صحافة الإخوان في مرمى المصادرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صحافة الإخوان في مرمى المصادرة


إخوان ويكي

مقدمة

تعتبر الصحافة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للكثير من أبناء المجتمعات حيث أنها ساهمت بشكل أساسي في نشر الوعي والثقافة في مختلف المجالات، وساعدت في إيصال صوت الشعوب في ذات الوقت.

وإضافة إلى هذا فهي تعمل كوسيط بين أفراد الشعب في المجتمع وبين الحكومة، ويتم من خلالها مناقشة العديد من القضايا المهمة المتعلقة بهم، بالإضافة إلى مشاركتها في اتخاذ القرارت التي تدعم مطالب أفراد المجتمع التي تدعوا إلى العدالة والمساواة والحريات وغيرها.

والصحافة تمنح الناس الحق في إبداء الرأي، وتُعبّر عن مختلف الآراء في المجتمع؛ حيث تُعدّ صوت من لا صوت له. وتتجلى رسالتها في بناء جيلٍ واعٍ يسير على المبادئ والأخلاق الرفيعة، كما تسعى لنشر المعرفة والثقافة بين الشعوب، وتهتم بها الدول المتقدمة وتواليها اهتماما عظيما لتأثيرها على الرأي العام.

فالصحفي كالرقيب الذي يترصد الأحداث ويكتشف الحقائق لإيصالها إلى الرأي العام دون تشويه، فيواجه كل ما يعترض طريقه من مشكلاتٍ ومخاطر في سبيل أداء دوره على أكمل وجه

نشأة الصحافة

يرجع إلى البابليين الفضل في إنشاء أول صحيفة حيث عيّنوا كاتباً مهمته تسجيل الأحداث اليومية المهمة. كما ظهرت في الصين جريدة رسمية كانت تُدعى إمبراطورية الشمس استمر إنتاجها مدة 1500 عام.

وفي روما كان ظهور الصحافة عن طريق نشر وإيصال الأحكام القضائيّة والأحداث المهمة إلى الشعب (1)

دور الصحافة في المجتمع

تعتبر الصحافة من وسائل تشكيل الرأي العام حيث أهميتها القصوى في تغير قناعة ورأى الناس لما تريده، فإنها:

  1. تكشف الصحافة عيوب المجتمع من خلال تسليطها الضوء على المشكلات التي تنخر في بنيته الاجتماعيّة.
  2. تكشف الصحافة عن أيّ خلل يحدث في الدولة، وجهازها الإداريّ.
  3. بثّ الأفكار الحميدة في المجتمع، والعمل على تنوير أفراده، وتنبيههم إلى المخاطر، والتحدّيات التي تواجههم.
  4. التوعية في الحالات الطارئة، كالحروب، والكوارث الطبيعيّة، والأحوال الجويّة وغير ذلك من الحالات، بالإضافة إلى التوعية بضرورة المشاركة في بعض الأحداث الهامّة التي تتطلّب مشاركة جماهيريّة فاعلة كالانتخابات.
  5. بثّ الأخلاق في المجتمع، فالصحافة الأخلاقيّة التي تتوخّى الحقائق، وتنشر الخير تسعى بالضرورة إلى بثّ الأخلاق في المجتمع، والتي لا يهمّها كثيراً الربح الماديّ، ولا تُداهن أحداً سواء الشعب، أو السلطات الحاكمة، والتي لا تصدر إلا من مبادئها ومن قناعاتها هي الصحافة الأحق من غيرها بالمتابعة، والتطوّر، والدّعم.
  6. تعريف المجتمع بآخر المستجدّات التي تحدث على الساحتَين المحليّة، والإقليميّة، والدوليّة، بحياديّة ودون تحيّز. (2)

الإخوان وأول شركة صحافية

كان للاهتمام الكبير الذي أولاه الإخوان المسلمين للصحافة والإعلام أن أسسوا شركة مساهمة تعاونية للطباعة والتي كانت نتاج قرارات مجلس الشورى العام الثاني للإخوان المنعقد في بورسعيد في 2، 3 من شوال 1352هـ الموافقين 19، 20 من يناير 1934م، وذلك بهدف أن يكون للإخوان شركة تطبع صحفهم دون اللجوء لأى دار طباعة أخرى طبعت لها أو رفضت، بالإضافة لتوفير نفقات الطباعة. (3)

أهمية الصحافة للإخوان

فرق كبير بين أن ترى تاريخا يصنع وأمة تستيقظ وكتائب تزحف وشبابا يملأ الساحات ويسد الثغرات ويلبي نداء العمل والجهاد، وتاريخا ليس منه إلا حظ الرواية ومتعة السرد. والعالم اليوم يشهد اهتماما متزايدا بالإعلام ووسائله، وإيمانا صادقا برسالته وأهدافه، ذلك أن الإعلام في العالم الحديث يتطور تطورا مذهلا نتيجة التقدم في فنون الاتصالات والطباعة.

لقد برزت صورة الصحافة الإسلامية واضحة عندما أصدر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس جريدة "العروة الوثقي" عام (1301هـ- 1884م) فكانت الحجر الأول في بناء الصحافة الإسلامية في العالم الإسلامي، تحمل طابع الدفاع عن الإسلامي وتحرير بلاد المسلمين، ولكن "العروة الوثقى" لم تستمر طويلا، فقد توقفت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا.

أدرك الإخوان المسلمون أهمية الإعلام في نشر الدعوة وتطويرها منذ عهد مبكر؛ ولذا فقد حرصوا على استخدام كافة الوسائل الإعلامية المتاحة لخدمة الدعوة بداية من: الدرس، والخطبة، والنشرة، وصولاً إلى الصحيفة التي كانت في ذلك الوقت قمة العمل الإعلامي، واحتلت الصحافة مكانة كبرى لدى الإخوان خاصة بعدما استفحل شأن التنصيرين وحركات التغريب التي تسعى لإفقاد الأمة هويتها، بالإضافة للانحلال الخلقي.

ولقد مثلت الصحافة بالنسبة للإخوان أحد الوسائل الهامة في نشر الدعوة، ورفع الواقع الثقافي العام، وزيادة الرابطة بين الإخوان خاصة والمسلمين عامة، حيث حرص المركز العام للإخوان المسلمين على وجود صحفية تعبر بصورة أساسية عن الإخوان ورؤيتهم في مختلف القضايا، وتستوعب الطاقة الصحفية التي أوجدتها مجلة "جريدة الإخوان المسلمين" في الفترة السابقة، بالإضافة إلى إيجاد جيل جديد من صحفيي الإخوان وتأهيلهم لحمل الرسالة الإعلامية الإسلامية.

