمتعاطفين مع المعامل المصري في متاعبه ومعاناته – فإننا لن نتزيد إذا قلنا أن " الأفكار العمالية الأوروبية " بما تضمنته من " أفكار اشتراكية متطورة " استطاعت بسهولة أن تغزو العقلية المصرية – التي تركت قيادة حركتها للعنصر الأوروبي .

وزاد من تماسك الرابطة العمالية الأوروبية المصرية تغذية الصحافة المصرية – للعمال – بحركات العمال في العالم بكثير من التفصيل – وهي أخبار كان لها الفضل في تأثر الحركة العمالية المصرية بالحركة العمالية العالمية وإيمانها بأن قوة العمال واتحادهم هي الأساس المتين لحصولهم على مطالبهم ونيل حقوقهم .

إذن فقد استطاع العمال الأوروبيون في مصر أن يؤثروا على المحتوي الفكري للطبقة العاملة في مصر مبكرا – وأن يوجهوه بسهولة ويسر نحو اليسار .ولا يمكن أن تذكر جهود الأجانب في تأسيس " الفكر الاشتراكي" في مصر دون ذكر رائد هذا النشاط " جوزيف روزنتال ".

وفد روزنتال إلى مصر في عام 1899 وبدء من فوره نشاطه اليساري بالمشاركة في تأسيس نقابة عمال السجاير ( 1899) وبحث أحوال العمال والمساهمة في تحسين أحوالهم – ثم شارك في تأسيس نقابة الخياطين وعمال المعادن وعمال المطابع – ونادي الدراسات الاجتماعية " وكان مراسلا للدولية الثالثة وانشأ الاتحاد العام للعمال الذي ضم أكثر من 20،000 عامل - وصناديق المعونة الحمراء التي كانت تستهدف جمع التبرعات العمالية للإنفاق على العمال عند إضرابهم عن العمل .

وشارك " روزنتال " نشاطه هذا كل من " إدوارد زيدرمان" اليهودي وفتور آستور " المجند في الجيش البريطاني خلال الحرب العظمي.

وخلال العقدين الأولين من القرن الحالي – بذل هؤلاء الأجانب جهودا كبيرة في سبيل ترويج الدعاية للشيوعية في صفوف العمال مستخدمين في البداية أسلوب إقامة الأندية والجمعيات والروابط والاتحادات للتجمع والتثقيف وإعطاء الفكر النظري للشيوعية – من ذلك " جماعة الدراسات الاجتماعية " بالإسكندرية " التي كان يرأسها جوزيف روزنتال .

وحتى عام 1918 كان " روزنتال " يمارس نشاطه بين اليهود الروس عندما بدأت تقارير أجهزة الأمن تتحد عن نشاطه بين صفوف العمال المصريين وتنظيم حركات الإضراب بينه خلال عام 1920 وفي ذلك العام تم أدارج " رونتال " في قوائم البوليس بالإسكندرية كفوضوي خطر تحت حرف (أ) واشتراكي ثوري ذو ميول شيوعية .

كانت الأرض المصرية خصبة لنمو النبت الاشتراكي فيها – وازدهار الأفكار التقدمية وتقبل النشاط الشيوعي ... فكيف كان ذلك؟لقد قلنا أن " الحركة الاشتراكية " كانت قائمة نشطة بين الجاليات الأجنبية عامة – واليونانية والإيطالية والأرمينية خاصة .. وقلنا أن " روزنتال " كان يبذل في مجال نشر " الفكر الاشتراكي " عن طريق المنتيات الاجتماعية والثقافية والاتحادات والنقابات العمالية الجهد الكثير .

في نفس الوقت كانت الاتجاهات الفكرية والفلسفية ( كالفابية) و ( اشتراكية الدولية الثانية ) و( الماركسية اللينينية) تجد طريقها إلى البلاد عن طريق الكثيرين من أبناء الطبقة الارستقراطية المصرية الذين كانت أحوالهم المادية تمكن أسرهم من إرسالهم للتعلم في الخارج ..

حيث يتأثرون هناك بهذه الأفكار ... وعندما عودون إلى بلادهم بعد انتهاء دراساتهم يكونون دعاة للفك التقدم الجديد – ويعد سلامة موسي ... ومحمد فريد.. ومحمود عزمي ... وعصام الدين حفني ناصف ... ومنصور فهمي .. وتوفيق دياب .. وعزيز ميرهم . من الأمثلة البارزة للمصريين الذين اعتنقوا " الفكر الاشتراكي " خلال العقدين الأول والثاني من هذا القرن .

وكان من المحتم أن يتأثر المثقفون المصريون بالأفكار الاشتراكية الموجودة في البلاد أصلا بفضلا العنصر الأجنبي – و " بالفكر الاشتراكي" بأنواعه الذي جلبه معهم هذا النفر من المصريين الذين تفتحت عقولهم على هذه الأفكار خلال دراستهم بالخارج – وكان لابد أن يتفاعل الجميع مع الأحداث التي كانت تجري في المجتمع المصري ونمو النضال العمالي ..وكان لابد أن تطرح قضية التجمع في تنظيم يدين بالفكر الاشتراكي نفسها على تلك الجماعات المتناثرة من المؤمنين بالاشتراكية علاجا لمشاكل المجتمع المصري .

وهذا ما حدث بالفعل .. فالخلايا الاشتراكية الصغيرة تواجدت في المدن الكبرى بمصر في نهايات العقد الثاني من القرن .. والمقالات عن الاشتراكية .. بل والمؤلفات عنها .. التجمعات العمالية المتشربة بالفكر الاشتراكي يتزايد نشاطها يوما بعد يوم .. كل هذا كان يؤكد حتمية التقاء الكل في واحد . وليس من المعروف تاريخ اللقاء على وجه التحديد- لكن الثابت أن " الاشتراكيين المصريين " أمثال سلامة موسي ود. على العناني ومحمد عبد الله عنان والشيخ صفوان أو الفتح وغيرهم ... اتصلوا في بدايات عام 1921" بروزنتال " الاشتراكي ذو الخبرة الواسعة والوضوح النظري وصاحب الاتصالات القديمة بالعمل النقابي وسألوه المشاركة في تأسيس " الحزب الاشتراكي المصري " وفي هذا المقام يقول " روزنتال "

" فرأيت من بعض الوطنيين عطفا على الاشتراكية وكان من هؤلاء العاطفين حسني العرابي والدكتور على العناني وسلامة موسى وعبد الله عنان فاتفقت معهم على العمل وقررنا تأسيس الحزب الاشتراكي المصري وقد كتبوا لهذا الغرض منشورا يحتوي على مبادئ الحزب .. الخ"

وأعلن مؤسسو " الحزب الاشتراكي المصري " برنامج حزبهم في 29 أغسطس 1921 – الذي تضمن مبادئ سياسية واقتصادية – واجتماعية .

وأنطق " الحزب الاشتراكي المصري " الذي أطلق على نفسه في أوائل 1923 اسم " الحزب الشيوعي المصري" تنفيذا لشوط المؤتمر الرابع للكومنترن لقبول الحزب المصري عضوا في الدولية الثالثة – أنطلق يمارس رسالته في وسط الطبقة العاملة المصرية في الإسكندرية والمدن الصناعية الأخرى كالمحلة الكبرى وتزايدت أعداد العمال المنضمين إلى " اتحاد العمال " الخاضع لنفوذ الحزب – وتزايدت حوادث الاعتصام والإضراب بين العمال حتى بلغت 81 حادثة بين عمال 50 شركة ومعمل – خلال الفترة من سبتمبر 1921 إلى نهاية مارس 1922 وطالت مدد الاعتصابات حتى في أعتصاب عمال تكرير البترول بالسويس 113 يوما وفي اعتصاب عمال ترام القاهرة 102 يوما .

وفي النشاط النقابي بلغ عدد النقابات في القاهرة 38 وفي الإسكندرية 32 وفي القنال 28 وفي طنطا 4 وفي دمنهور واحدة وفي زفتي واحدة .وكان هذا التطور العمالي متأثر تماما بوجود " الحزب الاشتراكي المصري " الذي تزايد إقبال العمال على الانضمام إلى عضويته .

ولم يقتصر نشاط الحزب على غزو الحركة العمالية فقط – بل امتد نشاطه إلى غزو المجتمع المصري عامة عن طريق إصدار النشرات الداعية للاشتراكية وترجمة البيانات الصادرة عن ( الكومنترن) والتي تبرز دور الاتحاد السوفيتي كمناضل ضد الاستعمار البريطاني – والكتابة الصحفية وجمع التبرعات لمنكوبي المجاعة في الاتحاد السوفيتي الخ.

وهكذا افترق التوأمان – العمال انساقوا في تيار " الحركة الاشتراكية" وأصبحوا جزءا من نشاطها وتأثروا بالأفكار الاشتراكية وأصبح سار الحركة العمالية المصرية متأثر تماما بالفكر الماركسي.

أما " الفرحين " فإن القائمين على الحركة الشيعية في مصر أغفلوهم تماما وأسقطوهم من حساب القوي العاملة والمؤثرة في مسار الحركة الوطنية في البلاد – وآية ذلك أننا لا نجد ذكرا ولو سطحيا لأحوالهم في مجالات الناشط الشيوعي في العشرينات .

بل إن " روزنتال " نفسه يعرب في معرض تقييمه للنشاط الشيوعي في مصر عام 1919 عن ارتياحه لما يحرزه من تقدم في عملية تنظيم العمال في نقابات .. وفي شأن الفلاحين نقول أنه ما من فرصة ولو ضئيلة لنشر الشيوعية ( الآن) وسط الفلاحين المصريين.

ويبدو أن أحوال الفلاحين وتخلفهم – وإغفال القوي اليسارية لأمرهم وغياب القيادة السياسية الواعية والتي تستطيع تنظيم وترشيد قوتهم كعامل مؤثرة في العمل الوطني – كان هذا كله مسئولا عن ممارستهم لردود الفعل ضد القهر والظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشونها – بالأساليب التي ذكرتها في معرض حديثي عن ازدياد الجريمة في مصر – ولو إلى حين.

وخلال ممارسة الحزب الشيوعي المصري" لنشاطه المكثف هذا – لم تكن الدول بأجهزتها المختلفة غافلة عنه أو عن مؤسسه – " فجوزيف روزنتال " كان تحت المراقبة منذ أن لاحت خطورة أنشطته لدي أجهزة الأمن بوزارة الداخلية ... وتزايد نشاط الحزب كان موضع صد دقيق بل أن إعادة أجهزة الأمن تنظيم أوضاعها تحسبا للتطور في الناشط اليساري بدءت قبل ثورة أكتوبر 1917 في روسيا .

ففي الفصل الثالث من الباب السادس من كتاب " المباحث الجنائية لرجال الأمن العام والبوليس " جاء تحت عنوان ( الاشتراكيون الشيوعيون ) ما نصه " أظهرت الحوادث أن كثيرا من الأجانب نزحوا إلى هذه الديار لبث الدعوة الشيوعية وقد توصلوا إلى التضليل بكثير من العمال المصريين وغيرهم بإيهامهم أنهم أنما هم طلاب استقلال ودعاة حرية ثقة منهم بأن ذلك ما تصبوا إليه نفوس الجميع – ويظهر ا، دعاة الشيوعية ماضون في دعوتهم فيجدر برجال البوليس أن يكونوا على أتم يقظة للقضاء على هذا المذهب الخطير – والشيوعية في ذاتها منافية للنظام الاجتماعي ..

ومن شأنها عدم احترام الملكية الخاصة والعمل على انتزاعها من أصحابها عنوة وفي ذلك انهيار للنظام الطبيعي وقضاء على حريتي العمل والكسب وتهديد لملكية الخاصة – فواجب رجالا البوليس أن يكونوا واقفين تمام متربصين لحركاتهم وكل ما يبدر منهم .

واختارت وزارة الداخلية انجلترا – وروسيا – وفرنسا – وألمانيا لترسل إليها أربعة من رجالها " للتمرن على أعمال الضبط " والاطلاع على التطورات في مكافحة الجريمة السياسية .

وأنشئ بوزارة الداخلية فرع لمكافحة النشاط الشيوعي بالقسم المخصوص ( البوليس السياسي ) تولي رآسته الماجور ( سانت جورج آنسون ) الخبير في النشاط الشيوعي .

وعلى الصعيد القانوني – كانت الدولة تعد نفسها لتجريم الناشط الشيوعي استعدادا لتوجيه ضربتها إلى الحركة الشيوعية .

فقد صدر في 9 سبتمبر 1923 " القانون نمرة 37 لسنة 1923 " متضمنا إضافة المواد 108 مكررة – 151 – 316 -1\317 مكررة .

327 مكررة – و327 لسد الفراغ الموجود في التشريع الجنائي الذي كان معمولا به في لذلك الوقت – ذلك أنه لم يكن في القانون الجنائي المصري نصوص تتعرض لما كان يحدث في ذلك الوقت من نشاط عمالي متأثر بالفكر الشيوعي أو خاضع للنشاط الشيوعي – كالإضرابات والاعتصابات .

وكانت الخشية في ذلك الوقت أن يمتد النشاط الشيوعي إلى أوساط الموظفين أيضا – ومع أن العقوبات التأديبية التي كانت توقع على الموظفين الذين يتركون الخدمة المعهود بها إليهم كانت تكفل للحكومة حق " عزل هؤلاء الموظفين " إلا أن الحكومة – وقد استشعرت خطر الشيوعية – كانت تري في عام 1923 أن " عقوبة العزل " غير كافية لقمع أفعال قد تكون على درجة خاصة من الخطورة وتهدد بشلها عن القيام بوظائفها الأساسية .

ولعلاج هذه الحالة نصت المادة 108 مكررة في القانون الجديد على تقرير عقوبة لاتحاد الموظفين والمستخدمين ( ثلاثة على الأقل ) على ترك العمل أيا كان الغرض الذي يرمي إليه هؤلاء من تركه وأيا كان الأثر المترتب على ذلك - وكانت العقوبة هي " الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو غرامة لا تزيد عن مائة جنيه – كما نصت على تطبيق نفس العقوبة على كل موظف أو مستخدم عاما امتنع عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفته إذا كان امتناعه يجعل أو من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو منهم في خطر .

وكذلك إذا نشأت عنه فتنة أو كان من شأنه أن تنشأ عنه فتنة أو إذا أضر بمصلحة عامة .وبذلك حرمت الحكومة إضراب الموظفين العاملين بالحكومة عن العمل.

ثم جاءت المادة 327 مكررة وضربت " النشاط العمالي " ضربة قاحمة – فقد حظرت على العمال " التابعين للمصالح الخاصة الحاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة ( ويقصد بهذه الأعمال السكك الحديدية – الترام – الإنارة – المياه وما شابه ذلك) أن يتوقفوا عن العمل كلهم معا أو جماعات منهم بكيفية يتعطل معها سير العمل – وذلك دون أخطار جهات الإدارة ( أى الحكومة ) قبل موعد التوقف بخمسة عشر على الأقل – وتقررت في هذه المادة الغرامة إلى خمسين جنيها للتوقف عن العمل دون مراعاة أحكامها .

كان الغرض ( البرئ ) من وضع هذه المادة هو منع المفاجأة بالإضراب في مرافق ترتبط بمصالح الناس ( النقل – الانارة – المياه) وتقرير مهلة كافية يمكن خلالها التوفيق بين المصالح المتضاربة أو اتخاذ التدابير اللازمة لضمان سير العمل مؤقتا إلى أن يحسم الخلاف ..

هذا هو ظاهر النص – لكن التطبيق كان يؤدي إلى استحالة مراعاة أحكامه عمليا إذا أنه ليس من المتصور عقلا أن يؤجل عدد من الأفراد غضبتهم المفاجأة خمسة عشر يوما لمجرد الالتزام بأحكام نص كان من الممكن استبعاده لو أن علاقات العمل كانت جيدة – لكن الحكومة بدلا من أن تلزم أصحاب الأعمال بتحسين علاقاتهم بالعمال –تركت أصحاب الأعمال على هواهم ينظمون علاقتهم بالعمال كما يشأؤون – وألزمت في نفس الوقت العمال بالانصياع لأحكام المادة 327 مكررة مقيدة بذلك حق العمال في الإضراب .. وهو إجراء كان المقصود منه كبح " النشاط الشيوعي " الذي كان يسيطر على الحركة العمالية في العشرينيات.

واشتمل القانون الجديد على المادة 327 ... لقد كان التدخل في الخلافات ذات الصفة الخاصة التي تقع بين أصحاب الأعمال وبين العمال التابعين لهم _ أمر يخرج عن نطاق سلطان الحكومة في عام 1923 – وكان واجب الحكومة في ذلك الوقت مقصور على " المحافظة على الأمن العام من جهة ومنع الاعتداء على حرية العمل إذا وقع هذا الخلاف من جهة أخري " وهو نوع من قصر النظر في مجال الوظيفة التشريعية – يبين أسلوب التشريع في ظل " الرأسمالية " التي تحدد واجبها في حماية الرأسماليين وكبار الملاك بصرف النظر عن مدي الظلم وسوء العلاقة بينهم وبين من يعملون لديهم .

ومن هذا المنطلق فلسفت الحكومة ما أقدمت عليه في المادة 327 بأنه لقمع الاعتداء على " حرية العمل" صدورا من أن للعمال الذين يشتغلون في أعمال يملكها أفراد أن يتفقوا فيما بينهم على " توقيف العمل " ولا عقاب عليهم من أجل ذلك – وأن من حق من لا يريد من بينهم " توقيف العمل " أن يكون حرا في الاستمرار في عمله دون أن يتعرض لتهديد أو إرهاب من جانب زملائه .

وإن للعمال الحق في إنشاء الجمعيات أو النقابات – ولكن ليس لهم أن يجبروا زملائهم على الاشتراك فيها ولا أن يجبروا عضوا في جمعية من الجمعيات على تركها – كذلك فإن حق العمال في إنشاء نقابات لم يكن يترتب عليه الحق في الحرمان من الحق في رفض الانضمام لتلك النقابات ولم يكن حق العمال في الإضراب يعطيهم الحق في الاعتداء على حرية الغير في العمل .

وكان لصاحب العمل الحرية في اختيار عماله فلا يجب بواسطة التهديد أو الإرهاب على استخدام أو عدم استخدام فريق معين من الأشخاص تبعا لانضمامهم أو عدم انضمامهم لجمعية من الجمعيات .

أقول صدورا من هذا المنطلق جاءت المادة 327 في " القانون نمرة 37 لسنة 1923 " لتقرر عقوبة الحبس لمدة سنة أو غرامة خمسون جنيها للاعتداء على حرية العمل – وحماية أصحاب الأعمال والعمال المتعاونين معهم فتم بواسطة هذه المادة تجريم استعمال القوة أو الضرب أو الإرهاب أو التهديد أو التدابير غير المشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق الغير في العمل - أو في أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام أى شخص – أو في أن يشترك أو لا يشترك في جمعية من الجمعيات .

ومن الواضح أن هذه المادة جاءت لضرب النشاط النقابي المتمثل في العمل على جمع كلمة العمال وتوحيد مواقفهم أمام أصحاب الأعمال – فوضعت هذه المادة إسفينا في بناء اتحادهم وسعت إلى تفريق كلمتهم.

وتحسبا من احتمالات استخدام العنف أو تخريب المصانع والمنقولات قررت المادة 316 معاقبة كل من خرب الأموال الثابتة أو المنقولة ( المصانع والآلات ) الغير مملوكة له أو جعلها غير صالحة للاستعمال أو عطلها بأى طريقة بقصد الإساءة بالحبس ستة أشه أو بغرامة قدرها خمسون جنيها – فإذا تجاوز الضرر الناتج عن هذا الفعل ما قيمته عشرة جنيهات يعاقب مرتكب الفعل بالحبس سنتان أو بغرامة قدرها مائة جنيه.

إما أذا نشأ عن " الفعل المجرّم " تعطيل أو توقيف أعمال مصلحة ذات منفعة عامة ( ويقصد بذلك تعطيل سير قطارات السكك الحديدية والترام – وقطع الإنارة والمياه الخ) .. الخ فإن العقوبة ترفع إلى الحبس حتى خمس سنوات أو الغرامة حتى مائتي جنيه – تزيد إلى الأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكب الفعل " بواسطة استعمال قنابل أو ديناميت أو مفرقعات "

لقد قصد المشرع من هذه المادة ضرب " الاعتصاب " أى البقاء في المرفق أو المؤسسة أو المصنع دون ممارسة العمل – وهو ما يطلق عليه حيث اعتبر ذلك تعطيلا للمرفق " بأى طريقة " وجعل عقوبة المعتصب الحبس ستة أشهر – والاعتصاب كان احد عناصر الناشط العمالي في العشرينيات إلى جانب " الإضراب "

وكانت قاحمة الظهور المادة 151 من القانون الجديد – التي سدت كل المنافذ أمام المشتغلين أو العاطفين أو المعتنقين " الفكر الماركسي " كان المسلم به أن لكل إنسان الحرية في نقد النظم الأساسية للدولة ولمكين هناك من قيود على تلك الحرية سوي أن يكون الغرض الحقيقي لهذا النقد " الوصول إلى إصلاح النظم المذكورة بالطرق القانونية "

فجاءت المادة الجديدة لتضيف محاذير جديدة تتعلق " بتجاوز حدود النقد المسموح به " عندما عاقبت بالسجن لمدة خمس سنوات عندما ينشأ عن النقد " التحريض على كارهة نظام الحكومة والازدراء به يترتب عليه وضع عثرات تعوق الحكومة عن انجاز الأعمال المنوطة بها في اختصاصاتها الأساسية وذلك بإلقاء الاضطراب في النفوس وبتحريض الشعب على بغض الحكومة والازدراء بها " وبرزت تغليظ العقوبة هنا بأنه إذا توافرت هذه الظروف فحينئذ يكون قد وقع تجاوز لحدود النقد المسموح بل وتجب العقوبة إذا أريد الاحتفاظ بالهيئة والسلطة اللتين لا غني عنهما للحكومة ولنظم الدولة الأساسية للقيام بالأعمال المنوطة بها .

وقد اعترفت وزارة الحقانية ( العدل) في مذكرتها الايضاحية على " القانون نمرة 37 لسنة 1923 " بأن الغرض من الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 151 هو " قمع الدعوة المضرة التي تقوم بها الهيئات الفوضوية أو الشيوعية – فقد نصت الفقرة الثانية على العقاب بالعقوبة سالفة الذكر على " نشر الأفكار الثورية المغايرة لمبادئ الدستور الأساسية "

أما الفقرة الثالثة فقد عاقبت تلك العقوبة أيضا على " تحبيذ تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة أو الإرهاب أو بوسائل أخري غير مشروعة "وهكذا فإن الدولة استطاعت بفضل " تفصيل " القوانين حسب هواها أن تصادر كل أشكال الناشط " الذي تعتبره ثوريا أو تقدميا أو اشتراكيا شيوعيا .. عندما جرمت " الإضراب والاعتصاب " " وتكوين الجمعيات والنقابات وتوحيد كلمة العمال " و" الاعتصاب " وأخيرا اعتناق الفكر الماركسي ...

وكانت قبل ذلك قد أعادت ترتيب جهاز الأمن السياسي كما سبق القول .أصبحت الدولة إذن جاهزة تماما لضرب الحركة الماركسية في عهد وزارة زغلول ( 28 يناير - 24 نوفمبر 1924) – وأحمد زيوار ( 24 نوفمبر 1924- 13 مارس 1925 و13مارس 1925 – 7 يونيه 1926 )

وبدأت الضربة المجهضة يوم 5 مارس 1924 باعتقال زعماء " الحزب الشيوعي المصري " حسني العرابي – وانطون مارون والشيخ صفوان أبي الفتح والشحات إبراهيم وغيرهم – وتولت جهات القضاء التحقيق معهم ومحاكمتهم بتهم ( الاتفاق الجنائي على تحبيذ تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية في مصر بالقوة والارهاب ووسائل أخري غير مشروعة – ونشر الأفكار الثورية المغايرة للمبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية – وتحريض عمال شركات زيت الايجولين الغزل وكفر الزيات وأبي شنب على ارتكاب جريمة استعمال القوة والإرهاب والتهديد والتدابير غير المشروعة والاعتداء على حرية أصحاب الأعمال المذكورة في استخدام غيرهم من العمال وذلك بإغرائهم عمال هذه الشركات على احتلال معاملها التي يشتغلون فيها بالقوة وتهديد أصحابها إذا لم يذعنوا لطلباتهم وإذا استخدموا غيرهم أو فصلوا أحد منهم من العمل )

ومن الواضح أن الحكومة أحسنت استخدام نصوص المواد 151 و327 مكررة اللتين أضافتهما إلى قانون العقوبات في 9 سبتمبر 1923 والسابق الإشارة إليهما .

