أرغمت فاروق على التنازل عن العرش
ملحوظة هامة
يوجد بعد الاختصارات فى الكتاب عبارة عن أسماء شخصيات كانت على قيد الحياة ومازال بعضها على قيد الحياة وقد خشى المؤلف ان يذكر اسمها خشية التعرض للاضطهاد من قبل الأمن وقت تأليف الكتاب لكن الوضع اليوم قد تغير.
ولذا رأت إدارة موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) ترجمة هذه الرموز لمعرفة دور هذه الشخصيات .. والرموز وترجمتها هي :
- أ إ إ (أحمد إمام إبراهيم ... وهو من إخوان طنطا وكان واحد من النظام الخاص)
- م م ع ( محمد مهدي عاكف ... المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين وأحد الرعيل الأول للإخوان وقائد معسكر الفدائيين في حرب القنال عام 1951م)
- ع ن (علي نويتو ... واحد من الرعيل الأول للإخوان وقد حكم عليه بالإعدام بعد حادث المنشية ثم خفف الحكم للمؤبد)
- م و (مصطفي الورداني ... من قرية وردان شمال الجيزة بجوار إمبابة وأحد الرعيل الأول للإخوان)
- (ح.ع) (حلمي عبدالمجيد ... واحد من قيادات الإخوان المسلمين وكان له دور قوى في دعوة الإخوان وحتى الأن)
إهـداء
مقدمة
بقلم: الأستاذ أحمد عيد موجه اللغة العربية بالمعاش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الصلاة والسلام على اشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
فهذه المذكرات التى نقدمها اليوم إلى القراء والتى نفسح لها مكانا فى سجل التاريخ كل ما فيها حقائق ثابتة حرص صاحبها رحمه الله حرصا شديدا على تعميها بالوثائق والمستندات.
فمنذ بدأ فى تدوينها كان يجمع كل ما يدونه الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية فجاء كل ما فيها من وقائع وأحداث وتفاصيل مؤيدا بالدليل والبرهان.
وتعود قصتى مع هذه المذكرات إلى صيف عام 1979 حين طلب صاحبها أن نقوم معا بقراءتها ومراجعتها على ضوء ما أشرت إليه من وثائق كان يحتفظ بها وعلى ضوء ما نشر بعد ذلك حين امتد بنا هذا العمل إلى سنوات صدرت خلالها عدة مذكرات وكتب لأصحابها أمثال (اللواء محمد نجيب) (و السادات) (و البغدادي)(و صلاح شادى) (و حسين حمود) مع حفظ الألقاب لهؤلاء السادة جميعا.
وعكفنا على العمل نقرأ ونكتب ونمحص وكان يمتد الوقت بنا شهورا متواصلة ثم ينقطع أو يتوقف أحيانا حسب الظروف والأوضاع. فكان رحمه الله يمتلىء بالعزم والتصميم حين يشرع فى عمل ما على ما كان يعانى من أمراض حيث كان يحضر إلى منزلى فى الصباح الباكر ولا ينصرف إلا بعد صلاة العشاء.
وفى فترات كنا نجمع مل ما أعددناه وما كان بأيدينا أيضا من كتب ووثائق ثم نخفى ذلك كله عرضة للمساءلة والاعتقال فيما كان يمر بالبلاد من أحداث نضطر معها إلى هذا الإجراء .
وقد حكى لى المرحوم الفريق عبدالمنعم عبدالرؤوف كيف استطاع أن يحتفظ بكل هذه الوثائق والصحف والصور رغم ما مر به من ظروف الاعتقال والسجن والهرب والسفر إلى الخارج وهى فترات طويلة إلى أن أستقر به المقام أخيرا على أرض الوطن.
وحكى كذلك أن كثيرا من المذكرات والكتابات انتزعت من أصحابها ولم يستطيعوا الحصول عليها مرة ثانية حين كانت تفتش بيوتهم وهى لا شك كانت عزيزة عندهم ولمست أنه كان حريصا على مذكراته حتى لا تكون عرضة للضياع أو الإهمال.
وأذكر أنه عقب أحداث سبتمبر 1981 حضر إلى منزلى سريعا ومعه بعض الأشخاص وحملوا كل ما عندى مما يتصل بهذه المذكرات وذلك حين استشعر ما نحن قادمون عليه أو ما قد يحدث لنا حين تتابع الأحداث.
وحين هدأت الأحوال عاودنا الكتابة والمراجعة حتى أتممنا ما كان يريد وكان ذلك قبل وفاته بقليل .ثم أخذ يفكر: كيف تنشر هذه المذكرات؟ وهل الظروف الحالية مواتية؟ وهل تنشر بالداخل ؟ أم ترسل إلى دور النشر بالخارج ؟ وهل تصدر فى كتاب؟ أم إلى الصحف لنشرها فى حلقات؟.
ثم حدثت وفاته رحمه الله يوم الأربعاء 31 يوليو 1985 ولم تنشر مذكراته بعد.وقد كان لزاما أن تعود هذه المذكرات إلى ورثته فأعادها إليهم دار الطباعة والنشر الإسلامية ليكون لهم فيها حق التصرف من جديد.
ومنذ فنرة عادت المذكرات إلىّ مرة ثانية حيث حضرت بها منزلى زوجته وأولاده وطلبوا منى إعدادها كتابا للطبع.وما إن شرعت فى هذا العمل حتى جاءوا بكتابات ووثائق أخرى سلمت إليهم من أشخاص كان المرحوم قد أودعها لديهم وأحضروها لهم حين علموا بوفاته.
وكان لزاما علىّ أن أقرأ هذه الكتابات وأن أضعها مواضعها من تسلسل الأحداث فى ثنايا المذكرات.وكنت كلما سرت فى هذا لعمل وتقدمت فيه كتابات أخرى فأتوقف وأراجع وأضيف تلك الكتابات حتى أستغرق منى هذا العمل وقتا طويلا مع قلة الجهد وظروف المرض.
وتبين لى أن المرحوم الفريق عبد المنعم قد نسخ من مذكراته نسخا متعددة وأودعها عدة أماكن فى مصر وفى لبنان ثم تبين لى أن بعض النسخ بها زيادات كان يتذكرها أثناء النسخ.
وكان من الضرورى أن أقرأ جميع النسخ لأضع كل ما فيها فى هذه النسخة التى تقدمها اليوم إلى القراء الكرام أمانة للتاريخ ووديعة فى سجلاته الخالدة وليرى فيها المتسائلون عن عبد المنعم عبد الرؤوف من يكون؟
وقد شاءت إرادة الله أن يكون (عبدالمنعم عبدالرؤوف) هو كل شىء فى الإعداد والإنشاء وأن يكون القوة الدافعة لما قبل 23 يوليو من أحداث ولما وقعت قام فيها بأخطر دور على نحو ما سيرى القارىء فى هذه المذكرات.
وقد تعمد الخاطئون وراغبوا الزعامات والمزيفون للتاريخ ان ينسبوا أعماله لأنفسهم وذلك بعد أن أبعدوه عن الأنظار واطمأنوا أنه (خلف الشمس) بعيدا عن الناس وعن ذاكرة التاريخ.
وقد شاءت إرادة الله كذلك أن تنشر هذه المذكرات بعد وفاته ليطالع الناس ما فيها من بطولات خالدة وأعمال فريدة بعيدا عن ضوضاء الشهرة وأضواء التاريخ ليكون عبد المنعم عبد الرءوف جنديا مجهولا احتسبناه عند الله فى حياته وبعد مماته.
ويكون دورنا فقط مع هذه المذكرات أن نسجلها لتكون ومضات مشرقة يراها الناس على صفحات التاريخ الخالدة بعد أن غاب صاحبها فى التراب وذهب إلى ربه بعيدا عن دنيا الناس ليلقى عنده سبحانه أوفى الجزاء فتطيب نفسه وتقر عينه هناك إن شاء الله بما حرم منه فى دنياه الناس.
أهمية هذه المذكرات :
حين تكون هذه المذكرات بين أيدى القراء إن شاء الله سيعرفون مكانتها كما عرفت ويدركون أهميتها كما أدركت وقد لا حظت أمورا منها ما يلى:
- أن صاحبها قد تحرى الصدق والأمانة فيما ذكر فيها من وقائع وأحداث إنصافا للحق وأنه لم يسلك فيها طريق غيره ممن تعرضوا للكتابة عن هذه الفترة من التاريخ وأنه حاول فى حياته تصحيح بعض الوقائع وأرسل فى هذا لشأن عدة كتابات فلم يلتفت إليها حيث كانت الرغبة فى الزعامة وحيث كانت الأوضاع حينذاك تحول بينه وبين ما كان يريد.
- أن التنظيم الوحيد فى الجيش كان تنظيما إخوانيا قام به عبدالمنعم عبدالرؤوف حيث أنشأه عام 1942 بع أن انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وشكل أول خلية فيه من جمال عبدالناصر وآخرين وكان يسمى تنظيم (الضباط الإخوان) وأخذ هذا التنظيم يمتد ويتسع ليشمل أسلحة الجيش المتنوعة كما سيرى القارىء.وفى عام 1949 أطلق على هذا التنظيم اسم (الضباط الأحرار) وذلك بعد مصادرة الأجهزة الحاكمة حينذاك لأنشطة الإخوان المسلمين وبعد عودة الجيش المصري من حرب فلسطين وكان هذا التغيير لظروف وأسباب سيعرفها القارىء من خلال هذه المذكرات.
- أنه قد وقع خلاف بين صاحب المذكرات وبين جمال عبدالناصر وكان من أسباب هذا الخلاف أن الأخير بعد عودته من حرب فلسطين كان قد انتوى ان يحدث انقلابا لنظام الحكم فى مصر فكان يجمع حول التنظيم أشخاصا لا يرضى عنهم وعن أخلاقهم عبدالمنعم عبدالرؤوف كما كان يقوم ببعض الأعمال التى لا تتفق مع أهداف التنظيم بل وتعرضه للأخطار وتعرض أفراده للانكشاف والاعتقال ثم التحقيق والاستجواب.
- أنه حين وقع الإنقلاب فى يوليو عام 1952 كان لعبدالمنعم عبدالرؤوف الدور الرئيسى والأساسى فى هذا الإنقلاب حيث قام هو بمحاصرة قصر رأس التين وإسقاط عرش الملك فاروق وأن هذا العمل قد ادعاه لنفسه أفراد كذبوا على الله وكذبوا على الناس والتاريخ.
ولا أحب أن أمضى بعيدا فسيطالع القراء ما ذكرت وما لم أذكر فى هذا الموضوع.وقد يتساءل القارىء لهذه المقدمة ما علاقتى بما ذكرت؟ وما علاقتى بصاحب هذه المذكرات ؟
فأجيب بأنها مسئولية دفعنى إليها الوفاء لصاحب هذه المذكرات حيث ربطتنى به أحداث وظروف وفترات عشناها سويا كنا نعانى فيها الالآم وتداعينا خلالها أعظم الآمال.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقق ما كنا نصبوا إليه وأن يهدينا إلى الحق وإلى سواء السبيل إنه نعم المولى ونعم المجيب.
الفصل الأول : نشأتي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ولدت فى 16 من مايو 1914 بحى العباسية فى مدينة القاهرة من والدين تربطهما صلة القرابة ومن بلدة صفط الحرية بمحافظة البحيرة وكان والدى رحمه الله ضابط فى الجيش حارب ثورتى بالسودان؛
وكثيرا ما قصّ علىّ ما كان يحدث فى المعارك الحربية التى خاضها بجنوب السودان فى جوبا ودنقلة وبحر الغزال وواو ووادى مدنى وما عاناه فى هذ ه الحروب لدرجة أنه شرب وجنوده بول الدواب من شدة الظمأ أثناء المعارك حتى يتم لهم الحصول على موارد المياه؛
كما كانوا يلبسون حلالا من الجلد لا يظهر منها إلا عيونهم اتقاء لدغات البعوض التى تسبب الحمى بينما كان أنصار التعايش يقاتلون عرايا إلا من ستر العورة وبأيديهم حراب مسمومة لا تخطىء الهدف إلا نادرا ويهجمون ليلا ويخطفون نهارا من يضل الطريق.
وكان يشرح لى التكتيكات العسكرية وكيفية حماية العتاد والنفس والمؤونة أثناء الخطر فلكى تدافع أى قوة عن نفسها عليها أن تتشكل بأسرع ما يمكن على شكل هندسى (مربع أو دائرة أو مستطيل) حسب طبيعة الأرض بقدر الإمكان وتوضع الذخيرة والجرحى والتموينيات فى الوسط وحولها على مسافة منها يصطف المدافعون من الجنود على شكل ثلاثة خطوط فيكون الخط الأول من الداخل واقفا يطلق النار واقفا ويكون الخط الثانى مرتكزا أما الخط الثالث وهو الذى يكون فى الأمام أى أقرب ما يكون للخصم فيطلق النار راقدا .
المرحلة الدراسية
توفى والدى رحمه الله عام 1928 وهى نفس السنة التى حصلت فيها على شهادة الإبتدائية وقد وعدتنى امى قبل وفاته بأنها ستشترى لى دراجة إذا نجحت فلما نجحت وظهرت النتيجة أسرعت إلى أمى فأخبرتها بالنتيجة وطلبت منها الدراجة التى وعدتنى بها فربتت على كتفى وقد أدارت وجهها حتى لا أدرى دموعها تنهمر وقالت إن الذى كان سيدفع لك ثمن الدراجة قد مات.
فشدتنى هذه العبارة شدا إلى ضرورة التفكير فى مستقبلى وتذكرت قصة حياة أبى المليئة بالمتاعب وقوله لى قيادة لواء محارب لطردت الإنجليز من مصر وألغيت النظام الملكى!
مظاهرات ألهبت حماسى
وكان للمظاهرات العارمة والتى كانت تمر كل يوم أمام منزلنا بحى اليدة زينب وكذلك للأحداث التى اعتقل فيها خالى (فضلي عبد الحليم) حيث نفى إلى جزيرة سيشل مع الزعيم الراحل (سعد زغلول) أثر كبير فى إذكاء الروح الثورية العسكرية فى نفسى.
انتهت المرحلة الإبتدائية بعد أن رسبت فى السنتين الأولى والرابعة فقد أمضيت فى كل منهما سنتين وذلك بسبب عدم إشراف والدى على دراستى فهو وأقرانه الضباط كثيرو التنقل من وحدة عسكرية إلى وحدة عسكرية أخرى بين مصر والسودان وباقى المحافظات المصرية
وهذا التنقل يضيع من وقت التعليم الكثير وأذكر أننى التحقت فى المرحلة الإبتدائية بمدارس محمد على بحى السيدة زينب فى القاهرة ومدارس أخرى فى طنطا و أسيوط و قنا والأنفوشى بالإسكندرية وعلاوة على ذلك كثرت المظاهرات والاضطرابات ضد الحكومة والإنجليز للمطالبة بإعادة المنفيين من جزيرتى سيشل ومالطة, ومن الهتفات التى لا تزال ترن فى أذنى حتى الآن (الاستقلال التام أو الموت الزؤام) (نموت ويحيا سعد)
انتهت المرحلة الابتدائية وكان على أن أعد نفسى للمرحلة الثانوية بعدها مباشرة. ففى اوائل عام 1929 بدأت مرحلة التعليم الثانوى فالتحقت بمدرسة بنباقادن الثانوية التابعة للأوقاف الملكية وكان ناظرها يسمى الأستاذ "محمد على" رحمه الله وكان يتعرض فيها التلاميذ لأساليب تربوية منفرة كالجلد بعصا خيرزان على الأقدام وهى عارية والضرب بالمسطرة على ظهر الأيدي وفى بعض الحالات عندما يرتكب التلميذ جريمة الغش أو الهرب من المدرسة كان يضرب علنا أمام أقرانه .
كان صراخه وعويله يفتت الأكباد. وكان لا يسمح للطالب بأن يشترك فى المظاهرات, ولا يكون له صلة بالعمل الوطنى كما كان يعمل بالمدرسة بعض المدرسين الإنجليز وكان لأقل واحد منهم ميزات تفوق سلطات ناظر المدرسة ماديا وأدبيا.
وبعد ثلاثة شهور دراسية فى هذه المدرسة حدث نقاش بينى كلاعب كرة وبين مدرس اللغة الإنجليزية كملاكم تحول إلى تبادل اللكمات والمقصات والروسيات وتم فصلى من المدرسة وتذكرت قول أمى رحمها الله أن أعتمد على نفسى فبدأت استذكار دورسى وحدى فى الشهور الباقية من العام الدراس والعطلة الصيفية.
وفى عام 1930 دخلت امتحان الدور الثانى ونجحت وقبلت فى السنة الثانية الثانويى بمدرسة السعيدية بالجيزة وكانت تعتبر مدرسة خاصة لأبناء الذوات وفى هذه الفترة من عامى 1930 – 1931م كانت المظاهرات التى آثارها حزب الوفد المصرى ضد وزارة المرحوم إسماعيل صدقي على أشدها؛
وقام طلبة السعيدية بمظاهرة ضخمة وتصدت لها الشرطة والتحم الطلبة بالشرطة فسلطوا عليهم خراطيم المياة المخصصة للحريق ورموهم بالحجارة ووضعوا فروع الأشجار على الأبواب والمداخل التى توصل إلى داخل المدرسة وتمكنوا بذلك من منع الشرطة من الدخول وبعد فترة من الوقت عاد الهدوء وعدت إلى الفصل وما إن دخلت حتى استقبلني الطلاب بالهتاف, فحضر وكيل المدرسة ليستطلع المر, فقال له المدرس الموجود فى الفصل:إن السبب فى هذه الضجة هو دخول الطالب عبد المنعم عبد الرؤوف فى هذه الآونة.
وكان هذا الحادث سببا فى طردى من مدرسة السعيدية ولما خرجت من المدرسة إلى الشارع وجدت مجموعات من الطلبة على جانبى الطريق ومجموعات أخرى ماضية فى السير فوقفت برهة لأفكر فيما وصل إليه حالى ووجدت نفسى قد انضممت إلى مجموعة من الشباب الوطنى الساخط على الإستعمار الإنجليزى وعلى حكومة صدقى وعلى الملك فؤاد, وبعد فترة فكرنا فى الدخول إلى المدرسة فمنعنا ضابط المدرسة .
الجمعيات السرية
وتعرفت وأنا فى الطريق إلى منزلى على الطالب محمد أبو المجد التوني وكان والده يدعى مصطفى التوني عمدة قرية إتليدم مركز " أبو قاص" محافظة المنيا حالي وهو شقيق الأستاذ محمد شوكت التوني المحامى فدعانى إلى منزله بالجيزة الواقع على الطريق الزراعى المتجه إلى الصعيد فذهبت معه..
وأخذنا نتحدث عن الوضع السياسى فى البلاد وإصرار صدقى باشا على توقيع المعاهدة مع الإنجليز وكان الشعور العام ساخطا على هذه المعاهدة وتطرق بنا الحديث إلى تكوين جمعية سرية لأرهاب الإنجليز وإسقاط وزارة صدقى وأخذنا نردد أسماء متعددة للجمعية وأخيرا استقر رأينا على تسميتها (جمعية اليد الخفية)
توزيع المهام على الأعضاء:
وفى عام 1932 التحقت بمدرسة الإسماعيلية وحصلت على شهادة البكالوريا وتعددت الزيارات بينى وبين (أبو المجد التونى) وعرف كل منا الكثير عن حياة الآخر وأسرته.
وبدأنا تنظيم وتوزيع التخصصات على أعضاء (جمعية اليد الخفية) وكان كالآتى:
- التمويل: مصطفى التوني عمدة إتليدم.
- الدراسات السياسية وتوجيه الضربة المناسبة: محمد شوكت التوني المحامى وشقيقه محمود التوني القاضى فيما بعد.
- شراء البارود والفتيل والمواسير: محمد مرسال وشهرته أبو الغيط وعبد الكريم هلال وهما سائقان تربيا فى بيت التونى.
- وضع القنابل فى المكان المتفق عليه: محمد أبو المجد التوني خريج كلية الزراعة وتاجر فيما بعد.
- مسئولية مراقبة القنابل ثم تفجيرها: عبدالمنعم عبدالرؤوف.
نشاط الجمعية:
- وعلى هذا النحو بدأت الجمعية نشاطها وفجرت عدة قنابل منها:
- الأولى فى دار المندوب السامى البريطاني بجاردن سيتى بتاريخ 16/12/ 1932 (عدد المصور رقم 427) وأعقبها قنبلة أخرى فى المدرسة الإنجليزية على شاطىء النيل قرب كوبرى الملك الصالح والقنبلة الثالثة تحت أقواس النصر التى أقامتها الحكومة بمناسبة افتتاح الملك فؤاد لكلية الهندسة بالجيزة والقنبلة الرابعة بجوار قصر محمد على بالمنيل.
- وكان وضع تفجير هذه القنابل يتم فى أوقات متفاوتة وقد انفجر بعض من هذه القنابل ولم يتم انفجار الباقى لشدة الحراسة وخاصة بعد نجاح تفجير قنبلة دار المندوب السامى البريطانى
حيلة ناجحة :
- ورصدت الحكومة مكافأة مالية قدرها ثلاثة آلاف جنيه مصرى لمن يدلى بمعلومات عن الفاعلين وفى أحد الأيام زارنى محمد أبو المجد التوني وأبلغنى أنه مطلوب لشرطة الجيزة لأخذ بصمات أصابعه ويخشى أن تكون إحدى القنابل التى وجدت ولم تنفجر قد وجد عليها بصمات أصابعه
- وقال لى:إن شقيقه الأكبر الأستاذ محمد شوكت التوني المحامى سيرسل شقيقه محمود إلى الشرطة على أنه هو محمد على ان أذهب أنا عبد المنعم مع محمد أبو المجد إلى بلدتهم إتليدم للإختفاء هناك وإذا اكتشفت الحيلة فسيكون هناك تصرف آخر ولكن الحيلة نجحت وأخذت بصمات محمود على أنه محمد أبو المجد وعدت أنا ومحمد إلى القاهرة.
كيفية تجهيز القنابل:
- كنت أنا ومحمد أبو المجد نجتمع فى بدروم (سلامليك) بيت التونى بالجيزة لتجهيز القنبلة وكانت عبارة عن ماسورة مصنوعة من حديد الزهر قطرها خمسة سنتميرات وطولها خمسين سنتميترا نسد إحدى فتحتيها بالأسمنت ثم نملؤها من الفتحة الثانية بخليط البارود وقطع الزجاج الصغير والرش الذى يستخدم فى صيد الطيور ثم نغلق هذه الفتحة بقطع من القماش مفتوحة من الوسط يتدلى منها فتيل بطىء الاشتعال, وبهذا يكون جاهزو للتفجير إذا أشعلنا الفتيل
ذكريات غالية:
- وفى إحدى زياراتي للأستاذ محمد شوكت المحامى فى عام 1975 فى مكتبه أى بعد انقضاء ثلاث وأربعين سنة على حوادث التفجير لتلك القنابل أبلغنى أنه استطاع أن يطلع على ملف القضية بمساعدة صديقه وزير العدل (لم يذكر اسمه) وتم له سحب الجزء الخاص ببصمات شقيقه محمود التوني الذى مثل دور شقيقه محمد.
وقد ورد فى كتاب (محاكمات الدجوي) لمؤلفه الأستاذ محمد شوكت التوني المحامى ذكر موجز لحوادث هذه القنابل فى صفحتى 156, 157 وفيها النص الآتى:
- (... فحيوا معى ومع التاريخ محمد أبو المجد التوني ومحمود التوني واللواء طيار عبدالمنعم عبدالرؤوف وسائق السيارة محمد سعيد مرسال الشهير بأبى الغيط وسائق السيارة عبد الكريم هلال).
تحذير ونصيحة لمندوبى الطلاب:
- وفى المدرسة الإسماعيلية انتدبت لحضور اجتماع بمقر جريدة الجهاد. التى كان صاحبها الوفدى الكبير المرحوم توفيق دياب وكانت البلاد فى حالة اضطرابات ومظاهرات ضد حكومة إسماعيل صدقي باشا وعند وصولى مع بعض المندوبين عن المدارس الأخرى إلى مقر الاجتماع حاول أحد الجنود نصحنا بالعودة وعدم الدخول لأن الإجتماع كان مراقبا وسوف تحدث (كبسة) من الشرطة.
- ولكننا لم نأبه لنصيحته وبعد دخولنا اقتحمت الشرطة المبنى وبدأت عملية القبض على الموجودين من الطلبة وفى لحظات الهرج والمرج أسرعت إلى إحدى الغرف الخالية بالدار فوجدت بها بعض الدواليب والمكاتب؛
- ففتحت أحد الدراج فوجدت بعض الجرائد والمجلات الأجنبية فأخرجتها وأخذت أتصفحها وحاولت التمثيل لدور المترجم ودخل أحد الضباط الشرطة وأخذ يحوم حولى ويقلب فى الجرائد وينظر إلىّ ثم فتح أدراج المكتب وانصرف بعد ذلك وبعد أن انسحبت الشرطة بحوالى ساعة تقريبا خرجت من الدار.
أطعمة للمقبوض عليهم:
- وذهبت من فورى إلى قسم شرطة السيدة زينب فوجدت الطلبة المقبوض عليهم يصرخون من الجوع فأسرعت إلى منزلنا القريب من قسم الشرطة وتكلمت مع والدتى رحمها الله عن حجز الطلبة الجائعين فجمعت كل ما فى بيتنا من خبز وجبن وناولتني إياه فعدت به سريعا إلى قسم الشرطة وأعطيته لأحد المحامين من حزب الوفد وكان قد أرسل للدفاع عن الطلبة والإفراج عنهم.
وكنت أنا الوحيد الذى لم يقبض عليه ! الأمر الذى جعل بعض الطلبة يساورهم الشك فى أمرى ولم أجد من يدافع عنى سوى صديق الصبا حسن فتحي عطية الذى كان محل ثقة الجميعة والذى شرح للطلبة ما فعلته حتى أفلت من قبضة الشرطة وهم يعمل الآن مدير للإدارة المالية بإستاد القاهرة بمدينة نصر وكان من زعماء الطلبة الوفديين المعدودين ومن ذوى الأخلاق العالية.
الفصل الثــانى : فى المدرسة الحربية
وفى عام 1935 حصلت على شهادة البكالوريا وما إن قرأت إعلانا نشر فى الجرائد عن حاجة المدرسة الحربية الملكية الى طلاب جدد حتى سارعت بتقديم أوراقى راجيا الله سبحانه وتعالى ان يحقق ما كان يرجوه أبى لى.
وكانت سنى تزيد على سن طلبة الكلية الحربية ولكنه مناسب للإلتحاق بدفعة طلبة حفر السواحل فكنت ضمن أحد عشر طالبا التحقوا بكلية الحربية على قوة خفر السواحل .
وبدأت الحاية بالكلية قاسية شديدة أو ما يسمونه بالضبط والربط, ورسبت فى السنة الأولى لأن معركة حامية الوطيس نشبت داخل نفسى بين حياتين: حياة طالب يقول رأيه بصراحة ويناقش آراء الآخرين وحياى طالب ينفذ كل ما يطلب منه دون تردد.
الانتقال إلى مدرسة الطيران
وقد أنقذنى من هذا الموقف ان صدر إعلان للمدرسة الحربية عن الراغبين فى الالتحاق بمدرسة الطيران العالى بألماظة وكنت مازلت راسبا فى السنة الأولى وتقدم عدد كبير من طلبة الكلية الحربية وخفر السواحل للكشف الطبى ولم ينجح إلا ثلاثة من دفعتى خفر السواحل رغم كبر سنهم وكنت أحدهم
والإثنان الآخران هما الطالبان محمد سعيد الشال و جمال صبري الذى توفى أثناء تعلمه الطيران وقد أدى نجاحنا نحن الثلاثة فى امتحان القبول فى مدرسة الطيران وتفوقنا فى الألعاب الرياضية إلى تقدير مدير وأساتذة الكلية لنا وأصبحنا نقف دائما فى أول الطابور بعد أن كنا نقف فى آخره مع طلبة خفر السواحل مما رفع من معنوياتنا.
نشاط وحيوية
وقد أثبت خلال دراستى فى المدرسة الحربية جدارة عالية فى النشاط الرياضى حيث كنت أجيد ألعاب كرة القدم والملاكمة والعدو ورمى القرص والرمح وسباق الفرسان كان يلقبنى بالسد وذلك بسبب استحالة تمكن أى لاعب فى الوصول إلأى مرمانا من جهتى, وظل هذا اللقب (الأسد) يلازمني بين زملائى الضباط حتى بعد انقلاب 1952 وكان يكتفى مدرب الكرة بكتابة اسم الأسد دون ذكر اسمي الأصلي على لوحة الإعلانات.
وكانت إدارة المدرسة الحربية تخصص للرياضيين المتفوقين درجات تضاف إلى مجموعهم الكلى فى العلوم العسكرية الأخرى, تؤهلهم بالفوز والأقدمية على غير الرياضيين.
مقالات فيها خطورة: وفى سنة 1937 كان قد صدر عفو عام عن كل من ارتكب اى جريمة سياسية قبل معاهدة 1936 فبدا الأستاذ محمد شوكت التوني المحامى فى كتابة مذكرات (جمعية اليد الخفية) ونشر ها فى مجلة كل شىء الأسبوعية.
تحت عنوان: كيف كنا نصنع القنابل؟ ونشر صورتى على إحدى صفحات المجلة ولكنه ثبت على عينى شريطا أسود حتى لا يتبين للقارىء شكلى بالضبط ولكنه أشار قائلا: وهو الآن طالب فى الكلية الحربية.فكان لهذا التصرف وقع سيىء على نفسى كطالب بالمدرسة الحربية واعتبرته تسرعا منه فى اختيار الوقت المناسب.
ولأسباب لا اعرفها حتى الآن لم يستكمل نشر المذكرات, وايضا لم يكن لما نشر أى أثر فلم يستدع الجيش أو الشرطة أحدا ممن جاء ذكرهم وربما كان ذلك بسبب قرار العفو العام بعد معاهدة 1936.
التخرج والزواج
وفى فبراير عام 1938 تخرجت فى مدرسة الطيران العالى وبدأت عملى كطيار فى محطة الدخيلة الجوية القريبة من ثغر الإسكندرية وكان كل اهتمامى أن أمتاز كطيار.
وتزوجت فى أغسطس 1938 كما حصلت على أول مرتب لى فذهبت من فورى إلى أمى لزيارتها ففتحا ففتحت سترتى وأخذت جزءا من مرتبى قائلة: إنها ستوزعه على الفقراء وكان من عادتها رحمها أن تفعل ذلك فى كل مناسبة دينية.
وبدأت الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر 1939وتعرفت على كثير من الطيارين الشبان وكنا نتحادث كثيرا عن الحرب الدائرة والاستعمار البريطانى وتبلور هذا فى أذهاننا على شكل السؤال التالى:
لماذا لا ننتهز فرصة نشوب الحرب ونعمل على طرد الإنجليز من بلادنا؟ فإذا هزمناهم يكون موقفنا قد أصبح مشرفا أمام العالم وتحقق أملا وواجبا وطنيا كبيرا وفى نفس الوقت نقف بالمرصاد موقف المفاوض ضد الغزاة
وفوجئت بتعيينى مع ضباط إنجليز فى غرفة العمليات الجوية والتى كانت تخت الأرض فى الإسكندرية وهى معدة لتحديد اتجاه الغارات على أنحاد أرض مصر وكنا نلتقط الإشارات التليفونية واللاسكلية من نقاط الحدود المصرية المنتشرة على حدود (مصر و ليبيا) وساحل البحر الأبيض المتوسط لنبلغها بدورنا سلكيا ولاسلكيا إلى المدفعية المضادة للطائرات وللمطارات.
عوامل وطنية
أحسست وأنا فى هذه الغرفة بضيق نفسى شديد. لأنى كنت أنفذ أوامر الضابط الإنجليزى المستعمر وأعمل على حماية الإنجليز فى بلدى فقررت ألا أتعاون مع قائد غرفة العمليات الإنجليزى فشكانى إلى قائدى فى القوات الجوية المصرية الذى نقلنى بدوره إلى القاهرة.
وفى القاهرة ألحقت بالعمل فى محطة ألماظة الجوية ومن أول يوم التقيت فيه مع زملائى الطيارين وجدت تذمرا منهم ضد البعثة الإنجليزية وليدة معاهدة 1936 والإستعمار الإنجليزى.
لقاء وبداية
وفى أوائل عام 1940 بينما كنت أسير فى شارع مراسينا بحى السيدة زينب (عبد المجيد اللبان الآن) التقيت بالملازم ثانى محمد أنور السادات وتصافحنا وتعانقنا وهو من دفعنى فى المدرسة الحربية وكان من دعتنا أيضا الشهيد الفريق أركان حرب محمد عبد المنعم رياض؛
وعضو مجلس قيادة الثورة فيما بعد البكاباشى أركان حرب (مقدم) زكريا محيي الدين أما زملائي الذين تخرجوا قبلى لأنى رسبت فى السنة الولى الفريق أركان حرب محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى لرئيس الجمهورية عام 1973 والمرحوم الأستاذ يوسف السباعي وزير الثقافة والإعلام عام 1973 الذى اغتيل فى مؤتمر الوحدة الإفريقية الآسيوية فى قبرص.
ودعوت محمد أنور السادات إلى منزل أمى وهو على بعد خطوات وهناك تناول الحديث عدة موضوعات منها:من كان وراء إخراج الفريق عزيز المصري رئيس هيئة أركان حرب الجيش؟!! وهل يوجد من سد هذا الفراغ فى الجيش حاليا؟ ومن هو؟
خرجنا من هذا الحوار بأن السبب فى ذلك هو تسلط وسيطرة البعثة البريطانية والتى تعمل وتحرص على أن يظل الجيش المصرى ضعيفا حتى لا يفلت من قبضتم.
وتكررت اللقاءات مع الملازم ثاني محمد أنور السادات فى بيتى بجوار سينما الهلال بالسيدة زينب بعمارة رأفت على ناصية شارع الخليج المصرى بشارع محمد قدرى باشا وصاحبه فى إحدى هذه الزيارات اليوزباشى أركان حرب (نقيب) محمد رشاد مهنا على العرش بعد انقلاب 1952
وهو أول دفعته فى الكلية الحربية وخريج كلية ساند هجرست بانجلترا ومن الشخصيات المرموقة فى سلاح المدفعية المصرى وهو رئيس مجلس إدارة نادى ضباط الجيش قبل الانقلاب فى يناير 1952 وقد أودع الاعتقال مرتين فى 23/ 7/ 1965 وأفرج عنه فى 23/ 1/1967 وهو المتهم الأول فى قضية المنشورات عام 1946 ضد الفريق إبراهيم عطا الله.
طريق الكفاح
وفى أحد الأيام دعانى الملازم أول محمد أنور السادات لزيارة الفريق اركان حرب عزيز المصري الذى عينه المرحوم محمد محمود باشا رئيس الوزراء عام 1929 مديرا لمدرسة البوليس الملكية وتقلد بعد ذلك منصب رئيس هيئة أركان حرب الجيش عام 1939.
وفى إحدى الزيارات للفريق عزيز المصري قال لنا:
- إن المرحوم الملك فؤاد كان قد عينه رائدا لابنه الأمير فاروق وحاول أن يجعل منه حاكما عادلا أمينا محبوبا من الشعب ولكن للأسف الشديد كان الإنجليز يحيطونه بالبطانات العفنة ليسوء سلوكه وينحرف عن الطريق السوى
- وذلك بإغراقه فى الملذات من نساء إنجليزيات وخمر وكان ممن شاركوا فى هذا الانحراف عمر فتحي باشا و أحمد حسنين باشا و مستر بوللى وكلهم من رجال الحاشية.
ذكريات واعية
لم يزد عدد الضباط الذين رايتهم عند الفريق عزيز المصري على بضعة ضباط أذكر منهم:ملازم أول محمد أنور السادات وملازم أول محمد وجيه خليل والطيارين الأوائل حسن عزت و حسن إبراهيم.
ومما رواه لنا فرادى ومجتمعين أنه كان ضابطا فى الجيش التركى وحارب فى جبهة البلقان كما حارب فى الجبهة الغربية وكان يخصص بغلا ليحمل عليه ما لا يقل عن أربعمائة كتاب فى مختلف اللغات والدراسات وأنه يجب ان يتوافر فى الشباب الصدق والأمانة والجرأة والذكاء والقوة البدنية؛
وأن يختار الزوجة المتعلمة الذكية وكان يحذرنا من الخونة سواء كانوا سياسيين أو عسكريين وأن الإنجليز أفسدوا جزءا من أجهزة الشرطة وجعلوه يعمل بأوامر لحماية مخططهم الاستعمار وتنفيذ السياسات الخاصة بضرب الحركات الوطنية والمناهضة للمللك والاستعمار بدلا من أن تقوم بواجبها الأمني ومطاردة الانحرافات الخلقية ثم قال: لقد عانيت الكثير من ضابط المباحث فكانوا يراقبون تليفونى ويتنصتون على محادثاتي ويراقبون بيتى ويفتشونه من حين لآخر.
وفى إحدى المرات التى فتشوا فيها بيتى وبعد أن غادرت الشرطة منزلى وجدت أن مذكراتى التى أعددتها عن تاريخ حياتى ودراساتي فى ألمانيا ومشاهداتى فى أنحاء العالم,ومذكراتى فى الجمعيات السرية مثل جمعية العهد وجمعية الإصلاح والترقي واشتراكي فى حرب البلقان قد سرقت.
وقال: إنه صاحب فكرة تحويل سيارة مدرعة فى الجيش المصري إلى قوة نيران بأن تدافع وتهاجم وتنسحب وذلك كله بأن ركّب عليها رشاشا فوق أسطوانة دائرية بحيث يستطيع الجندى الذى يستخدم الرشاش أن يطلق نيرانه فى دائرة 360 درجة ضد الطائرات وضد الأرض وقد تم الاستعانة بعمال ورش الصيانة لأعداد هذه السيارة وبذلك ثبت أن الصانع المصرى يستطيع أن يطور الأسلحة بدلا من شراء أسلحة بريطانية بمبالغ باهظة.
دروس وثقة غالية
كان اهتمامي بتاريخ عزيز المصري وكثرة زياراتي له وضبط مواعيدى معه كفيلة بأن تجعلنى محل ثقته, الأمر أذى جعله يختار لى اسما حركيا غير اسمي الحقيقي للتعاون معه وهو اسم (نبيل) ولما كثر استعمال هذه الاسم استخدمت صناعة السباكة والحلاقة والتجارة لتحديد موعد اللقاء.
وكان يشدد علينا بعدم ترك بصمات على القنابل والأسلحة بارتداء قفاز (جوانتى) وضرورة إتقان التمويه من حيث الشكل والزى مع إضافة بعض الأشياء المستعارة كالشارب واللحية حسب ظروف كل مناسبة وكل موقف كذا استخدام قطع اللحم المغموسة بالفلفل وبعض التوابل لاستعمالها ضد كلاب الأثر لإضعاف حاسة الشم عندها وجعلها تسعل وتتعثر فى المتبعة ووضع قطع من القماش لإخفاء آثار الأقدام عند التسلل لاغتيال الخونة أعداء الوطن .
نتيجة لهذه التصفيات الشاذة ضد أرفع رتبة فى الجيش وأعظمها حنكة حربية, قرر الفريق أركان حرب عزيز المصري الرحيل إلى خارج البلاد فقدم طلبا باستخراج جواز سفر فقوبل بالرفض, وتوجه مستفسرا لرئيس الوزراء (حسين سري) شاكيا فلم يعبأ به وأحس بعيون التحرى والمخابرات تراقبه أينما ذهب مما زاد غضبه ضد بريطانيا والحكم المصرى القائم وقتئذ.
وكنا نحن أحباءه ومرءوسيه نزداد غضبا فوق غضبه, وعشنا معه فى محنته.
إرادة وتصميم
فكر فى الهرب وفكرنا معه بعزيمة الشباب فى أن نساعده دون كلل فتصل بالألمان بطريقته الخاصة ونفذنا ما أمرنا به خطوة بعد الأخرى.
طلب منا استكشاف جبل رزة والطريق إليه وهما يقعان غرب فرع رشيد بالقرب من بلدة الخطاطبة فذهبت أنا وأنور السادات فى سيارة قادها أنور لاستكشاف الطريق وسرنا فى طريق مصر الصحراوى حوالى خمسين كيلوا مترا ثم انحرفنا جهة الغرب داخل الصحراء ولم نكد نسير بضعة أمتار حتى اكتشفنا أن الطريق غير صالح لسير السيارة وأن أى تقدم فى هذا الإتجاه سينتهى بغوص عجلات السيارة فى الرمال مما يجعل عودتنا إلى القاهرة أمرا مستحيلا.
فقمنا بدفع السيارة للخلف مستخدمين مجهودا بدنيا كبيرا وآثرنا العودة. وكان ذلك فى أبريل عام 1941.نقل أنور السادات إلى مكان للخدمة خارج القاهرة ولكنه تمارض واستبقى نفسه فيها بضعة أيام ونحن على اتصال دائم بعزيز المصري بأسماء ومواعيد سرية؛
وقال لى أنور السادات: لابد من عمل ما يمكن عمله لإخراج عزيز المصرى من مصر وحدد لى عزيز المصري اليوم والساعة التى ستحلق فيها الطائرة الألمانية فوق جبل رزه لالتقاطه وأخذت أفكر بعمق كى أصل إلى حل سريع واهتديت إلى حل, فاتصلت بصديق الكفاح فى مرحلة الدراسة الثانوية.
والذى سبق الحديث عنه وهو أخى وصديقى محمد أبو المجد التوني شريكى فى تفجير قنابل (جمعية اليد الخفية) الذى أعد بدوره سيارة كبيرة ذات إطارات متخصصة فى عبور الأراضى التى بها عمق رملى وذهبت إلى صديق عرفته من خلال لدراسة بالمدارس الحربية يمتاز بالجرأة والشجاعة وهو الملازم ثانى أحمد مظهر من سلاح الفرسان واجتياز الحواجز ونال كثيرا من الجوائز علاوة على أنه سباحا وملاكما فقصصت عليه الأمر وأخذته إلى عزيز المصري وعرفتهما ببعضهما واستمع إلى رغبته فتجاوب معنا بحماس واتفقنا على أن يقود احمد مظهر السيارة.
وفى هذا اليوم المحدد تسلمنا السيارة من أبى المجد دون أن يرى أحمد مظهر وأبو المجد كليهما وكان أحمد مظهر قد تعين فى نفس اليوم مراقبا فى امتحانا ت الكلية العسكرية فذهبت أنا إلى رئيس اللجنة وقلت له: إن إحدى قريبات أحمد مظهر قد توفيت فسمح له بالانصراف واصطحبته إلى حيث ينتظرنا عزيز المصري فى المكان المتفق عليه؛
وركبنا ثلاثتنا سيارة النقل ثم اتجهنا إلى طريق مصر إسكندرية الصحراوى ما إن أخذنا فى السير فى هذه الطريق مسافة أقل من مسافة الأولى حتى فوجئنا بوجود نقطة حدود هجانة منعتنا من الاستمرار فى مواصلة السير بالرغم من الكشف عن شخصيتنا العسكرية وطلبت منا تصريحا من مصلحة الحدود الأمر الذى اضطررنا معه للعودة وسرعة التفكير فى وسيلة أخرى.
محاولات نحو الهــدف
وبعدها قال لى عزيز المصري كلاما ينوه فيه باستعمال طائرة فقلت له:
- إن الطائرات التى فى سربى صغيرة ولا تستطيع الطيران إلا لمسافات قصيرة وتحمل اثنين فقط والواحد خلف الآخر ثم فكرت فى جس نبض الطيار أول حسين ذو الفقار صبري أحد طيارى سرب المواصلات والطيارات ماركة (أنسون)
- حيث تستطيع طائرات هذا السرب الاستمرار فى الجو أربع ساعات وهى حاملة مائة طن وتناقشت معه فى موضعات كثيرة ومنها زيارة عزيز المصري وتم اللقاء وخرج من الزيارة مهتما بضرورة مساعدة عزيز المصري للسفر للخارج .
التنفيـذ :
- وفى يوم الخميس 16 من مايو 1941 حضر حسين ذو الفقار بعربة ضابط عظيم المطار وأخذنى من مكان قريب من منزلى واتجهنا إلى مكان قريب من فندق فينيواز وأخذنا عزيز المصري ودخل ثلاثتنا المطار موزعين واجباتنا كالآتى:
- يقوم حسين ذو الفقار بإخراج الطائرة إلى مكان التحليق بمساعدة ميكانيكى الطائرة واختبارها وعليه بعد ذلك إعطاء إشارة لركوب عزيز المصري وأمتعته وفى تلك الأثناء كان يوجد بقاعدة ألماظة بعض صف الضباط من أفراد البعثة البريطانيى
- وتركنا أمر التصرف فيهم لحسين ذو الفقار إذا حدث أن تدخلوا فى الأمر فعلى حسين ذو الفقار إعطاء إشارة للتصدى لهم حتى ولو أدى الأمر إلى قتالهم.وتم والحمد لله كل شىء بسلام.
أحداث لم تكن فى الحسبان
وعندما ارتفعت الطائرة اسر حسين ذو الفقار فى أذنى بأن عزيز المصري طلب منه أن يتجه إلى جبل رزة وليس إلى بيروت التى سبق ان طلب منه دراسة الطريق لها على الخريطة ومنها على العراق لينضم الى حركة (رشيد عالي الكيلاني) ضد الإنجليز
وبعد حوالى عشر دقائق سمعنا صوت انفجارات وتلاها مباشرة اندلاع النيران فى احد الجناحين فأسرعت بتقديم مظلة الهبوط إلى عزيز المصري للقفز بها من الطائرة ولكنه أخذها وألقاها بعصبية على أرض الطائرة فتركته وجلست بسرعة بجوار حسين أراقب محاولة النزول مستعينين بضوء القمر وهبطنا فوق بستان يوسفى مغمور بالمياه فساعد ذلك على إطفاء النيران؛
وخففت الأشجار من حدة الارتطام بالأرض ولما حاولنا الخروج من الطائرة وجدنا أنه من الصعب فتح بابها فكسرنا النوافذ وغصنا فى الوحال والمياة حتى منتصف السيقان إلى أن وصلنا إلى الطريق الزراعى وعرفنا من بعض الفلاحين الطريق إلى مركز الشرطة اسم المأمور الذى أعار عزيز المصري سيارة أوصلتنا من قليوب إلى ميدان الأوبرا ومنه ركبنا تاكسى إلى إمبابة حيث كان عزيز المصري يعرف أحد المثالين وهو الأستاذ عبد القادر رزق وكان مدرسا بمدرسة الفنون الجميلة واستضافنا عنده وكانت شقيقته تقوم على خدمتنا.
وبعد مرور يومين أعلن عن مكافأة قدرها ألفا جنيه لمن يرشد عن ثلاثة من الضباط الهاربين وهم الفريق أركان حرب المتقاعد عزيز المصري باشا والطيار أول حسين ذو الفقار والطيار أول عبد المنعم عبد الرؤوف
وقيل: إننا كنا فى طريقنا إلى ألمانيا علما بأن الطائرات المصرية لا تستطيع أن توصلنا أكثر من بيروت وقد كان فى نيتى ونية حسين ذو الفقار العودة إلى مطار ألماظة مباشرة بعد تزويد الطائرة بالوقود وتحمل أى جزاء يوقع علينا.
تحريات
فى الوقت الذى كان يجرى فيه استجواب بعض من كانت لهم صلة بعزيز المصري كانت الشرطة قد يئست من العثور على أثر لنا ولكن حدثت مفاجأة فبينما كان اليوزباشى شرطة (نقيب) محمد إبراهيم إمام ساعيا فى البحث عن الأستاذ أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة الذى كان هاربا ومطلوب القبض عليه؛
وكان على صلة وثيقة بالأستاذ محمد مرزوق المدرس بمعهد التربية أدرك محمد إبراهيم إمام أن مراقبة تحركات محمد مرزوق سوف تقوده إلى القبض على أحمد حسين فراقبوه مراقبة دقيقة ووجدوه يتقابل بشخص آخر بطريقة مريبة ثم راقبوا الشخص الآخر وكان هو المثال عبد القادر رزق وعرفوا البيت الذى يذهب إليه وبمراقبة المنزل استنتجوا أن به أحد المطلوب البحث عنهم.
إلقاء القبض والاعتقال
وفى يوم الجمعة 6 من يونيو عام 1941 بينما كنت أنظر من ثقب فى شيش النافذة المطلة على الشارع العمومى شاهدت رجل مرتديا جلبابا ينظر فى اتجاه البيت والنوافذ فأسرعت إلى عزيز المصري وأبلغته أن البيت مراقب فطلب منا ألا نطلق النيران إذا هوجمنا وبعد دقيقتين دق جرس الباب فذهبت شقيقة المثال عبد القادر رزق لاستطلاع الأمر...
فرد عليها رجل من خلف الباب يسأل عن الأستاذ عبد القادر رزق فردت عليه بأنه ذهب للصلاة فقال لها: خذى هذه البطاقة وأعطيها له ولما فتحت الباب وضع الرجل قدمه بين ضلفتى الباب ومنعها من إغلاقه وبأسرع ما يمكن وجدت شخصا طويلا ممتلىء الجسم فى غرفتنا وقال بصوت هادىء: عزيز المصري أرجو ان تأمر الضباط ألا يستخدموا طبنجاتهم فرد عليه عزيز المصري بأنه أمر بذلك وكان خلف هذا الشخص شخص آخر فى نفس الشكل والطوال ولكنه مستعدا لاستعمال السلاح فى أى لحظة.
لأن طبنجته كانت مصوبة إلينا فقمنا بارتداء ملابسنا وذهبنا إلى سجن الأجانب وهناك وضع كل منا فى حجرة وسمح لنا بإحضار الطعام من منازلنا, وكانت زوجتى الأولى رحمها الله حريصة على إحضار الطعام والملابس وما يلزمنى بنفسها.
المحاكمة
تشكل مجلس عسكرى عال برئاسة اللواء عبد الحميد حافظ باشا وعضوية اللواء عبد المجيد فؤاد وآخرين والمدعى العميد عباس حلمي زغلول
وكانت هيئة الدفاع مكونة من:
- الأستاذ محمد حافظ رمضان رئيس الحزب الوطني.
- الأستاذمصطفي الشواربي احد أقطاب الحزب الوطني.
- الأستاذفتحي رضوان
- الأستاذمحمد صبيح وآخرين.
ومن الشخصيات التى طلبت للإدلاء بشهادتها الطيارون عبد اللطيف بغدادي و محمد مدكور أبو العز من سلاح الطيران المصرى وقائد كتيبة الكلاب البوليسية بكلية الشرطة النقيب سعيد الألفي والدكتور سيد شكري احد أفراد الهلال الأحمر فى بنى غازى وهو صديق الفريق عزيز المصري باشا عندما كان قائدا للجيوش التركية فى الحرب العالمية الأولى والدكتور عبد الغفار الساعي والأستاذ فتحي رضوان المحامى .
وفى 15 من مارس عام 1942 استدعانا نحن الثلاثة مصطفي النحاس باشا رئيس حزب الوفد المصرى ورئيس الوزراء وقتها إلى جناحه الخاص بفندق مينا هاوس. وبحضور أحمد حمدي سيف النصر باشا وزير الدفاع والفريق إبراهيم عطا الله رئيس هيئة أركان الجيش المصري والضابط العظيم الآمر بتشكيل المجلس العسكرى الذى تولى محاكمتنا.
وفى هذا الاجتماع أبلغنا الرئيس مصطفي النحاس باشا نبأ الإفراج عنا فورا اعتبارا من هذا اليوم على أن نكون تحت الرقابة العرفية .
فشلت محاولة هروب الفريق عزيز المصري إلى جبل رزة ومن ثم إلى قوات المحور بقيادة الفيلد مارشال روميل فى الصحراء الغربية وبالتالى نجونا من الموت حرقا أو التهشم عند الاصطدام بالأرض.
ولم تكبدنا قيادة الجيش قيمة الخسائر المادية التى حدثت بالطائرة التى سقطت بنا فى بستان اليوسفى واصطدامها بأعمدة وأسلاك الهواتف التى حطمتها الطائرة إلا أننى عندما أفرج عنى أحسست بتغيير كبير قد حدث فى أسلوب حياتى فقد نقلت زوجتى أثاث شقتها إلى بيت أبيها واعتمدت عليه فى مصاريفها لأن وزارة الدفاع أوقفت صرف مرتبى ولم يكن فى مقدورها دفع إيجار الشقة ولم تجد من يساعدها ماليا بأى صورة من الصور, وانقطعت زيارة الأصدقاء والأقارب لى خوفا على أنفسهم من عيون جنود التحرى.
انفراج الأزمة
وفى مارس عام 1942 جاءنى خطاب من وزارة الدفاع لمقابلة احد المسئولين فيها الذى سلمنى إذن صرف (شيك) بمبلغ من المال قيمة راتبى عن المدة التى قضيتها بعيدا عن الجيش منذ أن ألقى القبض على ثلاثتنا بتاريخ 6 من يونيو عام 1941 حتى تاريخ الإفراج عنا فى مارس 1942.
وأريد أن أذكر للقارىء ما حدث لى فى صباح ذلك اليوم قبيل تسلمى الخطاب فقد حدث نقاش بينى وبين زوجتى رحمها الله على النحو التالى:
عبد المنعم: إن البطالة تؤرقنى والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة فما العمل ياربى؟!.
زوجتى: الصبر وعليك السعى بدون كلل لا ملل هل قرأت الحديث الشريف كعادتك هذا الصباح؟.
عبد المنعم: أخذت اقرأ الحديث بصوت خافت " بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا أنت رب العرش العظيم... ما شاء الله كان ولم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم أعلم أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما اللهم إنى أعوذ بك من شر نفسى ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم."
فلم أكد أنتهى من قراءة الحديث حتى جاءنى خطاب وزارة الدفاع المشار إليه
الفصل الثالث : مصادفة حددت الهدف ورسمت الطريق
أثناء جلوسى إلى جوار الموظف المسئول الذى سلمنى إذن الصرف, وقعت عيناى على مجلة تحمل اسم( الإخوان المسلمون) وعلى غلافها شعار مكون من هذه الكلمات: دعوة الحق والقوة والحرية ورسم عليها القرآن الكريم فوق سيفين متقاطعين, الأمر الذى دفعنى إلى السؤال عن هذه الجماعة وأين مقرها؟ وكيفية الانضمام إليهم؟ وكم يكون اشتراك العضو؟ ولمذا اختاروا هذه الشعارات؟ وما معنى هذه الشارة ( القرآن فوق سيفين)؟.
لم تشف غجابات المسول غلتى, وأحسست برغبة عارمة لزيارة هذه الجماعة وفى مقرها, ومقابلة رئيسها, والتعرف على أفرادها عن كثب.
وحدد لى أحد أيام الثلاثاء للإلتقاء عند مراقب المركز العام للإخوان وإسمه الأستاذ الطوبجى, وذهبت إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين, وسألت عن سكرتير الدار وكنت عنده فى الموعد المحدد, ورأيت مالم أره من قبل فى حياتى, وشاهدت مواقف لم أعهدها من قبل.
فعند مدخل الدار, رأيت شابا قد استقل بركن صغير رص فيه عشرات من الكتب الإسلامية للبيع, ورأيت مجموعة من الشبان منهمكة فى إخراج مقاعد من مخزنها وإزالة ما عليها من أتربة وغبار, وتنظيمها فى صفوف متراصة فى فناء الدار, بينما آخرون كثيرون يتوضئون للصلاة, وكنت لا أسمع إلا أدعية واستغفار وذكرا, ثم أذن مؤذن من فوق سطح الدار لصلاة المغرب, فاقبل ما يزيد على ثلاثمائة مصل, وأدوا الصلاة جماعة, وبعدها جلسوا لسماع حديث الثلاثاء – كما يسمونه – فى إنصات تام, ولا يتخلل هذا الهدوء سوى هتافات قوية – الله أكبر ولله الحمد .. الله غايتنا... والرسول زعيمنا... والقرآن دستورنا.... والجهاد سبيلنا... والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا.
وبعد انتهاء المحاضر من محاضرته بدأت الأسئلة والاستفسارات من المستمعين فأجاب عنها المحاضر دون كلل أو ملل.
وانتهى الدرس الذى كان موضوعه ( ألا إن حزب الله هم الغالبون) وانقض الجمع فى هدوء وسكينة, وبعد انتهاء الدرس أعد بعض الشبان الأرائك والمقاعد إلى مخزنها دون جلبة أو ضوضاء, ونظموها بحيث يسهل إخراجها وتصفيفها مرة ثانية بسرعة عند الحاجة إليها.
وتكررت زياراتى لدار (جماعة الإخوان المسلمون) مدة شهر مساء كل يوم ثلاثاء وفى كل مرة كنت أزداد إعجابا بما رأيته من روح جماعية, وما سمعته من افكار إسلامية, ومناقشات صريحة ومفيدة.
ولم استطع خلال هذا الشهر مقابلة مرشد الجماعة ( فضيلة الشيخ حسن البنا طيب الله ثراه, وذلك لسفره فى جولة عمل بالأقاليم.