وهو المعنى الذي عبر عنه الإمام البنا حينما تم حل الجماعة ومصادرة جميع وسائلها الصحفية فقال في رسالة قضيتنا:

لقد سمع الرأي العام المصري والعربي والإسلامي قضية الإخوان المسلمين من جانب واحد، هو جانب الحكومة التى اعتدت على هذه الهيئة بإصدار أمر عسكري بحلها وهو الجانب الذي يملك كل وسائل الدعاية من الصحف الخاضعة للرقابة كل الخضوع، ومن الإذاعة التى تديرها وتهيمن عليها الحكومة ومن الخطباء فى المساجد الذين هم موظفون حكوميون، ولكن هذا الرأي العام لم يسمع من الطرف الآخر..
لم يسمع من الإخوان المسلمين الذين حُرموا كل وسائل الدفاع عن أنفسهم وشرح قضيتهم للناس فصودرت صحفهم وعطلت أقلامهم وكممت أفواههم واعتقل كل خطيب لهم واعتبر كل اجتماع خمسة منهم فى أى مكان جريمة أقل عقوبتها السجن ستة أشهر. (4)

على الرغم من أن الأستاذ حسن البنا لم يطل به العمر حيث استغرقت دعوته منذ انطلاقها حتى استشهاده ما يرنوا من العشرين عاما إلا أنها زخرت بالكثير من الصحف والمجلات، فما تقف مجلة إلا ويسعى لإنشاء غيرها مما أكد مدى حرصه على هذه الأداة وذلك من باب الدفاع عن الإسلام وتوضيح صورته الصحيحة للرأى العام، و الدفاع عن قضاياهم ونشر المآسي التي يتعرضون لها، والمطالبة بحقوقهم كاملة خاصة بعدما بدأت الدعوة تتعرض للاضطهاد من قبل المحتل وبمعاونة وأيدي الحكومة المصرية حيث عملت الصحافة على فضح ممارستها.

كان هدف الأستاذ حسن البنا برغبة الشديدة في امتلاك أداة إعلامية يرجع إلى ما ذكره بقوله: إصلاح منابع الثقافة العامة بإعادة النظر في سياسة التعليم، ومراقبة الصحف، والكتب، والسينمات، والمسارح، والإذاعة، واستدراك نواحي النقص فيها، وتوجيهها الوجهة الصالحة.

وأن تهتم بإصلاح منابع الثقافة العامة إصلاحًا جديًّا، فتحدد مهمة الإذاعة والمسارح والسينمات والصحافة والمطبوعات تحديدًا صالحًا، وتشرف على ذلك كله إشرافًا فعليًّا يجنى الشعب من ورائه فائدتها ويتقى ضررها. (5)

لكن كان فعلا لدى حسن البنا بعد نظر حينما وضع على رأس اهتماماته العناية باصدار الصحف والمجلات ومخاطبة الرأى العام عن طريقها وتعهده بالتربية المباشرة للأفراد، فلقد كان للصحافة تأثير كبير في جذب كثير من الناس إلى دعوة الإخوان او التعرف عليها ومعرفة مبادئهم وفكرهم.

ولننظر لتاثير صحافة الإخوان من خلال كلمات محمود عبدالحليم وكيف أنها كانت سببا في معرفته بالطريق الحق فيقول:

ويجدر بي بهذه المناسبة أن أذكر أنني منذ أقمت بالقاهرة - وكان مقر دراستي وسكنى بالجيزة - كنت حريصا على أداء صلاة الجمعة دائما فى مسجد الرفاعى بالقلعة لأن خطيب هذا المسجد الشيخ محمود على أحمد كان خطيبا مفوها وكانت خطبة ذات اتصال بالحياة ، وكان رواد هذا المسجد الفسيح من أعلى طبقات القاهرة ثقافة ...
وكنت الأحظ دائما بعد الصلاة فى مستهل الدرس الذي يلقيه الشيخ بعد الصلاة أنه كان يلفت نظر الحاضرين إلى شاب بين يديه مجلات يوزعها ويحثهم على اقتنائها فكنت أحد الذين يشترونها ... وقد تركت هذه المجلة فى نفسي - وكان اسمها (الإخوان المسلمون) - أثرا عميقا عندما وقع نظري على واجهتي غلافها ؛ فعلى وجهها وملء الصفحة رسمت الكرة الأرضية مركوزا عليها علم كتب عليه (إنما المؤمنون إخوة) .
وتمسك بالعلم قبضة يد قوية كتب تحتها (الإخوان المسلمون) - أما ظهرها فيملأه (أكلشيه) بعنوان (عقيدتنا) تحته سبعة بنود يتكون كل بند من جزئيين أولهما مبدوء بكلمة (أعتقد) والآخر مبدوء بكلمة (أتعهد) ... وقد لخصت هذه البنود السبعة الفكرة الإسلامية كما تصورتها بجميع أبعادها . إلا أن (التعهدات) قد نقلت الفكرة المجردة إلى معترك الحياة فى جميع ميادينها (6)

وهو نفس ماذكره الضابط عبدالمنعم عبدالرؤوف بقوله:

أثناء جلوسى إلى جوار الموظف المسئول الذى سلمنى إذن الصرف وقعت عيناى على مجلة تحمل اسم (الإخوان المسلمون) وعلى غلافها شعار مكون من هذه الكلمات: دعوة الحق والقوة والحرية ورسم عليها القرآن الكريم فوق سيفين متقاطعين الأمر الذى دفعنى إلى السؤال عن هذه الجماعة وأين مقرها؟ وكيفية الانضمام إليهم؟ وكم يكون اشتراك العضو؟ ولمذا اختاروا هذه الشعارات؟ وما معنى هذه الشارة (القرآن فوق سيفين)؟.

لم تشف إجابات المسول غلتى وأحسست برغبة عارمة لزيارة هذه الجماعة وفى مقرها ومقابلة رئيسها والتعرف على أفرادها عن كثب (7)

صحف أصدرها الإخوان

لقد أصدر الإمام البنا في حياته العديد من الصحف وأحيا بعض الصحف الأخرى مرة أخرى بعد توقفها، فأنشأ مجلة الإخوان المسلمين عام 1933م وحينما توقفت عام 1938م مع الفتنة الثانية، أنشأ مجلة النذير في عام 1938م والتي استمرت عامين قبل تضيع مع فتنة شباب محمد، ثم أحيا مجلة المنار لصاحبها محمد رشيد رضا بعد توقفها فترة بعد وفاة رشيد رضا فنزل البنا على رغبة اهل رشيد رضا وأعاد افتتاح مجلة المنار إلا أن حكومة حسن صبري أوقفتها عام 1940م، كما أوقفت مجلة التعارف والتي أعاد البنا إصدارها مرة أخرى عام 1940.

