الإخوان ومحاربة التبشير
مقدمة
كثرت الدعوات التي تكالبت على الوطن الإسلامي عامة- ومصر خاصة- في بداية القرن العشرين، ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار، وشككت في العقائد والأصول، وكانت في مجملها هدامةً، جاءت مع الاستعمار الغربي لبلاد الشرق لإحكام السيطرة عليه.
وقد جاءت هذه الأفكار على شاكلتين: إحديهما تصادمت بشكل مباشر مع العقيدة الإسلامية، مثل: حركات التبشير (التنصير)؛ التي جاءت لتسلب المسلمين من دينهم وعقيدتهم، وتخرجهم إلى دين آخر- وهو النصرانية- أو إفساد العقائد عن طريق (البابية) و(البهائية) و(القاديانية)، وقد فشلت هذه الدعاوى فشلاً ذريعًا- خاصةً في مصر- لرسوخ العقيدة في النفوس، وإن خالف ذلك السلوك بفضل التصدي لهذه الحركات من المخلصين لهذا الدين كالإخوان المسلمين.
أما الشكل الثاني لهذه الأفكار فقد جاء بصورة أكثر خبثًا ودهاءً، وأقل تصادمًا من الأول، وإن اتخذ أسلوب التشكيك في الإسلام وتشويه عقيدته، لكن لم يطالب بترك الإسلام؛ وذلك كدعاوى (الإشتراكية) و(العلمانية) ودعاوى (تحرير المرأة)... إلخ؛ ولذا استمرت هذه الحركات عمرًا أطول من الأولى، وإن كانت هذه الدعاوى تتهاوى الواحدة تلو الأخرى أمام الفكر الإسلامي المتين على يدِ الصحوة الإسلامية، وللإخوان- منذ نشأتها- ميزان ثابت في التعامل أو الحكم على الأفكار المختلفة؛ وهو ميزان الإسلام الشامل، فما وافقه قبلوه وتعاونوا معه ودعوا إليه، وما خالفه فهم منه براءٌ، بل يحاربونه ويقاومونه؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ولأن هذه الدعاوى من الحركات الهدامة التي تهدف إلى القضاء على الإسلام فكرًا وعقيدة، فقد كان للإخوان الفضل الأكبر- بعد الله- في القضاء عليها، وسوف نتناول هذه الأفكار لبيان خطورتها ودور (الإخوان) في مواجهتها.
التبشير حركة سياسية استعمارية
نشأت حركة التبشير التنصيرية إثر فشل الحروب الصليبية على الشرق الإسلامي لنشر النصرانية بين أممه، وإخراجه من دينه، وإحكام السيطرة عليه؛ وهي حركة دينية سياسية استعمارية، انتشرت بصورة مزرية في العالم الإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لحصار الإسلام في عقر داره، وإن كان وصف هذه الحركة وإرسالياتها بأنها تبشيرية وصف خاطئ؛ وإنما وصفُها الدقيق (الحركة التنصيرية)؛ لأن ما تدعو إليه وتعمل من أجله هو (التنصير)، ودائمًا ما يستخدم المحتل مصطلحات براقة تزيِّن أعماله أمام الناس كمصطلحَي: استعمار، وتبشير.
التنصير في مصر
اتخذ التنصير في مصر ثلاث مراحل متتالية لتنصير الشعب المصري، حتى وصل حصاد التبشير "البروتستانتي" عام 1947م إلى 90967 فردًا، ووصل حصاد التبشير الكاثوليكي في نفس العام 80180 فردًا، وكانت الإرساليات التبشيرية تهدف إلى تحويل مصر إلى معسكرَين متناقضَين، كما فعلوا بالسودان ذات الشمال المسلم والجنوب المسيحي، وقد أوضح مسيحيُّو الجنوب كراهيةَ المسلمين؛ لذا فقد ركزت الحركات التنصيرية على صعيد مصر، فأنشأوا فيها المركز الرئيسي لهم، وكانوا ينقلون إليه من يختطفونه من أطفال الوجه البحري ونسائه.
