الإخوان والعراق، المأساة الغامضة
ما زالت تلك القضية الشائكة تعانى غموضاً غير مبرر .. الكثير من الناس والكثير من الإخوان على السواء يقفون على مسافة بعيدة إلى حد ما مما يجرى في العراق , تلك الدولة الإسلامية العربية ذات الثلاثين مليون ساكناً .. ولأنها ذات طبيعة سكانية مختلفة ومتعددة الفئات والمذاهب .. مابين سنة وشيعة وأكراد وتركمان ,, زاد الغموض وزادت المشاكل .
في القلب من هذا الواقع .. ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في الأربعينيات برعاية الشيخ محمد محمود الصواف وظلت الجماعة تعمل في العراق بأنشطتها الدعوية المختلفة حتى أواخر الستينيات وبالتحديد بعد الانقلاب الذى قاده حزب البعث , فبدأت بعدها حملات الاعتقال والاغتيالات والتصفية المنظمة ضد الجماعة .. وكعادتها جماعة الإخوان وعلى نفس منوال مصر ,, عادت الجماعة مرة أخرى إلى الحياة ( شبه الطبيعية ) أكثر قوة ولكن كانت عودة سرية بحتة .
ساعد على استقرار الجماعة في العراق ظهور جيل من الدعاة بداخلها فقهوا واقع العراق جيداُ ففطنوا التعامل مع الأمور , أمثال الدكتور عبد الكريم زيدان والشيخ محمد الراشد ومازال إنتاجهم الفكري يدرس في العالم أجمع في كل فروع العلم الشرعي والدعوى .
وظلت الأمور ما بين شد وجذب بين نظام صدام والإخوان سنوات عديدة .. صعود وهبوط و وكر وفر ... حتى جاءت الفاجعة الكبرى ...
احتلال العراق ودور الإخوان
منذ اليوم الأول للهجوم الامريكى .. حرص الإخوان على توحيد صفوف السنة وجمعهم في خندق واحد , ولكنهم فشلوا في ذلك تماماً .. إذ إن حماسة الشباب في التيارات والأحزاب المختلفة وقفت عائقا أمام التفكير العميق في الأزمة ,, وظهرت كل يوم جماعة جديدة على الساحة تسمى نفسها اسماً إعلاميا وتنفذ عمليات جهادية ضد المحتل ..
وجد الإخوان أنفسهم يقفون موقفاً منفرداً في ساحة مشتعلة .. لم يكن أمامهم سوى مجاراة الأمور فدفعوا بشباب الإخوان في خضم المعركة تحت عدة مسميات محافظين على إبعاد كلمة الإخوان عن الواجهة حرصاً على وحدة الصورة الجهادية و ظلت الأمور على هذا النهج في أول عامين للاحتلال ..
على جانب آخر لم ينس الإخوان السير في الطرق الدبلوماسية والقنوات الرسمية تحت واجهة الحزب الاسلامى وهيئة علماء المسلمين , على أمل تجنيب البلاد شر طول هذه الحرب الآثمة .. وهو التفكير الذي جلب عليهم الويلات واللعنات من كل المتابعين فضلاً عن كثير من المؤيدين ..إذ إن مشاركة الإخوان في حكومة من صنع الاحتلال كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وقلبت كل الطوائف العراقية على الإخوان .
رغم أن الإخوان كان لديهم من المبررات ما يكفى لإقناع العالم كله بجدوى السير في هذا الطريق مع تأكيدهم أن طريق الجهاد مستمر في خط آخر ولن يتوقف . إلا أنهم وسط حالة الغليان من جرائم الاحتلال لم يستطيعوا إيقاف سيل الاتهامات والانتقادات , حتى كتب غالب الفريجات عن الإخوان :
" الاخوان المسلمون في العراق عملاء حتى العظم وخونة لمبادئ الإسلام ، والأولى بهم أن يستبدلوا الاسم بالإخوان الأمريكيين المتصهينين ،لأن من يمالئ العدو على حساب وطنه ودينه فإن الوطن بريء منه ولن تنفع كل المبررات ، لأنه ليس بعد الخيانة ذنب ، فالخيانة أكبر الكبائر ومن يقدم عليها خرج من ملة الله ومن حدود الوطن ومقدساته " .
القاعدة تنهى على الأمل الباقي
بعد عامين من التخبط والتشتت في العمليات الجهادية نجح الإخوان لأول مرة في جمع بعض الفصائل تحت لواء واحد وسموه ( حركة جامع ) , وذلك بعد أن اختلطت العمليات المشبوهة بالعمليات المهدفة ..
ثمة أمر بدأ يقلق الجميع حينها .. من يقوم بالعمليات الكيدية ضد المسلمين (سنة وشيعة) في العراق ؟؟ .. ومن يقوم باستهداف رموز الحزب الاسلامى وهيئة علماء المسلمين خاصة ؟؟
لقد كان هذه إنذار بأن قوى خفية تلعب في الساحة الخلفية وتثير الفتن .. إنها القاعدة .
مجموعة من العرب القادمين من أفغانستان حملوا اسم ( جماعة التوحيد والجهاد ) في بادئ الامر .. ثم (تنظيم قاعدة الجهاد في بـلاد الرافـدين ) .. وبعدها ( مجلس شورى المجاهدين ) .. وانتهى اليوم بما يسمى بـ ( دولة العراق الإسلامية)
الفصيل الوحيد الذى بدأ يوجه رصاصاته ضد الجميع على السواء المحتل والاخوان في خندق واحد .. كانت حجتهم في مواجهة الإخوان هو مشاركة الحزب الاسلامى في الحكومة العراقية .