ظل الإخوان بدون صحيفة لمدة عامين حتى أصدر البنا مجلة الإخوان عام 1942م وظلت مستمرة حتى توقفت مع قرار حل الجماعة عام 1948م، ولم يقتصر على ذلك فأنشأ صحيفة يومية وهي صحيفة الإخوان المسلمين اليومية عام 1946م وتوقفت مع الحل، كما أصدر مجلة الشهاب والتي كان رئيس تحرير أمام مدير فسعيد رمضان وتوقفت أيضا مع حل الجماعة.

وبعد استشهاد الإمام البنا وخروج الإخوان المسلمين من المعتقلات أصدروا مجلة المباحث القضائية في مايو 1950 واستمرت حتى توقفت يناير 1951م، وذلك لإنشاء مجلة خاصة بالإخوان باسم مجلة الدعوة والتي صدرت في يناير 1951م وصاحبها الأستاذ صالح عشماوي واستمرت حتى توفى فاوقفها النظام الحاكم في بداية الثمانينات. (8)

لقد أصبحت الصحافة منذ مجلة جريدة الإخوان المسلمين أحد أركان الدعوة الرئيسية حيث كانت إدارتها بالمركز العام، وقد تطورت إدارتها فبعد أن كان الإمام البنا رئيسًا للتحرير وصاحب الامتياز، فقد أوكل إدارة ورئاسة تحرير الصحف الجديدة لغيره من الإخوان، وكان كلما وقفت صحيفة للإخوان أصدروا أو استأجروا أخرى، وقد نطقت أربع صحف خلال هذه الفترة باسم الإخوان هي: "مجلة النذير – مجلة المنار – مجلة التعارف – مجلة الإخوان المسلمون النصف شهرية".

وتميزت الصحافة في هذه الفترة بأنها دخلت عالم السياسة مع الجماعة، فخاضت كثيرًا من المواجهات مع أوكار الفساد وأصحاب النفوذ؛ ولذا تعرض كثير منها للإغلاق والمصادرة

وكان من أهم سماتها في هذه الفترة:

  1. اهتمامها بكافة شئون الحياة، فلم تعد تقتصر على الأمور الدينية، بل مع حرصها على هذا الجانب اهتمت بالجوانب: الثقافية، والفكرية، والاقتصادية، والعلمية، والطبية، والخارجية، والعسكرية.. إلخ.
  2. طورت هذه الصحف نفسها من حيث التحرير والإخراج ومعالجة القضايا المختلفة ببراعة مهنية عالية، مع الحفاظ على الطابع الإسلامي العام.
  3. حرصت صحف الإخوان في هذه الفترة على إصدار أعداد خاصة للمناسبات والقضايا الهامة حرصًا منها على الارتقاء بوعي القراء العام، مثل: مناسبة الهجرة، أو عند عقد مؤتمر عام للإخوان، أو عن قضية دولة من الدول الإسلامية في وقت أزمتها مع المحتل.
  4. كانت إعلانات هذه الصحف في مجملها إعلانات داخلية، أي: من الإخوان، وباستثناء بعض الإعلانات الرسمية مثل الإعلانات القضائية، أو إعلانات أخرى قليلة.
  5. حرص الإخوان على استكتاب عدد كبير من الإخوان الكبار والشباب في هذه الصحف لتنمية مواهبهم في الكتابة، وفتحت المجال خاصة أمام الطلبة، كما حرصت على فتح هذه الصحف أمام الكتاب والمفكرين الإسلاميين ذوي القبول الشعبي مثل: الشيخ مصطفى المراغي، والسيد محب الدين الخطيب، والشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور عبد الرازق السنهوري، وغيرهم.
  6. عانت صحف الإخوان في هذه الفترة خاصة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939م من أزمة الحصول على الورق وارتفاع سعره، والذي أدى إلى تأخير صدور أكثر من عدد عن موعده مرات متعددة، كما أدت هذه الأزمة إلى خفض عدد الصفحات في بعض الأحيان، ورفع سعر النسخة، أو الاشتراك في أحيان أخرى.
  7. مع كل صحيفة جديدة كان الإمام البنا يحرص على تقييم سيرة الدعوة خلال الفترة الماضية، ويوضح للإخوان إلى أين وصلت دعوتهم، وما هي أهدافهم في المرحلة المقبلة، وماذا يطلب منهم لتحقيق ذلك.
  8. ترك الإمام البنا مساحة واسعة لصحفيي الإخوان لتحرير تلك المجلات والصحف، فلم يعد هو الذي يحرر أغلب أبوابها كما كان يفعل مع مجلة "جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية" السابقة، اللهم إلا مع مجلة "المنار" حرصًا منه على أن تظل هذه المجلة على نفس المستوى التي كانت تصدر به في عهد صاحبها الشيخ رشيد رضا وكانت في غالبها دينية، أما مع باقي صحف هذه المرحلة فكان يكتفي بنشر مقال أو أكثر في العدد، مع ترك باقي أبواب المجلة للكتيبة الصحفية الإخوانية التي كانت ترتقي يومًا بعد يوم برئاسة الأستاذ صالح عشماوي، وذلك تربية للكوادر، وكان أحيانًا يشرف على بعض الأبواب ويكتب العديد من الرسائل والردود والمقالات. (9)

صحف الإخوان ومصادرة كلمتها الحرة بين العهد الملكي والعسكري الجمهوري

شهدت الصحافة في مصر في العهد الملكي رواجا وحرية في العمل والنقد – نوعا ما- أكثر مما شهدته في الحقبة العسكرية التي تلتها، حيث توضح الصحف الصادرة في الحقبتين دليلا قاطعا على مدى الحرية في كل عهد منهما.

فقد عاشت الصحافة المصرية أزهي عصورها قبل ثورة 23 يوليو حيث اتسمت تلك الحقب بالحرية السياسية التي انعكست آثارها على الصحافة المصرية رغم تدخل الحكومة في تعطيل أو إلغاء بعضها في بعض الأوقات. غير أن الصحافة في الدولة الجمهورية منذ 23 يوليو 1952م حتى يومنا هذا اتسمت بالقمع أو تزييف الوعي وتغييب الضمير والسير في فلك النظام الحاكم.