العودة إلى العمل:
ثم وصلنى خطاب من قيادة الجيش, أفادنى بأنه تقرر نقلى من القوات الجوية إلى القوات البرية, على أن أقدم نفسى فى الثامنة من صباح يوم 20/5/1942 إلى رئاسة الكتيبة الثالثة بنادق مشاة فى أبى زعبل, وستقلنى مع بعض الزملاء سيارة جيش من تحت الساعة محطة مصر.
الكتيبة الثالثة بنادق مشاة:
خدمت فى أبى زعبل, وفيها كل شىء موحش حتى الطقس, فهو قارس شديد القيظ نهارا, وشديد البرودة ليلا, وممازاد من متاعب الأفراد مضاقيات الذباب ولدغات البعوض وكثرة الفئران وانتشار الرمال, والنوم تحت الخيام.
وعيننى قائد الكتيبة قائدا ثانيا لسرية الرئاسة, وكانت تتكون من خمس فصائل هى الحمالات, والسيارات , الهاونات 60 ملليمتر, ومادافع البويز المضادة هى للدبابات, والتعينات من مأكل و مشرب .
ولم أكن أعرف شيئا عن كل هذا ما اضطرنى لن أقضى ساعات العمل اليومى مرتديا بدلة التدريب ( الأفرول) متنقلا بين الفصائل الخمس لمعرفة الكثير عنها وخاصة استخدامها التكتيكى أثناء القتال.
أرسلنى قائد الكتيبة لمدرسة الأسلحة الصغيرة لأتعلم استخدام البندقية الآلية وشاش البرن والتومى جن والقنابل اليدوية.
وخلال سنوات 1943 – 1944 – 1945 تعلمت كثيرا من الفرق الأخرى كقائد الفصيلة, والسرية, والكتيبة المشاة, والمدافع المضادة للدبابات والهاونات الخفيفة 2 رطل و60 مم.
أحسست بثقة فى نفسى كضابط مشاة لما تعلمته وأتعلمه وأتدرب عليه يوميا من دروس عسكرية جديدة, وكان كل شىء يسير فى هذه الكتيبة من حسن إلى أحسن, وإلا أن شيئا واحدا أقض مضجعى وهو إدمان قائد سريتى لشرب الخمر, مثل كثيرين من الطيارين المدنيين, ولعب الميسر, والفرق شايع بين شباب (جماعة الإخوان المسلمين) المستمسكين بمبادىء الدين وقيمة أخلاقه , وبين كثير من الضباط المفرطين فى دينهم!! نسيت أن اقول: إننى فى اليوم الذى ذهبت فيه لتقديم نفسى إلى الكتيبة الثالثة مشاة ودخلت على اركان حرب الكتيبة وقدمت له نفسى, أفهمنى أن عنده خبرا بنقلى, وبدوره قدمنى إلى قائد الكتيبة الذة أخذ يحثنى على أن أعمل فى المشاة بنفس الروح القديمة التى كنت أعمل بها فى الطيران, ثم أمرنى بالانصراف,وعدت إلى مكتب أركان حرب الكتيبة الذى قدم لى نفسه, وأنه الملازم أول جمال عبد الناصر حسين , وبدأت أعمل فى هذه الكتيبة.
مدرسة المشاة:
عينت مدرسا فى مدرسة المشاة لمدة ثلاث سنوات اعتبارا من 1946, لتدريس فن التكتيك من مستوى جماعة المشاة إلى مستوى كتيبة مشاة وما يلحق بها, وتيعاونها من أسلحة أخرى, كمدافع الماكينة, والمدافع المضادة للطائرات وللدبابات وبطاريات الميدان, والسيارات المدرعة.
وكنت أكثر سعادة لكونى ضابط مشاة مما كنت طيارا, وذلك للأسباب الآتية:
- - يتحتم على ضابط المشاة الإلمام التام بجميع خواص الأسلحة البرية والبحرية والجوية ليسهل التعاون معها بسرعة وإتقان.
- - مطلوب من ضابط المشاة قوة بندية ليستطلع أرض المعركة قبل بدئهاو قوة اعصاب ليتحمل حجمها.
- - أن يكون ضابط المشاة سريع التفكير, حاضر البديهة لأقصى حد, ليستغل نقاط الضعف فى عدوه ويحولها إلى هزيمة نكراء .
- - سلاح المشاة هو الذى يحرز النصر فى النهاية.
وفى نفس العام عينتنى رئاسة الجيش ضمن عدة بعثات لمدرسة المشاة البريطانية فى الشرق الأوسط , المتمركزةفى مياءى صور وصيدا اللبنانيين, وعين معى كثير من لضباط من مختلف الرتب والأسلحة , وتدريبات مشتركة بالذخيرة الحية تشمل الضرب مع الحركة للمشاة والدبابات تحت ستار كثيف من نيران الطيران والمدفعية, ولفتح الثغرات فى حقول الألغام, يليها تسليط قاذفات اللهب على المواقع الحصينة واقتحام مواقع العدو وإجراء تعزيز بسرعة ودقة.
تحرشات واستجوابات:
وبينما أنا سعيد بدراستى وفنى الجديد بعد عودتى من البعثة فاجأنى كبير المعلمين العقيد محمود سيف اليزل خليفة بزيارة طالبا منى فتح مكتبى لتفتيشه, ولما لم يجد شيئا أرسلنى موقوفا مع ضابط آخر أقدم منى رتبة إلى ثكنة بمنشية البكرى وقضيت ثلاثة أيام دون أن أعرف السبب لذلك.
وفى اليوم الرابع انضم إلىّ سبعة عشرا فردا بين ضابط وصف ضابط, وكان من بين الضباط العقيد أركان حرب رشاد مهنا ( الوصى على العرش بعد انقلاب 1952), والرائد محمد محمد حبيب والملازم اول مصطفى كمال صدقي من المخابرات وسمحوا لنا بالتحدث معا, وعلمت من اللغط أن سبب حجز هذه المجموعة هو وصول منشورات انتقاديه إلى رئاسة الجيش, تحض بالذكر رئيس هيئة أركان حرب الجيش وقتئذ محمد إبراهيم عطا الله. ولما لم تعرف رئاسة الجيش المسئولين عن هذه المنشورات أخلت سبيلنا, وعدنا إلى وحداتنا.
الفصل الرابع : اللقاء معحسن البنا
فى أواخر شهر مايو عام 1942 أبلغنى الأستاذ الطوبجى مراقب المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين أن فضيلة المرشد العام الشيخ حسن البنا عاد من رحلته فى الأقاليم, وسيلقى حديث الثلاثاء وفى إمكانى اللقاء به.
ذهبت إلى المركز العام, وأدخلنى الأخ الطوبجى غرفة فضيلة المرشد فوجدته ومعه رجلان, هما المرحوم الصاغ محمود لبيب , والدكتور مهندس حسين كمال الدين .
استقبلنى الثلاثة بحرارة واستفسروا عن صحة الفريق أركان حرب عزيز المصري, وسألونى عن الأسباب الحقيقية لاندلاع النيران فى جناح الطائرة, فأجبتهم بما أعرف فى اختصار, ثم قلت لهم:
" لو أن الروح الإخوانية التى لاحظتها فى دروس الثلاثاء تسود الجيش المصري لعاد ذلك عليه بالخير الكثير, وأن أول شىء يجب البدء فيه هو تكوين مجموعة من الضباط تعتنق مبادىء جماعة الإخوان المسلمين, وهى الحق والقوة والحرية , لتكون نواة تنبت منها خلايا تعم كل وحدات الجيش".
الانضمام إلى الإخوان:
استحس فضيلة المرشد العام الشيخ حسن البنا ذلك الكلام وقال لى: إن إخاك الصاغمحمود لبيب سيعينك على تحقيق هذه الفكرة, وسيكون المشرف على تكوين هذه المجموهة, وتمنى لنا التوفيق.
من هو الصاغ محمود لبيب:
كان الصاغ محمود لبيب ضابطا بالجيش المصري عام 1914, وكان يخدم فى سلاح الهجانة بميناء السلوم بالصحراء الغربية, على شاطىء البحر الأبيض المتوسط مع الملازم صالح حرب, الذى اصبح فيما بعد وزيرا للدفاع فى مصر 1936, وأنهما عندما علما بنبأ إعلان الإنجليز الحماية على مصر عام 1914 وخلع الإنجليز للخديو عباس حلمي ثارت نفسيهما على الاحتلال البريطانى وصمما على عمل شىء لإنقاذ مصر, وكانت مصر وقتذاك تابعة لدولة الخلافة العثمانية الإسلامية,ومحتلة فعلا بالقوات البريطانية منذ عام 1882.
وكان السنسيون فى ليبيا يقاتلون الإيطاليين الذين استطاعوا أن يحتلوا شواطىء ليبيا عام 1911, فتصدى لهم السنوسيون.
وكانت الدول العثمانية تمد السنوسيين بالأسلحة والأموال والمؤن والعتاد الحربى والضباط الاتراك عن طريق الغواصات الألمانية, وكانت تركيا دولة الخلافة حليفة لألمانيا فى الحرب العالمية الأولى 1914 – 1981.
واتفق السنوسيون بزعامة السنوسى زعيم ليبيا مع الأتراك على مهاجمة مصر فى الغرب أثناء زحف القوات التركية من الشرق على مصر عبر فلسطين وسيناء.
تخابر الصاغ محمود لبيب و صالح حرب ومن معهما من الضباط المصريين مع السنوسى واتفقوا على أن ينضموا بقوات مصرية للسنوسى, ويشتركوا معه فى الهجوم على مصر عن طريق ساحل البحر الأبيض المتوسط والواحات.
وفعلا انضم الصاغ محمود لبيب بقواتهما للسنوسى وشنوا الحملة المعروفة فى التاريخ بالحملة السنوسية على مصر 1915, ولكنها منيت بالفشل , وبعد أن فشلت الحملة سافر الصاغ محمود لبيب في غواصة ألمانية إلى استانبول عاصمة دولة الخلافة العثمانية الإسلامية, وبقى هناك إلى أن سقطت الخلافة العثمانية وأعلن مصطفى كمال أتاتورك تخلى تركيا عن زعامة العالم الإسلامى , فهاجر الصاغ محمود لبيب من تركيا إلى ألمانيا, وظل هناك إلى أن صدر عفو عام سنة 1924 عن كل المنفيين والمسجونين السياسيين, وعاد محمود لبيب إلى مصر وعين بوظيفة ضابط بمصلحة خفر السواحل, ولكنه اختلف مع عقل باشا مدير مصلحة خفر السواحل, فطلب تسوية حالته فأحيل إلى المعاش برتبة صاغ.
والتقى الصاغ محمود لبيب بالأستاذ الشيخ حسن البنا حيث كان الإمام البنا يخطب فى أحد المساجد بالقاهرة وقال له:
إننى صاحب فكرة وقد جاهدت فى سبيلها, وإنى مستريح لفهمك للإسلام وطريقتك فى نشر هذه الدعوة وأريد أن أعمل معك فى هذا المجال, وقص عليه قصته.
فرحب الشيخ حسن البنا بالصاغ محمود لبيب, وصارا يعملان معا فى حقل الدعوة الإسلامية إلى أن أصبح الصاغ محمود لبيب وكيلا لجماعة الإخوان المسلمين.
تكوين الخلية الاولى لضباط الإخوان المسلمين :
استطعت فى شهر اكتوبر عام 1942 ان أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين, وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين , ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذى نقل على قوة الكتيبة, ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية, وكان منزله قريبا من منزلى بحى السيدة زينب, وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا ( الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أولسعد توفيق من سلاح الإشارة( توفى إلى رحمة الله عام 1962), وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين , واكتمل عددنا سبعة عام 1944, وواظبنا على اللقاء أسبوعيا فى بيت هذا مرة, وفى منزل ذاك مرة أخرى, وهكذا, ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.
وكانت احاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة, وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطينين, وتكالب الأحزاب على الحكم, وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.
تنظيمات:
واتفقنا على دفع اشتراك شهرى قدره خمسون قرشا, وتكوين مكتبة إسلامية للضباط الإخوان, وكانت أمانة الصندوق طرف الصاغ محمود لبيب, وكان المسئول عن المكتبة الملازم أول حسين حمودة وكنا كلما حل مساء الثلاثاء التقينا لنستمع إلى رأى الإخوان المسلمين فى مشكلات الساعة داخليا وخارجيا, أو نستمع إلى محاضرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بين هتافات الإخوان التى تهز وجدان كل مسلم. وكنا حريصين على أن يكون ذهابنا إلى درس الثلاثاء, وجلوسنا وعودتنا متفرقين, اتقاء لعيون المخابرات.
وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش, فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفى و مصطفى بهجت, ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضرى و عبد الرحمن محمد أمين و مجدى حسنين و إبراهيم الطحاوي, ومن المشاة فؤاد جاسر و جمال ربيع و أحمد حمدي عبيد و محمد أمين هويدي. و محمد كمال محجوب و وجيه خليل, ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان.
الجهاد ضد الإحتلال.
وفى سنة 1946 بدأت مظاهرات الطلبة تطالب بالجلاء ووحدة وادى النيل واحتك المتظاهرون بقوات الاحتلال التى أخذت تصليهم وابلا من الرصاص دون شفقة ولا رحمة, وكنا نحن الضابط السبعة فى حالة غليان شديد ضد المحتلين الإنجليز فطالبنا الصاغ محمود لبيب بضرورة تنظيم سباب الإخوان المسلمين تنظيما عسكريا وتدريبهم على استعمال السلحة وحرب العصابات, فقال لنا المرحوم الصاغ محمود لبيب:
إذا أردتم أن تسهموا معنا بجهودكم فى هذا السبيل فلابد من أخذ عهد وميثاق وقسم على هذا.
فوافقنا وأبدينا استعدادنا جميعا.
بيعة وقســم
استدعانى وصلاح خليفة الصاغ محمود لبيب, وعرفنا بالمرحوم عبد الرحمن السندى الذى شرح لنا متى وكيف سيتم أخذ العهد وحلف اليمين, وقد تم ذلك على النحو الآتى:
ذهبنا نحن السبعة فى ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق , وبعد أن تكامل عددنا قادنا صلاح خليفة إلى منزل فى حى الصليبة بجوار سبيل أم عباس, حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض, ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسألأ: الحاج موجود؟
وكانت هذه هى كلمة السر ففتح الباب, ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدا مفروشة بالحصير, وفيها مكتب موضوع على الأرض ليست له ارجل, فجلسنا على الحصيرو ثم قادنا صلاح واحدا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين فى حجرة مظلمة تماما, يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تعرف شخصيته, وكان سؤال الشخص المتخفى الذى يأخذ العهد:
- هل أنت مستعد للتضحية بنفسك فى سبيل الدعوة الإسلامية؟
- فكان الجواب من كل منا: نعم.
فقال : امدد يدك لتبايعنى على كتاب الله وعلى المسدس.
ثم قال الرجل المتخفى: إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة.
وبعد أن أعطى كل منا البيعة, عدنا إلى الحجرة الولى ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصا عرفنا بنفسه, وذكر أن اسمه عبد الرحمن السندي, وقال : إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين, وهو تنظيم سرى مسلح يضم رجالا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت فى سبيل الحق والحرية.
وكان الذين بايعوا على فداء الدعوة الإسلامية فى هذه الليلة حب الأقدمية فى كشوف الجيش:
1- النقيب عبد المنعم عبد الرءوف من الكتيبة الثالثة مشاة( طيار سابق)
2-النقيب جمال عبد الناصر حسين من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة, ورئيس الجمهورية فيما بعد.
3-الملازم أول كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد.
4-الملازم اول سعد حسن توفيق( توفى إلى رحمة الله عام 1963).
5-الملازم اول خالد محيى الدين من سلاح الفرسان وعضو مجلس قيادة الثورة.
فيما بعد ورئيس حزب التجمع الوحدوى الآن.
6-الملازم اول حسين محمد أحمد حمودة من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
7- الملازم أول صلاح الدين خليفة من سلاح الفرسان وهو يعمل الان مديرا لشئون العاملين بمحافظة الجيزة.
وسائل وتدريبات:
1-ترجم لنا أحد الإخوان الضالعين فى الغة الإنجليزية كتيبا عن تنظيمات رجال حرب العصابات والدروس الواجب معرفتها, وقد حصلت على هذا الكتيب من أحد ضباط الكتيبة الهندية التى دربت فيها فى مدرسة الشرق الأوسط البريطانية فى لبنان.
2-اخترنا سطح احد المنازل المملوكة لاحد الإخوان بعيدا عن العيون والأرصاد, لالقاء المحاضرات.
3-أعددنا ( تختة رمل) وجميع لوازمها من رمال وهياكل للجنود والسيارات والدبابات والطائرات ومبان وأعمدة وبيارق لشرح المسائل التكتيكية.
4-وزعنا المحاضرات علينا نحن السبعة والإخوان المدنيين فى النظام الخاص.
قضيت عام 1946و1947 وبضعة أشهر من 1948 فى التدريس للضباط والصف ضباط نهارا وليلا ولمنتظمين من جماعة الإخوان المسلمين من مختلف الأعمار, وكان إقبال الإخوان المسلمين على خفظ واستيعاب المحاضرات عظيما.
وظهر ذكاؤهم فى أثناء الإجابة عن أسئلة المشروعات التكتيكية واضحا.
وقد بذلنا نحن السبعة ( جماعة الإخوان الضباط) ومن انضم إلى خلايانا بعد ذلك جهودا كبيرة فى تدريب الإخوان.
كتائب المتطوعين:
وكان كلما اقترب موعد انتهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وقد حددوه بيوم 15 من مايو 1948 اشتد القتال ضراوة بين أشقائنا الفلسطنيين وبين العدو الصهيونى , واجتاحت المظاهرات جميع أقطار العالم العربى تطالب حكوماتها بالتطوع والسفر للجهاد فى فلسطين, وتحول مكتب الدكتور حسين كمال الدين فى دار الإخوان إلى خلية نحل.
وتشكلت الكتيبة الأولى من متطوعى الإخوان المسلمين .
الفصل الخامس : سفر متطوعى الإخوان المسلمين إلى فلسطين
فى الفترة 25/4/ 1948, 5/5/1948 تم تدريب وتنظيم كتيبة معظمها من متطوعى جماعة الإخوان المسلمين وفى معسكر هاكستيب, بلغ عددهم 280 مجاهدا وأشرف على تدريبهم المقدم أركان حرب حسين أحمد مصطفى والرائد أركان حرب علي لخضاوي, والملازمون أحمد رأفت بسيوني و أبو بكر المنزلاوي و حسن زكي عليش وغيرهم.
وشمل التدريب السلحة الصغيرة, وطرق النسف والتدمير وضرب النار واختراق الضاحية والمصارعة اليابانية.
أما الضباط الإخوان المتطوعون المدنيون قادة السرايا فكانوا الأخ أحمد حجازي من إخوان القاهرة شعبة العباسية, والأخ أحمد لبيب الترجمان من إخوان القاهرة شعبة الخليفة, والأخ نظيف عبد الحميد من إخوان القاهرة شعبة السيدة زينب والأخ إسماعيل الفرماوي قائد فصيلة النسف والتدمير من شعبة العباسية والأخ محمد نور الدين قائد فصيلة البويز ( مضاد للدبابات) والأخ مصطفى جاد من الإسكندرية من جماعة مصر الفتاة.
كما تم تدريب مجموعة على استعمال اللاسكلى وتليفونات البذر.
وفى منتصف شهر مارس 1948 وصلت كتيبة من إخواننا الليبيين والمراكشيين والتونسيين والجزائريين إلى معسكر هاكستيب بعد تدريبهم فى معسكر أقيم فى مرسى مطروح فى صحراء مصر الغربية, وبعد وصولها تولى قيادتها ضباط مصريون ممن تطوعوا للجهاد فى فلسطين بعد أن قدموا للإحالة إلى الإستيداع وكنت واحدا منهم.
وقد أرسلت الخطاب التالى لقائد مدرسة المشاة وتسلم منى أصل الخطاب النقيب عبد الرءوف نافع بتاريخ 27/4/1948.
صورة خطاب التطوع:
صاحب العزة قائد مدرسة المشاة
حضرة أركان حرب المدرسة
حيث إنه تقرر اشتراك بعض وحدات الجيش المصري فى القتال بفلسطين القريب العاجل فأرجو من عزتكم الاتصال بالجهات الرسمية لنقلى لإحدى هذه الوحدات ليكون لى شرف الجهاد لتحرير فلسطين. وتفضلوا بقبول الاحترام.
يوزباشى عبد المنعم عبد الرءوف
مدرسة المشاة
تسلمت الأصل
27/4/1948
توقيع
وقد سمح لى بالتطوع والسفر مع كتيبة المقدم أحمد عبد العزيز, إلا أنه قد تأخر سفرى معها بضعة أيام بسبب مرض المرحومة والدتى, وقد تمكنت من اللحاق بالكتيبة بعد ايام قليلة.
وكان ضباط هذه الكتيبة حسب أقديمتهم وأسلحتهم كالآتى:
مقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز من سلاح الخيالة.
مقدم مهندس أركان حربمحمد زكريا الورداني الأشغال الهندسية.
نقيب عبد المنعم عبد الرءوف من مدرسة المشاة .
م. أول كمال الدين حسين مدفعية هاوتزر 23 رطل.
م. أول حسين فهمي عبد المجيد م/د2 رطل.
م. أول مصطفى كمال صدقي المخابرات.
م. أول معروف أحمد الحضري الإمداد والتموين.
م. أول خالد فوزي من سلاح المدفعية.
م. أول حمدي واصف الإمداد والتموين.
طبيب جراح دكتورمحمد حسين غراب.
السفر من العريش إلى خان يونس:
حضر إلى العريش الإخوة الشيخ محمد فرغلي عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين, ( أعدمه جمال عبد الناصر عام 1954) والصاغ محمود لبيب قائد عام جوالة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد, الأستاذمحمود عبده قائد متطوعى الإخوان المسلمين فى بير سبع.
ونصحوا المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز بأن تدخل الكتيبتان فلسطين عند الحدود عبر السكة الحديد مطفئين أنوار السيارات, حتى لا تشعر القوات الإنجليزية بهم فتعرض قوات المتطوعين, وتم تنفيذ العبور مجهود شاق وصمت تام عبر رفح المصرية الفلسطينية, ثم انطلقت قواتنا المحملة بالسيارات متجهة صوب خان يونس, التى وصلناها ليلا, واستقبلنا بحفاوة من هيئة التدريس والسيد الناظر الأستاذ سامي أبو شعبان الذى قدم لنا كل مساعدة ممكنة.
ومكثنا يومين فى جمع المعلومات عن العدو بمعاونة شيخ العرب مصطفى أبو مدين.
الاصطدام الأول وأول شهيد :
فى 9/5/1948 أبلغنا الاخ الفلسطينى المجاهد عبد الله أبو مدين عن نشاط مصفحات العدو الصهيونى حول خان يونس.
فأمر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز بتدميرها, وعين طاقما مكونا من خمس بنادق بويز التى تحركت تحت قيادة الأخ فتحي الخولي من إخوان القاهرة شعبة القلعة, اصطدمت بالمصفحات اليهودية, وعند إطلاق نيرانها لم تحدث أى تأثير فى مصفحات العدو, وأطلق العدو نيرانه فاستشهد القائد الأخ فتحى الخولى, وشعيت جنازته فى خان يونس, وأبلغنى أحد إخوان الشهيد الذين رافقوه أنه سمع الشهيد يتمتم بصوت مهموس – هبى يا رياح الجنة.
معركة كيفار ديروم أو خان يونس :
فى فجر 14 / 5/ 1948 أراد المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز مهاجمة مستعمرة كيفار ديروم والتخلص منها نهائيا فكلفنى باستكشافها وتقديم تقرير بذلك.
وصف المستعمرة:
تقع كيفار ديروم على قطعة أرض زراعية مسطحة مساحتها 200× 150 مترا مربعا شرق سكة حديد رفح غزة, وكذلك شرق الطريق الزراعى الذى بينهما والمسافة بين هذين الطريقين والمستعمرة حوالى 800 يوجد خزائن للماية وثكنتان للجنود من ثلاثة طوابق.
وفى المستعمرة خنادق مواصلات تربط جميع أجزاء المستعمرة وفى منتصف المسافة مابين المستعمرة يوجد واد طويل يربط غرب المستعمرة بشرقها وتوصل إلى مستعمرات يهودية أخرى, ويمكن التقدم فى هذا الوادى حتى الوصول لمسافة 100 ياردة من قوات العدو ومنع أى إمدادات تأتى للعدو من مستعمرات أخرى.
ويوجد حول المستعمرة ثلاثة احزمة اسلاك شائكة.
واشتمل التقرير على خطتين ليختار إحداهما:
الخطة الأولى: حصار مستعمرة كيفار ديروم ومنع أى إمدادات تصل إليها أو تخرج منها حتى نضطرها للتسليم.
الخطة الثانية: اقتحام واحتلال مستعمرة كيفارديروم.
واختار المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز الخطة الثانية, وأثناء الاقتحام استشهد ثمانية وأربعون متطوعا, وذلك للأسباب الآتية:
1-سوء التدريب على جميع المستويات.
2-ضعف تأثير مدفعيتنا الهاوتزر والهاونات والمدافع 2 رطل على دشم أومدرعات العدو الإسرائيلى.
3-تفوق العدو الإسرائيلى على قواتنا فى حرب العصابات , وتمسكنا بالعمليات الحربية النظامية.
وعندما مرت قوات الجيش المصري على الطريق الزراعى القريب من مستعمرة كيفاديروم صبت عليها فصيلو الهاون 3 رطل بقيادة محمد علي عبد الكريم نيرانا مركزة بامر من قائد الكتيبة المقدمة العقيد أركان حرب سيد طه ( الضبع الأسود) ولكن المستعمرة لم تستسلم لصلابة دشم العدو.
وبنظرة فاحصة لضباط كتيبة المتطوعين يتضح أن أغلبهم من أسلحة معاونة وليس منهم من درس كطالب بمدرسة المشاة حيث تلقى احدث أساليب الحرب العالمية الثانية, كالإعداد لمهاجمة وتدمير الدشم الحصينة وقتال المنازل, وتطهير القرى والتسلل ليلا ونهارا.
أصدر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز أمرا بسحب وإنقاذ المصابين حول مواقع العدو, ونقل جثث الشهداء, فتحركت بفصيلتين بقيادة الملازم أول معروف الحضري,والأخ حسن الجمل قائد جماعة الهاون وهو من متطوعى الإخوان المسلمين ومن إخوان القاهرة شعبة منيل الروضة, واستطعنا بتوفيق الله وعونه سحب عدد كبير من المصابين وعدد قليل من الشهداء, وكان الطبيب المعالج والمشرف على تضميد جراح المصابين النقيب الجراح الأخ الطبيب محمد حسين غراب, رحمه الله , الذى أنشأ نقطة إسعاف فى أول الخور تحت سقف السكة الحديد.
وقد حدث أثناء سيرى فى الوادى للإشراف على عملية سحب الجرحى للخلف, أن سمعت صوتا يصم الآذان, صحبة وهج شديد بهر نظرى فالتفت مناديا حارسى, فسمعت أنينا وتوجعا, فرجعت إلى الخلف قليلا فوجدت حارسى الجندى المتطوع الفونس جيد فانوس من القاهرة ملقى على الأرض وقد تمزقت قدمه بسبب انفجار لغم, فأسرعت لنقطة الإسعاف وأحضرت الطبيب ليعمل له الإسعافات اللازمة .
لم يتم الاستيلاء على مستعمرة كيفار ديروم, ولكن تم سحب جميع المصابين وكان من بينهم الملازم أولمعروف الحضري, الذى أصيب بعدة طلقات نارية فى رقبته وكنفه من الأمام, كما أصيب الملازم أول كمال الدين حسين قائد مدفعية الهاوتزر من اثر دانة فاسدة على بعد ياردة, وتم ترحيل الضابطين, وباقى المصابين من الإخوان المسلمين إلى مستشفى غزة.
وبعد أسبوعين عاد الينا الملازم اول كمال الدين حسين لاستئناف القتال, أما الضابط معروف أحمد الحضري فقد تم ترحيله إلى القاهرة حيث استغرق علاج جراحه حوالى شهرين عاد بعدها للقتال مع المتطوعين الفدائيين فى بيت لحم.
وفى اثناء وجودنا فى معسكر النصيرات قرر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز تنفيذ الخطة الأولى التى سبق أن عرضتها عليه, وهى عملية حصار المستعمرة(كيفاديروم) ومنع وصول أى إمدادات إليها.
وأثناء حصارنا للمستعمرة شوهد شخص يخرج من شمال المستعمرة مرتديا ملابس بدوية, وبالقبض عليه واستجوابه اتضح أنه يجيد اللغة العربية ويشبه اليهود اليمنين, فجىء له بجهاز لاسلكى, والتقط لقواتنا إشارة فهمنا منها أن نجدة ستصل إلى المستعمرة حوالى الساعة الحادية والعشرين صباح اليوم التالى, فأمر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز بالاستيلاء على القافلة فتحركت مجموعتان من الإخوان المسلمين ومدفعان 2 رطل, بقيادة الملازم أول حسن فهمي عبد المجيد , الذى صوب قذيفتين على عجلتى الونش الأمامي فتعطل الونش وتعطلت القافلة. وقفز جميع الراكبين اليهود محاولين الفرار إلأى المستعمرة ولكن قوبلوا بنيران الحامية وأبيدوا عن آخرهم وتم سحب جميع العربات المصفحة والونش إلى معسكر النصيرات ومن هذا المعسكر تحركنا إلى معسكر البريج بغزة, وهناك تم توزيع الفدائيين إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول بقيادة المقدم أركان حرب محمد زكريا الورداني ومعه النقيب عبد المنعم عبد الرءوف, فاختار المقدم أركان حرب محمد زكريا الورداني موقع القيادة لنفسه فى العوجة وأرسلنى لاحتلال العصلوج, واستخدامها قاعدة للقيام بعمليات فدائية ضد مستعمرات العدو وطرق تموينه, وكان عدد قواتى فى العصلوج 74 متطوعا منهم 20 جزائريا و19 ليبيا والباقى من متطوعى الإخوان المسلمين.
وكان من بين هذا العدد طباخان وخبازان وسائقان, ولم يكن فى هذا العدد أى ضابط مسئول آخر, ولم يكن لدينا أى مدفع مضاد للدبابات والمصفحات والدشم الحصينة.
أما الاتجاه الثانى فكان بقيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز ومعه جميع ضباط الجيش المتطوعين وهم ملازم أول كمال الدين حسين وملازم أول خالد فوزي والاثنان من مدفعية الهاوتزر والملازم أول حسن فهمي عبد المجيد والملازم أول حمدي واصف للشئون الإدارية, ومصطفى كمال صادق للمخابرات.
ومن ضباط متطوعى الإخوان المسلمين الأخ حسين أحمد حجازي والأخ أحمد لبيب الترجمان, والأخ قطني عبد الحميد والأخ محمد كمال عامر والأخ مصطفى جاد, وقد تحركوا جميعا إلأى بير سبع.
وهناك عهد إلى المجاهد الكبير الأستاذ محمود عبده قيادة الإخوان, والقيام بأعمال حرب عصابات ضد العدو فى منطقة بير سبع وما حولها, وواصل المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز السير إلى بيت لحم ولحقه معروف الحضري وكانت معه جميع مدافع الهاوتزر وعددها أربعة, وجميع المدافع المضادة للدبابات وتمركزوا جميعا هناك.
معركة العصلوج:
تقع قرية العصلوج ( نسبة إلى بئر العصلوج) فى وسط صحراء النقب الجنوبى, ويؤم هذه البئر رعاة الأغنام وافبل للشرب وملء القرب والفناطيس, وهى غير آهلة بالسكان مع وجود مسجد صغير بمئذنة, وكل ما عدا ذلك تلال وجبال ورمال وبقايا ثكنات الانتداب البريطانى .
وتأتى أهمية هذه القرية من بئر المياة, والطريق البرى الذى يمتد فى وسطها إلى بير سبع, والخليل والقدسى ونابلس وصفد حتى الناقورة, ويمتد منها غربا وادى غزة حتى البحر الأبيض لمتوسط وشرقا إلى وادى الأردن, ولذلك فهى تمثل موقعا استراتيجيا هاما.
وكان موقع قواتى فى العصلوج يبعد خمسين كيلومترا عن العوجة على الحدود المصرية, حيث موقع المقدم أركان حرب ( زكريا الورداني القائد الثانى الحدود المصرية, حيث موقع المقدم أركان حرب زكريا الورداني القائد الثانى للمتطوعين, وكل ما كان معه إسعاف واحدة وبعض الجنود للصيانة ولوريان لنقل التموين والميا كل أسبوع لنا, وليس معه أى قوات مقاتلة.
كما تبعد العصلوج 65 كيلو مترا عن ميناء غزة, وتبعد أيضا عن مدينة بير سبع مسافة 25 كيلو مترا وعن مدينة بيت لحم حيث توجد القيادة العليا للمتطوعين بقيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز مسافة 120 كيلوا مترا, ولم تكن لدى قواتى اجهزة اتصال لاسكية بينى وبين القيادات العليا فى بيت لحم, وبمجرد وصولى فى 10/5/1948 إلى منطقة العصلوج قمت باحتلال موقع دفاعى وإجراء استكشاف فى جميع الاتجاهات لمعرفة المستعمرات اليهودية القريبة وطرق الاقتراب للعدو. وخرجت من هذا الاستكشاف بوجود أربع مستعمرات معادية,وكثرة الحركة حولها, وتفوق العدو فى المصفحات والأفراد وسهولة إمداداته وتموينه.
أما قواتى فلم يكن لديها مدفعية مضادة للدبابات أو الطائرات أو مدفعية ميدان, وكانت حاجتى للألغام سواء المضادة للأفراد او الدبابات ملحة, والمتيسر قليل جدا.
وواجتنى صعوبة كبيرة فى أعمال الصيانة وتوفير المواد التموينية, ولذلك قمت بإرسال 6 تقارير كتابية إلى المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز عن طريق القائد الثانى الموجود بالعوجة, وكان كل ما وصلنى من القيادة النقيب حسن فهمى عبد المجيد, الذى حضر ومعه مدفعان للدبابات, وهما كل مالدى قيادة المتطوعين, وأمضى معى أربع ساعات فى استكشاف الطرق المحيطة بنا وشاهد بنفسه سير مصفحات العدو. وعاد القيادة فى بيت لحم ومعه المفدعان.
وفى أحد الأيام جاءنى رجل بدوى فلسطينى اسمه عقيل ومعه أربعة ألغام مضادة للمصفحات, وابلغنى انه وجدها مبثوثة فى الرمال التى جرفتها الرياح عن الطريق القادم من العوجة, وقد تمكن من إبطال مفعولها, فشكرته ووعدنى بأن يبذل كل ما فى وسعه لمساعدتى.
مع قائد سلاح الحدود:
وكنت أعلم مسبقا أن قائد سلاح الحدود أحمد سالم, ومعه المقدم أركان حرب محمود رياض ( الأمين العام لجامعة الدول العربية فيما بعد) سيمران بى فى اليةم التالى فأخبرتهما بقصة ذلك الأعرابى فرغبا فى زيارته, وأعطانى محمود رياض مبلغا من أمال لكى أعطيه لذلك الأعرابى , وقمت بشؤح جميع جوانب موقفى العسكرى واحتياجات قواتى الضرورية, وقد وعدانى بإبلاغ ذلك إلى القيادة. وكانت خطتى لمقاتلة العدو والدفاع عن العصلوج كالآتى:
أ- كمائن ليلية ضد دبابات ومصفحات ومشاة العدو.
ب- نقطة ملاحظة للإبلاغ عن تحركات العدو أولا بأول لمعرفة نواياه.
جـ- احتلال الموقع الحيوى فى العصلوج المشرف على الطريق البرى شمالا إلى بير سبع وجنوبا إلى العوجة.
د- احتلال مئذنة مسجد العصلوج بحملة القنابل اليدوية للضرب على اية تجمعات للعدو تنجح فى التسلل إلى العصلوج.
وفى أحد اليام من شهر مايو 1948 فوجئت بوصول سيارة من قيادة المتطوعين تحمل إمرا بإرسال المتطوعين الجزائريين وعددهم عشرون جنديا إلى مقر قيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز, وبمجرد تنفيذى لهذا الأمر طلب منى الجنود الليبيون اللحاق بإخوانهم الجزائريين بحجة أن احتمال مقاتلة العدو اليهودى هناك فى بيت لحم اكثر مما هو فى العصلوج. فكان ردى أن مقاتلة العدو هنا او هناك قد تحدث فى أى لحظة, وأن حاجتى إليهم الآن خصوصا بعد سفر الجنود الجزائريين هى بالتأكيد أكثر ضرورة, وأن أجرهم عند الله سيكون أكبر , نظرا لقسوة الحياة فى العصلوج.
ولكن نصائحى لم تلقى عندهم آذانا مصغية وامتنعوا عن الإشتراك معنا فى أى شىء بما فيه أداء واجبهم فى خطة الدفاع وهو اختلال الموقع الحيوى للدفاع عن العصلوج.
اشتباك واستشهاد :
وفى الساعة الثامنة من مساء يوم 11/6/ 1948, وهو يوم الهدنة الأولى, عدت من المرور على الكمائن فسمعت أصوات انفجارات, وأصوات رشاشات وجاءنى احد المراقبين من المئذنة وأخبرنى ان هذه النيران هى من مواقع كمائننا, وتلاه آخر من أحد الكمائن يؤيد ذلك فتيقنت أن المعركة مع العدو قد آذنت, وبعد عدة ساعات اشتبكت قواتى القليلة العدد بقواته الكثيرة العدد والعتاد وقد شاهدت بنفسى استشهاد الجنود الليبيين عندما اطلق عليهم المتسللون النار من الخلف.
كما شاهدت عشرات القتلى من العدو الذين لقوا مصرعهم من اثر القنابل التى قذفت عليهم من المئذنة, وكان آخر موقع انتقلت إليه أثناء المعركة هو بقايا جدران غرفتين من ثكنات الجيش البريطانى, وقد حدث أثناء وجودى داخل إحدى الغرفتين أن دخل احد جنود العدو ليفتش المكان, فألقى قنبلة يدوية أثارت بعد انفجارها سحابة من الدخان, وبالتالى أخفتنى ومعى جنديان أحدهما يدعى محمد منصور من متطوعى الإخوان المسلمين شعبة العباسية.
وبعد انفجار الفنبلة دخل اليهودى وفتش الغرفة الأولى بإطلاق طلقات سريعة فى كل اتجاه من رشاشه, ثم خرج وسمعته يعيد تعمير رشاشه ويتكلم مع بعض زملائه.
وقد بزغ الفجر حينئذ قرأيت أشرء لقتلى للعدو تحت المئذنة, ورأينا جنود العدو يخلون المكان ويحملون جرحاهم فى سيارات الإسعاف, ةرأينا عشرات العربات المعادية تملأ أرض العصلوج.
وقد استشهد ثلاثة من قواتى التى كانت بالمئذنة وهم:
الأخ عبد الوهاب البتانوني من إخوان طنطا
والأخ محمود حامد ماهر من إخوان القاهرة.
الانسحاب من العصلوج
من بقايا ىخر موقع انتقلت إليه حددت طريق الانسحاب للجنديين اللذين كانا معى, وهو التحرك على وثبتين, الوثبة ألولى على مسافة 200 ياردة منى, والوثبة الثانية على مسافة 300 ياردة من الوثبة الأولى على أن نزحف على بطوننا بفاصل خمس دقائق بين كل واحد والآخر مبتدئا بنفسى.
وبدأنا التنفيذ بعد غروب الشمس مباشرة, وقبيل وصولى للوثبة الأولى – وهى عامود تليفون – شاهدت على يمينى شخصين يتحركان, وكانت طبنجتى فى يدى, فحولت فوهتها ببطء وحذر نحوهما, وضغط على التتك فلم تنطلق الرصاصة ( اسلحة فاسدة) فأخرجت خنجرى بسرعة واندفعت بقوة نحو أقربهما منى لأقتله, وإذا بصوت باللغة العربية يستنجد مناديا: يا حضرة اليوزباشى! لتعريفى با،ه محمود منصور الذى كان معى فى الموقع, فخارت قواى وحمدت الله كثيرا.
ولما سألته: لماذا تحرك هو ورفيقه قبل مضى الدقائق الخمس كان جوابه هو أنهما خشيا أن يضلا الطريق, لأننى الوحيد الذى على دراية كاملة بمسالك المنطقة, وقد نفذا الانسحاب للوثبتين الأولى والثانية حسب الأوامر الصادرة إليهما منى فى البداية, وبعد أن تجمعنا عند الأسلاك زحفنا مسافة أخرى حتى ابتعدنا تماما عن العصلوج.
وأكملنا السير بعد ذلك فى اتجاه العوجة ختى بزوغ فجر اليوم التالى, فوجدنا ا،فسنا قريبين من أحد مضارب البدو الذى كان مهجورا من صاحبه الذى تركه وبه أناء من الصفيح به نصف كوب من الماء, وكان العطش قد بلغ بنا أشده وكنا اثناء انسحابنا ليلا وقبل وصولنا لهذه الخيمة نرطب ألسنتنا بطل الندى الذى كان يكسو الزلط عند الفجر فاقتسمنا الماء نحن الثلاثة.
ثم أكملنا السير بعد ذلك, وعند أذان العصر وصلنا إلى خيمة بدوى فلسطينى آخر رحب بنا وذبح لنا دجاجة, وأرسل ابنه على جواد إلى قائد ثانى المتطوعين بالعوجة الذى أرسل لنا سيارة نقلتنا إليها .
إستجواب:
توافد إلأى العوجة وبير سبع جميع أفراد الكمائن الذين حاربوا معى فى العصلوج, بعد أن استطاعوا تدمير إحدى عشرة مصفحة بأفرادها , وأما الجنود الثلاثة الذى كانوا فوق المئذنة فقد استشهدوا كما ذكرت بعد أن أنزلوا بالعدو خسائر كبيرة بالأفراد من أثر القنابل اليدوية التى ألقوها عليه.
وقد وجه لى قائد الجيش اللواء المواوى بك السؤال التالى:
- ما أسباب هزيمتك فى العصلوج؟!
- فكان جوابى ما سبق أن كتبته فى تقاريري الستة, وما قلته لمدير الحدود أحمد سالم عند مروره بى فى العصلوج قبيل المعركة, وألخصها فى الآتى:
1-وجود عدة طرق مؤدية إلى العصلوج خالية من الكمائن لقلة الأفراد خاصة بعد سحب القوات الجزائرية وإضراب القوات الليبية.
2-عدم وجود قوات خاصة مزودة بأسلحة خفيفة مضادة للمصفحات للقيام بالهجوم المضاد.
3- سوء الشئون الإدارية بمعنى نقص المياه للاستحمام والشرب والغسيل, , وعدم وجود نظارات لوقاية العيون من العواصف الرملية , فضلا عن تعرض الجنود طوال النهار للهب الشمس الحارقة, كذلك عدم وجود أطعمة طازجة مطهية.
4- خفة حركة العدو مع البط الشديد فى حركتى.
وكذلك أبلغت سيادة اللواء أحمد علي المواوي القائد العام للقوات بأن قائد قوات المتطوعين فى بيت لحم العقيد أ{كان حرب أحمد عبد العزبز بالرغم من علمه بسوء موقفى من واقع التقارير التى أرسلتها إليه ( والتى قدمت منها نسخا إلى المواوى بك) فإنه لم يزرنى مرة واحدة للتأكد من خطورة موقفى, ولهذه الأسباب اقتنع المواوى بك بسلامة موقفى.
وقد طلبت من سيادته إعادتى إلى الجيش قتم نقلى إلى الكتيبة الرابعة مشاة بقيادة العقيد أركان حرب محمد كامل الرحماني بطل معركة نيتسليم.
شهادة للتاريخ:
وأستطيع أن أشهد حق وبأمانة أن متطوعى الإخوان المسلمين كانوا هم أعظم جنود مصر وأنهم كانوا يمتازون بالفضائل الآتية:
1-الإيثار
2- الطاعة.
3- الكتمان.
4-الشورى
5 – ثم عندهم عقيدة لا تتزعزع.
وأنهم لم ينقصهم لإلحاق الهزيمة باليهود إلا التدريب الجيد والسلاح الحديث.
وقد أرسل لى الملازم أول خالد محيي الدين خطاب تهنئة بمناسبة معركة بئر العصلوج هذا نصه:
عزيزى منعم الأسد.
تحياتى وأشواقى الرائعة الزائدة عن الحد, مرسل لك سلامى وتحياتى وتمنياتى الطيبة, وإننى متتبع أخبارك, وإننى فى غاية السرور لجميع الإخوان. هاكستيب فى 28/ 6/1948
أخوك خالد محيي الدين
نشيد ثوار فلسطين :
- فلسطين هبى ولا تجمـــدى
- وبالسيف والنار هيا احصدى
- فلسطين هبى ولا تجمـــدى
- أتتك الجحافل فى الموعـد
- تصب الهلاك على المعتــدى
- أتتك الجحافل فى الموعـد
- إذا لم يثب للرشاد العــدا
- جعلنا المنايا لهم مــوردا
- إذا لم يثب للرشاد العــدا
- دوى المدافــع أحلى نشيد
- وصوت البنـادق لحــن فريد
- دوى المدافــع أحلى نشيد
- فهيا لسحق العــدو العنيد
- ففى مصــرع البغى للحق عيد
- فهيا لسحق العــدو العنيد
الفصل السادس : مــع السادات مــرة أخرى
كان النقيبمحمد أنور السادات قد فصل من الخدمة فى الجيش بتاريخ 5/10/ 1942 وقد أعيد إليها مرة ثانية فى يناير 1950.
وجاءنى مرة عام 1944 فى صحبة الطيار أول حسن عبد العظيم عزت, وكانا هاربين من معتقل الزيتون, وطلبا الإختفاء عندى كما طلبا قرضا من المال, وقد تم تدبير المال لهما واستفادا به, ولم يعد إلى جيبى جزء كبير منه حتى الآن , أما عن اختفائهما فقد أعددت لهما غرفة فى شقتى تطل على السلم وأعطيتها مفتاحها وبقيا مختفيين عندى قرابة خمسة أشهر, ,كانت زوجتى الأولى – رحمها الله – تؤدى واجب الضيافة خير أداء, ولم ينس لها أنور السادات هذا الصنيع الجميل, فلما صدر عفو مجلس قيادة الثورة عام 1962, اصر على أن يعقد زاوج ابنتى بحضوره وحضور جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم, وان يكون هو والرئيس جمال عبد الناصر شاهدين على العقد, ولما توفيت شعيت جنازتها عسكريا حتى دفنت.
خطة لتهريب السادات:
وفى عام 1946 أرسل لى ضابط شرطة يطلب منى وضع خطة لتهريبه خارج القطر من معتقل ماقوسة قرب مدينة المنيا,وفعلا أرسلت له الخطة, وقد عاوننى فى وضعها الطيار أول حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة فيما بعد.
ولكن أنور اسادات رفضها لأنهامركبة من بعض المجازفات وغير مضمونة مائة فى المائة.
وفى عام 1949 كنت أقضى فترة نقاهة مرضية فى القاهرة مرسلا من مستشفى العريش فحضر الملازم سيد مرعي طالبا منى الاتصال بطبيب الملك الخاص ( الدكتور يوسف رشاد) فاتصلت به على العنوان الذى أعطاه لى الضابط.
وفى بيت الطبيب يوسف رشاد التقيت بأنور السادات وببعض الضباط الشبان, وكان من بينهم من اشتركوا معى فى الحرب الفلسطينية, تحت قيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز, ومنهم من اعتقل معى ومع المقدم أركان حرب محمد رشاد مهنا عام 1946 فى قضية توزيع منشورات ضد رئيس هيئة أ{كان حرب الجيش إبراهيم عطا الله, مثل الرائد محمد أحمد حبيب, وهناك مساعد واحد وضابطان نسيت اسميهما.
لم يتحدث معى الدكتور يوسف رشاد حديثا خاصا على انفراد, وانما كان كثير المديح والثناء على شخصه جلالة الملك الجالس على العرش, وأن الملك فاروق لا يألو جهدا للعمل لمصلحة الشعب المصرى, وكان كل من ذكرتهم ورأيتهم عنده حاضرين.
وأثناء حديثه أشار إلى التخلص من رئيس الوفد المصري المرحوم مصطفى النحاس باشا, ومن المرشد العام للإخوان المسلمين الشهيد حسن البنا, متهما الأول بأنه عميل انجليزى قبل أن يكون رئيسا للوزراء بأمر من قوات الاحتلال الإنجليزى للملك يوم 4 من فبراير 1942 عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين.
ومتهما الثانى بخطورته على القائد الأعلى للجيش, وعلى الأمن فى البلاد, ونسب للإخوان المسلمين عدة حوادث منها: مظاهرات الطلبة على كوبرى عباس عام 1946 ومقتل حكمدار الشرطة اللواء سليم زكي فى 4 من ديسمبر 1948 ورئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى 28/ 12/ 1948.
وقد امن الحاضرون على حديث الدكتور يوسف رشاد, بينما غمرنى الاضطراب وصعد الدم إلى رأسى وبادرت بالانصراف مستأذنا.
الإبلاغ عن خطة الحرس الحديدى:
ذهبت فورا إلى الصاغ محمود لبيب وأبلغته بما سمعته فى هذه الجلسة,وتوقعت إلغاء إجازتى المرضية,وفعلا ألغيت, ووصلنى فى اليوم التالى إشارة تأمرنى بالعودة إلى وحدتى فى أول قطار إلأى العريش, وبعد أسابيع قليلة من هذا اللقاء اغتيل المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين الإمامحسن البنا فى مساء 12/2/1949.
وقبل ذلك كانت قد انفجرت عبوة ناسفة عند جدار منزل المرحوم مصطفى النحاس باشا, مساء يوم 30/4/1948و فعرفت من هم المدبرون لهذه الأحداث.
تنظيم الضباط الأحرار:
نقلت من الكتيبة الرابعة مشاة بعد تمضية عدة شهور فيها بمركز شرطة عراق سويدان الذى اتخذته الكتيبة مركزا لقيادتها, وخلال المدة ما بين عامى 1949, 1950 رقيت إلى رتبة رائد ثم مقدم وخدمت فى كتبتين هما الكتيبة العاشرة والكتيبة الثالثة عشرة متنقلا بين غزة ورفح والعريش والشط( شرقى السويس) وأبو عجيلة وكانت خدمتي طيلة هذه السنوات شرق القناة بعيدا عن القاهرة وعن قيادة تنظيم الإخوان الضباط التابع لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش, وكنت أمنح سبعة أيام أجازة كل ثلاثين يوما.
وقد وقعت عدة حوادث خلال تلك السنوات أثرت تأثيرا كبيرا على تنظيم الإخوان الضباط بالجيش, وعلى مصر بصفة خاصة, ففى عام 1949 اغتيل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين , وظهرت حركة عصيان وتفكك فى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة عبد الرحمن السندى, وعادت قواتنا المحاصرة فى الفالوجا يوم 11/3/ 1949 إلى القاهرة حاقدة على الملك فاروق وحاشيته هيئة أركان حربه, وكان المقدم أركان حرب جمال عبد الناصر حسين وبعض الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من بين المحاصرين العائدين الثائرين فعقدنا عدة اجتماعات برئاسة الصاغ محمود لبيب انتهينا فيها إلى النتائج الآتية:
أولا: الثأر لمقتل الشهيد حسن البنا بعد التأكد من معرفة القتلة .
ثانيا: الحذر من أفراد الحرس الحديدى, وبذل الجهود لمعرفة كل شىء عن أفراده.
ثالثا: التخلص من النظام الملكى واستبداله بنظام إسلامى.
رابعا: الاستمرار فى تدريب ومد الإخوان المسلمين بالذخائر والأسلحة والمفرقعات لطرد الإنجليز من بلادنا.
استدعىجمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بحضور رئيس هيئة أركان حرب الجيش عثمان المهدي, ووجهت إلى جمال عبد الناصر تهمة الإنتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم, ولكنه استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه.
وأسر ع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر , وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق وأنهم لن يتخلوا عنه, مما أثبت قوة ارتباطنا ماديا.
وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم( الضباط الأحرار) لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز.
وجهة النظر وبداية الخلاف:
وفى شهر سبتمبر 1949 أبلغنى جمال عبد الناصر عقب حضوره إلى القاهرة فى إجازة ميدان أ،ه يريد عمل انقلاب, ولا يستطيع تجميع الضباط حول مبادىء جماعة الإخوان المسلمين واتباع هذا الأسلوب المتزمت فى اختيارهم المتمثل فى أن يشترط, فى الضباط الذى يراد ضمه للتنظيم اجتناب الخمر والميسر والنساء الساقطات, وضرورة المواظبة على الصلاة ومحبة الجنود له.
والتزام النساء من أهله بالزى الإسلامى, والطاعة لقرارات مكتب الإرشاد وضرب لى مثلا بقوله: إن خالد محيى الدين تركنا عام 1947 واعتنق المبادىء الماركسية, وانضم إلأى منظمة أسكرا الشيوعية.
وطال الجدال بينى وبين جمال عبد الناصر, واستغرق عدة ساعات, وظل كل منا متمسكا برأيه,جمال عبد الناصر يريد ضم أكبر عدد من الضباط بصرف النظر عن التسيب الخلقى والتحلل من الزى الإسلامى لنساء عائلة الضابط, كما عارض بقوة طاعة الضباط لمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ووصفهم بالتزمت.
قلت له: إن التسيب فى اختيار الضباط سيوقعنا فى طبات المخابرات, كما أن عدم ارتداء زوجاتنا للزى الإسلامى سيجعلنا أضحوكة أمام جنودنا فى المناسبات الدينية والوطنية والطريق العالم.
وأما قرارات مكتب الإرشاد فلا تصدر إلا بعد تمحيص من خبراء الجماعة , وقد أثبتت الحوادث صحة قرارات مكتب الإرشاد, كما أن تاريخ الجماعة الإخوان المسلمين ناصع من جميع الوجوه السياسية والاجتماعية والعسكرية, فمبدأ التكافل يطبق على كل أخ محتاج يقع فى ورطة وللجماعة أربعمائة شعبة فى أنحاء القطر, يجد فيها الأخ علاجا ورياضة.
وقد انتهى النقاش بينى وبين جمال عبد الناصر بأن نستنير برأى الفريق عزيز المصري, وابلغت وجهة نظر جمال عبد الناصر للصاغ محمود لبيب.
ثم ذهبت أنا وجمال عبد الناصر إلى الفريق المصرى, وبعد أن استمع لكل منا قال: اعملا معا لطرد الإنجليز من مصر, ثم تابعا الكفاح لالغاء النظام الملكى وإياكما والخصام لنه يشتت قواكما, وإذا لم تستطيعا العمل معا, فسيرا نحو الهدف متوازيين كقضيبى السكة الحديد.
قلت: إننى سأعمل بهذه النصيحة فى إطار ما تسمح به أوامر قيادة الإخوان المسلمين .
وقال جمال عبد الناصر: إن هدفى الأول هو إلغاء النظام الملكى وقد انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ضباط حوصروا معى فى الفالوجا, مثل صلاح سالم, ويعمل معنا عبد الحكيم عامر, وخالد محيي الدين.
وبعد ذلك ذهبت إلى الصاغ محمود لبيب وحدثته بكل ما قاله جمال عبد الناصر وعزيز المصري وما قلته أنا فقال: قل لجمال إن الجماعة الإخوان المسلمين متزمتة متزمتة!!
وبعد بعة أشهر أصيب الأخ الكبير الصاغ محمود لبيب بالفالج ولزم الفراش وبد عليه الهزال, وكانت شقيقته تقوم بخدمته وتمريضه, وكان يستخدم الإشارة فى طلب ما يريد.
وقد أنهيت آخر زيارة بأن قبلته على جبينه وكانت قبلةالوداعو فبعدها بأيأم قرأت خبر وفاته فى نعى نشر بالصحف وكنت فى الشط عام 1950 رحمه الله رحمة واسعة.
عبد الناصر يستولى على أسرار التنظيم: قرأت فى مذكرات الرائد أركان حرب حسين حمودة وهو أحد الضباط السبعة الذين أسسوا تنظيم جماعة الإخوان الضباط وهى بخط يده يقول:
فى عام 1949 وقبل وفاة الصاغ محمود لبيب, وكان قد دهمه المرض, فزرته أثناء إجازتى الميدانية فوجدت عنده جمال عبد الناصر, وكانت حالة الصاغ محمود لبيب متأخرة ولكنه كان صافى الذهن, وكان راقدا على فراشه وقال لنا: إنى سأموت وسأكتب مذكرة بأسماء الضباط الذين يشملهم تنظيم الإخوان الضباط, والمبالغ المتبقية من الاشتراكات وسأسلمها لجمال عبد الناصر لتستمروا فى تحقيق الرسالة من بعدى.
وطلب منى أن نكون يدا واحدة وأن يتعاون جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف.
ونظرا لانشغالى بموعد آخر فقد انصرفت وتركت جمال عبد الناصر مع الصاغ محمود لبيب ولما توفى الصاغ محمود لبيب شاركت فى جنازته وشارك فيها أيضا جمال عبد الناصر, وبعد انتهاء الجنازة سألت جمال عبد الناصر: هل سلملك المرحوم الصاغ محمود لبيب ورقة الأسماء والنقود؟
فأجابنى جمال عبد الناصر بأنه لم يخرج من بيته يومها إلا ومعه الورقة بالأسماء والنقود.