المرحلة الأولى للتنصير في مصر (1769م-1910م)
بدأ التنصير في مصر في هذه المرحلة تنصيرًا داخليًا، فقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية بـ(روما) ضمَّ الكنيسة الأرثوذكسية بمصر إليها، واتباع مذهبها، كما حاول "البروتستانت" في إنجلترا وأمريكا فعل نفس الشيء مع مسيحيِّي مصر، وإن تخلل ذلك تنصير بعض المسلمين؛ ولذا بعث بابا روما مندوبًا عنه إلى البطريرك القبطي "بولس الثامن عشر"، تولى رئاسة الكنيسة المصرية في 1769م بدعوة، لكن البطريرك القبطي رفض هذه الدعوة؛ لأن الكنيسة المصرية لم تنسَ الحقبة الأولى من تاريخها التي عانت فيها من اضطهاد الكنيسة البيزنطية.
ومع ذلك فقد أرسل بابا روما في أواخر هذا القرن جماعةً من الرهبان لبث المذهب الكاثوليكي بين الأقباط، ثم ازداد عدد هؤلاء الرهبان الذين استوطن بعضهم الصعيد، ونشطوا في جذب الأقباط، وفي القرن التاسع عشر أضيف نشاط الإرساليات البروتستانتية إلى جانب الكاثوليك، ووفدوا إلى مصر من إنجلترا وأمريكا عن طريق الشام، وارتبط نشاط هذه الإرساليات بسعي الدول الأوروبية والغربية إلى غزو بلاد المشرق، وأن تخلق فيها أقليات ترتبط بها وتؤيدها.
وظهرت حركة التبشير (التنصير) بوضوح في مصر في منتصف القرن التاسع عشر، خاصةً في عهد الوالي "محمد سعيد" باشا، مستفيدةً من حماية الامتيازات الأجنبية، ومؤازرة قناصل الدول لهم، وقد أنشأ الأمريكان أول مجمع شيخي لهم في 1860م برئاسة "جيمس بارنيت"، وفي هذه الفترة كانت الإرساليات الإنجليزية تركز نشاطها على اليهود، بينما تركز الأمريكية على الأقباط، وقد وجدوا أن إنشاء المدارس من أنجح الوسائل؛ إذ ينجذب إليها كافة الطوائف، فأنشأوا أول مدرسة لهم في 1855م، وأنشأوا كليةً في 1865م، وبلغت المدارس والإرساليات في 1897م نحو 168 مدرسة يدرس بها 11014 تلميذًا، وبدأ الأقباط يشعرون بهذا الخطر، خاصةً بعد إنشاء كلية البنات الأمريكية عام 1908م، وقد عارض الأقباط النشاط التبشيري، ودعا كبار الأقباط لمقاطعة مدارس المبشرين، واستعانوا بالخديوي "إسماعيل" في ذلك.
المرحلة الثانية (1910م–1924م)
في هذه المرحلة بدأت تنمو لدى المبشرين فكرةُ تنصير المسلمين، وأعلن "جون موط"- المبشر الكبير- شعار "ضرورة تبشير العالم كله في هذا الجيل"؛ لذا انعقد أول مؤتمر عالمي للإرساليات في (أدنبرة) باسكتلندا في 1910م برئاسته، وجمع مندوبين من 159 جمعية من معظم المنظمات والكنائس.
وقد ركَّز هذا المؤتمر على دور التعليم في تنصير الحياة الوطنية في العالم الثالث، وعلاقة التبشير بالأديان غير المسيحية، ومصاعب تنصير المسلمين، والمشكلة المحمدية التي تواجه المبشرين.
وظهرت في هذه الفترة بعض الأحداث التي تشير إلى بداية نشر النصرانية في وسط المسلمين في مصر، ففي عام 1911م تنصر يتيمان في ملجأ تبشير، لكن جمعية (العروة الوثقى) تدخلت، وأخرجت واحدًا وعشرين طفلاً من هذا الملجأ، إلا أن هذه المرحلة لم تستطع أن تثمر ثمارها المرجوَّة، فلم ينتشر التنصير بين المسلمين بالشكل الذي خططوا له؛ لذا عُقد مؤتمر بحلوان في عام 1921م ضم كنائس غربية وشرقية في حركة عالمية؛ لإعادة توحيد الكنائس.
