عبدالحميد الزهرة

مقدمة
انتشرت دعوة جماعة الإخوان المسلمين وبلغت ما لم تبلغه دعوة أو حركة إسلامية في القرن الحديث، وأصبح لها شأن ومكانة مما عرضها لكثير من الاضطهاد سواء في دول العرب أو غيرها. ولقد انتسب إليها كثير من حول العالم وعملوا في سبيلها، بل وفي سبيل أوطانهم فسطروا صحائف من ضياء ما زالت أثرها بين الناس.
غير أن ضعف أو تأخر توثيق تاريخهم أو زهد رجالاتها في توثيق الأحداث أضاع كثير من الحقائق، ومات كثير دون أن تعرفهم الأجيال القادمة ومنهم الحاج عبدالحميد الزهرة وأحد من الرعيل الأول من أخوان المنزلة.
بطاقة تعريف
هو عبدالحميد عبده سليمان الزهرة ولد في عام 1923م بمدينة المنزلة الدقهلية، لأسرة فقيرة لم تعينه على إتمام تعليمه فعمل في النقاشة، فقد بدأ حياته عاملاً نقاشاً، ثم وسع الله عليه رزقه؛ فأصبح مقاولاً، يحبه الناس، ويقدرونه لتقواه وأمانته في العمل.
تزوج ورزقه الله بالمهندس محمد والدكتور صيدلي عبدالرحمن غير البنات.
مع الإخوان
تعد المنزلة من أول المدن التي دخلتها دعوة الإخوان المسلمين عام 1930م لقربها من مهد الدعوة بالإسماعيلية.
ولقد عرف الأستاذ عبدالحميد الإخوان عن طريق الدكتور بيطري عبدالغفار حمزة فراج وهو واحد من قيادات الإخوان في المنزلة وكان على صلة بالإمام البنا حيث حرص الأستاذ البنا على حضور زفافه هو وعدد من الإخوان.
كان عبدالحميد صديق أخو الدكتور عبدالغفار وبطبيعة أبناء البلد فقد شارك في الفرح بتجهيز الطعام وغيره، وحينما قدم الإمام البنا قام على خدمته ومن معه وقدم لهم الطعام وقد استمع إلى كلمات الأستاذ البنا فأعجب بها.
وزاد من إعجابه لدعوة الإخوان المسلمين بسبب فرق جوالتها الذين انتشروا في ربوع القطر المصري وكان لهم سمت مميز جذب كثير من الشباب إلى دعوة الإخوان المسلمين.
عمل ونشاط
أصبح عبدالحميد واحد من الإخوان وشباب الجوالة المميزين حتى وصفه الدكتور جابر قميحة بقوله: كان الأستاذ عبدالحميد يعلّم إخوانها واجبات الأخ الجوال، و "مارشات" الموسيقى التي تنظم مسيرات الجوالة، وقد علمني الأخ عبد الحميد "مارش البحارة"
ويضيف:
- وكان للأخ عبد الحميد الزهرة، دور كبير في حبي للدعوة وشعبة المنزلة، حيث كان شخصية متكاملة خلقاً، وسلوكاً، والتزاماً، وكنت أصحبه في زيارته لشعب القرى التابعة للمنزلة.
ويؤكد:
- وكان عبد الحميد ممن حببني في الدعوة والشعبة، ومن تقديره لي أنه كان يعاملني كرجل لا كشبل من أشبال الإخوان، فكنت أصحبه في رحلات الجوالة، وأشترك في عروضها التي يقدمها في القرى المجاورة.
- قام الإخوان بمظاهرة ضخمة في المنصورة في يوم الجمعة سنة 1947م، وحضرها إخوان من كل الشعب، فمن المنزلة: عبد الحميد الزهرة، ومحمد حسن عساسة، وجابر قميحة (كان عمره 13 عاما) ومن المطرية دقهلية الحاج عبده البسيوني – رئيس الشعبة، والأخ فهمي الخضيري، والأخ محمود إبراهيم الجميعي، والأخ محمود جادو السويركي، (وقد جمعنا أتوبيس واحد متجه إلى المنصورة).
- المظاهرة ضمت آلافاً من المتظاهرين حضروا – كما ذكرت – من شعب مختلفة، وكانت بقيادة الشيخ مصطفى العالم – رحمه الله – وكأني أراه هذه اللحظة، وهو يهتف: "الحرية .. الحرية .. يا أعداء الإنسانية، يسقط مجلس اللصوصية" (يقصد مجلس الأمن والمنظمات الدولية).
- حيث قامت المظاهرة لتأييد محمود فهمي النقراشي – رئيس الوزراء – وهو يعرض القضية المصرية أمام مجلس الأمن، بعد أن خذله الناس وكان قائد المظاهرة الشيخ مصطفى العالم – رحمه الله.
يقول جابر قميحة:
- وبعد أن انتهينا من المظاهرة – وكان اليوم حاراً جداً – قلت لأمير الركب الأستاذ عبدالحميد الزهرة:
- أعتقد أنك ستغدينا اليوم عند الحاج محمود. (ومطعمه مشهور متخصص في تقديم طواجن اللحم) .
- فقال الأستاذ عبد الحميد:
- يا جابر .. أنت عارف أن الشعبة هي التي تتحمل كل نفقات السفرية، واحنا علينا أن نشيل الدعوة .. مش الدعوة هي اللي تشيلنا.