وفى عام 1950 أفهمنى جمال عبد الناصر أنه سيعيد التنظيم السرى لضباط الجيش الذى بدأ عبد المنعم عبد الرؤوف ومحمود لبيب عام 1944 وتوقف فى مايو 1948 بسبب حرب فلسطين.
وقال عبد الناصر: إنه سيضم إلى هذا التنظيم عناصر أخرى من غير الضباط الإخوان, وخاصة الذين قاسموه محنة الفالوجا وغيرهم ممن يلتمس فيهم صفتى الشجاعة والكتمان, وقال جمال لى فى هذه الجلسة: إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان الضباط بضباط الجيش, وأنه يرى لدواعى المن قطع الصلة بعبد الرحمن السندى رئيس الجهاز السرى المدنى للإخوان, وخاصة بعد الحديث الذى دار بين عبد الناصر ورئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي , فلما حذرت عبد الناصر من أن إدخال عناصر فى تنظيمنا السرى غير متدينة قد يجر علينا ويلات لا يعلم مداها إلا الله, اجابنى: أن التدين الكامل غير متوافر حاليا فى أغلب الضباط بالجيش, وكانت الحالة السياسية فى مصر خطيرة ولابد من عمل إيجابى فى القريب ,وإذا دققنا الاختيار بمواصفات الإخوان المسلمين فسيتأخر تنفيذ الثورة, وربما لا تحدث على الإطلاق.
وقال عبد الناصر: يكفى فى العناصر عند تنظيمها للتنظيم صفتى الشجاعة والكتمان وهى كافية فى نظرى للقيام بالثورة على أساس أن زمام الأمور سيكون فى يده بعد نجاح الثورة, وهو مقتنع بأن الحكم بالقرآن هو الحق وأنه ينوى أن يكون العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
انتهى كلام حسين حمودة
المقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي يحل مكانى فى قيادة التنظيم:
هزت وفاة الأخ الكبير الصاغ محمود لبيب تنظيم الإخوان المسلمين الضباط (الضباط الأحرار) هزا عنيفا, لأنه لم يوجد فى صفوفهم من يحل محله ممن فى مثل سنه وخبرته وعلمه بكل صغيرة وكبيرة من لحظة بدايتها.
ولما كنت دائم الخدمة فى فلسطين وسيناء وشرق القناة من عام 1947 إلى يوم 17/ 7/ 1952 فقد عين مكتب الإرشاد ضابطا ممتازا هو المقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي من خريجى كلية أركان حرب وأستاذ فى الكلية الحربية ومن أحباء جماعة الإخوان المسلمين منذ حياة والده المرحوم الشيخ عبد الحي سعد.
وشغلت انشغالا كليا عامى 1950 – 1951 فى تدريب وحدتى العسكرية وإمداد فدائيى الإخوان المسلمين على طوال القناة بالذخيرة وأدوات النسف, لشن حرب العصابات ضد الإنجليز.
كان الإخوان المسئولان عن تسلمها منى وتوزيعها هما: مأمور القنطرة شرق النقيب عبد الفتاح غنيم, وكامل الشريف وزير الأوقاف فى حكومة الأردن فيما بعد.
وفى عام 1955 أصدر الأستاذ كامل الشريف كتابا اسمه ( المقاومة السرية فى قناة السويس 1951 – 1954) اشتمل على دقائق وعمليات النسف والتدمير وحرب العصابات التى شنها المصريون ضد البريطانيين.
وقد أفرد الكاتب دورى فى هذه العمليات تحت عنوان: ( عبد المنعم عبد الرؤوف فى السويس) فى فصل كامل من صول الكتاب.
الفصل السابع : أجازة سعيدة
منحت إجازة ميدان تبدأ يوم 18 من يوليو 1952, على أن تنهى يوم 26 من نفس الشهر لأقضيها مع أسرتى فى القاهرة.
نقلتنى إلى العريش عربة من أبى عجيلة ( شرق سيناء) مع زملائى الضباط الممنوحين إجازات, وركبنا قطارا إلى القنطرة ومنها إلى القاهرة.
وكان حديث الضباط المرافقين لى يدور حول حريق القاهرة يوم 26 من يناير 1952 من دبره؟ وما أسبابه؟, وعن اللواء محمد نجيب فى انتخابات رئاسة نادى ضباط الجيش وسقوط مرشح القصر الملكى اللواء حسين سري عامر, لأن الأكثرية العظمى كانت تحب محمد نجيب لشجاعته فى حرب فلسطين إذ أصيب بجرحين فى كتفه وصدره وأطلق عليه بطل معركة التبة 76.
لقاء مع عبد الحكيم عامر:
وصلنا القاهرة وذهبت إلى بيتى حيث زرت زوجتى وبنتى, وفى يوم 19/7/1952 زرت شقيقىّ الكبيرين, ثم توجهت صباح نفس اليوم إلى منزل عبد الحكيم عامر للسؤال عنه, لأننى قرأت فى أوامر المحطة العسكرية بالعريش نبأ مرضه, وظهر لى من حديثى معه أنه بحالة جيدة, ودعانى لزيارته فى منزله بالعباسية الساعة 1000 يوم 20/7/1952, فذهبت إليه فى الموعد المحدد, وأبلغتنى فتاة فى سن الشباب وكبيرة الشبه بعبد الحكيم عامر بأنه غير موجود, ولم يترك موعدا لى فانصرفت.
أنباء الانقلاب:
وعلى بعد خطوات من منزل عبد الحكيم عامر التقيت مصادفة بالصاغ أركان حرب صلاح محمد نصر( رئيس جهاز المخابرات فى الانقلاب) الذى بادرنى بالسؤال : إلى أين ذاهب؟ ومن أين أنت قادم؟
- فأجبته : إننى قادم من منزل الصاغ عبد الحكيم عامر الذى لم أجده.
فقال لى: إننى ذاهب إليه لأننى على موعد سابق معه,و قد ادعى المرض ليحضر إلى القاهرة لوضع الخطوط الأخيرة للحركة.
فقلت لصلاح نصر مستدرجا كأننى أعرف معنى عبارة( وضع الخطوط الأخيرة للحركة): الحركة تحتاج إلى سرعة ودقة أكبر مما تتصور, فكيف تكون السرعة والدقة والصاغ أركان حرب عبد الحكيم يخلف الميعاد؟!!
فقالصلاح نصر:إننى باعتبارى قائد جناح التدريب فى كتيبتى ونقلت مع الفرقة الأولى مشاة منذ أيام من سيناء إلى القاهرة ومن الضباط الأحرار فقد أعددت كل شىء لتوزيع الذخيرة على جنودى وقادم الآن لعبد الحكيم عامر لأعطيه تمام.
فقلت لصلاح نصر: اذهب قبل فوات الأوان لتعطى تماما, وأنا ذاهب للإستعداد.
وانصرفت قاصدا المهندس حلمي عبد المجيد ( يعمل حاليا فى شركة المقاولين العرب) والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي المسئول عن جماعة الإخوان الضباط الذين كانت تميزهم الصفات الخلقية, وظلوا على المواصفات السابقة قبل أن يضم عبد الناصر إلى تنظيمه كل من هب ودب, والدكتور المهندس حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين, وأبلغتهم ما قاله لى الصاغ أركان حرب صلاح نصر.
ثم عدت إلى منزلى مترقبا ومنتظرا أوامر مكتب الإرشاد والجيش.
وفى يوم 21/7/1952 دعيت والدكتور مهندس حسين كمال الدين , والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي للذهاب إلى دار الأخ صلاح شادي الذى لم يسبق لى رؤيته من قبل أو معرفة أى شىء عنه, وكل ما خرجت به من هذه الزيارة أنه استقبلنا وودعنا بحفاوة, وبالنظر لوجود ضيوف عنده فى غرفة ملاصقة لم نطل الزيارة( علمت فيما بعد أن الضيوف كانوا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وآخرين) وعلمت كذلك انهم جاءوا يطلبون من الإخوان مؤازرتهم عند بدء الانقلاب.
ثم سافر فور المهندس حلمي عبد المجيد إلى الإسكندرية ليبلغ فضيلة المرشد حسن الهضيبي آخر الأنباء( وأهم هذه الأنباء كان ما دار بينى وبين صلاح نصر).
وذهبت إلى دارى أنتظر وأترقب أوامر من قيادة الجيش أو من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين, فلم يتصل بى أحد مطلقا لا من هؤلاء ولا من أولئك ايام 22/7 إلى صباح 23/7/ 1952 عندما سمعت إذاعة القاهرة تعلن نبأ الانقلاب واحتلال مبنى الجيش بكوبرى القبة ولم أبارح منزلى بقية نهار يوم 23/7/1952.
لقاءبعد الغروب:
وبعد غروب الشمس لذلك اليوم ذهبت على مركز قيادة الجيش مرتديا الزى العسكرى لسببين: أولهما تهنئة قيادة الانقلاب, وثانيهما تلقى الأوامر الخاصة بى كضابط فى إجازة ميدان, وإجازتى تنتى بعد باكر لأعود إلى مقر عملى فى ابى عجيلة.
صعدت إلى الدور الأول, وقد ساعد معرفة الضباط لاسمى ووجود بطاقتى الشخصية معهم على وصولى إلى غرفة القيادة الجديدة, حيث وجدت على بابها الصاغ أركان حرب كمال الدين حسين , وسألته عن جمال عبد الناصر, فأشار لى إلى مكانه, وكانت غرفته تقع فى نفس الصف الذى نتحدث عنده , وتفصلنا عن هذه الغرفة أربع غرف اتجهت نحو الغرفة, فوجدت جمال عبد الناصر يغط فى نوم عميق, فهززته عدة مرات وناديته باسمه كاملا يا جمال عبد الناصر... وباسمه المدلل مرة(جيمى) وقلت له: أنا عبدالمنعم عبدالرؤوف.. اصح وكررتها عدة مرات ولكن دون جدوى, ولكنه كان يقاطعنى بكلمات متقطعة: الملك! الملك! اسكندرية.. اسكندرية.. رأس التين.. المنتزة.. رأس التين المنتزة!!.
فتركته دون أن أهنئه وعدت من نفس الطريق فاستوقفنى الصاغ أركان حرب كمال الدين حسين,وقائد الأسراب حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة عند غرفة القيادة الجديدة وسألنى الصاغ أركان حرب كمال الدين حسين : إلى أين أنت ذاهب؟
فقلت له: إلى منزلى استعدادا للعودة باكر للعريش, ومنها إلى أبى عجيلة حيث توجد كتيبتى.
قال لى كمال : لا تسافر وستصلك أوامر عند الفجر عن تحركات جديدة نظرت بسرعة داخل غرفة القيادة الجديدة فرأيت اللواء أركان حرب محمد نجيب جالسا والباقين متوازين ولم يدعنى أحد للدخول فلم أدخل,واستنتجت من زياراتى أشياء هامة.
1-أن الملك فى أحد قصريه بالإسكندرية يشغل بال عبد الناصر ويقلقه أثناء نومه.
2-أن الصاغ أركان حرب كمال الدين حسين أبلغ اللواء محمد نجيب نبأ حضورى لزيارة عبد الناصرواقترح عليه وعلى الذين كانوا معه فى الغرفة تعيينى فى إحدى الوحدات المسافرة إلى الإسكندرية لتنفيذ باقى الانقلاب.
3-أن هذا الاقتراح قوبل بالموافقة الفورية منهم, بدليل أننى لم أمكث أكثر من ثلاث دقائق لمحاولة إيقاظ جمال عبد الناصر لتهنئته.
4-أن انضمامحسن إبراهيم إلى كمال الدين حسين ليبلغانى عدم العودة إلى أبى عجيلة, وترقب أوامر عند الفجر كان ليفهمني صورة الجدية للأوامر بأنها صادرة من قيادة الإنقلاب, فالأول كان زميلا لى فى سلاح الطيران, وشاهدته عدة مرات فى بيت الفريق أركان حرب عزيز المصري, الثانى العضو الرابع فى الخلية الأولى لجماعة الإخوان المسلمين الضباط, الذين أقسموا يمين البيعة لفداء الدعوة الإسلامية عام 1946.
5-أن الأوامر التى ستصلنى عند الفجر ستكون السفر إلى الإسكندرية .
انصرفت مسرورا تجاه منزلى وأبلغت زوجتى بأنى مسافر باكر غالبا إلى الإسكندرية وليس لأبى عجيلة, وطالبتها بتجهيز حقيبة صغيرة بها غيارات وملابس وعرفتها أن سيارة ستمر لتأخذنى عند الفجر.
مهمة خطيرة كلفت بإنجازها:
عند صلاة الفجر دق باب شقتى بالسيدة زينب الصاغ أركان حرب عبد الوهاب جمال الدين, هو زميلى فى كتيبتى فى أبى عجيلة, وزاملنى فى نفس القطار لقضاء أجازة ميدان فى القاهرة, وأبلغنى بأننى عينت قائدا للكتيبة 19 مشاة, وهى فى انتظارى عند فندق مينا هاوس بالهرم على طريق مصر إسكندرية, وأنه عين أركان حرب مجموعة اللواء السابع الواقفة هناك أيضا, استعداد للتحرك معا إلى الإسكندرية.
ودعت زوجتى وركبت السيارة بصحبة الصاغ أركان حرب عبد الوهاب جمال الدين إلى حيث نشطت كتيبتى الجديدة 19 بنادق مشاة وقفمت بالتتميم عليها فوجدت أن عدد ضباطها تسعة وكلهم برتبة ملازم أول, ما عداى فأنا برتبة مقدم, وكان هناك نقص كبير فى الصف ضباط والجنود, فعينت الملازم أول محمد كامل سليم أركان حرب لى, ووزعت الضباط الباقين على السرايا بمعدل واحد لكل سرية وضابط للشئون الإدارية , وسادس للمخابرات .
قبل المهمة:
وعند وصول مقدمة مجموعة اللواء السابع بقيادة العقيد أحمد شوقي لميدان المنشية أسرعت بسيارتى إلى محل تجارى يعمل فيه صديق لى منذ كنت طيارا فى محطة الدخيلة اسمه علىّ الدين زكى, وكلفته بتوصيل رسالة كتبها ألاخ عبد الرحمن السندي( قائد النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين) إلى أخ اسكندرانى يبلغه فيها الثقة بى والتعاون معى فى جميع المجالات إذا تأزمت الأمور.
طلبت من علىّ الدين زكى أن يؤكد على الأخ القارقصى ان يمر بى عند معسكر مصطفى باشا اليوم. 26 يوليو اليوم السعيد:
أيقظنى نوبة صحيان قبل صللاة الفجر بقليل واستدعانى قائد مجموعة اللواء السابع العقيد أحمد شوقي وسلمنى قطعة من ورق النشاط كتب عليها الغرض المطلوب منى تنفيذه, وكان الغرض محاصرة قصر رأس التين, ومنع دخول وخروج أى شخص ومنع الاحتكاك.
يتم ذلك قبل س ع ت 730 اليوم 26/7/1952 تحت قيادتك جماعة مدافع ماكينة, فى معاونتك تروب مدفعية متوسطة.
ابلغت أن هذا الغرض متضارب فى الفقرتين الثانية والثالثة! إذ كيف يمكنى منع الدخول والخروج للموظفين وغيرهم على اختلاف رتبهم ووظائفهم وأعمالهم من إلى القصر دون حدوث احتكاك؟
- أجاب: تصرف بما تراه مناسبا.
كان الوقت حينئذ سعت 600 من يوم 26 / 7/1952 وكان جنودى راكبين جاهزين للحركة فاتجهت بهم صوب قصر رأس التين, وعلى يعد 300 ياردة ترجل الجميع وجمعت ضباط والصف ضباط والجنود المعينين بدل الصف ضباط كل سرية على حدةو وقائد مدافع الماكينة وقائد تروب المدفعية, وشرحت لهم خطتى لمحاصرة القصر وهى لا تختلف عن تقريرى المدون بتاريخ 27/7/1952 وهذا نصه ليقف القارىء منه على تلك الخطة:
ك19 مشاة.رقم القيد.....
التاريخ 27/7/1952.
حضرة صاحب العزة قائد اللواء المشاة السابع القائمام أحمد شوقي.
أتشرف بأن أرفع تقريرى هذا لعزتكم للتكرم بالنظر:-
فى يوم 24/7/1952 س ع ت2130 كنت بزيارة لهيئة أركان حرب الجيش للقوات المسلحة فقابلت عزتكم, وأصدرتم لى أمرا بتعييني قائدا للكتيبة 19 مشاة وحوالى سعت 455 يوم 25/7/1952 وصلتنى إشارة بمنزلى مع مخصوص بأن الكتيبة المذكورة تحركت من ثكانتها وطلب منى مقابلتها عند مينا هاوس, وقد قمت فورا بالتنفيذ, وقابلني حضرة الصاغ إسماعيل السيد عبد الوهاب حيث سلمنى الكتيبة واتخذت قيادتها إلى الإسكندرية وقد أعطى للكتيبة واجب محاصرة قصر التين ومنع دخول وخروج أى شخص إليه, فى سعت 710 تحركت الكتيبة من ملعب البلدية متجهة نحو القصر وصلتها سعت 740 وقد قمت فورا بتوزيع القوة حول القصر بعد استكشاف سريعو وقد وجدت أن الجانب الأيسر منطقة هامة حيث انها مشرفة على الميناء مباشرة,فأمرت بتكثيفها بنيران مدافع الماكينة.
وفعلا وضعت بها فصيلة مشاة وجماعة مدفع وجماعة مدفع فيكرز, وقد تم الحصار فعلا سعت 755, فى سع800 وأثناء وجودى بتنظيم مواقع هذه المنطقة أطلقت طلقات نارية من جهة السراى على قواتى وشاهدت مدفع فيكرز ينصب فى حديقة القصر للإستعداد لفتح النيران على قواتى , فوجدت أنه من الضرورى سرعة تأمين قواتى, خاصة وقد ابتدىء بفتح النيران من ناحية الحرس, فأمرت بإطلاق النيران على مواقع الحرس وفعلا تم ذلك, وترك طقم المدفع موقعه ودخلوا القصر, وخرج خمسة من ضباط الحرس على رأسهم اللواء عبد الله باشا النجومى معلنين الاستسلام, وقدموا سلاحهم, إلا أنه فتحت نيران سريعة وفردية من مبانى الحرس بالقصر من جهات عدة وخاصة من أعلى المبانة على مواقعنا فجاوبناها بالمثل وأسكتناها.
وخرج ضابط برتبة اليوزباشى (نقيب) حاملا علما أبيض معلنا الاستسلام كل من فى القصر, وبعد فترة حضر حضرة القائمقام عبد الله رفعت من حرس القصر, وأخذ على عاتقه عدم إطلاق أى طلقة من ناحية القصر, وعليه امرت بوقف النيران فى الحال, وقد أصيب فى هذه المعركة كل من الجندى حميدة أبو سريع من ك2.م.م والجندى سعد الدين عطية من ك19 مش, ولا يفوتنى ان أقرر ما قام به كل من حضرات الضباط والصف والعساكر الآتية أسماؤهم بعد لما أبدوه من شجاعة وثبات وتنفيذهم لأوامري بحماس وإيمان تحت وابل من النيران السريعة, مما أثار إعجابى, كما أنهم يستحقون تقدير عزتكم وهم:
حضرة الصاغ إسماعيل السيد عبد الوهاب من ك19 مش.
حضرة اليوزباشى مدحت زكي شعيب من ك19 مش.
حضرة ملازم أول حسين علي حافظ من ك 2 م.م.
حضرة ملازم ثانى محمد كامل سليم من ك19 مش.
حضرة ملازم ثان عبد المحسن أبو زهرة من ك 19 مش.
وأمباشى ميخائيل فرنسيس.
وعسكرى محمد عبد الحليم إبراهيم ... طقم رشاش فيكرز
وعسكرى محمد إبرهيم جاد الله ... من ك 2م.م
وعسكرى محمد أحمد علي.
عسكرى سيد محمد سيلمان
عسكرى محمد البيومي أبو شهاب ... طقم رشاش براوتتج من ك 2م.م
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.
تسلمت عدد 3 صور
بكباشى عبد المنعم عبد الرءوف
قائد ك19 مش
تسلمت الأصل 31 /7/1952
استلمت صورة من هذا التقرير للاستعانة به فى سرد هذه الحقائق بالسجل التاريخى للكتيبة التاسعة عشرة بنادق كشاة
يوزباشى مدحت زكي
7/8/1952
وكان قد جاءنى خطاب من العقيد شوقى للتحرك إلى الإسكندرية للقيام بواجب خاص ( وكان الواجب الخاص محاصرة قصر رأس التين) وهذا نصه.
إدارة قسم القاهرة
القيد طوارىء تطهير 10/52
التاريخ 18/7/1952
سرى وعاجل ومع مخصوص
حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف قائد ك 19 بنادق مش.
ردا على كتابكم رقم( 4/1952/2183)
بتاريخ اليوم وبناء على تعليمات القيادة العامة قد تعينتم حضرتكم قائدا للكتيبة التاسعة عشرة بنادق مشاة يوم 25/7/1952 للتحرك إلى الإسكندرية يوم 26 منه للقيام بواجب خاص, وهذا تأييدا للأوامر الشفوية التى صدرت فى حينه.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
قائمقام / أحمد شوقي
قائد قسم القاهرة
وجاءنى فى خطاب شكر من مدير مكتب القائد العام لشئون الجيش البكباشى أركان حرب ( وكان فى ذلك الوقت جمال عبد الناصر حسين) نصه:
القيادة العامة للقوات المسلحة
مكتب القائ العام
التاريخ 9/8/1952
رقم ق.ع 12/1/22/76
حضرة قائد قسم القاهرة
بالإشارة للتقرير من حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف قائد ك 19 مشاة المرسل لنا رفق كتابكم رقم طوارىء تطهير 2/52 بتاريخ 2/8/1952
يرجو سعادة القائد العام أن تنوبوا عنه فى إبلاغ جميع ضباط وصف وعساكر الكتيبة المذكورة والقوات التى عاونتها وشكره وتقديره كاملين.
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام
بكباشى أ.ح
إمضاء
مدير مكتب القائد العم لشئون الجيش
إدارة قسم القاهرة
رئاسة قوات الطوارىء
القيد طوارىء تطهير 2/52
العباسية فى 18/8/1952
حضرة قائد ك 19 بنادق مشاة
المسطر عاليه صورة ما ورد لنا من القيادة العامة للقوات المسلحة مرسل لإبلاغه لجميع الرتب.
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.
قائمقام
قائد قسم القاهرة وقوات الطوارىء
صورة إلى حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف قائد ك 17 ب. م
ثم تمضى الأيام
وبعد ثمانية عشر عاما قضيتها هاربا خارج الوطن ( نوفمبر 1954 – نوفمبر 1972) ومحكوما علىّ بالإعدام رميا بالرصاص, عدت إلى أرض الوطن, وفى الأول من سبتمبر 1975 زرت العقيد عبد الله رفعت قائد الحرس الملكى يوم محاصرتى قصر رأس التين يوم 26 / 7/1952 وكان بصحبتى فى هذه الزيارة السيد العقيد أركان حرب رشاد مهنا ( الوصى على العرش أثر الانقلاب 23 يوليو 1952) وطلبت من السيد العقيد عبد الله رفعت أن يكتب لى مادار بينى (كقائد قوة الحصار) وبينه كقائد قوة الحرس الملكى فتفضل بالكتابة ووقع الإثنان العقيد عبد الله رفعت والعقيد أركان حرب محمد رشاد مهنا بالتوقيع على ما كتبه الأول.
وهذا نص الحديث الذى دار بيننا كما سجله العقيد عبد الله رفعت:
بعض ذكريات يوم 26/7/1952 يوم تنازل الملك فاروق عن العرش بينما أنا جالس فى مكتبى برئاسة الحري الملكى بقشلاق رأس التين حوالى الساعة 745 أبلغنى الضابط النوبتجى بوجود قوات من الجيش تحاصر مدخل قصر رأس التين, ولما خرجت وجدت قوات المدفعية والمشاة بمداخل الطرق المؤدية للقصر, وكان الحرس الملكى يحتل مواقع الحراسة منذ 48 ساعة, وأثناء مرورى على القوات سمعت طلقة لم أتبين مصدرها هل هى من الحرس أم من قوات الجيش, كانت هذه الطلقة إيذانا بفتح النيران بين قوات الجيش والحرس, واتصل بى الملك تليفونيا فى الحال وقال لى ما نصه:
اوقف النيران فورا, إنت بتحارب الجيش الإنجليزى!!! دول أولادك وإخوتك هم الذين أمامك, أوقف النار حالا.
وفعلا أمرت بوقف إطلاق النار وخرجت من باب القشلاق الواجة لقوات الجيش حيث توجهت إلى مكان وقوف ضباط الجيش, وقابلت البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف قائد القوات التى تحاصر قصر رأس التين, ودار بينى بينه الحوار الآتى:
- عبد الله رفعت: ما المطلوب؟
- عبد المنعم عبد الرءوف: الخلاص من الملك وحكمه.
عبد الله رفعت: لا داعى لأن نتقاتل!
عبدالمنعم عبدالرؤوف: أنا موافق على شرط أن يوقف الحرس إطلاق النيران, وتتعهد حضرتك بالتزام ذلك مع سحب الذخيرة.
عبد الله رفعت: أتعهد بذلك. وأين اللواء عبد الله النجومي, والبكباشى عبد المحسن,والبكباشى محمد صادق؟!
عبد المنعم: قبضت عليهم وأرسلتهم إلى معسكر مصطفى باشا.
وفعلا أوقفت النيران فورا, وأذكر للتاريخ الآتى:
بعد أن ظهر الموقف على حقيقته وجديته وتنازل الملك عن العرش, توجهت إلى قصر رأس التين حوالى الساعة 1000 من نفس اليوم, وقابلت حضرة صاحب جلالة الملك فاروق, حيث كان مجتمعا مع رجال الحاشية يتحدثون فى الموقف, قال الملك فاروق إنه قد وافق على التنازل رغبة فى إنقاذ الموقف, لأنه يعتقد أن حكم البلد فى صورة الأحزاب القائمة لا يأتي بخير ولم يتمكن هو من توجيه التوجيه السليم وأنه لو كان راغبا فى المحافظة على عرشه لقبل عرض الأسطول الإنجليزى, الذى كان مرابطا على مدخل الميناء من حوالى الساعة 600 من نفس اليوم , للسماح لهم بالنزول إلى الإسكندرية لحماية البلد, ولكن أنا أضحى بألف عرش ولا أسمح لكلب إنجليزي أن يضع قدمه على أرض مصر ثانية.
وحوالى الساعة 1245 حضر المستشار سليمان حافظ ومعه ورقة التنازل لإمضائها من الملك.
وأثناء خروج سليمان حافظ من القاعة التفت إلينا اجلالة الملك قائلا: هذا الثعلب هو الذى سيخرب البلد) مشيرا إلى المستشار سليمان حافظ
قائد الحرس المشاة الملكى برأس التين سابقا
توقيع / محمد رشاد مهنا
دليــــل آخر:
وبتاريخ 1/1/1978 ذهبت إدارة المشاة بالعباسية فى موضوع خاص فالتقيت مصادفة العقيدمحمد كامل سليم الذى عرفنى بنفسه, وذكرني انه أحد الضباط الذين حاصروا وهاجموا معى القصر رأس التين صباح 26/7/ 1952.
ثم قدم لى تقريرا بتاريخ 1/1/ 1978 يطالبنى بإضافة اسمه إلى كشف الضباط الأحرار, وكل ما أستطيع أن أفعله لهذا الضابط هو أن أنشر تقريره فى مذكراتى.
ولقد سبق لى أن ذكرت اسمه فى أول تقرير بتاريخ 27/7/1952 مع الضباط الذين أبدوا شجاعة وثباتا.
وأريد أن ألفت نظر القارىء إلى ما جاء فى تقرير الضباط ابتداء من (وبعد سعت 1800 إلى تسجيل هذا الموضوع) فسوف يلاحظ أن السيد زكريا محيى الدين مزق كشفا بأسماء الضباط الذين اشتركوا فى تنفيذ عملية الحصار.
فلماذا مزق زكريا محيى الدين هذا الكشف؟!!
السبب هو أن قائد الكتيبة هو البكاشى عبدالمنعم عبدالرؤوف حيث كان اسمى اول الأسماء.
ولقد أثبتت الظروف والملابسات إصرار مجلس قيادة الثورة, وجهاز مخابرات الجيش على طمس اسمى وتاريخى من أى عمل مجيد, وتشويهه فى بعض الحالات بينما يذكرون اسمى عند الاستفادة منه فقط.
وهناك حالة مشابهة آخرى لحادثة تمزيق كشف أسماء الضباط, الذين شاركوا فى حصار قصر رأس التين, ولكنها كانت من الصحفى الأستاذ حلمي سلام الذى كتب ما قاله عن قصة الثورة ( من المهد إلى المجد) فى مجلة المصور العدد 1464 بتاريخ 31/10/1953 ابتداء من العنوان التالى:
(موعد فى جزيرة الشاى) وقد جاء فى المقال المذكور العبارة التالية:
وفى الترام التقى العملاق بصاحب له, وأخذ الاثنان ينظران فى عينى بعضهما....) إلى آخر العبارة التى انتهت بقوله( وراح يهمس فى أذنه) والمقصود بكلمة ( العملاق) هو جمال عبد الناصر حسين والمقصود( بصاحب له) عبد المنعم عبد الرءوف.
كما اكتفى الصحفى بذكر الحرفين (م.ل) إشارة إلى اسم الصاغ محمود لبيب وقد سبق أن ذكرت أن فضيلة المرشد العام حسن البنا هو الذى عين الصاغ والأخ الأكبر محمود لبيب عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين, ليكون الصلة بين تنظيم جماعة الإخوان الضباط ( الضباط الأحرار فيما بعد) وبين جماعة الإخوان المسلمين.
وهذا هو نص الخطاب الذى قدمه لى العقيد محمد كامل سليم:
السيد اللواء طيار متقاعد عبد المنعم عبد الرءوف بسيم أبو الفضل
بعد تقديم وافر التحية أتشرف بعرض الآتى:
صدر العدد رقم 46 من الجريد الرسمية بتاريخ 20 من نوفمبر 1972 ويحتوى على القرارين الجمهوريين رقمى 1386و1387 الخاصين بتنظيم الضباط الأحرار ولما لم أجد اسمى بهما فقد بادرت بكتابة تقريرى هذا على سيادتكم بعرض الآتى:
تخرجت من الكلية الحربية دفعة 11 من فبراير 1952 على قوة ك19 مشاة إحدى وحدات اللواء السابع المشاة, وخدمت بهذه الكتيبة من ذلك التاريخ حتى قيام الثورة, وفى مساء 22 يوليو 1952 اشتركت فى عمليات تأمين القاهرة التى كلفت بها الكتيبة وحتى فجر الجمعة الموافق 25 يوليو 1952 تحركت الكتيبة على منطقة التجمع من المدفعية والمدرعات, وتحرك القول بقيادة القائمقام أحمد شوقى إلأى الإسكندرية ووصلنا الإسكندرية مساء ذلك اليوم , وقامت كتيبتى ك 19 بالمبيت ليلتى 25 , 26 يوليو فى إستاد الإسكندرية.
وزارنا فى مساء ذلك اليوم السيدمحمد نجيب وفى فجر يوم السبت 26 من يوليو 1952 تحركت ك 19 إلى قصر رأس التين حيث اشتركت س1,س2 من الكتيبة فى حصار القصر من الخارج مع وحدات من المدفعية والمدرعات, وكنت أنا قائد السرية الثالثة من الكتيبة, وأمرنى السيد البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف الذى تولى قيادة الكتيبة عند تحركها من القاهرة) بأن أدخل إلى القصر من الباب الجانبى الموصل إلى الحديقة المواجهة للقصر من الجهة الجنوبية, وعند محاولتى إدخال السرية إلى المنطقة المحصورة ما بين رصيف القطار الخاص بالملك وبين الميناء أطلق الحري الملكى النيران ( رشاشات فيكرز, أسلحة صغيرة) وتمكنت من الدخول بالسرية , واستمر الاشتباك ساعة ونصف الساعة بين سريتى وبين قوات الحرس الملكى المخبأة فى القصر, وأوقف إطلاق النار مدة ساعة تقريبا استغلها الحرس فى تحسين مواقعه.
فقد قاموا بتركيب عدة رشاشات فيكرز فوق سطح القصر, واستأنفوا إطلاق النيران علينا من الخلف, وفى ذلك الوقت انضم لتعزيز قوة نيرانى ملازم حسن حافظ بفصيلة مدافع ماكينة (مدافع فيكرز) للرد على رشاشات الحرس, واستمر الاشتباك مدة ساعة أخرى تقريبا. وأصيب جنديان من السرية أوقف بعدها إطلاق النيران نهائيا.
وانسحبت بالسرية إلى خارج القصر لتعزيز الحصار من الخارج لمواجهة ضغط الجماهير المتزايدة ومنع الدخول والخروج من وإلى القصر.
وبعد سعت 1800 من نفس اليوم 26 من يوليو 1952 بعد أن غادر الملك السابق الميناء حضر إلينا فى موقع الكتيبة السيد زكريا محيى الدين, وتفقد أحوال الكتيبة, وطلب كشفا بأسماء الضباط الذين اشتركوا فى تنفيذ العملية وقدم إليه حسب ما سمعت كشف يحتوى على أسماء عدد كبير جدا من الضباط فقام سيادته بتمزيق الكشف وانتهى بذلك أى تسجيل لهذا الموضوع .
ولما كان هذا الموضوع من الناحية التاريخية والأدبية يشرفنى بأن أكون أحد الذين ساهموا فى تحرير بلادى من رق الملكية, وأحد الذين صنعوا التاريخ المعاصر لمصر الحديث: مصر الثورة.
فإننى أرفع تقريرى هذا لسيادتكم برجاء التفضل بإضافة إسمى إلأى كشف الضباط الأحرار.
وتفضلوا بقبول فائق الإحترام.
عقيد / محمد كامل سليم
إدارة المشاة
1/1/1978
مهمة آخرى فى القاهرة:
وفى 28 من يوليو 1952 بعد نجاخى فى محاصرة قصر رأس التين, وتنازل الملك عدت إلى القاهرة واشتركت فى محاصرة قصر عابدين.
بقيت حتى نهاية شهر يوليو 1952 قائدا للكتيبة 19 التى قمت بها بشرف الهجوم على قصر رأس التين, ومحاصرة قصر عابدين.
ولا يفوتنى ان أذكر أنها كتيبة ضعيفة التسليح فليس بها حمالات او مدافع 6 رطل أو مدافع ماكينة, كما أنها ضعيفة التدريب, لأنها كانت كتيبة خدمات وحراسات, مع ذلك لم أتردد فى القيام بواجبى.
المؤامرات على تاريخى ومستقبلى:
نقلت من هذه الكتيبة إلى الكتيبة 17 بتاريخ 1/8/1952 وهى مدة قصيرة تدل على أن هناك يدا بدأت تعبث بمستقبلى وتبعدنى عن هذه الكتيبة 19 التى قامت بعمل خالد فى تاريخ الجيش المصرى الحديث.
توليت قيادة الكتيبة 17 مدة شهر واحد وخلال هذه المدة الوجيزة حدث الآتى:
1-أشاعوا عنى أننى رجل خطير وأعمل مع الإخوان المسلمين ومن الضرورى إبعادى.
2-قرر اليوزباشى شمس بدران باننى سأنقل فورا إلى فلسطين للتخلص منى.
3-قال اليوزباشى بدران لليوزباشى عبد الكريم عطية: إننا نتوجس خيفة من عبد المنعم عبد الرءوف, لأنه صرح بالنقل من الكتيبة 19 إلى الكتيبة 17 وهى كتيبة مسلحة ومدربة.
4-ابلغني اليوزباشى عبد الكريم عطية بأنه سمع فى مركز القيادة العامة للقوات المسلحة من بعض ضباط القيادة التفكير فى إبعادي عن القاهرة.
محادثات ومهمات آخري:
وفى أحد الأيام حضر عندى الصاغ وحيد جودة رمضان, والصاغ طعيمة, وأخذ يرجوانى فى أمر الموافقة على السفر لسيناء لتولى قيادة الكتيبة الفلسطينية.
فقلت لهما إننى أحب فلسطين وأهلها وأريد أن أخدم هذه البلاد المقدسة, ولكن توليتى قيادة هذه الكتيبة لا يتناسب مع رتبتى وسمعتى, لأن كتائب المشاة المصرية وهى الأعظم تسليحا وتدريبا يقودها صاغ أو بكباشى حديث, لإارجو إعفائى من هذها الرجاء, ولكنهما اصرا وألحا علىّ بشدة فوافقت بشرطين:
1-أن يطلب منى ذلك وبخطاب رسمى من المسئولين.
2- أن أعود إلى القوات الجوية بعد أن تسير الكتيبة الفلسطينية على قدميها.
وقد أرسل لى جمال عبد الناصر خطابا بتوقيعه باعتباره مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ 26/8/1952, ولم يمر على هجومى ومحاصرتى قصر رأس التين اكثر من شهر, موجها لى شخصيا كى أتولى قيادة وتدريب قوة بوليس حدود فلسطين هذا نصه:
القيادة العامة للقوات المسلحة
مكتب المدير العام
حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف
أرجو أن أنبىء أن حضرة القائد العام رأى بعد عودته من المرور على وحدات الفرقة الاولى مشاة بسيناء وفلسطين أن يعهد إليكم بقيادة وتدريب قوة بوليس حدود فلسطين.
ويرجو ان يتم لكم إعدادها على وجه السرعة لتقوم بالمهمة التى توكل إليكم فى المستقبل القريب.
وللقائد العام عظيم الثقة فى أنك ستبذل الهمة لإتمام هذه المهمة.
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.
بكباشى أ.ح
مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة.
26/8/1952
وأرسل خطاب آخر إلى الصاغ أحمد فهيم الغنام موضوعه تسلم قيادة وأعمال وعهدة ك 17 ب م من حضرة البكباشى عبد المنعم عبد الرءوف هذا نصه:
الموضوع / رئاسة اللواء السادس مشاة
القيد 1/11 سرى 52
تسلم قيادة وأعمال وعهدة ك17 ب .م
من حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف
ألماظة فى 27/8/1952
حضرة المحترم الصاغ أحمد فهيم الغنام.
حيث إنه تقرر نقل حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف قائد ك 17 بنادق م لقيادة وتدريب قوة بوليس حدود فلسطين فعلى حضرتكم تنفيذ الآتى:
1-إخلاء طرف حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف اليوم من جميع الموضوعات والمسائل الخاصة بالكتيبة, أو أى عهدة مسلمة لحضرته حتى يمكنه تسلم أعماله الجديدة.
2-تسلم قيادة وأعمال الكتيبة من حضرته اعتبارا من اليوم ولحين صدور اوامر أخرى.
3-تسلم عهدة الكتيبة من واقع الدفاتر بعد التتميم عليها بمعرفة اللجنة المخصصة لذلك, برئاسة حضرة الصاغ محمد عماد الدين ثابت, على ان تصلنا إجراءات هذه اللجنة فى ظرف أسبوع من تاريخه.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
بكباشى
قائد اللواء السادس المشاة وقوات طوارىء الأزبكية
صورة إلى الفرقة الثانية ومعها صورة من كتاب القيادة العامة لحضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف.
الفصـل الثامن : حركة التطهير
أثناء قيادتى للكتيبة 17 المعسكرة بأرض المعرض ذهبت لرئاسة سلاح المشاة فشاهدت مؤتمرا مكونا من حوالى عشرة ضباط تتراوح رتبهم ما بين اليوزباشى والبكباشى, منهم البكباشى أحمد حمدي عبيد, والصاغ وحيد رمضان, واليوزباشى محمد محمود عطية.
وبدءوا يتصوفون فى مستقبل ضباط المشاة يشطبون من شاءوا ويزكون من شاءوا فحز فى نفسى التصرف فى مستقبل ضباط الجيش الأكفاء بمثل هذه الطريقة الظالمة, ومن هؤلاء الضباط الأكفاء:
أمير ألاى محمد كامل الرحماني.
- أميرالاى صادق على السيد
- قائد أسراب صلاح مصطفي
- قائد لواء جوى إبراهيم جزارين, وغيرهم.
لذلك كتبت مذكرة بهذا الموضوع بحضور البكباشى حمدي عبيد والبكباشى إبراهيم نظيم ( قائد السجن الحربى) وقد وافقوا على ما جاء بها, وكتبتها على الآلة الكاتبة فى الكتيبة 20, وذهبت لمبنى القيادة حيث شرحتها لكل من اللواء عبد الحكيم عامر والصاغ أركان حرب صلاح سالم: وقد علق عليها صلاح سالم بقوله: إن عبد المنعم عبد الرءوف يطعن فينا!!
فنفيت ذلك فورا وقد كان موجودا فى الحجرة كل من الصاغ عاطف سعد واليوزباشى بوليس عبد الفتاح غنيم.
ولم أكتف بذلك بل اتصلت تليفونيا بجمال عبد الناصر, ذاكرا له مراعاة العدالة فى التطهير, وقلت له: إن شقيقى الأمير ألاى عبد القادر عبد الرءوف مظلوم ولا يستحق التطهير. وأذكر أن القائمقام محمود الشاذلي قابلنى فى مبنى المنطقة المركزية وشكا لى إخراجه من الجيش, كما أن الأمير ألاى أحمد سالم رجانى الاتصال بالمسئولين لتخفيف حدة التطهير, ومراعاة العدالة, وكذلك القائمقام كامل نور الدين قابلنى فى مكان لا أذكره وهو يبكى خشية التطهير.
مساومات:
أ-أثناء قيادتى الكتيبة 17 زارني صديقى الأستاذ محمد أبو المجد التوني, وطالبني بالاتصال بجمال عبد الناصر لتحديد مقابلة بينهما, وأثناء المحادثة كنت أحادث جمال عبد الناصر بدون تكليف لصداقتنا وإخوتنا السابقة.
وذهبنا انا والأستاذ محمد أبو المجد التوني فى الموعد الذى حدد لنا حيث تمت المقابلة , وانصرف الأستاذ محمد أبو المجد التوني واستبقاني جمال وقال لى :
إنه على استعداد لضمان نجاحى فى كلية أركان حرب للإستمرار فى الجيش أو العودة للطيران بشرط الابتعاد عن جماعة الإخوان المسلمين.
وأخذ يهاجم المرشد حسن الهضيبي وعبد الحكيم عابدين, فرددت عليه بالرفض وقلت له: إنه صاحب فكرة وجندى دعوة لن أتخلى عنها.
وقد شاهدنى معه فى هذه المقابلة الأخ المدنى المسلم لبيب الترجمان, والصاغ كمال الدين حسين, والبكباشى حسين الشافعي.
وفى أحد أيام شهر سبتمبر 1952 حضر إلى مكتبى بأرض المعرض قائد السرب حسن عزت واللواء صلاح حتاتة وتحدث الأول مزكيا عودتى للقوات الجوية, وأن قادة الثورة لن ينسوا جهادى وتعاونى معهم, وخاصة عبد اللطيف البغدادي ثم تدخل اللواء حتاتة مؤازرا له فقلت له:
إنهم مسئولون أمام ضمائرهم عن عودتى للقوات الجوية, ولأن أبدأ بالكلام أو الكتابة فى هذا الموضوع.
وأصر حسن عزت أن يأخذنى معه فذهبت إى رئاسة القيادة العامة, وهناك دخل بمفرده حجرة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي وبعد قليل خرج وصحبني إلى الداخل وأثناء دخولى قابلنى صلاح سالم قائلا لى: أنا زعلان منك!!
فاستحلفته بأن يخبرنى بالسبب فلم يجب.
فدخلت الحجرة حيث وجدت البغدادى وحسن إبراهيم وأنور السادات وعلي صبري ( شقيق حسين ذو الفقار صبري زميلى فى حادث الطائرة مع عزيز المصري) وبدأ حسن عزت يوجه كلامه للبغدادى عن ضرورة رجوعى للقوات الجوية, فقال البغدادى موجها كلامه لى: لا... لأنك متغيب عن القوات الجوية سنين!
فقلت له: ولماذا ستعيدون زميلى فى نفس الحادث حسين ذو الفقار صبري للطيران ؟!!
فرد البغدادى بقوله: لأنه لا يزال يقرأ كتب الطيران.
فقلت له: إن الطيران لا يحتاج إلى قراءة فقط, وإنما يحتاج إلى لياقة صحية وأعصاب وتدريب وأنا أحس بقدرتى فى هذا المجال.
وهنا تدخل قائد السرب علي صبري شقيق حسين ذو الفقار صبري قائلا: إننى سأنسحب من لجنة الضباط بالقوات الجوية عندما ينظر موضوع شقيقى,
وبعد قليل تكلم صلاح سالم قائلا: إننا لا نستغنى عنك فى سلاح المشاة.
فعقبت على كلامه وقلت له: أشكرك, ولكن حرمانى من العودة للقوات الجوية فيه مساس بكرامتى, بل أرى أنكم لابد أن تعيدوا لى اعتبارى بإرجاعى, كما أن أقدميتى فى القوات الجوية السابع, وهذا فيه امتيازات ادبية ومادية, فحرام عليكم ان تحرمونى من كل هذا, وكل القادة يعرفون كفاءتى ووطنيتى وتدينى, ولم أبخل على الضباط الأحرار بالمساعدات المالية وتوزيع المنشورات.
وهنا قال قائد الجناح العسكرى جمال سالم: على العموم اللجنة هى التى ستقرر كل شىء.
ثم تحولت إلى أنور السادات أطلب منه أن يقول كلمة طيبة فى هذا الموضوع, فرد علىّ قائلا: نعملك إيه!! إحنا ماشيين يمين وأنت ماشى شمال!!
فسكت, واستأذنت فى الإنصراف, ,معى قائد السرب حسن عزت.
وبينما أنا خارج رآنى جمال عبد الناصر, وكان واقفا مع اليوزباشى شمس بدران فنادانى, ولكننى كنت متأثرا مما سمعت, فأعتذرت لجمال عبد الناصر واستمررت فى السير إلى الخارج.
مساومات أخرى:
طلب منى ابو المجد التوني مرة أخرى تحديد موعد لمقابلة جمال عبد الناصر للتحدث فى موضوعات خاصة لا أعرفها.
فاتصلت بجمال عبد الناصر تليفونيا وتحدد الموعد, وذهبنا معا فى الوقت المحدد, وحدثت بينهما الأحاديث الخاصة التى لا أعرفها, وبعد الانتهاء منها خرج أبو المجد التوني, واستدعانى جمال عبد الناصر وأبلغنى أنه سيؤلف حزبا جمهوريا, وأنه بمجرد حدوث الانقلاب أمر بإجراء تحقيق فى موضوع مقتل الشيخ حسن البنا ثم بدأ يهاجم حسن الهضيبي ويصفه بأنه رجل ضعيف, وأن عبد الحكيم عابدين لا ينبغى بقاؤه فى الإخوان.
فرددت عليه بأننى صاحب فكرة ولا أسير خلف الأشخاص.
وأعاد على الكرة فى ترك جماعة الإخوان المسلمين فسكتو ثم انصرفت ولحقت بأبى المجد التونى الذى كان ينتظرنى فى الخارج.
الفصل التاسع :السفر إلى فلسطين
سافرت إلى فلسطين بتاريخ 2/10/1952 أى بعد الانقلاب بحوالى شهرين تقريبا, وسافرت وأنا على يقين من أن الهدف من وراء ذلك هو إبعادى عن القاهرة جاحدين كل ما قدمته من أعمال, خاصة العمل الذى قمت به فى مهاجمة وحصار قصر رأس التين, الذى يعتبر أخطر عملية فى الانقلاب.
ولقد دربت قوة بوليس حدود فلسطين مدة عام وبضعة أشهر بإخلاص وحماس ومن جنود هذه القوة وصف ضباطها المسرحين فيما بعد استعانت حركة فتح ببعضهم لتنفيذ الأعمال الفدائية داخل الأرض المحتلة والتحق كثير منهم فى الجيش لتحرير الفلسطلينى.
لقد قبلت هذا العمل حبا منى لفلسطين وأهلها وتشريفا لى بأن أكون مؤسسا للنواة الأولى لجيش الخلاص, وقمت بواجبى, وتخرج فى هذه الكتيبة أربع دفعات بلغ عددها ألفين, ظهرت تضحياتهم وحسن تدريبهم وتنظيمهم قبيل الأعتداء الثلاثى على مصر عام 1956, وقاموا بأعمال فدائية داخل الأرض المحتلة.
عودتى إلى القوات الجوية:
لم يمض على إبعادى إلى فلسطين سوى ثلاثة أشهر حتى صدرت النشرة العسكرية العدد 18 فى 12 ربيع الثانى 1372 الموافق 29 من ديسمبر1952, تضمنت شطب اسم البكباشى حسين ذو الفقار صبري من عداد ضباط الجيش, على أن ينقل نهائيا إلى القوات الجوية اعتبارا من 10/11/1952 برتبة قائد الجناح , وفى أقدميته الأصلية.
فأحسست بالظلم الفادح الواقع علىّ, لأن البكباشى حسين ذو الفقار صبري كلن زميلى فى حادث سقوط الطائرة مع الفريق عزيز المصري.
ونقلنا معا من القوات الجوية إلأى سلاح المشاة بسبب ذلك الحادث. وحين أعادوه إلأى القوات الجوية بسلاحه الصلى برتبة قائد جناح وفى أقدميته الأصلية, أوكلوا لى قيادة قوة حدود فلسطين التى لا تتناسب مع رتبتى.
بالإضافة إلى أنها أبعدتنى عن القاهرة , وقدمت إلى قائد الفرقة الأولى المشاة بشكوى بخصوص هذا الموضوع بتاريخ 6/1/1953 هذا نصها:
قوة بوليس حدود فلسطين
مكتب الرئاسة
رقم القيد 1/1 سرى 53
تاريخ 6/1/1953
الموضوع: شكوى حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف
قائد قوة بوليس حدود فلسطين.
حضرة قائد الفرقة الأولى المشاة
تقرر فى النشرة العسكرية العدد 18 الصادر فى 12 من ربيع الثانى 1372 الموافق 29 من ديسمبر 1952 البند 8 شطب اسم حضرة البكباشى حسين ذو الفقار صبري من عداد ضباط الجيش على أن ينقل نهائيا إلى القوات الجوية اعتبارا من 10/11/1952 برتبة جناح وفى أقدميته الأصلية.
وبما أننى وحضرة قائد الجناح المذكور زميلان فى حادث سقوط الطائرة مع الفريق عزيز المصري ( السفير الآن بوزارة الخارجية), ونقلنا معا من القوات الجوية إلى سلاح المشاة بسبب ذلك الحادث ثم ها هى ذى السنوات تمر ويعود حضرته لسلاحه الأصلى, وفى نقس الوقت أحرم من نقلى إلى القوات الجوية أسوة بهذا الزميل ولا شك فى أن عدم مساواتى بهذا الزميل يعتبر ظلما لا أقبله ما حييت.
لهذا فإننى أقدم هذه الشكوى راجيا ان تتخذ طريقها القانونى حتى تصل للقائد العاو للقوات المسلحة.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
بكباشى
قائد قوة بوليس حدود فلسطين
تسلمت أربع صور من هذا التقرير لإرسالها إلى جهة الاختصاص
6/1/53
يوزباشى أحمد رجب
وجاءنى الرد من القيادة العامة للقوات المسلحة وبخطاب من مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة أ/ ح جمال عبد الناصر هذا نصه:
القيادة العامة للقوات المسلحة التاريخ 21 /3 1953 مكتب القائد العام رقم 1/20/9/2612 حضرة رئيس هيئة أركان حرب الجيش
ابلغنا حضرة رئيس هيئة أركان حرب القوات الجوية ا،ه يسره أن يعود حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف إليها, حيث كان قد نقل منها فى ظروف وطنية, على أن يقوم حضرته بتمضية الكشف الطبى للطيارين بنجاح , كما يقوم بالتدريب على الطائرات أسوة بزملائه.
وإنه ليسر القائد العام أن السلاح الجوى قد قدر أبناءه المجاهدين فالرجاء إخطار حضرته بذلك. بكباشى أ/ ح
مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة.
صورة إلى إدارة الجيش لاتخاذ اللازم بالأمر
كاتم أسرار حربية
بكباشى أ /ح
11/2/1611 فى 23/ 3/1953
مدير مكتب رئيس هيئة أركان حرب الجيش
رئاسة إدارة الجيش المستخدمين العسكريين القيد 21/1/2 فى 26 /3/1953 قائد الفرقة الأولى المشاة.
المسطر بعاليه صورة ما ورد لنا من رئاسة هيئة اركان حرب الجيش, برجاء اخذ رأى البكباشى عبد المنعم عبد الرءوف فى شأن عودة حضرته إلى القوات الجوية والإفادة.
صورة رئاسة هيئة أركان حرب الجيش للعلم
كاتم أسرار حربية للعلم
أميرالاي أ/ح
رئيس إدارة الجيش بالنيابة
لحضرته الإفادة بوجهة نظره فيما جاء بكتاب رئيس أركان حرب القوات الجوية أعلاه.
وقد وصلنى كتاب من رئاسة الفرقة الأولى المشاة حول ذات الموضوع هذا نصه:
رئاسة الفرقة الأولى المشاة
رقم القيد 1/4/53/516
رفح فى 4/4م1953
حضرة قائد قوة بوليس حدود فلسطين
أرسل لكم صورة كتاب مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة إلى حضرة رئيس أركان حرب الجيش والمبلغ لنا بالكتاب إدارة الجيش رقم 12/1/2 بتاريخ 26/3/1953 بشان موافقة حضرة رئيس أركان حرب القوات الجوية على عودة حضر البكباشى عبد المنعم عبد الرءوف إلى القوات الجوية. رجاء الاطلاع وموافاتنا برأيكم
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
قائم مقام أ/ح
قائد الفرقة الأولى مشاة
وبعد أن أرسلت برأيى فى النقل على القوات الجوية ردا على الخطاب الذى أرسلته لى رئاسة الفرقة الأولى المشاة, تطلب فيع رأيى والمؤرخ بتاريخ 4/4/1953.
أرسلت رئاسة إدارة الجيش إلى قائد الفرقة الأولى المشاة الكتاب الآتى وقد وصلنى بتاريخ 3/5/1953.
رئاسة إدارة الجيش المستخدمين العسكريين رقم 21/1/2 بتاريخ 27/4/1953 بخصوص عودة البكباشى عبد المنعم عبد الرءوف للقوات الجوية.
قائد الفرقة الأولى المشاة
بالإشارة إلى كتابكم رقم 1/4/53 بتاريخ 11/4م1953 الوارد معه رأى حضرة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف فى عودته للقوات الجوية.
الرجاء الإحاطة بأن إدارة كاتم أسرار حربية أخطرتنا بكتابها رقم ب/ 2263 بتاريخ 25/4/1953 بان هذا الموضوع عرض على لجنة شئون الضباط للقوات الجوية, وأن اللجنة رأت انتداب حضرته مؤقتا بالقوات الجوية, على أن يكشف طبيا للطيران ويحضر فرقه إعادة الطيران بكلية الطيران الحربى, وعلى ضوء التقرير النهائى لهذه الفرقة ينظر فى أمر نقله نهائيا للقوات الجوية ويفاد بتاريخ القيام.
صورة إلى رئاسة القوات الجوية للإفادة بالوصول
رئاسة أركان حرب الجيش للعلم
إدارة كاتم أسرار حربية للعلم وتعييين
محلة بقوة حدود فلسطين
إمضاء
رئيس إدارة الجيش
وقدد أرسلت إلى قائد الفرقة الولى المشاة كتابا بتاريخ 24 / 5/ 1953 تظلمت فيه من التباين فى المعاملة بينى وبين قائد اللواء الجوىحسين ذو الفقار الذى له نفس ظروفى وهذا نصه:
قوة بوليس حدود فلسطين
رقم القيد 1/1 سرى /53
الموضوع عودة البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف إلى القوات الجوية
رفح فى 24/5م1953
حضرة قائد الفرقة الأولى المشاة
ردا على خطابكم رقم 1/1/53 / 11/ بتاريخ 3/5/1953 وأوامركم الشفهية لى أفيد باننى قدمت نفسى لرئاسة القوات الجوية يوم 16/ 5/1953
وعرضت نفسى على اللجنة الطبية وقد نجحت فائقا كما هو مبين فى الخطاب اللجنة رقم 58/2 بتاريخ 5/ 1953 وقد فهمت من القوات الجوية أنها ستطلب منى إجراء (فرقة إعادة طيران) بينما لم تطلب ذلك من زميلى حضرة قائد اللواء الجوى حسين ذو الفقار صبري, ولم يجر بينه وبين القوات الجوية مكاتبات طويلة ومتكررة بخصوص موضوع رجوعه, بل استدعى من السودان وتسلم عمله وترقى فى غير دوره.
وهذا التباين فى المعاملة يحز فى نفسى خصوصا أن القيادة العامة للقوات المسلحة قد ساعدت كثيرين من الضباط سواء منهم المشاة أو الطيارون لمجرد المساعدة وليس فى تاريخ حياتهم شىء يذكر, بينما يشهد التاريخ ويعلم قادة الحركة مواقفى من أجل بلادى قبل وأثناء وبعد حركة الجيش.