وأثناء هذه المرحلة نشأ الإمام "البنا"، الذي ولد عام 1906م، وبدأ منذ نعومة أظافره في الاشتراك في تأسيس الجمعيات التي تنشر الفضيلة، وتحارب المنكرات والشبهات؛ كجمعية الأخلاق الأدبية، وجمعية منع المحرمات، وعندما التحق بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور عام 1920م- وكان عمره لم يكمل الرابعة عشرة- هبطت في مدينة المحمودية إرسالية إنجيلية لتنصير المسلمين كإحدى الإرساليات التي انتشرت في كل أقاليم مصر، حتى وصلت القرى والنجوع، وكانت هذه الإرسالية تتكون من ثلاث فتيات، ترأسهن مسز "وايت"، وكانت الفتيات يعملن بالتطبيب للمرضى، وتعليم التطريز للفتيات، وإيواء الصبية من البنين والبنات، وبدأت الإرسالية تمارس نشاطها التبشيري من خلال هذه الأعمال، فشعر الإمام "البنا" بخطورة هذه الإرسالية على المسلمين، خاصةً الأطفال والفتيات، فأسس مع صاحبه "أحمد أفندي السكري" الجمعية الحصافية، وحدد لها ميدانين، الأول: نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المحرمات كالخمر والقمار، والميدان الثاني: مقاومة النشاط التبشيري الذي يهدد المسلمين في عقائدهم، وبدأ بفضح هذه الإرسالية، وما تقوم به من تنصير للمسلمين وتوعية الناس، ومقاومة هذه الإرسالية وأعمالها.
المرحلة الثالثة (1924م–1939م)
بدأت هذه المرحلة بمؤتمر عُقد في القدس عام 1924م تحت إشراف مجلس التبشير العالمي، وقد خرج هذا المؤتمر بأن ما آلَ إليه العالم الإسلامي من ضعف وتفكك وإلغاء الخلافة، وحل محلها الدعاوى الوطنية لكل قطر، سوف ييسر كثيرًا من عمليات التبشير، وقد تغيرت فكرة المشكلة المحمدية، وظهر مبدأ أن المسلمين يمكن أن يصبئوا، وقد "صبئوا وهم يصبئون"، وهو شعار تكرر ترديده في المؤتمر؛ ولذا فقد زاد الدعم المادي لذلك، كما زاد عدد المبشرين، ورفع مستواهم وكفايتهم.
وكان من أهم نتائج المؤتمر:
- 1- خطا أسلوب التبشير الذي يبدأ بنقد الإسلام وإظهار ضعفه أكثر مما يكشف عن قوة المسيحية، ولكن يجب العكس بالبدء بالحديث عن المسيحية وأهميتها.
- 2- أن التبشير يكون أكثر حسمًا بين الأطفال، خاصةً في مراحل التعليم الأولى؛ لأن تعليم الإسلام يتم في مراحل مبكرة للأطفال؛ ولذا يجب التركيز على التعليم؛ ولذا كثرت المدارس الخاصة التي كانت مقرات رئيسية للإرساليات الأمريكية والإنجليزية.
وفي هذه المرحلة وصلت عمليات التبشير إلى أوجِ نشاطها، حتى وصل الأمر بالمبشرين أن يدخلوا المساجد والأزهر الشريف لنشر رسائل التبشير بداخلها، كما فعل القس "زويمر"، وإنشاء مدرسة للعميان بجانب الأزهر لتعليمهم القرآن يرأسها كاهن.
وقد أخذت الصحف بداية من عام 1928م تنتبه لهذه الظاهرة، وتنشر- بشكل يومي- أخبارًا عن تنصير مسلمين جُدد أغلبُهم من الفتيات والأطفال.