ولنعد إلى أصل الأمر .. بدأت مواجهة القاعدة للإخوان فقط عند معركة الفلوجة .. إذ تبنى الاخوان منهج الوساطة لتجنيب المدينة مواجهة عسكرية خاطئة ,, إلا أن الزرقاوى قائد تنظيم القاعدة رفض هذا المبدأ وفضل المواجهة العسكرية مهدداً بسحق الأمريكان هناك .. لقد كانت مواجهة غير متكافئة بالطبع .. وهرب الزرقاوى في بداية هذه الحملة على الفلوجة وترك قليلا من المجاهدين هناك وتم إبادتهم جميعاً وسقطت الفلوجة في أنهار من الدماء .. وفقدت جماعة الإخوان عناصر بارزة من قادتها العسكريين في الفلوجة ممن شاركوا في هذه المواجهة بعد بدايتها .. إذ إن الزرقاوى وضع الجميع أمام الأمر الواقع ولم يكن هناك بد حينها من مشاركة الإخوان فى إنقاذ المدينة تحت اسم ( كتائب ثورة العشرين ) .
ورغم ظهور الزرقاوى بمظهر المنسحب أمام الجميع إلا أنه قال في تسجيل صوتي له بعد ذلك : " وأعجب عجباً لا ينقضي من موقف بعض المنهزمين من أصحاب الخور والجبن ، الذين أماتوا علينا ديننا ، ورضوا بالهوان ، وعلى رأسهم ( حارث الضاري ) الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق ، الذي صرح في بعض مجالسه الخاصة بأنه ما عاد يستطيع يرفع رأسه بسبب ذبح الأمريكي ، والمنصر الكوري الجنوبي ، فأقول له :لقد كنت أظن من قبل أنك ستحفر قبراً وتنام فيه حتى يأتيك الموت خجلاً من عجزك عن مناصرة أخواتك المسلمات اللواتي انتهك عرضهن في سجن أبي غريب الذي يقع على بعد مئات الأمتار من بيتك و لقد كنت ضارياً حقاً على أهل الإسلام حين اتهمت رموز الجهاد بالعمالة ..ولكنك كنت حملاً وديعاً مع الرافضة ، فتبرعت لهم بمساجدنا بزعمك أنها حجارة ويمكن أن يبنى غيرها .. فإلى الله نشكوكم ، وبين يديه سنوقفكم ونسألكم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل." .
يقول المحللون أنه ربما أخطا الشيخ حارث الضارى بتقربه من التيار الصدرى لتقريب وجهات النظر آنذاك .. ولكن الهيئة تؤكد أنه لا خيار آخر .
في هذه الأثناء ... قام تنظيم القاعدة باغتيال العشرات من أعضاء هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي العراقي ، وهذا لا يخفى على أحد .. وكان أبرز الضحايا : الشيخ حمزة العيساوي - رئيس مجلس إفتاء الأنبار وفقيه الفلوجة , و إياد العزي - عضو المكتب السياسي للحزب الاسلامى .
لقد وضح وبما لا يقبل الشك أن القاعدة لا تقبل بمنافس لها على الأرض ، سواءً أكان هذا المنافس سلفياً جهادياً أو غير ذلك ، وقد كُتبت بيانات ومقالات كثيرة أوضحت تعدي أفراد القاعدة وقيادتها على بقية الفصائل ومنعهم من العمل الجهادي .
حتى خرج أحد زعماؤهم (أبوحمزة المهاجر) ليكيل الاتهامات قائلاً : " إن تاريخكم معشر الإخوان المسلمين مليءٌ بمثل هذه النكبات والكوارث ... وقد جمعتنا وإيـّاكم دولٌ ومناطق .. فهل وجدتمونا قط رفعنا عليكم السلاح أو بدأنا بقتالكم !؟ بل إن تاريخكم النكـد يؤكد استعدادكم التام للتنازل عن أهم ثوابت الدين لأجل الحكم ، ولو كان مقعداً على باب وزارة ... فهذا (سيـاف) و(ربـّاني) جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية إلى كابل، وحارب النحناح إخوانه بضراوةٍ في الجزائر .. واليوم يحكمُ أردوغان بالعلمانية ، ورضيتم أنتم بوزارة المرأة وشؤون البيئة ، بل إن إمام مسجدٍ صار وزيراً للعهر والرقص أو ما يسمى بوزارة الثقافة ولا حول ولا قوة إلا بالله " .
ولست بصدد تفنيد كلام هذا القاعدي المتحذلق و الدفاع عن إخوان الجزائر أو تأكيد اختلاف منهج العدالة والتنمية عن الإخوان , فلقد رد عليه كثيرون من قبل ولست أضيف جديداً عليهم .
المهم أن الصورة الآن في العراق تبدو قاتمة إلى حد كبير .. وهناك روح من التجاهل تسود أوساط المسلمين وفى القلب منهم الإخوان فيمصر والعالم الاسلامى , رغم حساسية الموقف الراهن .. إننى أذكر بالمقولة الشهيرة للدكتور الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي : " العراق هى فلسطين وفلسطين هي العراق .. لا فرق "
أخيراً ,, ثمة حديث عن دور ايرانى مشبوه في العراق يدفع بالشيعة إلى حلبة الصراع بقوة
للمزيد عن الإخوان في العراق
. |
|
. . |