كولن باول بين الاستراتيجية والتكتيك
بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
إن المتأمل في ما يرشح من تصريحات أمريكية حول القضية الفلسطينية ، لا يحتاج كثير جهد و لا وعي حتى يفهم أن أمريكا ملتزمة خطا ثابتا و استراتيجيا معاديا لحقوق شعبنا الفلسطيني و داعما بلا حدود للكيان الصهيوني الذي يمارس أبشع صور الإرهاب ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل .
فمن خطاب " كولن باول " وزير خارجية أمريكا - والذي ينظر إليه البعض على أنه ممثل السياسة الأمريكية المعتدلة - ندرك الموقف الاستراتيجي لأمريكا، فها هو يقول بكل وضوح " منذ قامت (إسرائيل) قبل أكثر من نصف قرن ، و الولايات المتحدة ملتزمة التزاما قويا و متواصلا تجاه أمن (إسرائيل) ، لأنهما دولتان مرتبطتان معا إلى الأبد ، بواسطة قيم (ديموقراطية) مشتركة، وهذا أمر لن يتغير إلى الأبد "، من هنا لا يمكن لنا أن نرى في موقف باول من الكيان الصهيوني موقفا تكتيكيا ، بل هو استراتيجية ثابتة لا يؤثر فيها غضب أو رضى العرب، و عليه نستطيع تفهم الترحيب الصهيوني بخطاب باول ، .
فقد رحب شارون بخطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول و بالموقف "البناء" الذي تميز به الخطاب ، و أعرب شيمون بيريز في لقاء تلفزيوني عن ارتياحه لخطاب السياسة العامة الذي ألقاه وزير الخارجية الأميركية كولن باول ، و قال زلمان شوفال مستشار شارون " إن (إسرائيل) راضية لأن باول لم يقدم مقترحات جديدة بشأن قضيتين شائكتين في مفاوضات السلام ، هما مصير القدس و اللاجئين الفلسطينيين " .
ولكن باول في الوقت الذي تحتاج فيه أمريكا إلى دعم عربي و إسلامي لحملتها الصليبية على الإسلام ، لم يغفل عن دغدغة عواطف العرب بكلام معسول لم يقدم و لم يؤخر و لا يسمن و لا يغني من جوع ، و يأتي فقط في السياق التكتيكي الذي لم يزعج الكيان الصهيوني الذي كان في صورة الخطاب قبل إلقائه ، فقد طرح باول بعض الأفكار التي تفتقر إلى المضمون و كذلك إلى آلية التنفيذ ، فقد ذكر باول دعمه لقيام دولة فلسطينية، ومعارضته للاستيطان ، و كذلك احتلال المدن في الضفة الغربية، وتطرق إلى الإهانات التي يتجرعها الفلسطينيون من قبل الصهاينة ، و كذلك هدم البيوت و المدارس ، و لكن لم يفت كولن باول أن يحمل الفلسطينيين مسئولية كل ما يجري و هو يشدد على ضرورة وقف ما أسماه "الإرهاب الفلسطيني" و يطالب باعتقال المجاهدين على الفور و إلا فعلى الفلسطينيين أن يتحملوا النتائج .
- ويبدو واضحا أن باول أراد بخطابه أن يحقق أهدافا محددة :
- التأكيد على الدعم المطلق للكيان الصهيوني ، و بذلك يضمن عدم إثارة غضب اللوبي الصهيوني صاحب النفوذ القوي في الولايات المتحدة الأمريكية ، و يدعم الحفاظ على الخط الأمريكي الثابت تجاه قضية فلسطين .
- التدليس على الشعوب العربية و الإسلامية و امتصاص غضبها على أمريكا لإعلانها الحرب على الإسلام ، فأرادت أن تبدو متوازنة في تناولها للقضية الأولى للأمة.
- مساعدة الأنظمة العربية والإسلامية التي التحقت بالتحالف الأمريكي ضد مواقف شعوبها المعادية للعدوان الأمريكي على المسلمين.
- محاولة ضمان بقاء الصمت العربي والإسلامي الحالي إزاء الخطوة القادمة التي ستستهدف دولا عربية وإسلامية أخرى وعلى رأسها العراق .
- العمل على إجهاض انتفاضة شعبنا الفلسطيني و القضاء على مقاومته و جهاده كي يتسنى للكيان الصهيوني تحقيق أهدافه بعيدة المدى و على رأسها ما يسمى بـ "إسرائيل الكبرى" .
محاولة شق الصف الفلسطيني وضرب وحدته التي بلغت ذروتها في انتفاضة الأقصى المجيدة .
ومما يعجب المرء له أن ترحب السلطة بهذا السراب و تعتبره تحولا هاما في السياسة الأمريكية ، فيما رأى محللون و سياسيون فلسطينيون أن الخطاب لم يأت بأي جديد ، و أنه ترداد لمواقف أميركية معروفة و معلنة سابقا حيال القضية الفلسطينية ، هذا عدا عن فشله في تحديد الآليات اللازمة لتنفيذ التوجهات الأميركية المعلنة مما يؤكد على أنها لم تخرج عن إطار التكتيك .
المصدر
- مقال:كولن باول بين الاستراتيجية والتكتيكالمركز الفلسطينى للإعلام