ومما أثار النفوس في هذه الفترة نشر الصحف خطابًا لإحدى المبشرات، أشارت فيه إلى نجاح عمليات تنصير الأطفال في مصر بشكل جيد من خلال مدارس التبشير، كما نشرت الصحف عن قسٍّ بإحدى المدارس يهاجم الإسلام، ويضطهد من يصوم رمضان من الأطفال، واستمر هذا الأمر حتى كان عام 1933م عندما ظهر أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة هي مصدر الدعايات التبشيرية في كل أقاليم مصر.
في المرحلة الثالثة للتبشير بعد مؤتمر القدس عام 1924م، وصل التبشير مداه، وقد استمر هذا النشاط حتى بداية الحرب العالمية الثانية، وخلال هذه الفترة لم يترك (الإخوان) ومرشدها وسيلة أو طريقة ممكنة إلا وقاوموا بها الإرساليات التبشيرية وأعمالها التنصيرية.
فعندما التحق الإمام "البنا" بدار العلوم (1924- 1927م)، وجد عمليات التنصير تحدث جهارًا نهارًا، بل يعلن عنها في الصحف، ووجد جمعيات ومدارس التبشير تتباهى بنجاحاتها لتنصير المسلمين من غالبية الطبقات، لاسيما النساء والأطفال، فلم يحتمل الإمام "البنا" ذلك وهو الذي أنشأ من قبل الجمعيات المختلفة لحماية الإسلام ومحاربة التبشير، فنظر حوله فوجد تدهور حال المسلمين، وتنامي نشاط المبشرين، فبحث عمن يستطيع أن يقف معه في وجه هذه الموجة الهوجاء، التي ستقضي على الأجيال القادمة، فرأى أمامه في الأزهر شخصيات ما زالت مرابطة على ثغور الإسلام، إلا أنها إما يئست من كثرة زخم الباطل وقلة عددها هي، وإما لعدم إدراك الوسيلة المثلى لمقاومة هذه الحملة، فكان من هذه الشخصيات التي ما تزال تحترق لهذه الحالة الشيخ "يوسف الدجوي"، و"أحمد تيمور" باشا، و"عبد الحميد سعيد"، و"يحيى الدردير" وغيرهم، فذهب الطالب "حسن البنا" إليهم في حلقاتهم وبيوتهم، واستطاع أن يوحد الجهود المتناثرة على هدف واحد، وتمت لقاءات في منزل "أحمد تيمور" باشا، وكان الإمام "البنا" يتحدث لعلمائه وشيوخه حديث الثكلى التي فقدت فلذة كبدها؛ لما يعيثه المبشرون فسادًا تحت سمع الحكومة وبصرها، وبعد مناقشة هذا الأمر وكيفية مواجهته بما هو متاح توصل الجمع إلى:
- 1- إصدار مجلة الفتح، وفضح أساليب هذه الإرساليات في تنصير الأطفال، فصدرت المجلة، وأسند رياسة تحريرها إلى الكاتب الإسلامي "محب الدين الخطيب".
- 2- كما اقترح الإمام "البنا" على المجتمعين إنشاء نادٍ يجمع شمل الشباب، في مواجهة الأندية التي فتحتها الإرساليات التنصيرية للشباب، فأنشأت جمعية (الشبان المسلمين) لهذا الغرض، ولم يلبث الإمام الشهيد أن عين مدرسًا بمدينة الإسماعيلية، فبادر بمساعدة الجمعية الناشئة، فكان الشاب الوحيد في جمعية الشبان المسلمين بين العمالقة من العلماء والمفكرين، وأمدّ مجلة الفتح بكثير من المقالات الساخنة؛ لاستنهاض الأمة لمحاربة التبشير، كما كان يحضر ندواتها ويلقي الخطب والدروس لشبابها.
التبشير معركة (الإخوان) الأولى
عندما تأسست جمعية (الإخوان المسلمون) بالإسماعيلية عام 1928م، اتخذ الإمام "البنا" الأسلوب الأمثل في تحصين المجتمع ضد أي عدو يحاول تشويه العقيدة أو عمليات الإخراج من الدين، فبدأ ببناء المدارس والمعاهد للأطفال والفتيات، والعمال والحرفيين والأميين، ووضع لكل فئة منهجها الذي يتناسب معها في تعليمها الإسلام بصورة سهلة ومبسطة وشاملة؛ حتى يستطيع تحصين نفسه ذاتيًّا.