وهذا ما ذكره هشام عبد العزيز في دراسته (صحف مصادرة في مصر حتى 1952) بقوله:

"اللافت أن قوانين الصحافة المصرية قبل عام 1952 ومحاضر وزارة الداخلية أو تحقيقات النيابة العائدة لتلك الفترة أو الأدبيات الصحافية، لم تستخدم مصطلح المصادرة بل كان الأكثر وروداً مصطلحا "تعطيل" أو "إلغاء" ومجموعة أخرى من المصطلحات القانونية مثل إنذار أو توقيف مؤقت مدة محددة، وهو ما يشير إلى سوء السمعة المرتبط بمصطلح المصادرة على الرغم من كثرة حدوثه" (10)

وصحف الإخوان تعرضت مثل غيرها من الصحف في العهد الملكي والدولة البوليسية العسكرية فيما بعد من تعطيل أو إلغاء أو مصادرة وهو السمت الذي تعاني منه الدولة المصرية وبقية الشعوب العربية والإسلامية في ظل حكام مستبدين.

نشأت جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية عام 1928م وظلت تحبوا في الظل حتى كانت السنة الفارقة التي انتقلت فيها الإمام البنا إلى عاصمة الدولة القاهرة، حيث وضع هيكلة الجماعة وأطرها ومجالسها، وأيضا وضع أول بذور صحافة الإخوان والتي كانت مجلة الإخوان المسلمين والتي كانت داعما قويا لمعرفة المجتمع المصري بل الشعوب العربية بدعوة الإخوان المسلمين.

غير أن بعض صحف الإخوان الأولى توقفت لظروف ما خاصة بالجماعة حتى كان مؤتمر الجماعة الخامس والذي أعلن فيه الإمام البنا أن الإخوان جماعة إسلامية إصلاحية دعوية شاملة هدف نشر مفاهيم الدين الصحيحة ومقاومة المحتل وهي الفترة التي جعلت عيون المحتل الإنجليزي ترصد حركات الجماعة.

وحينما اندلعت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939م سارع المحتل بتغير التركيبة السياسية لتكون موائمة لأوضاعه خاصة أن بداية الحرب كانت تشير لهزائمه أمام الألمان، مما جعله يفرض وزارات مصرية، ويجبرها على إعلان حالة الطواري في البلاد.

كانت أخر صحيفة للإخوان قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية صحيفة النذير والتي استأثر به بعض الإخوان الذين خرجوا من الجماعة، في وقت لم تسمح الحكومة بإنشاء أى صحيفة للإخوان مع بدايات الحرب مما دفع بالإمام البنا للبحث عن صحف قديمة معطلة فعمل على إحيائها مثل مجلة التعارف، وهو الوقت الذي سعت فيه أسرة الشيخ محمد رشيد رضا للبنا كي يحيي مجلة المنار، غير أن الاستعمار ضغط على الحكومة بتعطيلها.

مجلة التعارف أول مجلات الإخوان مصادرة

بعد أن فقد الإخوان مجلة "النذير" بخروج محمود أبو زيد – صاحب إمتياز المجلة- عن صفوف الجماعة لم يكن للإخوان صحيفة تسد الفراغ الذي تركته "النذير"، خاصة أن الإخوان وجدوا صعوبة في استصدار ترخيص صحيفة جديدة نظرًا لفرض الأحكام العرفية على البلاد؛ لقيام الحرب العالمية الثانية منذ سبتمبر 1939م، مما دفعهم للبحث عن مجلة عاملة.

كانت مجلة التعارف يملكها أحد الإخوان بالمنزلة التابعة لمحافظة الدقهلية، وهو الأستاذ محمود عبد اللطيف، وكانت منذ ظهورها في 20 جمادى الآخرة 1350ه الموافق 8 أغسطس 1936م تنطق بلسان حال جمعية "التعارف الإسلامي"، وظلت تصدر أسبوعية بهذه الطريقة تهتم بالجوانب: الاجتماعية والعلمية والدينية وتعنى بالتربية والآداب الإسلامية. وبعد البحث الذي استمر أكثر من شهر ونصف استقر الإخوان على استئجار مجلة "التعارف".

وقد اعتلى لافتة المجلة "بسم الله الرحمن الرحيم" وعلى جانبيها "الله أكبر ولله الحمد"، وتحت اللافتة "على مبادئ الإخوان المسلمين"، حيث جمعت المجلة بين الجوانب الشرعية والسياسية والاجتماعية بصورة متوازنة.

استمرت المجلة في الصدور بشكل منتظم في 12 صفحة كل يوم سبت على مبادئ الإخوان المسلمين من العدد الثالث في السنة الخامسة حتى تم تخفيض عدد الصفحات إلى 8 صفحات بداية من العدد (20)، ثم مصادرتها في عهد وزارة حسن صبري باشا بعد العدد (29) الموافق السبت 4 شعبان 1359ه - 7 سبتمبر 1940م ليكون ذلك هو العدد الأخير في حياة المجلة بعد استمرار خمس سنوات، منهم ما يقرب من سبعة أشهر مع الإخوان المسلمين أصدروا خلالها 26 عددًا من المجلة. (11)

وتوقفت مجلة المنار

لم تكن مجلة المنار من مجلات الإخوان نشأة أو إصدارا، فهي مجلة إسلامية تهدف إلى الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، أسسها الشيخ محمد رشيد رضا وصدر العدد الأول منها في 22 من شوال 1315 هـ الموافق 15 مارس 1898م، وكانت بمثابة تحفة علمية شرعية متنوعة متكاملة، وظلت كذلك حتى وفاة الشيخ رشيد رضا في 22 أغسطس 1935م.

تولى الإشراف عليها المحقق السوري الجليل الشيخ بهجة البيطار الذي استمر في إكمال مسيرة التفسير خلفًا للشيخين فأتم سورة يوسف إلا إنه ترك المجلة بعد عددين فقط الثالث والرابع من السنة 35، ثم توقفت المجلة عن الصدور مرة ثانية لما يقرب من ثلاث سنوات.

عز على أسرة الشيخ رشيد رضا توقف المجلة كما عز على الإخوان ذلك فطلبت أسرة الشيخ رضا من الأستاذ حسن البنا الإشراف عليها فصدر الجزء الخامس من المجلد الخامس والثلاثين في غرة جمادى الآخرة 1358ه/ 18 يوليو 1939م في ثمانين صفحة بنفس شكل إصدارها في عهد الشيخ رشيد رضا، وكان لذلك صدى كبير في الأوساط العلمية الإسلامية.