أرجو من القوات الجوية والقيادة العامة للقوات المسلحة معاملتى بمثل ما عاملت به زميلى حسين ذو الفقار صبري وغيره.
أما التفاوت فى المعاملة فليس من طابع العهد الجديد الذى جاء ليعطى كل ذى حق حقه , ويميز الحبيث من الطيب, ويظهر الكفاءات من أبناء هذا الوطن العظيم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
بكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف
قائد قوة بوليس حدود فلسطين
صور إلى:
• القيادة العامة للقوات المسلحة
• القوات الجوية
وبعد إرسالى كتاب تظلمى السابق بخمسة أيام فقط 29/5/1953 حضر إلى مكتبى فى الأمن اليوزباشى شمس بدران وأفهمته أن هناك ثلاثة حلول لمشكلتى.
1-إما إعادتى للقوات الجوية بدون قيد ولا شرط.
2-وإما وضعى ومعى حسين ذو الفقار صبري تحت الاختبار بمدرسة الطيران.
3-وإما إحالتى للمعاش برتبة قائد لواء جوى.
جلسة مع جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر:
يوم 17 من اكتوبر 1953 قابلت نائب رئيس مجلس الوزراء جمال عبد الناصر والقائد العام للقوات المسلحةعبد الحكيم عامر, وجلسنا نحن الثلاثة حول نفس المائدة التى كنا نجلس حولها قبل المعركة , فى بداية الحديث فقل لى جمال: ننى لم أكن أعرف أنك موجود هنا, وق حضرت بناء على مكالمة من عبد الحكيم, سألته عن هدى ومنى ابنتيه وعن ابنه خالد.
فقال: إننى أود أن تزورمى مع زوجتك.
فلما كلمته عن شدة الحراسة وصعوبة الوصول إلى منزله قال عندك عباس رضوان يدلك على الطريق. بدأنا مناقشةة موضوع رجوعى إلى القوات الجوية, فتحدثت عن موقفى من الضباط الأحرار قبل وأثناء وبعد قيام الحركة, وما قدمته لها من خير وتضحية وذكرت جمال بموضوع مبايعته جماعة الإخوان المسلمين عام 1942 بجهة الطليبة وأن الإخوان هم اصحاب الفضل الأول فى هذه الحركة.
وقد اعترف لى جمال عبد الناصر أمام عبد الحكيم عامر قائلا: أشهد ان الحركة حركتك وأنك مؤسسها الأول. فعاتبته عن إغفال اسمى فى مذاكراته التى نشرها!!
فقال: إنى لم أكتب سوى المقال الأول ثم استأنف الكتابة شخص آخر غيرى ( ولم يرد أن يذكر اسم ذلك الشخص )
أكد لى جمال أنه لا يزال يتمسك بصداقته لى, ولمعروف الحضري, وأنه حريص على الود القديم.
قلت له:إن من حقى الدخول معك فى مجلس قيادة الثورة.
فرد علىّ قائلا: أنا موافق على هذا.
ومن خلال الحديث , فهم جمال عبد الناصر أنى مديون, فعرض أن يسدد كل ديونى, ولكننى رفضت ذلك, وفهمت منه أننى لست وحدى المديون وأن عبد الحكيم عامر وصلاح سالم مديونان لعبد الفتاح فؤاد, الأول بمبلغ مائتى جنيه مصرى والثانى بمبلغ ثلاثمائة جنيه مصرى.
وأثناء جلستنا الثلاثية دخل علينا الطيار قائد السرب علي صبري وصاغ أركان حرب صلاح نصر ويوزباشى عباس رضوان كما أطلعنى جمال على مذكرة تعد عن ( النشاط السرى للإخوان المسلمين) ولم أقرأ منها إلا العنوان.
وفى نهاية الجلسة طلب منى جمال زيارته بمنزله لنأكل معا القرع, وسألنى إذا عندك تليفون, فأجبته أن عندى ثلاثة تليفونات, وكرر ذلك مرة أخرى قبيل خروجه.
وعندما هممنا بالخروج قال جمال: إنه سيخرج أولا حتى لا يعرف أحد أننا كنا مجتمعين.
وانتهى الاجتماع بالمصافحة والقبلات والوعد برجوعى للقوات الجوية إن شاء الله.
الرجوع إلى القاهرة:
بعد هذا اللقاء عدت إلى رفح وبقيت هناك حتى يوم 14 من نوفمبر 1953 حيث غادرت رفح ومعى أسرتى إلى القاهرة.
وبعد وصولى للقاهرة تحدثت تليفونيا مع البكباشى جمال عبد الناصر, وشكرته لموافقته على نقلى للقوات الجوية ورجوته سرعة البت فى موضوع نقلى, وضرورة ذلك حتى أستطيع البحث عن سكن لأسرتى وتحويل أولادي من مدارس رفح إلى مدارس القاهرة, فأعطانى موعدا للقائه يوم الاثنين 16 من نوفمبر 1953 الساعة 1000, واعتذر عن عدم البت فى موضوع نقلى بأنه كان مشغولا فى السفر, وسرف يسأل القائد العام عن موضوعى وطلبت منه وقف المراقبة علىّ, فضحك ولم يعد بشىء, وسألنى عن أولادى وسألته بدورى عن أولاده.
لقاءات:
ذهبت يوم الأحد 15 من نوفمبر إلى القيادة العامة, وقابلت شمس بدران وعباس رضوان وصلاح نصر, وقد أعارنى شمس سيارة جيب أوصلتني إلى منزلى بالسيدة زينب.
ثم ذهبت يوم الاثنين 16 من نوفمبر 1953 إلى القيادة العامة ولكننى لم أستطع مقابلة القائد العام.
لقاء مع عبد الحكيم عامر:
وفى يوم الثلاثاء 17 من نوفمبر 1953 قابلت القائد العام الساعة 1415 بمكتبة, وعرض علىّ رتبة قائد لواء جوى, ثم انتدابى للطيران المدنى, بشرط ألا ألبس الزى العسكرى, ثم أحال إلى المعاش بعد سنتين.
فرفضت وسألته: لماذا تحرموننى من الزى العسكرى, وتعملون فىّ كل هذا؟!!
فأجابنى بقوله :أنت الذى عملت فى نفسك هكذا.
وأقسم بحياة أمه أن حسين ذو الفقار طار.
ثم طلب جمال عبد الناصر تليفونيا وحكى له ما دار بيننا, وأعطانى سماعة التليفون وكرر جمال على سمعى ما عرضه عبد الحكيم, فرفضت وحددنا ميعادا يوم السبت 21 من نوفمبر 1953.
تحديد الوضع:
استدعانى القائد العام للقوات المسلحة اللواء أركان حرب عبد الحكيم عامر يوم 21 من نوفمبر 1953 وقال لى: ن الجيش لا يحتمل اثنين أنا وأنت!! وعليك أن تختار بين أن تبقى فى المشاة برتبتك هذه ( البكباشى ) وتترقى عندما يحل دورك, أو تنقل إلى سلاحك الأصلى الطيران برتبة قائد لواء جوى, على أن تحال إلى التقاعد وتتقاضى أقصى معاش لقائد فرقة جوية.
فآثرت الثانية للآسباب التالية:
- حسست بأننى غير مرغوب فيه من عبارته لى: إن الجيش لا يحتمل اثنين أنا وأنت.
- الرقابة الشديدة المضروبة حولى أينما سرت.
- عدم مساواتى فى المعاملة مع ابن دفعتى وزميلى فى حادث الطائرة مع الفريق عزيز المصري الطيار حسين ذو الفقار صبري.
وفى يوم الأربعاء 2 ديسمبر 1953 قابلت القائد العام بمكتبه فقال لى: إنه وقع نشرة ترقيتى إلأى رتبة لواء جوى اعتبارا من 1/12/1953 وسآخذ أقصى معاش لقائد فرقة جوية, حوالى ثمانين جنيها مصريا, وسأعمل فى مصلحة الطيران المدنى بماهية أخرى فى مستوى درجتى, وطلب منى الاتصال بقائد الجناح عبد اللطيف البغدادي بخصوص هذه النقطة.
وطلب منى تهنئة صلاح سالم بخصوص السودان , ثم سألنى: إلى جانب من يقف؟!! إلى جانب عبد الرحمن السندي؟ أم إلى جانب الهضيبى؟
فقلت له: إننى محايد...
فرد علىّ: لى متى ستظل محايدا؟!!
وعرضت عليه إبقائى فى الطيران على أن أعمل مع الفلسطينيين, وأعين نائب حاكم إدارى عام بمرسوم جمهورى.
فرفض.
ولما ألححت عليه برغبتى فى العمل عرض علىّ العمل فى هيئة التحرير وقال إنه مسئول عنى لحين تسوية معاشى, وما يبقى يكون على البغدادى, وأكد أنه من الضروري عملى تحت رئاسة جزارين.
وفى يوم الثلاثاء 8 من ديسمبر 1953 الساعة 940 قابلت كاتم أسرار لواء حامد صالح بمكتبه وكان واضعا خلف ظهره لافتة عليها الكلمات الآتية: احترم حقك وقدس حق غيرك
وأطلعنى على لجنتين اللجنة الأولى بإرجاعى إلى القوات الجوية برتبة قائد لواء جوى اعتبارا من 1/12/1953.
واللجنة الثانية بإحالتى إلى المعاش بنفس الرتبة اعتبارا من 2/12/ 1953 وجرت استفسارات مع القائد العام عن مقدار معاشى فقال:
أقصى معاش لقائد فرقة جوية.
وأخذوا علىّ إقرارا بذلك.
وقال لى كاتم أسرار لواء حامد صالح عندما سألته: ما رأيك فى هذه الحالة؟
فقال لى: ن فاتك فوته... أنت رجل مؤمن وشاب.
الفصل العاشر : زيارة فضيلة المرشد
زرت فضيلة المرشد حسن الهضيبي بمنزله فى منيل الروضة, وشكوت له تفاصيل إحالتى إلى المعاش, وشرحت له للمرة الثانية تطور دعوة الإخوان المسلمين فى صفوف الضباط بالجيش, وأكدت له أنهم سيبطشون بأفراد الجماعة عسكريين وخمدنيين, ولن يتورعوا عن إقامة معسكر أسرى وسط الصحراء, ويضعوننا فيه حتى يقضى الله فينا أمره,
واستطيع أن أقرر هنا أن فضيلة المرشد حسن الهضيبي كان صريحا معى لأول مرة مما اثلج صدرى ورفع من معنوياتى.
قال لى فضيلة المرشد:
إذا كان الجيش قد فصلك فالإخوان يرحبون بك.
أما عن نواياهم نحو الجماعة فالله المستعان.
ثم اقترب منى برأسه واستمر فى حديثه لى:
إننى أكلفك بحصر الضباط والصف ضباط والعساكر الإخوان, وتنظيم وتدريب النظام الخاص. فقلت له : فيما يختص بحصر الضباط فأقترح تكوين لجنة منى ومن ابو المكارم ومن معروف الحضرى ومن حسين حمودة لتنفيذ ذلك.
وأما عن التكليفين الثانى والثالث فلقد رفعت لكم تقريرا مفصلا وأرسلته لكم مع الأخ نجيب جويفل وأنا فى انتظار موافقتكم من أسبوعين للتنفيذ. وبعد أن انتهيت منة حديثى مع فضيلته طلب منى الاتصال بالأخ الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي على أن أمر بعد ذلك وانصرفت.
خرجت من عند فضيلة المرشد وذهبت فورا إلى منزل الأخ الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي الذى لا يبعد عن دار المرشد سوى مقدار ربع ساعة سيرا على الأقدام.
فوجدته, وألقيت على مسامعه كل ما دار بينى وبين المرشد حسن الهضيبي. وكنت حريصا على إبراز خطورة الموقف وضرورة الاستعداد المنظم لتوجيه ضربة قاصمة إلى مجلس قيادة الثورة .
وهنا طلب منى الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي تحليل شخصية جمال عبد الناصر.
فقلت له: إن لجمال عبد الناصر مزايا وعيوبا, أما عن مزاياه فهى طموحه وكرمه , وأما عن عيوبه, فهى حقده وخبثه وقسوته, ثم انصرفت على أن نتقابل فى اليوم التالى.
مع الشهيد يوسف طلعت:
عدت إلى منزل الأخ الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي حسب الموعد المتفق عليه, وهناك تقابلت مع الأخ الشهيد يوسف عز الدين طلعت.
وتركنا الأستاذ الصيفى مستأذنا لإحضار القهوة, وبدأ يوسف الحديث فسألنى عما إذا كنت أقبل العمل معهم فى النظام الخاص.
فأجبته: لا مانع لدى ما دام ذلك لا يضعف الدعوة داخل صفوف الجيش. ثم طلب منى فى لهفة بيانا بالشروط الواجب توافرها فى أفراد النظام الخاص.
فقلت له: خذ منى الآن بيانا بالشروط الواجب توافرها فى أفراد النظام الخاص لاختيارهم من إخوان الشعبة, وسأنتظرك بعد ظهر الغد عند الأستاذ الصيفى ومعى كراسة عن النظام الذى أقترحه خاصا بالتنظيم والتدريب والتسليح والتشكيل.
وبعد أن حدثته عن الشروط أستأذن وانصرف.
وبعد قليل حضر عند الأستاذ الصيفى أحد الضباط الألمان, كان قد عمل كضابط أركان حرب مع الفيلد مارشال روميل, وبمجرد أن آرانى صافحني بحرارة وقال لى بعد أن تعرف علىّ:
إن الأستاذ الصيفى حدثنى البارحة بهذه المفاجأة السارة, وتحدثنا مليا فى السياسة وقال: لقد التقيت بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة, وأوضحت لهم وجوب الاهتمام بالناحية الاقتصادية للبلد كما تفعل ألمانيا الآن, ولا ينصرفون كلية للجدل السياسى.
ثم انتقل الحديث إلى حادث محاولة الهرب مع الفريق عزيز المصري عام 1941 وقد عرض علىّ مبلغا من المال نظير تقديم معلومات عن قصة هروبى, فطلبت منه إمهالى أسبوعا , وللآن لم ألتق معه نتيجة الحوادث المتتالية.
وفى اليوم الثانى ذهبت إلى منزل الأستاذ عبد الحيفظ الصيفي حسب الموعد المتفق عليه مع الأخ يوسف عز الدين طلعت, ولكنه لم يحضر فسلمت الكراسة التى كنت قد وعدت بها الأخ يوسف والتى استغرق تجهيزها حوالى 15 ساعة.
هواجس واحتمالات:
اتصلت بابن عمى الشيخ عبد الفتاح أبو الفضل وأبلغته هواجسى عن احتمال اعتقالى وطلبت منه المشورة فقال لى:
إن لى صديقا حميما يسمى الأستاذ إبراهيم أبو زيد أبو دومة, ويمكنك الاختفاء عنده إذا شئت.
فطلبت منه ان يعرفنا ببعض قبل البت فى هذا الموضوع فخرج وجاءا معا بعد نصف ساعة, وجلسنا نتحدث وألحق أقول: إننى أحسست براحة تامة عند رؤيتى هذا الصديق الجديد وقد قال لى: إننى فهمت من عبد الفتاح ما تريده و خذ مفتاح شقتى هذا وأنا وشقتى تحت أمرك فى أى وقت.
فشكرته وأخذت منه المفتاح ودسسته فى محفظتى, وأعطيته موعدا نلتقى فيه لاستطلاع مداخل ومخارج وموقع الشقة , وفعلا تم ذلك بعد ظهر نفس اليوم. سلمت إدارة الأسلحة والمهمات جميع العهدة الأميرية التى بطرفى, وقدمت جميع الأوراق الرسمية المطلوبة منى إدارة كاتم أسرار حربية, ولم يبق أى عائق لاستخراج سركى المعاش خشية أن أعتقل فتحتار زوجتى هنا وهناك ويتعطل صرف المعاش.
الفصل الحادى عشر : إلى سجن البوليس الحربى
فى حوالى الساعة 11 من مساء يوم 8/1/ 1953 كنت أجلس انا وزوجتي نتجاذب أطراف الحديث, والنعاس يكاد يطبق أجفاننا رويدا رويدا.
وفجأة جلجل صوت الجرس الكهربائى فى أرجاء الشقة, فانتفضت واقفا وأسرعت نحو باب الشقة, وفتحت الباب فإذا بثلاثة من الشبان يرتدون الملابس المدنية يقفون أمامى فى وضع تحفزى وأيديهم داخل جيوبهم يتحسسون شيئا بها سألنى أقربهم منى: أين سكن اللواء الجوى عبدالمنعم عبدالرؤوف؟
فرددت عليه: أنا عبدالمنعم عبدالرؤوف الذى تسأل عنه.
فطلب منى ارتداء ملابسى والذهاب معه لمقابلة رئيس الوزراء جمال عبد الناصر ففتحت لهم وأجلستهم فى غرفة الاستقبال وحاولت الاستفهام عن سبب هذه المقابلة!! ولماذا لم يتصل بى جمال تليفونيا ليستدعينى إليه بدلا من هذه الطريقة الشاذة التى لم أتعودها من جمال صديقى حتى ذلك الحين.
ولما سألتهم عمن أرسلهم لى أجابوا أنه قائد البوليس الحربى البكباشى أحمد أنور.
فقلت لهم:إن هذا لشىء غريب!! وما علاقة البوليس الحربى بالمقابلة التى يريدها جمال؟! إننى أخشى أن انقلابا جديدا قد حدث وأراد قائد الانقلاب الجديد اعتقالي مؤقتا حتى تستقر له الأحوال, كما حدث مع بعض الضباط فى المرة السابقة!
فأكدوا لى أن كل شىء هادىء فى الخارج.
فسألتهم:هل أحضر معى ملابس؟
فلم يمانعوا... وهنا فهمت أن اعتقالا قد دبر لى.
فانتابنى رجفة لهذا الظلم وأحسست بالدماء فى كل عروقى. ولكننى تماسكت وتصنعت الهدوء أمام زوجتى , وبعد أن قدمت بنفسى للضيوف مشروب الكراوية, صارحت زوجتى بما دار بينى وبين هؤلاء الضيوف.
فاعترتها دهشة من هذا التصرف الشاذ من جمال عبد الناصر, واستأذنتنى التحدث معه تليفونيا لمعرفة السبب فرفضت.
وداع:
ثم أعددت حقيبتى بسرعة, وقبلت ابنتى ّ عزة وعبلة التين كانا فى نوم عميق ووصيت زوجتى بهما, ثم تركت شقتى ونزلت مع الضباط الثلاثة.
وسرنا إلى حيث كانت تنتظرنا سيارة عسكرية من طراز استيشن وجن أقلتنا جميعا إلى سجن البوليس الحربى بمحطة مصر وقتئذ.
وهناك أجلسونى فى غرفة أحد الضباط, وبعد فترة قصيرة شاهدت الصاغ أركان حرب حسين حمودة, فحاولت أن أفهم منه ولو بالإشارة شيئا فلم يجبنى بأكثر من كيف صحتك يا فلان؟
ثم اشار بيده اليمنى حول عنقه إشارة على خطورة الأمر.
وبعد ذلك حضر ضابط النوبة, وطلب منى تسليمه أية نقود أو أية أوراق معى, ففعلت, وأسرعت بتمزيق ورقة بها أرقام تليفونات الأهل والأصدقاء, ولولا ذلك لزج بهؤلاء الأصدقاء والأقارب فى غيابات السجون بضعة شهور, ولكن الله سلم.
بعد تسليم كل ما معى, اصطحبني هذا الضابط للدور السفلى, فاستنتجت أننى ساودع زنزانة لا تتفق مع مركزى ووضعى دون ذنب ارتكبته أو جريمة اقترفتها, ولم أكد أعترض على هذا التصرف حتى طمأنني بأن جيرانى فى الزنزانات هم الصاغ أركان حرب معروف الحضري وغيره من الضباط.
وأودعت الزنزانة رقم 9 وظل النور مضاء طوال الليل, وأعين الحراس لم تنقطع عن مراقبتى من خلال نظارة باب الزنزانة!
مر شهر على وجودى داخل هذه الزنزانة, استطعت خلال هذا الشهر أن أعرف نزلاء الزنزانات المجاورة, ونظمت طريقة لتبادل الرسائل معهم, ودرست نفسية الحراس من الصف والجنود, وتمكنت من الحصول على صورة واضحة عن التحقيقات التى أجريت مع صغار الضباط من مختلف أسلحة القوات المسلحة .
وتدرج التحقيق مع الرتب الكبيرة إلى أن وصل إلى البكباشى أركان حرب أبو المكارم عبد الحي, والصاغ أركان حرب معروف الحضري, والصاغ أركان حرب حسين حمودة والصاغ طبيب محمد حسين غراب, والصاغ فؤاد جاسر.
وفهمت من هذه التحقيقات ما يأتى:
1- أن أعين المباحث العامة والمخابرات لم تنم عن مراقبة تحركات البكباشى أركان حرب أبو المكارم عبد الحي والصاغ أركان حرب حسين حمودة والصاغ أركان حرب معروف الحضري والصاغ طبيب محمد حسين غراب.
2- أن هؤلاء الضباط كانوا دائمى الاجتماعات فيما بينهم وبين صغار الضباط من محتلف أسلحة الجيش بمنازلهم.
3- أنهم كانوا يترددون على المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين, وعلى منزل المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي فى فترات متقاربة, مما جعل المخابرات تتخيل أن هناك أمورا تعد نظام الحكم القائم يدبرها بعض كبار الضباط وصغار ضباط الجيش, الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين بالاتفاق مع قادة الجماعة.
رسائل إلى منزلى:
فى خلال هذا الشهر استطعت أن أكتب إلى زوجتى, وكنت قبل القبض على قد اتفقت معها على كلمتى سر عند توقيعها وتوقيعى على الخطابات المتبادلة بيننا, ووصلنى منها الرد بكلمة السر المتفق عليها وبخطها المعروف لى ولون الغلاف وطريقتها الخاصة فى غلق وطى الخطاب, مما طمأننى على أمانة الشرطى الذى حمل خطابى إليها وجاءنى الرد منها, وهو من أقارب أخى الصاغ أركان حرب معروف الحضري.
أثلج صدرى وملأ نفسى طمأنينة ما قرأت عن صفحة بنتى وارتفاع الروح المعنوية لزوجتى, وأخبرتنى زوجتى أن الفريق عزيز المصري اتصل بجمال عبد الناصر وأنور السادات وعبد اللطيف البغدادي وعبد الحكيم عامر يسألهم الإفراج عنى فورا خاصة وأنهم أحالوني إلى المعاش منذ شهر واحد وكنت خلال العامين الماضيين منفيا فى أبى عجيلة ورفح بفلسطين مما يدل على ابتعادى كل البعد عن التحقيق الجارى, وعلمت من رسائلها أنها تتردد على طبيب الأسنان بعد ظهر كل يوم.
التحقيق:
فى يوم 8 فبراير 1954 استدعيت للطابق العلوى حيث أدخلونى غرفة قائد البوليس الحربى, وكان جالسا بها وزير الخارجية البكباشى أركأن حرب زكريا محيي الدين الذة صافحنى بفتور ممزوج بالاستعلاء والكبر.
طلب منى الجلوس على مقعد أمامه ولجهة اليمين, وجلس على يساره اليوزباشى الرافعى من أبطال حصار الفالوجا, أما الملازم أول حليم فقد وقف خلف ستارة ومعه مسدسه, وكان بالغرفة جهاز تسجيل مخفى تحت المكتب. بدأ زكريا حديثه معى بهدوء فسألأنى عن كافة التكتلات التى كنت أعدها بغزة والعريش ورفح؟.
فنفيت له علمى بها.
فقال لى:الضباط يقولون ذلك عنى.
فأبديت كامل استعدادى لتكذيبهم فى مواجهتهم واستطردت قائلا له : إنه يؤلمنى أن أخى وصديقى جمال عبد الناصر يتخذ معى هذا الأسلوب, من إحالتى إلى المعاش فى سن مبكرة دون ذنب ارتكبته, ثم الزج بى فى زنزانة البوليس الحربى وتركى مدة شهر دون تحقيق فرد علىّ باسلوب ثعلبى قائلا: نحن على إستعداد لإخلاء سبيلك إذا ساعدتنا!!
فقلت له:إننى أفهم ما ترمى إليه, ولكن لست أنا الذى أبيع فكرتى ومبادىء, لقد أحلتمونى إلى المعاش ظلما, ورميتم فى السجن ظلما رغم كفاحى الطويل الذى تعرفونه جميعا ,وآخرها ما قمت به خلال الثورة من الهجوم على قصر رأس التين وإخراج الملك السابق!
إن الإنجليز مازالوا موجودين فى البلد وإننى على استعداد للتعاون مع شباب هيئة التحرير لمقاتلتهم! واستطردت منفعلا :
إنكم تعاملوننى هنا معاملة سيئة قاسية, ولقد منعتمونى من إتمام معالجة أسنانى عند طبيبى الخاص!
وهنا رد علىّ قائلا:لقد منعناك من إتمام معالجة أسنانك لأنك كنت تقابل زوجتك هناك وكذلك الفريق عزيز المصري.
فقلت له:أما عن زوجتى فالصدفة وحدها هى السبب, وأما عن الفريق عزيز المصري فهو أستاذنا جميعا وأسأل جمال عن ذلك.
كرر علىّ زكريا محيي الدين طلب المساعدة والتعاون معهم, فقمت واقفا مستأذنا فى الانصراف راجيا السماح لى بإتمام العلاج عند طبيب الأسنان. فسمح لى بالاثنين بعد أن أ‘طى أوامر مشددة بمراقبتى أثناء العلاج.
وحقا إنهم سمحوا لى بإتمام العلاج, إلا أن إدارة سجن البوليس الحربى كثيرا ما أرهقت أعصابى بعدم المواظبة على العلاج بحجة عدم وجود سيارة أو انشغال ضباط النوبة, وعدم وصول الأوامر بخروجى, وأ‘تقد أنه كانت هناك خطة مرسومة لمضايقتى.
كان البرد قارسا والجو رطبا فى زنزانات السجن مما اضطر إدارة السجن إلى وضع مدافىء بجوار الزنزانات, ومعاملة إخواننا ضباط الحرس لنا معاملة طيبة, وسمحوا لنا بإحضار الطعام من منازلنا.
لم تنقطع زوجتى يوما واحد عن إحضار طعامى بنفسها فى جميع السجون التى نقلن إليها بعد ذلك, اللهم إلا فى السجن الحربى الغائر فى بطن الصحراء دون وسائل مواصلات تصل إليه.
كما سمحوا لنا بإحضار أى طبيب خاص, وحدث لما مرض أخى معروف الحضرى طلب منى خلسة أم أكتب نيابة عنه إحضار طبيب خاص صديق لى أخصائى فى الأمراض الباطنية وهو الدكتور محمد سويدان, فلما حضر وكشف عليه أخذ معروف بسلامة نية اعتمادا فى هذا الطبيب يسأله عن أحوال البلد والإخوان... وعلمنا يعد أسبوعين تقريبا أن الطبيب محمد سويدان استدعى أمام جمال عبد الناصر نفسه وذكر له كل ما دار بينه وبين معروف.
رأيت فى هذا السجن كصيرا من الضباط والصولات ممن أعرفهم, وممن لا أعرفهم, منهم:
- اليوزباشىمحمد جمال ربيع يوسف,والصولات شعرواى ومحمد صلاح الدين وموسى.
وكانت أقصى مدة قضيتها ضابط هى ثلاثة أسابيع ثم يفرج عنه, ولم يبق بالسجن غير شخصى وأبو المكارم عبد الحي وحسين حمودة ومعروف الحضري وعبد الكريم عطية والصولات. إلى سجن الأجانب:
ذات يوم طلب منى الأومباشى الحرس ارتداء ملابسى, وتجهيز حقيبتى, مهنئا غياى بالإفراج, وكانت علامات الفرح والبشر يطفح بها وجهه.
إلا أن الأيام علمتنى ألا أصدق مثل هذه الأخبار إلا من شخص مسئول , فتريثت وقابلت الخبر بتحفظ شديد مع شكرى للحارس, وسألت عن الصف ضباط فأبلغنى أن شيئا خاصا بهم لم يصل به أوامر, وعلمت منه أن معروف خرج منذ ساعة فكلفت الأمباشى توصيل حقيبة طعام مليئة بالأطعمة المحفوظة إلأى الصول شعراوى الذى ردها ولم يأخذ منها سوى برطمان الدقة.
فدهشت لهذا التصرف العجيب, وأذكر أن الصول شعراوى كان قد بدأ منذ أسبوع يحرر ورقة كبيرة تحوى موضوعات دينية وطرائف وقصصا نتداولها جميعا ويضيف كل منا ما لديه من أخبار, وكان من بينها رسالة وصلتنا من الصاغ أحمد فؤاد جاسر عن نتيجة التحقيقات, مما أفهمنا الكثير عن مضمون التحقيق.
خرجت من سجن البوليس الحربى ومعى جندى من المباحث الجنائية, وسرنا على أقدامنا سويا وكنت متلهفا وجهتنا , وعلى بعد حوالى خمسين ياردة تسلمتنى إدارة سجن محطة مصر( الأجانب مسبقا).
وكان ذلك يوم الخامس من شهر مارس 1954.
غرائب ومصادفات:
فى هذا السجن شاهدت حقائق أقرب إلى الخيال, ففى أول دقيقة قابلت مأمور السجن القائمقام أحمد الخضيري الذى كان باشجاويشا على بالكلية الحربية عام 1936 يجلس بجواره السجين إبراهيم حافظ عاطف المحكوم عليه بالسجن مدة خمس عشر عاما بتهمة قلب نظام الحكم بالقوة, وكان البكباشى إبراهيم حافظ عاطف أمينا علىّ أيضا بالكلية وصحكت من تباين القدار!! وفى الأيام التالية شاهدت معى البكباشى أركان حرب أبو المكارم عبد الحي والصاغ عبد الكريم عطية, والصولات الأربعة الذين أودعوا الدور السفلى.
وفى هذا السجن تحسنت لمعاملة تحسنا كبيرا من كافة النواحى, خاصة عندما سمح للأهل والأصدقاء بزيارتنا فحمدنا الله حمدا كثيرا, وقلنا فى أنفسنا هذه مبشرات الإفراج عنا.
وكان من نزلاء هذا السجن أيضا جميع الضباط المحكوم عليهم مع البكباشى إبراهيم عاطف.
وفى أوائل شهر أبريل 1954 نزل السجن ضيفان جديدان الواحد تلو الآخر هما القائمقام أ{كان حرب يوسف منصور صديق ثم القائمقام أحمد شوقى.
وصدرت الأوامر مشددة بعدم مقابلتهما إطلاقا ولكن لم تتمكن إرادة السجن من تنفيذ هذه الأوامر.
مظاهرات وأحداث:
أثناء وجودنا فى هذا السجن وقعت حوادث مارس 1954 الدامية, وقد رفعت من معنوياتنا كثيرا, إلى درجة فقدت شعورى عندما سمعت أصوات بعض المصفحات سلاح الفرسان تمر بسرهة أمام باب السجن, فأخذت أعدو نحو النافذة لرؤيتها وتحيتها, دون أن آبه باحدم من الحراس, واصطدنت بأمباشى الحرس المعين من قبل البوليس الحربى فقلت له:إن قدمك خير.. وسأرقيك لرتبة البشجاويش إن شاء الله.
وبعد دقائق عاد إلى هدوئى فأحسست بخجل شدييد لخروجى عن حدود الاتزان .
ثم تتابعت الأحداث:
أخذت حوادث مارس تتوالى علينا من الخارج فسمعنا بلموقف الخالد الجرىء الذى وقفه الصاغ خالد محيي الدين هو وإخوانه من قوات سلاح الفرسان والمظاهرات الشعبية التى قادها الشهيد عبد القادر عودة, مما أدى إلى الإفراج عن رئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب وعودته إلى رئاسة الجمهورية, وسقوط وزارة البكباشى جمال عبد الناصر, وإالغاء مجلس الثورة, والتصريح بعودة الحياة النيابية, والإفراج عن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الستاذ حسن الهضيبي ومن معه من قيادات الجماعة, ورزيارة جمال عبد الناصر وصلاح سالم للمرشد فى منزله ردا للإعتبار, وتكذيبا لكل التهم التى وجهت إليه والإفراج عن ضباط الجيش المسجونين مع البكباشى إ[راهيم عاطف عدا القائمقام رشاد مهنا.
تحسين المعاملة:
وتحول السجن إلى خلية من كثرة الزوار من اصدقائنا الضباط وأقاربنا وأهلينا, وتبادلنا التهانى بإزالة الكابوس الحكم العسكرى واقتراب الحياة النيابية واحتمال الإفراج عنا.
أما عن ضباط الثورة النوبة المعنين من لدن السجن الحربي فقد بدءوا يتوافدون علينا تباعا يصلحون أمورهم معنا ويسرفون فى إحسان التعامل معنا, ويعتذرون عن بعض الهفوات التى صدرت تجاهنا من بعضهم.
حل علينا شهر رمضان المبارك عام 1373 هـ ونحن فى هذا السجن والإخوان يروناا كل يوم فى زيارات من مختلف أنحاء القطر مهنئين بشهر الصيام وبقرب الإفراج عنا.
وكان من بين الزائرين الأخ الشهيد يوسف عز الدين طلعت الذى كان يدير حركة المنشورات السرية من مخبئه السرى, والتى كان لها أثر فعال فى زلزلة أعضاء مجلس الثورة, ويوزباشى بوليس محمد الشاذلي والدكتور توفيق الشاوى والحاج حسنى عبد الباقى والأستاذ رشاد الشريف من العريش والأستاذ صلاح الدين أبو الفضل.
وتغيرت الأحوال:
ولم يمض أسبوعان على هذه الحركة الخالدة حتى بدأ الجو فى الاكفهرار, وعادت الغمة من جديد, وإذا بالمظاهرات تجوب أنحاء القاهرة تهتف مستنكرة عودة الحياة النيابية, وتطالب ببقاء الثورة وسقوط الحرية, وتوقفت المواصلات فى جميع أنحاء الجمهورية نتيجة إضراب العمال بأمر من الحكومة تأييدا لهذه المظاهرات الغريبة التى لم يشاهد تاريخ مصر القديم ولا الحديث مثيلا لها فى تزوير الحقائق وتضليل الناس, وبدأت حركة اعتقالات جديدة, فاعتقل القائمقام أحمد شوقى قائد قسم القاهرة سابقا, والقائمقام أركان حرب يوسف منصور صديق عضو مجلس قيادة الثورة سابقا.
ونفى إلى فرنسا الصاغ البطل خالد محيي الدين ومعه أسرته بعد تأمين معاش مرض له قدره مائتان جنيه شهريا, وقد حاولت إدارة السجن منعنا نحن الضباط الإخوان من الاتصال بعما ولكنها لم تستطيع تنفيذ ذلك إطلاقا.
تبادل الآراء:بدأ رد الفعل هذا يحز فى نفوسنا وأخذنا نتشاور جميعا فى الموقف الجديد, فقال الصاغ أركانحسين حمودة.
إن جمال عبد الناصر لا زال قابضا على زمام الأمور وسيعود إلى رئاسة الحكومة بقبضة حديدية أشد من السابقة.
وقال القائم مقام يوسف منصور صديق:إننى أعتبر الإخوان المسلمين وعلى رأسهم حسن الهضييبي مسئولين عن بقاء الحكم العسكرى قائما, فلقد اجتمعت بالهضيبى قبل الزج بى فى السجن, وعرضت عليه القيام بحركة مسلحة من الإخوان والشيوعيين وبعض ضباط الجيش ضد النظام العسكرى القائم ولكنه رفض.
ثم أردف يوسف منصور صديق موجها كلامه لنا:هل أنتم مستعدون لأن ننتزع من حرس السجن أسلحتهم أثناء نومهم ثم نتسلل إلى سجن البوليس الحربى لنحتله فإما ننال حريتنا وإما نتموت دفاعا عنها.
لقى هذا الإقتراح قبولا فى نفوسنا جميعا ما عدا البكباشى أبو المكارم الذى لم يبد رايه وظل صامتا, وأخذت أضع خطة لإخراج هذا الرأى إلى حيز التنفيذ يشاركنى فيها كل من معروف الحضري ويوسف صديق, على أن نفاتح إخواننا الصولات بعد استقرارنا على خطة نهائية , ولكن الأحداث تتالت بسرعة لم تدع لنا مجالا لتنفيذ هذا الرأى.
بلغنى وأنا فى السجن حادث اعتداء القوات الصهونية على مركز حراسة فلسطينى برفح, أسفر عن مقتل ستة من المهاجمين بواسطة جندى فلسطينى من عشيرة أو ستة فأسرعت فى إرسال برقية تهنئة للشيخ عبد الله أبو ستة بخان يونس.
وجاءنى عشرات الخطابات والبرقيات من إخوانى وأصدقائى الفسلطنيين يهنئون بالإفراج ظنا منهم أنه تم فك إعتقالى.
علل وأمراض:
أحسست فى هذا السجن بآلام بالمصران الغليظ, وشكوت لزوجتى حالتى هذه فاتصلت بطبيبى الخاص محمد سويدان وأحضرته معها على أنه صديق زائر وبعد أن حرر لى الدواء اللازم دخل علينا إخوانى الضباط المسجون وأخذنا نتحدث عن متاعبنا فقال اليوزباشى عبد الكريم عطية:
لقد أحالونى إلى المعاش بمقتضى ورقة صغيرة طولها سبعة سنتميترات وعرضها ثلاثة سنتميترات جاء فيها بالحرف الواحد:
السيد اليوزباشى عبد الكريم عطيه موسى.
قرر مجلس قيادة الثورة إحالتكم على التقاعد اعتبارا من ... وشكرا
التوقيع إدارة الجيش
ثم أردف قائلا:وبعد ثلاثة أيام قبضوا على وزجوا بى فى السجن, ولم أتناول معاشى حتى هذه اللحظة.
وكان أغلب الحديث يدور حول اعتقالنا دون ذنب اقترفناه أو جريمة ارتكبناها وكان غرضنا من الحديث فى هذا الموضوع توصيل أصواتنا إلى المسئولين عن طريق الطبيب الصديق لعلهم يأمرون بالإفراج عنا ولكن خاب ظننا!!
الفصل الثانى عشر : المحاكمة أمام المجلس العسكرى العالى
فى صبيحة أول أبريل 1954 استدعيت لمقابلة مأمور السجن, وفى غرفته التقيت باثنين من ضباط السجن جاءا ليعلنانى بالمثول أمام المجلس العسكرى العالى الذى عقد يوم الاثنين 17 من أبريل فقلت لهما:
عن هذا موعد قريب جدا من جهة ومن جهة أخرى إننى متمسك بالمحاكمة اما محكمة مدنية نظرا لأننى محال على المعاش منذ ثلاثة أشهر, فكيف يطبق القانون العسكرى علىّ؟!! وبعد أخذ ورد بينى وبينهما وتدخل مأمور السجن اقتنعت بان لا مفر من قبول الأمر الواقع وتسلمت منهما صورة الادعاءات ثم انصرفا.
وقبيل العصر زارنى بالسجن نائب الأحكام البكباشى خليل محمد خليل الذى اعتذر لى لكونه مدعيا فى محاكمتى طالبا منى تقدير ظروفه وطالبنى بتقديم كشف بأسماء شهود النفى والأخلاق فقدمت له كشفا بشخصيات مصرية اشتركت معى فى حوادث وأعمال وجهاد ضد المحتلين الإنجليز وضد الحكومات الحزبية الفاسدة التى كانت تعاصرهم.
ومن هذه الشخصيات:
- الفريق عزيز المصري.
- البكباشى أنور السادات.
- الأستاذ شوكت التوني المحامى.
- الصاغ خالد محيي الدين.
- الطيار حسن عبد العظيم عزت.
- البكباشى جمال عبد الناصر.
وقد متكشفا بأوراق رسمية تثبت على رأس الكتيبة التاسعة عشرة التى حاصرت وهاجمت قصر رأس التين فى يوليو 1952 والمعارك التى خضتها مع متطوعى الاخوان المسلمين فى فلسطين عام 1948.
كما قدمت أيضا كشفا بأسماء فلسطينية تشهد بمحبة أهالى القطاع المصرى الفلسطينى لى بسبب ما قمت به من مجهود مضنية فى تدريب الكتيبة الفلسطينية على أحدث دروب القتال امثال عبد الرحمن الفرا والشيخ عبد الله أبو ستة والأستاذ هاشم الشوا وغيرهم.
أبلغت خبر بدء محاكمتى لإخوانى الضبط فاعترتهم الدهشة لهذا التحول المفاجىء, وبدأ كل منهم يعرض علىّ خدماته وينظم أقواله لصالحى فى حالة استدعائه كشاهد إثبات ضدى.
انتدبت الأستاذين طاهر الخشاب المحامى واللواء عباس زغلول المحامى للدفاع عنى, كما أن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبى انتدب الأساتذة عبد القادر عودة والأستاذحسن العشماوي, وتطوع للدفاع عنى الدكتور عبد الله رشوان والأستاذ عبد الكريم منصور.
وفى صبيحة يوم الاثنين 17/ 4/1954 عقد المجلس العسكرى العالى بجهة معسكر العباسية برئاسة الأمير ألاى عبد الجواد طبالة وعضوية القائمقام حسن عبد اللطيف والبكباشى حسن محفوظ ندا والبكباشى يوسف السباعي وقائد الجناح على لبيب ونائب الحكام البكباشى( لا أذكر اسمه) والمدعى العسكرى حسن خليل وأعضاء منتظرون. وكانت الادعاءات كالاتى:
الادعاء الأول : افتتح رئيس المجلس العسكرى جلسته الأولى, وعندما سألنى عمن أعارض فيه من هيئة المجلس عارضت فى الرئيس نفسه الذى اصفر وجهه وأخذته المفاجأة, وعارضت فى كل من, البكباشى محفوظ ندا, والبكباشى يوسف السباعي. أما أسباب المعارضة فلم أكاشفهم بها لحين عرضها على المحامين الذين تأخر حضورهم بسبب سوء الموصلات أو أنهم ضلوا طريقهم, ولما عرضت أسبا ب رد الأعضاء على هيئة الدفاع لم يوافقونى عليها وإنى أوجزها فى الآتى:
أما عن سبب ردى للأمير ألاى عبد الجواد طبالة فقد كان مشرفا على هيئة التحرير فى مديريته ومعروفا بعدائه لجماعة الإخوان المسلمين منذ معارك فلسطين, وعين أخيرا مدثيرا للكلية الحربية متخطيا الكثير من ضباط الجيش الممتازين.
أما عن البكباشى حسن محفوظ ندا فلأنى أعرف عنه فظاظة القلب منذ كان صف ضباط على بالكلية الحربية وتسبب لى فى أربعة عشر يوما حجز قشلاق بدون ذنب جنيته مما اضطرنى لأن أقذف البندقية فى وجهه, وكدت أطرد من الكلية ولكن الله سلم.
أما يوسف السباعي فلانى أعرف الكثير عن مؤلفاته الداعرة, فتصورت ان مثل هذا الكاتب لا يستسيغ مبادىء الإسلام التى تجاهد من اجلها الجماعة الإخوان المسلمين, وبالتالى لا يحب شباب الجماعة.
ولقد أكبرت يوسف السباعي عندما تقدم نحوى بعد انتهاء الجلسة وصافحنى متمنيا لى الخير.
ماذا يريدون من محاكمتى؟
فى الجلسة الثانية التى عقدها المجلس سمع اعتراضي , وبدأت المحاكمة الجائرة التى لم يشهد القضاء العسكرى أو المدنى مثيلا لها فى التاريخ وسنوجز فى السطور التالية النقاط الهامة الواجب إبرازها:
1- كان غرض مجلس قيادة الثورة من هذه المحاكمة الجائرة إلصاق التهم الباطلة بالإخوان المسلمين الضباط الموجودين بالجيش ثم طردهم من الخدمة كى يطهروا الجيش من كل عناصر المقاومة, ومن ثم يتحول إلى جماعة الإخوان المسلمين ليحلها مرة ثانية, ويلقى بقيادتها فى غيابات السجون, ولقد سبق هذه المحاكمة التخلص من كثير من الإخوان المسلمين الضباط بالبوليس فرفت بعضهم وشتت الآخرون فى أنحاء الوجه القبلى, كما نقل عدد يربو على الستين موظفا من القاهرة ومنطقة القنال إلى الصعيد أيضا, ولا شك فى أن مثل هذه ( الفركشة) فى صفوف الإخوان علاوة على مجهودات جمال عبد الناصر المتواصلة لجذب أنصار من صفوف الجماعة لصفة, من أمثال الشيخ سيد سابق, ومحاولة تشكيك الإخوان فى صلاحية الأستاذ حسن الهضيبى كمرشد للجماعة , وتأليب بعض الشبان من أعوان عبد الرحمن السندى لمحاصرة دار المرشد العام ومحاولة إرغامه على تقديم استقالته, ومحاولة شغل الإخوان فى مناقشات بيزنطية تدور حول التعاون مع الحكومة أو هد التعاون, وأن العداء بين الإخوان والحكومة سببه عنجهية المرشد وعناده إلى غير ذلك من الافتراءات والأباطيل... كل هذا يوحى بسوء نية الثورة نحو الجماعة الإخوان المسلمين.
2- ثبت من سياق التحقيقات والمحاكمة أن نية مجلس الثورة كانت مبيتة لمحاكمتى قبل التحول لمحاكمة أبو المكارم عبد الحي وحسين حمودة ومعروف الحضري وعبد الكريم عطية والصولات بقصد اعتقالنا أطوال مدة ممكنة, وشغل قيادة الإخوان بنا ومحاولة مساومة الجماعة علينا وعلى حساب الوطن بان لا يعارض الإخوان المسلمون اتفاقية الجلاء.
3- كان شهود الإثبات ضدى فى القضية اثنين وعشرين شاهدا, تحولوا جميعا عدا خمسة إلى شهود نفى, وطعنوا جميعا فى الأقوال الابتدائية التى أخذها منهم الوزير الداخلية البكباشى أركان حرب زكريا محيي الدين , وصرح هؤلاء الشهود بأنها اقوال مزورة لم يسمح لهم بتلاوتها, وأجبروا على التوقيع عليها تحت ضغط التهديد والإرهاب, ولقد اثبتوا ذلك أمام المجلس العسكرى العالى.
4- ثبت أمام المجلس العسكرى أن رئيس الوزراء جمال عبد الناصر وقائد البوليس الحربى أحمد أنور لفقا بينهما قصة انقلاب خيالية ثم اجتمعا بدار الأول بمنشية البكرى بكل من الصاغ عبد الواحد سبل واليوزباشى الموجى والصاغ أركان حرب حسين حمودة والصاغ اركان حرب معروف الحضري ليوهموهم بأن هناك قوات مسلحة تريد إحداث انقلاب وتطلب معاونة جماعة الإخوان المسلمين أو على الأقل معرفة موقفهم من الانقلاب وتأييده إن أمكن تأييدا أدبيا.
5- لما وجد عبد الناصر وأحمد أنور أنجماعة الإخوان المسلمين متيقظة لمثل هذه اللعبة الدنيئة أسرع فى القبض على الإخوان الضباط حتى إذا فرغ من محاكمتى بتهمة تكتيل ضباط بالعريش ورفح وغزة بقصد إحداث انقلاب فى القطاع المصرى الفلسطينى وسيناء بدأ فى محاكمة الباقين بنية إحداث انقلاب فى القاهرة.
6- استطاعت هيئة الدفاع عنى وعلى رأسها الشهيد عبد القادر عودة أثناء استجواب الشهود أن تهلهل شهادات شهود الإثبات من واقع كلامهم المتناقض حول أمكنه وأوقات وأسلحة التدريب التى ادعوا أننى كنت أنظمها لجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة صحراء سيناء وحول خطة الانقلاب التى أرسلتها مع اليوزباشى سعد الدين صبري هلى كانت خطة أم تقدير موقف؟ وما محتوياتها فى كل حالة وحجم الورقة التى كتبت عليها ونوع الرصاص والحبر اللذين كتبت بهما, كما أوضح الشهيد عبد القادر عودة لهيئة المجلس أنسعد الدين صبري كان مدفوعا من جهة المخابرات للإيقاع بى.
7- وبالرغم من أن هيئة لالدفاع دفعت بعدم جواز محاكمتى امام القضاء العسكرى لسببين:
أولا: لمرور ثلاثة أشهر على التهمة الموجهة لى كنص قانون الأحكام العسكرية.
ثانيا: لإحالتى إلى المعاش والإحالة إلى المعاش لضابط فى سن صغيرة مثلى وبدون سبب تعتبر عقابا وجزاء ولا يجوز توقيع جزاءين هلى جناية واحدة كنص القانون العسكرى.
اقول بالرغم من كل ذلك فإن هيئة المحاكمة وبالأخص للأمير ألاى عبد الجواد طبالة والبكباشى حسن محفرظ ندا وقائد الجناح علي لبيب عندما رفض طلب الدفاع فى مثول كل من القائمقام أركان حرب يوسف صديق والقائمقام أحمد شوقي والصاغ خالد محيي الدين , وقائد الأسراب حسن عبد العظيم عزت والفريق عزيز المصري أمام المحكمة كشهود نفى وأخلاق.
وهنا يسجل التاريخ عبارة قالها الأستاذ الشهيد عبد القادر عودة:
إن الوطن الذى لا عدالة فيه لا أمن فيه!
قالها عندما رفضت هيئة المحكمة مثول الشهود السابق ذكرهم بحجة أن أمن الوطن يقتضى ذلك, ووضحت نياتها السيئة.
كذلك عندما تقدم الدفاع لهيئة المحكمة شاكيا عدم مثول الصاغ أركان حرب معروف الحضري والصاغ أركان حرب حسين حمودة,واليوزباشى عبد الكريم عطية كشهود نفى, رغم طلبهم بالطرق القانونية عن طريق إدارة الجيش’
لكن الرئيس المحكمة أعلن عدم إمكانية إحضارهم , مخالفا استفتاء نائب الأحكام الذى أعلن احتجاجه كتابة فى محضر الجلسة لخروج الرئيس على قانون الأحكام العسكرية, وأخيرا وافق الرئيس مكرها واستجاب لفتوى نائب الأحكام .
8- كان يبدو على الرئيس وأغلب الأعضاء ضيق صدورهم نحو العدد الكبير من الإخوان المسلمين يزداد عددهم يوما بعد يوما لحضور المحاكمة فأصدرت المحكمة أوامرها للصحف كافة بعدم نشر أى شىء عنها, بل وعطلت جريدة الجمهور المصرى, وحكمت فيما بعد على صاحبها الأستاذ أبو الخير نجيب بعشر سنوات سجن, وحددت عدد المسموح لهم بالحضور لمحاكمة!!
9- الانتقال إلى السجن الحربى:
فى يوم 28/4/1954, ولم يبق على حلول عيد الفطر سوى أسبوعين تقريبا نقلنا جميعا إلأى السجن الحربى وهناك تعرضنا لمعاملة سيئة وتضييق مؤلم يتنافى مع وضعنا كضباط وأيضا كمواطنين لم تثبت بعدا إدانتنا.
ومن صور هذه المعاملة ما يلى:
• وضع كل منا فى زنززانة انفرادية طوال اليوم.
• لا تفتح الزنزانة فى الأربع والعشرين ساعة إلا ساعة واحدة يتمشى فيها كل منا بمفرده فى حديقة السجن الخالية من الظل وذات الجو الخانق.
• المشى فى أرض الحديقة الجرداء تحت حراسة الجنود شاكى السلاح والسونكى مركب, وفى يوم 7/5/1954 كتبت طلبا لقائد السجن الحربى راجيا منه تنفيذ الطلبات الآتية:
أ- السماح لى بالإطلاع على الصحف اليومية.
ب- إحضار مذياع لغرفتى.
ت- زيادة فترة الفسحة لأربع ساعات يوميا.
ث- السماح لأسرتى بزيارتى.
وبينت له فى طلبى أننى كنت متمتها بكافة هذه الطلبات عندما كنت فى سجن المحطة, وأن المعاملة الحاضرة لنا لا يجوز تطبيقها على المجرمين السياسيين, وأن محاكمتى اجتازت طور التحقيق وهى الآن فى المرحلة الأخيرة.
غرائب لم تحدث من قبل:
كان لسوء معاملتنا أثر كبير فى نفوسنا خاصة بعد أن وصل إلى مسامعنا اعتقال زوجة القائمقام يوسف منصور صديق, لأنها عاتبت جمال عبد الناصر تليفونيا وتطور العتاب بينهما إلى تبادل الألفاظ النابية.
والمخجل فى تاريخ جمال السفاح ألا يتسع صدره لإمرأة مناضلة كانت توزع بنفسها منشورات الضباط الأحرار فى الطرقات والدور فيزج بها فى سجن محطة مصر الرجالى, وبذلك فرق بين الزوجة وزوجها وبينها وبين أبنائهما الصغار الذين لم يتعد سن أكبرهم اثني عشر عاما.
الإضراب عن الطعام:
فكر القائمقام يوسف صديق فى الإضراب عن الطعام, ونفذ الإضراب وامتدت العدوى إلى البكباشى أركان حرب أبو المكارم عبد الحي , والصاغ أركان حرب معروف الحضري والصاغ أركان حرب حسين حمودة , واليوزباشى عبد الكريم عطية وإلىّ أيضا.
فحضر قائد السجن الحربى يرجوننى العدول عن الإضراب مقسما لى بأن المرشد الأستاذ حسن الهضيبي سبق فى محنة مارس السابقة ان زجر الإخوان المضربين هن الطعام لمخالفة ذلك الدين الإسلامى. فصدقته أوقفت إضرابى فورا.
بالرغم من هذا التشديد والتضييق وسوء المعاملة استطعت أن ألتقى فى ممر السجن المؤدى إلى دورة المياة ( خصوصا قبيل الإفطار وبعده وعند الوضوء) بقائد الأسرابحسن عزت والأستاذ المجاهدأحمد حسين.
أما ألول فقد أودع السجن قرابة أسبوع للتحقيق معه فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر بالاتفاق مع الأستاذ عز الدين عبد القادر ثم أفرج عنه لتدخل البكباشى أنور السادات لما بين زوجة كل منهما والأخرى من صلة نسب.
وأما الثانى وهو الأستاذ المجاهد أحمد حسين فقد أفرج عنه بهد هربى من السجن بشهرين أو ثلاثة بعد وساطة بعض أصدقائه من الأعضاء السابقين فى جمعية مصر الفتاة.
انقطعت الاتصالات بيننا نحن الضباط الإخوان داخل السجن وبين الإخوان المسلمين بمن فيهم المرشد بعد انتقالنا إلى السجن الحربى.
ولم يبق إلا شخصى لأداء هذه الصلة, فسلمت خطابا من أبى المكارم للأستاذ الشهيد عبد القادر عودة ليوصله للمرشد وأبلغت الشهيد عبد القادر عودة سوء المعاملة التى نتلقاها وإضراب إخوانى عن الطعام.
الفصل الثالث عشر : مذكـرة
كتبت مذكرة مختصرة عن حياتى وجهادى قدمتها لهيئة المحكمة للدفاع عن نفسى أثبتها هنا وأقدمها إلى القراء فيما يلى:
مذكرة للدفاع عن قائد اللواء الجوى عبد المنعم عبد الرؤوف.
1- النشأة.
نشأت فى وسط يجمع بين التدين والعسكرية, فقد كان لى أربعة أخوال, اثنان منهم شيخان حاصلان على شهادة العالمية من الأزهر الشريف وهما: الشيخ أحمد عبد الحليم أبو الفضل شيخ مسجد السيدة زينب, والشيخ عبد الحليم ابو الفضل من علماء الأزهر.
والخالان الآخران هما اللواءعبد الحليم أبو الفضل مفتش بالسجون سابقا, والمرحوم البكباشى عبد الغنى أبو الفضل.
علاوة على ذلك فقد كان والدى من الضباط العظام الذين حاربوا فى السودان ولى شقيق هو اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف, وحوالى سبعة من أقاربى يعملون للأن بالجيش والبوليس.
2- الجهاد المبكر:
فى ديسمبر من عام 1932 كنت طالبا بالسنة الثانية الثانوية بالمدرسة السعيدية بالجيزة, وطردت من المدرسة بسب اشتراكى فى إثارة المظاهرات ضد حكومة صدقى باشا, وأثناء اليام التى كنت مطرودا فيها من المدرسة السعيدية كونت جمعية سرية مازال أعضاؤها أحياء يرزقون, وألقينا سبع قنابل على السفارة البريطانية والمنشآت الإنجليزية, وقد تمكنا من الإفلات من قبضة البوليس السياسى بسبب رجولة أعضاء الجمعية وحيلة بارعة أجراها أحدنا, وظل أمرنا خافيا لا يعلم به أحد حتى عام 1936, وقامت حكومة الوفد بعقد المعاهدة, ثم اصدرت عفوا عاما عن جميع الأعمال والجرائم السياسية, ولقد نشرت تفاصيل هذه الجريمة فى مجلة الإثنين عام1939.