وأخذت الدعوة تنتشر في مدن القناة والوجه البحري، ويفتح لها شُعَبًا جديدة، ويزداد نشاطها، فكان طبيعيًّا أن يحدث الاحتكاك بين (الإخوان) ومراكز التبشير في هذه المدن، باعتبار أنّ (الإخوان) تدافع عن الإسلام، ومراكز التبشير تعتدي عليه، واعتمد (الإخوان) في مواجهتهم للتبشير على أمرين: توعية الشعب بخطورة التبشير ومستهدفاتهم التنصيرية والاستعمارية، ثم استخدام نفس الوسائل التي يستخدمها المبشرون من بناء مدارس وملاجئ ومستشفيات... إلخ.
أسلوب (الإخوان) في مقاومة التبشير
وقد أبلى (الإخوان) بلاءً حسنًا في مقاومة هذه المخططات، بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد جعلوا التصدي للتنصير معركتهم الأولى في جميع أنحاء القطر المصري؛ ولذا قادوا مقاومة شعبية منظمة، وأوقفوا أنصارهم وشعبهم عليها، وحشدوا جهود المخلصين من هذه الأمة لوقف هذا الخطر الداهم، وقد نظم (الإخوان) جهودهم على عدة مستويات.
أولاً: المركز العام للإخوان يقود مقاومة التبشير
- كان المركز العام- وعلى رأسه الإمام الشهيد- يتابع بدقة حوادث التبشير اليومية التي تنشر في الصحف في كل مكان على أرض مصر، فطلب من الشُعَب رفع تقارير دورية للمركز عن مراكز التبشير ونشاطها في نطاق كل شُعْبة، وقد قام المركز العام بعدة أعمال لمقاومة هذه الحملة، منها:
أ- عقد مجلس الشورى الأول للجماعة عام 1933م:
- بعدما كثرت التقارير المرفوعة إلى المركز العام عن خطورة التبشير في كل شُعبة، قرر الإمام "البنا" عقد مجلس الشورى العام للجماعة؛ لمناقشة هذه القضية مع نواب الشُّعب وفروع الجمعية واتخاذ القرارات المناسبة للمقاومة، بالإضافة إلى مناقشة باقي أوضاع الجماعة، فعقد مجلس الشورى الأول للجماعة في يونيو 1933م بالإسماعيلية، وكان من أهم قراراته:
- 1- تكوين لجان فرعية في كل دوائر الجمعية؛ للعمل على تحذير الشَّعْب من الوقوع في حبائل المبشرين، وتكليف الشُّعَب التي يقع التبشير في دائرتها بإقامة المدارس لتعليم الفتيات، والملاجئ والمشاغل لتعليمهن الخياطة وأعمال الإبرة.
- 2- رفع عريضة إلى جلالة الملك "فؤاد" يطالبونه فيها حماية المصريين من عدوان المبشرين، ويوضحون فيها خطورة التبشير على الشَّعب، ويقترحون عليه فيها فرض الرقابة على مدارس ومعاهد ودور التبشير، وسحب الرخصة من أي مَدْرسة أو مستشفى يثبت اشتغالها بالتبشير، وإبعاد كل من يثبت أنه يعمل على إفساد العقائد، والامتناع عن مساعدة هذه الجمعيات بالأرض أو المال، والاتصال بممثلي مصر بالخارج؛ لحث الحكومات الأجنبية على مساعدتهم في ذلك.
- 3- رفع عرائض مماثلة لرئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية، ووزير المعارف، ووزير الأوقاف، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ.
- 4- رفع عريضة مماثلة لشيخ الأزهر، مع إضافة كلمة رجاء من مكتب الإرشاد لفضيلته بأن يعمل بما له من نفوذ ديني كبير، وبما له من مركز على معاضدة مجلس شورى (الإخوان) في هذه المطالب العادلة الحقة.