سار على نفس المنهج التربوي الإصلاحي الذي سلكه رشيد رضا في مجلته فصدرت في ثمانين صفحة، وكانت مجلة علمية، إلا أن الانجليز ضغطوا على وزارة حسن صبري باشا فتوقفت المجلة عن الإصدار. حيث صدر العدد العاشر في شعبان 1359 هجري الموافق سبتمبر 1940م بعد تأخر شهر والذي وصل للناس فعليًّا في نهاية نوفمبر 1940م، وتم مصادرة المجلة، وتوقفت عن الصدور ليكون العدد العاشر هو آخر عدد يصدر للمجلة (12)

النقراشي وصحافة الإخوان

جاء النقراشي باشا إلى السلطة خلفا لأحمد ماهر باشا وهو يحمل كل معاني البغض لجماعة الإخوان المسلمين معتقدا أن الإخوان سببا في اغتيال أحمد ماهر رغم أن القضاء والدلائل لم تشر لا من قريب ولا من بعيد بصلة القاتل بجماعة الإخوان المسلمين بل أعلن الحزب الوطني الجديد أن القاتل أحد شبابه، غير أن النقراشي كان يمقت الجماعة تزلفا للمحتل الانجليزي الذي ظن أنه سينال الحظوة عنده بذلك.

وظد على ذلك اعتقاد النقراشي أن للإخوان يد في إقالة وزارته الأولى في فبراير 1946م بعد حادثة كوبري عباس والطلبة. ولذا أطلق النقراشي باشا العنان لرجال الشرطة – كونه رئيس الوزراء ووزير الداخلية - في الصدام مع الإخوان المسلمين، والعمل على تقييد حركاتهم، مما أوقعت سياسته كثير من الصدامات بين الإخوان ورجال الشرطة مثل حادثة تعدي مأمور قسم الخليفة على جوالة الإخوان وحامل المصحف الشريف

وهي الحادثة التي تحدثت عنها صحف الإخوان وأظهرتها للرأى العام، ما أدى لغضب النقراشي فأرسل رجالاته فصادروا عدد مجلة الإخوان التي تحدث عن الحادثة من دار صحافة الإخوان، وجمعت كل ما فيها من أعداد للتوزيع أو الاشتراك وجمعتها كذلك من العربات المسافرة ومن أيدي الباعة في كل بلدان المملكة المصرية.

كذلك ما قام به رجال البوليس من حجز سيارة من سيارات جريدة الإخوان في بندر الجيزة عدة أيام بحجة أنها بدون رخصة ومع أنه قد قدمت رخصة للسيارة وأوراقها إلى البندر وبذلت المحاولات للإفراج عن السيارة فلم يفرج عنها إلا بعد فترة من حجزها (13)

حتى أن شعبة الإخوان بقسم ثالث بورسعيد أرسلوا تلغرافا للملك فاروق يحتجون فيها على مصادرة حكومة النقراشي لصحيفة الإخوان التي فضحت عنت الشرطة ضد جوالة الإخوان، حيث جاء فيها: حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فاروق الأول ملك وادي النيل حفظه الله، وبعد

فإلى ساحة عدلكم وجلالتكم حامي الإسلام والوطن نفزع من اعتداء وزارة الداخلية على الإخوان المسلمين الاثنين من غير مبرر ولا سبب معروف إلا تلك الحجة الواهية التي صارت شعارًا مألوفًا لكل عدوان أحمق أو تصرف شاذ كما أننا نحتج على مصادرة جريدة الإخوان المسلمين وجمعها من أيدي الباعة والمتعهدين والقراء كما صودرت الكميات التي كانت بالمطبعة. فإنا نفزع إلى ساحة جلالتكم مستغيثين من هذه الاعتداءات الغاشمة (14)

بل إن النقراشي وكنوع من الإرهاب الفكري أو الثقافي للكتاب وللمفكرين عمد إلى التحقيق مع الصحف والمجلات الإسلامية الوطنية مثل جريدة البلاغ ونداء الوطن وأخبار الدنيا الوطنية... وعلى رأس ذلك كله مجلة الإخوان المسلمين حيث دعت النيابة الأستاذ صالح عشماوي رئيس تحرير مجلة الإخوان المسلمين والأستاذ علي قطب الشريف للتحقيق معهما في بعض المقالات المنشورة بالمجلة.

ولم يمض على ذلك بضعة أيام حتى دعت نيابة الصحافة الأستاذ علي قطب الشريف المحرر بمجلة الإخوان المسلمين مرة أخرى للتحقيق معه بشأن مقال نشره بالمجلة تحت عنوان "المقامرة بمصير أمة".

كما تم حبس الأستاذ أحمد السكري من أجل مقالين نشرهما، الأول بعنوان "لتفعل القوة ما تشاء" والثاني بعنوان "تحية الأستاذ أحمد السكري إلى إخوان الإسكندرية" حيث اعتبرت النيابة ما جاء فيهما تحريضًا على إثارة الخواطر وتحبيذًا للتظاهر وأعمال العنف (15)

وحينما أوعز الإنجليز للنقراشي باشا بإصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين استند لكونه الحاكم العسكري وأصدر القرار بحل الجماعة ومصادرة أنديتهم وأموالهم وأملاكهم ونشاطهم فى جميع أنحاء البلاد، واعتقال رؤسائهم وكثير من أعضاء هيئتهم بالجملة فى كل مكان، ومصادرة جميع صحف الإخوان والمتمثلة في جريدة الإخوان المسلمين اليومية، ومجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، ومجلة الشهاب، ومجلة الكشكول الجديد في 8 ديسمبر 1948 (16)

عبد الناصر ومصادرة مجلة الإخوان

شارك الإخوان رجال وضباط ثورة يوليو 1952م حتى نجحت الثورة، غير أن الضباط تنكروا للإخوان وانقلبوا عليهم، وأزاح عبد الناصر كل من شارك في نجاح الثورة في محاولة للإنفراد بالسلطة، ولذا بعدما ألغى الأحزاب أصدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين ثم سرعان ما أعادها مرة أخرى في مارس 1954م، غير أنه ما إن وقع عبد الناصر معاهدة الجلاء مع الإنجليز هاجمتها صحيفة الإخوان المسلمين والتي كان يرأس تحريرها الأستاذ سيد قطب.

وقد ظلت المجلة تصدر حتى العدد الـ12 والذي كان في 6 ذي الحجة 1373هـ الموافق 5 أغسطس 1954م، بعدما اعترض المرشد العام على اتفاقية الجلاء وفند بنودها وأنها ليست بهذه الصيغة في صالح مصر، مما أغضب عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة فكان قرار غلق المجلة (17)

مجلة المسلمون لم تسلم من بطش عبد الناصر

لم تكن مجلة المسلمون من إصدار الإخوان المسلمين بصفة رسمية لكن أصدرها أحد قادة الإخوان المسلمين وهو الأستاذ سعيد رمضان، وكان مقرها 22 شارع المنيل بالروضة في القاهرة. كانت بمثابة امتداد لمنهج مجلة الشهاب العلمي والفكري والفقهي والدعوي كما كانت مجلة إسلامية شاملة.