ورغم دفع المتهمين بأن " القانون نمرة 37 لسنة 1923 " ومادته 151 مغايرة تماما لحرية الفكر التي هي من المبادئ الأساسية للدستور " وبذلك يكون معارضا له وكان الفكر التي هي من المبادئ الأساسية للدستور وبذلك يكون معارضا له وكان يجب عرضه على البرلمان قبل إصداره – وأنه نص في الدستور على أنه يعمل به من تاريخ انعقاد البرلمان وعلي ذلك لا يصح تطبيقه على المتهمين " فإن المحكمة رفضت هذا الدفاع وأصدرت حكمها في السادس من أكتوبر 1924 بمعاقبة " محمود حسني العرابي وانطون مارون وصفوان أبو الفتح والشحات إبراهيم وأبرام كاتس وهليل زانبرج بالسجن ثلاث سنوات وبمعاقبة عبد الحميد أحمد تره ومحمود إبراهيم السمكري وشعبان حفظ ومحمد الصغير وعبد الحفيظ عوض بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر .

وما كادت بقايا الحزب تفيق من هذه الضربة حتى وجهت حكومة زيوار (13 مارس 1925 – 7 يونيه 1926 ) ضربة أخري إلى لجنته المركزية الجديدة التي كانت قد تألفت يوم 6 أكتوبر 1924 على يد " بهيل كوسي " زوج ابنة جوزيف روزنتال ( ممثل الكونترن في مصر وكان يدعي أفجيدور وحضر إلى مصر عام 1924 تحت اسم قسطنطين فايس )لإعادة تنظيم الحزب الشيوعي المصري .

وقد تقلي الحزب هذه الضربة يوم 30 مايو 1925 عندما اعتقل البوليس أفجيدور ( بهيل كوسي أو قسطنطين فايس ) وشالوم بولاك – وليون المكونين – ورفيق جبور – والشيخ شاكر عبد الحليم - والهامي أمين وشعبان حافظ – وريدل هارسليك – ومحمد عبد المسيع الغنيمي – وشارلوت روزنتال ( ابنة جوزيف روزنتال وزوجة بهيل كوس أو أفجيدور أو قسطنطين فايس - وبيومي مرسي الباسوسي – وسكالا ريوس يناكاكيس – وهارون واينبرج"

وقدم المتهمون الجدد إلى المحاكمة في 9 يناير 1926 بتهم مطابقة للتهم التي وجهت إلى زملائهم السابقين – وصدر الحكم في 19 يناير 1926 بمعاقبة أفجيدور – وشالوم بولاك – وليون الكونين بالسجن لمدة ثلاثة سنوات وبمعاقبة رفيق جبور والشيخ شاكر عبد الحليم والهامي أمين بالسجن سنة واحدة وبحبس شعبان حافظ سنة واحدة وبراءة باقي المتهمين .

ولقطع الصلة بين أعضاء الحركة الماركسية في مصر – وأي دعم يأتي من الاتحاد السوفيتي – شرعت حكومة (زيوار ) في اتخاذ إجراءات بوليسية ضد مواطنيه في مصر – فأبعدت في شهر يوليو 1925 أربعة وثلاثون مهاجرا سياسيا روسيا بالقوة من ميناء الإسكندرية على احدي بواخر أسطول السوفيت التجاري ورفضت احتجاج المسيو تشيتشرين مندوب الشعب في وزارة الخارجية السوفيتية وأهملت الرد عليه عندما احتج على إجراءاتها .

وفي عهد وزارة عبد الخالق ثروت ( 25 أبريل 1927 -16 مارس 1928 تم إنشاء " أقلام ( مكتب ) خاصة ف القاهرة والإسكندرية وبورسعيد يتولي العمل فيها بعض الروسيين المعروفين في مصر لحصر الرعايا الروس في أنحاء القطر والإشراف عليهم.

ويبدو أن الضربتين اللتين وجهتا " للحركة الماركسية " في عامي 1925 و1926 كانت مؤثرتين على نشاطها في المحيط العمالي .

فالتقارير التي لدينا تقول بأن الحركة العمالة لزمت السكينة بعد ضرب " الحزب الشيوعي المصري " وتحول نشاطها إلى مجرد مطالبات بالحقوق يسودها الاعتدال وافتقدت اجتماعاتها الاتجاه اليساري .

ولدينا في هذا المقام ثلاث تقارير لجهاز الأمن السياسي ( قلم الضب ب ) عن نشاط العمال بدءا من عام 1926 أولها صادر في نهايات عام 1925 عن النشاط النقابي بعنابر السكة الحديد ، وهو يخلو من أى لو يساري .

وثانيها عن انتخابات " جمعية الاتحاد والتضامن العمالية " بالإسكندرية في أول نوفمبر 1926 – وفيه يتحدث " الكسندر جوردون انجرام"حكمدار البوليس بها عن نتيجة الانتخاب ويذكر أسماء الفائزين – أما التقرير الثالث الصادر عن " سليم زكي " مسئول الأمن السياسي في بوليس القاهرة في 25 يوليه 1928 فيكشف بجلاء عن نقاء الناشط العمالي في ذلك الوقت من أى نشاط ماركسي أو غير ماركسي ويؤيد تماما ما قلناه من اعتدال النشاط العمالي بعد إجهاض الحركة اليسارية.

ونمرة 910 سري سياسي حضرة صاحب السعادة مدير عام عموم الأمن العام أتشرف بإخبار سعادتكم أننا علمنا أن اتحاد عام النقابات عقد جلسة مساء بدار نقابة الترام وحضرها مندوبي النقابة العامة ونقابة الترام ونقابة عمال الدخان ونقابة المطابع وترأسها الأستاذ " أحمد محمد أغا أفندي"وقدم " سليمان ميخائيل" مندوب نقابة الترام اقتراحا بأن يعد الاتحاد مذكرة بمطالب العمال التابعين للنقابات المنضمة إليه ويرفعها لوزارة الداخلية لأن هذا الوقت مناسب لذلك.

فطلب الأستاذ أن يكتفي بإرسال تلغراف لحضرة صاحب السعادة " عبد الرحمن رضا باشا " رئيس لجنة سن تشريع العمال بالتماس الإسراع في انجاز هذا التشريع ولكن " سليمان ميخائيل " عارض وقال بأن سعادته مرشح لأن يكون وزيرا مفوضا ( بطهران ) واقترح " صبحي سعد " وكيل الاتحاد ، " أحمد إسماعيل " سكرتيره بأن يقوم وفد من الاتحاد لتقديم مطالب العمال لوزارة الداخلية وهنا قال الأستاذ " أحمد محمد أغا أفندي " بأنه " سعدي " ولا يمكنه مطلقا أن يضع يده في يد الوزارة الحالية ( يقصد وزارة محمد محمود الأولي 25 يونيو 1928 – 2 أكتوبر 1929 )

وأنها إدارية فقط ولا يأمل أن تعمل شيئا لصالح الطبقات العاملة وأن قيام هذا الوفد سيغضب الأمة من العمال واقترح تأجيل تقديم المذكرة ثلاثة أشهر تتحول الحالة في خلال ذلك واقترح " أحمد علي" مندوب نقابة المطابع أن تنشر مطالبهم بالجرائد بدلا من تقديم مذكرة أو قيام وفد.

فلم يوافق عليه الحاضرون وهنا قال " أحمد مصطفي " مندوب نقابة الدخان " بما أن مستشار النقابة غير موافق على قيام الوفد في الوقت الحاضر فعلي الاتحاد أعداد تشريع بطلبات مختلف طوائف العمال بعموم القطر وهذا لا يتم قبل ثلاثة أشهر وبعدئذ يقدم لحضرات ولاة الأمور وعندئذ لا يكون هناك اعتراض علينا من أى جهة ما رسميا وأن العمال لا يسعون إلا لصالحهم ولترقية أحوالهم المادية والأدبية وليس لهم أى شان بالمسائل السياسية أو الحزبية

وهنا قال " سليمان ميخائيل " بأن هذا الوقت هو أنسب وقت لتقديم الطلبات لأن دولة رئيس الوزراء صرح في الأسبوع الماضي بأنه ساع لتحسين حالة الطبقات العاملة فإذا لم يبر بوعده ترفع مطالبنا لجلالة مولانا الملك وهنا صرح مندوب نقابة المطابع بأنه كان بإدارة الأمن العام في الصباح وأبلغ بأن الوزارة جادة في سن تشيع للعمال وعندئذ قال " الأستاذ أحمد أغا " إذا كان الأمر كذلك فليس هناك داع لاستعجالها ويجب الانتظار وأنه لاحظ أن بعض المندوبين يعمل لمصلحة حزبية وهنا حصلت ضجة من المندوبين وعدوا ذلك قذفا في حقهم فاعتذر لهم الأستاذ وصرح بأنه لم يقصد إهانة أحد وبعدئذ عرض " أحمد إسماعيل " حالة مالية النقابة العامة وقال بأنها سيئة ... وأنهت الجلسة حوالي منتصف الليل بدون أن يقروا شيئا .

ومن الواضح تماما – من استقراء الوثيقة أن أثر الناشط الماركسي قد انحسر تماما فالعمال يلجئون إلى " جلالة مولانا الملك " وإذا لم يبر دولة رئيس الوزراء بوعده بتحسين حالة الطبقات العاملة – وكانوا قبل ذلك يلجأون إلى الاعتصاب والإضراب عن العمل – كما أنهم ويعتبرون ذلك " قذفا في حقهم ".

وتثبت تقارير الأمن العام في نهايات العشرينيات من هذا القرن أن جهاز الأمن السياسي كان قد أحكم سيطرته تماما على الناشط الماركس في مصر وأصبح متفرغا لرصد الناشط المصدر من خارج البلاد – فقد أبعد عن البلاد في الفترة من 1/ 11/1928 إلى 30 / 10 /1929 ثلاثة عشر شخصا جهاز من رجال الدعاية الشيوعية معظمهم من اليهود الروس كما كان جهاز الأمن متنبها للمحاولات التي تبذلها " الدولية الثالثة " لإعادة أحياء النشاط الشيوعي في البلاد.

وأثبتت التقارير الصادرة عن هذا الجهاز في عام 1929 أن البواخر السوفيتية التي تزور المواني المصرية كانت تستخدم لتهريب الدعاة والمنشورات والأموال إلى أعوان الدولية الثالثة في البلاد وأن المعاونة لمروجي الناشط الشيوعي في الداخل كانت تصل إليهم عن طريق بعض الهيئات الشيوعية في الدول الأوربية إلى جانب الاتحاد السوفيتي وان الدولية لثالثة قد نجحت في إغراء بعض الشبان المصريين للسفر إلى موسكو لتدريبهم على بث الدعاية الشيوعية بعد عودتهم إلى مصر كذلك أثبتت عمليات " الرصد والمتابعة" البوليسية أن " فلسطين " قد أصبحت مركزا هاما لتصدير الشيوعية إلى مصر – وأن الهيئات الشيوعية في بلاد " البلقان " كانت تمد يد العون إلى أعضاء النشاط الشيوعي في مصر.

وحتى ختام عشرينيات القرن لم تسجل أجهزة الأمن السياسي في شأن النشاط العمالي سوي :

  1. إضراب سائقوا سيارات الأمنيبوس التي تسير بين الأوبرا والعباسية يوم 28 و29 يناير 1929 – بسبب مطالبتهم أصحاب السيارات بأجرة لا تقل عن 50 قرشا في اليوم " ولا يوافقون على أن تكون أجرتهم بحساب المائة "
  2. إضراب القصابين في مدينة المنصورة من 18 إلى 10 مارس 1929 بسبب تذمرهم من الرسوم التي فرضتها عليهم بلدية المنصورة.
  3. إضراب بعض عمال الحرير في ورشة خليل أفندي عبد الله الطوانسي يوم 24 أبريل 1929 بسبب تخفيض أجور العمال عن باقي المحلات الأخرى .
  4. إضراب سعاة مصلحة البريد يوم 24 سبتمبر بسبب نقل أحد زملائهم إلى أسيوط.
  5. إضراب حمالو الأخشاب في محل الخواجه " إسبيرو كرم" بالقاهرة يوم 9 سبتمبر 1929 لمطالبتهم بزيادة أجورهم من 20 إلى 25 قرشا في اليوم .

لم تحدث سوي حالة تذمر واحدة بين عمال العنابر التابعين للسكة الحديد بسبب إدخال بعض الأساليب الميكانيكية في العمل " الأمر الذي كان سيؤدي إلى وجود عمالة زائدة عن الحاجة وضرورة الاستغناء عنها – كما كانوا يشكون من قلة الأجور ويطالبون بزيادتها وبعلاوات دورية – ومن استيلاء الحكومة على جزء من المكافأة التي يستحقها العامل المتوفى في الخدمة ومن حرمانهم من الأجور مدة الإجازات المرضية "

ولا تسجل حقبة الثلاثينيات من القرن أى مؤشر " لنشاط ماركسي " في البلاد – فتقارير الأمن العام خالية تقريبا من أى ذكر لنشاط تحت هذا العنوان – " والحركة العمالية" التي كانت تموج بالنشاط الماركسي في العقدين السابقين خضعت للعبة التنافس الحزبية فركب " الوفد " موجتها في مقاومة استبداد وبطش الفترة الصدقية ( 19 يونيه 1930 – 4 يناير 1933 ، 4 يناير- 27 سبتمبر 1933 )

وفرض زعماء حكوميون على الحركة النقابية كنوع من احتواء الناشط العمالي ( عبد الرحمن فهمي بك – إدجار جلاد باشا - داود راتب بك – النبيل عباس حليم – أحمد حمدي سيف النصر باشا ) وتاه العمال في زحام الهتافات بحياة الوفد وعودة الدستور – ووفود المهنئين – واستغلت الحكومات التجمعات العمالية للانتصار على منافسيها من المعارضين .

وقد كشف خلال فترة وزارة مصطفي النحاس باشا الثانية ( أول يناير 1930 – 19 يونيه 1930 ) خطة قدمها رئيس نقابة الموظفين والحركة الميكانيكية إلى ( أحمد خشبة باشا ) وزير الحقانية ) العدل ) في وزارة ( محمد محمود باشا ) ( 25 يونيو 1928 – 12 أكتوبر 1929 )

لاستخدام العمال وتجمعاتهم لمناوئة وضرب " حزب الوفد " خلال وزارة محمد محمود المشار إليها – وتكشف الخطة عن أساليب استمالة العمال إلى الأحزاب وأنواع الوعود التي يسهل إغرائهم بها كمنح " اليتامي من أبناء الموظفين منهم مساعدة لذريتهم بواسطة صرف مبالغ من أموال المراهنات تدفع لهم بعد الدخول معهم وبث روح المسالمة بينهم "

كما يقرر صاحب الخطة ويدعي " أسعد لطفي حسن" أن الوسائل التي يراها لجذب العمال إلى صف حكومة محمد محمود " توجد بين العمال وبين من يسعون لا استفزازهم والانتفاع بهم ( يقصد الوفد) سدا منيعا يضمن خلودهم إلى السكينة والقيام بأعمالهم في جو هادئ وحياة طيبة بعيدة عن الغوغاء والشرور "

وقد خلت الساحة في الثلاثينيات لقوي سياسية جديدة لعبت دورها في الشارع السياسي وتأثرت بتيارات واردة من الخارج " كالفاشستية" ومثلها " حزب مصر الفتاة " وبنزعات دينية " كالإخوان المسلمين " إلى جانب ذلك الصراع الذي كان يدور بين الوفد كحزب للأغلبية من جهة وبين أحزاب الأقلية ووزاراتها المعتمدة على القصر ..

ويلفت النظر في إجراءات الحكومية ضد " النشاط الشيوعي " ما درجت عليه من الربط المتلازم بين هذا النشاط – والنشاط العمالي - بمعني أن النشاط العمالي المصري سواء أكان تجمعا للتأليف نقابة أو مطالبات بحقوق أو نزاع بين العمال وأصحاب الأعمال كان هذا كله يصنف في سجلات أجهزة الأمن تحت عنوان " النشاط الهدام " الذي يضم النشاط الشيوعي أيضا .

وقد ساعد على " الربط" أمرين :

أولهما : ذلك الفهم المجرد من الرؤية الحقيقية لمعني تبني " اليسار " لقضية الطبقات العاملة الكادحة فهذا الفهم السطحي لذلك المعني والراجع إلى ظروف " الأمية السياسية " عند المشتغلين بالأمن السياسي في مصر في ذلك الوقت – أدي إلى اعتبار الطبقات العاملة وكل صور نشاطها جزءا لا يتجزأ من النشاط الشيوعي والتعامل معها وفقا لهذا التصور .
أما ثانيهما : فهو ذلك الاقتراب الخاطئ من جانب الحكومة من مشاكل العمال – فإفلاسها في معالجة المشكلة العمالية معالجة صحيحة مقرونا بالرعب الذي ليس له ما يبرره من تسلل " الأفكار الهدامة" إلى عقول العمال وبالتالي انتشار الشيوعية في البلاد – جعل أسلوب حلها للمشاكل العمالية أقرب إلى العمل البوليسي منه إلى العمل الاجتماعي – وهو الاقتراب الصحيح لقضية العمال باعتبارها قضية تتعلق بأحوالهم المعيشية ورفاهيتهم.
فلقد شاهدنا المصاعب والمشاكل التي قامت بين العمال وأصحاب الأعمال في مصر في أعقاب الحب العظمي ( 1914 -1918 ) وكيف أن المشتغلين بالحركة الماركسية استطاعوا في ظل هذه الاضطرابات أن يسيطروا على الحركة العمالية في البلاد.
في ذلك الوقت قامت الحكومة بإنشاء لجنة" تبحث أوجه الخلاف بين العمال وأصحاب الأعمال – وكان إنشاءها بقرار من مجلس الوزراء في 18 أغسطس سنة 1919 تحت آسه الدكتور " الكسندر جرانفيل " رئيس المجلس الدولي للصحة البحرية والكورنتينات وقتئذ ، وعضوية كل من محمود صادق يونس بك رئيس نيابة الإسكندرية الأهلية والمستر هورنبلور كبري مفتشي وزارة الداخلية سابقا ، ورفله تادرس بك مدير الصناعة والتجارة سابقا وأحمد عمر بك مدير مصلحة تنظيم العاصمة وضم إلى عضويتها فيما بعد " جروج زنانيري" باشا سكرتير عام المجلس الدولي للصحة البحرية والكورنتينات سابقا .
وقد حاولت اللجنة فحص المشاكل العمالية في شركات الترام بالقاهرة وهليوبوليس والإسكندرية والرمل وشركتي سكة حديد الدلتا والوجه البحري لكن تزايد الشكاوي والمطالبات العمالية أثبت عجز اللجنة عن محاصرة كل مطالب العمال وحلها – فقر مجلس الوزراء بتاريخ 25 أبريل 1924 إلغاء هذه اللجنة على أن تحل محلها بصفته رئيسا وعضوية رئيس النيابة أو النائب وقاض بالمحكمة الأهلية يعينه وزير الحقانية ومندوب عن أصحاب العمل وآخر عن العمال .
وفي محاولة لإسباغ صفة الجدية على علاج المشكلة العمالية قرت وزارة روت الثانية ( 25 أبريل 1927 -16 مارس 1928 ) تشكيل لجنة لبحث حالة العمال والعمل على تنظيم العلاقة بينهم وبين أصحاب الأعمال ووضع النصوص التي تقيم جسور الثقة بين الطرفين وكانت هذه اللجنة برئاسة " عبد الرحمن رضا باشا " وكيل وزارة الحقانية ( العدل ) في ذلك الوقت .

وقامت " الجنة " بعدة دراسات ميدانية ونظرية واتصل مندوبها بكثير من العمال وأصحاب الأعمال وبمكتب العمل الدولي في " عصبة الأمم" ثم أعدت مشروعا لتشريع عمالي ينظم العلاقات بين العمال وأصحاب الأعمال واقترح في المادة 86 منه إنشاء " مكتب العمل " كخطوة أولي لتحقيق أغراض التشريع .

ورغم أن " لجنة رضا باشا " قدمت تقريرها في عام 1928 فقد تأخر إنشاء "مكتب العمل " حتى نهاية نوفمبر سنة 1930 .وبصرف النظر عن " التباطؤ الحكومي " والنظرة المتراخية لقضية حيوية تمس أحوال عشرات الآلاف من المواطنين إلى جانب أسرهم – فإن كيفية إنشاء "مكتب العمل " هذا – توضح بجلاء ذلك " الاقتراب الخاطئ من مشاكل العمال " و" الإفلاس في معالجة المشكلة العمالية معالجة صحيحة " التي كانت تسيطر على حكومات ذلك العهد من انتشار الشيوعية في البلاد.

وتتمل حالة " الرعب " في البنيان البوليسي " الذي شكل مكتب العمل " عندما أنشئ بمقتضي القرار الوزاري قم 40 في 29 نوفمبر 1930 فالمكتب الحق " بإدارة عموم الأمن العام " المختصة بالجريمة والأمن في البلاد والتي كان الوجود البريطاني يهيمن عليها – وأسندت رئاسة المكتب إلى أحد " مفتشي الداخلية " من الانجليز وهو ر. م جريفز الذي كان يشغل منصب وكيل عام " الإدارة الأوروبية " بإدارة عموم الأمن العام وفوق هذا كله فقد كان القسم المخصوص "

وهو اسم جهاز الأمن العام – وفوق هذا كله فقد كان القسم المخصوص " وهو اسم جهاز الأمن السياسي في ذلك الوقت " ممثلا في تشكيل المكتب – وهذا كله رسخ الاعتقاد عند الطبقة العاملة بأن مهمة هذا " المكتب هو مراقبتها والسيطرة عليها .. لا حمايتها . وتنتهي حقبتا العشرينيات والثلاثينيات – لتأتي حقبة الأربعينيات فكيف كان الحال النشاط الشيوعي خلالها ...؟

الفصل الثاني

النشاط الشيوعي في الأربعينيات

أصاب الإعياء التام الحركة الماركسية بعد أن قدم مؤسسوها في العشرينيات إلى المحاكم ، وبعد الملاحقة المتيقظة من جانب أجهز الأمن لكل أنشطتها على مدي السنوات اللاحقة .

لكنها عادت مع نهايات الثلاثينيات تظهر على استحياء – وكما حدث في العشرينيات فقد ظهرت في هذه المرة على يد أفراد الجالية الأجنبية في البلاد.

ولنترك جنسية المولود الجديد... لنتفرغ لأسباب عودة النشاط الشيوعي من جديد في نهايات الثلاثينيات – وخير تفسير للأسباب هو بحث الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بحسبانها عوامل توفير المناخ الملائم لازدهار الشيوعية .

على المستوي الزراعي كانت إنتاجية الأرض من القطن تتدهور على مر السنين – وتكلفة الزراعة تتزايد لاستخدام الأسمدة الكيماوية بصورة متضاعفة – وأسعار القطن تتدهور بحيث أدي هذا إلى تحميل الأرض الزراعية بالديون – وأتت الحرب العالمية الثانية ( 1939 -1945 )

وتناقصت كميات الأسمدة المستوردة بسبب ظروف الحرب – واتبعت البلاد دورة زراعية غير ملائمة بهدف زيادة إنتاج القمح والحبوب لتغطية احتياجات الجيوش الحليفة .... وانتهي ذلك إلى تزايد تدهور إنتاجية الأرض . ونتيجة لتخبط سياسة الحكومة بشأن أسعار القطن الذي كانت بريطانيا تتحكم في سعره .. فقد تكدس هذا المحصول في المستودعات وانخفض معدل تصريفه ورفع ملاك الأراضي إيجاراتها بنتيجة مؤداها تحمل المزارعين الصغار عبء استغلال ملاك الأرض لهم.

وكان العامل الزراعي يعاني من ضآلة أجر عمله . واجتمع اختلال الفوارق بين المالك وباقي المشتغلين بالعمل الزراعي .

وعلى مستوي الصناعة أتاح قيام الحرب الثانية فرصة نموها بمعدل 5،5% وتزايد إنتاج صناعات مصرية أساسية كالنسيج بمعدل 14،5% في العام – وتحولت عملية النمو الصناعي تحولا صحيا عندما ارتفع عدد المصانع الكبيرة التي يزيد إنتاجها عن 1000 جنيه من 29،4% إلى 39،6% في الفترة (1945 -1950) على حساب المصانع الصغيرة التي تقل قيمة إنتاجها عن 500 جنيه والتي انخفضت إلى 37،7% بعدما كانت 54،9% في نفس الفترة – وارتفعت نسبة المصانع التي يتراوح إنتاجها بين 500 -1000 جنيه من 15،7 % إلى 22و7% .