3- التحقت بالكلية الحربية عام1936 وتخرجت فيها عام 1938 برتبة الطيار ثانى والتحقت بمحطة الدخيلة الجوية, ولما نشبت الحرب العالمية الثانية أحسست بكراهيتى للإنجليز تظهر من جديد, فقد أرادوا تسخير كل شىء فى البلاد المصرية من رجال ومنشآت حربية ومدنية لصالحهم, حتى جيشنا أرادو تجريده من السلاح إن لم يحارب فى صفهم, وقد طلب منى التعاون مع أحد الضباط الإنجليز فى غرفة العمليات بالإسكندرية, فرفضت فصدرت لى الأوامر بالسفر فروا للقاهرة.
4- التنظيم السرى داخل الجيش:
وفى القاهرة وجدت نفسى قريبا من الغليان الفكرى والثورة المضطرمة ضد الإنجليز سواء من الجيش أو الشعب فقابلت مصادفة زميلا لى منذ الكلية الحربية هو البكباشى أنور السادات, وتناول الحديث خطورة دخول مصر الحرب بجانب الإنجليز, وأنه من الضرورى تجنيبها شرور وآثام الحرب, ولابد من مقاومة الرأى القائل بتسليمهم سلاحنا لطعنها فى الوقت المناسب للفوز بالحرية لوطننا.
وافترقنا على لقاء بمنزلى وفى الميعاد المحدد خضر ومعه القائمقام أركان حرب رشاد مهنا ( يوزباشى حينئذ) وتناقشنا كثيرا وتوالت الاجتماعات هنا وهناك وكلفونى بتكتيل ضباط داخل القوات الجوية وبدأت أنشط مبتدئا ببث الكراهية للمحتل وضم المتحمسين منهم فى خلايا صغيرة فى شكل خمسات, بينما نحن سائرون فى هذا العمل,حدث موضوع استقالة الفريق عزيز المصري وموقفه المشرف من البعثة الإنجليز ية وإدلائه بخطة الدفاع عن مصر بانتخاب منطقة العلمين إنشاء الدفاعات وليس مرسى مطروح, فزاد حب الضباط لعزيز المصري ودعوناه لحضور اجتماعاتنا السرية طورا عنده, وتارة فى منازل الأعضاء الموثوق فيهم, ولكن عين قلم المخابرات البريطانية والبوليس السياسى لم تنم, ووجد عزيز المصرى نفسه مراقبا مراقبة شديدة كما أن حركة تكتيل الضباط سائرة بحذر وبطء وفى نفس الوقت نشبت حركة رشيد عالى الكيلانى بالعراق فأسرأنور السادات فى أذنى بان عزيز المصري يريد مغادرة البلاد, وقد كان وسقطت بنا الطائرة فى قليوب وحدثت المحاكمة إلى آخره.
5- دعوة الإخوان المسلمين:
عندما كنت فى السجن منظرا التحقيق فى حادث الطيران مع عزيز المصري خرجت بالدروس الهامة التالية:
أ – لا يمكن إخراج الإنجليز من البلاد إلا بتعاون الجيش والشعب.
ب- إن الإيمان والمال عصبا الحركات الوطنية.
ج- يجب على كل مكافح الاستناد على هيئة شعبية منظمة قوية.
فلما خرجت من السجن تفاعلت هذه الدروس مع ترتيبتى العسكرية والدينية وشاء الله أن أقرأ على جدران الشوارع لافتات تحمل هذه الكلمات:
انضموا إلى الإخوان المسلمين... دعوة الحق والقوة والحرية.
وكان ذلك عام 1943 فانتابنى شعور قوى جارف للإنضمام إلى هذه الجماعة وفى احد الأيام كنت فة وزارة الحربية وسمعت حديثا من شخصين عن تلك الدعوة فتدخلت فى الحديث وطلبت من أحدهما تقدينى للمسئولين عن هذه الجماعة, وفعلا أعطانى أحدهما – وكان من الإخوان – موعدا فى نفس اليوم والتقيت به وعرفنى بالمرحوم الشيخ حسن البنا الذى قدمنى للمرحوم الصاغ محمود لبيب, والدكتور مهندس حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.
6- بداية حياة جديدة:
جلس ثلاثتنا المرحوم الصاغ محمود لبيب, والدكتور مهندس حسين كمال الدين وأنا نتحدث , فسألنى الدكتور مهندس حسين كمال الدين:
ماذا ترى فى دعوة الإخوان المسلمين!
فقلت:إنها الفكرة التى أبحث عنها منذ نشأتى, وإنى أصارحكم بما يجول فى خاطرى:
أ- بث دعوة الإخوان فى الجيش المصري نواة جيش إسلامى شعبى.
ب- تدريب الإخوان تدريبا عسكريا نواة جيش إسلامى شعبى.
ج – طرد الإنجليز من بلادنا.
د – إلغاء الملكية.
هـ - تنصيب حاكم مسلم عادل.
7- الكتيبة الثالثة بنادق عام 1942:
حرمت من الاستمرار فى الخدمة بالقوات الجوية كعقاب بسبب حادث الطيران مع عزيز المصري فنقلت إلى سلاح المشاة بالكتيبة الثالثة بنادق, وهناك بذلت مجهودا كبيرا فى التحصيل والتدريب على نوع جديد من العلوم العسكرية, وظللت أ‘مل بجد وإخلاص بسلاح المشاة وأتنقل من وحدة إلى أخرى قرابة اثنى عشر عاما كنت فيها مثالا طيبا. وتشهد بذلك تقاريرى السرية المكتوبة بواسطة عدد كبير من الضباط العظام ويمكن الإطلاع عليها.
8- نشر دعوة الإخوان المسلمين داخل صفوف الجيش:
بدأت أنشر دعوة الإخوان المسلمين فى كل وحدة أخدم بها, مبتدئا بالكتيبة الثالثة سالفة الذكر, وكان ممن استجاب لهذه الدعوة فى هذه الكتيبة البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر, والصاغ أركان حرب حسين حمودة, ومن وحدات أخرى الصاغ خالد محيي الدين, والصاغ أركان حرب كمال الدين حسين, والصاغ أركان حرب صلاح خليفة, والملازم سعد توفيق.
وانتشرت الدعوة فى أغلب وحدات الجيش, وكان المرحوم الصاغ محمود لبيب ينتقل من منزل إلى منزل, ليلتقى بالضباط ويدعوهم إلى التدين وقراءة القرآن.
9- القوات الجوية:
نظرا لصلتى القديمة بالقوات الجوية استطعت أن ألتقى ببعض الضباط فيها وعرفتهم بالصاغ محمود لبيب, وبدأنا نجرى اجتماعات دورية لنشر دعوة الإسلام ومن بين من استجابوا لهذه الدعوة قائد السرب حسن إبراهيم, وقائد السرب عبد الرحمن عناني وقائد الجناح عبد اللطيف بغدادي وغيرهم.
10- البيعــــــة
لقد بايعجمال عبد الناصر وكل من ذكرتهم فى هذا البند 8 فى ظرف واحد, وكلهم يذكرون ذلك اليوم جيدا, كانت البيعة تحمل معنى الجهاد فى سبيل الله والعمل للحكم بكتاب الله, وإقامة الدولة الإسلامية, وبعد أن أعطينا البيعة ذهبنا للمرحوم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا فى داره, وعلم بها بحضور عبد الرحمن السندى, وكتمنا السر لهذه البيعة حتى كشفها أنور السادات فى مذاكراته بجريدة الجمهورية, وطبعا بإيحاء من جمال عبد الناصر.
وأما باقى الضباط فمنهم من أعطى البيعة للصاغ محمود لبيب ومنهم من لم يعط.
11- الاشتراكات:
كان نجمع اشتراكات من الضباط تتراوح ما بين 25 قرشا إلى خمسين قرشا تسلمها الصاغ محمود لبيب من جميع الخلايا وقد بلغت حوالى ثلاثمائة جنيه صرفت على الوجه الآتى:
أ- شراء كتب دينية. وكان الملازم أول حسين حمودة مسئولا عن المكتبة.
ب- مساعدة اسر الضباط الذين استشهدوا فى معارك فلسطين فيما بعد.
ت- مساعدة اسر الضباط الذين اعتقلوا عام 1947 فى قضية قلب نظام الحكم (مذكرات جمال عبد الناصر فى مجلة المصور) ولقد اشترك فى الدفع عدد كبير من الضباط من مختلف الوحدات إذ وجدت الدعوة لها مكانا فى قلوب الكثيرين منهم.
12- موقف جمال عبد الناصر عام 1947.
أ- نشط جمال فى تكتيل الضباط حول دعوة الإخوان المسلمين, وهو الذى دعا الصاغ معروف الحضرى والصاغ مجدى حسنين.
ب- كان يدفع لى الاشتراكات لمن دعاهم.
ت- كان يعتبرنى أخاه الأكبر وينفذ كل ما أطلبه منه.
ث- كنا نجتمع بداره كثيرا.
ج- قال جمال عنى لحسين حمودة: إننى أقدر وأحترم جهاد عبد المنعم عبد الرؤوف وتفانيه فى دعوة الإسلام.
ح- كنت أثق فى جمال جدا لنشاطه وذكائه, وكنت أعتبره ساعدى الأيمن وعرفته بكثير من الضباط وخاصة الضباط الطيارين, وهم الذين ساعدوه فيما بعد فى انقلاب 23 يوليو 1952 ( البغدادى وحسن إبراهيم – عنانى)
13- قضية قلب نظام الحكم عام 1947:
قبض علىّ وعلى 16 ضابطا على راسهم القائمقام أركان حرب محمد رشاد مهنا, ولظروف سياسية أوقف السير فى المحاكمة, ولقد قام جمال عبد الناصر بدور هام أثناء الاعتقال إذ تسلم مبلغا كبيرا من الاشتراكات ودفعها لأسر الضباط المعتقلين( مذكرات جمال بمجلة المصور).
14- البكباشى أنور السادات وقائد السرب حسن عبد العظيم عزت:
فى أحد الأيام من عام 1943 حضر لمنزلى كل من أنور السادات وحسن عبد العظيم عزت وأفهمانى أن حالتيهما المالية سيئة ويريدان الكفاح من أجل لقمة العيش وطلبا منى إمدادهما بأى مبلغ.
فرجعت فورا لدارى واستشرت زوجتى التى أخرجت كل ما معها وكان مبلغ سبعين جنيها , ثم ذهبت إلى الصائغ حيث باعت حليها بمبلغ مائتى جنيه, وسلمت المبلغ بعد يومين لهما معا دون إيصال, راجيا لهما التوفيق من الله, ولقد سدد جزء من هذا الدين بواسطة حسن عزت فى فترة بلغت ثمانية أعوام, ومازال السادات مدينا لى بمبلغ تسعين جنيها.
15 – تدريب الإخوان:
عندما ظهر العدوان الصهيونى على قلب العالم الإسلامى فى فلسطين عزم الإخوان المسلمون على السفر لمقاتلة اليهود, وكنت وقتئذ مدرسا بمدرسة المشاة وطلب منا الإخوان تدريبهم استعدادا للسفر للقتال, فتصلت بجمال عبد الناصر الذى أبدى استعدادا طيبا واستطعنا تدريب عدد كبير منهم فى مكان ما بضواحى القاهرة.
16- التطوع فى كتائب الإخوان فى فلسطين:
قدمت طلبا للتطوع وسافرت فعلا مع الإخوان تحت قيادة المرحوم أحمد عبد العزيز وكثير من الإخوان الضباط, وهم الصاغ أركان حرب كمال الدين حسين واليوزباشى أنور الصيحي, واليوزباشى خالد فوزي والصاغ حسين فهمي عبد المجيد.
وقد رافقنا – مندوبا عن الإخوان – الشهيد الشيخ محمد فرغلي.
17 – أهم المعارك الحربية:
خضت مع كتائب الإخوان المسلمين عدة معارك أهمها الهجوم على مستعمرة دير البلح والمنشية والعصلوج, وقد استطعت فى معركة دير البلح إنقاذ أرواح خمسة وعشرين متطوعا, على رأسهم الصاغ أركان حرب معروف الحضري و الذى اصيب فى هذه المعركة برصاصتين فى رأسه وكتفه, أما معركة العصلوج فقد استطعت بفضل نشاط دورياتى المستمرة ليلا ونهارا أن أكون فكرة سيلمة عن نيات العدو باقتراب مهاجمتى, وتحققت معلوماتى, ورغم تفوق العدو فى الرجال والسلاح وخفة الحركة, وبالرغم من اعتصام الجنود المتطوعين من الليبيين فقد دخلت المعركة وحوصرت 48 ساعة ثم انسحبت بما تبقى من قوات بعد أن كبدت العدو خسائر فادحة فى المصفحات والرجال وأجرى مجلس نحقيق معى أثبت براءتى وإدنة آخرين ممن هم أكبر منى رتبة.
18- ترك المتطوعين والعمل بالجيش:
وبعد معركة العصلوح وانتهاء التحقيق قررت العمل مع الجيش للأسباب الآتية:
أ- سوء الحالة الإدارية والنفسية لدى المتطوعين بسبب تصرفات القادة من الضباط الكبار.
ب- تفشى المحسوبية فى معاملة الضباط الأحدث.
ت- امتناع قيادة الجيش عن تزويد المتطوعين باحتياجاتهم من السلاح والذخيرة.
ث- وجود سوء تفاهم بين قيادة المتطوعين وقيادة الجيش.
19- زيارات وهدايا
علمت أن جمال عبد الناصر موجود ببلدة أسدود, وكنت حينئذ ببلدة المجدل والمسافة بينهما خمسة وخمسون كيلوا مترا فسافرت لزيارته ونظمنا الاتصالات مع بعض, وقد أهدانى مصحفا شريفا كتب عليه:
(إلى أخى عبد المنعم عبد الرءوف ذكرى نجاته من معركة العصلوج بحمد الله) ومازلت محتفظا بهذا التذكار حتى يومنا هذا, واتفقنا معا أنا وجمال على أن يخبر كل منا زميله قبيل قيامه بأجازة ميدان للقاهرة, وكان أن حمل لدارى بعض الهدايا منى وكذلك فعلت معه, وفى إحدى المرات اوصانى أن ابلغ زوجتى بزيارة زوجته وفعلا أرسلت لزوجتى خطابات بهذا المعنى, وهى موجودة طرف زوجتى حتى الآن.
20 – العودة للوطن وإعلان الهدنة:
أعلنت الهدنة بين الجيوش العربية وإسرائيل, وظلت قوات مصرية محاصرة (بالفالوجا), وبعد مباحثات تم الاتفاق على رفع الحصار وانسحاب القوات المحاصرة وكان معها جمال عبد الناصر وآخرون من الضباط الإخوان أمثال الصاغ وحيد جودة رمضان قائد منظمات الشباب سابقا وغيره, ولا يفوتنى أن أذكر الأعمال الرائعة التى قام بها الصاغ أركان حرب معروف الحضري فى اختراق حصار الفالوجا بقافلة من 110 جمال محملة بالسلاح والذخيرة والأكل والأدوات الطبية لانقاذ الحامية المحاصرة من الموت جوعا وتخفيف آلام الجرحى, وفى المحاولة الثانية, بتزويد الفالوجا وقع معروف الحضرى أسيرا فى يد اليهود, فكان مثالا للضابط الشهم القوى الإيمان, حتى قال عنه اليهود ووصفوه ( بالضابط البطل) ورسموا له صورة كاريكاتورية ووضعوها فى بلدة العوجة, ولكن جمال عبد الناصر لا يعترف بهذه البطولة وهذا الجميل لمعروف الحضري, فقد قال له فى معرض نقاش قبيل القبض عليه بساعات:
يا معروف إنك جئت للفولوجا لتنفيذ خطة الإنجليز فى تسليم سلاحنا لليهود ( خطة دمشق)!! وهكذا يفترى على التاريخ!!
كما أن صداقتى للصاغ وحيد جودة رمضان بدأت فى المجدل, وعلمت أنه من الإخوان المسلمين فتعانقنا والتقطت لنا صورة معا( مرفقة طيه).
21- تجديد النشاط والدعوة الإخوانية بالجيش:
عندما عادت القوات المحاصرة للقاهرة , وارتاحت قليلا بدأت أنشط فى الدعوة الإخوانية من جديد, ولكن هذا النشاط سار ببطء للأسباب الآتية:
أ – قتل المرحوم الشيخ حسن البنا.
ب- تعرض الإخوان لحركة واسعة من الإرهاب والاعتقالات.
جـ- مرض الصاغمحمود لبيب ثم وفاته بعد فترة مرض طويلة .
خ- استبقائى فى فلسطين مع وحدتى بعيدا عن القاهرة وإخوانى الضباط.
22- الخروج على دعوة الإخوان وقيام حركة الضباط الأحرار:
بدأ جمال عبد الناصر يتنكر لدعوة الإخوان المسلمين ويتملص من البيعة التى ارتبط بها وقد وضح ذلك من كلامه للضباط, فقال لكل من الصاغ أركان حرب حسين حمودة والصاغ أركان حرب صلاح خليفة: " إننى أكد وأتعب فى تكتيل الضباط الأحرار لإجراء انقلاب عسكرى, ولن أسمح لذوى الذوقون ( أى الإخوان المسلمين) أن يجنوا ثمار تعبى وتولى الحكم!!
وظل جمال يدعو لهذه الفكرة الجديدة سرا بين الضباط وساعده على انتشارها ما يأـى:
أ- كراهية ضباط الجيش للحكام الذين تسببوا فى دخوله حرب فلسطين التى انتهت بهزيمته.
ب- كراهية الشعب للملك فاروق وحاشيته بسبب مجونه واعتداءات الحرس الحديدى.
ت- وجود تجاوب بين الشعب والجيش فى التخلص من الملك والأحزاب القديمة.
ث- وجود جمال عبد الناصر مع عدد كبير من الضباط الذين كانوا محاصرين معه فى الفالوجا بالقاهرة مركز النشاط.
ج- استجابة عدد كبير من الضباط الذين كانوا بدعوة الإخوان له أمثال خالد محيي الدين, ووحيد جودة رمضان, ومجدي حسنين, وحسن إبراهيم وعبد اللطيف البغدادي وحسين الشافعي.
23- المنشورات:
بدأجمال عبد الناصر يكتب المنشورات موقعا عليها بتوقيع الضباط الأحرار ويرسلها للضباط سواء على عنوان الوحدات أو المنازل, فأبلغت نبأ هذه المنشورات إلى المختصين فى جماعة الإخوان , وجاء فى الرد يعدم التعرض لهم مع عدم التورط معهم فى أى عمل, ورغم ذلك لم ابخل عليهم عندما حضر لمنزلى الصاغ خالد محيي الدين طالبا منى مبلغا من المال لشراء ماكينة رينو فدفعت له فورا سبعة جنيهات.
24- مضاعفة النشاط الإخوانى:
بدأت منذ حركة المنشورات أضاعف نشاط الإخوانى بالوحدة التى كنت بها وهى الكتيبة الحادية عشرة بنادق بغزة ثم نقلت إلى الكتيبة العاشرة بنادق بالشط فاستمررت فى نشاطى ودعوة اليوزباشى سعد الدين صبرى واليوزباشى كمال الأمين محجوب, وعرفت بين الضباط أننى أدعو للفكرة الإسلامية مما حدا باللواء صلاح حتاتة مدير سلاح المشاة وقائدى سابقا بأن يكتب عنى فى تقريرى السرى السنوى( أننى ضابط أعرف رأيى جيدا) فضلا عن أن جميع تقاريرى السنوية فى الميدان وقبيل الانقلاب تشير إلى امتيازي فى أعمالى العسكرية.
25- مقابلتان وتحديد موقف:
أكرر بأن نشرى للفكرة الإسلامية فى وحدات اللواء الرابع التابع للفرقة الأولى المشاة والتى كان يعمل مع الصاغ أركان حرب عبد الحكيم عامر ( القائد العام للقوات المسلحة) دعت الصاغ المذكور إلى استدعائي لميس الكتيبة الفلسطينية بحضور الصاغ وحيد رمضان, قد بدأ الصاغ عبد الحكيم عامر الحديث قائلا لى:
إننا نعلم مدى نشاطك لفكرة الإخوان المسلمين ونريد منك الانضمام إلينا فى جماعة الضباط الأحرار, ومستعدون لأن نسلمك تنظيمنا السرى الخاص لتدريبه, وبعد مناقشات حول تفيمهما شمول فكرة الإخوان المسلمين بالنسبة لفكرة الضباط الأحرار المحدودة لم يقتنعا , وافترقنا على أن أساعد فى تنظيم الضباط الأحرار فى الحدود التى لا تتعارض مع دعوتى.
أما المقابلة الثانية فقد حدث أن عبد الحكيم عامر نقل الحديث الذى دار بيننا إلى البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر, فأرسل جمال لى بمنزلى كلا من الصاغ أركان حرب خالد محيي الدين والصاغ أركان حرب كمال الدين حسين على انفراد فى أوقات متفاوتة ومتقاربة, وطلب كل منهما منى لى لقائه بى أن أحدد موقفى بالنسبة لدعوة الإخوان, وتنظيم الضباط الأحرار فكررت عليهما ما سبق أن قلته لعبد الحكيم عامر.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت المنافسة بين الدعوتين فى الجيش, ولم يمنعنى ذلك من الإبقاء على صداقتى الشخصية بينى وبين جمال وعبد الحكيم وكمال الدين حسين وخالد محيي الدين فى صورة زيارات ودية وهذا ما أمرنا به الإسلام.
26 – زيارة تتحول إلى مشادة وتهديد وقطيعة:
وفى إحدى إجازات الميدان كنت فى زيارة للصاغ أركان حرب أمين هويدي القاطن بكوبرى القبة, وذهبنا معا لصلاة الجمعة, فإذا بى أقابل البكباشى جمال عبد الناصر ومعه البكباشى حسين الشافعي يرديان الصلاة, وانصرفنا جميعا وبعد توصيل أمين هويدي إلى منزله توجهنا بعربةجمال عبد الناصر إلى المستشفى العسكرى حيث نزل البكباشى حسين الشافعي وواصلت الطريق مع جمال عبد الناصر وقال لى فى معرض الحديث:
إن حسين الشافعي انضم للأحرار وبلاش تكتيل ضباط ضابط لدعوة الإخوان!! مشيرا إلى زيارتى وصلاتى مع الصاغ أركان حرب أمين هويدي, وكنا قد وصلنا لشارع الملك فأوقف عربته وقال لى: إحنا مش عاوزين نضرب فى بعض!!
فرددت عليه:إن هذا لم يجل بخاطرى أبدا.
27 جمال يطلب منى أن يكون الصلة بين الأحرار والإخوان:
بعد وفاة المرحوم الصاغ محمود لبيب قابلنى الصاغ وحيد رمضان وفهمت منه أنه يظن بأننى خليفة المرحوم محمود لبيب فى القيام بمهمته فى جماعة الإخوان المسلمين, فلم أعر كلامه اهتماما ولم أرد عليه.
ثم زارنى البكباشى أركان حربجمال عبد الناصر فى منزلى وطلب منى أن يكون رسولا بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الضباط الأحرار.
فأجبته : أن هذا التعيين ليس من اختصاصى.
ثم أردف قائلا:إنه زار الأستاذ عبد الرحمن السندي رئيس النظام لجماعة الإخوان المسلمين بالمستشفى وقال لى: إنهما تحدثا بشأن تنسيق العلاقة بين الإخوان الضباط والضباط الأحرار, فسكت.
28- جمال يحاول تدريب الإخوان بدون علمى:
وفوجئت بزيارة عبد الرحمن السندي بمنزلى وإبلاغى أن جمال اتصل به وعرض عليه تدريب الإخوان استعدادا للسفر إلى القنال, وطلب منى مقابلته فى شركة سعد جبر بعد الظهر, وذهبت فى الميعاد فوجدت بعض الإخوان والصاغ أركان حرب كمال الدين حسين والصاغ محمد عبد الله من المدفعية( الذى سجن فى حركة الانقلاب مع القائمقام رشاد مهنا) وشعرت بأن وجودى لم يحز قبولهما وبعد ساعة تقريبا فى تنظيم عملية التدريب وتحديد مكان التدريب انفض الاجتماع وعلمت من عبد الرحمن السندي أن كمال حسين ومحمد عبد الله انقطعا عن الحضور وعزا ذلك أن جمال لا يريد أن أعرف شيئا عن اتصالاته بالإخوان.
استنتاجات:
1- يتضح أن جمال ظن أن لى مركزا مرموقا فى جماعة الإخوان ويريد أن ينحينى جانبا.
2- أنه أراد التسلل لصفوف الإخوان عن طريق التدريب ليضم منهم أنصارا له ويعرف أسرارهم.
29 مقابلة القائمقام أركان حرب يوسف منصور صديق:
كنت بالكتيبة الحادية عشرة بنادق عندما زارنى الصاغ وحيد جودة رمضان ودعانى لداره بالعريش وهناك عرفنى يوسف صديق وفهمت من الأخير أنه انضم للأحرار, وطلب منى توزيع منشورات ودفع اشتراكات, فأجبته بأننى أعلم ذلك وعلى استعداد لمساعدتهم بشرط ألا يتعارض هذا مع مبادئى التى تتمثل فى الدعوة للإخوان وتوالت الاجتماعات فى داره وشاهدت عنده الآتية أسماؤهم:
قائد الجناح جمال سالم, وقائد الجناح بهجت مصطفى, وصاغ أركان حرب صلاح الدين نصر, وقد كلفنى يوسف منصور صديق بالمساهمة فى دفع مساعدات مالية لطبع وتوزيع منشورات ففعلت, واشترطت عليه تمسكى بفكرتى الإسلامية والدعوة لها.
30 – مناقشة حادة بين وبين جمال سالم:
وفى مرة من المرات كنت جالسا ومعنا يويف صديق وجمال سالم وبهجت مصطفى فأخذ جمال سالم يشيد بعظمة أمريكا وشعبها والنظام والأخلاق والحرية فقلت له: إن الأخلاق فى تلك البلاد متدهورة والرشوة متفشية حتى بين أعضاء الكونجرس والعصابات تستطيع فرض إتاوات على الناخبين لتزوير الانتخابات وخطف الأطفال منتشر أما العظمة التى تقول بها فهى عظمة قوة السلاح واختراع!! وقلت له: إن أمريكا عدوة للإسلام وللمسلمين فهى التى أوجدت إسرائيل ونشرت التبشير فى إفريقية.
فقال لى: إن تمسكنا بالإسلام رجعية وتزمت.
وهنا أوقفت المناقشة.
ولم يمر أسبوع حتى طلعت علينا مجلة آخر ساعة ( وكأن بينى وبينها مواعدا) تفضح أمريكا وخطر العصابات على الانتخابات فأطلعت جمال سالم الذى اخذ يكذب ما جاء فى هذا المقال فقلت له: إن المستقبل للإسلام, وكان هذا فى حضور يوسف صديق.
31- أسعد إجازة ميدان والإشتراك
فى 18 يوليو 1952 قمت بإجازة ميدان مدة تسعة ايام من أبى عجيلة للقاهرة وفى 19 من يوليو صباحا توجهت لزيارة الصاغ أركان حرب عبد الحكيم عامر بمنزله أعوده لمرضه وقد استقبلنى وبعد أن عبرت له عن تألمى لمرضه الطويل وغيابه عن سيناء أذكر أننى شاهدت صورة الفريق محمد حيدر( خال عبد الحكيم) فى إحدى المجلات على المنضدة فأبديت رأيى بصراحة فيه بأن من أعوان الملك الذين تسببوا فى حوادث الأسلحة الفاسدة والتستر على جرائم الحرس الحديدى.
وبعد نصف ساعة ودعنى على أن نتقابل فى اليوم التالى الساعة 10 صباحا بمنزله حيث يكون موجودا جمال عبد الناصر.
32- تسلسل الحوادث
أ- فى 19 من يوليو 1952 ذعبت لعبد الحكيم بمنزله حسب الموعد الذى اتفقنا عليه فلم أجده, ثم ذهبت لمنزلجمال عبد الناصر ثم لمنزل كمال الدين حسين فلم أجدهما.
وفى الطريق قابلت الصاغ صلاح نصر, الذى شرح لى أن انقلابا عسكريا سيحدث فى الأيام القليلة المقبلة وستشترك فيه كتيبة بقيادة القائمقام احمد شوقي. وافترقنا على أن نتقابل فى داره فى مساء اليوم التالى.
ب- فى 20 من يوليو 1952 مساء ذهبت لصلاح نصر بداره بشارع الملك ولكنى لم أستطع الاهتداء إليه, وظللت أسأل كل بواب عمارة, ولكن دون جدوى وبعد أن أعيتنى الحيلة رجعت.
ت- فى 21 من يوليو 1952 ذهبت لمنزل جمال عبد الناصر فى المساء فلم أجده وبالتالى لكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر فلم أجد أحدا منهما.
ث- وفى يوم 22 من يوليو 1952 حاولت الاتصال تليفونيا بجمال فى الكلية فلم أجده فقررت التريث وانتظار الحوادث.
ج- يوم 23 من يوليو الانقلاب التاريخى.
ذهبت فى مساء هذا اليوم لتهنئة جمال وعبد الحكيم وصلاح وحسن إبراهيم بنجاح الانقلاب, وقد لاحظت شدة تعب جمال وذهب لإحدى الغرف ونام على السرير فذهبت معه وأخذ يقول لى:
لقد تركنا ثغرة كبيرة فى خطة الانقلاب فقوات الإسكندرية لا نعرف موقفها ثم راح فى سبات عميق.
وفى يوم 24 من يوليو 1952 قابلنى القائمقام أحمد شوقي والصاغ كمال الدين حسين وقال لى الأول:
إنك عينت قائدا للكتيبة التاسعة عشرة وستصلك أوامر بذلك ثم انصرف وفى ليلة 24/25 من يوليو حضر لمنزلى حوالى الثانية بعد منتصف الليل الصاغ أركان حرب عبد الوهاب جمال الدين وابلغنى نبأ تعيينا قائدا للكتيبة التاسعة عشرة وطلب منى الذهاب فى اليوم التالى لتسلم الكتيبة ثم انصرف.
وفى حوالى الساعة 400 وصلتنى إشارة بخط الصاغ عبد الوهاب جمال الدين يطلب منى مقابلته عند فندق مينا هاوس فذهبت فى الموعد والتقيت بالقائمقام أحمد شوقى وكتيبتى الجديدة واستأنفنا المسير إلى الإسكندرية.
حـ - صباح يوم 26 من يوليو كان الهجوم على قصر رأس التين.
اصدر لى القائمقام أحمد شوقي بحضور الصاغ عبد الوهاب جمال الدين أمرا بالتحرك لقصر رأس التين لمحاصرته, ومنع دخول وخروج أى فرد ومنع الاحتكاك وقد نفذت الأوامر ونجحت فى إجبار الملك على رفع بيرق أبيض ومغادرة البلاد. وأرسلت تقريرا بتفاصيل ما حدث للرئيس محمد نجيب, فجاءنى خطاب شكر منه .
ملحوظة: لدى أوراق رسمية تثبت الآتى:
1- خطاب من القائمقام احمد شوقي قائد قسم القاهرة,وقائد اللواء الذى سافر معى لمحاصرة قصر رأس التين خاص بواجبى فى 26 من يوليو.
2- تقرير مفصل منى بما حدث أثناء الهجوم على قصر رأس التين.
3- خطاب شكر من مدير مكتب القائد العام ردا على تقريرى.
4- صورة فوتوغرافية عند توقيع الملك السابق.
33- العودة إلى القاهرة:
فى 28 من يوليو عدت للقاهرة واشتركت فى محاصرة قصر عابدين.
34- بداية حكاية الشائعات ثم الإبعاد إلى سيناء:
بقيت حتى نهاية شهر يوليو 1952 قائدا للكتيبة 19 التى قمت بها بشرف الهجوم على قصر رأس التين ومحاصرة قصر عابدين.
ولا يفوتنى أن أذكر أنها كتيبة ضعيفة التسليح, فليس بها حمالات أو مدافع 6 رطل او مدافع ماكينة, كما أنها ضعيفة التدريب لأنها كانت كتيبة خدمات وحراسات ومع ذلك لم أتردد فى القيام بالواجب.
أ- نقلت من هذه الكتيبة إلى الكتيبة 17 بتاريخ 1/8/1952 وهى مدة قصيرة تدل على أن هناك يدا بدأت تعبث بمستقبلى وتبعدنى عن الكتيبة 19 التى قامت بعمل خالد فى تاريخ الجيش المصرى الحديث.
ب- توليت قيادة الكتيبة 17 مدة شهر واحد, وخلال هذه المدة القصيرة حدث الآتى:
1- أشاعوا أنى رجل خطير وأعمل مع الإخوان المسلمين, ومن الضروري إبعادى.
2- - قرر اليوزباشى شمس بدران بأننى سأنقل فورا إلى فلسطين للتخلص منى.
3- قال اليوزباشىشمس بدران لليوزباشى عبد المنعم عطية: إننا نتوجس خيفة من عبد المنعم عبد الرءوف لأنه صرح بانه طالب بالنقل من الكتيبة 19 إلى الكتيبة 17 وهى كتيبة مسلحة مدربة.
4- أبلغنى اليوزباشى عبد الكريم عطية بأنه سمع فى مركز القيادة العامة للقوات المسلحة من بعض ضباط القيادة التفكير فى إبعادى عن القاهرة.
جـ- فى أحد الأيام حضر لى الصاغ وحيد جودة رمضان والصاغ طعيمة وأخذا يرجوانى فى أمر الموافقة على السفر إلى سيناء لتولى قيادة الكتيبة الفلسطينية فقلت لهما: إننى أحب فلسطين وأهلها وأريد أن أخدم هذه البلاد المقدسة ولكن توليتى قيادة هذه الكتيبة لا يتناسب مع رتبتى وسمعتى لآن كتائب المشاة وهى الأعظم تسليحا وتدريبا يقودها صاغ او بكباشى حديث, فأرجو إعفائى من هذا الرجاء. ولكنهما أصرا وألحا بشدة فوافقت بشرطين:
1- أن يطلب منى ذلك بخطاب رسمى من المسئولين ( معى صورته الآن).
2- أن أعود إلى القوات الجوية بعد أن تسير الكتيبة الفلسطينية على قدميها.
د- وثيقة تاريخية يوجد صورة منها طرفى( مذبحة الضباط).
أثناء قيادتى للكتيبة 17 المعسكرة بأرض المعرض ذهبت رئاسة سلاح المشاة فشاهدت مؤتمرا مكونا من حوالى هشرة ضباط,تتراوح رتبهم بين اليوزباشى والبكباشى, منهم البكباشى أحمد حمدي عبيد والصاغ وحيد رمضان واليوزباشى محمد محمود عطية, وأخذوا يتصرفون فى مستقبل ضباط المشاة , يشطبون من شاءوا ويزكون من شاءوا, فحز فى نفس العبث بمستقبل ضباط الجيش الأكفاء بمثل هذه الطريقة الظالمة, ومن هؤلاء الأكفاء:
الأمير ألاى محمد كامل الرحماني, أمير ألاى صادق على السيد, قائد أسراب صلاح مصطفى, قائد جوى إبراهيم جزارين, وغيرهم.
لذلك كتبت مذكرة بهذا الموضوع بحضور حمدي عبيد, والبكباشى إبراهيم نظيم قائد السجن الحربى, وقد وافقوا على ما جاء بها وكتبتها على الآلة الكاتبة فى الكتيبة 20, وذهبت لمبنى القيادة حيث شرحتها لكل من اللواء عبد الحكيم عامر والصاغ صلاح سالم, وقد علق صلاح بقوله: إن عبد المنعم عبد الرءوف يطعن فينا!!
فنفيت ذلك فورا وقد كان موجودا فى الحجرة كل من الصاغ عاطف عبده سعد واليوزباشى عبد الفتاح غنيم.
ولم أكتف بذلك بل اتصلت تليفونيا بجمال عبد الناصر ذاكرا له مراعاة العدالة فى التطهير وقلت له:
إن شقيقى الأمير ألاى عبد القادر عبد الرءوف مظلوم ولا يستحق التطهير. واذكر أن القائمقام محمود الشاذلي قابلنى فى مبنى المنطقة المركزية وشكا لى إخراجه من الجيش, كما أن الأمير ألاى أحمد سالم رجانى الاتصال بالمسئولين لتخفيف حدة التطهير ومراعاة العدالة وكذلك القائمقام كامل نور الدين قابلنى فى مكان لا أذكره وهو يبكى خشية التطهير.
35- مساومات
-أثناء قياداتى الكتيبة 17 زارنى صديقى الأستاذ محمد أبو المجد التوني وطالبنى بالاتصال بجمال عبد الناصر لتحديد مقالبة بينهما وأثناء المحاولة مع جمال عبد الناصر كنت أحادثه بدون تكليف لصداقتنا وأخوتنا السابقة, وذهبنا معا فى الموعد المحدد حيث تمت المقابلة, وانصرف أبو المجد واستبقانى جمال وقال لى : إنه على استعداد لضمان نجاحى فى كلية أركان حرب للإستمرار فى الجيش أو العودة للطيران, بشرط الابتعاد عن الإخوان المسلمين, وأذخ يهاجم المرشد حسن الهضييبى وعبد الحكيم عابدين فرددت عليه بالرفض وقلت له: إننى صاحب فكرة ودعوة ولن أتخلى عنها.
وشاهدنى معه الأخ المدنى المسلم لبيب الترجمان, والصاغكمال الدين حسين والبكباشى حسين الشافعي.
- وفى أحد الأيام حضر لمكتبى بأرض المعرض قائد السربحسن عزت واللواء صلاح حتاتة وتحدث الأول مزكيا عودتى للقوات الجوية, وأن قادة الثورة لن ينسوا جهادى وتعاونى معهم وخاصة عبد اللطيف البغدادي.
ثم تدخل اللواء صلاح حتاتة مؤازرا فقلت لهما:إنهم مسئولون أمام ضمائرهم عن عودتى إلى القوات الجوية, ولن أبدأ بالكلام او بالكتابة فى هذا الموضوع.
وأصر حسن على أن يأخذنى معه فذهبت إلى رئاسة القيادة العامة, وهناك دخل للداخل, وأثناء دخولى قابلنى صلاح سالم فقال لى:أنا زعلان منك!!
فلما استحلفته بأن يقول سبب زعله منى لم يجب بشىء!!
دخلت الجرة فوجدت البغدادى وحسن إبراهيم وأنور السادات وعلي صبري ( شقيق حسين ذو الفقار صبري زميلى فى حادث الطائرة مع عزيز المصري) وبدأ حسن عزت يوجه كلامه عن ضرورة رجوعى إلى القوات الجوية.
فقال البغدادى موجها كلامه لى: لا ... لأنك متغيب عن القوات الجوية سنين.
فلما سألته: ولماذا ستعيدون زميلى فى نفس الحادث حسين ذو الفقار صبري للطيران؟!!
فرد علىّ: لأنه لا يزال يقرأ كتبا عن الطيران.
فقلت له:إن الطيران لا يحتاج إلى قراءة فقط, إنما يحتاج إلى لياقة صحية وأعصاب وتدريب وأن أحس بقدرتى فى هذا السبيل
وهنا تدخل قائد السرب علي صبري شقيق حسين ذو الفقار صبري قائلا:إنى سأنسحب من لجنة الضباط للقوات الجوية عندما ينظر فى موضوع شقيقى وبعد قليل تكلم صلاح سالم قائلا: إننا لا نستغنى عنك فى سلاح المشاة.
فعقبت على كلامه قائلا:أشكرك, ولكن حرمانى فن العودة للقوات الجوية فيه مساس بكرامتى, بل أرى أنكم لابد من أن تعيدوا لى اعتبارى, كما أن أقدميتى فى السنوات الجوية السابقة وهذا فيه امتيازات ادبية ومالية, فحرام عليكم ان تحرمونى من كل هذا, وكل القادة يعرفون كفاءتى ووطنيتى وتدينى, ولم أبخل على الضباط الأحرار بالمساعدات المالية وتوزيع المنشورات.
وهنا قال قائد الجناح جمال سالم: على العموم اللجنة هى التى ستقرر كل شىء.
ثم تحولت إلى أنور السادات اطلب منه التحدث بكلمة طيبة فى هذا الموضوع فرد علىّ قائلا: نعمل لك إيه!! إحنا ماشيين يمين وأنت ماشى شمال!!
فسكت وأستأذنت فى الانصراف ومعى قائد السرب حسن عزت.
وبينما انا خارج رآنى جمال عبد الناصر ووكان واقفا مع اليوزباشى شمس بدران فنادانى, ولكنى كنت متأثرا مما سمعت فاعتذرت لجمال عبد الناصر واستمررت فى المسير.
جـ- الأستاذ أبو المجد التوني يقابل جمال عبد الناصر.
طلب منى أبو المجد التوني مقابلة جمال عبد الناصر لموضوعات خاصة لا أعرفها وفعلا اتصلت بجمال تليفونيا وحددت مقابلة, وذهبنا فى الوقت المحدد وحدثت بينهما مقابلة, وبعد خروج أبو المجد استدعانى جمال عبد الناصر وأبلغنى أنه سيؤلف حزبا جمهوريا, وأنه بمجرد حدوث الانقلاب أمر بإجراء تحقيق فى موضوع مقتل الشيخ حسن البنا, وبدأ يهاجم حسن الهضيبي ويتهمه بأنه رجل ضعيف وأن عبد الحكيم عابدين لا ينبغى بقاؤه فى الإخوان.
فرددت عليه بأننى صاحب فكرة ولا اسير خلف أشخاص.
وأعاد علىّ الكرة فى ترك جماعة الإخوان فسكت, ثم انصرفت ومعى أبو المجد التونى الذى ينتظرنى فى الخارج.
36 – السفر إلى فلسطين:
أ- سافرت إلى فلسطين بتاريخ2/10 /1952 أى بعد الانقلاب بشهرين واسبوع تقريبا سعيدا ومكتئبا, اما سعادتى فلأنى قمت بأخطر وأهم عملية فى الانقلاب وهى الهجوم على قصر رأس التين, ثم محاصرة قصر عابدين. وأما كآبتى فلموقف قادة الانقلاب وتنكرهم لى.
الفصل الرابع عشر :الهرب
يرجع تفكيرى فى الهرب منذ أبعدت عن الخدمة فى القوات الجوية بعد نقلى إليها بيوم واحد وإحالتى إلى المعاش يوم 17/12/1953 ظلما وعدوانا, فلقد كنت واثقا كل الثقة من أن الطعنة التالية التى سيسددها لى جمال عبد الناصر وعصابته هى إلقائى فى غيابة السجن بأى شكل من الأشكال, وأن هذه الطعنة آتية بسرعة, فهم يعلمون عنى تمام العلم إخلاصى لمبادىء جماعة ( الإخوان المسلمين) وحماسى فى التكتيل حول هذه المبادىء ووفائى للقائمين على أمر الدعوة.
لذلك اتصلت بفضيلة المرشد قبل اعتقالى كما سبق أن ذكرت, واتصلت بابن عمى الشيخ عبد الفتاح أبو الفضل وأبلغته هواجسى من احتمال اعتقالى وعرفنى على صديق حميم له يدعى الأستاذ إبراهيم أبو زيد أبو دومة الذى أعطانى مفتاح شقته بالإضافة إلى ذلك اتفقت مع زوجتى على كلمة السر التى يتذيل بها خطاباتنا او نتبادلها فى رسائلنا فى حالة اعتقالى او هربى حتى نكون فى مأمن من أى شرك تنصبه لنا المخابرات او جهاز المباحث.
بين المحاكمة والدفاع:
وكانت المحاكمة تشتد عنفا يوما يعد يوم, والدفاع يصر على إجابة طلباته, من إحضار شهود النفى وأرواق رسمية, وهيئة المحكمة تتبأطأ وتتثاءب عند كل طلب مما اضطر الدفاع لأن يقول على لسان الشهيد عبد القادر عودة فى إحدى الجلسات:
إذا كانت هيئة المحكمة لا تستطيع إحضار شهود النفى من السجن الحربى فإننى على أتم استعداد – بعد إذن المحكمة- لاصطحاب مائة من الإخوان وإحضار الشهود.
وفى جلسة أخرى قال الشهيد عبد القادر عودة:إن الإدعاءات الموجهة إلى موكلنا خطيرة جزاؤها الإعدام, وهيئة المحكمة التى هى ملاذنا الأول لم تقدم لنا أدنى مساعدات لتذليل الصعاب التى تعترض إحضار الشهود.!!
تعاطف أثناء المحاكمة:
كان الذين يحضرون المحاكمة من الإخوان المسلمين يتطوعون فى فترة الإستراحة وعقب نهاية جلسة رغم الصيام وشدة الحرب بنقل صور محاضر الجلسات ليتسنى توزيعها على هيئة الدفاع بعدد متناسب مع عدد المحامين الذين بلغ عددهم سبعة, علاوة على صورتين احتياطيتين, وكان تعاطف الإخوان معى ومشاعرهم نحوى ومساندتهم لى وحدبهم علىّ يزداد كلما سمعوا المناقشات التى تدور بين هيئة الدفاع وهيئة المحكمة, وكانوا يتجمعون حولى فى الصباح قبيل افتتاح الجلسات منهم المشجع ومنهم الثائر على تصرفات رجال الانقلاب معى, وذات يوم من هذه الأيام اقترب منى الأخ محمد شديد مع جمع من الإخوان قائلا فى حماس شديد:
"اتركونا عليهم ونحن نطبق الأرض على رءوسهم"!.
وفى اليوم السابع من شهر مايو 1954 الموافق أول رمضان 1371 بينما كنا أنا وحارسى البكباشى محمد محمد خطاب فى طريقنا معا داخل السيارة من السجن الحربى بالعباسية إلى قاعة المجلس العسكرى العالى بالعباسية إذ عرض على السماح لى بالذهاب لرؤية زوجتى بعد انتهاء جلسة اليوم, وفعلا أوصلنى بالسيارة حوالى الساعة 1530 قريبا من منزل حماى.
المقابلة الأولى مع زوجتى:
ضغطت على الجرس الكهربائى ولحسن الحظ فتحت لى شقيقة زوجتى وبسرعة خاطفة أدخلتنى إحدى الغرف وأمرتها بالذهاب فورا إلى دارى لإحضار زوجتى وتبقى هى هناك فى شقتى لحين رجوع زوجتى على ألا يعرف أى شخص خبر هذه المقابلة.
وفعلا تمت مقابلتى لزوجتى فى جو من الحرية لأول مرة بعد خمسة أشهر من القبض علىّ واعتقالى, والغريب فى هذا الحدث السار أنه فى أول أيام رمضان المبارك. وقد أبلغتها مخاوفى من الطريقة الظالمة التى تسير عليها المحاكمة, غى أنها هدأت من روعى وطمأنتني وأبلغتنى أن الفريق عزيز المصري باشا أخبرها أن فى النية سجنى لفترة وجيزة , وأن هناك رايا يميل لإلغاء المحاكمة إذا تم الصلح بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة, إلا أننى أكدت لها أنهم يكذبون على عزيز باشا وعلينا أن نكون مستعدين لاحتمال السجن وطلبت منها تسليم الشيخ عبد الفتاح أبو الفضل ابن عمى بطانيتين شتويتين وملاءة فرش ولوفة وصابونة وشبشبا وبيجامة وملابس داخلية ليسلمهم بدوره للأستاذ الحاج إبراهيم أبو دومة وهو الشخص الذى قررت الاختفاء عنده بعد الهرب.
المقابلة الثانية:
بعد المقابلة الأولى ببضعة أيام زاد حنينى لرؤية ابنتىّ وزوجتى مرة ثانية فقد أشعلت المقابلة الأولى بركان الشوق المتأجج بين ضلوعى فو قلبى, وبدأت فكرة الهرب تختمر فى عقلى وتسولى على, فصممت على رؤيتهم قبل الهرب, وطلبت من البكباشى محمد خطاب أن يسمح لى بالزيارة فسمح لى بالذهاب لدارى فى هذه المرة, وتوجهت إلى شقتى مباشرة وصعدت مائة وثمانية درجة دون توقف خشية أن يلمحنى أحد من السكان, وعندما وصلت إلى باب الشقة ضغطت على زر الجرس الكهربائى ضطغتى السرية التى سبق أن اتفقت مع زوجتى, ففتحت لى زوجتى الباب , وفى لمح البصر دلفت إلى داخل الشقة واحتضنت ابنتىّ وحملتهما بين ذراعى ودرت بهما مثل البلهوان حول المائدة وفى أنحاء الغرفات, عشت معهن نصف ساعة فى جو عائلى أذهب عنى كل الضيق والآلام النفسية والوحشة من أثر الفراق والمحاكمة. صارحت زوجتى بتصميمى على الهرب من السجن وبالتالى من المحاكمة وجاء ردها حاسما منزنا عندما قال لى:
إذا كنت ترى أنك تستطيع خدمة دعوتك بهذا الهرب فافعل.
فقلت لها:إذن سأفعل وسأحاول أثناء هربى الحضور إليك وعليك أن تحفظى كلمات السر والإشارات التالية:
- سأوقع خطاباتى بأى اسم من أسماء الطيور على أن يتغير فى كل مرة.
- إذا كانت الرقابة شديدة على المنزل فأغلقى النافذة المطلة على الشرفة.
- وإذا كانت الرقابة خفيفة فافتحى مفس النافذة قليلا.
- إذا كنت موجودة داخل الشقة فضعى ملاءة بيضاء وبجوارها فوطة صفراء على حبل الغسيل المطل على الشارع.
وحذرتها من حيل رجال المخابرات والمباحث العامة وأوصيتها بالاعتناء بصحتها وصحة البنتين ومراقبة سلوكهما فى الدراسة وتشجيع والدتى وطمأنتها وألا تنقطع عن زيارتها.
طلبت من ابنتى عزة أن تنتظرنى ومعها حقيبة مليئة بالطعام الإفطار عند إحدى المكتبات القريبة من المنزل فسبقتنى إلى هناك, وبعد لحظات ودعت زوجتى ونزلت درجات السلم بسرعة ورأيت عزة ابنتى تتحدث مع إحدى صديقاتها الصغيرات فأشرت إليها إشارة سريعة وخفيفة فاستأذنت من رفيقتها وأقبلت نحوى وسرنا معا نحو مكان انتظار السيارة ووقفت مع عزة أحدثها وعيناى تترقرقان بالدموع وبعد دقائق أقبلت السيارة فقبلت ابنتى قبلة خاطفة وأخذت منها الحقيبة وطلبت منها أن تعود إلى المنزل.
مقابلات قبل الهرب:
فى أليام الأخيرة من المحاكمة التى لم تتم بسبب هربى زارنى عدد من الإخوان وكان من بينهم الشهيد الشيخ محمد فرغلي والدكتور حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد, والأستاذ محمود عبده قائد قوات الإخوان فى حرب فلسطين وكانت مقابلتى مع كل منهم على حدة, ولم تتعد بضع دقائق وقلت للشهيد الشيخ محمد فرغلي:
لعلك تذكر تحذيراتى السابقة لك من نوايا رجال الانقلاب تجاه الإخوان!! وهاهى ذى قد تحققت , وسترون منهم طغيانا لا حد له.
بلغ سلامى للأخ يوسف طلعت , متى سيأتى اليوم الذى سنجاهد فيه ضد هؤلاء الطغاة؟
وبعد قليل أعلن افتتاح الجلسة فتركته وانصرفت وأذكر أن هذه المقابلة كانت قبيل عربى بأيام قليلة.
أما مقابلتى مع الأخ الدكتور حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد فكانت أطول قليلا, وتمت فى غرفة المحامين وجلست بجواره وهمست فى أذنه:
إنه لابد من الإسراع فى تنظيم خمسمائة من الإخوان المدربين ويسلحون تسليحا كاملا ويعطون لى قيادتهم وسأكون كفيلا بإذن الله بالقضاء على هذا الحكم الفردى القائم وزعمائه, إذا حدث وفشلت فعلى قيادة الإخوان إلقاء التبعة علىّ باعتباري خارجا على جماعة.
وكعادة قادو الإخوان لم ينبس كل من الشهيد محمد فرغلي والأخ الدكتور حسين كمال الدين بكلمة واحدة عند سماع هذا الكلام!
أما الأستاذ محمود عبده قائد قوات الإخوان فى حرب فلسطين فقد أتى عدة مرات لمشاهدة الجلسات وكان يبدو عليه الاهتمام بمقابلة البكباشى أركان حرب أبو المكارم دون أن يكون لى جانب مشاركة بالرأى فى هذه الأمور فكنت أحس بانقباض وألم نفسى لأن مبدأ من مبادىء الإسلام قد انتهك فى صفوف تنظيم ( جماعة الضباط الأحرار) ألا مبدأ من مبادىء الشورى[ وشاروهم فى الأمر] ولم يتحدث معى الأستاذ محمود عبده بأمر هام إلا مرتين, بعد أن منع أبو المكارم من حضور الجلسات بأمر من مجلس القيادة, الأمر الأول كان دراسة اقتراح قدمه شقيق اليوزباشى عبد الكريم عطية وهو ضابط بالمدفعية ومعين لحراسة بيتجمال عبد الناصر وهذا الإقتراح يدور حول فكرة ضرب بيت الطاغية أثناء وجوده بالمدفعية ونقلت هذا الإٌقتراح إلى أبو المكارم ولم يعطنى ردا عليه!
والمرة الثانية التى تحدث إلىّ فيها الأستاذ محمود عبده أنه جاء ليسألنى عن صحة الأنباء التى وصلته عن نيتى فى الهرب فأجبته بالإيجاب.
أما الزيارة الأخيرة من الأستاذمحمود عبده لى. فكانت قبيل هربى بيومين داخل غرفة المحامين, وبحضور الشهيد عبد القادر عودة, ولم يكن بيننا رابع قسألنى الأستاذ محمود عبده:
ماذا تريد ياعبد المنعم؟
فأجبت:أريد الهرب ومحاربة الحكم الفردى الحاضر.
وانصرفنا من هذا ان الشهيد عبد القادر عودة كان على علم بنيتى فى الهرب ومع ذلك سلم شقيقى الأمير ألاى عبد القادر عبد الرءوف نسخة كاملة من مرافعته عنى قبل هربى بيوم واحد إمعانا فى تضليل هيئة المحكمة والحكومة.
وقف الأستاذ عبد القادر عودة فى أول جلسة انعقدت بعد هربى وبعد أن نودى على المتهم (عبد المنعم عبد الرؤوف) ولم يجب رفعت الجلسة للانعقاد مرة ثانية لإعلان هرب المتهم, هنا وقف الشهيد عبد القادر عودة وقال:
سواء أكان المتهم غائبا ام هاربا فأنتم مسئولون عنه, ونحمل الحكومة الحاضرة مسئولية إصابته بأى أذى ونطالبها بالبحث عنه ومثوله بيننا سالما معافى.
وانفضت الجلسة لأجل غير مسمى.
استئذان الوالد:
فى جميع المرات التى سمح لى حارسى بالذهاب لمقابلة زوجتى تمكنت فيها من الذهاب إلأى منزل الأح الكريم الأستاذ محمود الجوهري, الذى كان يسكن فى حى السلخانة ووضحت له خطورة ترك الحكم الفردى يقوى ويمد جذوره فى أرض الوطن, وبينت له أن الضربة القادمة سوف توجه ضد جماعة الإخوان, وأشهدته على صحة تنبؤاتى حول سوء نية جمال عبد الناصر وعصابته وعدم اهتمام قادة الجماعة لتحذيراتى ونصائحى.
وطلبت منه إبلاغ الوالد( الإمام الهضيبي) أن محاكمتى ذريعة للزج بى وبجميع الشهود فيها فى السجن, لحرمان الجماعة من العناصر العسكرية فى الجيش بعد أم حرموها من عناصرها من ضباط البوليس, ثم بعد ذلك يطيحون بقادتها إما بالزج بهم فى غيابات السجون او بقتلهم اغتيالا ا, بأى وسيلة اخرى.
وأخبرته أننى قررت الهرب سواء أقرر الإخوان القضاء على الحكم الدكتاتورى ورجاله أم لا, لأننى أفضل أن أحيا حرا شديدا فى أرض الله من أن أسجن مظلوما فى وطنى, إذا وافق الوالد على هربى فأرجو أن ترسل لى عن طريق زوجتى داخل حقيبة الطعام فوطة حمراء, وإذا لم يرافق فوطة صفراء أو زرقاء,وانصرفت فى انتظار إحدى الفوطتين.
ترقب وانتظار:
رجعت إلى السجن وأنا متحرق شوقا للفوطة الحمراء التى ستكون إيذانا بحياة الحرية الحقة والكفاح, واستطعت رغم الحراسة الشديدة والتضييق الفظيع أن أنفرد بأخى فى الله الصاغ أركان حرب معروف الحضري داخل دورة مياه السجن.
وأسررت إليه بموجز حديثى مع الأستاذ محمود الجوهري , وخاصة حكاية الفوطة الحمراء. وأكدت عليه ألا يبلغ أحدا أيا كان بهذا الحديث, وعرضت عليه الهرب فطلب مهلة ساعة للتفكير, وجاءنى الرد منه كتابة موجزا فى الشروط التالية:
لا مانع لديه من الهرب بشروط:
1- أن يصله مندوب خاص من الوالد (الإمام الهضيبي) يطلب منه استعداد الجماعة للعمل.
2- أن يضمن له الجماعة رعاية شئون أولاده أثناء غيابه.
3- أن يشمل الهرب جميع الإخوان الذين معنا.
وفى اليوم التالى وصلت لى حقيبة الطعام ووجدت بها الفوطة الحمراء فكانت بردا وسلاما على قلبى, وتمكنت بعد وصولها من مقابلة أخى معروف الحضري وأطلعته عليها وقلت له: اتصل أنت بطرقتك الخاصة بالوالد, أما أنا فلا أستطيع مع السجن صبرا.