صدر العدد الأول منها في غرة ربيع الأول 1371هـ الموافق 30 نوفمبر 1951م وظلت تصدر في القاهرة لمدة 3 سنوات حيث صدر منها 30 عدادا لكنها توقفت في ذي الحجة 1373هـ الموافق أغسطس 1954م حينما بدأت العلاقات تتوتر بين الإخوان وعبد الناصر حينما اعترضوا على بنود معاهدة الجلاء لكونها في غير مصلحة مصر.

وحينما فر سعيد رمضان من بطش عبدالناصر أصدرها في دمشق بسوريا في شعبان 1374هـ الموافق مارس 1955م، لكن كان صاحب الامتياز ورئيس التحرير الدكتور مصطفى السباعي، لكنها توقفت مرة ثانية في شعبان 1379هـ الموافق فبراير 1960م.

انتقل صدورها مع صاحبها سعيد رمضان من جنيف وكان اول عدد يصدر منها في بلدها الجديد في ذي الحجة 1380هـ الموافق مايو 1961م وظلت تصدر حتى ربيع الثاني 1386هـ الموافق أغسطس 1966م (18)

مجلة الدعوة وعنت السادات معها

كان الأستاذ صالح عشماوي (وكيل جماعة الإخوان المسلمين) شغوفا بالعمل الصحفي والإعلامي كالإمام حسن البنا. وبعد مصادرة صحف الإخوان واغتيال مرشدها البنا وخروج الإخوان من السجون سارع عشماوي لاستصدار مجلة تعبر عن الإخوان، فكانت مجلة الدعوة والتي صدر العدد الأول منها في 22 من ربيع الثاني 1370ه الموافق 30 يناير 1951م

فكانت أول مجلة إسلامية أسبوعية تطبع بالطباعة الحديثة بمطابع جريدة المصرى وتوزع عن طريق شركة التوزيع ولأول مرة أيضا كانت تغطى مصاريفها رغم عدم حريتها فى قبول الإعلانات ورغم حملها عبء بعض الإخوان الذين عملوا بها بقصد مورد لهم وكانت الدعوة على مستوى مشرف من حيث برقياتها وتعليقاتها ومواضيعها وهيئة تحريرها.

كان يكتب فيها صالح عشماوي رئيس تحريرها وصاحب امتيازها وأمين إسماعيل ومحمد الغزالي والسيد سابق وعبد العزيز كامل والبهي الخولي وأحمد حسن الباقوري وعبد المنعم النمر ومحمد فتحي عثمان وسيد قطب ومحب الدين الخطيب وأنس الحجاجي وعبد الحكيم عابدين ورجاء مكاوي وغيرهم.

غير أن الجماعة حدثت فيها بعض الخلافات في وجهات النظر حول النظام الخاص حتى تأزمت وبعد تحقيقات قررت الهيئة التأسيسية فصل عدد من قادة النظام الخاص على رأسهم عبدالرحمن السندي، إلا أن بعض قادة الإخوان وعلى رأسهم صالح عشماوي وقفوا بجانب السندي مما أدى في النهاية إلى صدور قرار بفصل عشماوي ومن معه، فتوقفت المجلة عن الصدور باسم الإخوان في 24 من ربيع الثاني 1373ه، الموافق 1 ديسمبر 1953م.

حافظ الأستاذ صالح على صدورها رغم قلة مبيعاتها، حتى دخلت الجماعة طور المحنة مع عبد الناصر والتي غيبتها ما يقرب من عشرين عاما. وحينما خرج الإخوان من السجون في عهد السادات سارع الأستاذ صالح عشماوي بالعودة للجماعة وتسليم المجلة لهم، فصدرت باسم الإخوان في يوليو 1976م

فكان رئيس مجلس إدارتها الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام، ورئيس تحريرها الأستاذ صالح عشماوي، وظلت المجلة شوكة في حلق نظام السادات حيث هاجمت اتفاقية السلام ومعاهدة كامب ديفيد وفتنة الزاوية الحمراء وغيرها من القضايا الهامة التي عاشتها مصر، كما اهتمت بقضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين والغزو الروسي لأفغانستان.

فعمد نظام السادات على إسكاتها، وجاءت ذروة بداية المواجهة بين أنور السادات والإخوان المسلمين عندما اقتحم رجال الأمن من وزارة الداخلية مقر مجلة الدعوة بشارع التوفيقية بالقاهرة فى شهر رمضان عام 1401 والتى روت مجلة الدعوة تفاصيلها فى عدد سبتمبر 1981 والذى تمت مصادرته.

وحينما لم يجد النظام حيله رفض تجديد رخضتها بعد وفاة صاحبها الأستاذ صالح عشماوي وقرر أنهائها بوفاة صاحبها في يوم الاثنين 8 من ربيع الأول 1404هـ، الموافق 12 من ديسمبر 1983م، فطبقت الدولة قانون سلطة الصحافة وقامت بإغلاق المجلة (19)

مبارك على خطى بقية العسكر في مصادرة صحف الإخوان

لم يكن مبارك بعيد عن السياسة التي خطها العسكر منذ انقلابهم عام 1952م من كبت الحريات ومصادرة الكلمة، لكن كان واحدا منهم لا يرى إلا نفس السياسة التي يظنها تعزز مكانته وحكمه.

عبث مبارك مع كثير من الصحف المعارضة وعلى رأسها الإخوان حيث رفض التصريح للإخوان بإصدار أى صحيفة أو مجلة، مما دفع بالإخوان لشراء أو استئجار صحيفة أو مجلة ومنها مجلة لواء الإسلام.

مبارك ومجلة لواء الإسلام

بعد توقف مجلة الدعوة بوفاة صاحبها الأستاذ صالح عشماوي عام 1983م سعى الإخوان لاستصدار مجلة جديدة لكن نظام مبارك كانت متعنتا معهم في هذا الأمر.

لكنهم أصدر مجلة البشير بشكل غير دوري حيث صدر العدد الأول في جمادى الأخرة 1406هـ الموافق فبراير 1986م وكان صاحب امتيازها عمر التلمساني ورئيس تحريرها جابر رزق، وكانت المراسلات على مركز الإخوان بشارع التوفيقية، حيث أجرى فيها حوار مع الشيخ محمد الغزالي والشيخ مناع القطان (20)

في هذه الفترة لم يكن للإخوان صحيفة أو مجلة لكن صحيفة الشعب الناطقة باسم حزب العمل فتحت أبوابها أمام الإخوان للكتابة فيها والتعبير عن قضاياهم.