وزادت رؤوس الأموال المستخدمة في الشركات الصناعية والتجارية من 86 مليون جنيه عام 1939 إلى 106 مليون جنيه عام 1945 وكنتيجة طبيعية لازدهار الصناعة في البلاد فقد زادت أعداد الطبقة العاملة من 247،000 في عام 1939 إلى 360،000 في عام 1945 ثم إلى 400،000 عام 1948 .

ورغم أن الصناعة المصرية كانت أسعد حظا من الزراعة في نهايات الثلاثينيات فصاعدا وهو ما كان يستتبع عقلا – أن تتوفر للعامل الصناعي ظروف حياة أفضل من حياة العامل في مجال الزراعة فإن هذا الازدهار الصناعي قد أتي – وعلى عكس المتوقع بزيادة إفقار العامل الصناعي .

لقد كان الحد الأدنى من الدخل اللازم للعامل وأسرته المكونة من زوجة واحدة وأربعة أولاد هو 439 قرشا في الشهر – لكن متوسط الأجر الشهري للعامل المصري عام 1942 كان لا يتجاوز 293 قرشا في الشهر بمعني أن الطبقة العاملة في مصر كانت تعيش دن الحد الأدنى للكفاف بمقدار النصف تقريبا .

وعلى المستوي العام فإن المجتمع المصري في مجموعه كان يعاني من ظروف الحياة السيئة – فقد كان مستوي دخل الفرد في الفترة 1940 – 1945 ( 9،4 جنيها في العام ) بالمقارنة بدخله في الفترة 1921 -1928 ( 12،3 جنيها في العام ) بمعني أن متوسط دخل الفرد هبط في الفترة 1940 -1945 بمقدار 15 % تقريبا عن دخله في الفترة 1921 -1928 .

وفي خصوص توزيع الدخل القومي – فإن 61% من هذا الدخل الذي قدر عام 1945 بمبلغ 502 مليون جنيه كان يذهب إلى كبار الملاك والرأسماليين وهم في مجموعهم لا يتجاوزن 33000 في الريف و10،000 من كبار التجار وأصحاب الأسهم والسندات وأعضاء مجالس إدارات الشركات – يقابلهم 12 مليون عامل زراعي و 265000 مستخدم وموظف حكومي وغير حكومي وقرابة مليون عامل في المدن ومليون ونصف عامل غير ماهر .

كان النهب من جانب كبار الرأسماليين والإقطاعيين هو الموصل إلى البؤس الذي تعاني منه باقي الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين وأغلب شرائح المجتمع المصري .ثم أنساب فوق هذا كله أكثر من 300،000 عامل عاطل سرحوا مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الشوارع بعد أن استغنت معسكرات وورش قوات الاحتلال البريطاني والقوات الأمريكي عنهم .

وفي ظروف ملائمة كهذه فإن الأسباب التي تسهم في التفجير الثوري والاجتماعي – أو على الأقل الأسباب التي تدفع بالعناصر المطحونة تجاه " اليسار " تصبح مقبولة.

بل إن المراقبين الأجانب أنفسهم كانوا يتوقعون شيئا ما – وفي هذا الصدد فإن مراسل " المانشستر جارديان " قال في مقاله يوم 24 مارس 1949:

" بكل المقاييس الموجودة في الكتب المدرسية فإن ثورة اجتماعية يجب أن تقوم في مصر غدا – تسعون في المائة من ثورة مصر في أيدي أقلية صغيرة من كبار الملاك ورجال الأعمال – وعدد السكان ارتفع في مليون في عام 1897 إلى ما يزيد على 19 مليون اليوم – ولا يزال يتزايد بمعدل 4 مليون كل عشرة سنوات – ومع كل جهود التحسين ومشروعات الري – فإن الخبراء يقولون بأن الأرض لن تفي باحتياجات السكان ..

مستوي المعيشة ينحدر بانتظام – والفلاح العادي والعامل الزراعي الذين يمثلان 70% من مجموع السكان يعتبر كل منهما محظوظا إذا أتيحت له الفرصة ليعمل لمدة مائة وخسمين يوما مدفوعة الأجر في العام .

ومشكلة التضخم البشري والبطالة المقنعة ( ثلاثة أو أربعة رجال يؤدون عمل رجل واحد) تماثل تمام تلك التي تحدث في ايطاليا ، مع استثناء أن المصريين لم يحاولون طرق أبواب الهجرة .وستون بالمائة من الأهالي مرضي بالالتهاب الرئوي والبلهارسيا وأمراض مضعفة أخري وسبعون بالمائة جهلة ..... وهذه القضايا جميعا ناقوس إنذار بالخطر الذي لا يمكن تأجيل اقترابه "

كانت الأرض ممهدة أمام الفكر الماركسي ليجد طريقه بسهوله ، وليغزو عقولا طالما تاقت إلى الاستقلال بشقيه السياسي والاقتصادي – ليس على الطريقة البالية التي أخذت بها الحكومات المصرية والأحزاب المتكالبة على السلطة والتي بت فشلها خلال ربع قرن – ولكن على نحو متميز يحيط هذين النوعين من الاستقلال بسياج قوامه المضمون الاجتماعي .

بدأت حركة أحياء " النشاط الشيوعي " في مصر في نهايات الثلاثينيات على يد تنظيم أجنبي يسمي " اتحاد أنصار السلام " تزعمه سويسري يدعي "بول جاك ودي كومب "... وضم هذا التنظيم عددا من الأجانب المعتنقين " الفكر الماركسي ".... خلال السنوات التالية وسع " دي كومب " من نشاطه تنظيمه وضم إليه عددا من اليونانيين اليساريين .

وإلى جانب " دي كومب " – كانت هناك تجمعات يسارية أخري من الإيطاليين المقيمين في مصر ، وفي نفس الوقت كان اليهودي المصري " هنري كورييل" المولود في القاهرة عام 1915 وابن احد أصحاب المصارف والمعتنق للماركسية عام 1937 -1938 يؤسس تنظيما آخر تحت اسم " الاتحاد الديمقراطي " الذي تكون من بعض الأجانب المقيمين في مصر – وكان الديمقراطي " الذي تكون من بعض الأجانب المقيمين في مصر – وكان نشاط هذا التنظيم الرئيسي هو تجنيد الشباب المصري وضمه إلى صفوفه .

وفي تواضع شديد بدأت الجماعتان ( أنصار السلام – والاتحاد الديمقراطي ) تعملان على نش الفكر الماركسي بين أوساط الشباب المصري .

وتبلورت في شتاء 1941 -1942 جهود الحركة الشيوعية في شكل عدة حلقات متفرقة تعمل دون تنسيق وتبلغ نحو العشرين حلقة – كان أهمها مجموعتان هما " حمتو – الحركة المصرية للتحرر الوطني " ويرأسها " هنري كورييل " مؤسس الاتحاد الديمقراطي " السابق الإشارة إليه – ومجموعة " أسكرا " ( أى الشرارة ويرأسها اليهودي المصري " هليل شفارتز"

كان التنافر هو أحد المظاهر التي ميزت العمل الشيوعي في الأربعينيات – والذي سيظل ملازما لهذا النشاط سنوات – فالحركتان الكبيرتان " حمتو وأسكرا " بدءتا العمل في بواكير الأربعينيات مختلفتان حول الأهداف .

" حمتو" كانت تري أن الهدف العاجل للحركة الشيوعية هو " الانتشار الجماهيري" والتوسع في تجنيد المصريين وضمهم إلى التنظيم دون اعتبار كبير " لنضجهم السياسي " إلى درجة ضم عناصر الطبقة العاملة إليها ، رغم مستواهم الثقافي المنخفض وانتشار الأمية بينهم.

أما " أسكرا " فقد بدت مترفعة عن عمل الجماهيري ورأت قيادتها أن مهمتها الرئيسية هي إعداد أعضاء التنظيم إعدادا ثقافيا وحصرت عملها بين المثقفين دون غيرهم .

وتؤكد وثائق الأمن السياسي في هذه الفترة شكل هذا " التنافر" بين الجماعتين الشيوعيتين الكبيرتين – ففي أواخر عام 1942 قامت إدارة الضبط فرع ب ( القسم المخصوص أو البوليس السياسي حسب تسميته المهنية في ذلك الوقت ) ببوليس مدينة القاهرة بمراقبة تنظيم شيوعي ( هو حمتو الذي كان مشهورا باسم ح. م) ثم قبض في النهاية على زعمائه " توماس بلاموتيس " – و " سلامون سليم " و" على أبو النيل " و" زكي عبده " و" إدوارد عبده ".

وأهمية هذه القضية في الدلالة على اختلاف في أهداف الحركتين هو أن الثلاثة الأخيرين من المقبوض عليهم كانوا من " العمال " كما أن " سلامون سليم " و" توما بلاموتيس " كانا هما اللذان توليا إدارة " المركز الثقافي الاجتماعي " أحد مراحل نشاط " هنرى كورييل " قبل انتقاله إلى " الاتحاد الديمقراطي " ثم إلى " ح . م " بعد ذلك – وواضح أيضا أن " انتشار " ح. م وسعيها إلى نش دعوتها بين المصريين كان سببا في سرعة التفات أجهزة الأمن السياسي إليها مبكرا وعلى عكس" أسكرا التي تضمن مبدأها الذي لا يؤمن بالانتشار – التكتم والسرية وهو ما جعلها بعيدة – ولو مؤقتا عن يد جهاز الأمن السياسي .

وإلى جانب " التنافر" في شأن الأهداف – فإن قضية " التمصير" كانت عاملا آخر من عوامل ابتعاد التنظيمات الشيوعية عن الاتحاد فالحركة المصرية ( ح. م) كانت متنبهة من البداية إلى سخف " الدعوة في الشارع المصري وعن قضايا مصرية بواسطة " أجانب " وكانت من هذا المنطلق تركز كما سبق القول على العمل الجماهيري الكتابة الصحفية وتجنيد الأعداد الكبيرة من المصريين وانتخاب القيادات المصرية منهم أما " أسكرا " ومن تبعها من التنظيمات فقد استمرت في مسلكها المخالف لعقيدة ح . م في شأن التمصير .

وهذا الخلاف أدي إلى زيادة توزع الحلقات الشيوعية خلال الأربعينيات أكثر مما كانت عليه من توزع . ففي 1943 تأسست منظمة " تحرير" التي كانت تسعي نحو " عمل ماركسي مصري خالص " ثم تبع ذلك حتى عام 1945 ظهور مجموعات " الطليعة " و" عصبة الماركسيين – و" الفجر الجديد " وبالطبع فإن كل تنظيم من هذه التنظيمات كان يتخذ الموقف الذي يتفق وعقيدته في شأن " الخلاف " الناشب بين الجماعتين الكبيرتين.

ويبدو من تقارير أجهزة الأمن السياسي خلال عامي 19441945 أن خط " الاتجاه نحو التمصير " كان هو الفائز في الصراع بين التنظيمات الشيوعية المختلفة .

فخلال عام 1943 كانت تقارير ( إدارة الضبط فرع ب ) تراقب الحركات الشيوعية وتضع تحت ملاحظتها ( بعض المصريين الذين يتزعمهم أحد اليونانيين ... بسبب الدعاية التي كانوا يروجونها للشيوعية ويثيرون شعور الناس ضد الرأسمالية "

وخلال عام 1944 يمكن أن نلحظ تغيرا في لهجة تلك التقارير – إذ تخلو من الإشارة إلى الأجانب ويقتصر حديثها عن المصريين – مما يؤكد الاستنتاج بأن الاتجاه نحو " التمصير الشيوعي " كان يحدث أثره" عاود جماعة من المصريين المعروفين لإدارة الضبط فرع ( ب) ببوليس مدينة القاهرة بميولهم الشيوعية ، والذين سبق اتهامهم في قضايا خاصة بالشيوعية – عاودوا نشاطهم محاولين نشر دعايتهم بين طبقات الشعب تحت ستار من الأمور الاجتماعية مدعين أن سياستهم هذه ليست إلا ثقافية واجتماعية، وانتهز هؤلاء بعض الفرص النشر دعايتهم الشيوعية وإحداث حرب بين طبقات الأمة بحضهم الفقراء على بث روح الحقد على الأغنياء ، واعتقل واحد من هؤلاء الجماعة عندما كان يحث الناس على اعتناق المبدئ الشيوعي ".

ومع ذلك فإنه لا يمكن القطع بأن الحركة الماركسية في مصر كانت قد تخلصت من " الوصاية الأجنبية " عليها تماما في ذلك الوقت – لكن القدر المتقين هو أن حكة التمصير كانت تسير بخطي ثابتة – ولم يجد المشتغلون بالعمل السياسي في النصف الثاني من الأربعينيات – بعد انتهاء الحرب غضاضة في العمل مع " اليسار "جنبا إلى جانب في الشارع السياسي الذي كان يزخر بالتيارات السياسية المختلفة .

وعندما اجتمع ممثلو وقادة حركة الطلبة بملاعب كلية الطب بجامعة فؤاد الأول في صيف 1945 ن أجل تكوين وطنية للكفاح ضد الاستعمار والسياسة المصرية البالية – كان للاتجاه اليساري أثره في نشاط " اللجنة التنفيذية للطلبة والعمال " التي انبثقت عن اجتماعات قادة هذه الحركة في فبراير 1946 ولعل ظهور " الطليعة الوفدية ) في ذلك الوقت يبين إلى أى مدي استطاع " الناشط الماركسي " أن يحدث أثره في صفوف الشباب الوفدي الذي كان يشارك في ناشط اللجنة التنفيذية للطلبة والعمال .

وشيوعيين كفؤاد محيي الدين – عبد الرءوف أبو علم – وعبد المحسن حموده . لم يكن للجماعات الشيوعية حتى منتصف 1947 أى تجمع حزبي مركزي كما سبق القول – لكن المجموعتين الكبيرتين ( ح . م) و( آسكرا ) استطاعتا تجاوز خلافاتهما مؤقتا واندمجتا في ( يوليو ) 1947 تحت اسم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ( حدتو) وأقامت هذه الحركة لجنة مركزية.

وانطلقت تجند الأعضاء في المدن وشهد الربع الأخير من عام 1947 تزايدا ضخما للناشط الشيوعي في مصر – وخاصة في صفوف عساكر البوليس والجيش وكذلك فغن عدد القضايا التي ضبط فيها أفراد لهذه المنظمة يمارسون نشاطهم كان خمسين قضية بلغ عدد المقبوض عليهم فيها مائتي متهم وهذا دليل تزايد نشاط التنظيم الموحد " حدتو " في ذلك الوقت .

كذلك فقد حققت " حدتو" نفوذا مؤثرا في صفوف العمال خلال عام 1947، أثبتت التقارير الصادرة عن أجهزة الأمن السياسي أنها" حدتو" كانت المسئولة عن الإضراب الكبير الذي قام به عمال مصانع النسيج بالمحلة الكبرى في سبتمبر 1947 كما أنها كانت تسعي لاختراق والسيطرة على حزب الوفد باعتباره الحزب المؤثر في الحركة السياسية المصرية .

لكن هذه الوحدة بين مجموعتي " ح . م" و" آسكرا " والتي أسفرت عن تنظيم " حدتو" لم تستطيع أن تقاوم عوامل التنافر السابقة على الوحدة – فلم تلبث أن أصابها الانقسام في نهايات عام 1947 ... ودخلت " حدتو" في صراع مع التنظيمات الشيوعية الأخرى التي كانت خارج هذه الوحدة – " كالفجر الجديد " و" العصبة الماركسية"

امتد هذا الصراع إلى داخل " حدتو" نفسها – بين زعامتها " هنري كورييل " و" هليل شفارتز" فبينما أصرت مجموعة " كورييل" على الانتشار الجماهيري والتجنيد الموسع للمصريين تمسكت مجموعة " شفارتز" بخطها المترفع المنغلق – ثم زاد الخلاف حدة حول قضية إبعاد العناصر غير المصرية من التنظيم ... وأخيرا ظهر الخلاف داخل التنظيم حول قضية " فلسطين" فتبنت مجموعة " هنري كوييل " حل " التقسيم " بينما أسست جماع " شفارتز " جماعة يهودية تعادي الصهيونية تكونت أساسا من اليهود الشبان المصريين وقادها اليهودي عزرا هراري واستطاعت أن تكسب تأييد الطائفة اليهودية في مصر .

ورغم الانقسام المدمر في وحدة " ح. م " وأسكرا " ( حدتو) فقد ظلت ( حدتو) مع ذلك هي التنظيم المؤثر والمسيطر على الحركة الماركسية في مصر – واستطاعت بعملية التوحيد في عام 1947 أن تجمع أغلب القوي اليسارية في تنظيمها الموحد – وكانت خلال عام 1947 أقوي تنظيم شيوعي في البلاد بشهادة أجهزة الأمن السياسي ..

وقد أتاح الجهد الرائع لجهاز الأمن السياسي – خلال الشهور القصيرة للوحدة بين " ح . م " و" أسكرا" والذي مكنه من النفاذ إلى صميم " حدتو " الفرصة للتعرف على شكل " الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني " بشكل مفصل.

فقد نظمت ( حدتو) وفق أسلوب يصنف مجموعاتها وخلاياها إلى قسم للعمال – قسم للطلبة – قسم تجاري ( الكتبة والعمال العاملين في شركات تجارية ) قسم للفئات المهنية ( موظفي الحكومة ) قسم الأجانب – وقسم البوليس والجيش.

واتسم كل قسم إلى أفرع – كفرع العناصر اليهودية المنبثق عن " قسم الأجانب " كما أن بعض الأقسام كانت عند الضرورة تتجزأ إلى مجموعات أصغر ( خلايا )وخضعت ( حدتو) لسيطرة ( لجنة مركزية ) كانت مسئولة عن سياساتها وأشكالها التنظيمية وماليتها وأنشطتها – كما كان هناك سكرتارية تنفيذية للقيام بالعمل الإداري اليومي – ومكتب سياسي عبارة عن لجنة فرعية منبثقة عن اللجنة المركزية تتولي أعمال الدعاية أساسا .

وقد وفرت صحافة ( حدتو) لها قدرا كبيرا من الانتعاش والحيوية والمحافظ على وحدة الإيقاع التنظيمي – خلال فترة الوحدة – فقد كانت صحيفة " الرابطة" تختص بأنباء التنظيم الداخلي للحركة – واختصت " الضمير " بالتوعية والنظريات السياسية والأمور التثقيفية البحتة – بينما تولت صحيفة " الجماهير" مناقشة كافة الاهتمامات . وإلى جانب ذلك فقد قامت صحافة الحركة بدور الوصل بين ( الأقسام المختلفة ) " لحدتو" وتعريفها بجهود وأنشطة التنظيم بصفة عامة .

وقد تميزت صحافة ( حدتو ) بارتفاع مستوي المقالات والاهتمام بالمشاكل الشخصية داخل التنظيم - كما كان التوجيه السياسي في مواجهة أى موقف سياسي معين يصدر عن اللجنة المركزية وينشر في هذه الصحافة وكانت باقي الأقسام تشارك بمقالات عن عملها ومشاكلها .

وكانت صحافة ( حدتو) تكتب على الآلة الكاتبة أو نسخا باليد ثم تستخرج النسخ ( بالرونيو) وتوزع سرا وداخليا بين أفراد التنظيم .اتفقت سياسة ( حدتو) مع الخط السياسي الذي كانت تعتنقه باقي الحركات الشيوعية في العالم وكانت في بداية قيامها " حركة تحرير تسعي لتحقيق الاستقلال بمعني جلاء المؤسسات والنفوذ البريطاني تماما – وهذا الخط استلزم من الحركة مهاجمة الإمبريالية البريطانية والرأسمالية الأمريكية في صحافة الحركة – كما أن التزام ( حدتو) بهذا الخط العام ألزمها المحافظة على تشجيع كل الجهود المؤدية إلى إيقاظ الضمير الوطني بن الناس – وبكلمات أخري قبول أخري قبول التعاون مع كل أنواع " الجماعات الغير ديمقراطية " كالإخوان المسلمين أو " حزب مصر الفتاة " لتكوين جبهات وطنية تنادي بالاستقلال الوطني .

ولتغطية موقفها تجاه قضية " فلسطين " ذلك الموقف الذي كان يوافق على " التقسيم " رغم مخالفته لأماني أغلب الفئات المصرية والعربية فإنها التزمت خطا آمنا تمثل في حث الشعب على عدم التراخي في أمانيه الوطنية – وطالبته بالابتعاد عن الإمبريالية وأدواتها من الأحزاب السياسية والنضال في سبيل استقلال وادي النيل .

وعلى الصعيد السياسي الداخلي فقد آمنت ( حدتو) بفكرة التحول إلى ( حزب ) له مكانته في الهيكل الهرمي الشيوعي – ولعل هذا المطلب الطموح يفسر تعاظم جهود ( حدتو ) خلال عام الوحدة ( 1947 ) لزيادة أعداد أعضائها وتدريبهم ومد نشاط خلاياها وقد اشتغلت اللجنة المركزية ( لحدتو) خلال عام 1947 بفكرة إقامة مدارس بروليتاريا للتدريب حيث يقضي الأعضاء دورات لمدة ستة أشهر ( وهو ما يطلق عليه فنيا تدريب الكادر ) كما أن مكتبة مركزية كانت في سبيل الإنشاء .

وقد كان من بين برامج ( حدتو ) تجنيد ( ثوار محترفين ) من بين صفوف أعضائها – وجرت في ذلك الوقت ( 1947 ) حركة نشطة لجمع التبرعات لأغراض التدريب والدعم .

كذلك سعت الحركة إلى إنشاء خلايا في باقي المحافظات بين الفلاحين واستخدمت لهذا الغرض المدرسين وموظفي فروع الوزارات الذين لهم بحكم أعمالهم – اتصالا منتظما بأهالي الأقاليم .

وقد كشفت عمليات " اختراق " ( القسم المخصوص ) لمراسلات الحركة عن ذلك النشاط وعن زيارات تفتيشية قام بها المسئولون الماركسيون ( الخارجيون ) بقيادة ( حدتو) وقد تولت الدعاية والحديث باسم التنظيم – الجريدة الأسبوعية " الجماهير " التي انتظمت لمدة تزيد على تسعة أشهر خلال عام 1947

كانت " الجماهير " عبارة عن جريدة تقع في ستة صفحات وتحتوي على مقالات جيدة الكتابة وقيمة تهاجم الإمبريالية عامة والإمبراطورية خاصة – وأى أو كل الحكومات أو الأحزاب التي تظهر أدني ميل إلى التعاون مع البريطانيين – كما كانت تنشر مقالات تهاجم الأحوال السيئة في المصانع .

وكان المحرر الأول ( للجماهير ) هو " محمود النبوي عبد اللطيف" المحامي – الذي كان معروفا لدي دوائر البوليس السياسي باتصاله بوكالة ( تاس ) وبالمفوضية اليوغو سلافية – كما كان معروفا عنه تلقي الدعم المالي من مفوضية الاتحاد السوفيتي بالقاهرة – وكانت صلاته بالحزب الشيوعي في بريطانيا توفر له الحصول على " دوريات يسارية متنوعة "

تيسر له المادة العلمية لكتاباته في شأن " التنظيم الشيوعي "وقد بلغ اهتمام ( حدتو) بجريدتها حد تخصيص قسم لإصدارها تولي إدارته " عبده دهب حسنين " الصديق القريب " لهنري كورييل " الشيوعي الشهير.

وكانت ( الجماهير ) تحظي باهتمام كبير من " العاطفين " على ( الحركة" وكانت تتلقي دعما حرا من " المضيفين " الشيوعيين والعاطفين – كما كانت تحظي بتأييد اتحاد الترجمة الصحفية " الذي كان يخضع للنفوذ الشيوعي .

وقد بلغ توزيع " الجماهير " حوالي 8000 نسخة إلى جانب إعداد كثيرة كانت توزع مجانا في أوساط الطبقة العاملة كالمحلة الكبرى وشبرا الخيمة .

وإلى جانب " الجماهير " واسعة الانتشار - فقد كانت حدتو تخاطب الشعب المصري من خلال النشرات " البسكويت" ولم يكن يفوت الحركة أى فرصة دون أن تنتهزها لاستثمارها لصالح العمل اليساري في أوساط العمال والطلبة وكانت كراسات الدعاية تنسخ بالعربية والانجليزية والفرنسية وتوزع على الفئات التي كانت الحركة تتوجه إليها بندائها كما استخدمت ( حدتو) النسخ والطباعة في إصدار نشراتها وامتلكت عدة ماكينات للرونيو ومطبعة سرية – وكانت هناك وحدة خاصة داخل التنظيم تتولي مسؤولية إنتاج كل المطبوعات ... وكان من الواضح من خلال رصد نشاطها أنها على درجة عالية من الكفاءة .