وبعد قليل اطلق مدفع الإفطار فى اليوم السادس عشر من مايو 1954 جلست أتناول طعام الإفطار الأخير داخل الزنزانة رقم 21 بالسجن الحربى أو سجن الموت ومن عجائب المصادفات بينما استقليت على ظهرى بعد تناول الإفطار أفكر فى المعركة الخطيرة التى سأجهز لها وأخوضها على بركة الله إذا بالباب يفتح بسرعة مفاجئة ويظهر الصاغ محمد إكرامى مأمور السجن على قيد خطوة منى, وسألنى عن صحتى وعن حاجتى لأى خدمة يستطيع أن يقدمها لى ثم قال:لا تفكر فى شىء.. ربك سيفرجها قريبا.
شكرته يحرارة وقلت له:شيفرجها على المصريين جميعا إن شاء الله.
ثم انصرف
التخفف من الأمتعة:
استطعت خلال الأيام السابقة على هربى أن أنقل إلى دارى مع الخادم المكلف بإحضار الإفطار ما استطعت نقله من الأثاث الخاص الذى استحضرته من قبل لاستخدامه فى الزنزانة ولم أبق منه سوى الأشياء التى توحى بالبقاء داخل السجن.
استيقظت مبكرا وقبل أن أركب السيارة قابلت اليوزباشى.. حب الرمان وكنت معجبا بخلق هذا الضباط الشاب, لأنه كان يمثل الذوق المصرى الأصيل ووجدت نفسى أقول له إننى لن أنسى أخلاقك الكريمة ما حييت, وعساى أستطيع رد شىء من خدماتك لى. انطلقت بنا السيارة أنا وحارسى البابكاشى محمد خطاب, ووصلنا بها إلى قاعة المجلس العسكرى فوجدت زوجتى تنتظرنى, فأقبلت نحوها فى لهفة فإذا بها ترجونى أن أعدل عن الهرب لسبب واحد هو الصدمة التى سيحدثها هربى فى والدتى’ فكان جوابى لها:
إنك أقمت بينى وبين الهرب حاجزا مرتفعا جدا وسأفكر.. وتركتها وقلبى يعتصر من ألم الفراق, ولحسن الحظ أن المجلس لم ينعقد فى هذا اليوم بناء على طلبى. ويممنا وجهنا شطر مجلس الدولة بالجيزة لمقابلة الأستاذ عبد الكريم منصور المحامى لإعطائه توكيلا رسميا منى لمقاضاة الحكومة لا حالتى إلى المعاش بدون وجه حق, ولم نجده هناك ووجدت الأستاذ طاهر الخشاب, الذى لم يكن يعرف شيئا عن مجيئى للمجلس, والذى كان قد انقطع عن حضور جلسات المجلس العسكرى الذى أحاكم أمامه فى الأيام الأخير, ولا أدرى سببا لانقطاعه عن حضور الجلسات وربما كان ذلك لأنى لم أتفق معه على الأتعاب؟. أم لخوفه من ظلم الحكام؟ أم لكثرة القضايا التى لديه فجزاه الله كل خير.
حديث مع حارسى:
رجعت مع البكباشى محمد خطاب إلى داره والتقيت بأولاده وقص علىّ قصة وفاة شقيق زوجته وهو فى ريعان شبابه, وما أصاب الأسرة من أحزان.
فقلت فى نفسى محاطبا ربى : اللهم خفف عنه آلام الصدمة الجديدة التى ستحدث له بهربى واغفر لى.
وبدأـ أقص عليه قصتى مع دعوة الإخوان المسلمين, وأنها دعوة مبدأ, وأن أجمع ما توصف به أنها إسلامية بكل ما تحمل الكلمة من معان, وأن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة , وهو خلق وقوة ورحمة وعدالة, وهو ثقافة وقانون وعلم وقضاء, وهو مادة وثروة وكسب وغنى وهو جهاد ودعوة وجيش وفكرة, كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.
وأنهها دعوة سلفية لأنهم يدعون إلى الإسلام إلى معينه الصافى من كتاب الله وسنة رسوله.
وطريقة سنية لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة فى مكل شىء وبخاصة فى العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
وحقيقة صوفية لأنهم يعملون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل والإعراض عن الخلق والحب فى الله والارتباط على الخير.
وهيئة سياسية لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم فى الداخل, وتعديل النظر فى صلة الأمة بغيرها من الأمم فى الخارج, وتربية الشعب على العزة و الكرامة والحرص على قوميته إلى ابعد حد.
وحكيت له قصة جماعة الإخوان المسلمين مع رجال الحكم الحاضر التى بدأت عام 1943 وكيف انتهت بالاعتقالات المؤسفة النطاق وطرد جميع ضباط البوليس من الإخوان وإحالتى إلى المعاش والمطالبة برأسى فى المجلس العسكرى والبقية تأتى.
فهز راسه قائلا:كان الله فى عونكم.
قلت:وفى عونك إن شاء الله.
حاولت الاتصال بالهاتف بشقيقى الأميرلاى عبد القادر والأستاذ الأميرلاى أركان حرب عباس زغلول لإبلاغهما عدم مقالبتى للأستاذ عبد الكرم منصور بمجلس الدولة ولكنى لم أجد أحدا منهما, وبعد ذلك انصرفنا أنا وحارسى البكباشى محمد خطاب قاصدين الجيزة عند حماه, وفى الطريق سمح لى بالذهاب إلى منزلى لرؤية أهلى على أن تنتظرنى السيارة فى احد الأمكنة التى عينها و ثم ذهب لاصطحابه من منزل حماه وأعطانى رقم الهاتف.
اللحظة الحرجة:
ذهبت إلى منزل الأستاذ محمد الجوهري حيث وجدته فى انتظاري فأعدت إليه الفوطة الحمراء وأرسل ابنه الذى يبلغ من العمر أربعة عشر عاما تقريبا إلى فضيلة المرشد فور وصول نجل الأستاذ الدكتور محمد خميس حميدة الوكيل الثانى للجماعة , وانقردت بالمشرد فى غرفته, وبدأ الحديث بأن قدم لى الحطاب المفتوح المقدم من جماعة الإخوان المسلمين إلأى حكومة جمال عبد الناصر بخصوص عودة الحياة النيابية( نص الخطاب)
وبعد تلاوته قلت:إنكم لن تجدوا آذانا مصغية.
ثم سألت فضيلته: هل يحق للحكومة من الناحية القانونية قطع معاشى عن أولادى؟
فأجاب: لا أعرف.
قلت:وما خطتكم التى وضعتموها إذا لم تعد الحياة النيابية وحشرتم زمرا فى السجون؟!!
قال: عندك يوسف طلعت وإبراهيم الطيب اسألهما.
قلت:أننى أريد سماعها من الشخص المسئول عن الدعوة, وهل أعددتم الإخوان لمجابهة الموقف من كافة النواحى السياسية والعسكرية والاقتصادية؟
فهب واقفا دون إجابة, واندفع نحو باب الغرفة يفتحه .
ولا أدرى لماذا لم يجبنى, ولماذا كانت هذه الحركة المفاجئة.
أما أنا فخشيت أن أكون قد اثقلت عليه بالأسئلة فمددت يدى وتناولت طربوشه وناولته له وقلت: هأنذا جاهز للهرب فماذا تأمرون؟
عندئذ قال:من الباب القريب من دورة المياه إلى الباب المؤدى إلى الصالون. وفى الصالون وجدت الدكتور محمد خميس حميدة الوكيل الثانى للجماعة ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب.
تقدمنى يوسف إلى خارج المركز العام وتوجهنا إلى سيارته فركبت وركب هو وانطلقت بنا السيارة التى يقودها هو بنفسه تنهب شوارع القاهرة, وكلما اخترقنا شارعا مزدحما بالناس غصت بجسمى كله فى قاع السيارة , فإذا ما سرنا فى شارع خال من الناس ظهرت ثانية .
وفى شارع شبرا طلبت منيوسف طلعت أن يتوقف قليلا حتى أتصل بزوجتى بالهاتف, ولم تكد تسمع صوتى حتى فهمت الموقف وقالت: إنه هنا ( تقصد الحارس البكباشى محمد خطاب) أنت عملتها طيب مع السلامة!!
وانطلقت بنا السيارة ثانية نحو أطراف شبرا وأخيرا أوقفت السيارة ونزلنا منها أنا ويوسف طلعت, ودلفنا معا داخل شقة فتحها يوسف طلعت بنفسه, ولم يكن بها أى إنسان وتركنى وانصرف.
وبعد حوالى ساعة حضر يوسف طلعت وقادنى إلى منزل أحد الإخوان ولم أكن أعرفه من قبل, فتم التعارف بيننا بحضور يوسف طلعت, وانصرف يوسف عقب التعارف مباشرة وكان هذا الأخ هو الأستاذ (أ.ع).
وبدأ هذا الأخ يجهز طعام الإفطار إذ كنا مازلنا فى شهر رمضان المبارك. وأحسست من أول استطلاع لمشارف المنزل وموقعه وما يحيط به أنه لا يصلح للاختفاء وبعد تناول طعام الإفطار حضر الأخ(م.ش) رئيس منطقة شبرا وأعطانى ملفحة ومعطفا من الصوف وتقدمنى للخارج حيث سلمنى للأخ ( م.م.ع) محمد مهدي عاكف فركبت خلفه على دراجته البخارية, وانطلقنا معا يشيعنا الأخ (م.ش) بدعواته الصالحات.
الفصل الخامس عشر : فى حى الجيزة
انطلقنا عن طريق روض الفرج إلى كوبرى أبو العلا ودخلنا إلى حى الزمالك متجهين إلى كوبرى الزمالك, ومنه اتجهنا إلى ميدان الجيزة, فشارع الهرم حتى وصلنا أمام إحدى الفيلات.
كان الطريق من شارع الهرم إلى الفيللا من طرقات الثالثة. كثير المنحنيات مظلما تكثر فيه الكلاب لكثرة ما به من أراض زراعية وفيلات جميلة متناثرة, لذلك كان صوت محرك الدراجة البخارية واهتزازها أثناء السير يختلط مع نباح الكلاب فيحدث ضجة مزعجة, وعند وصولنا إلى الفيلا استقبلتنا زوجة البواب وكلابها عند المدخل الحديدى, وصعدنا نحن الاثنين إلى سطح الفيلا.
وتتكون هذه الفيلا من طابق واحد أرضى وسطوح فسيحة غرفة مع دورة مياه بملحقاتها , وجدت فى هذه الغرفة ستة مخادع مريحة والمطبخ معد بكافة ما يلزمه من أدوات.
كانت هذه الفيلا تتمتع بكثير من المميزات الصحية من شمس وهواء عليل وروائح زكية ومناظر خلابة ومميزات عسكرية , إذ تشرف على جميع التحركات على طريق الهرم وتطل على جميع الدور المجاورة والأراضى المزروعة القريبة ولها بابان كل منهما متصل بطريق فرعى يؤدى إلى شارع الهرم.
وارتفاع الفيلا لا يزيد على الأربعة أمتار تمكن الإنسان المطارد من الهرب من أى مكان يشاء بخفة وبسرعة دون أن يراه أحد.
قمت باستكشاف المكان وأجريت استطلاعا لهذه الفيلا بمجرد وصولنا فى المساء وفعلت نفس الشىء مرة ثانية فى الصباح, ووجدت أنه فى الإمكان صد أى هجوم نهارى على هذا المكان إذا زيد عدد الأفراد إلى أربعة, وزودوا بما يلزمهم من ماء وطعام وسلاح وذخيرة, على أن يتسللوا لمخبأ آخر ليلا.
تفكير وخواطر:
لم أنم هذه الليلة وبقيت ساهرا أفكر فى الإجراءات التى ستتخذها الحكومة للقبض علىّ والخطوات المضادة التى يجب أن أبتعها بدقة إن شاء الله لإفساد خطط أجهزة المخابرات والمباحث العامة, وقد توصلت إلى النتائج التالية:
إجراءات الحكومة:
1- مراقبة جميع منازل أسرتى وأقاربى وصفط الحرية وكذلك منازل أهل زوجتى.
2- محاولة إجراء تحريات واسعة عن أصدقائى من مدنيين وعسكريين ومراقبتهم وتفتيش منازلهم فى أى وقت بحثا عنى.
3- تشديد الرقابة على نشاط جماعة الإخوان المسلمين عامة, وقادة النظام الخاص بصفة خاصة.
4- توزيع صورتى على جميع رجال المباحث والمخابرات ومحطات السكة الحديد ومراكز الشرطة, وفى المقاهى ولدى مشايخ الحارات والعمد وسماسرة البيوت والشقق.
5- تخصيص جائزة مالية لمن يدلى بمعلومات للقبض علىّ.
6- وضع رقابة على المخابرات والأجهزة الهاتفية بدارى ودور أهلى واصدقائى.
7- تهديد ومحاولة استمالة أقاربى الموظفين والضباط للوقوف منهم على معلومات قد تؤدى إلى القبض علىّ ( لاقدر الله).
8- قطع المعاش عن أسرتى ( زوجتى وابنتى) بقصد الضغط إقتصاديا على زوجتى حتى تفوه( معاذ الله) بما يساعد على القبض علىّ.
9- مراقبة بنتى من وقت ذهابهما للمدرسة حتى عودتهما للمنزل خشية أن أتصل واستخدمها فى توصيل وإحضار رسائل وأموال بينى وبين زوجتى وأصدقائى.
10- وضع رقابة على ابواب المساجد يوم الجمعة وهو اليوم الذى تختم فيه على كل مسلم تأدية هذه الفريضة.
11- الاستعانة برجال البوليس السياسى القدماء الذين استغنت عنهم حكومة الانقلاب ليساعدوها فى البحث عنى لما هم من سابق خبرة فى معرفة حيل وأساليب الإخوان فى حوادث 1946 – 1948.
قرارات ضرورية:
لذلك قررت الآتى:
1- تجنب الاتصال بأهلى من قريب أو من بعيد, بل حرمت على نفسى السير بالحى الذى تقع فيه دارى وكذلك الأحياء التى يقيم بها أقاربى أو أصدقائى.
2- استخدام أساليب تنكر متنوعة
3- تجنب التحركات والانتقالات النهارية.
4- الانتقال من مكان لأخر سيرا على الأقدام مع التزام السير فى الأماكن المظلمة.
5- تجنب الانتقال بالتاكسى ( اتخذ هذا القرار مؤخرا) لأنه وصل إلى علم الإخوان أن كثيرا من أفراد المخابرات يعملون سائقى تاكسى ليلا وأن السائقين يقدمون تقارير عن أى شخص يركب معهم ويشتبهون فيه, خاصة إذا لم ينزل الراكب أمام باب عمارة أو مسكن مباشرة لذلك كنت أفضل ركوب العربات التى ترجها الخيل والسيارات العمومية.
6- تجنب ظهورى بأى حال من الأحوال أثناء ساعات النهار أمام الجيران أو البواب وساعى ومحصل الكهرباء حتى لا يكون بقائى بالمنزل طوال النهار مدعاة للظنون والشكوك.
7- اختيار الإقامة فى مسكن يسهل الاختفاء فيه عن أعين السكان والجيران ورقابة رجال التحرى وفى نفس الوقت فرص للمقاومة والهرب.
إلا أننا صادفنا كثيرا من الصعوبات لتنفيذ هذا القرار خاصة بعد صدور الأمر العسكرى الذى طالب المؤجر والمستأجر التبليغ عن السكان الجدد, وازدياد نشاط المباحث العامة, وتعاون أفراد الحرس الوطنى ضد الإخوان المسلمين.
8- إعداد كل مكان أسكنه بما يكفى من الأسلحة والذخيرة الشخصية للدفاع عن النفس.
9- تجنب ركوب المواصلات من المحاط الرئيسية لكثرة رجال المباحث هناك.
10- تجنب النظرات والحركات التى تثير الاشتباه.
قضيت هذه الليلة متحفزا أنصت بأذنى لكل صوت يرتفع أو وقع أقدام, وأراقب من خلال النوافذ كل ما يدور حولى مستخدما أقصى تجاربى العسكرية فى ميادين التدريب والمعارك الحربية ووضعت فى ذاكرتى صورة دقيقة للأنوار والظلال والأشباح وعادات الجيران وأصوات الكلاب الموجودة فى الحى.
وكررت هذه التجارب فى الليالى التالية, وطبقت هذه الدروس فى جميع المنازل التى اختفيت فيها, ولم اسمح لفكرى بالتوقف عن التفكير, كان نومى متقطعا وغالبا ما كنت أستيقظ ليلا أو نهارا لأدون رأيا أو فكرة , أو أكمل موضوعا أو منهاجا أو مشروعا, ثم أمر على النوافذ نافذة نافذة أراقب وأرقب كل شىء مراقبة دقيقة.
آذان الفجر:
تناولنا طعام السحور ثم أذن الفجر فقمت وتوضأت وصليت مع الأخ( م.م.ع) وبع الصلاة نمت بضع ساعات استيقظت بعدها لأجد نفسى بعيدا لأول مرة عن زنزانة السجن الحربى, هذا السجن الموحش الضارب فى بطن الصحراء والذى بنى خصيصا من عشرات السنين لإذاقة المجرمين العسكريين الهاربين من الجندية والقتلة والسفاحين أشد العذاب فى قيظ الصيف وزمهرير الشتاء.
قال لى الأخ (م.م.ع) ونحن جلوس والنهار يقترب من منتصفه إنيوسف طلعت وإبراهيم الطيب يهديانك السلام ولقد سميناك منصور عبد الله, وإنى ذاهب لبعض الأعمال التى تخص الدعوة وسنلتقى على طعام الإفطار عند آذان المغرب, فهل لك من رسالة أوصلها إليهما؟.
قلت له: أريد منك ما يأتى:
1- إحضار يوسف طلعت أو أى أخ مسئول ينوب عنه على أن يتم هذا اللقاء خلال الثمانى وأربعين ساعة القادمة على الأكثر.
2- تسليح الشقة بعدد 2 استين و2 طبنجة وبرن و12 قنبلة يدوية ومستلزماتها من الذخيرة.
3- نقل صورة واضحة عن أول جلسة عقدها المجلس العسكرى العالى بعد هروبى.
4- موافاتى يوميا بتقرير عن نشاط الحكومة ضد الإخوان.
5- إحضار الجرائد اليومية.
6- تفهيم البواب أننى منقطع للدراسة استعدادا لدخول امتحان الملحق فى أول العام الدراسى .
انصرف الأخ ( م.م.ع) راكبا دراجته البخارية التى كانت تحدث دويا يصل إلى مئات الأمتار, ويزيد م إزعاجها أيضا أصوات الكلاب التى تنطلق مع انطلاق الدراجة.
عاد الأخ( م.م.ع) قبيل انطلاق مدفع الإفطار حاملا معه مالذ وطاب من خيرات الله من صنع أهله بحى العباسية لكنه لم يتمكن من تنفيذ كل ما طلبته فى الصباح, لذلك خرج بعد تناول طعام الإفطار ثم عاد بعد منتصف الليل وفى جعبته ما يأتى:
وعد با، شخصا مسئولا سيزورني قريبا جدا, وأحضر معه بعض الأسلحة والذخائر والقنابل ولوازمها. وقال عن جلسة المجلس العسكرى العالى : إنها بدأت بالسؤال عن المتهم من قبل الرئيس فلما أجيب عليه انه نائب, وقف الشهيد عبد القادر عودة يتهم الحكومة بالإهمال بالتحفظ على المتهم,وطالبها بسرعة إعادته وحملها مسئولية ما يقع به من سوء.
ورفعت الجلسة إلى أجل غير مسمى.
أما بخصوص الصحف فقد وعدنى بتزويدي بالصحف اليومية وبنشاط الحكومة ضد الإخوان ابتداء من اليوم التالى, وقد بر بوعده طيلة إقامتنا معا, وسلمنى دفترا به منهج كامل لتدريب الجماعة والفصيلة, سبق أن أعددته بنفسى وسلمته ليوسف طلعت قبل محنة مارس 1954, ولا شك أن يوسف طلعت هو الذى أرسله لى معه.
لقارات ومقترحات:
وبعد حوالى أسبوع زارتنا الشخصية الإخوانية المسئولة عقب تناول الإفطار مباشرة وكانت هذه الشخصية هو الأخ (أ.إ.أ) [ أحمد إمام إبراهيم ] وجلست بجواره ومعنا الأخ (م.م.ع) وبدأ الأخ (أ.أ.أ) حديث بأن حمد الله وأثنى عليه وصلى وسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وتابعيه, وتضرع إلى المولى أن يهدينا سواء السبيل وينصر دعوتنا وقال موجها كلامه لى: إنى أبلغك تحيات جميع إخوانك وقد كلفونى بأن استمع لكل أرائك وكل طلباتك لأنقلها إليهم لدراستها, ثم أ‘ود إليك بإجاباتهم وقراراتهم إزاءها.
وقبل أن أسرد ما قلته ردا على حديث الأخ المسئول (أ.أ.أ) أقول إن معرفتى به وثيقة فقد عرفته منذ عام 1945 عندما عرفنى به الأخ عبد الرحمن السندي ببلدة الرقة فى عزبة الأخ (ح.ع) حسني عبد الباقي عندما كنت أقوم بتدريب شباب النظام الخاص للإخوان هناك وتعددت مقابلاتى به بين الحين والآخر فى مراكز تدريب فى الشرقية والقليوبية, والتقيت به فى المركز العام, وكنت أشعر دائما بأهمية الدور الموكل إليه تاسيس النظام الخاص للإخوان.
لذلك عندما جلست إليه وسمعت منه ما قال اطمأنت إلى كونى أتحدث مع شخص من أركان النظام.
فقلت له:
إننى أشهد الله, وأشهدكما, واشهد التاريخ على كل ما أقوله لك فى هذه الجلسة التاريخية, أعلم يا أخى أنى هربى يفسر لدى الحكومة بأن الإخوان هم الذين شجعونى وسهلوا لى السبيل, وأنهم سيستعينون بى فى تدريبهم سرا توطئة للقيام بانقلاب, ولن تتوانى الحكومة لحظة واحدة فى مراقبتكم مراقبة دقيقة, ثم تتحين القصة للزج بكم مرة ثانية فى غيابات السجون, لهذا فإننى أرجوك أن تبلغ المسئولين من قادة الجماعة إذا كانوا ينوون تغيير النظام القائم فعليهم أن يضعوا أعينهم عامل الوقت بأ، يتفقوا فورا على خطة عمل ويسعوا لتنفيذها بإخلاص وسرعة ودفة وإياكم والتأخير.
فقال الأخ (أ.أ.أ): إن إخوانى المسئولين يطالبونك بوضع خطة لعمل انقلاب إسلامى.
فقلت له:لكى أضع هذه الخطة فإنى أطالبكم بسرعة موافاتى بالمعلومات التالية والتى أرجو أن تكون مطابقة للواقع حتى نستطيع التنفيذ فى حدود إمكاناتنا:
1- عدد أفراد النظام الخاص المدربين وغير المدربين على الأسلحة الصغيرة فى كل مديرية على حدة خلاف العواصم.
2-عدد أفراد النظام الخاص المدربين وغير المدربين على الأسلحة الصغيرة فى القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد والمنيا وأسيوط وأسوان.
3-عدد أفراد النظام الخاص المدربين وغير المدربين على الأسلحة الصغيرة فى كل حى من أحياء القاهرة والإسكندرية.
4- كشف مفصل به جميع الأسلحة الصغيرة الصالحة للإستعمال. رشاشات – بنادق –طبنجات – قنابل يدوية – خناجر – ذخائر فى كل مديرية وعاصمة على حدة.
5- أسماء الضباط والصف ضباط الذين يمكن الاعتماد عليهم بالجيش ومدى المساعدات التى يستطعون تقديمها.
6- أسماء الضباط والصف ضباط الذين يمكن الاعتماد عليهم بالبوليس ومدى المساعدات التى يستطيعون تقديمها.
7- أسماء السيارات والدراجات البحارية والدرجات العادية الموجودة لدى أفراد النظام الخاص.
8- كشف مفصل به المهن الفنية وغير الفنية التى يعرفها كل فرد من أفراد النظام الخاص ودرجة القيادة لمختلف وسائل المواصلات, والدرجة العلمية الحاصل عليها.
9- مدى التأييد الشعبي الذى يمكن الذى يمكن للإخوان المسلمين بالبلاد العربية تقديمه .
10- عدد الإخوان الذين سبق أن أمضوا فترة الخدمة كضباط احتياط والرتب التى رقوا إليها, والمدد التى قضوها فى التدريب, والأسلحة التى خدموا فيها من مشاة ومدفعية إلى آخره.
وبعد أن سلمته هذه الطلبات طالبته بالرد على خلال أسبوع واحد على الأكثر ثم طلبت منه الاتصال بطريقة ما بزوجتى لإعطائها ما يلزمها من مال فوعدنى خيرا وانصرف, وبعد يومين من هذه الزيارة لا حظت أن ضابطا يسكن فى المنزل المواجه للفيللا التى أقيم فيها بدأ يجلس فى حديقة منزله على غير عادة منه, وانه يتطلع بين حين وآخر ناحية فيلتنا التى نقيم فيها فقررت الانتقال من هذا المسكن والانتظار بعيدا عنه بضعة ايام ثم العودة إليه إن سمحت الظروف.
كانت المنطقة المحيطة بالفيلا وفيرة المزروعات والمياه الراكدة مما تسبب عنه كثرة البعوض بشكل بشع. ولما كانت المخادع خالية من الناموسيات فقد كان لزاما علينا قبل النوم أن نرش الغرفة بكمية من السائل المبيد حتى إذا طهرنا الغرفة من البعوض فتحنا النوافذ ثانية وابدأ فى النوم, ولكن لا ألبث إلا قليلا حتى أستيقظ بسبب اللدغات القارصة للبعوض فأبدأ عملية تطهير جديدة.. أما الأخ(م.م.ع) فكان يغطى رأسه تماما ويغط فى نوم عميق فلا يستيقظ إلا عند صلاة الفجر.
عاد الأخ (م.م.ع) قبيل الإفطار وشاهد معى الضباط القاطن أمامنا وأيدنى فى الارتياب منه ووجوب الانتقال من هذا المكان.
بعد تناول الإفطار ذهب الأخ(م.م.ع) يستشير إخوانه فى موضوع تغيير السكن والانتقال إلى مكان آخر وبقيت بمفردى أجهز نداء للإخوان سميته النداء الأول جاء فيه:
ايها الإخوان.. تتعاون أجهزة المباحث العامة والمخابرات والبوليس الحربى جميعهم للحصول على أكبر قدر من المعلومات عن دوركم ومخازن أسلحتكم وأماكن تدريبكم توطئة للقيام بعمليات قبض واسعة النطاق عليكم أفرادا وجماعات, والزج بكم ثانية فى الزنزانات وغيابات السجون, فعليكم أيها الإخوان أن تتخذوا خطة الدفاع مؤقتا حتى تحين معركة الهجوم التى لن تتأخر طويلا إن شاء الله تعالى, إن اقل مقدار من الأسلحة يلزم للدفاع الشخصى هو طبنجة ومقدار من الذخيرة وقنبلتان يدويتان.
قاتلوا كل من يسعى للقبض عليكم من غرفة إلى آخرى, فإما نصر وإما شهادة, وإذا كنت جارا لأحد إخوانك المهاجمين فاسرع إلى نجدته وقدم كافة المساعدات للقضاء على المهاجمين. انتهى. طلبت من الأخ( م.م.ع) أن يقرأ هذا النداء على المسئولين من قادة الجماعة هكذا دون طبع حتى لا تقع فى يد الحكومة.
إلى مخبأ آخر:
مر يومان من المشاورات بين الإخوان بعضهم وبعض فى أمر نقلى, وفى إحدى الأمسيات أخبرنى الأخ ( م.م.ع) بقرار الانتقال, فنزلنا معا فى اليوم التالى بعد الظهر, وشرنا على الأقدام حتى ميدان الجيزة, ومن هناك ركبنا سيارة أجرة, نقلتنا إلى ميدان الخازندار بشبرا ثم سرنا على أقدامنا حتى وصلنا إلى محل حدايد.
فدخلنا حيث انتظرت أنا فى الغرفة العليا للمحل مدة نصف ساعة ثم جاء أحد الإخوان الذين يعملون فى المحل فانصرف الأخ(م.م.ع) واصطحبنى الأخ الذى حضر وسرنا على الأقدام فى الحوارى والأزقة إلى أن وصلنا إلى منزل عتيق ذى أربعة طوابق فدخلنا إلى شقة فى الطابق الثالث, ولم يكن بها أحد وهى مكونة من غرفتين إحداهما كبيرة والثانية صغيرة وصالة ومطبخ ودورة مياه فهمت من هذا الأخ أن اسمع إبراهيم من أبناء الإسكندرية الذين عملوا فترة طويلة فى النظام الخاص للإخوان, ولما كان جهاز الأمن العام بمدينة الإسكندرية يبحث عنه فقد نزح إلى القاهرة للعمل بها, وكانت أسرته مكونة من زوجته وابنه وحماته وقد سافروا جميعا إلى الإسكندرية لاستقبال عيد الفطر بين أهليهم.
وكان الأخ إبراهيم هذا يذهب إلى عمله مبكرا ليعود مرتين: المرة الأولى للراحة والمرة الثانية آخر النهار, وكنت أنا وهو نتناول طعاما على جانب من الإقتصاد ومن طهو يديه.
لقاء مع الطيب وهنداوى:
بعد ثلاثة أيام زارنى الأخ(أ.أ.أ) حاملا معه حقيبة بها ملابس جديدة اشتراها وبعض الأشياء الضرورية لى طلبتها منه عندما التقينا فى فيللا فى شارع الهرم.
وضع الأخ(أ.أ.أ) الحقيبة واصطحبنى فورا خارج الشقة وعلى بضع مئات الأمتار التقينا بالشهيد إبراهيم الطيب وانصرف الأخ(أ.أ.أ) فى الحال وواصلنا أنا والشهيد إبراهيم الطيب السير فى الحوارى والأزقة إلى أن التقينا بشخص لم يسبق لى مقابلته من قبل وكان الشهيد هنداوى دوير, الذى كان واقفا يدخن لفافة تبغ عند قمة أحد الشوارع مراقبا الطريق بيقظة وعند مرور أول سيارة أجرة ركبناها نحن الثلاثة وعندما وصلت بنا قريبا من كوبرى إمبابة أوقفنا السيارة ودفعنا للسائق أجرة وسرنا على أقدامنا إلى دار الشهيد هنداوى دوير بإمبابة حيث قضيت اليام القليلة الباقية من شهر رمضان.
وقد زارنى الشهيد إبراهيم الطيب عدة مرات: المرة الأولى ليطمئن بنفسه على راحتى من جهة الأمن والتفاهم مع هندواى للبحث عن شقة صغيرة تصلح سكنا لى.
أما المرة الثانية فكانت ليتعاون مع هنداوى فى كتابة منشور عندما قرأته لاحظت هجوما عنيفا على جمال عبد الناصر وفاقه ونظام حكمهم , والروح الإخوانية والأسلوب ظاهران فى المنشور, وهنا نصحت الشهيد إبراهيم الطيب قائلا:
إنه من الخطأ البين مهاجمة الحاكم القائم, لأن فى هذا إعلانا عن نوايانا وتبريرا لبدء هجومه علينا قبل أن نستعد فنفشل فشلا ذريعا, وحملته تبعة سياسة المنشورات هذه. وبعد خروج الشهيد إبراهيم الطيب استمر الشهيد هنداوى فى إعادة كتابة المنشور بعد تعديل اسلوبه.
ذكريات مع هنداوى:
قص على الشهيد هنداوى خلال فترة وجودى عنده قصة انضمامه للنظام الخاص لجماعة الاخوان المسلمين, وتفاصيل المعركة التى دارت بينه وبين رجال الشرطة والبوليس السياسى بالرصاص والقنابل عام 1948 بعد اغتيال المرحوم النقراشي باشا, ثم فراره من قبضة البوليس واشتغاله فى أحد مصانع النسيج طيلة عامين دون أن يقطن إليه أحد.
فلما قلت له:إن العسكريين القائمين بالحكم حاليا سيقبضون على زمام الأمور بالبلد من حديد ولن نخيفهم الأعمال الفردية, وهذا يتطلب منا إيمانا وتنظيما وتدريبا وعملا قويا ساحقا.
أجابنى بعصبية ظاهرة قائلا: والله العظيم إن جميع العسكريين سيتفركشون عند سماعهم أول طلقة.
فقلت له:أنت محطىء.. قد يجوز هذا مع شرذمة من الرعاع وليس مع حكومة عسكرية يقظة. ظللت أياما أفكر فى تقدير هنداوى للأمور لأنى وجدت فيه شخصا مسئولا وخشيت أن يكون لمركزه فى صفوف النظام أثر فى تغيير خططى.
وكان هنداوى طيب القلب كثير التدخين, ضعيف الإرادة وعصبى المزاج وثرثارا, قوى التحمل نوعا ما, سريع اليأس وقد تحققت لى هذه الصفات خلال وجودى فى داره وفى ميدان التدريب.
فى إحدى أمسيات شهر رمضان حضر أحد الإخوان وتناول معنا طعام الإفطار وتم تعارفنا معا وكان اسمه عبد اللطيف ولست متأكدا هل هو محمود عبد اللطيف الذى قيل إنه اعتدى على جمال عبد الناصر أم لا؟ وقدمت له نفسى باسم منصور عبد الله وأخبرنى هنداوى إننى وعب اللطيف سنخرج بعد تناول الإفطار لنعاود البحث عن شقة تصلح سكنا لى ومخبأ لمطبعة.
وذهبت فعلا مع عبد اللطيف لرؤية إحدى الشقق, وبعد أن سرنا حوالى كيلو مترين فى الظلام داخل الآزفة والمنعطفات وصلنا إلى منزل قديم تحيط به برك المياه الآسنة وتفوح من حوله رائحة البول والقاذورات فدخلنا إلى الطابق الأرضى فإذا به مكون من ردهة واسعة وغرفتين صغيرتين ودورة مياه بشعة خالية من الأدوات الصحية والشقة فى مجموعها مملوءة بالحشرات والصراصير ورطبة, وذلك واضح على الجدران ونوافذها مكسرة, تسمح للأتربة بالدخول ليل نهار, وتسمح للمارة رؤية من بداخلها ولا تدخلها الشمس لأنها محاطة بالمبانى من جميع الجهات.
لم تعجبنى الشقة وقفلنا راجعين إلى دار الشهيد هنداوى, وأثناء الطريق علمت من عبد اللطيف أن صناعته مطبعجى, وأنه قد استأجر مطبعة ويدفع لها إيجارا شهريا قدره خمسة جنيهات مصرية, وأنه سينقل إليها مطبعة صغيرة ليطبع عليها كافة المنشورات المطلوبة, وليس له أهل فى القاهرة ويقطن وحيدا فى غرفة صغيرة جدا ملحقة بحديقة أحدى المنازل وكانت فى طريقنا, وعندما مررنا أمامها أشار لى نحوها فدهشت لصغر حجمها, ثم أبلغنى أنه قد اختير رفيقا لى فى السكن فسألته: ما نظام عملك؟
فأجاب: إنه يستيقظ فى السادسة صباحا ليذهب إلى عمله ليعود بعد الغروب فاستنتجت أننى سأظل حبيسا بمفردى طيلة اليوم دون حراك, حتى لا يعلم بوجودى احد من السكان وسأفطر وأتسحر يوميا طعاما باردا لأننى لا استطيع إشعال وابور الكيروسين.
وصلنا إلى منزل الشهيد هنداوى وأبلغته ملاحظاتى كلها واتفقنا على استمرار البحث عن شقة أخرى مناسبة.
وفى مساء اليوم التالى ذهبنا أنا وعبد اللطيف لرؤية شقة أخرى بالدور الثالث وتقع تحت سمع وبصر جميع الجيران, ومن بين هؤلاء الجيران فرد من المباحث العامة فعدنا هذه المرة أيضا بخفى حنين, وأبلغنا النتيجة للشهيد هنداوى, وفى العودة أخبرنى عبد اللطيف أنه التحق بالحرس الوطنى وكان مبرزا فى إصابة الهدف ورقى لرتبة أومباشى, ولكنه بناء على تعليمات الإخوان بعدم الاشتراك فى الحرس الوطنى تركه منذ شهور, وهنا فكرت مليا فى هذا الخطأ الكبير الذى ارتكبته قيادة الإخوان عندما اتخذت هذا القرار الذى تسبب عنه أولا حرمان سباب الإخوان من التدريب العسكرى فى وقت هم فيه أحوج إليه, وثانيا فقد عدد من الإخوان لهم تأثيرهم الأدبى والمعنوى والمادى بين غيرهم من شباب الوطن, وثالثا حرمان الإخوان من السلحة والذخائر المسلح بها الحرس الوطنى ممايزيد فى أعبائنا فى سبيل الحصول عليها, ورابعا إبعاد شباب الإخوان من صميم الحرس مما حرمنا من المعلومات التى تكشف نوايا الحكومة وصعب عملية استخدام الحرس,والاستفادة به فى القيام بأى عمل نفكر فيه.
ابلغني هنداوى أنه سيقضى أيام عيد الفطر فى بلدته القريبة من مدينة المنيا ولهذا سيكلف أحد الإخوان الموثوق بهم ليصحبنى إلى منزل آخر كى أقضى قترة العيد فيه. وفعلا استدعى هذا الأخ وكان هو صاحب أول شقة صحبنى إليها الشهيد يوسف طلعت فور مقابلتى لفضيلة المرشد الإمام الهضيبى عقب هربى من المحاكمة العسكرية.
وهذا الأخ هو (أ.ع) وكان قد فرغ لتوه من الامتحان النهائى لدبلوم معهد التربية العالى للمعلمين وأفطرنا معا بمنزل الأخ هنداوى وتركنا الأخ(أ.ع) على أن يعود فى اليوم التالى لاصطحابى إلى مكان آخر.
المسكن الجديد:
وفى الموعد المحدد حضر فعلا وخرجت معه وفى الطريق أخبرنى أنه استأجر شقة قريبة من المكان الذى نسير فيه, ولذا لم يكن هناك داع لأى سيارة تقلنا, فسرنا على الأقدام وأخذ يعرفنى على الشوارع والأماكن حتى انتهى بنا السير إلى عمارة بالعجوزة وهى التى استأجر بها الشقة فدلفنا إليها, فإذا هى فسيحة وصالحة وتطل حجراتها على حديقة ويسهل الانسحاب منها عند الهجوم.
وكان قد نقل إليها أثاث الشقة التى سبق أن ذكرت أنها غير صالحة للاختفاء وأخبرنى أنهه قد كان من المفروض أن تنتظره سيارة محملة ببعض الأثاث لتنضم إلى سيارته التى نقل عليها الأثاث, ولكنه انتظر طويلا فلم تحضر السيارة مما اضطر إلى الذهاب إلى الشقة ووضع الأثاث بها ليسرع إلى موعدى الذى قد اتفق معى عليه. وسمعته يطلب من الأخ هنداوى إبلاغ الأخ إبراهيم الطيب بأن سيارة الأثاث لم تحضر, وقد كان الأخ إبراهيم الطيب على موعد مع الأخ هنداوى لمعرفة ما يتم.
وقد وصف الأخ (أ.ع) للأخ هنداوى الشارع ورقم العمارة وكيفية الوصول إلى الشقة الجديدة, وفعلا بعد وصولنا إليها بساعتين حضر كل من الأخ هنداوى والأخ إبراهيم الطيب وكان الأخ (أ.ع) قد فرغ لتوه من ترتيب الأثاث بالشقة وتصرف سريعا بشراء سرس سفرى صغير وضعه بإحدى الحجرات لأنام عليه.
وحين حضر الأخ إبراهيم شكا إليع عدم حضور سيارة الأثاث, وعرفه بأن الأثاث الذى نقل والذى تصرف فى شرائه لا يناسبان الشقة ومظهرها, إلا أن الليل كان ساترا فلم يلاحظ البواب أو السكان هذه الظاهرة.
وقد تصرف الأخ (أ.ع) فى ترتيب الأثاث بحيث يبدو للرائى أن الشقة عامرة بالأثاث فقد وضع بالصالة أكبر جزء منه حين كانت الحجرات خالية تقريبا اللهم إلا من سرير له فى حجرة , والسريرة الذى تصرف فى إحضاره لنومى فى حجرة أخرى ومكتب فى الحجرة الثالثة, وقد وعد الأخ إبراهيم الطيب بتدارك الأمر وإحضار بعض الأثاث فى فرصة تالية, ولكن ذلك لم يتم لحدوث بعض المفاجآت.
مريض بالنيابة:
مرت اليام الباقية من رمضان فى هدوء وفى آخر يوم فيه شعرت بمغص حاد وشكوت إلى مرافقى الأخ(أ.ع) ما كنت أعنيه, فتركنى ثم عاد ببعض الأدوية التى تناولتها على الإفطار والتى أفادتنى تماما فى زوال ما كنت أشعر به والحمد لله رب العالمين.
وقد علمت أن هذا الأخ قد ذهب إلى طبيب وشكا إليه ما كنت أحس به من آلام متظاهرا بأنه هو المريض فعلا, حتى وصف له الطبيب الدواء فاشتراه من أول صيدلية صادفته وعاد به قبل الإفطار بقيل.
مصادفات فى يوم العيد:
كان الأخ(أ.ع) أحمد عيد قد خرج لشراء بعض المتطلبات وعرفنى بأنه سيعود بعد الظهر ليتمكن من إحضار أطعمه تتناسب مع يوم العيد وبعض الفاكهة والحلوى أيضا, وحين عودته وجد أمام العمارة سيارات البوليس الحربى وبها جنود وشاهد سيارات أخرى مما اضطره للتوقف أمام العمارة متظاهرا بشراء بعض الأشياء من بقال يجاور العمارة وأشياء أخرى من كهربائى حتى تتضح الأمور.
وما أن شاهده البواب حتى أسرع إليه فأتحفه ببعض المال كما جرت العادة فى يوم العيد, ودعاه إلى زجاجة غازية باردة ووقفا يشربان ودار بينهما حديث عرف منه أن أقرباء حسين الشافعي يقيمون فى نفس العمارة وقد حضر لزيارتهم فى العيد وهو حاليا عندهم, وأن رجال التحرى سألوه ‘ن أسماء السكان الجدد.
ولما عاد وأخبرنى لم نجد بدا من الانتقال إلى مسكن آخر كان قد أعده الأخ (أ.ع) ليكون مقرا تاليا فيما لو حدث أى طارىء فى السكن الذى نقيم فيه.
استقرار مناسب:
وأقبل الليل وبعد صلاة المغرب مباشرة انتقلنا إلى هذا السكن وكان فى أرض شريف بشبرا على بعد مائة متر تقريبا من المسكن الذى قضيت فيه سحابة يوم واحد عقب هربى من المحاكمة مباشرة.
وفى هذا المسكن الجديد رأيت جميع المميزات الواجب توافرها للإختفاء والدفاع والهرب ويمتاز عن فيللا شارع الهرم بقلة الارتفاع مما يجعل عملية الإنصات لأحاديث المارة وسهولة القفز ممكنين.
انتظــــــار:
انقضى شهر رمضان وعيد الفطر ومرت ثلاثة أسابيع بعد العيد ولم يتصل بى الشهيد يوسف طلعت وكذلك لم يحضر الأخ(أ.أ.أ) برد الإخوان على طلباتى, وكان الأخ (أ.ع) قد أبلغ المسئولين بالتطورات الجديدة والإنتقال إلى شقة شبرا التى عددت مزاياها.
وقد أثار التأخير وعدم الحضور قلقى فقد كان مرور الوقت فى غير صالحنا ثم حضر الأخ إبراهيم الطيب بعد أن تواعد مع الأخ (أ.ع) ليصحبه إلى المقر الجديد, وفى مرة تالية حضر معه الأخيوسف طلعت وانتظمت اللقاءات وسارت الأمور على ما كنت أتمناه.
وكان الأخ(أ.ع) جزاه الله عنى كل خير ساهرا على راحتى ليلا نهارا, فهو الذى يجيب كل سائل, ويستقبل كل طارق ويتصرف معه بلباقة ويشترى الحاجيات من السوق ويقوم بإعداد الطعام ويزودنى ببعض الأخبار التى يسمعها من الإخوان الذين كان يقابلهم مصادفة حيث كان قد قطع صلته بشبرا وغيرها تماما, وكان يتحرى شراء اللوازم من سوق العتبة وكثيرا ما كان يحضر الأطعمة مطهوة ويعود إلى المنزل لتسخينها وتقديمها سريعا, وكنا حريصين على قراءة الجرائد والمجلات.
وكنت إذا شككت فى شخص ما ممكن يتسكعون حول منزلنا أو ينظرون نحو النوافذ فهو أول من أستشيره فأعطيه صورة واضحة ودقيقة عما ألاحظه قيبدأ تحرياته بواسطة أفراد من الإخوان كان قد أعدهم للحراسة من الخارج وأيضا لمراقبة مثل هذه الأمور فلا يلبث أن يعود إلى بحقيقة الأمر.
كانت الأعمال المنوطة بى فى الشقة هى تنظيف غرفتى وترتيبها يوميا وكذلك الصالة والمطبخ ودورة المياه وغسيل ملابسى وغسيل الأطباق والأوانى بعد كل وجبة من الوجبات, ثم حمل السلاح وتنظيفه والإستعداد لكل طارىء.
وكثيرا ما كنت أتألم لتدخل الأخ(أ.ع) فى هذه الاختصاصات حيث كان جزاه الله حريصا على راحتى جدا.
خطة للمقاومة:
وقد وضعنا خطة الإنسحاب من الشقة إذا هوجمنا وتتلخص فى الآتى:
1- إذا استطعنا أن نشعر بالرقابة المبكرة حول المنزل فعلى الأخ (أ.ع) الإسراع فى غلق باب الشقة تماما بالمفتاح والمزلاج وإحداث مواء قط ثلاث مرات لينبهني, فأرد عليه بزقزقة العصافير لإفهامه إدراكى لإشارته, ثم أسرع بحمل السلاح وارتداء أبسط الملابس والتسلل من النافذة إلى فناء ملاصق لشقتنا عبارة عن مخزن يمكن منه القفز إلى الشارع الخلفى.
2- أما إذا هوجمنا فكان عليه أن ينادى بصوت مسموع (رايح على فين يا جدع)؟ ويعمل على عرقلة المهاجمين بشتى الطرق حتى لو تطلب الأمر الاشتباك معهم بالكراسى وبكل ما تصل إليه يداه.
وعندئذ أسرع لنجدته بسلاحى الذى كان لا يفارقنى لحظة, فإما أن أنسحب بسلام وإما أن أقاوم حتى أسقط جثة هامدة, أو حتى يتمكن الأخ(أ.ع) من التقاط سلاحه والمقاومة أيضا ليتم انسحابى ثم انسحابه, بعد إطلاق قنابل الدخان وخلافه.
وكنا دائما فى حالة طوارىء, وكنت دائم التفكير بينى وبين نفسى فيما يجب عمله فى كل الاحتمالات بحيث أكون مستعدا لمغادرة الشقة بسرعة دون أن أترك أثرا يدل على وجودى والاستدلال على شخصيتى.
وكنت قد وضعت ملابسى فى حقيبة بداخل غرفة الأخ(أ.ع) ولم أترك بغرفتى سوى منامة موضوعة بطريقة لا تعطى المداهمين للشقة أية علامة تدل على وجود إنسان آخر يسكن مع صاحبها.
وكان الشىء الوحيد الذى أحرص عليه هو خريطة القاهرة(250,000:1) وكشوف الفصائل وطبنجتى الموزر ذات الاثنتى عشر طلقة وخزنتها الإضافية وقنبلتين يدويتين وجلبابا وطاقية وحذاء ذا نعل مطاط أبيض.
وسارت الأمور عادية فكنا نخرج مساء للتريض فى شارع شبرا ومنه إلى الساحل على شطها ونعود إلى حدائق ومشاتل فى نهاية شبرا تمر بجوارها ترعة كنا نجلس على شطها للاستمتاع بضوء القمر والنجوم ثم نعود مرة أخرى إلى منزلنا لتناول العشاء ثم النوم.
وجاء يوم الأضحى واتضح أن الأخ(أ.ع) مرتبط مع أهله أيام العيد معهم ببلدته, فطلب من الأخ إبراهيم توصيلى لمنزل الأخ هنداوى الذى اتضح أيضا أنه سيسافر فى العيد فجلس الأخ هنداوى والأخ(أ.ع) يدرسان الموقف, واهتدينا إلى الإستعانة بالأخ(ع.ن) الموظف بالقسم الجغرافى بمصلحة المساحة المصرية, وأرسلا فى إحضاره, وعلمنا منه أن منزل الأخ (م.و) الموظف بالسكة الحديد جاهز لاستقبالى فترة العيد لأن الأسرة كلها سافرت إلى البلدة.
وعرفنى الشهيد هنداوى بالأخ (ع.ن) علي نويتو وقال له: إن أخانا منصور عبد الله سيقضى معك فترة العيد بمنزل الأخ(م.و) مصطفى الورداني وعليك القيام بخدمته.
وانصرفنا تشيعنا دعوات الأخوين هنداوى و(أ.ع) حتى وصلنا إلى شقة الأخ(م.و) وكانت بالدور الأرضى ناحية منطقة منازل عمال إمبابة وهى صغيرة فى حارة ضيقة متربة وقريبة من المزارع وتتكون من ردهة وغرفتين, إحداهما للنوم والأخرى للطعام ودورة مياه متعبة.
عيد الأضحى:
قضيت يوم عيد الأضحى فى هذه الشقة فى صحبة الأخ(ع.ن) وعرفت أنه يعرفنى من قبل, لتصرفاته معى, فربما يكون شاهدنى أثناء المحاكمة.
وعلمت منه تفاصيل عن فصيلة إمبابة التى كان قائدهاهنداوي دوير, وشاويش الفصيلة أحد وكلاء النيابة أما الأخ (ع.ن) فكان قائد الجماعة الأولى والأخ (م.و) قائد الجماعة الثانية أما قائد الجماعة الثالثة فكان أحد المدرسين.
زارنى الشهيد إبراهيم أثناء إقامتى فى هذه الشقة كعادته معى عندما انتقل إلى مكان جديد فطلبت منه الموافقة على الآتى:
أ- السماح لى بإعطاء دروس شفهية خلال إجازة العيد فى التكتيك حتى مستوى لشاويش بامبابة, والشقة التى أسكنها حاليا يمكن استغلالها فى ذلك.
1- تكليف الأخ (ح.ن) الموظف بالمساحة أيضا وهو شقيق الأخ (ع.ن) بشراء مجموعة خرائط القاهرة 1/000/500 بعد عيد الأضحى مباشرة.
وبدأت أفكر فى تجهيز تختة رمل بالشقة فلم أجد أمامى سوى مفرش المشمع الموضوع على المائدة الخاصة بالطعام, فهو يؤدى الغرض لما عليه من مربعات تساعد على الشرح, وأعددنا نماذج خشبية وميزنا القادة بالألوان وجهزنا بعض العربات الصغيرة والأشجار.
وبدأت تدريس اول فرقة للقواد الثلاثة بإمبابة وقضينا يومين منتظمين وفى اليوم الثالث شعرت برعدة تنتابنى وبدأت فى القىء بكثرة وأخذ العرق يتصبب من جبينى وارتفعت حرارتى فلزمت الفراش لا أستطيع حراكا, وفقدت شهيتى للطعام فلم يكن لدى أى قابلية للطعام, وهنا لا يسعنى إلا أن أحيى فى أخى (ع.ن) حنانه وعطفه وإيثاره وحدبه علىّ فلقد ظل بجوارى طوال النهار وطوال الليل يساعدنى فى الذهاب إلى دورة المياه ويعد لى العصير, ويعاوننى فى استبدال ملابسى المبللة بالعرق, ويقيس درجة الحرارة ويعطينى الدواء فى مواعيده.
وأثناء مرضى زارنى أخى الشهيد إبراهيم الطيب, وأبلغنى أننى سأنقل إلى منزل آخر بعد شفائي مباشرة, وطلب منى العرض على طبيب ولكننى رفضت.
وبعد انقضاء أيام العيد استرددت صحتى ولم يكن الأخ (م.و) قد رجع من بلدته بعد, فذهبت إلى دار الشهيد هنداوى بصحبة الأخ(ع.ن) فوجدناه قد عاد من بلدته, وحضر الأخ إبراهيم الطيب واصطحبنى إلى شقة شبرا حيث كان الأخ (أ.ع) قد عاد م إجازة العيد ومعه رقاق وخبز فلاحى وصفيحة صغيرة مملوءة جبن قريش مخزون, وبط ودجاج ولحوم جاهزة للطهى وأحسست بانشراح فى صدرى لقدومه بعد انقباض, لأن وجوده معى فى الشقة يجعلنى أتحرك بحرية وأنا آمن ومطمئن, وبعد أن كانت تحركاتى فى غيابه عنى أحيانا على أطراف أصابعى, وأتسمر فى مكانى إذا دق جرس الباب أو لمحت إنسانا يقترب من زجاج باب الشقة.
إن عودة الأخ(أ.ع) بالنسبة لى أيضا معناها تناول الوجبات فى أوقاتها والخروج يوميا بعد العشاء للترويح عن النفس فى شوارع شبرا, والاطمئنان والراحة إلى حد كبير , فلقد كان جزاه الله عنى خيرا ساهرا على راحتى تماما كما سبق أن أوضحت.
وكثيرا ما كنا نقطع اليوم فى تبادل الآراء ومناقشة الأحداث, والقيام ببعض الأعمال العسكرية المفيدة والمسلية.
الوقت يمضى:
لم يحضر الأخ (أ.أ.أ) برد الإخوان على طلباتى, وبعد يومين من وجودى فى شقة شبرا هذه أحضر لى الشهيد إبراهيم الطيب الخرائط التى اشتراها من مصلحة المساحة وقال: إن قادة النظام سيحضرون عندى مساء اليوم التالى ليناقشوا معى بعض الأمور.
وفى اليوم التالى خوالى السابعة مساء حضر إلىّ قادة النظام وهم: الشهيد يوسف طلعت, والشهيد إبراهيم الطيب وأخوان آخران.
بدأت الحديث بعتابهم على تأخير هذا الاجتماع الذى كان من الضرورى عقدة بمجرد هروبى وإن وقتا طويلا قد ضاع كان من الضرورى الاستفادة منه ثم وجهت كلامى إلى الخارج(أ.أ.أ) أسأله عن أسباب تأخره عن لقائى طيلة هذه المدة منذ أن التقيت به فى فيلا شارع الهرم . فكان جوابه أنه عرض مادار بيننا على إخوانه لدراسته وهاهم أولاء جاءوا اليوم لإعادة دراسته معى وما منعه عن الحضور سوى مهام أخرى كان يقوم بإنجازها.
وقد تم الاجتماع فى سرية كاملة وأمان, وأثناء اجتماعنا كان الأخ (أ.ع) يقوم بالمراقبة خارج الدار.
مرت بضعة أيام وأنا أترقب يوميا مجىء احد المسئولين لينقل إلىّ ما تم اتخاذه تجاه القرارات التى اتفقنا عليها, وفى اليوم الخامس حضر عندى الأخ الشهيد إبراهيم الطيب وبصحبته الأخ (م.م.ع), وجلسنا معا نتصفح أربعة عشر كشفا كل كشف يحوى أسماء فصيلة كاملة عددها ثلاثون فردا حسب التنظيم الذى وضعته وشرحته له سابقا.
سألت الأخ(م.م.ع) عما أعده لبدء التدريب فأجاب:
إنه فى سبيل إعداد معسكر من الطراز الأول, وسينتهي من تجهيزه بعد أسبوع.
وهنا انفجرت غاضبا موجها لومى للأخ الشهيد إبراهيم الطيب لضياع الأيام والأسابيع دون أن نعد شيئا, والوقت يمر كالسيف القاطع ولكنهما وعدانى خيرا.
طلب الأخ( أ.ع) السفر إلى الإسكندرية لبعض الأمور فأذن له, ولكننى اشترطت على الشهيد إبراهيم الطيب أن يحل محله طيلة غيابه واحد من الإخوان الممتازين وتفاهم الأخ( أ.ع) مع الأستاذ إبراهيم فى هذه الأمور وناقشنا الأمر وتوصلا إلى حل.
وفى اليوم التالى سافر الأخ(أ.ع) تاركا لى أطعمة جافة مثل علب السردين والتونة والجبن والزيتون والبطاطس والمكرونة والأرز والزيت والعسل والمربى.
وبعد الظهر حضر الأخ الشهيد إبراهيم وبرفقته الأخ(ح.ع) الذى لم أكن أعرفه من قبل, ومن خلال التعاون عرفت أنه مهندس لاسلكى ومنتدب للتدريس بالعراق وعاد منها لتمضية الإجازة السنوية بمصر, وقد طلب منه الشهيد إبراهيم الطيب مرافقتى لبضعة أيام, وحضر الأخ الشهيد إبراهيم إلينا فى اليوم التالى للإطمئنان على الأمور وأحضر معه بعض حبات المانجو اللذيذة الطعم, وأكمل التعارف بيننا وانصرف.