وقد وقَّع على هذه العرائض الإمام الشهيد مرشد (الإخوان)، و"محمد أسعد الحكيم" سكرتير مكتب الإرشاد، و"عبد الرحمن الساعاتي" نائب القاهرة، و"أحمد السكري" نائب المحمودية، و"حامد عسكرية" نائب شبراخيت، و"مصطفى الطير" نائب المنزلة، وكان لهذه العرائض أثر طيب في تنبيه الحكومة والرأي العام بمخاطر التبشير وبداية مقاومته مقاومة حقيقية.
ثانيًا: إرسال مندوب المركز العام للوجه البحري
- لم يكتف (الإخوان) بالقرارات السابقة، ولا بالتقارير التي ترفع دوريًّا إلى المركز العام؛ وإنما أوفدت إدارة الجمعية بالقاهرة الشيخ "عبد اللطيف الشعشاعي" إلى مدن الوجه البحري؛ للتحذير من دسائس المبشرين بين الأهالي، وعمل رأي عام رافض لعمليات التبشير، وقد قام بمهمته، وأرسل تقريرًا للمركز العام عن رحلته، وذلك في أغسطس 1933م.
ثالثًا: مساعدة الهيئات والأفراد لمقاومة التبشير
- لأن (الإخوان) جعلوا هذه القضية معركتهم الأولى، فكانوا لا يكتفون بأعمالهم وأنشطتهم ضد عمليات التبشير، بل كانوا يشجعون ويساندون أي هيئة أو جماعة أو فرد يرون أنه يحارب التبشير، ويتصدى لمحاولات التغريب والتنصير، ومن أمثلة ذلك:
- 1- فقد ساندت الجماعة "جمعية مقاومة التنصير المصرية"، التي ألفتها جمعية الشبان المسلمين برئاسة فضيلة الشيخ "مصطفى المراغي"، وقد كان من أعضاء جمعية مقاومة التنصير الإمام الشهيد، وأشادت جريدة (الإخوان) بهذه الجمعية، وتمنت لها تحقيق أهدافها في القضاء على التبشير في مصر.
- 2- كما رحب (الإخوان) بإنشاء (جماعة الدفاع عن الإسلام)، وقد احتفلت بها جريدة (الإخوان المسلمين)، وأعلنت بلسان مكتب الإرشاد تضامنها مع الجماعة في خطواتها وضم لجانها الفرعية لمقاومة التبشير إليها ليعملوا تحت لواء واحد، كما رحب مكتب الإرشاد بالنهضة الميمونة التي قامت بها مشيخة الأزهر وهيئة كبار العلماء والجمعيات الإسلامية في الذود عن الإسلام.
- 3- كما أعلن (الإخوان) تأييدهم لمجموعة من السيدات قمن بتأليف جماعة للدفاع عن الإسلام، والعمل على إيواء البنات الفقيرات، وتوفير وسائل العمل الشريف لهن في مستقبلهن، وزيارة بيوت الفقيرات، وبثِّ التعاليم الإسلامية في نفوسهن؛ حتى يدرأن عنهن خطر المبشرات، وقد شكرت جريدة (الإخوان المسلمين) هذه الجماعة، وتمنت لها النجاح والتوفيق.
- 4- كما أيد (الإخوان) أي فرد قاوم أعمال التبشير؛ فشكروا النائب الجريء "علي حسن" نائب الإسكندرية، الذي قدم استجوابًا لوزير الداخلية حول حوادث التبشير، كما نشرت جريدة (الإخوان) الطلبات التي رفعها بعض الأهالي لجلالة الملك للتدخل لوقف نشاط المبشرين مثل طلبات المصلين بجامع (الكخيا).
- ولقد تخطت جهود (الإخوان) في حرب التبشير خارج حدود الوطن إلى (اليابان)؛ حيث دعا (الإخوان) الأزهر لإيفاد بعثة إسلامية على جناح السرعة؛ لنشر الإسلام في (اليابان) بدلاً من نشاط المبشرين القوي هناك بين اليابانيين الوثنيين.
- وبذلك قاوم (الإخوان) التبشير بكل ما يستطيعون في الداخل والخارج؛ حتى كللت جهودهم بالنجاح بعد الحرب العالمية الثانية وضمر نشاط المبشرين.