ولم يقتصر النشاط الدعائي ( لحدتو) على الصحافة المحلية – فقد كان نشاطها في توزيع كتب الأدب السوفييتي كبيرا ويؤكد ذلك حجم مبيعاتها من هذه الكتب والكراسات التي كانت ترد إليها من ( سوريا) وكانت محال " الشبكشي" و" اللواء " و" الصبان" هي أكثر المحال ترويجا لهذه المبيعات .

وباستثناء المدفوعات التي كان رئيس تحرير ( الجماهير ) " محمود النبوي عبد اللطيف ط يتلقاها من المفوضية السوفيتية في القاهرة – فإن جهاز البوليس السياسي فشل في أن يثبت تلقي ( حدتو) لأى دعم مالي " من الخارج" وهو ما كان هذا الجهاز يتحرق شوقا إلى إثباته ..

وكان المتقين أن الدعم المالي ( لحدتو) يأتي عن طريق التبرعات التي يدفعها الأعضاء – ويبدو أن ميزانية " الحركة" الربع سنوية كانت تبلغ حوالي الأربعة آلاف جنيه – كانت تنفق في أغلبها لأغراض تكوين " جهاز دائم "من العاملين بها .

كان النشاط الشيوعي بصفة عامة ( وحدتو) بصفة خاصة يوجه جهوده نحو أكبر تجمعين في مصر وأعني بهما ( الطلاب ) و( العمال ) .ففي شأن التجمع الأول كان نشاط ( حدتو) متصاعدا بين الطلاب ورغم أن دور العلم كثيرا ما كانت تتعرض لإجازات ( إجبارية ) طويلة نتيجة للظروف السياسية فإن ( حدتو) حققت انتصارا كبيرا بوصول أعضائها إلى اتحاد الطلاب في " جامعة فؤاد الأول " خلال الانتخابات التي أجريت مع بداية العام الجامعي 1947 / 48.

أما بالنسبة ( للعمال) فقد حفز النجاح الساحق الذي حققته الحركة الشيوعية في أوساطهم في مايو 1946 عندما نظمت " مؤتمر نقابات عمال القطر المصري " وخططت لإضراب عام – حفز هذا النجاح تنظيم " حدتو" على استمرار التركيز على " الطبقة العاملة " باعتبارها المطلب الأساسي للتبشير بالماركسية ولقد كانت توجيهات اللجنة المركزية ( لحدتو) تشير إلى أن مفتاح الثورة الاجتماعية هو " العمال " وأن نجاح ( حدتو) يرتبط تماما بكسب " العمال " إلى " الخط الماركسي " ولعل هذا المسلك هو الذي كان يجعل من قسم العمال بالحركة أهم قسم بها .

ويرجع تاريخ " قسم العمال " ( بحدتو ) إلى ما قبل " الوحدة فقد كان هذا القسم موجودا في " ح. م" ونقل بكامله إلى المنظمة الجديدة – وكان له جريدة خاصة تسمي " الكفاح العمالي " تطبع سرا وتحتوي دعاية مخصصة كلية للعمال وتوزع في المناطق الصناعية وكانت المقالات التي تنشر بهذه الجريدة تعالج بعض القضايا العمالية وتنظيم النقابات – لكن ظهورها لم يكن منتظما وكانت توزع بلا مقابل .

لقد كان أبرز مظاهر النشاط الشيوعي في أوساط العمال هو " الإضراب ومع أنه من قبيل التزيد نسبة كل الإضرابات العمالية الناشئة عن أوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها للجهود الشيوعية إلا أنه ليس من المبالغة القول بأن نسبة كبيرة من هذه الإضرابات في نفس الوقت – كانت ترجع لتأثير المنظمين اليساريين في صفوف العمال .

وفي هذا المقام فإن ( حدتو) كان لها دور كبير – فقد أثبتت لجنة التحقيق التي جلست لمناقشة أسباب الثورة العمالية الكبرى بالمحلة الكبرى في سبتمبرنوفمبر 1947 والتي شارك فيها أكث من 20،000 عامل وأسفرت عن مصادمات دامية مع البوليس – أن هذه الثورة كان قد خطط لها بمعرفة بعض العمال الأعضاء في " الحركة " والذين قدموا من القاهرة لهذا الغرض .

وقد يتساءل البعض عن المكاسب التي كانت الحركة الشيوعية تجنيها من التحريض على الإضراب وإثارة المتاعب في أوساط العمال .... والإجابة على ذلك هي أن أهداف النشاط الشيوعي من ذلك هي " إيقاظ الوعي السياسي عند العمال " و" إكسابهم الخبرة في النضال ضد أصحاب العمل والسلطات " و" تزايد ثقتهم في طبقتهم وتزايد إحساسهم بقوة العمال عندما يتحدثون "... وكلها مراحل في طريق " ثورة البروليتاريا"

لم يكن نشاط الماركسيين الأجانب قبل قيام ( حدتو) في يونيويوليو 1947 يخضع لتنسيق موحد – بل كانت كل مجموعة تعمل مستقلة عن الأخرى – وكان هذا راجع أساسا إلى الاختلاف الجذري بين قياداتها ( كهنري كورييل ) و ( هليل شفارتز) – على سبيل المثال فإن " الرابطة اليهودية ضد الصهيونية " التي كانت تخضع في زعامتها للقيادة ( الآسكراوية ) لم تكن على اتصال ( بحدتو) الموحدة عندما وجدت الأخيرة ..

ومع هذا فقد كان هناك نوع من الاتصال على المستوي الشخصي بين الأجانب العاملين في الحركة الماركسية . ولم يظهر قسم الأجانب في ( حدتو) إلا في الأشهر الأخيرة من عام 1947 كمؤشر على تنسيق ( حدتو ) لنشاط الأجانب .

ورغم أن المصريين كانوا هم الأغلبية في حركة كهذه تعمل في مصر فإن الأجانب مع ذلك كانوا يشغلون المناصب القيادية في ( حدتو ) كما أن كثيرا من المقالات التي كانت تصدر في صحافة الحركة كان من تحرير أعضاء في " قسم الأجانب " بالتنظيم وكان اثنان من الأجانب في اللجنة التنفيذية ( لحدتو) " هنري كورييل وهليل شفارتز"

وكان العنصر اليهودي في قسم الأجانب هو أكثر العناصر نشاطا – وقد أسس كما سبق القول ط الرابطة اليهودية ضد الصهيونية " التي نظمت حملة دعائية بين أوساط اليهود المصريين وميزت نفسها بالعمل في نطاق الأهداف المصرية للاستقلال الوطني ... وقد نظمت هذه الرابطة دعاية قوية من جل مبادئها – لكن أغلب جهود القادة اليهود في " حدتو" مع ذلك كانت من أجل ( حدتو) أكثر من الوجود الصهيوني في فلسطين .

وعلى مستوي " العسكريين" استطاعت ( حدتو) أن تقيم قسما خاصا للنفاذ وكسب المؤيدين بين صفوف البوليس والجيش ولاقت النشرات التي تلمس المتاعب المادية بالخدمة صدي واسعا بين رجال القوات المسلحة وكان جهاز الأمن السياسي يعتقد أن هذه النشرات تصدر عن " اتحاد مترجمي الصحافة" وقد قبض خلال عام 1947 على بعض " الكونستلابلات" بالبوليس وهم يوزعون نشرات " حدتو" وتم قمع إضراب بين " الكونستابلات " في ذلك الوقت على وجه السرعة - كذلك فقد نجحت ( حدتو ) في نشر السخط بين الرتب الأخرى في الجيش ( الصف ضباط) وقد بلغ تأثير ( حدتو) في الجيش إلى حد قيام بعض الضباط بمؤامرة خلال الأشهر الأخيرة من عام 1947 تم إحباطها وضبط أعضاءها بسرعة . كما ضبطت مراسلات بين أحد الضباط المتهمين الحركة الشيوعية في لبنان .

ولكن تأثير ( حدتو) لم يكن له دور في إضراب ضباط البوليس في 6 أبريل 1948 – ولو أن بعضا من الضباط كان شيوعيا .

ولم يكتب ( لحدتو) أن تعيش طويلا – فقد أثرت فيها الانقسامات والخلافات تأثيرا أدي إلى تفرق اتحادها الذي كان مكونا من ( ح. م) و(أسكرا ) – ولم يأت مايو 1948 إلا وكانت ( حدتو) قد تفرقت وعندما كان جهاز الأمن السياسي يصعد عملياته في ذلك الهر تطبيقا للأحكام العرفية التي أعلنت بسبب دخول الجيش المصري الحرب ضد ( العصابات الإسرائيلية في فلسطين ) – كان بالفعل يضرب جماعات متفرقة كل منها يعمل منفردا عن الآخر .

وخلال الربع الثاني من عام 1948 كان نشاط التنظيمات الماركسية في مصر يكاد يكون مقتصرا على تحريك الطبقات المطحونة في إضرابات ضد الحكومة – كإضراب ( الممرضين ) في 6 /4/1948 الذي كان من ترتيب المحامي الشيوعي " مصطفي أغا " و" ايلي رافول "

ويمكن حصر التنظيمات الشيوعية التي كانت في الشارع المصري بعد انقسام ( حدتو في 1948 في :

  1. الحركة المصرية للتحرر الوطني ( ح.م) بتكوينها السابق على وحدتها مع ( أسكرا) والذي أسفر عن قيام ( حدتو) وقد تمسكت ( ح. م ) بالاسم الاندماجي وأطلقت على نفسها اسم " حدتو" الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني .
  2. أسكرا ( الشرارة ) وهذه انقسمت إلى :- المنظمة العمالية الثورية – المنظمة الشيوعية المصرية . ثم إنقسمت المنظمة العمالية الثورية إلى :- مجموعة النجم الأحمر – ومجموعة ( نحشم) نحو حزب شيوعي مصري ، ولم تستمر المجموعة الأخيرة طويلا وعادت فاندمجت في " حدتو" الجديدة .

ومن بين التنظيمات التي ظهرت في ذلك الوقت – تنظيم أطلق على نفسه اسم " الحركة الشيوعية الثورية "وهو تنظيم " تروتسكي " النزعة ويتبع " الدولية الرابعة"

وقد ضبط لهذا التنظيم نشرة تهاجم " الملك فاروق " – وكان محررها يختفي تحت اسم مستعار هو " فكري " وقد أدي غضب دوائر القصر في ذلك الوقت إلى قيام جهاز الأمن السياسي بحملة واسعة النطاق نجح خلالها في القبض على كل أعضاء هذا التنظيم .

ويبدو أن الهزال الذي أصاب الحركة الشيوعية نتيجة لموجة العنف البوليسي التي صاحبت دخول الجيش المصري فلسطين قد دفعها إلى التماس الدعم والمساندة من منظمات التمثيل السياسي لدول الكتلة الشقية في مصر .

فقد رصدت أجهزة الأمن خلال عام 1948 نشاطا لمجموعة مفوضيات وبعثات التجارة الدولية ( يوغوسلافيا – بولندا – تشيكو سلوفاكيا ) في أعمال الدعاية الشيوعية في مصر وكان موظفوا هذه البعثات الدبلوماسية يمارسون نشاطهم بصورة مكشوفة .

ومن بين التوجيهات التي تلقتها مجموعات النشاط اليساري في مصر " حدتو الجديدة " من البعثات الدبلوماسية الشيوعية المذكورة في ذلك الوقت تنفيذ خطة لاختراق نطاق " الجامعة الأزهرية " التي كان اسمها الكودي في وثائق الحركة اليسارية " زهره " وذلك عن طريق استغلال انخفاض شعبية القصر عند الأزهر ذلك الانخفاض الذي كان يرجع إلى تعيين بعض كبار رجال الدين ممن لا يتمتعون برضاء جموع الأزهريين وعدم تلبية بعض مطالبهم الاقتصادية – واستغلال التيار الوطني الذي كان يتخلل صفوف الأزهر .

وأوضحت التوجيهات أن ( الوفد ) كان لا يتمتع بتأثير كبير في الأزهر وأن " واجب الشيوعيين أن يستغلوا هذا الفراغ ليملئوه بنفوذهم ونفس الأمر كان ينطبق على " الإخوان المسلمين وباقي الأحزاب السياسية .

وخلال عام 1949 لم يظهر على السطح من نشاط للحركة الماركسية في البلاد سوي بعض المنشورات الصادرة عن ما أسمي نفسه " بالتنظيم الشيوعي المصري " والتي كانت تحمل عنوان " صوت البروليتاريا " كذلك فإن ( حدتو) الجديدة ساهمت بجهد كبير في مجال المنشورات التي كانت تهاجم " الملك " و" طبقة الباشوات " وتندد ببؤس طبقتي الفلاحين والعمال .

ومن الملاحظات الهامة التي تسجل على النشاط الماركسي في ذلك العام هو " اقتراب الشيوعيين المصريين من [[جماعة الإخوان المسلمين]] " وظهور اتجاهات للتنسيق بين الجماعتين – فخلال حملات الاعتقال التي تمت خلال مايو 1949 ضمن إجراءات حكومة " إبراهيم عبد الهادي " لإعادة النظام إلى الشارع المصري بعد موجة الاغتيالات التي سادت البلاد عام 1948 والتي انتهت بمصرع " النقراشي " رئيس الوزارة ورئيس جهازه البوليسي " سليم زكي " في ديسمبر 1948 – ضبطت كراسات دعاية شيوعية مع أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين .

وفي حديثه إلى السفير البريطاني " رونالد كامبل في 24 / 2/1949 كشف إبراهيم عبد الهادي له عن نتيجة أعمال القسيم المخصوص ( البوليس السياسي ) لكشف سر العلاقة بين الشيوعيين والإخوان فقال أن " حسن البنا" كان قد أرسل عددا من أعضاء جماعته المختارين للإنخراط داخل التنظيمات الشيوعية بهدف استكشاف هذه الحركة - لكن نصف من أرسلهم عادوا – بينما كسبت الحركة الشيوعية النصف الآخر الذي لم يعرف قادة الإخوان شيئا عن هويتهم الجديدة.

واستفاد قادة الحركة الشيوعية من الضيوف الجدد – وأعادوا تصديرهم إلى صفوف الإخوان مرة أخري لاستكشاف الجماعة هذه المرة لصالح الحركة الشيوعية ويعطي الأستاذ / " طارق البشري" تفسيرا آخر لهذه العلاقة( الشيوعية – الإخوانية) من خلال رصده لنشاط الحركة الشيوعية خلال الفترة 1948 -49.

فهو يتحدث عن الانقسام والتجزئة كأحد العوامل التي لابست نشاط الحركة الشيوعية.ويتحدث عن الضربة التي وجهت للحركة مع بداية حرب فلسطين في مايو 1948 وتزايد قسوتها مع تولي إبراهيم عبد الهادي الوزارة في نهاية 1948 واعتقال الكثيرين من أعضائها كعامل آخر ...

وفي هذا الصدد يشير إلى أن زمالة " الاعتقاد " أدت إلى اتصال الشيوعيين بالإخوان والوفديين وأن هذا الاتصال كان له أثره – بحكم الاحتكاك الإنساني – في إذابة روح التحامل ونمو الاستعداد للمناقشة والتفهم أو التعاون بين الأطراف المتنافرة .أى أن " عبد الهادي " تسبب من حيث لا يقصد في قيام التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين والحركة الماركسية .

ورغم اختلاف تفسير " البشري " عما قدمته من تفسير إلا أن تفسيره مع هذا لا يخلو من وجاهة .كانت تقديرات أجهزة الأمن لإعداد المشتغلين بالنشاط الشيوعي في مصر مع مقدم حكومة الوفد الأخيرة في يناير 1950 عدة آلاف إلى جانب عدد يزيد عن هؤلاء من المتشبه في نشاطهم والعاطفين .

وعن موقف الحركة الشيوعية من حكومة الوفد فقد انهالت نشرات الحركة تهاجم الحزب الوفدي والحكومة الجديدة وتتهمهما بالتآمر والإمبريالية وكانت التوجهات الصادرة عن الحركة إلى الشارع المصري قبل الانتخابات التي أتت بالوفد إلى السلطة تدعو كل أعضاء الحركة والشعب إلى الامتناع عن انتخاب مرشحي الوفد – لقد كانت هذه الدعوة تتفق والوعي الماركسي لخطورة أثر الحكم الديمقراطي الاشتراكي( أى الوفد) في إفساد الدعاية الشيوعية التي تجد طريقها في أوساط الكادحين والمعدمين .

وخلال شهر يناير 1950 ظهر إلى الوجود تنظيم شيوعي جديد برنامج حافل يبرر ضرورة قيام الثورة الديمقراطية الوطنية – ويتحدث عن تناقض توزيع الثروات – والنفوذ الاقتصادي الأجنبي ، والإفساد البريطاني للحياة الاقتصادية واستغلاله لثروات البلاد.

وقد تصدر برنامج الحزب فذلكة تاريخية عن أحوال الشعب المصري خلال سنوات الحرب العظمي 19141914، وثورة 1919 وفشل البورجوازية المصرية خلال هذه الثورة وانسحابها منها وترك قيادتها – ويتهم الوفد خلال الثورة وبعدها وحتى 1936 بالتآمر مع الأحزاب البورجوازية .

ثم يعقد الحزب في صدر برنامجه مقارنة بين دور الاتحاد السوفييتي في الحرب ودور القوي الإمبريالية كالولايات المتحدة – وانقسام العالم إلى معسكر امبريالي ومعسكر اشتراكي وصداقة الأخير لشعوب العالم .

وتلخص برنامج الحزب في النقاط الآتية :-

  1. العداء للبورجوازية ورفض الاعتراف بدستور 1923 البورجوازي
  2. تغيير النظام الملكي وإقامة الجمهورية الديمقراطية الوطنية .
  3. نقل السلطات إلى الشعب.
  4. إلغاء البرلمان وإقامة مجلس نيابي يتولي السلطات باسم الشعب .
  5. توفير الحرية للطبقة العاملة .
  6. إلغاء اعتبار الدين الإسلامي دين الدولة ، والتأكيد على علمانيتها .
  7. حق الشعب السوداني في الانفصال عن مصر.
  8. تحقيق مصالح العمال في تقليل ساعات العمل وتوفير الضمانات لهم.
  9. تحرير الفلاحين من عبودية كبار الملاك وإعطائهم أراضيهم وتطبيق مبدأ " الأرض لم يفلحها "
  10. ربط النضال المصري ضد الإمبريالية البريطانية والأمريكية بنضال المعسكر العالمي الذي يقوده الاتحاد السوفييتي .

ويختلف البرنامج الذي قدمه الأستاذ / طارق البشري عن الحزب الشيوعي المصري – نقلا عن مجلة " روز اليوسف " في عددها رقم 1192 في أبريل 1951 عن البرنامج الذي نقدمه من واقع الوثائق .

فالبرنامج الأخير معلق عليه في الوثائق البريطانية في يناير 1950 أى قبل أكثر من عام سابق على تقديم " روز اليوسف " برنامج الحزب الشيوعي .

كذلك فإن " البشري " لم يذكر شيئا عن موقف " الحزب الشيوعي المصري " من الدين الإسلامي وذلك يعني أن يكون برنامج " روز اليوسف " وهو ما نقل عنه " البشري " يخص حزبا آخر غير الحز ب الذي قمنا برنامجه – وفي هذه الحالة فإننا نكون بصدد أكثر من حزب شيوعي مصري .

قلنا في السطور السابقة أن انقسام " حدتو" ( الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ) نتيجة للصراع بين قطبيها " هنري كوييل " و" هليل شفارتز" قد أدي إلى توزيع أعضائها إلى تجمعات متفرقة كل ينادي بما يريده .

وقلنا أن ح. م ( الحركة المصرية للتحرر الوطني ) التي كانت أحد فرعي ( حدتو) تمسكت بالاسم الاندماجي وأسمت نفسها ( حدتو) – وأن ( أسكرا ) انقسمت إلى ( المنظمة العمالية الثورية ) – و( المنظمة الشيوعية المصرية) وأن ( المنظمة العمالية الثورية ) انقسمت فيما بعد إلى ( لنجم الأحمر ) و( نحشم " نحو حزب شيوعي مصري " ).

وخلال هذه الانقسامات كانت التنظيمات ذات الشعارات والمنشورات تطفو على سطح العمل الماركسي لتعلن عن نفسها مهاجمة بعضها البعض – وناسبة كل إلى الأخرى تهم الخيانة والعمال والتقسيم والانفصال .

وفي ظل هذه الحالة من الانقسام والتمزق ظهر " الحزب الشيوعي المصري " الذي قدمنا برنامجه – كما ظهرت " نحشم " و( المنظمة ) الشيوعية المصرية ) إلى جنب " حدتو" كتنظيمات رئيسية ثلاثة في الخمسينيات .

كان " القسم المخصوص " منذ عمليات القبض على الشيوعيين أثر إعلان الأحكام العرفية في 15 مايو 1948 وفترة التنكيل التي قام بها " إبراهيم عبد الهادي " في أوائل 1949 قد فقد كل أثر " لهليل شفارتز " أحد قطبي الحركة الشيوعية في مصر وزعيم " آسكرا التي كانت تمثل أحد طرفي اتحاد " حدتو " مع كوييل .

وكان " شفارتز " قد كون مع حدوث الانقسام في ( حدتو) ما اسمي بالمنظمة العمالية الثورية في يوليو 1948 والتي انقسمت إلى ( النجم وفي بدايات 1950 بدء جهاز الأمن السياسي يرصد عودة " شفارتز إلى الظهور بعد ما كان مختفيا وعرف جهاز الأمن السياسي أن شفارتز" هو زعيم منظمة " نحشم"

وفي غارة على احدي الشقق بحي " مصر الجديدة " في 14 مارس 1950 تم ضبط " هليل شفارتز" مع شركائه الرئيسيين عندما كانوا يعقدون اجتماعا " لنحشم " وكان من بين المقبوض عليهم ( أسعد حليم – جمال الدين غالي – عبد الحميد السحرتي _ موريس دميان ) كما ضبط أرمنيين هما ( يعقوب باتمانيان وتيجران كيرازيان )

وتبين من فحص المضبوطات أن البوليس السياسي قد وضع يده في ذلك اليوم على " اللجنة المركزية لنحشم" بكامل عددها وعدتها إلى جانب أوراق ميزانيتها المالية عن الربع الأخير من عام 1949 ومصاريف شهر ديسمبر 1949 التي تبين منها أن الإنفاق الشهري للتنظيم يبلغ 350 ج وأن المنظمة كانت تدفع مرتبات شهرية لتسعة من أفرادها بواقع ثمانية جنيهات شهريا .

وهكذا قضي على واحدة من أهم التنظيمات الشيوعية في مصر في الربع الأول من عام 1950 وكان باقيا في الساحة ( حدتو) الجديدة المنظمة الشيوعية المصرية – النجم الأحمر – إلى جانب سيل من التنظيمات الشيوعية " ملأت الدنيا ضجيجا ثم ذابت وبلا أثر"

لقد استمر العمل الماركسي خلال 1950 و1951و1952 ولكنه كان ضعيفا ممزقا معرضا كل يوم لضربة موجعة من جانب أجهزة البوليس السياسي التي انضم إليها مع قيام الثورة جهاز المخابرات العامة القومي الأمر الذي زاد من إيلام الضربات الموجهة للحركة الشيوعية .

وفي الحقيقة أنه رغم أن ( حدتو) ظلت في الخمسينيات أكبر تنظيم شيوعي في مصر فإن الحركة الشيوعية فقدت تسعة أعشار قوتها في الخمسينيات بالقضاء على قطبيها الرئيسيين " هليل شفارتز" الذي قبض عليه في مستهل عام 1950 ثم " هنري كورييل : الذي أبعد عن مصر في نفس العام .

وبمقدم 1951 يكون الناشط الشيوعي المصري الممزق قد فقد كل قيادة أجنبية ودخل في مرحلة المصرية الصميمة ... وأيضا في مرحلة عمل جديدة...

الفصل الثالث

حجم النشاط الشيوعي في مصر

يقسم خبراء مكافحة الناشط الهدام في مصر – النشاط الشيوعي إلى ثلاثة أقسام تبعا لقيمة هذا النشاط وأثره .

فالقسم الأول أو المرحلة الولي تسمي المرحلة النظرية وهي تلك المرحلة التي تبدأ بتكوين المجموعات وتنظيمها وتشكيل الخلايا وبالزحف نحو الجماهير ومخاطبتها عن طريق المحادثة والكتابة ( منشورات ومطبوعات صحفية )

وتسمي المرحلة الثانية ( التجهيز النشط) وتشمل تحويل الناشط التخاطبي ( الشفوي والكتابي ) إلى توجيهات وتعليمات إيجابية تختلف عن مرحلة الدعوة والتحبيذ التي تميز المرحلة الأولي كالحض على الثورة – أو الحض على ترك السلاح للجنود – أو الدعوة إلى الإضراب والاعتصاب للعمال – أو التهديد أو ما إلى ذلك ... ويدخل في هذه المرحلة التدريب على استخدام العنف والتجهيز له وتخرين السلاح والذخيرة والمفرقعات الخ.

