أقلام مسمومة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أقلام مسمومة

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

إن الأمة اليوم في حالة مخاض، ولذا فهي تخوض معركة صعبة وشرسة ومتشعبة، وقد جند لها خصومها على اختلاف مشاربهم وأهدافهم وأحقادهم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية كل إمكاناتهم وطاقاتهم لوقف انتفاضتها على واقعها الذليل، وفتحوا عليها كل الجبهات، وتسابق المنتفعون من واقع الهزيمة من أبناء الأمة في انتهاز الفرصة لتحقيق أغراضهم الرخيصة على حساب أرواح ستزهق، ودماء ستسفك، ومدن ستدمر، وعواصم ستغتصب، وفتحت بعض الصحف المأجورة مجالا واسعا لكتاب كل همهم بث روح الهزيمة حتى لا تنهض الأمة، لأن وجود أمثال هؤلاء الكتاب إنما يكون في استمرار غفوة الأمة ومنع نهوضها من جديد.

وخطورة هؤلاء الكتاب أنهم يجيدون الرقص على كل الحبال، فمنهم من تأمرك بعد أن كان شيوعيا في السابق، لأن المبدأ الوحيد الذي يؤمن به تحقيق المصلحة الخاصة ولو تلون كالحرباء في كل يوم مائة مرة، ومنهم من تقوده أحقاد الماضي يجترها، وقد انسلخ من انتمائه لهذه الأمة، وتجرد من كل قيمة تمنعه من الوقوف جنبا إلى جنب مع أعدائها، فلا يكترث أن يذبح أطفال العراق ، ولا أن ترمل نساؤه، ولا أن تستباح أرضه، ولكن همه الوحيد أن يروي غليله في رؤية الجندي الأمريكي وهو يلغ في دماء المسلمين في العراق ، وإذا ما وقفت شعوبنا العربية والإسلامية ضد الغزو الأمريكي للعراق ضاق صدره، وجرد قلمه لينفث سما ضد كل من تسول له نفسه أن يقف في وجه الغزو الأمريكي المتوقع للعراق، وإن مما يثير الأسى أن هذه الصحف تفتح المجال لهذه الأبواق الأمريكية وتعطيها الفرصة كي تعبئ الأجيال على الخنوع والاستسلام، ولو كان لدى هذه الأبواق ذرة من نخوة لتصدت للاحتلال الأمريكي لأوطانها، بدلا من السماح بالترحيب به عبر يافطات بارزة وثابتة مكتوب عليها بخط أنيق باللغة الإنجليزية” GOD BLESS U.S. TROOPS “ بارك اللهم بالقوات الأمريكية.

وكما أن هناك أقلاما متأمركة، فإن هناك أيضا أقلاما متصهينة، رضيت لنفسها أن تلعب دورا رخيصا على حساب الدماء، والمقدسات، والوطن، فلم يسعها الصمت ولكن أخذت تلعن المقاومة، وتندد بالعمليات الاستشهادية، وتحاول جاهدة اختراق جدار الكرامة الذي دفع كل حر عربي ومسلم ليقف مع المقاومة وعلى رأسها العمليات الاستشهادية، ولكي تصرف الجماهير عن تأييدها الجارف للجهاد في فلسطين وعلى وجه الخصوص العمليات الاستشهادية فلا تتردد في تسميتها "عمليات انتحارية" بدلا من "عمليات استشهادية"، ولا تتردد في تسمية جهادنا المشروع إرهابا، وتحاول جاهدة أن تجد لها حيزا في عقول وقلوب الشعوب العربية والإسلامية من خلال التفاني في بث روح الهزيمة وتجميلها بكل المساحيق الأمريكية، ولا تنسى في نفس الوقت ترهيب المسلمين من مخاطر المقاومة وتضخيم سلبياتها، فهذه الأقلام المدجنة لا ترى السلبيات إلا في المقاومة، ولم تحدثنا يوما عن سلبيات الاستسلام للعدو، وكيف تحدثنا عن ذلك وهي ترى في الاستسلام مصلحة وطنية عليا؟!!