- يعني إيه ؟
- يعني حترسى على الفول المدمس، والطعمية. وكان درساً تلقيته من الأخ عبد الحميد في عبارته العفوية الرائعة "إحنا علينا أن نشيل الدعوة .. مش الدعوة هي اللي تشيلنا".
كما شارك إخوانه في معسكر الضهرة (وهي إحدى قرى مركز فارسكور بدمياط) هو والعديد من الإخوان مثل أحمد صالح العلمي، الحسنين فشير، محمد علي حسان، محمد هاشم حسان، علي علي حال، الشيخ حسين الضويني.
عبدالحميد مجاهدا
اهتم الإخوان بالقضية الفلسطينية وشعبها لكونهم شعب مسلم والمسجد الأقصى أحد المقدسات الإسلامية التي يجب على الأمة الحفاظ والدفاع عنها. وحينما خذل العرب والغرب القضية والشعب الفلسطيني وجاءت اللحظة لتسليم فلسطين للصهاينة اندفع الإخوان مجاهدين للدفاع عنها، حيث شارك الأستاذ عبدالحميد ضمن كتائب مجاهدي الإخوان.
يقول عنه جابر قميحة:
- وتطوع عبد الحميد للجهاد في فلسطين ضمن كتائب الإخوان، وأصيبت قدمه برصاصة، وعاد إلى مصر، ثم المنزلة. وحكى – على استحياء وبمصداقية كاملة – ما قام به، وسبب إصابته.
سلاح القُلة السحرية
يقول جابر قميحة:
- وعلى الرغم من مرور أكثر من خمسة وستين عاماً على واقعة القلة فإن أهل المنزلة ما زالوا يتناقلونها لطرافتها. وخلاصة ما حدث: أن مجموعة من الموظفين الفاسدين اتخذوا من قاعة واسعة – في الدور الأرضي – بين مساكن المواطنين وكراً يجاهرون في بالسكر والعربدة طيلة الليل.
- ونبههم الإخوان إلى خطورة ما يفعلون؛ ولأنهم كانوا من أصحاب النفوذ استهانوا بتوجيهات الإخوان .. وأخذوا يعدون لليلة السُكر الكبرى ليلة شم النسيم، فلجأ الإخوان إلى سلاح القُلة، فما هو هذا السلاح ؟ إنها قلة كبيرة من الفخار ملأها منفذوا العملية بقاذورات سائلة وجامدة، وسدوا فوهتها بقطعة من الخيش، وحملها الأخ "طه أبو موسى" – رحمه الله – وهو بطل من أبطال رفع الأثقال، ويصحبه الأخ "عبد الحميد الزهرة" الذي يصغره سناً.
ويقول الأستاذ عبد الحميد:
- تسللنا إلى الموقع قبل منتصف الليل، ولم تكن الشوارع مضاءة في تلك الأيام، وكان اعتماد الناس في الإضاءة على "الجاز" والكلوبات، فالبلد لم يكن قد عرف الكهرباء بعد.
- كانت القاعة غاصة بشاربي الخمر الذين أصابتهم بهستيريا الصراخ والهذيان. فوقف طه وأنا خلفه، وصوب على "الكلوب" الرئيس، وبأقصى قوته وجه القُلة إليه، فحطمته وتحطمت، وتناثرت عبوتها على السكارى، وملابسهم، فدفعهم الذعر والمفاجأة إلى الاندفاع إلى الخارج لا يلوون على شيء.
ويضيف عبد الحميد:
- وكان لابد أن نجري، ولكني رأيت طه مبرزاً عضلاته، معداً قبضته، فنبهته إلى ضرورة مغادرة الشارع بأقصى سرعة.
- ومن أطرف ما حدث بعد ذلك أن كل واحد من "الضحايا" قصد دكان "تنظيف ومكوى"، فرفض صاحب المحل – عم أحمد أبو عسل زين الدين - وإبناه خالد والسعيد – وكانا يقومان بإدارة المحل – رفضوا التعامل مع هذه الملابس الغارقة في النجاسة والخبث. ولم يعرف هؤلاء أن الأخوين من خيرة شباب الإخوان، وكانا من المشتركين في التخطيط لهجوم "القُلة".
- واعتقد الإخوان أن طه أبو موسى، وعبد الحميد الزهرة نجحا في مهمتهما دون أن يعرفهما أحد، ولكن المفاجأة كانت في القبض على طه أبو موسى، والتحقيق معه بناء على بلاغ من جماعة الفساق بتهمة انتهاك حرمة المساكن ليلاً، والتخريب، والاعتداء على الآمنين.
- وكانت قضية برَّأ فيها القاضي الأخ طه لعدم توافر الأدلة. ومن طرائف الصدف أن طفلة صغيرة هي التي دلت مجمع الفساق على "طه أبو موسى" لا بشخصه، ولكن بوصفه بأنه "راجل له ست صوابع في كل يد". وهذا صحيح؛ لأن طه هو الوحيد في المنزلة كلها المولود بست أصابع في كل كف، والإصبع الزائدة ملتصقة بالخنصر، وهي أصغر منه.
وحينما حلت الجماعة عام 1948م لم يتم اعتقال الأستاذ عبدالحميد الزهرة لخطأ في اسمه وظل وفيا لدعوته حتى وفاته التي لا نعرف تاريخها.