حتى استطاعوا استئجار مجلة لواء الإسلام من صاحبة امتيازها الأستاذ فاطمة أحمد حمزة، عام 1984م حيث تولى رئاسة تحريرها الأستاذ جابر رزق من عام 1984 حتى 1988م ثم الأستاذ بدر محمد بدر من الفترة 1988 – حتى منتصف 1989م، ثم تسلم رئاسة التحرير الأستاذ عبد المنعم جبارة منذ 1989 حتى عام 1991 حينما توقفت المجلة بسبب التضييق الأمني ومحاولة مبارك إسكات صوت المعارضة كما فعل مع صحيفة الشعب وغيرها (21)

صحيفة آفاق عربية وتسريح الصحفيين

كانت صحيفة آفاق عربية تصدر عن حزب الأحرار الإشتراكيين عام 1989م وكان رئيس مجلس إدراتها الأستاذ محمود عطية وقد استأجرها الإخوان منه لفترة لكنها واجهت عنت شديد من قبل الحكومة بسبب سياسة الصحيفة والرسالة التي كانت تقوم بها من توعية المجتمع.

وظلت الصحيفة كذلك حتى اختلقت الحكومة أزمة بين رئيس الحزب حلمي سالم والأستاذ محمود عطية على رئاسة مجلس إدراتها.

لكن كان واضحا أن الأزمة من اختلاق محمود عطية بعد ضغوط الحكومة عليه ووعود له لتخفيف النبرة الإخوانية في الصحيفة، غير أن الأمر لم يطل كثيرا حتى تم غلق المجلة وتسريح الصحفيين في مارس 2006م ورغم الوقفات التي قام بها الصحفيين إلا أن النظام ولا نقابة الصحفيين أنصفتهم (22)

الإخوان في صحيفة الشعب

كانت علاقة الإخوان بحزب العمل وأعضاءه في أفضل حالتها حيث أن الاثنين التقيا على العمل وفق التوجه الإسلامي.

تأسست صحيفة الشعب أوائل عام 1979م وكان الأستاذ حامد زيدان أول رئيس تحرير لها حتى أغسطس 1985م. ثم تولى بعده الراحل عادل حسين رئاسة التحرير فى الفترة من 1985 وحتى أوائل عام 1992 وخلال هذه الفترة تحول اتجاه الجريدة والحزب من الاشتراكية الى الإسلام السياسي، إذا أكد هذا التحول في مؤتمر الحزب الخامس 1989. الذي عقد تحت شعار (إصلاح شامل من منظور إسلامي).

وحينما تولى الأستاذ عادل حسين رئاسة تحرير جريدة الشعب فتح أبوابها أمام قادة الإخوان للكتابة فيها، بل وتم تعيين بعض صحفي الإخوان فيها حتى صارت الجريدة من أكثر الصحف قراءة عند الشعب، وتناولت قضايا فضحت النظام القائم، والذي لم يتحمل معارضتها.

احتضنت جريدة الشعب ومنذ صدورها العديد من كبار الكتاب والصحفيين مثل فتحي رضوان ومحمد عصفور و حلمي مراد ومصطفى مشهور وغيرهم ، مما ساهم في أن تصبح جريدة الشعب من أهم الصحف المعارضة ليس فقط على المستوي المحلي ولكن على المستوى العربي

حيث فجرت العديد من قضايا الفساد ، كما عرفت بانتقاداتها الحادة لسياسات الحكومة المصرية سواء في مرحلتها الأولى ذات التوجه الاشتراكي أو المرحلة الثانية ذات التوجه الإسلامي ، لاسيما في القضايا الوطنية والمطالبة بالإصلاحات السياسية، وقد وصل توزيع جريدة الشعب في فترة الثمانينيات لما يزيد عن 200 ألف نسخة.

لم يتحمل نظام مبارك معارضة صحيفة الشعب له، حيث بدأت الأزمة الفعلية لحزب العمل مع النظام بإعلان التوجه من الاشتراكية إلى الإسلام السياسي، وقد نتج عن تحالف الحزب مع الإخوان وحزب الأحرار إلى استقالة العديد من الرموز والقيادات الحزبية منها على سبيل المثال أبو الفضل الجيزاوي وممدوح قناوي وإبراهيم العزازي، ودخل الحزب فى صراعات داخلية (23)

تجميد الحزب وإغلاق صحيفة الشعب

كانت الحملة الصحفية التي نظمتها جريدة الشعب وحزب العمل على وزارة الثقافة المصرية بعد أن نشرت الأخيرة رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي السوري "حيدر حيدر" واتهمت خلالها الصحيفة وزير الثقافة المصري فاروق حسني صراحة بالسماح بسب الذات الإلهية، بمثابة القشة التى أغلقت الجريدة نهائيا.

حيث تسببت المقالة التى نشرتها الجريدة تحت عنوان "من يبايعنى على الموت" التى كتبها الدكتور محمد عباس بتاريخ 24 أبريل من عام 2000 ، فى تحريك مظاهرات عنيفة بالجامعات المصرية تصدت لها الدولة بعنف بالغ، و اتهمت وقتها الجريدة والحزب بإشعال "الفتنة الدينية" واستغلال مسألة "وليمة"، لإشاعة الفوضى في البلاد.

وأوعزت الحكومة لبعض المنشقين بالمطالبة رئاسة الحزب مما أوقع التناحر في حزب العمل، واستخدمت الحكومة هذه الورقة في إعلان لجنة الأحزاب المصرية عدم اعترافها بأي من المتنازعين على قيادة الحزب، ومن ثم تجميده وإغلاق صحيفته في 20 مايو 2000م (24)

السيسي جنرال مصادرة الحريات

لم تشهد مصر عنفا ولا إجراما من السلطة ولا كبتا للحريات ولا مصادرة الكلمة مثلما شهدتها الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وتولى السيسي زمام الحكم، حيث كان أول إجراء قام به أثناء أعلان بيان الانقلاب أن تم قطع جميع وسائل الإعلام المؤيدة للرئيس محمد مرسي ومنها قناة الناس والرحمة والحافظ ومصر 25، كما ألقت قوات الشرطة العسكرية القبض على اثنين من مذيعي قناة مصر 25 بينهم المذيع محمد جمال هلال ومدير المونتاج بالقناة وضيفين.