أما المرحلة الثالثة فهي ( مرحلة الثورة) – وهي المرحلة الأخيرة التي يتولي عن طريقها الناشط الشيوعي عمليات ضرب النظام الحاكم وتصفيته والاستيلاء على السلطة وإعلان سلطة البروليتاريا .

وفي مقام دراسة الناشط الشيوعي في مصر تكشف الوثائق التي نقدمها عن المدى الذي ول إليه هذا الناشط خلال جزء من الفترة موضوع الدراسة وفقا لمقاييس جهاز الأمن السياسي . والوثائق التي نقدمها هي مجموعة من المنشورات والصحف الشيوعية الصادرة خلال هذه الفترة وتحوي نماذج متنوعة لنشاط الشيوعيين في مصر وهي على الوجه الآتي .

  1. " 14 سبتمبر 1882 " عمل صادر عن تنظيم غير معروف اسمه وتاريخه أواخر عام 1947
  2. " نداء إلى شباب وادي النيل " عمل صادر عن تنظيم غير معروف اسمه وتاريخه أواخر عام 1947
  3. " نحن نطلب من الحكومة " عمل صادر عن تنظيم يسمي نفسه " ضباط الجيش " وتاريخه أواخر عام 1947
  4. " من الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني " عمل صادر عن ( حدتو) إلى ضباط الجيش وتاريخه أواخر عام 1947.
  5. " بيان إلى كافة المواطنين " عمل صادر عن حركة التحرر الشعبية وتاريخه أواخر عام 1947 .
  6. " نحن من الشعب " عمل صادر عن الجمعية العسكرية لاتحاد رجال البوليس والجيش تاريخه أواخر عام 1947 .
  7. " شقاء التوأمين" عمل صادر عن الجمعية العسكرية لاتحاد رجال البوليس والجيش وتاريخه أواخر عام 1947
  8. " أيها الزملاء – يا رجال البوليس والجيش " عمل صادر عن الجمعية العسكرية لاتحاد رجال البوليس والجيش وتاريخه أواخر عام 1947 .
  9. " من ضباط الجيش إلى حضرة صاحب الجلالة القائد الأعلى " عمل صادر عن تنظيم يسمي نفسه " ضباط الجيش " تاريخ أواخر عام 1947 .
  10. " جبهة وطنية متحدة " صحيفة الشرارة صادرة خلال عام 1947 .
  11. " عدو جديد" صحيفة الشرارة صادرة خلال عام 1947 .

العمل الأول : يخاطب هذا المنشور ضباط الجيش – ويذكرهم بيوم " 14 سبتمبر 1882 " تاريخ صدور أمر الخديوي توفيق بحل الجيش المصري تسريح ضباطه وجنوده – ويهاجم المنشور الاستعمار البريطاني والمتعاونين معه وعلى رأسهم الأسرة المالكة ( السابقة) وينعي عليها خضوعها للاستعمار البريطاني وحكمها للبلاد بمعاونته – ثم يشير إلى خضوع الجيش للإشراف البريطاني – ويهاجم معاهدة 1936 التي وضعت الجيش تحت إشراف ( البعثة العسكرية البريطانية )

ويتهم كبار ضباط الجيش بالتعاون مع المستعمرين وجلب مستعمرين جدد كالأمريكان يرتبط مصير الجيش بهم والهدف الرئيسي من المنشور هو مهاجمة الاتجاه السياسي للنظام المصري عام 1947 للارتباط بالولايات المتحدة عسكريا عندما زار الفريق ( إبراهيم عطا لله باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش الولايات المتحدة على رأس وفد عسكري لبحث إمكانية تدريب وتجهيز الجيش المصري بواسطة خبراء أمريكيين.

كذلك مهاجم فكرة " الدفاع المشترك " التي كانت قد أثيرت خلال مباحثات صدقي – بيفن عام 1946 والأهداف العامة للمنشور هي رفض الوجود الغربي ( انجلترا والولايات المتحدة ) في البلاد على أى صورة من الصور.

العمل الثاني: هذا المنشور موجه إلى الشعب عامة بمناسبة عرض " النقراشي " قضية البلاد على مجلس الأمن في يوليو 1947 – وهو يعرض لموقف دول أوروبا من مصر أثناء نظر القضية ويصف هذه الدول بأنها " عصابة من اللصوص والمجرمين " تتآمر على حريات الشعوب الضعيفة وتنسي العدل وحفظ السلام وتستبدله بمناطق البترول والمناطق الإستراتيجية ومصالح الشركات الأجنبية ويقلل المنشور من قيمة مجلس الأمن كمنظمة تحمي السلام ... ثم يحرض المنشور الشعب على مقاومة الاستعمار والدفاع عن البلاد والتأسي بدفاع الاتحاد السوفييتي عن " ستالينجراد" ودفاع الألمان عن برلين "

العمل الثالث : يتعلق هذا المنشور بهزيمة مصر أمام مجلس الأمن عام 1947 عند عرض قضية الجلاء البريطاني عن مصر عليه ويستخلص ويطالب الحكومة بقطع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع انجلترا والدول التي وقفت من مصر موقف معاديا في مجلس الأمن – وتقوية علاقاتها مع الدول التي ناصرتها وإعلان الحرب على انجلترا فيما لو لم تسحب قواتها من البلاد.

العمل الرابع : المنشور موجة إلى ضباط الجيش من تنظيم ( حدتو ) وفيه يدعوهم إلى المطالبة بحقوقهم الاقتصادية في مواجهة الحكومة – ويندد بسياسة الدولة تجاههم ويدعوهم إلى الاتحاد لنيل هذه المطالب يستعديهم على الحكومة مؤكدا أن " الحكومات لا تخضع إلا لعامل التهديد والقوة الاتحاد" أمام مطالب المحرومين المتصلة برفع مستواهم المعيشي .

العمل الخامس : موجه من حركة التحرير الشعبية إلى الشعب – وفيه تندد بأسلوب عرض القضية المصرية على مجلس الأمن – ودور الولايات الأمريكية في الحيلولة دون وصول مجلس الأمن إلى قرار يحقق المطالب المصرية – وتخاذل حزب الوفد في الدفاع عن القضية المصرية ، ويدعو المنشور الشعب إلى تكوين اللجان الوطنية في الأحياء والمدن والمصانع والمدارس للكفاح ويهيب بجنود الجيش والبوليس بأن يؤيدوا الشعب في مقاومته للنفوذ الأمريكي الجديد – ويهتف المنشور بسقوط الإمبريالية البريطانية والأمريكية وبحياة الدول الديمقراطية .

العمل السادس : يتميز هذا العمل بصدوره على شكل صحيفة ذات عنوان وشعار وتتضمن مقالا بعنوان " نحن من الشعب " والمنشور في جملته يندد بضرب رجال البوليس والجيش للعمال والطلبة خلال انتفاضات الأخيرين ويشرح دورهم في الحركة الوطنية وكيف أنهم من صميم الشعب العامل الكادح.

وينعي المنشور على رجال البوليس والجيش دورهم في حماية ملاك المصانع والأرض يوصفهم بأنهم " حفنة قذرة قليلة من مصاصي الدماء " واعتداءهم على العمال عندما يطالبون بحقوقهم في شكل الإضراب المشروع ثم يهاجم لمنشور " الضباط" سلالة الأغنياء وأصحاب المصانع والشركات والأراضي الزراعية الذين يصدرون الأوامر للجنود بضرب وقتل العمال .

ويدعو المنشور الجنود إلى الوقوف " بجوار العمال والفلاحين والطلبة مناصرين ومؤيدين ولا تسمحوا لأسلحتكم بأن ترتفع في وجوه هؤلاء الشهداء المظلومين"

العمل السابع : هو منشور صادر عن نفس الجهة التي أصدرت العمل السابق – وتتصدره شعارات ( الكتمان سر النجاح _ السعادة للجميع )

وعبارات " اقرأ سرا أنت وزملاءك " و"ويل للخائن" وعنوانه " شقاء التوأمين "هذا المنشور يخاطب رجال البوليس والجيش في شؤونهم المعيشية ويناقش قضية انخفاض رواتبهم وسوء أحوالهم والاضطهاد الذي يتعرضون له ويتحدث عن ظروف العمل السيئة التي يعملون في ظلها – واضطهاد ضباطهم لهم وحرمانهم من " حق الإضراب" ومعاملتهم " كالعبيد تباع وتشتري في سوق النخاسة "

ويهاجم المنشور فئة الضباط التي " تتحكم في رجولتنا وتدوس كرامتنا بأحذيتهم مرتكنين إلى بضعة نجوم من نحاس وضعوها على أكتافهم .. ولكن عاصفتنا ستقتلعها من أكتافهم وترميها تحت أقدامنا فنبصق وندوس عليها ".

ويعيد المنشور ما سبق أن ذكره المنشور السادس بشأن ضبط الجنود للعمال الكادحين الذين ينادون بالاستقلال وحرية الشعوب ... ويبين للجنود خطأ هذا المسلك .

ثم يشرح المنشور أخوة جنود البوليس لجنود الجيش ... ودور لجمعية العسكرية ( صاحبة المنشور ) في الدفاع عنهم " لتحرركم من عبودية هذا النظام العسكري المشين وتحطم أغلال الذل المقيدين بها"

ويصف المنشور الصناع العسكريين والميكانيكيين الطيارين – والطلبة والجنود الفنيين بأنهم " جراثيم الحرية في الجيش " ويكشف لهم المنشور مدي الظلم الذي أوقعه عليهم ضباطهم عندما قرروا لهم " كادرا كسيحا يقتل مستقبلكم ويقضي علي آمالكم ولا يتفق مع مؤهلاتكم الدراسية ".

العمل الثامن : وهو صادر عن " الجمعية العسكرية " صاحبة المنشورين السادس والسابع – وعنوانه " أيها الزملاء يا رجال البوليس والجيش " والمنشور في جملته لا يخرج عن المنشورين السابقين من حيث لهجته الهجومية على أوضاع العسكريين والنقد الحاد القيادات العساكر وتبصير الصفوف بأوضاعها السيئة داخل النظام العسكري لكنه في هذه المرة يشير إلى حادث ضبط بعض المنشورات مع جنود وكونستابلات نتيجة لوشاية زملاء لهم ويطالب المنشور من يخاطبهم من العسكريين " بالصبر على العذاب والمتاعب " واليقظة واكتشاف الخونة بين صفوفهم .. وهو ما يعني أن هذا التنظيم كان مخترقا من جانب أجهزة الأمن التي يبدو أنها استطاعت تجنيد بعض عناصره للإرشاد عن زملائهم .

العمل التاسع : يخاطب هذا المنشور الصادر عن تنظيم " ضباط الجيش بعنوان " من ضباط الجيش إلى حضرة صاحب الجلالة القائد الأعلى يخاطب " الملك فاروق " شارحا له الغليان الحادث بالشارع المصري خلال عام 1947 نتيجة لأسلوب التفاوض المصري مع المحتل البريطاني ..

ويعلنه بالنية لاستخلاص الحق المصري من هذا المحتل ثم يطالب المنشور الملك بتوفير ظروف حياة أفضل للشعب وينتقل بعد ذلك لمهاجمة الوزارات التي أهملت مصالح الشعب وكيف أن البلاد قد وصلت " إلى تدهور خلقي واجتماعي واقتصادي ولا يصلحه التطور ولكن تنقذه الطفرة " ويتهم الملك بتواطؤ مع هذه الحكومات " أرض عن تقاعد هذه الحكومات وانصرافها عن تحقيق العدالة " ويحذره بأن استمرار تدهور أوضاع البلاد " دافع قوي يدفع كثيرين لاعتناق المبادئ التقدمية التي يرون أنها تكفل حياة سعيدة لهذا الشعب " وفي النهاية يعلن المنشور انتصاره للطبقة العاملة الكادحة ويرفض ضربها .

العمل العاشر : صحيفة مكتوبة بخط اليد المطبوع على الرونيو بعد ذلك – وعنوانها " الشرارة " وتضع شطر بيت الشعر ( إنا وإن كنا شرارات فنحن اليوم بركان ) شعارا لها .

تضم الصحيفة عدة موضوعات – يتحدث أولها عن ضعف حكومة النقراشي الثانية ( 9 ديسمبر 1946 -28 ديسمبر 1948 ) في مواجهة الوجود البريطاني وتخاذلها في حل القضية المصرية ويري كاتب المقال أن العرض الصحيح للقضية يجب أن يكون على أساس الجلاء التام عن مصر والسودان – والاعتراف للسودان بالحكم الذاتي – ويهاجم الاتجاهات السياسية في مصر والسودان الرامية لضم السودان لمصر – ويستشهد بقول ماركسي " أن شعب حرا لا يمكن يستعبد غيره "

ويعرف الموضوع الثاني ببعض أحوال الاتحاد السوفيتي وحقوق المرأة هناك علاقتها بالرجل وأحوال الزواج – والطلاق – والمسائل المالية بين الرجل والمرأة – ودور الحكومة السوفييتية في تأمين المواطنين ضد الشيخوخة – ونظام توزيع الأرض – وحق كل فلاح في قطعة أرض إلى جوار منزلة يزرعها كما يريد .

ويتناول الموضوع الثالث قضية محلية ببيان كانت الحركة الناشرة للصحيفة قد أصدرته إلي الطبقة العاملة خلال عام 1947 دعتهم فيه إلى الإضراب بهدف إسقاط حكومة النقراشي ( ديسمبر 1946ديسمبر 1948) وقد تضمن البيان تحية لنضال الاتحاد السوفييتي وحلفائه في سبيل سلم ديمقراطي .

ويبدو أن الإشارة إلى الاتحاد السوفييتي أثارت جدلا شديدا بين الحركة صاحبة البيان والتنظيمات الشيوعية الأخرى لكن ( الحركة) استطاعت إقناع الكثير " بأنه كان من المحتم ذكر نضال الاتحاد السوفييتي وحلفاءه في سبيل السلام الديمقراطي لتفهيم الشعب الفارق بين الاستعمار البريطاني الأمريكي المتآمر على السلام – وموقف الاتحاد السوفييتي الذي كانت الصحافة المصرية ( الأهرام والمصري ) قد عرضته عرضا غير منصف في ذلك الوقت .

ويتحدث الموضوع الرابع " منظمات ديمقراطية ورجعية " عن هيئة الأمم المتحدة ودور العناصر الديمقراطية فيها كالاتحاد السوفييتي والبانيا وتشيكو سلوفاكيا.

ويذكر " الاتحاد العالمي لمؤتمر النقابات الذي يضم 80 مليون عامل كادح " وأن الحكومة المصرية منعت " الزميل أحمد يوسف المدرك ومساعده داود ناحوم " من السفر إلى براغ " لحضور جلسة المجلس العام التي عقدت في شهر يونيو 1947 .

وتتضمن الصحيفة فوق ذلك بعض الأنباء عن اضطهاد الشيوعيين في العراق – وعمالة الأمير عبد الله حاكم أمارة شرق الأردن للإنجليز – وتحذير الأمريكية – وتوقف جريدة " الصراع " التي كانت تصدر بدلا من جريدة العامل عن الصدور – وإضراب عمال السكة الحديدية بالسودان وإضراب موظفو التلغراف بمصر .

العمل الحادي عشر : عدد آخر من صحيفة الشرارة – أضيق إلى عنوانه رسم كاريكاتيري للعم سام رمز الولايات المتحدة الأمريكية.

يتضمن العدد ستة مقالات تحت عناوين ( عدو جديد) وفيه يهاجم كاتبه سياسة النقراشي عام 1947 والرجعية المصرية وتحالفها مع الاستعمار الأمريكي الجديد.

( التقدميون والحركة للطبقة العاملة ) وهو عبارة عن أخبار محلية لإضراب عمال التنظيف والإنارة والترام في الإسكندرية – وموظفو التلغراف والترام في الإسكندرية وموظفو التلغراف وعمال السكك الحديدية والمدرسين في القاهرة – ومطالب أغلب الفئات بزيادة الأجور وخفض ساعات العمل .

ويأخذ المقال على هذه الحركات تفككها وبعدها عن الوحدة والترابط ويحمل " الحركة التقدمية" ( التي يبدو أنها كانت أحد التنظيمات الشيوعية المختلفة مع التنظيم صاحب لصحيفة التي نحن بصددها ) المسؤولية عن هذا التفكك – وتراخيها عن القيام بدورها الطليعي في صفوف الطبقة العاملة وخلفها عن " مهمة توضيح الطريق الصحيح وربط هذه الإضرابات المتفرقة في كل موحد وتطعيمها بمضمون سياسي "

وفي مقال " قصة كتاب رجعي " يتحدث الكاتب عن مؤلفه " البرت مزراحي صاحب مجلة " التسعيرة الذي أصدر كتيبا باسم " الشيوعية " ويوضح كاتب المقال وأن واضع الكتاب هو في الحقيقة الصحفي " مصطفي حمام " بالإسكندرية الذي انتهز " البرت مزراحي فرصة ضيقة المادي وكلفه بكتابة هذا الكتيبة في مقابل مساعدته ماليا !!

ويكشف مقال " فرق .. تسد" عن عمق لخلافات بين التنظيمات الشيوعية العديدة في مصر في الأربعينيات عندما يتحدث عن تصادم حدث خلال عام 1947 في منطقة " شبرا الخيمة " بين بعض " العسكريين" و( المقصود بهم الشيوعيين المنضمين لتنظيم يرأسه الشيوعي المعروف وقتئذ محمود العسكري ) وبعض الشيوعيين المنتمين لتنظيمات أخري .

وينسب المقال هذه الخلافات إلى " المأجورين خدام الرأسمالية الذين يحاولن تحويل الطبقة العاملة عن هدفها وتدبير الخلافات بين أفرادها ..." ويحذر المقال لعمال الذين يشاركون في هذه الصراعات بأنهم يخدمون الرأسماليين عن وعي أو غير وعي – ويحثهم على نبذ الخلافات بحسبان أن أمام الطبقة العاملة " مشاكل كبيرة ولا يجب إطلاقا أن تثار هذه المنازعات في هذه المرحلة من نضال جموعنا الشعبية ".

وبالصحيفة أيضا مقالات عن كفاح الشعب الاندونيسي تحت عنوان " أيدو أندونيسيا " والحب الأهلية في اليونان بين الشيوعيين والحكومة تحت عنوان " خلف السطور" ونبأ عن " مهرجان الشباب الديمقراطي في تشيكو سلوفياكيا " وغياب مندوبي " مصر " و" إيران " عنه بسبب منع حكوماتهم لهم من الحضور وسخط المؤتمر المذكور " على هذه الحكومات الرجعية واحتجاجا على الإرهاب الذي يعانيه شعب البلدين"

من هذا العرض للأحد عشر عملا الصادرة عن تنظيمات شيوعية مصرية خلال الأربعينيات – يمكن استخلاص صورة توضح الشكل العام للناشط الشيوعي في مصر وحجمه قياسا بمعايير الأجهزة المعنية بالأمن السياسي في ذلك الوقت .

كمان المجمع عليه بين التنظيمات الشيوعية المختلفة مهاجمة الحكومات القائمة في ذلك الوقت ( النقراشي ديسمبر 1946ديسمبر 1948 ) – ورفضها ( أى التنظيمات ) لأسلوب حل القضية المصرية عن اللجوء لمجلس الأمن ( يوليو 1947 )

ومهاجمة الاستعمار البريطانية والاقتراب الأمريكي في ذلك الوقت من منطقة الشرق الأوسط لإيجاد مكان له فيها بعد خروج بريطانيا من الحرب الثانية منهكة اقتصاديا وعسكريا ومحاولة أمريكا تطويق التغلغل الشيوعي الذي كان يقترب من المنطقة طارقا أبوابها من ناحية إيران وتركيا واليونان – بتطبيق " سياسة الاحتواء - كما كانت هذه التنظيمات ترفض الاتجاه السياسي الحكومي إزاء الإستراتيجية البريطانية الأمريكية والمتمثلة في ربط مصر بأحلاف دفاعية مع بريطانيا أو الحصول على مساعدات اقتصادية أو عسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية .

واجتمعت التنظيمات الشيوعية على مهاجمة السياسة الداخلة لحكومات ذلك الوقت من قضايا ( الجهل – الفقر – المرض) وعجزها عن تقديم العلاج للمشاكل الاقتصادية التي كانت جموع الشعب عامة والطبقات الكادحة خاصة تئن تحت وطأتها .

ولم تختلف التنظيمات الشيوعية في الدعوة إلى اتحاد الطبقات المطحونة الكادحة في مواجهة الطبقات المستغلة والعمل على ضربها واستخلاص حقوقها منها – والتوعية بقدرة الاتحاد السوفيتي على مساعدة هذه الطبقات في مواجهة الإمبريالية الأمريكية والبريطانية.

واشتركت التنظيمات الشيوعية في توعية الجماهير المستغلة بأوضاعها المتردية عن طريق كشف المتناقضات في توزيع الثروات وتوضيح جشع الفئة الرأسمالية من كبار الملاك الزراعيين والصناعيين.

وحرضت التنظيمات الشيوعية الطبقات الكادحة على مقاومة الظلم الواقع عليها عن طريق " الإضراب والتظاهر " ورفض الخضوع لمستغليهم والتضامن من أجل نيل حقوقها كما حرضت " الصفوف " على هجر النظام العسكري والاستهانة به واحتقار رئاساتهم ورفض أوامرها بضرب الحركات العمالية والطلابية .

وزدت التنظيمات الشيوعية من تخاطبهم بدراسات في السياسة ومعلوما عن البلدان الاشتراكية وبصرفهم بالاختلافات بين هذه البلدان وبين الدول الرأسمالية كما زودتهم بأنباء عن العالم من حولهم والنشاط الشيوعي في البلدان المجاورة.

لكن التنظيمات الشيوعية المصرية رغم اجتماعها واتفاقها في القضايا السابقة – فإنها اختلفت في قضايا عديدة أثبتت المنشورات محل الدراسة مدي عمقها وفتت هذه الخلافات في عضد التنظيمات مما أعطي الفرصة لأجهزة الأمن لضربها بسهولة أو اختراقها بيسر – وتوضح النعوت الواردة بالمنشورات ( العمالة – الخيانة – مساعدة الرأسمالية والإمبريالية الخ ) أن جذور الخلاف كانت أصعب من أن تقتلع .

وهذا الحصر للناشط الشيوعي في مصر – يوضح عند التطبيق التقييمي لجهاز الأمن له ( أى لهذا الناشط ) أن هذا النشاط كان ضئيلا للغاية ولم يتجاوز المرحلة الأولي ( النظرية ) وقسطا لا يكاد يذكر من المرحلة الثانية ( التجهيز النشط) .. إذا ما اعتبرنا الدعوة للإتحاد والتضامن نوعا من التوجيه .

تقييم الناشط الشيوعي في مصر الأربعينيات إذن لم يكن يتجاوز المرحلة النظرية" بكثير فضلا عن أن هذه المرحلة لم تكن في حالة ازدهار نتيجة لتصادم التنظيمات الشيوعية وتضارب اتجاهاتها ومهاجمة بعضها البعض والأمر الذي كان يؤدي إلى إضاعة الكثير من وقتها في الصراع بدلا من التوجيه وتجنيد الأعضاء ... مع نتيجة مؤداها التفكك والاندثار .

ولعل " الضعف " وهو محصلة ما فات – الذي ساد الحركة الشيوعية خلال الأربعينيات يقدم لنا التفسير الصحيح لنجاح جهاز الأمن السياسي خلال الأربعينيات في النفاذ إلى تلك التنظيمات وكشف أسرارها واجتلاء غموضها ومعرفة أسماء أعضائها وقياداتها – بل وشكل تنظيماتها – على ما بينته الوثائق التي تضمنتها هذه الدراسة – ثم نجاح جهاز الأمن فوق ذلك في اكتيال الضربات الموجهة لهذه التنظيمات على فترات متقاربة بصورة جعلت هذه التنظيمات دائما في حالة اهتزاز دائم أفقدها القدرة على استرداد أنفاسها – وأخذ جل وقتها في محاولة لعق جراحها .

فإذا كان هذا هو حجم الناشط الشيوعي في مصر .... فهل تناسب نشاط الحكومة في مواجهته مع حجمه ؟.... هذا ما تجيب عنه السطور القادمة .