وتعتمد هذه الأقلام المسمومة على الكذب في تسويق شبهاتها، ولكن رغم التفنن في عملية الإخراج لتلك الشبهات إلا أن أصحب الأقلام المسمومة اكتشفوا أن الجماهير تقف من أقلامهم موقف الرافض لها والمندد بها، فهذا كاتب يقر بأن الناس لا يقبلون ما يكتب فيقول " أود أن أؤكد أنني لا أكتب رأي الآخرين أو الرأي الذي يحبه الناس ،، وإنما أكتب رأيي الذي أراه بغض النظر عن شعبيته "، وكيف يسوق رأيه الذي يراه؟ إنه يستخدم الكذب والتلاعب بعواطف الجماهير فيقول " لن أسمح لأخي أو ابني أن يرتكب عملا انتحاريا مؤكد فيه فقدانه حياته. كذلك لم يفعل قادة حماس والجهاد وفتح الذين لم نسمع بقريب لأحدهم يقوم بها، ولن يفعل الشيخ يوسف القرضاويوبقية شيوخ الإفتاء السياسي، ولن يفعل فرسان الزعيق الفضائي، ولم تفعلها الأم أو الأب الذين فجعوا بفقدان فلذة كبدهم في عملية نفذها دون علمهم بتحريض من هذه الجماعات. وأنت عزيزي القارئ، كن صادقا مع نفسك، هل ستوافق لابنك؟؟ "

أليس من الغرابة بمكان أن يقول أنه لم يسمع بقريب لقادة حماس قام بعمل استشهادي؟!! فإن كان حقا لم يسمع فتلك مصيبة لأنه يكتب عن جهل ويصر على الكتابة، وإن كان قد سمع ثم يكذب على القراء فالمصيبة أعظم، ألم يسمع عن " طارق دخان "، " ياسر الحسنات "، "و صهيب تمراز "، "و صلاح جاد الله "، "و إبراهيم ريان "، "و حسام حمدان "، وجميعهم أبناء قادة من الصف الأول في حماس ومنهم من مؤسسي الحركة؟!! ثم ألم يسمع عن الأمهات اللائى ودعن أبناءهن الوداع الأخير وافتخرن بذلك على الفضائيات؟!!

ولا أعتقد أن الكاتب لم يشاهد "أم نضال فرحات"، "وأم نبيل حلس"، "وأم أحمد العابد"، وهن يودعن أولادهن قبل الرحيل، ثم متى كان الجهاد مشروطا بموافقة الأب أو الأم خاصة إذا احتلت ديار المسلمين؟، ثم ألم يعلم هذا الكاتب الفذ أن قيادات المقاومة في فلسطين كانت من بين المعتقلين والشهداء؟ أم أن استشهاد واعتقال المئات من القيادات لم يصل إلى مسامعه؟

كاتب آخر يعقب على العمليات الاستشهادية فيقول " لقد انجرت التنظيمات الفلسطينية المسلحة كلها وراء استراتيجية العمليات الانتحارية، حتى لا تترك ل حماس الانفراد بالدعم الشعبي، لكن هذا كلّف الشعب الفلسطيني غاليا

إذن هو يقر بأن هذه العمليات تحظى بالدعم الشعبي، ولكنه يحتكر الصواب فالشعوب في نظره جاهلة لا تستحق احترام رأيها، وأما هو فيرى في نفسه نموذجا فريدا ولذلك رأيه دائما الأصوب ولو رفضته الشعوب، وكأنه فرعون هذا العصر لسان حاله يقول ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )، يرفض رأي الأغلبية إذا خالفت وجهة نظره، وهو الذي ربما تغنى طويلا باحترام رأي الأغلبية وجعل من قلمه منبرا يدافع عن الديمقراطية، ومن العجيب أنه لم يكلف نفسه أن يشرح لنا كيف كلف هذا التنافس في ميدان الاستشهاد الشعب الفلسطيني غاليا، فدوره المرسوم له أن يلقي بالكلمة ولا حاجة لتقديم الدليل على صدقها، لأنه لا ينظر لمن يكتب إليهم نظرة تقدير واحترام.

إن هذه الأقلام المسمومة قد تجاوزتها الأحداث، وأصبحت جزءا من الماضي البائس، ولكنها لا زالت تدافع في الخندق الأخير عن مكانة لها في عقول الأمة، ولكن ينبغي علينا أن نضع حدا لها، فلكل آفة دواء، ودواء هذه الآفة وعي الجماهير بعقيدتها، وبانتمائها، وبأعدائها، وبقدراتها وإمكاناتها، وبحضارتها، وبمصدر عزتها، ومصدر عزتها كتاب الله سبحانه وتعالى الذي يقول ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) ويقول سبحانه ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم )، وعلينا أن نختار بين أن نقاتلهم في العراق و فلسطين فنعذبهم، وبين أن نسمع لأقلام الهزيمة فيعذبنا الله، ولكن أصحاب الأقلام المسمومة لا يؤمنون بكتاب الله.

المصدر


للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.