كما اقتحمت أجهزة الأمن المصرية وأغلقت مكاتب واستوديوهات قنوات "الجزيرة مباشر مصر"، "والجزيرة الإخبارية" و"الجزيرة الإنجليزية" وأوقفت أجهزة البث، واحتجزت أجهزة الأمن مدير قناة "الجزيرة مباشر مصر" ومدير مكتب "الجزيرة الإخبارية" بالقاهرة، مع عدد من العاملين، وأجبرت العاملين والضيوف في "الجزيرة مباشر مصر" على التوقف عن الكلام وإيقاف بث نقل صورة ميدان التحرير. كما انقطع بث "الجزيرة الإخبارية" و"الجزيرة مباشر مصر" على القمر الاصطناعي نايل سات (25)

صحيفة الحرية والعدالة في مرمى السيسي

شارك الإخوان في ثورة 25 يناير والتي وهبت الشعب شعاع من حرية الرأى، فكون الإخوان حزبهم السياسي تحت مسمى الحرية والعدالة في مايو 2011م، ومن ثم أصدروا صحيفة يومية لهم تحت نفس المسمى حيث صدر العدد الأول منها في 28 أكتوبر 2011م. وكان مقرها في الملك الصالح بالمنيل الروضة بالقاهرة.

وكانت الصحيفة تغطي الجريدة كافة الفعاليات السياسية والثقافية والرياضية والاجتماعية المصرية، إضافة إلى ما تشهده الساحة العربية والإسلامية والعالمية، ويرأس مجلس إدارة الجريدة محمد مرسي رئيس الحزب، ورئيس تحرير الجريدة عادل الأنصاري.

ظلت الصحيفة تؤدي دورها وناطقة باسم الجماعة والحزب بجانب الموقع الرسمي إخوان اون لاين، وقد تعرضت للتهديد فترة حكم الرئيس محمد مرسي من قبل المناوئين لحكم الرئيس ولم تدخل الدولة لحمايتها أو حماية صحفيها، وظلت كذلك حتى وقت الانقلاب العسكري وتم أغلاق الصحيفة.

حتى أغلقت السلطات المصرية الأربعاء الصحيفة وسيطرت على مقرها في القاهرة فجر الأربعاء 25 سبتمبر 2013م الموافق 19 ذو القعدة 1434هـ. (26)

وتستمر المهزلة في عهد السيسي

رغم تقفى النظام الحاكم المصري أثر بعضه البعض في التبعية والانصياع لإملاءات أصحاب القوة عليهم والعمل على ضرب كل صوت يكشف الحقائق غير أن هذا الأمر لم يقتصر على صحف المعارضة أو الإخوان، لكنه ديدن النظم الاستبدادية حتى مع الصحف الموالية لها إذا حادت عن الخط المرسوم لها أو خرجت عن السيناريو المتفق عليه.

وهو المعني الذي أوضحه رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي مصطفى الخضري بقوله: "تدخل السلطة السافر في الإعلام فهو شيء طبيعي في ظل نظام فاشي يسعى لسحق مواطنيه من دون أن يصدر عنهم صوت" (27)

ويشير الباحث القانوني بمؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد ناجي بقوله:

إن الأمر تخطى مرحل الرقابة إلى المصادرة. فالرقيب الذي يحكم الصحافة المصرية تدخل بمصادرة صحف مثل المصريون والدستور وصوت الأمة والصباح والبوابة، حيث تم وقف بعض هذه الصحف أو وقف طباعتها أو منع الطباعة أو جمعت بعد الطبع وتم فرمها. (28)

المراجع

  1. [قائمة الصحف العربية]
  2. [محمد مروان: كيف تؤثر الصحافة في المجتمع؟، 1 أبريل 2022]
  3. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد 27 – الخميس 23 شوال 1352هـ - 8 فبراير 1934م.
  4. مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة قضيتنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، طـ1، 2008م صـ 832.
  5. مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة المؤتمر السادس، صـ493.
  6. محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1999م.
  7. عبدالمنعم عبدالرؤوف: أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، الزهراء للاعلام العربي، القاهرة، 1988م.
  8. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، الجزء السادس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2008م، 305- 383.
  9. جمعة أمين عبد العزيز: المرجع السابق، صـ308.
  10. هشام عبد العزيز: صحف مصادرة في مصر حتى 1952م، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 2010م.
  11. جمعة أمين عبد العزيز: مرجع سابق، صـ341.
  12. جمعة أمين عبد العزيز: مرجع سابق، صـ341.
  13. الإخوان المسلمين اليومية: العدد 358، السنة الثانية، 13 شعبان 1366هـ، 2 يوليو 1946م، صـ 2- 3.
  14. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء الثامن.
  15. الإخوان المسلمين اليومية – العدد 166 – السنة الأولى – 25 ذي الحجة 1365هـ - 19 نوفمبر 1946م – صـ4
  16. [صحافة الإخوان المسلمين.. صفحة مشرقة في تاريخ الدعوة: 4 أكتوبر 2011] إخوان اونلاين،
  17. مجلة الإخوان المسلمين: العدد الأول والثاني عشر، 1954م.
  18. محمد فتحي شعير: وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين، الطبعة الأولى، دار المجتمع للنشر والتوزيع بالسعودية، 1985م ، صـ324.
  19. محمد فتحي شعير: مرجع سابق، صـ270- 320 بتصرف.
  20. مجلة البشير: العدد الأول، السنة الأولى، جمادى الأخرة 1406هـ - فبراير 1986م
  21. حسان عبدالله حسان متولى: دراسة تحليلية لقضايا التربية في مجلة لواء الإسلام، جامعة الزقازيق، فرع بنها، كلية التربية، 2001م.
  22. [احتجاجا على اغلاق صحيفة «آفاق عربية» صوت «الاخوان»: 16 أكتوبر 2006]
  23. [الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: إغلاق جريدة الشعب، تسعة أعوام من التعسف وإهدار أحكام القضاء، سبتمبر 2009]
  24. [شيماء عبدالهادي: تجميـد الأحــزاب.. عـرض مستمــر، 8 يناير 2006]
  25. [انقلاب 2013 في مصر] ويكيبيديا الموسوعة الحرة،
  26. [مصر: إغلاق مقر صحيفة الحرية والعدالة التابعة للإخوان المسلمين: 25 سبتمبر 2013] بي بي سي
  27. [دعاء عبد اللطيف: الصحف المصرية.. محنة وانتكاسة وصراع، 15 مايو 2015]
  28. [محمد العربي: بعد منع مقالات ومصادرة صحف.. تساؤلات عن الرقيب الخفي بمصر، 21 يونيو 2019]