الفصل الرابع

المواجهة الحكومية للناشط الشيوعي ومدي مشروعيتها

خلال فترة ما بعد الحرب كان القسم المخصوص ( البوليس السياسي ) يوالي القبض على المشهورين بنشاطهم الشيوعي في البلاد ولم تخل وثيقة صادرة عن جهاز الأمن العام من ذكر لأعداد المقبوض عليهم لهذا الناشط وفي بعض الأحيان لأسمائهم ..

فخلال عام 1946 قبض نظام صدقي ( 16 فبراير – 9 ديسمبر 1946 ) على 300 متهما فيما أسمي " بالمؤامرة الشيوعية الكبرى " وخلال عام 1948 ضبط القسم المخصوص 50 قضية من قضايا الشيوعية شملت مائتي متهم – وخلال عام 1949 قبض على خمسة أشخاص من بنيهم فتاة يعدون منشورات على ماكينة طباعة .

وخلال عام 1950 تمكن القسم المخصوص وفروعه في المحافظات والمديريات من ضبط ( 61) خلية شيوعية غالبيتها من الخلايا الرئيسية في الحركة الشيوعية وقبض على 173 شخصا من ذوي الناشط الشيوعي وضبطت مطبوعات وتقارير شيوعية كثيرة كشفت عن الخطط التي يتبعها الشيوعيون في نشاطهم وأساليبهم في نش مبادئهم.

ويلاحظ أن أحكام الإدانة في ذلك العام اقتصرت على عشرة قضايا شملت ثمانية عشر شخصا فقط ورغم كثرة أعداد المقبوض عليهم بتهمة الترويج للشيوعية فإن السجون والمعتقلات لم تضع حدا لانطلاق التيار الشيوعي. ورغم أن الحكومة سبق أن مرت بتجربة مع الناشط الشيوعي في العشرينيات إلا أنها مع هذا لم تع الدرس جيدا – أعني أنها لم تحاول أن تقترب من المشكلة الاقتراب الصحيح .. وبجدية .

على مدي الفترة موضوع الدراسة قدمت الحكومات المصرية حلولا للمشكلة الاجتماعية فكانت هناك لجان للتوفيق للعناية بالمشكلات العمالية ( قرار مجلس الوزراء في 18 / 8 / 1919) ولجان محلية في المحافظات والمديريات ( قرار مجلس الوزراء في 10 /2/1924) ثم شكلت لجنة لبحث نظام العمل والعمال في يوليو 1927 ( لجنة عبد الرحمن رضا باشا ) ثم أنشئ ( مكتب للعمل ) ( القرار الوزاري رقم 40 في 29 / 11/1930).

وفي عام 1932 استعانت مصر بخبرات مكتب العمل الدولي فقدم " هارولد بتلر" حلوله الشهيرة لعلاج المشاكل العمالية – وصدرت في عام 1933 قوانين خاصة بتشغيل الصبية والنساء وأنشئ في نفس العام ( المجلس الاستشاري للعمل ) لتقديم النصح للحكومة في توفير الرفاهية للعمال – وفي عام 1935 أعيد تشكيل ( المجلس الاستشاري للعمل ) لفحص قوانين حوادث العمل وعقد العمل الفردي وتحديد ساعات العمل وعقد العمل الجماعي ثم أقام " على ماهر باشا " ( المجلس الأعلى للإصلاح الاجتماعي ) " المرسوم بقانون رقم 30 لسنة 1936 ) لمراقبة أحوال التطور الاجتماعي .. والسعي في التوفيق بين مقومات الحياة الاجتماعية للبلاد "..

وعندما عاد " الوفد " إلى الحكم في مايو 1936 ( 9 مايو 1936 - 31 يوليو 1937 ) تم إنشاء مكتب لتشغيل المتعطلين – وصدر " قانون حوادث العمل " في سبتمبر 1936 وأنشئت " وزارة الشئون الاجتماعية "في عام 1939 .

وفي سبتمبر 1943 أصدرت حكومة الوفد ( 26 مايو 1942 – 8 أكتوبر 1944 ) القانون رقم 85 لسنة 1942 " الذي أعطي العمال الحق في ( القانون رقم 86 لسنة 1942 في 6/9/ 1942 ) وأخيرا صدر قانون عقد العمل الفردي في مايو 1944 .

لكن هذه المحاولات من جانب الحكومات المتعاقبة لم تجد نفعا لحل المشكلة الاجتماعية وذلك أن المحاولات سالفة الذكر كانت تستخدم كنوع من المزايدة وكسب أصوات الناخبين في أوقات الانتخابات وليس كنوع من العمل الجاد في مواجهة القضايا الاقتصادية والاجتماعية ونحن في هذا نوافق ( آي . جي . ليفي مدير مصلحة الإحصاء السابق على رأيه الذي ضمنه " مارسيل كولومب " كتابه ( تطور مصر )

لقد كانت الحكومات المصرية منذ العشرينيات وحتى نهاية الفترة موضوع الدراسة تحاول التقرب من الشعب والطبقة العاملة لمجرد كسب أصواتهم في الانتخابات أو الصراع ضد منافسيهم من المعارضين .

ورغم أن كسب ثقة الشعب ورضاه من أجل الانتصار على الخصوم كان مطلبا هاما فإن الحكومات كانت ما أن تصل إلى كرسي الوزارة حتى تنسي الوعود التي بذلتها في المجال الاجتماعي والاقتصادي .

فالوفد على سبيل المثال كان يقترب من العمال ومشاكلهم طالما كان في المعارضة وما أن يعتلي كرسي الحكم حتى يبتعد عنهم – وتبقي المشروعات التي هللت لها الدعاية الحكومية حبرا على ورق .

وحتى مع تزايد المد الشيوعي في أعقاب الحرب العالمية الثانية لم تنل المشكلات الاجتماعية من الحكومات المتعاقبة سوي التعهدات بالعناية بالمسائل العمالية ورفع مستوي معيشة الفلاحين ( أحمد ماهر 8 أكتوبر 1944 – 15 يناير 1945 ) وتنمية ثروة البلاد ( النقراشي 24 فبراير 1945 – 15 فبراير 1946 ) وإتباع الأساليب المنهجية والعلمية لتحسين حالة الأهالي الاجتماعية ( إسماعيل صدقي 16 فبراير – 9 ديسمبر 1946 )

ولم يقيض لهذه الوعد أن يتحقق منها سوي النذر اليسير المتمثل في بعض الإحسانات واجتماعات اللجان والمجالس وإعداد الخطط التي " لا يقيض لها أن تطبق إلا على آجال طويلة " ولا يمكن لأحد أن يقول بأن ما قدمت به الحكومات المتعاقبة في مصر من العشرينيات حتى الخمسينيات قد استطاع أن يغير من شكل الإقطاع الزراعي الذي تمثل في ملكية 13 ألف لـ 36 % من المأجور ويملكون 12% من الأراضي .

أو استطاع تغيير أحوال 12 مليون زراعي يتقاضي الفرد منهم ثلاثة جنيهات في المتوسط- أو تغيير حقيقة أن حوالي 100 ألف يملكون المصانع والمتاجر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وأن أكثر من مليون عامل في مجال الصناعة والتجارة والخدمات لا يزيد متوسط الأجر السنوي للفرد منهم عن 35 جنيه في العام – وأن 61 % من الدخل القومي عام 1945 ذهب منها أكثر من 308 مليون جنيه في شكل إيجارات وأرباح وفوائد .

ثابت إذن أن إجراءات الحكومات المصرية من الزاوية الاجتماعية والاقتصادية كانت عاجزة عن التصدي الجدي للأفكار التي تنادي بالمساواة الاجتماعية وإعادة التوزيع العادل للثروات .. وأن هذه المحصلة كانت تؤدي بالضروسة إلى أن تجد هذه الأفكار طريقها إلى العقول في الجامعات والمصانع والشوارع بل وصفوف العساكر .

وكدأب العاجز دائما فإن السبيل هو القهر ... والقهر عند الحكومات والنظم العاجزة يترجم إلى قوانين استثنائية ونظم إرهابية وهذا شأن الحكومات الفاسدة والنظم المهترأة أما حقوق المقهورين .

السياسي بها ليضم " مكتبا لمكافحة الشيوعية " للتخصص في مكافحة هذا الناشط.وأما في شأن القوانين الاستثنائية .. فيبدو أن الحكومات في مصر لها في هذا المقام باع طويل .

لقد مررنا في فصول سابقة بما قامت حكومة يحيي إبراهيم ( 15 مارس 1923 – 27 يناير 1924) به في هذا الشأن عندما أصدرت ( القانون رقم 37 لسنة 1923 ) الذي عدلت به بعض مواد في قانون العقوبات بهدف التضييق على اعتناق الفكر الماركسي أن ممارسته كنشاط.

في فبراير 1946 تولي إسماعيل صدقي الوزارة ( 16 فبراير – 9 ديسمبر 1946 ) في ظل حالة من عدم الثبات والاهتزاز خلفتها له وزارة النقراشي ( 24 فبراير 1945 – 15 فبراير 1946 ) حيث كانت القوي الشابة قد عبئت صفوفها لمواجهة الواقع الذي فرضته عليها سياسة النقراشي في حل القضية الوطنية عندما قبل بمذكرة بريطانيا في 20 / 1 / 1946 بالتفاوض من أجل استمرار الارتباط بين البلدين وإدخال مصر في سياسة التكتلات الدفاعية واستمرار الوجود العسكري البريطاني في البلاد.

وغرق الشارع المصري بمظاهرات الطلبة ودمائهم خلال مصادماتهم الدامية مع أجهزة الأمن .. وتوجت هذه المظاهرات بحادث كوبري عباس في التاسع من فبراير 1946 .

كان المفروض أن يأتي " صدقي " بثياب غير ثياب عام 1930 عندما استخدم البطش والعنف في قهر الشعب خلال مظاهرات الثلاثينيات – وقد تظاهر بالفعل بذلك عندما حرص في البداية على محوها ما كان عالقا في الأذهان من هذه الذكريات الأليمة لعهده السابق .

لكن تظاهره هذا كان من السياسة الخبيثة التي كان هذا الداهية يتقنها :

فقد سكت على المظاهرات الصاخبة ليحقق رضاء الشعب عنه ونسيان الماضي – كما كان يرتب لتوريط خصومه في أعمال العنف ليجد مبررا لما كان ينتويه ضدهم – وأخيرا فقد وجد ف الصخب الحادث بالشارع المصري نوعا من الضغط على بريطانيا لعل قناتها تلين عندما يشرع في التفاوض معها فيحصل على حل موفق للقضية التي طال الأمر بها .. من اجل هذه الأسباب لم يتصد صدقي لما كان جاريا في الشارع المصري عندما تولي الوزارة في فبراير 1946 .

وانطلقت المظاهرات في الشوارع .. وتزايدت حدتها وتساقط القتلى .. وجاء يوم 21 فبراير 1946 .. وتحولت المظاهرات إلى معركة بين الشعب من جانب والشرطة وقوات الاحتلال من جانب آخر – وسقط 28 قتيلا من المصريين إلى جانب 342 جريحا – وأفلت الزمام من يد صدقي ... وتحول السلاح الذي كان يريد استخدامه ضد الانجليز إلى سلاح مصوب في وجهه عندما اتهمته بريطانيا بالفشل في حفظ النظام – وربطت بين هذا " الفشل " وقيام الثقة" بين الحكومة المصرية والبريطانية – وكان معني التلويح بفقدان الثقة هو رفض التفاوض ... ورفض التفاوض يعني زوال المبرر الذي من اجله جاء صدقي إلى الحكم.

كان عام 1946 هو قمة الانفعال الثوري – انفعال لم تشهده مصر منذ مارس 1919 وانتفاضات 1935 كان ثورة قادها الشباب المصري بفكر ووعي جديدين منفصلين تماما عن العمل التقليدي للتنظيمات السياسية القديمة – كانت ثورة أضخم من أى حزب يشتغل بالسياسة في مصر – الوقت قد استطاعت أن تقود لحركة الشعبية لفترة غير قليلة – واستطاعت في النهاية أن تفرض إرادتها على النظام الحاكم عندما أجبرت صدقي على الاستقالة في 9 ديسمبر 1946 .

كانت " الحركة الماركسية" في مصر من بين الفئات التي أسهمت في " الحركة الشعبية" عام 1946 شأنها في ذلك شأن " الطليعة الوفدية و" الإخوان المسلمين " و" المستقلين " و" اللجنة الوطنية للعمال والطلبة " التي ضمت كما هائلا من هذه الفئات – لكن تأثيرات الاتجاهات اليسارية في حركة الجماهير في ذلك الوقت كانت أشد التأثيرات وضوحا

وكان ( صدقي ) بعد اللطمة التي تلقاها على يد الانجليز في فبراير 1946 عندما اتهموه بالعجز " عن القيام في الوقت المناسب بعمل فعال للمحافظة على النظام " قد تزايدت دوافعه للإيقاع بالعناصر الوطنية التي تكونت منها هذه الحركة الشعبية – ومن بين هذه الدوافع ( الانتقام ) ممن تسببوا في سحب الثقة التي كان الانجليز يولونها للمصريين من المشتغلين بالعمل السياسي .. وهو من بينهم .

وعندما شاعت في نهايات يونيو 1946 أنباء اتفاقية مع ( بيفن ) وزير خارجية بريطانيا على دخول مصر في نظام " الدفاع المشترك" الذي كان الشعب يعي أنه شكل من أشكال الاحتلال زاد الهياج في الشارع المصري وطالبت " اللجنة الوطنية للعمال والطلبة " بقطع المفاوضات التي كانت قد بدأت في أبريل 1946 واتفقت القوي الوطنية على اعتبار يوم 11 يوليو – الذي يوافق ذكري ضرب الأسطول البريطاني للإسكندرية عام 1882 – يوم الجهاد الوطني ..وكان ذلك هو فرصة صدقي .

كان عليه أن يحارب معركته لإنجاح المفاوضات التي تهددها الحركة الشعبية بالفشل .وكان عليه أن يثبت للإنجليز انه قادر على السيطرة على البلاد وتأكيد الاستقرار بها .وقدمت الحركة الشعبية بفئاتها المختلفة لصدقي كل مبررات ضربها ..

كانت خطة صدقي هي ضرب العناصر المكافحة – وعلى رأسها العناصر الماركسية .. لجنة نشر الثقافة الحديثة دار الأبحاث العلمية لجنة العمال للتحرير القومي مؤتمر نقابات عمال مصر – وبعض دور النشر الماركسية كالبعث – الفجر الجديد – الضمير – الطبيعة = دار القرن العشرين – ودار الفجر .

وفي يوم 10 يوليو وهو اليوم السابق على ترتيب الحركة الشعبية للتظاهر كانت أجهزة الأمن تجري حملة ضخمة لتفتيش منازل الكثيرين من العاملين في الحقل الوطني وأصحاب النشاط الماركسي في أغلب مدن القطر – ولم يأت صباح الحادي عشر من يوليو حتى كان مائتان وعشرون شخصا يمثلون طليعة الوطنيين بين طوائف الصحفيين والمحامين والعمال والطلبة وأساتذة الجامعة قد أودعوا السجون والمعتقلات .

وطلع صدقي على الشعب بضجة إعلامية مفادها إحباط مؤامرة لقلب نظام الحكم وإيجاد حكم شيوعي بالبلاد وأن خطرا جسيما يهدد البلاد من جراء تغلغل النشاط الشيوعي .

ولك يفوت على ( القضاء ) سلطة النظر في مشروعية ما أجراه يوم 10 يوليو استبعد من قانون مجلس الدولة الصادر في وقت سابق على ذلك اليوم عام 1946 حق الفصل في القرارات الإدارية التي باشر بها إجراءاته في ذلك اليوم .

وبعد اعتقالات يوليو 1946 شرع صدقي في تدبير القضاء على النشاط الشيوعي ( بالقانون ) فتقدم إلي مجلس الشيوخ خلال ذلك الشهر " بمشروع قانون ادعي فيه أنه يهدف إلى حماية البلاد من الخطر الشيوعي وكان لجوئه إلى " مجلس الشيوخ بحكم تشكيله من أكثر طبقات الشعب ثراءا لن يتواني عن التصديق على القانون خوفا من " دعوي تهديد النظام الاجتماعي " التي قدم صدقي بها لمشروعه .

لكن مجلس الشيوخ خذل صدقي مع ذلك – فقد أحس أعضائه أن طلب صدقي تخطي مرحلة بحث المشروع أمام " لجنة الشئون الدستورية " أولا وإقراره على وجه السرعة وهو ما يخالف إجراءات بحث القوانين وفقا للدستور أحس الأعضاء أن هذا المشروع فيه مساس بمبادئ رئيسية في الدستور كما أشتموا منه مخالفات صريحة له ( للدستور ) ورفض مجلس الشيوخ تخطي " لجنة الشئون الدستورية"

وأخذت الأخيرة تبحثه – وانتهي بحثها إلى انعدام عنصر " الحالة الملحة والضرورة وحالة الاستعجال " التي " توجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير "وقارب يوليو على الانتهاء - وقاربت معه نهاية الدورة البرلمانية - وبات حقيقا تأجيل مجلس الشيوخ النظر في مشروع القانون إلى السبت الثالث من نوفمبر 1946.

وقبل انفضاض دورة مجلس الشيوخ قام صدقي بسحب مشروعه مدعيا أنه رضخ لرأي غالبية المجلس من أن لا حاجة للاستعجال .لم يكن هناك إذن حتى آخر يوليو 1946 أى خطر شيوعي يهدد البلاد ولإحالة ملحة " توجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير هذا كله ثابت بما اتخذه مجلس الشيوخ وهو أعلي سلطة تشريعية في البلاد.

كما أن سحب صدقي لمشروعه كان يعني قبوله صراحة بعدم وجود الحالة الملحة هذه .لكن صدقي فاجأ البلاد في 11 أغسطس 1946 بإصدار المرسوم بقانون 117 لسنة 1946 بالاستناد إلى المادة 41 من الدستور التي تقول " إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن صدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم عليه في أول اجتماع له فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون "

كان المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 يقضي بإضافة بعض مواد إلى قانون العقوبات لمعاقبة من ينشئ تنظيما شيوعيا بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عشر سنوات وغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد عن الألف .

ومعاقبة أعضاء أى تنظيم شيوعي بالسجن والغرامة – وبالحبس 5 سنوات والغرامة لمروجي الفكر الشيوعي ومحبذيه – وبالحبس خمس سنوات والغرامة لمن يتلقي نقودا أو منافع من الخارج " متى كان ذلك في سبيل الترويج للمذهب الشيوعي "بل وعاقب المرسوم بقانون بالحبس خمس سنوات والغرامة من يساعد التنظيمات الشيوعية ماليا أو ماديا ( مجرد التبرع بالنقود"

التساؤل هنا هو .. ما الذي حدث في الفترة ما بين 26 يوليو 1946 يوم فض الدورة البرلمانية ويوم 11 أغسطس 1946 يوم إصدار المرسوم بقانون المذكور حتى يقتحم صدقي ميدان عمل السلطة التشريعية ويلتجئ إلى استخدام المادة 41 من الدستور بما فيها من شوط.لقد قلنا أن البلاد كانت في حالة غليان وكانت الحركة الشعبية في أقصي فورتها نضالا ضد الاستعمار والنظام المتعاون معه.

وهذه الحركة الشعبية كانت قائمة قبل يوليو 1946 وقامت بعده ولم ير البرلمان مع هذا في قيام الإضرابات والمظاهرات الدامية حالة ملحة أو ضرورة أو استعجال الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير لدرء خطر ما .

ومن الواضح أن ما أدعي صدقي بوجوده من خطر يتعرض له أمن البلاد نتيجة لوجود النشاط الشيوعي – وهو ما أصدر من أجله المرسوم بقانون 117 لسنة 1946 – لم يكن من قبيل أحوال الضرورة التي تغطي للنظام الحق في اللجوء إلى المادة 41 من الدستور لاستصدار مراسيم تكون لها قوة القانون.

فالنشاط الشيوعي كان قائما من قبل 1946 – لم يكن في هذا النشاط من القوة بحيث يعرض النظام الاجتماعي القائم في ذلك الوقت للانهيار – أو يصبح الأمن العام مع وجوده معرضا للضياع .

المرسوم بقانون إذن صدر دون أن يكون له المبرر من واقع الحال كما أن القوانين المصرية النافذة وقت استصدار المرسوم بقانون لم تكن عاجزة عن حماية النظام الاجتماعي القائم – وكان فيها الكفاية لعقاب الخارجين عليها .

لكن حكومة صدقي اتخذت من المادة 41 من الدستور وسيلة تمكنها من اعتبار كل سبب مهما ضؤل – ضرورة تخولها حق إصدار مراسيم بقوانين .

ولقد لجأت حكومات ما قبل يوليو 1952 إلى استخدام هذا الحق بصورة مضحكة لا تبدو فيها الضرورة التي قصدها المشرع – مثال ذلك المرسوم بقانون الصادر في أكتوبر 1933 بفتح اعتماد قدره 30،000 جنيه لنفقات المشروع الخاص بتحسين إنتاج الجاموس.

في غيبة البرلمان فقد انتهك الدستور أيضا عندما أغفل الفقرة الثانية من المادة 41 من الدستور التي توجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض المراسيم التي صدرت في غيبته عليه في أول اجتماع له.

ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم عليه في أول اجتماع له " ذلك أن الدورة البرلمانية العادية افتتحت في السبت الثالث من شهر نوفمبر 1946 – واستمر صدقي في وزارته حتى التاسع من ديسمبر 1946 – ولم يدع البرلمان إلى اجتماع غير عادي في أول اجتماع له.

والمرسوم بقانون المذكور ( أودع) مكتبي مجلس البرلمان يوم افتتاح الدورة البرلمانية العادية في السبت الثالث من نوفمبر 1946 – والإيداع يخالف النص الوارد في المادة 41 من الدستور " عرض" فالإيداع عملية مادية بحتة لا تقترن بمناقشة أما العرض بمعناه القانوني فهو توضيح لأسباب وشرح لحجج والمناقشة وأخيرا اتخاذ القرار .

وعندما نص الدستور على ( عرض ) المراسيم على البرلمان عند افتتاحه - ربط هذا ( العرض ) بنص آخر يؤكد أن المقصود هو ( العرض ) وليس مجرد ( الإيداع) .... وهو " دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي ".

من النص في المادة 41 من الدستور على ضرورة قيام الحكومة " بدعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي " و" عرض المراسيم التي صدرت في غيبته ... نستطيع أن نستخلص أن ما قامت به الحكومة في نوفمبر 1946 من ( إيداع المرسوم بقانون مكتبي مجلسي البرلمان ) يخالف ما نص عليه الدستور من ضرورة ) غرض) المرسوم .... وكان هذا نوع من التحايل .

وفوق هذا – فإن الدستور لم يكتف فقط بالنص على ( العرض ) ولكنه اشترط شيئا إيجابيا لا يقبل التأويل أو التحويل – هو حصول الحكومة على قرار من مجلسي البرلمان معا بإقرار المرسوم بقانون وهو ما لم يحدث .

والخلاصة أن المرسوم بقانون 117 لسنة 1946 لم يعرض على البرلمان أصلا – ولم يدع البرلمان إلى اجتماع غير عادي طبقا لنص المادة 41 من الدستور لإقراره – فجاءت كل إجراءات صدقي المؤسسة على هذا القانون باطلة ... وهكذا فإن المواجهة الحكومة ضد النشاط الشيوعي كانت باطلة.

فإذا انتقلنا إلى الحديث عن المشروعية- فإننا نقول أن الباب الثاني من دستور 1923 يتضمن في المواد 4،6،12، 14 ، 15 ،20 ،21 حقوق المصريين وواجباتهم " كالحرية الشخصية وحرية الاعتقاد وحرية الرأي وحرية الصحافة ، وحق الاجتماع وتكوين الجمعيات.

وقد انتهك المرسوم بقانون 118 لسنة 1946 هذه الحريات في موضعين :

  1. حرية الإعراب عن الفكر ( م 14 من الدستور )
  2. الحق في تكوين الجمعيات ( م 21 من الدستور )

حيث يعاقب هذا المرسوم بقانون على نقد النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة ويعاقب على تكوين الجمعيات التي تعمل على تغيير هذا النظام .

وهذا التجريم للرأي والمعاقبة عليه يخالف الدستورفالدستور كفل حرية الرأي .. وهذا الرأي مهما كان – يتعين عدم العقاب عليه – أما العقاب فيكون مقصورا على الوسيلة غير المشروعة التي تنتهج في إبداء الرأي وإظهاره وفرضه ... التجريم يلحق الوسيلة غير المشروعة فقط والعقاب ينصب عليها ... أما الرأي فيبقي دائما بمنأي عن التجريم والعقاب .