علمت من الأخ المهندس(ح.ع) حلمي عبدالمجيد أنه يعمل منذ وقت طويل فى النظام الخاص, فقد جهز فى أيام الحكم المرحوم محمود النقراشى باشا محطة لاسلكى ككانت تذيع بيانات الإخوان المسلمين على الشعب ضدالإنجليز المحتلين, وقد داهمه البوليس السياسى فى الدار التى أقيمت فيها الأجهزة, إلا أنه استطاع الفرار فى الظلام مستعينا بالأشجار, التى كانت تحيط بالمنزل تاركا وراءه كل المعدات.
امضى الأخ(ح.ع) معى عدة أيام وكان يعاوننى فى طهو الطعام, وكنا نخرج بعد العشاء للتريض فى شوارع شبرا المظلمة النائية القريبة من الحقول كما كان يفعل الأخ (أ.ع).
ولكنه لم يكن يقضى النهار كله معى, فكان يخرج لرؤية أهله ثم يعود إلىّ حاملا معه بطيخة, وما أحتاج إليه من طعام لليوم التالى وفى أغلب الأحيان لا يبيت معى فى الشقة, كان ذا ذكاء وهدوء إلا أن أعصابه كانت مضطربة, ففى إحدى جلساتنا انتفض واقفا عندما كنا نتحدث عن نشاط الحكومة فى البحث عنى.
وفى اليوم الذى كان مفروضا أن يعود فيه الأخ (أ.ع) استأذننى (ح.ع) فى الصباح الباكر وخرج, وانقطعت عنى أخباره, حتى شاهدته بعد عام تقريبا فى أحد شوارع مدينة الموصل بالعراق, وكنت وقتئذ أجلس وأشرب زجاجة غازية مع السيد نورالدين الأطرقجي, وهو من أقرباء فضيلة الشيخ محمد محمود الصواف الداعية الإسلامى العراقى الكبير.
طرائف مفاجئة:
لقد كان من الضرورى أن أذهب إلى صالون لحلاقة شعرى وعادة, ما كنت أذهب بجلباب حتى لا يظهر سلاحى الذى كنت أحمله, وقد كان من المتفق أن يجلس الأخ(أ.ع) على باب الصالون, بعد أن يكون قد اكتشف الصالون وسلم على الأسطى الحلاق حيث كان له به صلة, وقد كان مستعدا أيضا استعدادا لللطوارىء بينما يقوم الأسطى الحلاق بحلاقة شعرى.
توقفت سيارة شرطة أمام الصالون تماما, ونزل منها أحد الضباط وبعض عساكر الشرطة, كل هذا لا أعلم عنه شيئا, ولكننى بعد أن انتهيت من الحلاقة خرجت, وقد كنا نتظاهر أمام صاحب الصالون بأنه لا توجد صلة بينى وبين الأخ (أ.ع).
فإذا خرجت سار خلفى حتى نتوارى فى الشوارع الجانبية, ثم نسلك الطريق سويا إلى منزلنا.
وفى الطريق أخبرنى الأخ(أ.ع) بمسألة سيارة الشرطة والضباط والعساكر, وأنه أوشك يتصرف واستعد لاستخدام سلاحه, إلا أنه تريث حتى يدخل الضباط الصالون وبعدها يتصرف, لكنه فوجىء بالضباط يدخل حارة جانبية ثم أخذت السيارة تستدير, ووقفت فى الجهة المقابلة للصالون, عاد ضابط الشرطة بعد فترة وركب السيارة وانصرف.
لكن الله سلم:
يخبرنى الأخ(أ.ع) أنه كان على وشك أن يطلق النار على كل هؤلاء حيث ظنهم قد حضروا للقبض علىّ, لكن الله ربط على قلبه وألهمه التريث حتى استبانت الأمور.
وبعد يومين ذهب الأخ (أ.ع) إلى الصالون وأخذ يتناول الحديث مع الأسطى فعرف أن هذا الضباط يسكن فى شقة فوق الصالون, وأن باب العمارة فى الحارة الجانبية وأنه عادة ما يحضر إلى منزله لبعض الوقت ثم ينصرف, وقد استدعى هذا أن نحتاط للأمور مستقبلا عند خروجنا للحلاقة وغيرها.
الفصل السادس عشر : التدريبات العملية
مضى حوالى ثلاثة أسابيع منذ اجتماع قادة النظام,كنت فيها نهبا للغيظ والإنفعال لمرور هذا الوقت الضائع, علاوة على شهر ونصف من قبل, فيكون المجموع شهرين وأسبوعا دون أن نبدأ فى تجهيز شىء عملى, بل على العكس كانت كل الظواهر تدل على مظاهر ضعف كثيرة ومتنوعة تتلخص فى الآتى:
1- الفصائل غير كاملة التسليح والتدريب, وأنه بالكاد يمكن تسليح فصيلة واحدة على الوجه الأكمل, علاوة على بعض الأفراد فى الفصائل.
2- لو تتوقف قيادة النظام عن طبع وتوزيع المنشورات رغم معارضتى الشديدة مما يدل على قصر نظر, عدم تنسيق بين تفكيرى وتفكيرهم
3- يتركز وجود الفصائل فى القاهرة, ويكاد الوجه القبلى يخلو منها تماما أما الإسكندرية والقنال والوجه البحرى فضعاف فيسهل القضاء عليها بعملية اعتقالات عشوائية واسعة النطاق.
4- إن العسكريين من رجال الجيش لم يلتقوا بى حتى الآن, ولم تبدأ أية ظاهرة تدل على أنهم أعادوا تنظيم صفوفهم بعد الضربة التى وجهتها لهم الحكومة, ونجم عنها محاكمتى, وإحالة عدد من الضباط إلى التقاعد ورفت بعض الصولات.
السفر إلى الدقهلية :
وفى صباح أحد الأيام حضر عندى الأخ(م.م.ع) وطلب منى الإستعداد للسفر بعد الغروب لنبدأ التدريب.
حددت معه مكان اللقاء فى نفس اليوم عند محطة بترول بالقرب من مدخل شبرا, وفى الوقت المحدد التقينا وركبنا سيارة أعدت لسفرنا يسوقها شخص ترافقه زوجته وابنته الرضيعة.
جلست وبجوارى (م.م.ع) فى الخلف وأخذت السيارة طريقها تجاه بلدة الأخ(م.م.ع) بالدقهلية وكانت الرحلة ميسرة حتى وصلنا بالسلامة الله إلأى دار الأخ(م.م.ع) حيث قضينا فيها أول ليلة.
وفى الصباح اختفت السيارة بسائقها وزوجته وابنته, أما أنا فقد التقيت فى الدار بأربعة من الإخوان هم الأخ (ع.غ) , والأخ(هـ.د), والأخ(ص.ع), وفى اليوم التالى وصل الأخ(م) من الإسماعيلية والأخ (ب) والأخ(...) من بور سعيد والأخ(ن) من العريش يضاف ‘ليهم الأخ(م.م.ع) وقد حضر هؤلاء ليحصلوا على فرقة فى حرب العصابات, استمرت هذه الفرقة أربعة أيام بعد أن كان مقررا لها سبعة أيام, وقد اضطررت تحت ضغط الإخوان أن أعمل ليل نهار لتكملتها فى هذه الفترة القصيرة وقد عاوننى على ذلك إقبال الإخوان وارتفاع معنوياتهم.
كان الغرض من الفرقة إعداد قائد جماعة يستطيع أن يقوم بحرب عصابات وقد استطعت خلال المحاضرات ومشروعات تختة الرمل والتدريب العملى, أن أخذ فكرة عن درجة كفاءة هؤلاء الإخوة, وقد وجدت أن مستواهم جميعا فوق المتوسط, عدا اثنين فهما ممتازان, وواحد ضعيف تماما.
كانت الدار فسيحة, وأعطى لى جناح مكون من قاعة كبيرة للطعام وثلاث غرف وحوش كبير لتخرين الحبوب, وقد استخدمت إحدى الغرف لنومى. والثانية لنوم الطلبة, والثالثة لإلقاء المحاضرات وتدريس مشروعات تختة الرمل وتقع الدار على طريق زراعى فرعى بمحاذاة ترعة صغيرة كانت سببا فى انتشار البعوض الذى أقض مضاجعنا وملأ وجوهنا وأيدينا من لدغاته, زد على هذا الفئران التى كانت تكر وتفر ليلا فوق أرضية الغرفة الخشبية, وأحيانا كانت تمر فوق أرجلنا, وقد آثرنى الطلبة والأخ(م.م.ع) صاحب الدار بأن أعطونى الغرفة التى بها ناموسية, ومع هذا لم أسلم من اللدغات المؤرقة.
وفى دار الأخ(م.م.ع) التقيت بشقيقه(م) ووالده الذين لمست فيهما خلقا إسلاميا وحياة ريفية خشنة, وكرما عربيا.
وفى خلال حديثى مع شقيق الأخ(م.م.ع) طلبت منه أن يشترى لى(صديرى) كالذى يرتديه الشيوخ والفلاحون حول الصدر, ويمتاز بأربعة جيوب أو اثنين كبيرين, فما كان منه إلا أن أهدانى واحدا جديدا استخدمته فى حفظ الأوراق.
كنا نستيقظ فى الفجر للصلاة ثم نبدأ دورسا فى المصارعة اليابانية فمحاضرات أو مشروع تختة الرمل , ثم نستريح مدة ساعتين نتناول خلالهما الطعام الإفطار ثم غسيل الأطباق ونقوم بإعداد وتنظيم غرف النوم, ثم نبدأ تدريبات تكتيكية عملية داخل الغرف والحديقة والفناء حتى الساحة الواحدة بعد الظهر, ثم نستريح استعدادا لتناول طعام الغداء, وبعد الغداء فترة راحة ونظافة غرف الدار من الأتربة وإعداد كافة الاستعدادات للطوابير الليلية, التى كانت تبدأ من بعد غروب الشمس وتستمر حتى منتصف الليل, ولم نتوقف ليلة واحدة عن الطوابير الليلية نظرا لأهميتها.
وكان الطلبة أثناء فترات الإستراحة يوزنون المحاضرات ويلخصون كل ما دار من أسئلة وأجوبة حول مشروعات تختة الرمل والطوابير الليلية.
وفى إحدى الاستراحات اقترب منى الأخ (ع.غ) قائلا: أخشى إذا لم يدرس هذا المنهج لجميع الإخوان فى النظام قبل دخول المعركة أن تحدث كارثة!! ولم يجد منى جوابا لأنى كنت أسأل نفسى عشرات الأسئلة حول نفس الموضوع!!
وسألت الأخ (س.ت) من إخوان العريش عن سبب حضوره للفرقة متأخرا يوما كاملا فأجابنى: إن الأوامر صدرت إليه فجأة بالسفر إلى القاهرة وتقديم نفسه لمكتب (ع.غ), فنفذ الأمر ولما وصل هناك أمروه بالحضور لبلدة الأخ(م.م.ع) فنفذ الأمر دون أن يعرف أسباب مجيئه.
والذى أريد أن أنوه عنه فى هذا المجال أن أخانا (س.ت) وإخوان العريش ورفح وغزة وخان يونس ودير البلح, قد أعطيت لهم تدريبا على الأسلحة الصغيرة ومعارة ميدان ألغام, إما بنفسى أو بواسطة معلمين من الكتيبة الفلسطينية التى توليت قيادتها زهاء عامين, لذلك لم تكن الدورس التى درست فى بلدة الخ (م.م.ع) بجديدة عليهم.
كما لاحظت أن بعض الطلبة كان يرتدى الجلبات أثناء التدريبات, ولم توجد أسلحة بل استعيض عنها بشومة لكل طالب, وقد تسبب ذلك فى أن ألغيت دروس الأسلحة الصغيرة, وخلع أصحاب الجلابيب جلابيبهم, وظلوا يتدربون بالملابس الداخلية.
نتائج الفرقة:
أ- كانت الأغلبية العظمى من طلبة هذه الفرقة من ضباط, وممن قاتلوا فى فلسطين والقنال أو أحضروا معسكرات تدريب إخوانية, فكان حضورهم بمثابة تجديد لمعلوماتهم.
ب- بدأت وانتهيت الفرقة دون أن تشعر بها السلطة الحكومية.
ت- لم تستخدم أسلحة أو متفجرات, ولم يحضر بعض الطلبة ملابس التدريب.
ث- تعتبر هذه الفرقة فى مستوى قادة الجماعات.
العودة إلى القاهرة:
بدأ الطلبة بعد انتهاء الفرقة يعودون إلى بلادهم وعدت أنا والأخ (أ.ع) فى سيارة خصوصية إلى القاهرة متخذين من الليل ستارا وكنت دائم التفكير فى خطط المستقبل سوء من جانبى أو من جانب الحكومة العسكرية, وهل يستطيع إخوانى الذين حضروا هذه الفرقة القصيرة الموجزة تفيهم ما درسوه لإخوانهم بإهتمام وسرعة كما أود؟ أم أن ظروف الأمن ووظائفهم ستعطلهم وبذلك تنتقل ميزة المبادأة والمفاجأة للطرف الآخر( الحكومة العسكرية)؟
ولم يقطع حبل تفكيرى سوى السيارة أمام مزلقان السكة الحديد استعدادا لمرور أحد القطارات.
وصلنا مدخل شبرا وهناك افترقت عن الأخ(م.م.ع) متجها نحو المخبأ الذى أقيم فيه ولم يكن الأخ (أ.ع) موجودا فيه وبعد حوالى نصف ساعة من وصولى حضر.
وبعد يومين زارنى الشهيد إبراهيم الطيب, وبدأ يسألنى عن حال المعسكر ومدى نجاحه وأوجه النقص التى لاحظتها, فأوجزتها له فى تقرير – بناء على طلبه – ضمنته كشفا بدرجات الطلاب أيضا جاء فيه ما يأتى:
1- الشئون الإدارية والسرية والأمن ممتازون.
2- ألغيت دروس الأسلحة الصغيرة لعدو وجودها.
3- يجب إجراء فرقة قادة الفصائل.
4- بعض الطلبة ضعيفو الضبط والربط.
أما الأخ هنداوي دوير فلم أذكر اسمه فى التقرير فى كشف كفاءة الطلبة, ولما سألنى الشهيد إبراهيم الطيب عن سبب ذلك أجبته بأننى أرى ألا يتولى أى قيادة عسكرية.
5- أن مدة التدريب كانت قصيرة ويجب ألا تقل عن سبعة أيام.
معسكر كرداسة:
ابلغني الشهيد إبراهيم الطيب أن الطلبة الذين حضروا معسكر الشرقية قد استفادوا كثيرا وسروا من الدروس التى تلقوها, وارتفعت روحهم المعنوية خاصة بعد أن اطلعوا على الكشف الذى به نتائج كفاءتهم, واجتمعوا على هذه الفرقة كانت ضرورية وبالتالى سرت قيادة النظام لهذه النتائج وقرت الاستمرار فى عقد فرق أخرى يحضرها جميع قادة الفصائل, وحتى هذه اللحظة كنت أظن أن قادة النظام هم الشهيد يوسف عز الدين طلعت والأخ(أ.أ.أ) والشهيد إبراهيم الطيب والأخ(م.م) والأخ( ص.س), وكنت أعتقد أننى لا أتعدى كونى أعمل كمستشار فنى أعطى رأيى إذا طلب منى ذلك, وقد لا يؤخذ به حتى ولو كان صحيحا.
وقال لى الشهيد إبراهيم الطيب إنه والأخ (م.م.ع) فى سبيل إعداد معسكر ثان فى كرداسة محافظة الجيزة فى ضيعة أحد الإخوان, وسيحضر الأخ (م.م.ع) بعد يومين على الأكثر لاصطحابى إلى المعسكر وستكون مدة لإقامته سبعة أيام وسيحضره قادة الفصائل والجماعات لفصيلتى العباسية والجيزة ويكون عدد الطلبة فى كل مرة اثنى عشر من الفصيلتين ومن كل فصيلة قائدها وقائد ثان وقادة أربع جماعات.
بدء المعسكر:
وبعد غروب شمس أحد الأيام جاءنى الأخ(م.م.ع) واصطحبنى أنا والأخ( أ.ع) ومن أحد الأزقة المظلمة القريبة من دارنا ركبنا سيارة جيب شطر الجيزة, ومنها إلى الطريق الصحراوى, ثم انعطفت بنا السيارة جهة اليمين فى قلب الصحراء لمسافة ثلاثة كيلو مترات.
ثم وقفت السيارة وترجلنا نحو شيعة يخيم عليها السكون والظلام, وكان يحيط بالضيعة سور عال من الأشجار الكثيفة يحجب كل تحرك داخلها.
تعليمات:
دلفنا إلى داخل الضيعة فرأيت حوالى خمسة خيام مقامة بنظام رتيب, وبعد أن تعرفت على المسئولين عن المعسكر, قادونى إلى الخيمة التى خصصت لى فسألت عن عدد الطلبة والمدة التى سيقضونها فى التدريب, ونظام الحراسة أذى سيتبعونه لإنذارنا إذا ما حدثت ( كبسة) قد يقوم بها البوليس, ووسائل إخفاء معدات المعسكر وطرق الهروب من المنطقة, والأقوال التى يقولها أى فرد يقع فى أيدى البوليس.
وقد وجدت أن جميع مستلزمات التدريب والشئون الإدارية جاهزة بشكل آثار إعجابى, وكذلك ما يختص بالحراسة وإخفاء المهام, وقد أشرت على قائدى المعسكر بإتباع التعليمات الآتية بكل دقة:
1- يعين يوميا(ضابط نوبة) لمراقبة الحراس فى نقاط حراستهم المختارة, وبدء وجبات الطعام والدروس والاستراحة, وتقديم تقرير مساء كل يوم عن الضبط والربط فى جميع أنحاء المعسكر.
2- أن تتم المحادثات همسا أو بالإشارات ولا يسمح لصوت واحد يرتفع بأى حال من الأحوال, سوى اثناء إلقاء المحاضرات, للجندى الحارس عند أداء واجبه فى المعارضة أو إنذار المعسكرين.
3- تمنع منعا باتا الإنارة ليلا ولا يسمح لى كائن لا يعرف كلمة ( سر اليل) من الإقتراب من المعسكر ليلا بل يستجوب خارج المعسكر, ويتم الإنذار حسب شخصية الشخص الغريب.
4- تباد جميع الأوراق السرية والمذكرات الشخصية التى بنبىء عن شخصية صاحبها فورا, ويحتفظ فقط بملخصات عن التدريب وتحرق هذه الملخصات عند الإنذار بخطر.
5- إذا حدثت (كبسة) فيجب على الحراس الاستماتة فى مقاومتها, وعلى باقى الطلبة إخفاء الخيام والمهمات بهدوء تام فى اقل من عشر دقائق, فإذا شعروا بان القوة المهاجمة كبيرة وسدت جميع المنافذ فعليهم قبول المعركة والانسحاب فردين بأمر منى.
بلغت الساعة الحادية عشرة مساء عندما انتهيت من إصدارى لهذه التعليمات وشرحها جيدا لجميع الأفراد, وأخذت ومعى الطلبة نطوف بأنحاء المعسكر, واخترت مواقع دفاعية دائرية حول المعسكر وأجريت امامهم بيانا عمليا عن الطريقة الصحيحة للمعرضة ليلا, والحكمة فى ازدواج الحراس ليلا, وواجب كل منهما نحو الآخر, ونحو العدو المتقدم والخصائص التى يجب أن تتوافر لدى الحارس الجيد, كيف يتصنت؟ واين يقف؟ وماذا يلبس؟ وكيف يبلغ الإنذار؟
وأبلغتهم مواعيد العمل وحددت لهم مكان شرح المحاضرات التكتيكية على تختى الرمل والمحاضرات الأخرى, وتركت اختيار مكان التدريب والمهارة فى الميدان لصباح اليوم التالى, ثم استاذنت للنوم بعد أن بلغت الساعة الواحدة والنصف صباحا.
يوم جديد:
استيقظت فى الخامسة صباحا لصلاة الفجر وقد أمنا للصلاة المرحوم الشيخ أحمد نار الذى استمر معنا ثلاثة أيام وزودنا يوميا بدرس دينى كان له أثر كبير فى شحذ عزائمنا, وكثيرا ما كان يشترك معنا فى حل المسائل التكتيكية على تختة الرمل, وكثيرا ما حلفه التوفيق فى إجاباته.
كانت الصحراء والتلال القريبة من المعسكر صالحة جدا للتدريب على المهارة فى الميدان, وقد سارت أيام التدريب الخمسة الأولى على أحسن وجه, نظرا لتواف كل ما يتطلبه التدريب من مهارات وعتاد وأدوات.
كنا نقيم المحاضرات والتدريبات العملية البسيطة داخل الضيعة حتى إذا أقبل المساء خرجنا للتدريب العملى على مهارة فى الميدان فى الأرض الصحراوية المحيطة وأحسست بانطلاق وراحة لن كل شىء سار على ما يرام إلا أننى لاحظت ظاهرتين بين الطلبة هذه المرة.
الأولى : ضعف الضبط والربط بين بعض الطلبة وقد بدأ فى الرغبة فى الضحك, والضعف البدنى, مما حدا باثنين إلى الإستئذان والعودة لمنزلهما ورغبة آخرين فى الزوغان من الطوابير والعمل فى المطبخ, ولقد سمحت لهما بالانصراف فانصرفا ولم يقضيا فى اتدريب سوى أربعة أيام .
فض معسكر كرداسة:
فى مساء اليوم السادس حوالى الساعة الحادية عشرة مساء كنا عائدين من الطابور الليلى وعند وصولنا إلى السور الشجرى المحيط بالمعسكر, لاحظ قائد فصيلة العباسية الأخ(س) أن لمبة الغاز الموضوعة فى مكان مخصص من أحد أركان المعسكر- وهى الوحيدة المسموح بإضاءتها فوق تختة الرمل – مطفأة, وأن الجندى الحارس لم يعارضنا عند دخول المعسكر, فوقفت توا وأرسلته ومعه آخر ليستطلعا الأمر, وبعد دقيقتين عاد وأبلغاني أن شابين قصيرين يرتدى كل منهما بنطلونا طويلا وقميصا أبيض لا يتعدى سن كل منهما الخمسة والعشرين عاما, هذان الشابان اقتربا من نقطة مراقبتنا التى تطل على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى, وسألا فردى المراقبة عن أسباب وجودهما فى هذه النقطة...
فأجاب عليهما بأنهما من سكان الضيعة ويقضيان فترة نزهة وسيعودان بعد ذلك.
فقال الشابان: ولماذا اخترتما هذه النقطة بالذات؟
ثم انصرف الشابان فى اتجاه الطريق.
استنتجت من هذا الحادث أن هذين الشابين هما من أفراد المباحث العامة وبخاصة أن هذه المنطقة لا يحضر إليها من هم فى مثل سنهما بمثل هذه الملابس. زد على هذا أن السؤال الذى ألقياه يخفى وراءه كثيرات من الاستفسارات فقررت بسرعة فض المعسكر والانسحاب قبل حضور قوات حكومية للقبض علينا.
ترتيبات الانصراف:
جمعت جميع إخوانى الطلبة وشرحت لهم الحادث وطلبت منهم إخفاء جميع أوراق المعسكر من أسلحة وخيام وأدوات طبخ وإزالة تختة الرمل والتجميع خلال ربع ساعة استعدادا للإنسحاب.
وقد تم كل ذلك فى الوقت المحدد, وأرسلت ضابط النوبة ليتأكد من تنفيذ أوامري , وأرسلت فى أعقابه ضابط إحدى الفصائل, وعاد كلاهما يؤكد لى تنفيذ المطلوب. وأثناء ذلك استدعيت أخوين ممن يسكنان هذه المنطقة, طلبت من كل منهما العمل كدليل لإحدى الفصائل, إلى أن تصل كل فصيلة إلى طريق الهرم ومن هناك يعود كل إلى داره بالوسيلة التى يفضلها, وأكدت على الجميع التزام الصمت التام أثناء السير ووجوب السير متفرقين وعلى فواصل طويلة على كلا جانبى الطريق, وفعلا نفذت خطة الإنسحاب, إلا أن بعض الإخوان استقلوا سيارة أجرة من الطريق الزراعى والبعض الآخر استخدم قدميه, وكان من نصيبى أثناء العودة أن أرافق أحد إخوان العباسية وهو طالب من الأزهر الشريف.
وصلنا سويا طريق الهرم بعد مسيرة خمسة عشر كيلوا مترا, وقد نال منا التعب نيلا كبير, وسرنا فى طريق الهرم حوالى ثلاثة كيلو مترات أخرى إمعانا فى التضليل, وفى أول حافلة كهربائية ركبنا, وشاء الله سبحانه وتعالى أننى بمجرد أن وضعت قدمى على درج الحافلة احترقت اللمبة مما ساعد على إخفاء وجهى عن الناس.
الزوجة والبنات:
كان مفروضا أن أعود فى الحال إلى مخبىء فى شبرا, ولكننى خشيت أن تهاجم الحكومة المعسكر ويزداد التحقيق ويلقوا القبض على الأخ (م.م.ع) وعن طريقه يصلون إلى شىء آخر, ودفعنى لئلا أنام فى هذا المخبأ إحساسى بشوق كبير عميق لرؤية زوجتى وبنتىّ عزة وعبلة, وقلت لنفسى: إنه لا يخطر على بال بشر من رجال الشرطة أننى أذهب بعد انفضاض المعسكر إلى منزلى لذلك قررت قضاء أكثر من ليلة فى بيتى حتى ينجلى الموقف.
وصلت الحافلة الكهربائية إلى ميدان الجيزة فنزلنا وسرنا سويا أنا ومرافقى نتجاذب أطراف الحديث وأحسست بالجوع فاشتريت ( أقة) خوخ بعشرين قرشا واقتسمته مع الأخ مرافقى ثم ركبنا سيارة أجرة حتى ميدان السيدة زينب وغادرناها سويا وبعد بضعة أمتار افترقنا.
وجدت قدمى ومشاعرى كلها متجهة نحو بيتى ولما كنت أسكن بالطابق السادس فى إحدى العمارات الكبيرة فى أول شارع قدرى باشا, وهو من الشوارع الرئيسية بميدان السيدة زينب ظلت عيناى ترمقان من بعيد نوافذ الشقة وخصوصا العلامة البيضاء التى كنت متفقا مع زوجتى على وضعها فى الشرفة, ولحسن حظى كانت فوطة بيضاء, ترمز إلى أن الرقابة المحيطة بالدار متوسطة, وبرغم ذلك لم أتردد فى الاقتراب من المدخل العمومى للعمارة.
كنت مرتديا جلبابا, عارى الرأس لابسا حذاء مطاط, وتحت الجلباب ملابس إفرنجية كاملة استعدادا للتغيير وقتما أشاء, وقفت على باب العمارة متكئا بكتفى على الجدار حتى يظننى أى مراقب تابع لتحرى أننى من سكان العمارة أو بواب أو عامل, وظلت هكذا قرابة دقيقتين استطعت خلالها رؤية كل شخص قريب من الباب أو يراقب الشقة من العمارات الأخرى المواجهة لعمارة التى أقيم بعا.
وقد لاحظت جلوس أحد المراقبين على مقعد فوق الرصيف المقابل للعمارة مباشرة كما شاهدت شابا جالسا فوق مقعد فى شرفة العمارة التى تواجه شرفة شقتى مباشرة, ولاشك فى أنهما رأيانى جيدا لكنهما لم يتحققا من شخصيتى نظرا للحالة التى كنت عليها ولثباتى أثناء الوقوف.
وبعد أن أطمأنت صعدت السلم بسرعة, وأحمد الله الذى عافنى فلم ألتق بإنسان أثناء صعودى, وصلت إلى شقتى ونقرت على زجاج الشقة وفى لحظات كنت فى الداخل وجها لوجه مع زوجتى.
كان أول شىء فعلته هو دخولى مباشرة غرفة الاستقبال حيث حصرت إلىّ عزة وعبلة وغمرتهما بالقبلات ثم غيرت ملابسى واغتسلت لإزالة الأتربة والرمال من اثر الطوابير, وقضيت ثلاثة ايام لم يشعر بوجودى احد وإمعانا فى التضليل كانت زوجتى تخرج كل يوم وتغلق باب الشقة من الخارج بالقفل, ولاحظت أن زوجتى منذ أن هربت أسدلت الستائر على جميع النوافذ, وبذلك أصبح من المستحيل لأى مراقب رؤية ما يدور داخل الشقة, كما أنها كانت تضم الستائر لأحد الجوانب فترة طويلة صباحا للتهوية ودخول الشمس, فاعتاد المراقبون على ذلك,ومن خلف هذه الستائر كنت أراقب الطريق العام ورجال التحرى المنبثين فى الشارع.
أبلغتنى زوجتى أنه من حين لآخر كان يحضر لزيارتها فرد من أفراد التحرى. وكانت تحسن استقباله, ونحدث أن شرحت لأحدهما مدى العلاقة الطيبة التى كانت بينى وبين جمال عبد الناصر, فتأثر رجل التحرى كثيرا, أو هكذا بدا عليه, ولكى تخفف عبء التحرى عن بيوت أشقائى وشقيقاتى ووالدتى أذاعت بين رجال التحرى والجيران أنها وأنا على غير وفاق معهم, وقد كانت هذه حيلة بارعة منها, إذ استطعت فيما بعد أن أتصل بأخى الأكبر للحصول منه على كثير من المساعدات بالرغم من أن زوجتى وبنتى عزة وعبلة طمأنونى على أن إقامتى هذه المدة القصيرة ستكون هادئة, فقد كنت منزعجا بعض الشىء فكنت دائم التفكير فى أسرع طريقة للاختفاء, ويدى على طبنجتى المحشوة بالرصاص, أما من جهتى فكنت أفكر فى هاتين الفتاتين وأرثى لحالهما أن يريا والدهما وهما لا تزالان فى معية الصبا فى هذه الحال, لقد كان واجب أمهما – جزاها الله خيرا – أن تشرح لهما سبب المطاردة, إنهما كانتا ترين والدهما حتى شهرين سابقين يرتدى ملابس العسكرية ويأمر مئات الجنود فى الجيش ويتحرك بعربته فى أى وقت, وفى أى مكان, يحاط باحترام ومحبة العسكريين والمدنيين, شاهدتا جمال عبد الناصر وأنور السادات وخالد محيي الدين وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم, وعبد الحكيم عامر وعشرات من كبار وصغار الضباط يزوروننى فى بيتى, فماذا حدث لوالدهما حتى يختفى وبيده أسلحة فتاكة عند سماع جرس الشقة؟!!
حقا لقد كانت مسئولية كبيرة وواجبا على أمهما أن تبين لهما اسباب هذه الاحتياطات الشاذة حتى اقتربت منى ابنتى عزة وسألتنى:
لماذا أنت يا بابا تلبس جلبابا وتسير فى الشارع؟
وأين قضيت كل هذه المدة الطويلة؟
أجبت على أسئلتها قائلا:أسألى والدتك فهى تعرف السبب بدقة .
فقالت عزة : نعم لقد قالت والدتى إنك لم تستجب لطلب عمى جمال بالإنضمام إلى الضباط الأحرار, وبقيت مع الإخوان المسلمين لأنكم تريدون الحكم بالقرآن إننى افتخر بك دائما بين زملائى فى المدرسة وأقول لهن: إن والدى هو الذى حاصر قصر راس التين وأجبر الملك فاروق على رفع راية بيضاء علامة الإستسلام.
ثم استطردت قائلة:لقد أخبرتنى والدتى أن عمى جمال أبو هدى هو الذى أحالك على المعاش بدون سبب
ثم سكتت هنيهة وقالت: لكن لماذا يا بابا ترتدى الآن الجلباب وتخرج به إلى الشارع؟!!
فرددت عليها:سأشرح لوالدتك السبب وهى ستقوم بشرح كل شىء لك ولأختك عبلة عندئذ أقبلت عبلة علىّ وقالت: إن أمى كل يوم تصلى وتدعو ربنا أن يسلمك من كل سوء ويحفظك.
فقلت لها:إن هذه شهادة فى حق أمك سأحتفظ لها بها فى قلبى.
سألت زوجتى عما إذا كانت أرسلت الملابس ومهمات النوم ( من بطاطين وملاءات فرش وخلافه) إلى منزل الحاج إبراهيم أبو دومة.
فأجابت: لا.. لم أرسل شيئا.
فطلبت منها أن ترسلها فى أقرب وقت.
أثناء الأيام الثلاثة التى قضيتها فى شقتى بين زوجتى وابنتى, زار زوجتى ابن خالى الشيخ عبد الفتاح أبو الفضل, ومكث حوالى ربع ساعة ثم انصرف دون أن يحس بوجودى, ثم زارتها شقيقتى أمينة ولم ترنى هى الأخرى, وأبلغتنى زوجتى أن الإخوان أرسلوا إليها بعد هروبى من المحاكمة مباشرة مبلغ خمسين جنيها ولكنها رفضته شاكرة لهدم الحاجة إليه,كما أبلغتنى أن جميع أصدقائي من شباب فلسطين وكثيرا من أصدقائى زاروها بصحبة زوجاتهم أو شقيقاتهم ومنهم من اتصل بها تليفونيا لتشجيعها , وقد سببت هذه الزيارات للزائرين بعض المتاعب من قبل مباحث أمن الدولة.
العودة إلى مخبىء:
عزمت على مبارحة دارى وبعد الغروب ودعت زوجتى وابنتىّ وانتهزت فرصة السكون المخيم على درج النيابة وفتحت باب الشقة بخفة وحذر ونزلت بسرعة مرتديا جلبابا وتوجهت إلى مخبأ شبرا حيث التقيت بالأخ (أ.ع) الذى ابتدرنى قائلا:
الحمد لله على سلامتك !! لقد ظننا أنه قد ألقى القبض عليك!! أين كنت طيلة هذه المدة؟
لقد هاجمت قوات الشرطة معسكر كرداسة فجر اليوم التالى بقوات هائلة, ولكنهم لم يعثروا على شىء إلا أنهم القوا القبض على صاحب الضيعة وغالبا عذبوه ليعترف لهم بما يعرفه عن ظروف المعسكر , وقد فتشوا المنطقة بيتا بيتا لكنهم لم يعثروا على شىء حتى هذه اللحظة, ولا زالت هناك قوات كبيرة تسد المنافذ والطرقات, وتوقف الداخلين والخارجين, وتتحرى عنهم بمعرفة مشايخ القرية لعل واحدا من الذين كانوا بالمعسكر يقع فى أيديهم.
حضر إلىّ الأخ الشهيد إبراهيم الطيب حاملا معه بعض ثمار المانجو وأبلغنى أن حادث معسكر كرداسة قد انتشر فى جميع أنحاء القاهرة, وأن الرقابة قد اشتدت على جميع الإخوان كبارا وصغارا, وأنه وجميع الضباط الإخوان ومنهم الضابطان أركان حرب معروف الحضرى وحسين حمودة, قد قرروا الاختفاء عن أعين التحرى وقد استأجرا الإخوان حسين حمودة وجمال ربيع دارا فى الجيزة منتحلين صفة طالبين يدرسان بالجامعة.
ترقب وانتظار:
كنت قد ذكرت للإخوان عند هروبى من السجن والمحاكمة أن قادة الانقلاب لن يتركوا الإخوان, ولابد سيعملون أى شىء للاحتكاك, واعتقالهم, وبعد انكشاف معسكر كرداسة كان لابد من الترقب وانتظار ما تأتى به الأحداث ونظرا لشدة المراقبة التى ذكرها الشهيد إبراهيم الطيب, فقد قلل حضوره إلى مكان الإختفاء كما عرفنى بأن الأخ(م.م.ع) سوف يكون مندوب الاتصال عندما يريد شيئا.
ومضت بنا الأخوال والأيام لم تتغير الحياة عما اعتدناه وفى أحد أيام سبتمبر أبلغنى الأخ(أ.ع) أن غدا سيكون يوما حرا لكل منا يقضيه كما يريد.
وفى الصباح نشطت مبكرا فى جولة استطلاعية وتفقدية لمعالم القاهرة, وخرج هو كذلك, وعندما عاد آخر النهار كانت تنتظره مفاجأة, فقد أخبره بواب المنزل بأن بعض الأشخاص قد طرقوا باب الشقة وحاموا حول المنزل, ووقفوا أمامه طويلا يتكلمون ولما سألهم ماذا تريدون ؟ سألوا عن الشقة وعن سكانها ووقفوا عند بقال مواجه للعمارة وأخذوا يتشاورون.
ترقب البواب عودة الأخ(أ.ع) وأخبره بما حدث وأنهم كانوا يتكلمون عن شخص يركب دراجة بخارية يتركها بعيدا ويدخل المنزل.
خرج الأخ(أ.ع) لتوه للإبلاغ عن هذه الأمور, وطلب من الشهيدينيوسف طلعت وإبراهيم الطيب عدم الحضور, وأبلغهما بعدم حضور الأخ (م.م.ع) أيضا, وعاد مسرعا خشية أن أعود, وكانت هناك علامة متفق عليها ترفع عند الخطر فرفعها الأخ( أ.ع) قبل مغادرته للمنزل, لكنه عاد ليحدنى بالشقة وقد كنت متحفزا لأى طارئ فما إن وضع المفتاح بالباب حتى وقفت مستعدا لإطلاق الرصاص , ولما دخل عاتبنى: لماذا دخلت؟
وأخبرنى سريعا بما حدث وطلب منى سرعة ارتداء جلباب فوق ملابسى الإفرنجية, وبعد لحظات طلب منى الخروج من المنزل على أن يسير خلفى حتى يأمن عدم المراقبة ثم يلحق بى.
أدركنى الأخ (أ.ع) وطلب منى ونحن نسير صوب شارع شبرا أن أذهب إلى الشقة الاحتياطية, وأترقب فيها حضور الشهيد إبراهيم الطيب وذلك بعد الاتصال به تليفونيا وذكر عبارات معينة كان قد اتفق عليها معه كما طلب منى عدم العودة إلى المخبأ مؤقتا.
ثم حضر الشهيد إبراهيم وعلاقتى بأن الأخ (م.م.ع) قد اعتقل وحدثت اعتقالات أخرى لبعض الإخوان بالقاهرة, ونقل كثير منهم إلى أماكن نائية,واتفق معى على كيف نلتقى حين تتأزم الأمور.
أخذت الصحف بعد ذلك تهاجم الإخوان بعنف, وخصوصا جريدة الجمهورية والمجلات التى تصدرها الحكومة والمناصرة لها, وكنت أثناء هذه الفترة أتنقل بين أماكن متباعدة وأفكر فيما يمكن أن يقع من أحداث, وكنت لا استقر فى مكان معين خوفا من الاستدلال على مكانى, فيما لو حدث اعتراف من التعذيب.
سمعت النبأ وكان مفاجأة غير متوقعة, وفى الصباح نشرت الصحف أنباء أدركت حين قرأتها أننى أمام أشياء لا يصدقها العقل’ وتواردت فى خواطرى علامات استفهام كثيرة حول هذا الحادث. ثم سلمت الشهيد هنداوى نفسه وأدلى بكثير من الاعترافات والخطط التى لم تكن فى الحسبان, وتحيرت مع هذه الاعترفات والخطط أيضا, وأخذت أناقش تفاصيلها وأتعجب, ثم بدأت الاعتقالات وأجهزة اتصال لدى أفراد الجماعة وغير ذلك من الأفانين التى كانت تطالعنا بها كل يوم.
كما نشطت الإذاعة فى تحذير الناس من أفراد الجماعة, وضرورة التبليغ عنهم, لتتمكن الحكومة من القبض عليهم, قبل أن يتمكنوا من الإضرار بمصالح الشعب.
حادث شبرا:
وفى صباح الاثنين (15 نوفمبر 1954) نشرت الصحف أن اعتداء وحشيا مسلحا قام به أفراد من الإخوان على البوليس فى شبرا, وبعد معركة حامية تمكن البوليس من مهاجمة وكر الإخوان واقتحامه والقضاء على من فيه, واعتقال أحد الإخوان وكان لا يزال حيا, وكان ذلك عقب الاعترافات التى أدلى بها الشهيد إبراهيم الطيب بعد اعتقاله.
وكذلك أعفى الرئيس محمد نجيب من منصبه حيث ذكر الشهيد إبراهيم االطيب أنه كان متفقا مع الإخوان من إبريل الماضى.
وبدأت الصحف تذكر أقوالا وتفاصيل عن الخطة الدموية التى أحكمت الصحف نشر تفاصليها بما لا يصدقه العقل.
كان ذلك كله يحدث فندور بخواطرى التساؤلات, إلا أننى لم أفاجأ بما كنت أحذره وأخشاه, وقد قامت الحكومة بتنفيذه فعلا ونشطت المحاكمات للقضاء على الجماعة وأفرادها كما سبق أن حذرت.
ولم يكن من الممكن إزاء هذه الحملة الضارية أن أتصل بأحد من الإخوان أو يتصل أحد بى, خصوصا وقد نشرت مجلة التحرير فى عددها رقم (84) الصادر (22 من نوفمبر 1954) صورتى واضحة على الغلاف وافترت الأكاذيب علىّ, فذكرت أننى اتصلت بسفارة أجنبية للتآمر معها وكتبت على الغلاف بالبنط العريض ( كل شىء عن الإرهابى الغامض), ونشرت بالداخل عدة صفحات كلها أكاذيب عنى وعن الإخوان.
حادث غريب يحيرنى:
وأذكر أنه فى مساء أحد الأيام التى كانت تتوالى فيها هذه الأحداث كنت على موعد مع الشهيد الطيب, وكنا نتقابل فى أحد الميادين أو الشوارع حيث كان هاربا, ومطلوبا للقبض عليه.
وبينما أنا جالس على أحد الأرصفة فى انتظار الأخ إبراهيم, رأيت من يقترب منى ويقول:( ياعبد المنعم اتلم بقى وروح لحالك وفكر فى وسيلة للنجاة).
فقلت: من المتكلم؟
فقال: ناصح أمين مؤمن وموحد بالله ثم تركنى وانصرف بعيدا ومضى مسرعا دون أن أعرفه أو اتبين من يكون؟
وكان هذا داعيا إلى أن أتحاشى الظهور بع ذلك أو التفكير فى مقابلة أحد من الإخوان, وأخذت أفكر فى أمري, ماذا أستطيع أن افعل فى تلك الظروف حتى أجد وسيلة للنجاة؟
تنقلات وعدم استقرار:
تنقلت فى أماكن كثيرة عند أقاربى وعند معارفى وأصدقائى وكان منهم من يعرفنى ومنهم من لا يعرفنى, وكانت الضرورة تقتضى أن أتنكر فى صور متعددة وبأى أسماء, حيث بدأت الصحف تنشر عن المطلوبين وأنا من بينهم, كما نشرت عدة صور متوالية لى فى أشكال مختلفة, ووصفتني تماما ورصدت المكافأة لمن يدلى بأقوال أو معلومات تؤدى إلى اعتقالى.
وليعذرنى القارىء فى عدم ذكر الأماكن والأسماء للذين وقفوا إلى جانبى فى تلك الظروف, وقد كانوا ولا شك أبطالا مجهولين أتغاضى عن ذكر أسمائهم على الرغم منى, وأدع جزاءهم وحسابهم لله رب العالمين وهو وحده السميع المجيب.
الفصل السابع عشر : إلى خارج البلاد
بدأت أفكر فى الخروج والسفر خارج أرض الوطن, وكانت هناك خطط بدأت افكر فيها وأعدد معها الإحتمالات, وأخيرا تركت الأمر فيها لله وفوضت إليه أمرى فيما يقدر ويختار.
استقر رأى القائمين على خطط تهريبى أن يتم ذلك بطريق البحر من بلدة دمياط, فسافرت إليها من القاهرة خلال شهرى مارس وأبريل (1955) بعربة خاصة ثلاث مرات, وفى كل مرة كنت أعود إلى القاهرة لعدم ملاءمة البحر لإقلاع السفينة التى كنت سأسافر بها إلى لبنان.
وفى المرة الثالثة كان الجو صحوا, ونمت ليلة عند البحار المصرى الذى كان صلة الاتصال بين قبطان السفينة اللبنانية التى سأسافر عليها وبين القائمين على خطط تهريبى, ولا أعرف شيئا عن اسم هذا الرجل سوى أنه أبيض الوجه قصير القامة قليل الكلام نشيط الحركة.
وفى وسط الليل أيقظنى وأفهمنى مغادرتى للوطن ستكون فى الصباح المبكر فأديت بعض الصلوات والدعوات, وتممت على أمتعتى, وخاصة الحزام الذى ألبسه فى وسطى وبه مبلغ 500 جنيه.
وعند الفجر ركبت قاربا صغيرا واختبأت فى قاع القارب, بينما بدأ النوتى فى التجديف حتى ابتعد عن منطقة الميناء ثم أوقف التجديف وبدأ يستخدم الشراع فى تحريك القارب مما زاد من سرعته فى عرض البحر مقتربا من سفينة ذات حمولة 600 طن.
ولما وصلت السفينة صعدت إلى سطحها بواسطة حبل على شكل سلم كان متدليا منها وهناك قمت بتحية القبطان الذى رد التحية, وأبلغنى أن السفينة طريقها إلى لبنان وقادنى إلى مخدعى فى أسفل السفينة, وقدم لى السجائر والشاى, ولكن كعادتى رفضاهما شاكرا لأنى لا أتعاطاهما, وكان رفضى أول خطأ ارتكبته فى هذه الرحلة, لأن الفكرة التى كانت لدى القبطان والبحارة عنى أننى تاجر حشيش قادم إلى لبنان لعقد صفقة مخدرات والعودة على نفس السفينة فى اول فرصة, فليس معقولا أن يمتنع تاجر المخدرات عن التدخين والشاى. استلقيت على ظهرى ورحت فى سبات عميق حتى قبيل الغروب, وعندئذ جاءنى بحار مفتول العضلات ضخم الجثة قصير القامة يتحدث بلهجة مصرية طالبا منى مائة جنيه ولم يكن ذلك لسبب واضح, فسألت فأجابنى أنها( حلاوة) ففهمت المطلوب وهو معرفة مكان النقود التى أحملها توطئة لسرقتها أو على الأقل الضغط علىّ لإعطائه المائة جنيها المطلوبة لشعوره بأنى هارب من مصر لسبب ما ولست تاجر حشيش. وفى هذه اللحظة توجهت إلى اله بقلب خاشع متذكرا توصيات المرحومة أمى وقلت: يا بركة دعاء الوالدين.
وانتفضت واقفا لأواجه ذلك الخصم الغريب الذى تحرك نحوى, وإذا بقدمه تنزلق على قشر برتقال, ولما حاول التوازن اندفعت ساقه وارتطمت بقطعة خشب فدخل فى ساقه مسمار طوله 7سم, وأخذ يصرخ بأنين فتقدمت نحوه بسرعة وسحبت ساقه من المسمار وأجريت له الإسعافات الأولية مما معى من سبرتو أبيض وصبغة يود وبودرة سلفادور وغطيتها بشاش معقم ومشمع بعد أن ربطت ساقه من كلا الجانبين لمنع اندفاع الدم, وظل جالسا بجوارى وقال لى:
سامحتى كما طلب منى أن أذهب إلأى القبطان لإعتذر له عما أصابه دون ذكر موضوع الحلاوة) فنفذت ما أراد, وأبلغنى القبطان أن السفينة ستصل إلى المكان الذى سأنزل فيه فى فجر اليوم التالى, وذلك لكى أكون على أتم استعداد لمبارحة السفينة.
وعدت إلى صديقى الجريح لأطمئن عليه وأخفف من ألمه, حاولت أن أعرف منه بلده واسمع وعنوانه حتى أزوره إذا شاء اله وعدت إلى بلدى, ولكنه رفض.
الوصول إلى البحر:
وصلت إلى المياه الإقليمية للبنان, ووقفت السفينة فى أحد الموانىء,وبعد حوالى نصف ساعة اصطحبني شخص قرب الفجر مرورا بنقطة المرفأ, وكان الجميع نياما أو مشغولين فلم يعترضنا إنسان, وتركنا خلفنا نقطة المرفأ تماما وركبنا الأتوبيس وكانت مقاعده مثنى مثنى, وكان مقعدى بعيدا عن النافذة وفى الوسط ملاصقا للممر الذى يسير فيه المحصل, بينما وقف الشخص الذى اصطحبنى من السفينة على سلم الأتوبيس, ليكون مستعدا للفرار فى حالة القبض علىّ ولا سيما لعدم حملى جواز سفر.
وعندئذ صعد رجل شرطة وأخذ ينظر للركاب متفحصا آمرا بعض الركاب بإبراز ما يثبت شخصيتهم ويتغاضى عن الآخرين, حسب ما يتراءى له, وعند وصوله للمقاعد الأربعة التى أمامى مباشرة وقف مادا ساقا للأمام والأخرى للخلف فاردا ذراعية للجانبين مستندا بيده يمينا ويسارا وأخذ ينظر إلىّ وإلى الثلاثة ركاب الجالسين يمينى ويسارى, فلم أبد أى حركة حتى رمشة العين, وكل ما حدثت به نفسى هو الدعاء( يارب).
وهنا أمر الشرطى الراكب الذى على يسارى بأن يبرز هويته, وبعد أن فحصها تحركت قدمه الخلفية, وسبقت قدمه الأمامية متجاوزا مكانى ومتقدما إلى الأمام حتى أكمل التفتيش ونزل من لعربة.
وصعد صاحبى الواقف على السلم وتحركت السيارة بإذن الله إلى المكان الذى لا أعرفه حتى هذه اللحظة.
عمى محمد ياسين الفلسطينى:
وصل الأتوبيس إلى نهاية خط فى بيروت, ونزلت مع صاحبى الذى قادنى إلى أحد المقاهى وتركنى حوالى نصف ساعة ثم عاد ليقول لى: إن عمى محمد ياسين غير موجود فى بيته, وعلينا أن ننتظره مدة ساعة لعله يحضر!!.
وانتظرناه , ولما حان الوقت ذهبت معه هذه المرة فوجدناه فى بيته, وحان وقت الغداء فأكلنا هنيئا وشربنا مريئا وودعنا صاحبى الذى لم أعرف عنه إلا إسمه والمقهى الذى يجلس فيه, وهما من أحلى الذكريات.
أما هو فمن بلدة البطولات ( مرفأ صور ) بلبنان, وكنت كلما طال حنينى إلى وطنى العزيز ذهبت للسلام عليه.
مكثت عند عمى محمد ياسين قرابة شهرين كنت موضع حفاوة وتكريم منه ومن أهله خاصة زوجته وأولاده, وفى أحد الأيام صارحنى بأنه يعرف الكثير عنى, وعلى أن أعتبر بيته كبيتى, وألا أغادره إلا بعد أن أجد مأوى أفضل من هذا.
كان عمى محمد ياسين فلسطينيا من أثرى أثرياء حيفا كريما وفيا شجاعا. هاجر من فلسطين إلى لبنان عام (1948) بسبب حوادث الإرهاب الصهيونى وكثيرا ما كان يكرر على مسامعى حب فلسطين لمصر والمصريين وجبن اليهود ومسئولية الإنجليز فى مد اليهود بالأسلحة والعتاد, بينما تحرم الفلسطينيين من حمل الذخيرة والأسلحة وتزج بهم فى السجون إذا ضبط مع أحدهم ولو طلقة رصاص (فشنكة) وقال لى: إنه لو زود العرب الفلسطينيين بالأسلحة والتأييد الكامل لطرودوا الصهاينة من فلسطين , ومما قاله لى: إن السياسة لا دين لها ولم يسبق لى أن سمعت هذه العبارة من أحد قبله.
خلال غربتى مدة سبع عشرة سنة ونصف كنت لا أنقطع عن زيارة عمى محمد ياسين إلى أن وافته المنية رحمه الله عام (1967).
الالتقاء مع الإخوان:
ذهبت مصطحبا ( أبو داود) شقيق المرحوم محمد ياسين لشراء حذاء, وأثناء سيرنا معا أذن المؤذن للصلاة, وكان يوم جمعة فاستأذنت منه للصلاة حيث جلست فى الصفوف الخلفية فى جامع الأمين.
وقبيل انتهاء الخطيب من خطبة الجمعة شاهدت ثلاثة شبان يدخلون للصلاة وكان من ضمنهم الأخ كامل الشريف, فتريثت حتى جلس ثلاثتهم, وعندما انتهى الخطيب من خطبته وأقيمت الصلاة, تحركت من مكانى ووقفت على يساره دون أن يشعر بى, وعندما انتهت الصلاة والتفت إلى يساره قال لى بدهشة: هل أنا فى حقيقة أم خيال؟ لأنه لم يكن يتوقع وجودى!! أما أنا فقلت له: الآن أقول إننى كنت غريقا ووصلت إلى البر فى أمان, وتعانقنا فى لهفة وتواعدنا على اللقاء فى اليوم التالى, وانصرفت لألتقى بأبى داود ورجعنا سويا إلى منزل عم محمد ياسين, الذى أبلغته عزمى على ترك منزله حلال أيام.
والتقيت ثانية بالأخكامل الشريف الذى تحدثت معه كثيرا وتحدث معى كثيرا, وكان أول شىء قدمه لى الإخوان مبلغ 300 ليرة لبنانية شهريا لكى أستأجر مسكنا مناسبا كما أعطونى مبلغا من المال لشراء أثاث بسيط مثل بوتاجاز وكنبة وسرير ومقعد ومكواة وخلافه.
وكان السكن فى ضاحية قريبة من بيروت تسمى ( الحدث) وهى منطقة يسكنها طائفة المارون, وكنت أكنس وأطبخ وأغسل بنفسى كل ذلك باسم مستعار.
والتقيت بكثير من الإخوان المصريين أمثال المرحوم الأستاذ عبد الحكيم عابدين والإخوة سعيد رمضان وسعد الوليلي وعز الدين إبراهيم وغيرهم كثير, وكلما مرت الأيام والشهور تعرفت بعدد أكبر وممن تعرفت بعم اخوة سوريون وسودانيون وعراقيون وأردنيون وكويتيون وقد لقيت منهم كل حب وأخوة صادقة أدبية ومادية.
ومن الإخوة السوريين التجار الأخ عدنان نحلاوي رحمه الله, الذى كان يملك محلا للأجهزة الكهربائية وماكينات الخياطة, وأذكر أن صاحب المنزل الذى كنت أسكنه كان يراقبنى ليلا من وراء الأشجار, لأنى كنت أخرج من المنزل فى وقت متأخر من النهار ولا أتغيب كثيرا.
وفى أحد الأيام خرج معى وركب الأتوبيس وصاحبنى فى الطريق فاستنتجت انه يريد أن يعرف حقيقة عملى ومكانه, فدخلت محل الأخ المرحوم عدنان نحلاوي وغمزت بعينى قائلا له: أعرفك بصاحب الشقة التى أسكنها السيد إسكندر لعله يحب أن يشترى من عندك أى شىء وأرجو إكرامه.
وأخذت أشرح لصاحب الشقة تفاصيل المحل ومحتوياته وأسعارها وجودتها فطمأن لى وسلم على وتركنى ولم يعد بعد ذلك يراقبنى.
الفصل الثامن عشر : اللجنة الخماسية
بعد أن استقر بى المقام فى بيروت والتقيت مع الإخوان, حصلت على جواز سفر عراقى باسم مستعار( وهو عبد الرحمن أمين) وشعرت بعد ذلك بنوع من الأمان, فقد أصبح معى ما يثبت شخصيتى لأستطيع التحرك كيفما شئت.
اللجنة الخماسية :
تكونت لجنة خماسية من الإخوة سعيد رمضان وكامل الشريف وعبد المنعم عبد الرؤوف وسعد الوليلي و....
وبدأنا نجتمع لبحث مشاكل الإخوان والوضع الذى نحن فيه وكيفية الخروج منه وكثيرا ما كنا نختلف لبعد وجهات النظر.
وبدأت الأيام تتوالى من غير أن نصل إلى تقارب, وقد قدمت للإخوة تقارير ومذكرات عن أسباب الفشل و الأخطاء الماضية, وقدمت مقترحات لدراستها والسير على ضوئها مستقبلا, لكننى رأيت بعد فترة أن العمل فى هذه اللجنة لا يسير على خطة موحدة, فكان كل فرد من أفرادها يتصرف بما يراه ويتماشى مع ظروفه ومصالحه, فتقدمت باستقالتي منها وذلك بعد أن لمست كثيرا من التصرفات التى أرجو أن يعذرنى القارىء الكريم من ذكرها.
اللجنة المحايدة:
ثم تكونت بعد ذلك لجنة محايدة مهمتها تلقى التقارير من جميع الأطراف ومحاولة الجمع والتوفيق بين الإخوة المصريين بالخارج, وتقدمت هذه اللجنة بمقترحات اطلعت عليها وتمنيت لها التوفيق.
مفاجأة غير سارة:
فى أحد اليام كنت أسير فى أحد شوارع بيرونت أفكر فى وضعى ماذا أفعل وإذا بى أرى ضابطا مصريا أعرفه جيدا, وأغلب ظنى أنه يعمل فى مخابرات السفارة المصرية بلبنان.
فحاولت البعد عنه ولكنه رآنى وتأكد من شخصيتى, ثم عدت إلى المنزل أفكر فيما عسى أن يكون , وصدق ظنى.
فبعد فترة
من الزمن قرأت فى مجلة الصياد اللبنانية أن الحكومة المصرية تطلب من الحكومة اللبنانية تسليمها بعض الأشخاص الموجودين فى أراضيها والصادر فى حقهم حكم الإعدام, فنفت الحكومة علمها بوجود أحد عندها.