ويبدو أن الحكومات التي كانت قائمة وقت صدور هذا القانون وبعده كانت تدرك مدي انتهاك مثل هذا النوع من المراسيم للدستور – وكانت تخشي إن هي قدمت الخاضعين لأحكامه إلى القضاء – أن يقضي الأخير بعدم التطبيق وغض النظر عن الدعاوي الجنائية المقامة تأسيسا عليه لسبب عدم دستوريته لهذا فإننا نلاحظ أن أحدا من المنتمين إلى تجمعات شيوعية أو يمارس نشاطا شيعيا – لم يقدم إلى المحاكمة لاقترافه جريمة من الجرائم التي نص عليها هذا المرسوم بقانون حتى جاء مايو 1948 وأعلنت الأحكام العرفية في الخامس عشر منه لظروف دخول الجيش المصري الحرب في فلسطين – فاستخدمت الحكومة نصوص القانون العرفي لتزج بالشيوعيين ومعارضي النظام في السجون والمعتقلات .

لكن هذا الإجراء لم يكن مع هذا هو المخرج الذي تريده الحكومة فهي تبغي إصدار الأحكام القضائية على أصحاب الفكر – وليس مجرد اعتقالهم وفقا لصلاحيات الأحكام العرفية التي ما أن تلغي حتى يخرج من قبض عليهم في ظلها ليعادوا ممارسة أنشطتهم .

وأخيرا استطاع " إبراهيم عبد الهادي " أن يجد المخرج القانوني لازمة المشروعية عندما أصدر الأمر العسكر في 17 / 2/1949 بوصفة الحاكم العسكري العام ( في ظل الأحكام العرفية ) بإحالة القضايا التي نص عليها المرسوم بقانون 117 لسنة 1946 إلى المحاكم العسكرية العليا ... وهذه هي ( السلطة الرابعة ) فالسلطة الرابعة هي السلطة التي تقضي على مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن القائم بينها.

بهذا المسلك أضفي إبراهيم عبد الهادي الصفة الشرعية على المرسوم الباطل الذي أصدره صدقي ، واستطاع أن يقدم القضايا الناجمة عن تطبيقه إلى محاكم لا يطعن في أحكامها ( وفقا لنص المادة 8 من القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية )

وإذا كان صدقي قد انتهك الدستور بإصداره المرسوم بقانون 117 لسنة 1946 – وإذا كان إبراهيم عبد الهادي قد تحايل واستخدم سلطات القانون العرفي لينفذ ويطبق هذا القانون الباطل فإن صنوهما ( النقراشي ) لم يخالفهما فيما ذهب إليه .

فقد تقدم خلال عهد حكومته ( 9 ديسمبر 1946 – 28 ديسمبر 1948 ) بمشروع قانون في أوائل 1947 يماثل مرسوم ( صدقي ) عن طريق أحد النواب الموالين له بهدف محاكمة الفكر والرأي وضرب النشاط الشيوعي.

ومرة أخري لم يوافق مجلس الشيوخ على المشروع لمخالفته للدستور ومبادئه الأساسية.ولم ييأس النقراشي وتقدم في أوائل 1948 بمشروع قانون مماثل يتضمن جرائم أخري وعقوبات أكثر قسوة .. ومرة أخري يرفض مجلس الشيوخ الموافقة عليه لعدم المشروعية

خاتمة

كانت المواجهة باطلة قانونا – والإجراءات تفتقر للمشروعية .. وكان ضرب الفكر وحرية الرأي هو الحل .. كانت العقوبة هي الحل الأمثل للمشاكل الاجتماعية بدلا من الإصلاح الاجتماعي – وتنافست الحكومات في ذلك فما من مناسبة تذكر فيها حرية الفكر إلا وتهب الأصوات تذكر بالضوابط والمحاذير ومن عجب أن حكومات الفترة موضوع الدراسة كانت تصفق لأفعالها وكأن رجالها من طول ما كابدوا من قهر قتال فيهم المغامرة الفكرية قد ألفوا الكبت وارتاحوا إليه وباتوا يخافون الحرية ويخافون الفكر ويتقونهما معا .

إن المرء ليدرك مغزي قانون يسن لمنع القتل أو السرقة أو الاعتداء لكنه من الصعب أن يدرك المغزي من قانون يسن لمنع الفكر من ممارسة وظيفته الطبيعية وهي البحث عن الحقيقة ما وجد إليها سبيلا – والثابت أن القانون الوضعي منبت الصلة عن الأمور التي تخضع لقوانين من نوع آخر كقوانين الفكر التي بفضلها يتبين الإنسان الصواب من الخطأ .

صحيح أن من الأفكار ما يضر أكثر من القتل لكن من غير المتصور أن الضرر يأتي من الفكرة الصحيحة نعم قد تكون هذه الفكرة قد أقبلت قبل أن ننضج لاستيعابها وتلقيها – وقد تبدو في بعض الأحيان وقد جاءت قبل أوانها فتزعج أو تؤلم أو تكون قاسية – لكن الإنسان يحاول دائما أن يروض نفسه على مواجهة الحقيقة والتكيف معها والاقتناع بها مهما كلفه ذلك من جهد وتضحية.. لتستمر مسيرة الحياة التي لا تقوم إلا على الحقيقة.

صحيح أن الفكر عرضة للخطأ .. ولكن هل يصحح الفك قانون العقوبات وتنظيم الدولة لوسائل القهر والإرهاب .. أم يصححه قانون الفكر نفسه أن الفكر يدعو إلى لمناقشة والحوار .. وهو ما يثري الحياة .أما قتل الفكر بالقهر .. فهو قتل للعقل الذي وهبه الله للإنسان .

وهذا السطور تصف بدقة موضوع دراستنا فقد قامت " الحركة الشيوعية " في مصر كنوع من الاحتجاج على ظلم يعانيه المحرومون ومع تسليم الحكومات المعنية بوجود هذا الظلم فإنها لم تقدم من الحلول سوي النذر اليسير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع واستمر الإحساس بالظلم ومع تزايد وطأته على المظلومين لم تجد الحكومات سوي القهر سبيلا لإيقاف حركة العقل – ولم يكن القهر في يوم من الأيام حائزا على أسباب المشروعية .تم بحمد الله

ملحق رقم (1)

تقرير

أسعد لطفي حسن أفندي رئيس نقابة الحكة الميكانيكية إلى أحمد خشبة باشا وزير الحقانية في عام 1928.العمال : التصرفات الجارية الآن مع العمال لاستدراجهم واستخدامهم لا يحسن السكوت عليها وكلها مصحوبة بأماني واتفاق تدريجي آنا بعد آخر ولابد من السهر على فشل هذه المساعي باتخاذ وسائل جدية وسريعة.والعمال ثلاث فئات.

عمال الصنائع اليدوية وعمال العنابر والترسانة وموظفي الحركة الميكانيكية بالسكة الحديد.

  1. عمال الصنائع اليدوية لهم نقابة يتلاعب بها ذوو الأغراض في كل حركة وهؤلاء يجتمعون بنشاط مستمر ولهم ناد بشارع المطبعة ويدعي رئاستها الدكتور محجوب ولها مستشارون كل منهم بحظه وعند الفرصة وهؤلاء خليط من عمال الترسانة والعنابر والعمال الأحرار إنما الحركة بيد المنضمين من رجال الهيئتين الحكومية ويمكن عدم تركهم بدون مراقبة بواسطة يقظة الأمن العام.
  2. عمال العنابر وهؤلاء سهل جدا ببث روح الاعتدال ومنع التطرف من بينهم إذا تولي أمرهم موظف يعاون رئيس ورش العنابر ويعطي هذا الموظف سلطة النظر في أحوالهم وأمورهم بحيث يستطيع استمالتهم بجانبه تحت فكرة اهتمامه بأمرهم ويحسن أن يقوي بإجابة المطالب التي يراها نافعة لإصلاح عقلهم ومن السهل جدا استطاعة هذا الموظف إصدار تعليمات وأوامر متنوعة وفي ظروف مختلفة بأساليب تحذيرية وتحضيرية تكبح جماع العمال بالطرق القانونية كل هذا يتم في مدي قريب تحت ستار الاهتمام بأمرهم وحب الخير لهم ويمكن بكل تواضع قيامي بهذه المهمة.
  3. عمال الترسانة هؤلاء العمال ملهم كمثل عمال العنابر وهؤلاء خاضعون لوزارة الأشغال وعددهم قليل بالنسبة لعدد عمال العناب ويمكن إصلاحهم بالطريقة السابقة واستطيع أن آخذ على عاتقي إصلاحهم في أقرب فرصة.
  4. موظفو الحركة الميكانيكية هؤلاء لى الشرف أن أكون رئيس نقابتهم العامة وقد تمكنت فعلا من إصلاح عقليتهم والسير معهم بالهدوء والسكينة ويمكنني أن أصرح بمسئوليتي عن تصرفاتهم لأني سرت مع معالي وزير المواصلات في سبيل تحسين حالهم وتفضل حفظه الله ووعدني بكل ما يضمن لمسعاي النجاح إن شاء الله .

وعلى العموم أر طريقا آخر للبت في استمالة الجميع وهو منح اليتامي من أبناء المتوفين منهم مساعدة لذريتهم بواسطة صرف مبالغ من أموال المراهنات تدفع لهم بعد الدخول معهم وبث روح المسالمة بينهم وأني أري أن هذه الوسائل توجد بين العمال وبين من يسعون لاستفزازهم والانتفاع بهم سدا منيعا يضمن خلودهم إلى السكينة والقيام بأعمالهم في جو هادئ وحياة طيبة بعيدة عن الغوغاء والشرور.

الطلبة : مع الاعتراف بفضل الإجراءات التي عزمت عليها وزارة المعارف يستحسن أن تكون الوزارة حريصة كل الحرص على تعميم أمرها إذ يخش وهي تعلم وتعرف مقر وتصرفات من ينتمون إليها أن تبدأ بضب المثل بهم وتظهر قوتها فيهم وقدرتها عليهم – ومن ناحية أخري ربما ( ولا أجزم ) لا تملك استلام ناصية الفريق الآخر ويكون من وراء ذلك تأخير عملها معهم سببا في نفور أفرادها وشعورهم بتفردها عليهم ولهذا يجب أن يتولي ناصية الحقل من الرجال العاملين الذين يحافظون على خط الرجعة ويعاونون على حسن النتيجة .

الجرائد من أول يوم تولت الوزارة كان الهدف الواجب أصابته حركة الجرائد وأساليبها شتي وأهمها تقريب رجالها إلا واحدة أو اثنين سيجري أصحابهما في الغد وراء مصلحتهما الشخصية وقد ضربت لمعاليكم بعض الأمثلة.

الموظفون: هم عبيد الإحسان يسبحون بحمد من يحسن إليهم ويتركهم آمنين مطمئنين ويسعي لدفع الحيف والظلم الذي أوجدته المحسوبية والقرابة وما عداها من التصرفات التي برز أثرها واكتسح الهمة والناشط ولهذا يهمهم .

أولا: الاطمئنان على نظام حياتهم ووضع حد فاصل للاضطراب السنوي الذي كان ينتابهم بخصوص الكادر واتخاذه غاية يلوح بها في وجوههم .

ثانيا: وضع نظام يرد للمظلومين حقوقهم ويعوض عليهم ما فاتهم بعض التعويض وبقدر الاستطاعة .

ثالثا: إصدار قانون المعاشات وقد وفقنا الله لتقديم مقترحات لا بأس بها .

رابعا: تثبيت المؤقتين وهم جيش عرموم ولهداية الاطمئنان أثرها النافع .

الحالة الحزبية : بالطبع لا يملك في قوة تريد غوغاء وتهويشه أكثر من انتساب الكثيرين إليه ولو بطريق الضلالة وبكل صراحة وبكل حرية لا يوجد في حزب الأحرار الدستوريين عاملون لتقوية أمر الدعاية إليه ولو كانت أرستقراطية أهله سبب ذلك لوجب أن تتلاشي الآن إذ هي عديمة القيمة بغير أعوان وأنصار وفي الوقت نفسه لا يحس نائم ولا يشعر غافل فأولي برجال الحزب أن ينهضوا إما لتلاشي الحزبية عامة وإدماج الأحزاب إدماجا تاما أو منع الحزبية بطريقة عامة أو تنظيم الحزب تنظيما كافيا لنهوضه واستعداده لمجابهة المستقبل ومواجه الحوادث .

ويجب أيضا الحصول على بيانات حقيقية عن نفسية الأهالي وحالتهم الواقعة والإشارة دائما إلى النواحي المستمرة في حالتها والنواحي التي تتقوي والنواحي التي تضعف حتى يمكن وضع العلاج الشافي تماما .

وأيضا أري لمحاربة التهويش والتضليل أنه إذا أقدم القوم على الانتقال لجهة ما بناء على دعوة وجهت إليهم أن يصرح إلى الداعي بشرط أن يعطي هو وأربعة من وجهاء المدينة تعهدا هذا نصه ( لا مؤاخذة)

نحن الموقعين على هذا ... نشهد لإدارة الأمن العام بمسؤوليتنا المطلقة عن المحافظة عن الأمن العام وعدم الإخلال به وعن كل ما يحصل ضد الأهالي أو الأجانب من جراء الزحام أو خلافه في يوم .... الذي حددناه لدعوة ..... وهذه المسئولية تشمل القيام بدفع التعويضات المالية والعقوبة عن الاعتداءات الجنائية أو خلافه بحيث نكون مسئولين أما الحكومة ونقبل قبولا لا معارضة فيه كل ما تقرره.عن الإخلال بالنظام .... الخ ... بهذا المعني .

وسيكون من وراء ذلك انكماش الكل بدون مبالغة وأحجام الجميع عن الغوغاء ونكسب من وراء ذلك الحكم عليهم بسوء النية والرغبة في التهويش .

الأهالي : أن إعلان الحكومة رغبتها في الكثير من خيرهم بدائرة ولكن المهم التحفظ في الوعود وإعلان السهل الممكن بطريقة خلابة ( لا مؤاخذة حسن النية يدفعني ) سنعمل بفضل الله ومعونته – ويشرع بأقرب فرصة في السهل من المشروعات .

أسباب الاستقالات: أرجو وألح في عمل اللازم لنشر كتاب خاص تعلن فيه التصرفات الصبيانية التي استوجبت الاستقالات.

الردود على الثرثرة : يجب أن تراقب الخطب التي تلقي ( ولو أنها بمعني واحد) ويرد على كل منها في حينه في غير جريدة السياسة ومن غير حر دستوري ( ظاهرا) حتى لا يظن الرأي العام أن أقوالهم لها أثرها في العامة وحتى تقرع الحجة طنينهم وتبطل جعجعتهم وأري الترفع عن السب ومقابلة سفالتهم بالرد عليها وألح في تطهير جريدة السياسة من مقابلتهم بالمثل لأن الشرق والشرقيين البعيدين عنها يطالعون جرائدنا وسيحكمون حكمهم عليها .

الحركات الخارجية : أرجو لا تغفل الوزارة عن تنشيط نادي لندن لأنه مؤلف من أكثرية البعثات الأميرية مع بث روح طيبة بين أعضائه وهكذا يلزم مراقبة الجمعيات الأخرى بالجهات الأخرى مراقبة خفيفة مع استمالة البعض لبث روح الإخلاص وسيكون لنشر حقائق الاستقالات أطيب الأثر بينهم ولا مانع من الإشارة إلى الوزراء المفوضين بالاتصال بالطلبة ودعوتهم إلى حفلات يشيرون فيها إلى حقائق طمست على الضلال وأذابت سحبه السوداء وأيضا من ورائها إزالة ما بين مصر والحجاز واستعادة الرابطة التي ستظهر للأمة إخلاص الحكومة في احترام شعائرها وإعادة المحمل الخ.

هذا ما دفعني إخلاصي وشجعني إيمان بتقدمه وأسأل الله في صلاتي وقيامي أن يكتب لصاحب الدولة ورجاله المخلصين التوفيق في ظل جلالة الملك البار بأمته آمين .

المخلص إمضاء أسعد لطفي حسن

ملحق رقم (3)

مكتب العمل

المنشأ في 29 نوفمبر 1930 بالقرار الوزاري رقم ( 40) الأمر الإداري نمرة 1 في 19/1/1913 بتشكيل إدارة عموم الأمن العام وعلى الأوامر والتعليمات التي صدرت بعد ذلك بتحديد اختصاصات كل من " إدارة اللوائح والرخص " و" القسم الفني " و" القسم المخصوص " وعلى التقرير المرفوع إلينا من وكيل الوزارة في 15 / 11/ 1930 بصدد التشرع للعمال واقتراح إنشاء مكتب للعمل بوزارة الداخلية .

قرر ما يأتي:

أولا: ينشأ بوزارة الداخلية مكتب للعمل " ويلحق بإدارة عموم الأمن العام.
ثانيا : يختص مكتب العمل بكل ما يتعلق بالعمل والعمال وعلى الأخص ما يأتي
  1. تنفيذ القانون نمرة 13 لسنة 1904 واللائحة الصادرة بها قرار وزير الداخلية في 29 / 8 / 1904 والجدول الملحق بهما بشأن المحال المقلقة للراحة والضارة بالصحة والخطرة .
  2. تنفيذ القانون نمرة 14 لسنة 1909 والقرارات الصادرة في 21/ 9/ 1924 و14 /8/1926 و 20/ 3 /1927 بشأن تشغيل الأحداث في معامل حلج القطن ومحال كبس القطن وتنظيفه ومعامل الدخان والسجاير ومحال غزل ونسج الحرير والقطن والكتاب .
  3. عمل الأبحاث وتقديم البيانات التي يقتضيها إصدار التشريع الجديد للعمل والعمال والقيام على تنفيذ هذا التشريع عند صدوره
  4. تحضير مشروعات القوانين واللوائح المتصلة بالعمل والادخار والهاجرة وتعليم العمال .
  5. مراجعة اللوائح الداخلية للورش والمصانع والمعامل ومحال التجارة والإشراف على تنفيذها .
  6. درس أسباب المنازعات التي تقوم بين العمال وأرباب العمل ووضع حد لها سواء باتصال المكتب مع رجال الإدارة المحليين أم عن طريق لجان التوفيق .
  7. درس كيفية إدارة النقابات وجمعيات العمال .
  8. درس عادات العمل ووسائل معيشتهم ومساكنهم وأحوال علائتهم وطرق تغذيتهم وما يؤدي إلى إصلاح حالهم ورفع مستواهم وتربية أولادهم .
  9. درس أسباب لعطلة وجمع المعلومات والإحصاءات عن العمال العاطلين والاتصال بالوزارات والمصالح التي لها ورش أو مصانع أو التي تستخدم أيد الصناع والعمال أو تشرف على تنفيذ الامتيازات والاحتكارات الممنوحة إلى الشركات والأفراد أو التي تشرف على التعليم الصناعي – وذلك لتدبير أعمال للعمال جهد المستطاع .
  10. جمع المعلومات والإحصاءات في الأمور المبينة بعد.
(أ‌) المنازعات بن أرباب العمل والعمال والإضرابات وعددها وقرارات لجان التوفيق .
(ب‌) عدد العمال في الأشغال المختلفة من ذكور وإناث وبيان سنهم وجنسيتهم وحالتهم المدنية .
(ت‌) مخاطر العمل والإصابات الناشئة عن العمل .
(ث‌) حياة العامل وعائلته والمساكن وأسعار الحاجات الأولية المعدة لاستهلاك العمال .
(ج‌) الأجور وأسباب صعودها وهبوطها.
(ح‌)ساعات عمل الليل والنهار .

ثالثا : يشكل مكتب العمل كالآتي

  1. من موظفي القسم الفني حسب وضعهم الحال وما قد يندرج إليه هذا الوضع في المستقبل .
  2. ومن الكتبة المعينين على مصاريف التفتيش الصادر بتحصيلها القانون نمرة 13 لسنة 1922 .
  3. ومن موظفي القسم المخصوص القائمين الآن بأعمال التوفيق بين العمال وأرباب العمل .
  4. ومن موظفي إدارة اللوائح والرخص القائمين الآن بتنفيذ القانون نمرة 13 لسنة 1904 و 14 لسنة 1909 .
  5. ومن الأطباء الذين ينتدبون من مصلحة الصحة العمومية للعمل في المكتب
تحريرا في 8 رجب 1349 ( 29/11/1930)

ملحق رقم (4)

الدولية الرابعة النشرة الداخلية للحركة الثورية الشيوعية

ملك سكير يتحدي الشعب بقلم الرفيق فكري

ليس هدفنا هنا هو استعراض تاريخ الأسرة الحاكمة منذ حل كابوسها فوق هذا الشعب المستبعد كما أنه ليس من أهدافنا تكرار الخيانات والفضائح التي ارتكبتها يدا في يد مع الإمبريالية البريطانية ضد حقوق الشعب وحرياته خلال سني حكمها الفاسد لكننا سنمر سراعا على المؤامرات الأخيرة والمغامرات والفضائح التي ارتكبها العضو الأخير في هذه الأسرة الطاغية .

فاروق الأول الملك السكير الذي لا يخلو بيت غني أو كوخ فقير من الحديث عن فضائحه وجرائمه بتقزز – فاروق الأول الحاكم الذي كان عدوا لشعبه أكثر من مرة والذي داس على آماله.

عندما يعبر الشعب من خلال المظاهرات والإضرابات عن رغبته في التخلص من الإمبريالية وسخطه على حكومة النقراشي الأولي وصمته التقليدي فإن الملك يرد بلغة الحديد والنار والقتل والاعتقال ..

بطرد النقراشي وتعيين صدقي كدكتاتور وعندما يعبر الناس عن رفضهم لمشروع صدقي – بيفن بالإضرابات والشعارات ، فإن الملك يجيب بلغة الحديد والنار ، والسجن والقتل ..

يجيب بطرد صدقي وتعيين النقراشي مرة أخي – ولكي يرد على الانجليز موقفهم في مجلس الأمن فإنه يطرد عبد الهادي الذي وقع مشروع صدقي – بيفن ، عندما كان وزيرا للخارجية ويعينه رئيسا لديوانه الملكي ديوان المفاسد العالي والدعارة الملكية – ديوان المؤامرات والتدابير التي تحاك ضد الشعب وهذا الديوان الذي قاد مفاسده في السابق حسن نشأت توفيق نسيم على ماهر وأحمد حسنين .

- أن أبلغ دليل على عداوة الملك هو صمه أذنه عن صرخات الملايين المطالبة بإقالة الحكومة الحالية – والإجابة على ذلك بتعيين شخص كحيدر الضابط وزيرا للدفاع ، وجعل السجون في عهدته وهكذا فإن كل الأمور تتجمع مقاليدها في يد الملك ... ويحكم البلاد بدكتاتورية مقنع .

ولم لا !! إن كل علاقاتنا مع الإمبريالية يوجهها عمرو باشا وعبد الهادي والجيش الذي يردع كل الحريات والانتفاضات والسجون التي يودع بها كل من يصرخون من أجل الحرة والعدل في يد الضباط حيدر.

إن أقارب ضحاياه يعيشون شهودا على أنه اليد اليمني للإمبريالية ( ومرمطون) جلادها ( رسل باشا ) يوم أن ثار الشعب للمطالبة باستقلاله... أن هذا هو حيدر الذي قتل الثوار من الطلبة والعمال والموظفين تحت سنابك جواده وبطلقات مسدسه.. يكف القول أنه الضابط حيدر.

- أن الملك يتحدي الشعب ولكنه الآن مذعور من غضبه وأبلغ دلل لهذا الذعر هو صحافته أقرأوا أخبار اليوم والزمان وباقي الصحف التي تنشر الأكاذيب والسموم والمخدرات أن هذه الصحف تردد كل يوم ترانيم العدالة الاجتماعية والاشتراكية الإسلامية أو الاشتراكية الملكية أحيانا أخري انظروا إلى صدقي الكلب المخلص لمصالح الملك الإقطاعي والرأسماليين المصريين والأجانب عندما يعلن أن وزارته اشتراكية في الوقت الذي يلقي بكل الاشتراكيين الحقيقيين في السجون

أو استمعوا إلى رسالة الملك إلى شعبه في العيد عندما يكرر أكاذيبه ويقول للأغنياء بأن يعطفوا على الفقراء بينما هو يمتلك عشرات الآلاف من الأفدنة ويدفع لعبيده أجور شحاذين ، استمعوا إليه وهو يقول على لسان الضابط حيدر إلى ضباط الجيش الغاضبين " إننا عائلة واحدة لنا كبير الشرف أن يكون جلالته حامينا وحارسنا والقائد الأعلى لهذا العائلة التي يجب أن تكون كلها متمثلة في كيان واحد لها عقل يدير أمورها الخاصة فلا تسمحوا لأنفسكم أن تتفرقوا.

- لقد سلك فاروق الأول هذا المسلك نحو شعبه منذ إعتلائه عرش البلاد وله كل العذر في هذا لأنه ينحدر من هذا المنحدر الذي أتي منه " محمد علي " الأجنبي أنه كأجنبي لا يستطيع أن يفعل سو ذلك أنه ابن الملوك الفاسدين الحقراء، الشاب التالف ، وارث الدولة الكبيرة المسماة مصر والنوبة كردفان والسودان ،وتحت حكمه عشرين مليونا من العبيد ولهذا فإن له كل العذر لخيانة بلاده . فما هو الشعب بالنسبة له . ما هي أمانيهم وآمالهم – العدالة الاجتماعية عويل المعدمين وبكاء الجائعين والمعذبين .

- فاروق الأول الذي جرد نبيلتين من لقبيهما لأنهما رفضتا أن يفسق بهما – واعتقل صحفيا لأنه ألح في محكمة أن الشعب يعرف أسرار البلاط وأنه يعرف قصة الملك مع زوجة ابن " على أيوب " الذي قتله " عمر فتحي " بينما كان سده يغتصبها ... هذا الفاسق الصغير الذي يحوم حول الأوبرج في الشتاء – والكورنيش في الصيف .. الذي يخطف أى امرأة تروق له من أى عائلة والذي يطرد ابنة البارون أمبان لرفضها الفسوق معه – هذا الملك المتآمر يقدم الدليل لكل ذي عينين على أن النظام الملكي سواء أكان نيابيا أو ديمقراطيا يروي في الواقع ببؤس العمال ودماء المصريين عرق العبيد.

- عندما يريد الملك أن يخفي فضائحه وجرائمه فإنه يستخدم أدنأ أعضاء القسم المخصوص وأقذر ضباطه الفاشيين الصفر ومع ذلك فإنه يفشل فها هي صحف العالم زاخرة بأنباء فضائحه التي تصل إلى أسماع المصريين بسرعة الكهرباء وأنهم يرتبون لثورتهم لم يكتشف بعد أن الشعب في ذلك اليوم سيجعله يرتعد فرقا مهما صلي كثيرا أو تخفي وراء قناع الدين أو تظاهر بالتقوي .

في هذا اليوم القريب سيلتقي الشعب بالملك السكير الطاغية ابن الطغاة وملكهم ، الرأسماليون وكلابهم الامبرياليون وأذنابهم – كل هؤلاء سيغرقون في المستنقع ... وستتمزق وتتحطم دعائم الملكية وسيتداعي ديوان الفسق والتآمر لخلي الطريق لجمهورية العمال والفلاحين .

ملحق رقم (5)

ترجمة برنامج الحزب الشيوعي المصري ومذكرته الإيضاحية

يذكر برنامج الحزب الشيوعي المصري أن الحزب لن يكون قادرا على تنفيذ برنامجه أو تحقيق كل مبادئه دون ثورة ديمقراطية وطنية ثم يتعرض لشرح تاريخ مصر منذ بداية الاحتلال البريطاني ويركز على الملاك والمستأجرين وحياة الفلاحين وكيف أن الضرائب كانت في الماضي تحصل منهم بالكرباج ويذكر منافسة البضائع الأجنبية لصغار المنتجين رسوم الجمارك التي تحصل على المواد الخام ، والعوائق التي وضعتها الإمبريالية ويضرب مثلا بمعاناة مليون ونصف فلاح في سنة 1914 عندما جندوا لفرق لعمال والنقل بالجمال وأرسلوا إلى الخارج للعمل كخدم أو لحفر الخنادق – وكيف أن السلطات البريطانية استولت على كل الحيوانات والحبوب دون دفع أثمانها .

ويذك البرنامج في المقدمة أن اعتقال " سعد زغلول " كان الشرارة التي أشعلت الثورة الوطنية – ويتحدث عن بداية الثورة بمظاهرات الطلبة وانتهائها بالتصادم الدموي مع القوات البريطانية في العاشر من مايو 1919 وينتقل البرنامج إلى الحديث عن مشاركة البروليتاريا المصرية في الثورة بإضراب استمر شهرا – وقطعها المواصلات بين الشمال والجنوب عن طريق اتلاف السكك الحديدية وأسلاك التليفون وأن هذا أدي إلى فقد الإمبريالية البريطانية للسيطرة على الموقف ..

ويتهم الحزب الشيوعي البورجوازية بما فيها الوفد بالانسحاب من النضال الثوري تاركه الثورة دون قيادة – لكن الثورة لم تمت لأنها نجحت في ضرب الإمبريالية البريطانية ومؤسساتها .

وينتقد الحزب تآمر الوفد على المصالح الوطنية وكيف أن الأغلبية البرلمانية وأحزاب بورجوازية أخري تعاونت معه ( الوفد) وأن المؤامرة الكبرى كانت توقيع معاهدة 1936 .

ويتحدث الحزب عن الأحوال المعاصرة فيذكر أن انتصار القوي الديمقراطية الوطنية تحت قيادة الاتحاد السوفييتي قد أدى إلى تغير في التوازن بين الرأسمالية والاشتراكية وأن الحرب أودت بألمانيا وايطاليا واليابان كمنافسين امبرياليين للولايات المتحدة كذلك فإن بريطانيا وفرنسا خرجتا من الحرب منهوكتان لكن أمريكا كانت الدولة الوحيدة التي زادت قوتها من الحب وبالنسبة للبورجوازية فقد ألقت بنفسها خلال الحرب في أحضان الإمبريالية الأمريكية التي لديها وسائل فرض سيادتها على هذه الأمم أما المعسكر الاشتراكي الذي يقف معارضا لمعسكر الإمبريالية فقد خرج من الحرب قويا ..

في القسم الثاني من مقدمة برنامج الحزب الشيوعي – يقدم الحزب وسائل تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال بأشكاله المختلفة فيقول أن الاشتراكية عندما تتحقق فإنها تعني إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونقلها إلى ملكية جماعية لتصبح ملكا للشعب في مجموعه ويؤكد البرنامج أن هدف الحزب الشيوع هو تحقيق قيادة البروليتاريا للمحرومين في لمدينة والقرية.

ثم يقدم الحزب دراسة لأهداف الحزب الشيوعي المصري – وهي النضال ضد التدخل الأجنبي كهدف عاجل..

بعد هذه المقدمة – يعرض الحزب برنامجه على الوجه الآتي:

1- ثورتنا وطنية

ما الذي نعنيه بالتحرير التام لمصر والسودان من المستحيل توضيح علاقة الحزب الشيوعي المصري بالسودان بدون مقارنتها بمسلك البورجوازية المصرية إن مسلكنا نحو السودان هو تحرير البروليتاريا المصرية للسودان من الطغيان والدفاع عنها

وما هو مسلك البورجوازية المصرية أنها تريد وحدة وادي النيل تحت التاج المصري، لكنها لا تذكر أبدا كلمة واحدة عن مستقبل الشعب السوداني وحقه في النضال أن البورجوازية المصرية لا تفرض الوحدة على السودان مع مصر فقط ولكنها تستعبد السودان تحت تعبير " تحت التاج المصري" وبكلمات أخري ستصبح السودان مستعمرة مصرية تحكم بنفس الحكم المحكومة به مصر.

نحن الحزب الشيوعي المصري- من الناحية الأخرى نريد اتحادا من مصر والسودان مؤسس على المساواة مع حق تقرير المصير للسودان بما في ذلك حقه في الانفصال نريد وحدة سياسة اقتصادية وجغرافية نريد إلغاء الحكم البريطاني في السودان وإلغاء المجلس التشريعي.

نريد حكومة وطنية سودانية ينتخبها الشعب نريد الانسحاب الفوري للجيش البريطاني وتسليم المناصب الإدارية للسودانيين نريد جلاء الجيش المصري وسحب الاحتلال الإداري المصري للسودان ، هذه المطالب ضرورية من أجل التحرير الكامل كما تحدده تعليمات الحزب.

2 -ثورتنا ديمقراطية

إن نظامنا يعادي النظام البرجوازي – هذا النظام الذي وضع الدستور الحالي إن الدستور من حيث هو يعن كل الشعب يجب أن يصاغ بإجماع الأمة لكن دستور البلاد الذي صدر في 1923 كان يسعي لإرضاء البورجوازية بعد إحداث 1919 عندما كانت الشعارات هي " الاستقلال والدستور "

لقد تم تجهيز الدستور بواسطة لجنة عينها الملك – وصدق الملك عليه – ومن هنا فإن الشعب لم يؤخذ رأيه سواء في إعداده أو التصديق عليه.لقد عين الملك لجنة الدستور – وعين الانجليز الملك – وكان الملك هو الذي صادق على الدستور – أن أهم مواد الدستور هو السيادة المطلقة للملك الذي يحكم بالوراثة لمدة غير محددة والملك من صنع البريطانيين وعلى ذلك فإنه لعبة في أيديهم ولا أري للشعب .

إن للملك حق إصدار القوانين وقيادة الجيش أو إقالة وتعيين الوزارة ودعوة وحل البرلمان ، وتعيين كبار الموظفين – فالخلاصة ..أن الملك له السلطة المطلقة في كل شؤون البلاد.

وهذا خطأ كبير – لأن الملك يمارس سلطاته لصالح طبقة البورجوازية ( طبقة كبار الملاك والرأسماليين ) لأنه هو نفسه عضو في هذه الطبقة ومصالحه مرتبطة بها – من أجل كل ما فات فإن نظامنا الجديد يجب أن يدمر رمز الطغيان والاستغلال .

أن أحد أوائل إجراءاتنا هو إلغاء كل هذه القوانين التي تمثل النظام الفاشي وبهذا يتحرر الشعب. وبالتبعية فإن نظامنا سيشرع في تغيير أسس النظام بإلغاء الملكية التي تحكم بالوراثة وإقامة جمهورية ديمقراطية وطنية .

ما هي الجمهورية الوطنية ؟ أنها الدولة التي تمثل سلطة المحرومين في الريف والمدن والتي ستلعب فيها الطبقة العاملة الدور القيادي إن جمهوريتنا تختلف عن النظام الحالي في مظاهر عدة في الشكل والتطبيق ما هي أسس لجمهورية الديمقراطية الوطنية ؟

أن أساسها هو تجنب وضع كل السلطة في يد شخص واحد المصدر الأساسي هو الشعب وسلطة رئيس الجمهورية تستمد من الشعب الذي يمكنه أن يسحب هذه الثقة ويوليها شخصا آخر .

سيلغي البرلمان البورجوازي بمجلسه اللذان يقتسمان السلطة ويستبدل بمجلس واحد ينتخب أعضائه الشعب وسينتخب المجلس رئيسه ونائب الرئيس ورئيس لجمهورية الذي سيكون مسئولا أمام المجلس .ويمكن للمجلس أن ينتخب أيضا رئيس الوزراء ويعزلهم عند الرغبة الخ ..

إن دستور البورجوازية يخدع الشعب وينكر مطالبهم . أنه يعلن " الحرية الكاملة للرأي " فهل هذا صحيح ؟ أنظر إلى محاكمات الشيوعيين والشكل الفاشي الشرس في المحاكم العسكرية.انظر إلى النقيض الذي ستوفره مزايا الدستور الشيوعي أن الدستور البورجوازي لا يكفيه إنكار كل حرية للعمال المحرومين ولكنه ينكر أيضا حق محاربة المستغلين وينكر حق الإضراب .

وفي شأن النقابات فإن عمال شبرا الخيمة غير مسموح لهم بتنظيم أنفسهم في نقابة إن النقابات القائمة الآن كنقابة السكك الحديدية والمحلة الكبرى أما تحت سيادة الرأسماليين أو الحكومة ولموظفي الحكومة وموظفي البلدية نقابات بالاسم فقط – ولا عمل لها سوي ضبط الأجور لكن النظام الشيوعي على العكس من ذلك سيعتبر النقابات كمدارس تجهيزية للنضال السياسي .

إن النظام البورجوازي يحرم المظاهرات وعندما يتظاهر الشعب فإن البوليس يحاصره ويطلق النار عليه – إن حزبنا الشيوعي يقاتل من أجل حرية المظاهرات سيضمن النظام الديمقراطي الوطني حصانة المنازل ضد التفتيش الحرية الفردية ، وحقوق النساء.

إن من الخطأ اعتبار الإسلام الدين الرسمي للدولة حيث أن المصريين ليسوا جميعا مسلمين لكن فيهم مسيحيين ويهود لهذا فإن الدولة لا يجب أن تنسب إلى أى دين بل تكون قومية للشعب بصرف النظر عن ديانتهم يجب أن يفصل الدين عن الدولة وكل مؤسساتها – كالمدارس .

يجب أن يكون الزواج مدنيا لا يجب تمييز دين على دين بل يجب أن يتساوي الجمع أمام القانون ولا يجب أن تشارك الدولة في الدعم المالي لأي ديانة ويجب أن يقتصر دعم الكنيسة على ما تتلقاه من شعبها فقط . وفي هذا المقام فإن الحزب الشيوعي يختلف عن النظام البورجوازي المصري الذي يدفع مبالغ ضخمة إلى الأزهر ومؤسسات دينية أخري – ومن ذلك ما دفعه النظام البورجوازي مؤخرا من آلاف الجنيهات لشراء سجاجيد للأزهر

3 - إن بلدنا غير مستقل ليس بسبب الاحتلال البريطاني ولكن الامبرياليون لهم استثمارات رأسمالية ضخمة فيها .

4 - مطالب العمال

يناقض النظام النقابي في مصر مثيله في البلاد الأخرى وروسيا السوفيتية إن ساعات العمل طويلة جدا وضمانات العمالية غير كافية أصحاب المصانع يتجاهلون مصالح العمال وأطفالهم – والحكومة مخطئة في دعم الرأسماليين في مسلكهم المضاد للعمال .

يبلغ عدد كبار الملاك في الريف 21،000 يملكون 2،478،000 فدان بينما لا يملك مليون وربع فلاح شبرا واحدا من الأرض إن الحزب الشيوع يسعي لتحير الفلاحين من عبودية كبار الملاك بإعطائهم أراضيهم دون تعويض استنادا لمبدأ " الأرض لمن يفلحها"

والخلاصة ... إذ اعتمدنا على أنفسنا فقط في نضالنا ضد الإمبريالية فلن ننجح لأنه لن يكون علينا أن نواجه الإمبريالية البريطانية فقط – ولكن الامبريالي الأمريكية التي تساندها . وهاتان الامبرياليتان لن تسمحا لمصر بأن تنال استقلالها لهذا فإن نضالنا سينجح فقط عندما نربطه بنضال المعسكر العالمي الموجه ضد الإمبريالية والذي يقوده الاتحاد السوفيتي .

إن كل القادة البورجوازيين والاشتراكيين الذين يعلنون أنهم يساندون النضال من أجل تحرير بلدهم دون الاتحاد مع الكتلة العالمية التي تحارب الإمبريالية سينجحون فقط في تقوية قبضة الإمبريالية في بلدنا .. وهذا هو ما حدث في بورما سنة 1948 .

إن كل ثمار انتصاراتنا ستكون عديمة القيمة ما لم نعتمد على الاتحاد السوفييتي مسقط رأس الاشتراكية والبلد الأول الذي حرر نفسه من نير الإمبريالية .

إن أمامنا درسا جيدا في يوغوسلافيا حيث ادعي المتآمر " تيتو" قدرته على الحفاظ على استقلال بلده وبناء الاشتراكية على أساس قوي فأين يوغوسلافيا الآن لقد سقطت إلى مستوي بلد فاشية مستعمرة أمريكية مهمتها إهانة الاتحاد لسوفييتي الدول الديمقراطية القومية بالنيابة عن الإمبريالية الأمريكية .

إن الحزب الشيوعي المصري يعلن في نهاية برنامجه أن النضال من أجل تحرير البلاد هو جزء من نضال العالم ضد الإمبريالية .إن نضالنا ضد الإمبريالية البريطانية هو جزء مكمل لنضال كتلة العالم الديمقراطي تحت قيادة روسيا السوفييتية .

ملحق رقم (14)

من ضباط الجيش إلى حضرة صاحب الجلالة القائد الأعلى

حضرة صاحب الجلالة قائدنا الأعلين

رأينا في خضوع وإجلال في هذه الفترة الدقيقة التي تجتازها البلاد والشعب يكاد تعصف به عواصف الغضب ويكاد يتفجر انفجارا مدمرا يأتي على الأخضر واليابس أن نرفع إلى مقامكم هذا البيان شارحين ما يحول في خواطرنا معبرين عما يعتمل في نفوسنا وهو ليس إلا انعكاسا لما يحول في نفوس باقي أقراد الشعب هذا الشعب المعذب المحروم حتى من أبسط حقوق الإنسانية ألا وهي الحرية .

يا صاحب الجلالة : إننا لن نعترف بأى مبدأ من شأنه أن يدفع بنا إلى طريق المفاوضة التي لن تكون إلا في مصلحة الغاصب المستعمر وأننا نرفض بكل ما فينا من قوة وعزم أن يتقدم رجل من بين صفوف الأمة إذا خذلنا مجلس الأمن محاولا التفاهم مع الانجليز على أساس المفاوضة فليس في مطالبنا لبس ولا إبهام فإذا كان عند الانجليز رغبة صادقة في أن يعطونا حقوقنا فليفعلوا بلا حاجة إلى هذه الألعوبة التي يسمونها المفاوضات والتي ثبت بالتجربة أنها مضيعة لجهودنا مثبط لهممنا ولا أدل على ذلك من معاهدة 1936 واعتراف الزعماء جميعهم بأنها أمضيت تحت وسائل الضغط والتهديد ومع ذلك أقاموا لها عيدا قوميا وليس هنا بمستغرب على هؤلاء الزعماء الذين نشأوا في عهد الاستعباد والاستعمار.

يا صاحب الجلالة إننا سوف نناضل لنستخلص حقوقنا كاملة غير منقوصة وإننا على أتم استعداد للقيام بهذا الصراع مهما كانت شدته وعنفه.

يا صاحب الجلالة : الآن وقد عرف فيك هذا الشعب نيل المقصد وصدق الرغبة لما فيه علوه ورفعته واجب عليك يا مولانا أن تكون أول العاملين على ما فيه مصلحته وواجب عليك أن تكون أول خادم لهذا الشعب الذي أولاك الله رعايته .

إن هذا الشعب الباسل الذي ما زال يئن تحت وطأة الفقر والمرض والجهل يتوجه إليك أنت يا صاحب العرش راجيا منك في هذه الآونة الخطيرة التي تجتاز فيها مصر أحرج أوقاتها أن تعمل على توفير أسباب الحياة والسعادة له إن هذا الشعب الأمين يطلب منك حقه في حياء لا يخيم عليها الجهل ولا يهددها الفقر ولا يوهنها المرض .

يا صاحب الجلالة : لم تقم أى وزارة من الوزارات التي تولت الأمور في السنين الأخيرة بأى عمل يرجي منه المصلحة العامة بل كان هدفها على فحظ مصالحها الشخصية علما بأن وطنا حالته كحالة وطننا لهو في مسيس الحاجة إلى يد قوية لا تعرف في الحق لومة لائم تفعل ما يرجي منه المصلحة العامة ولو أدي ذلك إلى الإساءة لفئة من أبنائها.

يا صاحب الجلالة: لقد وصلنا إلى تدهور خلقي واجتماعي اقتصادي لا يصلحه التطور ولكن تنقذه الطفرة لأن الشعب في ثبات عميق لا يفيق منه إلا على الدوى الذي يحدثه التغيير الشامل لهذه النظم الجفاء التي سمحت ببقاء لشعب يئن تحث وطأة أعدائه الثلاثة الفقر والمرض والجهل التي ناديت بالقضاء عليها والتي تعاملت الحكومات عن إيجاد وسائل محاربتها فهل تفهم من ذلك يا مولانا أنك راضي عن تقاعد هذه الحكومات وانصرافها عن تحقيق العدالة؟

وأن استمرار هذا الحال على ما هو عليه لدفاع يدفع كثيرين لاعتناق المبادئ التقدمية التي يرون أنها تكفل حياة سعيدة لهذا الشعب لقد أصابت البلاد بعض النكبات فسارعت لإغاثة الملهوفين وحذى حذوك القليل من المصريين باليسير من الصدقات قد لا يكون الأخذ من الغني لمساعدة الفقير فرضا واجبا وأمرا محتوما حتى لا يتعود الشعب الإحسان فيورثه ذلك التقاعد والذل والهوان .

يا صاحب الجلالة : نبسط الآن أمامك أقوي دليل على سوء تصرف الحكومات المختلفة إلا وهو انصرافها عن الاهتمام بالجيش فأهملت إعداده تقويته ورجعت أموره بأيدي رجال خلت قلوبهم من الإيمان وضمائرهم من الوطنية وعقولهم من العلم فتدهورت حالة الجيش على أيديهم إلى أقصي مراحل الضعف والتفكك كما أجملنا في منشوراتنا السابقة وكما سنفصل ذلك في نشراتنا اللاحقة ، وإننا لعازمون لى أن يقوم الجيش بالقسط الأكبر في حركتنا الاستقلالية والإصلاحية القادمة مضحين بكل غال ونفيس لإحياء مجد الوطن والعمل على ما فيه خيره وتقدمه .

يا صاحب الجلالة : إننا نفضل من الآن أن نوجه رصاص بنادقنا إلى صدورنا من أن نوجهه إلى صدور طبقاتنا العاملة الكادحة إذا ما قامت للمطالبة باستقلال وادي النيل وعدم التهاون مع المستعمر أو للمطالبة لتحسين حالها فلم يكون الجيش بعد اليوم أداة كتب لأي حركة إصلاحية ضنا منا على مستقبل الوطن المعلق بين أيدي رجال خائري العزائم ضعيفي النفوس .

هذه يا صاحب الجلالة صرخة تنبعث من قلوب رجال أقسموا يمين الولاء لله والوطن والملك ، فلتتقدم الصفوف ووراءك جيشك وشعبك للنهوض بالبلاد إلى المستوي اللائق بها بين الأمم والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ضباط الجيش

الملحق رقم (17)

المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946

مادة 98 (أ) كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار في المملكة المصرية جمعيات ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادي يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخري غير مشروعة ملحوظا في ذلك ويعاقب بنفس العقوبات كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار في الملكة المصرية جمعيات ترمي إلى القضايا على أى نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخري غير مشروعة ملحوظا في ذلك.

وكل من انضم إلى الجمعيات المشار إليها في الفقرتين السابقتين يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 50 جنيه ولا تزيد عن 200 جنيه .ويعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على 100 جنيه كل من انضم أو اشترك في المملكة المصرية بأية صورة في جمعية من هذه الجمعيات يكون مقرها خارج المملكة المصرية.

مادة 89 (ب) يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 50 جنيه ولا تزيد على 500 جنيه كل من روج في المملكة المصرية بأية طريقة من الطرق لتغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو للقضاء على طبقة اجتماعية أو لقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو لهدم أو نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخري غير مشروعة ملحوظا في ذلك ويعاقب بنفس العقوبات كل من حبذ بأية طريقة من الطرق الأفعال المذكورة.

مادة 98 ( جـ) كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار في المملكة المصرية من غير ترخيص من الحكومة جمعيات أو هيئات أو أنظمة من أى نوع كان ذات صفة دولية أو فروعا لها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 50 جنيه ويضاعف الحد الأقصى للعقوبة إذا كان الترخيص بناء على بيانات كاذبة.

ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على 30 جنيه كل من انضم إلى الجمعيات أو الهيئات أو الأنظمة المذكورة وكذلك كل مصري مقيم في المملكة المصرية انضم أو اشترك بأية صورة من غير ترخيص من الحكومة إلى تشكيلات مما ذكر يكون مقرها في الخارج.

مادة 98(د) يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 50 جنيه ولا تزيد على 10000 جنيه كل من تسلم أو حصل مباشرة أو بالواسطة أو بأية طريقة كانت نقودا أو منافع من أى نوع من شخص أو هيئة في خارج المملكة المصرية متى كان ذلك في سبيل الترويج لما هو مشار إليه في المواد الثلاث السابقة وفي المادة 174 من هذا القانون .

ويعاقب بنفس العقوبات كل من شجع بطريق المساعدة المالية أو المادة على ارتكاب جريمة من الجرائم المذكورة في المواد الثلاث السابقة دون أن يكون قاصدا الاشتراك مباشرة في ارتكابها مادة 98 (هـ) تقضي المحكمة عند الحكم بالإدانة في الأحوال المبينة في المادة 98 ( أ ) بحل التشكيلات المكورة وإغلاق أمكنتها .

ويجوز لها ذلك في الأحوال المبينة في المواد 98 ( ب) و98 ( جـ )و98( د) وفي المادة 174 وتقضي في جميع الأحوال بمصادرة النقود والأمتعة والأوراق وغيرها مما استعمل في ارتكاب الجريمة.