ومن حسن الحظ أن كان كميل شمعون رئيسا للجمهورية وقتها, وهو ضد عبد الناصر.
لذا فكرت فى ترك لبنان والسفر إلى بلد أطلب اللجوء السياسى فيه لأكون فى مأمن من عبد الناصر وزبانيته, وأبلغت الإخوان عن عزمى هذا, وكان الأخ كامل الشريف على اتصال بالسلطات الأردنية فوافقت على ذلك.
اللجوء إلى الأردن:
وصلت إلى همان واستضافنى الملك حسين ونزلت فى فندق فيلاديفيا على حساب الحكومة, وكنت أثناء ذلك أحاول الإتصال الإخوان الأردنيين للتعرف عليهم والتعاون معهم ومشاورتهم, وكان يوجد بالأردن كثير من الإخوة الفلسطنيين الذين كنت أدربهم عندما كنت قائدا لجيش تحرير فلسطين بغزة عام (1953) وهؤلاء كانوا خير عون لى أثناء إقامتى فى الأردن وعند خروجى منها أيضا.
ملامح عن إقامتى بالأردن:
كان البكباشى راضي عبد الله هو همزة الوصل بينى وبين الحكومة الأردنية, وفى أحد من الأيام اتصلت به وأبلغنى انه سيرسل لى سيارة ليصحبنى إلى مقابلة الفريق الركن الصادق الشرع, ثم اتصل بى الأخ الأستاذ عبد الرحمن خليفة ,أبلغنى ان راضى بك اتصل به هاتفيا وأوعز إليه بالذهاب معى.
حضرت العربة وبها ضابط مرافق وصحبنى الأستاذ عبد الرحمن خليفة لرئاسة الأركان, وبعد فترة أبلغونا أن الزعيم مشغول فى اجتماع هام مع الوزير حابس امجالى, وفى المساء علمنا انه مشغول أيضا فى اجتماع معقود بالقصر الملكى.
وفى يوم ( 5/12/1957) ركبت مع الأخ عبد الرحمن سيارته إلى الأركان وقابلنا صادق بك وقام لأخ محمد بعملية التعريف وسألنى صادق بك عن انطباعاتى فى الأردن الشقيق فأجبت بالآتى: البلد أنظف من بيروت والشعب طيب والمرأة محجبة وهذا شىء حسن والجنود نظيفة وكذلك سيارات الجيش, ومن الضرورى الإهتمام بالدفاع الجوى م/ط لأن البلد مبنية فى واد وتتاثر جدا بالضغط المتسبب عن الإنفجار.
سألنى: هل لاحظت أى أثر للمكتب السورى فأجبت : لا!
قال : إن الشعب طيب , وقلت له: إن هذه أول مرة أسمع عن المكتب الثانى هنا.
ثم سأل الزعيم صادق الأخ خليفة عن مكان يوسف العظم, فأجابه لا أعرف, ثم استأذن خليفة للسفر إلى بيروت , وقال لصادق بك وهو يصافحه يجب أن تستفيدوا من الأخ عبد المنعم, لكن صادق بك لم يتكلم!!
وجلست مع صادق بك وسألنى عن هروبى ثم سألنى عن مقابلة جلالة الملك, وسردت عليه شيئا عن حياتى وعن المهام التى قمت بها, واستغرق الحديث حوالى ساعة, ثم انصرفت على أن يتصل بى صادق بك.
ملاحظتى لهذه الزيارة:
صادق بك شخص متكبر, لا يحب أن أدخل الجيش, ولا مانع عنده من دخولى الطيران ولو ناحية إدارية لأنه قال بنفسه: الملك مهتم بالطيران جدا ويمكنك أن تعمل فى ناحية إدارية, وأغلب ظنى أن الحديث كله التقطه مسجل صوت ولم يهتم صادق بك بتوديعى, فلا سيارة أعطيت لى للرجوع ولا وصلنى للباب, أدركت أنه محتمل وضعى تحت المراقبة, وأنه أحس بكفاءتى, وهذا كفيل بأن يبعدنى عن كل عمل قريب منه, ولم يذكر سيرة الحرس الوطنى.
مقابلة مع كامل الشريف:
فى (8/12/1957) حضر كامل الشريف من بيروت فحكيت له ما دار بينى وبين جلالة الملك حسين والبكباشى راضي عبد الله والزعيم, الركن صادق الشرع.
علق كامل على هذا الحديث بقوله: علينا أن نعلن خبر اللجوء السياسى ثم تكون المرحلة الثانية إيجاد عمل.
ثم التقيت مصادفة بالأخ محمد خليفة, وأبلغته ما دار بينى وبين الزعيم الشرع وأبلغته: أرجو أن لا يغير لجوئى السياسى من سياستكم فى إيجاد عمل لى فقال: والله إننى مستعد لأن أتقاسم معك لقمة العيش والملابس التى ألبسها وأن ندفع للفندق كل المصاريف, واتفقنا على ألا يفتح مع جلالة الملك أو أى شخص موضوعى كما أبلغنى أن رئيس الأركان لم يفاتحه فى موضوعى حين التقى به البارحة مدة أربع ساعات.
كان من رأى الأخ كامل أن يتم موضوعى على مرحلتين: اللجوء السياسى ثم يترك العمل للمسئولين بعرض المناصب العسكرية عندهم إما مستشارا فى سلاح الطيران أو المشاة, أو فى الحرس الوطنى.
ثم اتصل بى كامل وحضر عندى بالفندق وأبلغنى انه تقابل مع جلالة الملك وعرفنى بأنه موافق على اللجوء السياسى والسكن والأثاث, وأن البكباشى راضى عنده تفاصل هذا الأمر.
أما بخصوص العمل فى الجيش فمن الضرورى أني ضع العسكريون آراءهم وأن جلالته موافق على ما يقرون.
زيارة البكباشى راضى:
فى(14/12/1957) زارنى بالفندق البكباشى راضى وكرر لى ترحيب جلالة الملك بى فى الأردن وأخبرنى بأن العمل سيوفر لى وقال أنصح بان تفتح مصنع موبليات تباع بأثمان معتدلة, فأخبرته بأن البركة فى جلالة الملك وفى شعب الأردن وأننى سأكون وفيا مخلصا, والتقيت بعد ذلك مع الأخ محمد خليفة والأخ كامل ورشاد وراجعنا الكلمة التى سادونها فى سجل التشريفات الملكى, والتصريح الذى سأدلى به للصحف ونبذة عن حياتى وغير ذلك.
زيارة لمجلس الوزراء:
فى (16/12/1957) ذهبت لزيارة مجلس الوزراء ومعى كامل ودخلنا غرفة مدحت جمعة وكيل وزارة الخارجية, ومنها على سيادة سمير الرفاعى نائب رئيس الوزراء ورئيس وزارة الخارجية.
وقام جمعة بعملية التعريف ثم قال سمير باشا: إننا وكل أردنى نرحب بكم بيننا والحمد لله على سلامتك.
فقلت له: إن عطف ورعاية جلالة الملك الحسين المعظم فوق الوصف, وكل ما أود لهذا البلد الكريم ذروة المجد والسيادة ولكافة الأقطار العربية والإسلامية.
فقال: نشكرك على هذه الروح النبيلة, ثم قال: لا أدرى لماذا تسبنا صوب العرب؟ ولماذا تتدخل مصر فى شئوننا الداخلية؟ إننى لا استطيع التدخل فى شئون ابنى ولا شقيقى. لماذا لا يتركونا نعمل ما فيه مصلحتنا؟
إن مصر هى الشقيقة الكبرى ونحن نكن لها كل حب, ولكن لا نريد منها التدخل فى مصالحنا.
لقد اعتمدوا على فئة ضالة من الناس وأرادوا هدم العرش وهدم الوطن ولكن الله خيب ظنهم, فلم ترق نقطة دم واحدة , ووضع المتهمون فى السجون بعد المحاكمة العادلة.
وذكر أن الرئيس جمال عبد الناصر يعمل لصالح مصر ولكنه يتعجب كيف يتدخل فى شئون الأردن, وكيف يسمح للمذيعين بأن يطلعوا على العالم بهذا النوع من السباب والأكاذيب. فعلقت على ذلك:
أرجو إن شاء الله إن تعود المياه إلى مجاريها بفضل توجيهات جلالة الملك والمخلصين من قادة الشعوب العربية ورؤسائها.
ثم استأذنت ومررت بسيادة إبراهيم هاشم رئيس الوزراء الذى رحب بى وبدأ يتحدث عن أنه طورد كثيرا أيام الثورة ضد السلطان عبد الحميد وهرب لجبال الدروز,وكان يرتدى ملابس امرأة ويكحل عينيه.
فسألته: هل تعرف عزيز المصري؟ فأجأب: كلا, لكن عزيز باشا أكبر منا سنا وإننى أحترم جهاده, ثم سألنى عن كيفية هربى فذكرت له بعض النقاط وقد التقطت لى عدة صور فى غرفة مدحت باشا وسمير باشا وكذلك فيلم للتلفزيون وظهر معى فى الفيلم كامل ورشاد الشريف, وأعطيت حديثا لجريدة الديلي إكسبريس, وظهرت نبذة عن حياتى فى جرائد فلسطينية, منها" الجهاد" والديلى.
وفى (17/12/1957) ظهرت الجرائد وبها المؤتمر الصحفى الذى هاجمت فيه حكم عبد الناصر وبذلك انتشر خبر ظهروى فى الأردن, فكان ضربة فوية للمباحث المصرية, لأنها بذلت جهودا جبارة فى محاولة القبض علىّ بعد هروبى من السجن أثناء محاكمتى عام(1954).
وعند الظهر حضر الفندق ضابطا مباحث وأبلغنى أن قائد الشرطة حكمت بك مهيار كلفه بأن يعين (2) مباحث لتناوب حراستى الواحد بعد الآخر, فحاولت الاتصال بحكمت بك تليفونيا لشكره فلم أجده.
وفى 18/12/1957 اتصل بى صباحا الرئيس سليمان عبد الصمد وأبلغنى ان العقيد حكمت مهيار فى انتظارى خلال نصف ساعة.
مقابلة مع حكمت مهيار:
ذهبت لرئاسة الشرطة ومعى حارس تحرا اسمه محمد قاسم, فلسطينى, من نابلس فرحب بى سعادة العقيد وكان كريما إذ قدم القهوة والشاى, وكان ممسكا مسبحة وحوله عدة هواتف متصلة بجميع الرئاسات.
أما ملاحظاتى عنه فهو رجل طيب القلب مخلص لجلالة الملك ومخلص فى عمله, مدح كثيرا فى مصر فقال: إنها جنة, ومدح ضباط الجيش والبوليس لأنهم مثقفون تماما, وقال : إن ضعف الجيش المصري فى صف ضباطه وجنوده.
حضر فرقة فى إسكوتلاند يارد وزار مدرسة البوليس فى مصر وزار القناطر الخيرية, وشاهد صفحة النيل الزرقاء ووصف الشعب المصرى بالطيبة, ومدح كثيرا فى الملك حسين, وأخبرنى بأنه لم يكن فى نيته تعيين حراسة لولا ظهور صورتى ولجوئى بشكل واضح مما اضطره لهذا. ثم ودعنى حتى باب مكتبه.
ثم ذهبت ومعى كامل إلى القصر حيث جلسنا مع البكباشى عبد الله واتصل هاتفيا بالمسئولين لعمل هوية باسمى, وأخبرنى بانه سيرسل لى الجرائد المصرية يوميا , وقال: إن جلالة الملك امر بتعيين حرس حول دارىو وأن موضوع عملى أصبح فى يد الأركان, وأنه نسى أن يدعونى لحضور حفل تسليم الوسام لكتيبة المدرعاتو وسيراعى دعوتى فى مثل هذه المناسبات,ومنها المناورات, وعرفنى بأننى سأعين فى مركز يتناسب مع مؤهلاتى, وقال له كامل: إن لدى طاقة كبيرة فى العمل.
استقرار وضعى:
عندما شعرت بالإستقرار الوضع طلبت من زوجتى الحضور ومعها ابنتاى وأقمنا فى منزل الأخ محمود الشريف لحين الانتهاء من إجراءات استئجار منزل لنا.
وما هى إلا مدة بسيطة حتى بدأت الحكومة الأردنية تضغط على للعمل معها ضد حكم عبد الناصر, تارة بالتلميح وأخرى بالتصريح.
مصادفة غريبة:
كنت واقفا مع حارسى أمام باب الفيلا التى كنت أقيم بها, وكان الوقت عند الغروب فإذا برجل يسير وصوت حذائه قد أثار انتباهى فتتبعته, وفجأة انقطع الصوت فإذا به ينحرف شمالا بجانب سور الفيلا, فأيقنت أن فى الأمر شيئا, وبسرعة دخلت المنزل وطلبت من زوجتى أن تخرج هى والأولاد لاحتمال أن يكون هذا الشخص قد وضع قنبلة قرب المنزل, وذهبت مع الحارس نبحث عنه فلم نجده ثم استدعينا قوة وأستأذن الضابط المرافق لها فى تفتيش تحديق القصر المجاور, وفعلا وجدوه تحت العريشة, وناداه الضابط فلم يجب ورفض الاستسلام فأطلق النار عليه فى ساقه ونقلوه إلى المستشفى فى سيارة إسعاف, وعثر معه على مسدس كاتم للصوت, وسلسلة مفاتيح , واعترف فى التحقيق بأنه مكلف من قبل المخابرات المصرية بإغتيال عبد المنعم عبد الرؤوف.
وقد زارنى مرة أحد الأشخاص المصريين وتعجبت لزيارته وحديثه, وعلمت فيما بعد أنه كان ينوى اختطافي ووضعى فى صندوق وتسفيرى لمصر ولكن الله سلم.
شركة الإستيراد والتصدير:
كثرت المحاولات للضغط علىّ فى ضرورة العمل معهم ضد وطنى فكنت أرفض بحجة أننى لاجىء سياسى, ولكى أتخلص من ذلك بدأت لإى إنشاء شركة استيراد وتصدير وأسميتها ( شركة طالوت للتجارة والقومسيون) لكى أستقل عنهم ماديا, وبعد شهور من العمل بدأت الشركة أولى خطوات النجاح .
ولكن رفضى للعمل ضد وطنى لم يعجب بعض الإخوة الذين كانوا على صلة بالقصر فعملوا على إخراجى من الأردن, وكان ذلك فى منتصف عام 1959 مما اضطرنى إلى تسفير زوجتى وابنتى إلى لبنان, لأننى كنت لا أدرى إلى أين أذهب خاصة أن جواز السفر الذى كنت أحمله عراقى وانتهت صلاحيته بسقوط الملكية فى العراق, وتخل بعض الإخوة الفلسطينيين واستطاعوا إقناع الملك بإبقائى, فطلبت من زوجتى العودة لكنها أخبرتنى أنها وضعت مولودها وستعود بعد فترة وكانت فرحتى بالمولود كبيرة إذ كان أول ولد رزقنى الله به وسميته محمدا.
الطرد من الأردن:
فى (12/7/1959) صحوت على رنين جرس الباب, وكانت الساعة حوالى السادسة صباحا, فإذا بأحد رجال المباحث يدخل ويطلب منى مغادرة البلاد فورا.
فطلبت منه أن يمهلنى حتى أهيىء نفسى, فأبلغني ان كل شىء جاهز وما عليك إلا أن تأتى وتختار البلد التى تحب أن تسافر إليها, فقلت له تركيا.
وظل ملازما لى حتى لبست ووضعت بعض الحاجيات فى حقيبة وخرجت معه, وركبنا سيارة إلى المطار وانتظرنا هناك حتى موعد إقلاع الطائرة, ولم يتركنى هذا الضابط حتى أقلعت.
اما لماذا اخترت تركيا, فأولا: لأنها بلد إسلامى, وثانيا: لأن بها أبناء هم زوجتى, وثالثا: لأن علاقة مصر بتركيا فى هذا الوقت كانت سيئة.
هبطت الطائرة فى بيروت فوجدتها فرصة لكى أتصل بأسرتى, وأخبرتهم بسفرى إلى وأخذت منهم عنوان أقاربهم هناك ثم واصلت السفر.
هبطت الطائرة مرة أخرى فى قبرص وكان الإنجليز لا يزالون بها, وعندما عرفوا شخصيتى رحبوا بى وأبقونى عندهم يومين يحالون إغرائى بالعمل معهم وعرضوا على منصبا عسكريا رفيعا فى كينيا, فرفضت عرضهم بعنف, ولما علموا أنه لا فائدة من التفاهم معى سمحوا لى بالسفر لتركيا.
الفصل التاسع عشر : الوصول إلى تركيا
هبطت الطائرة بمطار إستنبول وكان فى انتظارى عند سلم الطائرة ضابط بربتة عقيد – ولا أدرى من أخبر الحكومة التركية بسفرى إليها أهى الحكومة الأردنية أم الإنجليز – رحب بى وأوصانى إلى أحد الفنادق وتركنى لأستريح من هناء السفر, وفى اليوم التالى حضر لزيارتى وأخبرنى بأن الحكومة التركية ترحب بى على أساس تحملها أى مسئولية مادية أو حمايتى , وإلى أن أتصرف على هذا الأساس, مع العلم بأنه غير مسموح لى بالعمل قانونا.
وسألنى هل أعرف أحدا هنا فأعطيته عنوان أقارب زوجتى فاستطاع أن يتصل بهم, وفعلا حضر الإبن الأكبر واسمه صلاح الدين وتعارفنا وكان يجيد اللغة الإنجليزية مما سهل على التفاهم مع الضابط التركى, ذهب معى صلاح إلى الأمن العام وأقر على نفسه بأنه مسئول عنى طوال إقامتى فى هذا البلد, ولذلك سمحت لى الحكومة بالبقاء.
ذهبت إلى منزلهم وعرفنى بوالدته وإخوته وساعدنى فى تعلم اللغة التركية, وبعد مدة من إقامتى لديهم طلبت منهم أن يبحثوا لى عن سكن آخر حتى لا اثقل عليهم ففعلوا, وانتقلت إلى المسكن الجديد, وهو عبارة عن غرفة على السطوح, ثم اتصلت بإخوانى بالأردن وأبلغتهم ما حدث وطلبت منهم تصفية الشركة وإرسال نصيبى منها وأبلغنى أحد الإخوة بعد ذلك أنه استطاع تسلم عفش منزلى وبيعه ثم طلبت من زوجتى أن تحضر, ومضت الأيام مملة كنت أدرس خلالها اللغة التركية لأتفاهم مع الناس, وبعد ثلاثة أشهر حضرت زوجتى وحدها وتركت البنتين عند جدتهما, ولم تخبرنى بوفاة ابني الذى توفى بعد مولده بثلاثة أشهر فاحتسبته عند الله.
الحياة فى تركيا:
بدأنا نفكر ماذا نعمل وكيف السبيل لتأمين معيشتنا؟ فاقترحت زوجتى أن أقوم بتدريس اللغة الإنجليزية لمن يرغب, وأن تعمل هى بلخياطة لأنها كانت تجيدها وفعلا تم ذلك. وفى تلك الأثناء كنت قد تعرفت على بعض الطلبة الأردنيين الذين يدرسون فى جامعة إستنبول.
وبعد عشرة أشهر اضطرت زوجتى للسفر, وتناقص عدد الطلاب الذين كنت أدرس لهم فكانت المعيشة صعبة لأن القانون يمنع الأجانب من العمل وكانت هناك بعض المساعدات المالية ولكنها غير منتظمة مما كان يسبب لى كثيرا من الحرج.
محاولات:
اتصلت بالسفارة التونيسية وطلبت اللجوء السياسى وقدمت طلبا بذلك ولكن السفارة تجاهلته ولم ترد على طلبى ومرت الأيام والشهور, وكنت أقاسى فيها البطالة والوحدة, ومما زاد فى ألمى أن أولادى لا يحملون جنسية ولذلك لا يستطعون السفر, ثم حضرت زوجتى ثانية بمفردها ومكثت شهرين فقط كنا خلالهما نناقش الأمر, وكان أمامى أمران: أن أطلب من الحكومة التركية التجنس بالجنسية التركية, وهذا يتطلب بقائى فى تركيا لمدة خمس سنوات, أو أطلب إليها إعطائى هوية مرور تركية أستطيع السفر بها.
ومن ناحية أخرى كنت قد اتصلت بالأخ الأستاذ نجيب جويفل لعله ينهى موضوعى مع السلطات المصرية وجاءنى الرد يقول.
أرجو أن تكون مطمئنا إنى أبذل قصارى جهدى لحل موضوعك, ولا أترك فرصة تمر دون الإستفادة منها, وقد قطعت فى هذا الطريق مرحلة لا بأس بها وأرجو أن يصلك قريبا ما يريحك, أكتب إلىّ بكل ما يلزمك فإنه يسعدنى ذلك. ختاما لك خالص تحياتى وأطيب تمنياتى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تحريرا فى (15/4/1960).
أخوك عمر
ورأسلت له الرد وأخبرته بأننى قمت بكتابة خطاب ( لأنور) وسلمته بنفس يوم (3/3/1961) للسيد عبد العظيم مرسي قنصل الجمهورية فى إستنبول طالبا منه إرساله بالطريقة القانونية للسيد أنور السادات, وأعطيته عنوان منزلى وللأن لم يصلنى الرد.
كما أن زوجتى أخذت من الخطاب صورة طبق الأصل وأرسلتها مع والدها الذى سافر إلى القاهرة وسلمها للسيد عبد العظيم سكرتير أنور فى مجلس الأمة. ثم جاء الرد من الأخ نجيب يقول: بخصوص الموضوع فأنور يقول, إنه ينتظر منك برقية بموعد وصولك حتى يكون فى استقبالك فى المطار, ويذهب معك عند الوالد الكبير وينهى الموضوع ولكننى لم أوافق على هذه الفكرة, وأبلغته أننا نريد التأكد أولا من أن الموضوع سينتهى, وطلبت منه أن يبرق لأنور ويطلب جواز سفر أيضا.
وأبلغنى الأخ الأستاذ كمال ناجي فى خطاب بأن السادات عندما حضر إلىّ قطر سأله عنى, وأبدى استعداده التام لتسوية موضوعى, وطلب منى أن أكتب له خطابا موجها إليه شخصيا.
فأبلغته أننى فعلت وأرسلت خطابا إليه بتاريخ (3/3/1961) ووصله فعلا لكنه لم يرد فأرجو إعفائى من الكتابة إليه مرة أخرى.
وظل الحال هكذا حتى أوائل (1962) فقررت السفر إلى لبنان لزيارة أسرتى فاتصلت بالأخ أبو المكارم بخصوص هذا الموضوع, فأبلغنى بأنه يحاول الحصول على إذن زيارة أولا, وما بعد ذلك فهو على بركة الله ولا يستطيع أحد أن يضمن شيئا.
مساومات أخرى:
طلب منى رجال الأمن التركى التعاون معهم نظير إيجاد عمل لى بمرتب شهرى والحصول على جنسية تركية فرفضت ذلك, ومن الأشياء الغريبة أنه كان يحضر إلى دارى بين حين وآخر فجأة ضابط أمن ليلقى نظرة على جدران الدار من الداخل بحثا عن وجود أجهزة إرسال.
جواز المرور:
كنت أرغب فى السفر إلى لبنان والإلتجاء إليها حيث العمل الشريف متوافر وكذلك الإشراف على تربية أولادي, فأعطتنى الحكومة التركية جواز مرور صالحا لمدة ستة أشهر, وسمحت لى الحكومة اللبنانية بقضاء شهر واحد فيها لزيارة أسرتى.
ويؤسفنى أن أذكر أن أحد المسئولين الأتراك كلفنى بعمل سخيف فى لبنان فأجبته بأن ذلك من اختصاص سفيرهم بهاو ورفضت شرب قهوته وانصرفت من داره مشفوعا بنظرات الإشمئزاز,
العودة إلى لبنان:
فى تمام الرابعة يوم (23 يوليو1962) هبطت بى طائرة ركاب تركية فى مطار بيروت, وكنت أفضل السفر برا عبر سورية والأردن لكننى خشيت القبض على بالإقاليم الشمالى للإقليم الجنوبى.
اطلع موظف الجوازات على جواز المرور وأشار لى بيده للإبتعاد عنه وأعطانى استمارة لأدون بها البيانات, وتمت الإجراءات الباقية بسهولة ولم أجد معى نقودا لبنانية لدفع أتعاب الحمال فتقدم منى برفق متنازلا لكننى بعد شهر تقريبا زرت المطار وأعطيته أتعابه فلم يأخذ المبلغ إلا بعد إلحاح.
ركبت سيارة إلى منزل عمى, وبالرغم من طول المسافة فلم يأخذ السائق سوى ليرتين فقط, وذلك لأننى مصرى من بلد الرئيس عبد الناصر, ولو علم اننى هارب من بلد الرئيس لكان موقفه الاتناع عن توصيلى طبعا وربما سبنى أيضا.
مشاكل لابد نمن حلها:
كانت أمامى بعد وصولى إلى بيروت بعض المشاكل لابد من حلها, ومن هذه المشاكل:
1- السعى للحصول على إقامة دائمة فى لبنان مستعينا بما كفله قانون الأحوال الشخصية للأجانب المتزوجين لبنانيان من إمكان الحصول على إقامة.
2- اللجوء السياسى إلى لبنان إذا ما فشلت فى الحصول على إقامة دائمة.
3- استخراج هويات شخصية لبنانية لأولادى وكان القانون اللبنانى فى ذلك الوقت يسمح لذلك.
4- مواصلة السهى للعودة إلى الوطن.
صرف المعاش التقاعدي:
وفى خلال هذه المدة صرف لى المعاش التقاعدى عن طريق السفارة المصرية وذلك بمساعدة الأخ نجيب جويفل غذ وصلتنى رسالة بتاريخ (27/12)1962) يقول فيها:
أنا يا أخى لا أدخر جهدا فى إنهاء موضوعكم وقد تقدمت لهم بإقتراح صرف المعاش وجواز السفر وقد علمت أن المعاش صرف وعندى موعد معهم السبت بخصوص حواز السفر, فأرجو ألا تقلق ولا تتحرك من عندك حتى يصلك منى ما يفيد.
وذهبت بعد ذلك بصحبة أحد الأصدقاء للسيد شوكت شقير الذى وعدنى بأنه سيتحدث مع وزير الداخلية لقبولى لا جئا سياسي. أو إعطائى إقامة دائمة وعرفنى أن بعض الأصحاب طلبوا منه ذلك, وقد طلب هو من وزير الداخلية إعطائى إقامة شهرين حتى يتم تسوية موضوعى مع بلدى وأعود إليها.
متاعب مع الأمن العام:
انتهت صلاحية الهوية التركية ورفض الأمن إعطائى إقامة دائمة, كما رفض حق اللجوء السياسى ولم تصرف الحكومة المصرية لى جواز السفر, بالرغم من جهود الخ نجيب , ووصلنى منه خطاب أنه يواصل المحاولات.
وبعدها علمت من بواب العمارة التى أسكنها أن رجلين من الأمن العام حضرا وسألا عن شخص اسمه عبد المنعم, فقال لهما: لا يوجد شخص بهذا الإسم يسكن عندنا, وكان البواب يعرف باسم أبو المنتصر, فأبلغت زوجتى بما حدث وعرفتها بأننى سأترك المنزل وأذهب إلى منزل أحد الأصدقاء حتى ينجلى الموقف.
أخذت حقيبتى وذهبت إلى منزل الشيخ(م.ج) وهناك سمحت لى أخته بالصعود للشقة العليا, حيث كانت لديها معلومات بذلك, ثم حضر والدها وأشقاؤها فرويت لهم ما حدث.
وأغلب الظن ان الأمن العام كان مصرا على إخراجى إلا إذا جددت هوية المرور التركية, وكنت قد طلبت من زوجتى أن تقفل الشقة وتذهب مع الأولاد إلى منزل أسرتها, ولو سألوها أحد عنى تبلغه بأنى ذهبت إلى السفارة المصرية لتسفيرى إلى بلدى.
محاولات لتجديد الهوية التركية:
قمت بمحاولات كثيرة عن طريق بعض الإخوة اللبنانيين والمصريين ممن لهم صلة بالطرفين, وفى خلال محاولات تجديد الهوية من السفارات التركية ذهب والد زوجتى إلى مدير المن لإعطائي مهلة من أجل تجديد الهوية . فأخبره المدير بأن مسعى الأستاذ عدنان الحكيم بخصوصى مرفوض, وأنه سيعطينى مهلة احد عشر يوما فقط, فإما أن يأتى بهوية مرور أو يبحث عنى ويودعنى السجن ثم يرحلنى للخارج.
ومن فضل الله انه قبل انتهاء المهلة بيوم واحد جاء الرد من السفارة التركية بتجديد الهوية, وبذلك استطعت الحصول على إقامة لمدة ستة شهور أخرى.
أما عن اللجوء السياسى فهذا مالا تقبله الحكومة اللبنانية, ولا يسمح به وإنما أى شخص يمكنه الإقامة ما دام معه جواز سفر, أو ما يثبت شخصيته ويكون معه بطاقة عمل.
حصول أولادى على الجنسية :
حصل أولادى علىجنسية والدتهم وقد وفقت إلى ذلك والحمد لله, وبذلك زالت عقبة كبيرة من طرقى خاصة أنهم أصبحوا على أبواب دخول المدارس.
أما المشكلة الرابعة وهى عودتى لوطنى فلم أوفق إليها.
ذهبت للأمن العام وحصلت على غقامة خمسة شهور وطلبت من سكرتير مدير الأمن العام إعطائى إقامة دائمة, ولكنه رفض لكونى أحمل هوية مرور وليس جواز سفر.
وفى المساء توجهت للسفارة المصرية لتسليم معاشى وأخبرتهم بما تم بخصوص الإقامة وسألت عن أنباء بخصوصى من القاهرة فلم يصل إليهم شىء.
وفى اليوم التالى التقيت بالأخ عصام ( أبو المكارم) فأخبرنى أنه التقى بمنصور عبد الباقى وأبلغه بأن موقفى مع المن العام متأزم ولابد من مساعدتى.
أما الخطوات التى اتخذها فقد أرسل برقية إلى القاهرة شرح لهم فيها حالتى وعرفنى بأن مسئولا بالسفارة تحدث مع شوكت شقير, والأخير اتصل بوزير الداخلية فأصدر أمره للأمن العام بعدم التعرض لى, واحتفظ شقير بالدوسيه الخاص بى عنده.
وفى أحد الأيام زارنى صديق لبنانى وأخبرنى أنه زار القاهرة وسمع أخبارا عن فساد عبد الحكيم عامر وأنور السادات وأنهما يدخنان الحشيش, أماكمال الدين حسين وجمال فلا غبار عليهما فقلت له: لا أعرف شيئا عن ذلك.
وأخبرنى عن حادث رأه على المركب وهو أن أحد الأجانب كان يلتقط أفلاما فى ميناء الإسكندرية, فأبلغ عنه أحد الضباط الموجودين على ظهر الباخرة فما كان من الضابط إلا أن أخذ الفيلم من الأجنبى وألقى به فى لبحر وكافأ اللبنانى بإنجاز مهمته.
حصولى على جواز سفر مصرى:
ذهبت إلى السفارة فأخبرنى الأستاذ نسيم أن إشارة جاءت من القاهرة ( علم الرئيس جمال ان عبد المنعم سيعود إلى تركيا فقال: اعطوه جواز سفر مصرى فورا).
وفى اليوم التالى تسلمت جواز السفر ووقعت بالجواز تحت صورتى وكتبت إيصالا نصه:
استلمن أنا عبد المنعم عبد الرءوف أبو الفضل جواز السفر رقم (111/1963) الصادر من قنصلية ج.ع.م فى بيروت بإسمى بتاريخ (10 من يونيو 1963) على ألاّ يترتب على تسلمى هذا الجواز أى التزامات أخرى تتعلق بموضوعاتى الرسمية أو الشخصية لدى الجمهورية العربية المتحدة.
المستلم: عبد المنعم فى 11/6/1963
وبع ذلك ذهبت للأمن العام لأخذ إقامة دائمة وأطلعتهم على جواز سفرى وعلى الهوية التركية, فأفادوا بضرورة العرض على مدير الأمن وأعطونى إيصالا بطلب تجديد الإقامة وأن جوازى وأوراقى عندهم.
وعند مقابلتى للسيد مدير الأمن العام قال لقد انتصرت علىّ, وصافحنى وذلك بعد أن علم بحصولى على جواز السفر.
ذهبت إلى السفارة التركية وأبلغتهم بحصولى على جواز سفر مصرى, والتقيت بالقنصل وأبلغته شكرى لجميع المسئولين وحبى للشعب اللتركى فقام وصافحنى وهنأنى وقال: سأبلغ ذلك فورا تستلمى الإقامة.
ذهبت إلى المن العام لأخذ الجواز وعليه الإقامة فأعطونى ثلاثة شهور فقط وهكذا ظللت من سنة 1962إلى 1972 أتردد لأخذ الإقامة بصفة دائمة.
عودة الأخ نجيب:
عاد الأخ نجيب وأخبرنى بأن صلاح نصر أمر بصرف مرتب لى لما بلغه من سوء حالتى المالية وهو مرتب لواء وأبلغنى بأن صلاح نصر يخشى من عودتى لعمل تنظيمات فى مصر, فأجابه نجيب, فليكن حضوره على مسئوليتى وإن فعل شيئا فاضربوني بالرصاص.
اجتماعات مع الإخوان:
اجتمعت مع بعض الإخوة وقال أحدهم: إن اجتماعات كثيرة لإخوان من عدة بلاد عربية عقدت وآخرها فى موسم الحج.
وتقرر إعادة التنظيم وتجنب أخطاء الماضى وهناك تقارب وتعاون كثير بينهم, وسمعت أحاديث كثيرة عن شقاق وخلاف, وضرورة إبعاد أشخاص عن العمل فى صفوف الجماعة حتى يستقيم الأمر وكان من ضمن ما سمعت أننى سرت جاسوسا لعبد الناصر, وتعجبت لذلك فكيف أكون جاسوسا وأنا مشرد مرة فى الأردن وأخرى فى تركيا وحاليا فى بيروت أعانى من الظروف المادية والإقامة والبطالة, وأرجعت ذلك إلى أن هناك أشخاصا يهمهم نشر هذه الشائعات لتغطية تصرفاتهم.
شائعات:
ذكر لى أحد الأشخاص اللبنانيين الذين عادوا من القاهرة أنه سمع هناك أنه جرت محاولات لقلب نظام الحكم, وكان آخرها أنه تقرر وضع مادة "ت.إن.ت" داخل عربة وتفجيرها بجوار منصة الرئيس, وذهب المدبرون لمحمد نجيب وتحدثوا معه فى الأمر, وبعد خروجهم ظهر أنهم من المخابرات المدفوعين, فتصل بجمال عبد الناصر قائلا له: متى ستبطلون أعمال المخابرات هذه؟
فسأل جمال عن الموضوع
فأجابه نجيب: اسأل مخابراتك!
فسأل جمال عن أسماء هؤلاء الضباط وعرفهم من نجيب واتصل بالمخابرات, فعلم أنها لم ترسل هؤلاء الضباط لكنها شكت فيهم وقامت بالقبض عليهم وحاكمتهم.
وقصة أخرى عن سيدة اشتكت زوجها الضابط لسهره كثيرا خارج المنزل وظنت أنه يخونها, فتعقبه أحد رجال التحرى واكتشف أنه يذهب لاجتماعه مع بعض الضباط فقبض عليهم جميعا.
لقاء مع احد موظفى السفارة:
فى مكتب أحد موظفى سفارة فى بيروت وذكر أنه إنضم لجماعة إسمها الإخوان وبقى فيها أربع سنوات وتركها وكان مما قال : إن تخطيط الإخوان للإعتداء على عبد الناصر كان ضعيفا.
فقلت له إن الإعتداء على عبد الناصر لم يكن من تخطيط القيادة ولا علم بها به.
ذكريات وزيارات:
كان يتردد على كثير من الإخوة المصريين, منهم من أعرف ومنهم من لا أعرف, وكانت تدور أحاديث حول الجماعة وأفرادها وضرورة عودتها بعد غربلة الصف, وإحكام صفوفها, وأحاديث أخرى فى الأوضاع السياسية القائمة, وكان دورى هو المستع والإدلاء بالنصيحة وإحقاق الحق حين تذكر بعض التفاصيل الخاطئة.
وزارنى عدد من الإخوان ودار الحديث حول عيوب بعض القادة والمشاكل التى تعترض قيام التنظيم, فأخبرتهم عن اللجنة الخماسية واستقالتى, وأننى حين وصلت الأردن عام (1957) تقدمت بمقترحات للأخ محمد خليفة, منها ضرورة الفصل بين تنظيم الإخوان والمؤتمر الإسلامى ولكن لم يؤخذ بها, وأخيرا علمت أنه منذ عام فقط تم ذلك ولكن بعد فوات الأوان.
وفكر أحد الإخوة السودانيين فى استدعائى لتدريب الصوماليين لمحاربة الحبشيين, ولما سألنى رأيى أجبت بأننى عاهدت الله سبحانه على الموت فى سبيله وهذا العهد قائم الآن بينى وبين الله ولا أريد منكم سوى رعاية أولادى وكفاية أمهم, وأخبرنى أنه بعد عودته سيناقش الأمر مع الإخوان, وحين الموافقة يستدعوننى للتجارة أو التدريس وبعد ذلك يبدأ التدريب.
زيارتى للمرحوم مصطفى السباعى:
قال لى : لقد علمت أنك أبعدت عن الأردن إلى تركيا والسبب كونك هاجمت االملك حسين وامتدحت عبد الناصر.
قلت له: السبب الحقيقى لابتعادى هو أننى رفضت التعاون مع الحكومة وبعض الإخوان الذين لهم صلة بالملك لم يقبلوا ذلك, فأبعدت وقاسيت كثيرا, ولولا بعض الإخوة الفلسطينيين,ممن دربتهم على حرب العصابات وممن يعرفوننى فى حرب فلسطين لساءت حالتى!!
هنا قال المرحوم مصطفى السباعى:
إن جماعة الإخوان ينقصها التنظيم, وفى الأردن لم أجد سوى دور فارغة والملك حسين كان إذا رضى عن الإخوان هادنهم وإذا غضب عليهم وضعهم السجون, وفى أيام النابلسى وقفوا لصفة فهادنهم, وفى باقى البلاد العربية لا يوجد للجماعة أى قوة وأنا فى مرضى لم يساعدنى أحد, لولا كتبى التى تدرس بالجامعة لساءت حالتى, وكان فى استطاعة الأساتذة إلغاؤها لكنهم سمحوا باستعمالها لظروفى, وساعدونى بهذا الأمر, وسافرت إلى أوربا ومعى شخص لمعاونتى واجريت عملية فى الدماغ, وصرفت كثيرا ولم يساعدنى أحد والحمد لله.
وذكرت له أننى منذ يوليو ( 1962) معى جواز سفر صالح للإقامة فى لبنان فقط وأحصل على معاشى.
زيارة لفضيلة الشيخ مناع:
توجهت إليه ومعى أخ لبنانى فذكر لى أن بعض الإخوان المصريين ربما يفعلون شيئا ضدى فذكرت له أننى لايمكن أن أكون ضدهم أبدا فقال شهاب الذى كان معى وأظنهم كذلك أيضا. وذكر الشيخ مناع أن السندى كان يظن أن عبد الناصر يحمل الود للإخوان قبيل الانقلاب, وبعد الانقلاب غير السندى رأيه فى عبد الناصر, وكان الأخير يقول لحسن الهضيبي, إن عبد الرحمن سفاك دماء.
وتكررت زيارتى لفضيلته وتناقشنا فى أمور كثيرة عن الجماعة وأسلوب العمل واختيار القادرين على التنظيم, وتناولنا الوضع فى قبرص, ضرورة إصدار بيان من الإخوان بخصوصها, حيث كان تحيز عبد الناصر لليونانيين ضد الأتراك واضحا, وحدثنى انه لابد من أن أعمل مع الجماعة ولا أبتعد عن صفها, وأشار بضرورة التحرك والنظر فى منحى جواز سفر كويتيا أوسعوديا أو غير ذلك لإمكان التنقل وعرف منى تفاصيل كثيرة عن مواطن الخلاف السابقة بينى وبين اللجنة الخماسية وغير من موضوعات.
الفصل العشرون : قضية فلسطين
زارنى أحد الإخوة الفلسطينيين وطلب منى أن أقدم له مشروعا هدفه تحرير فلسطين, وأعطانى بعض المعلومات لأستضيىء بها فى وضع المشروع وهى كالآتى:
الهدف: تحرير فلسطين.
المال: اشتراكات منظمة من دخل الفرد من 2% إلى 5%
القسم: أقسم بالله العظيم أن أكون جنديا فى سبيل تحرير فلسطين وأن أكون أمينا على أسرار جبهة التحرير, مخلصا لمبادئها حتى يتحرر آخر شبر من فلسطين , والله على ما أقول شهيد.
الأسلحة: لا توجد.
التدريب: لا يوجد.
قادة عسكريون: يوجد منهم فى العراق منذ تأسس الجيش الفلسطيني وبعضهم فدائيون من عام (1936 – 1937).
لا يوجد قادة فى الأردن ولكن سمح بالاتصال بعسكريين فى الأردن.
متى بدأت الحركة؟ بدأت عام (1962) ,أصبح على كل شخص واجبات نحو نفسه والمسئول عنه.
قواتنا: خيرة الشباب وتشكيلاتها سرية وهم طلاب جامعيون فى القاهرة وبيروت, ولن نتصل بأى دولة عربية حتى نقوى, ويحدد علاقتنا بالدول العربية مدى اهتمامها بقضية فلسطين.
الحركة: جديدة بمعنى أنها لم تضم إليها قادة أو أفراد كانوا فى جماعة وأحزاب قديمة أو موجودة حاليا.
توجد حركات أخرى تعمل لتحرير فلسطين, مثل القوميين العرب والبعثيين والهيئة العربية والإخوان المسلمون. لكنهم الآن فى توقف نظرا لظروف معينة وحركة الشباب العربى وتوجد حركة دعاية وجميع الأموال لفلسطين فى الكويت وقطر.
سألنى الأخ: ما مدى رغبتك للتعاون معنا؟ وكان جوابى: أنا معكم بدون قيد أو شرط.
وتناقشنا طويلا فى هذه الموضوعات وتركنى على أن نلتقى صباحا, وفى الموعد حضر اثنان من الإخوة الفلسطنيين, وأبلغانى أن زيارتهما لأحد الإخوة اللبنانيين لم تأت بفائدة.
واستعرضنا الوضع كله على الجبهة الشرقية والجبهة الغربية, وعلمت أن جمهورية مصر العربية وعدتهم بالمساعدة لآخر حد عن طريق مكتب الرئيس جمال.
كذلك اتصلوا بالرئيس بن بيلا, عن طريق رئيس الغرفة التجارية الجزائرية فى مؤتمر تونس فقال إنه مع الحركة قلبا قالبا.
وقررنا الالتقاء بعد أسبوع لبحث الموضوع واستكمال جوانبه, وكانت الفكرة التى أعطيتها أنه لابد من الاستعداد لتحرير فلسطين فى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية , وضمان الجبهات الداخلية فى البلاد العربية لكى تكون فى صف الحركة.
وتحدثنا عن الحاج أمين الحسينى وذكرا أنه لم يعد أحد يعرفه من الجيل الصاعد, لأنه لا يتمشى مع الأحداث, واتخذ لنفسه مساعدين من الجيل القديم أيضا مثل إميل الغورى.
اللواء سعد الدين عاطف:
أبلغنى الشيخ(م .ج) بان اللواء سعد الدين عاطف سكرتير المؤتمر الإسلامى سيزورنى بعد صلاة المغرب, فرحبت به وقلت: سأنتظره.
وجاءنى فى الموعد ومعه بعض الأصدقاء اللبنانيين وبعد السلام والترحيب سألته عن اللواء رشاد مهنا, فقال: إنه مدرسة وفى حالة, وسألته عن كمال الدين حسين فقال: طيب.
وسألته: هل هناك تجاوب بين مؤتمركم والمؤتمرات الأخرى؟
قال: لاإن أقدم مؤتمر عقد عام (1929) بقيادة مفتى فلسطين فى القدس, ومؤتمر آخر بقيادة رجل هندى,لكن ثبت أن ذلك الرجل عمل بوحى من الغرب وسرق المال.
وذكر أن الاستعمار يحاول إبعاد المسلمين عن بعضهم, وقد فتحت جامعة مكة وجامعة الخرطوم ليحولوا أنظار المسلمين ووجهتهم عن الأزهر, وقال أيضا: إن النصارى أعلنوا أنهم نصروا عشرة آلاف مسلم فى إندونيسيا ولديهم مخطط لتحويل إندونيسيا إلى دولة نصرانية بعد خمس سنوات.
وقال : إن كل ما نستطيع ان نعمله هو إرسال النشرات, لأ،ه لا يوجد تعاون بين الجمعيات الإسلامية الأخرى, وفى إحدى الجزر طلب منى أن أرسل لهم مالا وداعية, ولولا وجود شخص متطوع عازب للسفر لما استطعت عمل شىء!!
إن كل المسلمين فى البلاد النائية محتاجون إلى مال ودعاة, ومصر لا تستطيع دفع دولارات!!
قلت: إنى أذكر لأخى عاطف سعد موقفا مشرفا إذ كنت رئيسا لمجلس عسكرى وكان هو عضوا معى لمحاكمة جندى, وأصررت على إعطاء الجندى جزاء, لكن عاطف أصر على تبرئته وكان أن برى, وكلما تذكرت هذا الحادث أنبنى ضميرى.
وفى نهاية الزيارة طلبت منه مخططا مدروسا نعمل معا على تنفيذه, فوعد بذلك, وانتهت الزيارة على أن يحضر لزيارتى, كلما حضر إلى بيروت.
الشيخ الخازندار:
التقيت مصادفة بالشيخ هاشم الخازندار وهو فلسطينى ومن العاملين بالحقل الإسلامى لاسترداد فلسطين.
فأخبرنى: بأن الكتيبة الفلسطينية التى دربتها والتى تقدر بخمسة عشر ألف جندى هى التى حمت ظهر الجيش المصرى المنسحب خلال الإعتداء الثلاثى على مصر, وأخبرنى بأن كامل الشريف هو الذى قدم تقريرا إلى الملك الحسن ملك مراكش, طلب فيه ضرورة الإفراج عن الضباط المصريين الذين سقطوا بطائرتهم فى مراكش أثناء النزاع الجزائرى المراكشى قائلا: إن هؤلاء لا ذنب لهم فهم أطاعوا الأوامر, وقتلهم سيرمل نساءهم ويتم أطفالهم.
وفعلا ذكر ذلك وزير خارجية المغرب لسفير مصر فى مراكش, مما جعل الأخير يشكر كامل خلال احد الاحتفالات.
وقال الشيخ هاشم عن نفسه: إنه خلال الإعتداء الثلاثي أجرى اجتماعات فى إحدى الكنائس فى غزة حيث التقى المسلمون والمسيحيون بحضور مندوب صوت العرب الأستاذ أحمد سعيد, الذى قدم الشيخ هاشم بأنه سيلقى كلمة الإخوان المسلمين.
كما قاد مظاهرة كبرى هتف خلالها بحياة عبد الناصر, واستطاع أن يجعل الشعب يختار الحكم المصرى.
وبعد انتهاء الإعتداء استدعاهحسن عبد اللطيف الذى طلب من الشيخ هاشم أسماء جميع أفراد الإخوان الذين يعملون معه, وهدده بالإعتقال بحضور عدد كبير من الضباط.
وأخيرا اتصل الشيخ هاشم بالضابط وحيد وقال: عندما يكون الإنسان غير مرغوب فيه للبقاء فى بلد ماذا يفعل؟
فأجابه وحيد: يخرج من البلد.
فرد هاشم: أنا أريد ترك هذا البلد
فوافق وحيد بشرط أن يدون له عبارة ( تحت الرقابة) ومعنى ذلك أن الشيخ تراقب خطواته مادام هو داخل مصر.
تعرفى على الطنوبى ولقمة:
استدعاني الأستاذ سالم لمكتبه وهناك عرفنى بأحمد الطنوبي وهو بالتالى عرفنى بالمهندس عبد العظيم لقمة, الذى ذكرنى انه التقى بى فى رفح مع الضابط وحيد جودة رمضان وكامل الشريف, والأخير أعطانى بعض أسماء الإخوان لتدريبهم فاستغرب عبد العظيم من إعطاء السماء لى تحت سمع وبصر وحيد فقال كامل عبد العظيم (معلهش)
قلت: اله يسامح وحيد!!
فقال : عبد العظيم:( شوف حدث له إيه)؟!
هنا استرسلت: على الإنسان المؤمن عمل الخير رغم نكران الجميل والمعاملة السيئة من الناس.وهنا سرد عبد العظيم لقاءه بالدكتور عبد العزيز والصحفى القديم قاسم جودة, ودار حديث فسه مساس بالحكم الحاضر قاله القوصى, فلفت عبد العظيم نظر القوصى, ولما عادوا إلى الفندق علم عبد العظيم أن قاسم جودة مات.
وهو الشخص الذى خشى عبد العظيم أن ينقل ما دار من حديث.
حديث مع القنصل المصرى:
قلت: غننا لدينا حساسية قوية تجاه الحوادث التى تمر فى هذا العالم وخاصة التى لها مساس بوطننا, ومثل الخلاف الألمانى وحوادث لبنان الأخيرة.
فقال: والله إن حوادث لبنان الأخيرة مفتعلة, وكانوا يريدون استغلال صورة الرئيس فى المظاهرات وكرر ابتعاد السفارة عن إثارة تلك الحوادث.
قلت : إننا نتوقع حربا بين بلادنا وإسرائيل او فتنة فى لبنان, لذلك واجبنا أن نستعد بأن نكون مدربين على حمل السلاح للدفاع عن بلادنا ومبادئنا.
فقال: سأكتب بذلك.
قلت: أنا أعرف أن الكتائب يتدربون, فإن كان المسلمون والدروز لهم تشكيلات وتدريبات فمن باب أولى أننا نستعد, وليكن تدريبنا فى سورية أو العراق أو أى مكان آخر.
فقال: سأكتب عن ذلك, وشكرته ثم ودعنى وخرجت.
قطع المعاش:
علمت بأن السفارة أرسلت برقية إلى القاهرة بخصوص المعاش وجاءها الرد بعدم صرفه, وهذا القطع من رئاسة الجمهورية وبدون إبداء الأسباب.
وحينما كنت أحادث السفارة كان معى أخ سودانى فأخبرته بقطع المعاش وأبديت له مخاوفى من أن هذا الإجراء قد يتبعه إجراء آخر أشد وهو تسفيرى إلى القاهرة عنوة ووضعى فى السجن!!
قال الأخ: إن هذا الموضوع ذو شقين: قطع المعاش وتسفيرك عنوة لتنفيذ الحكم. أما الشق الأول وهو المعاش فأرى مداومة الكتابة والطلب, كما أننى لا أستطيع أن أعدك بإمكان مدك بالمال هنا, لكن إذا سافرت للسودان وهذا سيكون تحت مسئوليتى.
والمهم الآن أننا نضع خطة جاهزة للتنفيذ, إذا شعرنا بأن الحكومة المصرية تنوى نقلك إلى القاهرة للإضرار بك, ثم طلب منى جواز سفرى لمدة يومين ثم يخبرنى هل يستطيع تسفيرى إلى السودان قبل أن يحدث ذلك, وأخذ الجواز وخرج وحضر فعلا ومعه الجواز بإضافة السودان وأعطانى تأشيرة دخول وتعهد بأنه مستعد لتحمل تبعة هذه التأشيرة, لكن هناك مشكلة هى أنك ممنوع من الخروج من لبنان فإسمك مهمم على جميع مخافر الحدود بذلك, ووجهت إليه عدة أسئلة منها:
1- هل يمكن الخروج من لبنان رغم تعميم الإسم على جميع المخافر؟
2- هل عبد الناصر له علم بقطع معاشى؟
3- هل هناك خطر من السفر إلى القاهرة؟
فقال: سأخبرك بذلك يوم (12/6/ 1965), وفعلا فى الموعد اتصل بى الأخ السودانى وطلب منى الحضور إلى منزله فذهبت إليه وقال لى : إنه قد ذهب من عنده مندوب إلى القاهرة. وجاء بالردود وهى : إن عبد الناصر لم يطلع على اسماء الناس الذين قطعت معاشاتهم أو ضمنهم تخيفض المصاريف وهو مشغول فى حوادث الجزائر, وان القاهرة لن لعبد المنعم بدخولها, وأن لا مانع من يكتب عبد المنعم لعبد الناصر بخصوص استرداد المعاش, وقال أيضا: إن المعلومات التى لديه أن الحكومة المصرية أرسلت خطابا لسفيرها فى بيروت بتاريخ (24/4/1965) تطلب منه تخفيض المصروفات بمقدار (40%) وأعطت للسفير حرية التنفيذ على أن يتم اعتبارا من أول مايو, وفعلا نفذ السفير الأمر وقدم(24) اسما تحذف معاشاتهم, وكان اسمى من ضمنهم وقال السفير: إن عبد المنعم لا يفيد السفارة بشىء ولا خطر منه الآن فهو فى خلاف مع قادة الإخوان.
وذكر لى أن السفارة أبلغتنى أنها أرسلت تطلب من القاهرة رد المعاش وهذا كذب, لأنها صاحبة الاقتراح فكيف تناقض نفسها؟
أما عن خطة إخراجى من بيروت فستكون كالآتى: عند التأكد من عزم القاهرة على استدعائى سيصل إلى شخص يبلغنى أنه مصعب بن عمير فأخرج معه فورا وهذا سيوصلنى لبدو من تجار المخدرات, هؤلاء سينقلوننى إلى الأردن ومعى جواز سفرى, ومن هناك بالطائرة للسودان وهناك سيستقبلنى شخص رفيع ويوصلنى إلى مأمن.
وهنا دق جرس الباب ودخل شخصان لا أعرفهما, وجلسنا نتحدث, فقلت: إن حبرتى كفرد عاش فى الحقل الإسلامى تقول بضرورة الآتى:
1- يجب لمن يتصدى للقيادة أن يكون بيته مسلما وبذلك يشب النشء مسلما فالبيت هو الأساس.
2- يجب إشراك المرأة فى الدعوة الإسلامية, فالمرأة إحدى الرئتين.
3- وضع نظام ذى شقين: أولهما نظام مركز دقيق قوى, يهدف إلى تكوين فدائى مطيع مستعدا للعمل فورا.
وثانيهما نظام طويل المدى.
قال الأخ: لن تمضى أيام إلا ونرى عبد المنعم معنا فى التنظيم.
فقال الأخ الزائر: إن الذى يريد افصلاح يجب ألا يخرج من الصف, وهناك عبد المنعم!!
قلت: من قال: إننى خرجت من الصف؟! إننى حضرت إلى هذه البلاد عام (1955) محكوما على بحكمين, الأول: بالأشغال الشاقة المؤبدة بتهمة محاولة إنقلاب, والثانى: الإعدام بسبب حوادث الإخوان, وحين وصلت, سئلت: هل أنت على استعداد للعمل؟فأجبت بالقبول وتكونت اللجنة لخماسية لكننى شعرت بأنهم يتصرفون بعقول قديمة, كالقائد الذى حضر معارك الحرب العالمية الأولى, فعرضت عليهم إقتراحاتى من واقع تجاربى, فلم يتفاعلوا معى وكنت أشد فيهم شدا دون جدوى, أما العمل والجهاد فأنا مستعد الآن للذهاب فورا بملابسى هذه دون أن أودع أولاد فما رايك؟
إننا منذ تعلمنا فرائض الإسلام مستعدون للاستشهاد فى سبيل الله.
وانفض الإجتماع من غير أن نتفق على شىء.
ومرت الأيام والشهور ولا أمل فى عودة المعاش, والإخوان لم يقرروا أى شىء, وكانت تأتينى مساعدات قليلة من بعض الأصدقاء, كانت تسد بعض الاحتياجات, لأن زوجتى فى بداية عملها, وكان كثير من الإخوان يشكون فىّ, حتى أن أحدهم صارحنى بأنى أتعامل مع المخابرات المصرية, ودليله على حصولى على المعاش وجواز السفر, وحضور عبد الناصر حفل زفاف ابنتى!!
فقلت له: هل هذا دليل كاف؟ وأيهما أكثر شبهة.. أنا أم الذى يسمح له بالسفر إلى مصر ومعه أسرته؟
مشوهو حرب اليمن:
حضر عندى أخ مصرى وقال : إن أى انقلاب فى مصر سيؤدى إلى إراقة دماء غزيرة لأن قوة عبد الناصر امتدت للجذور فمثلا هو صاهر عبد الحكيم عامر, وأمر بقتل مشوهى حرب اليمن لكيلا يضعفوا الروح المعنوية, وأن تقريبا له شاهد قوات مصرية على الحدود بين العراق والأردن وسوريا,وأن الشعب المصرى كله غير راض عن أن يحارب عبد الناصر السعودية!!
قلت له: إن عبد الناصر اصطنع المؤامرة الأخيرة التى قيل فيها: إن الإخوان يريدون اغتياله كى يضع الإخوان فى السجن حتى يطمئن على الجبهة الداخلية إذا ما حدث نفسه بمحاربة السعودية, وسبق ذلك قطع معاشى وإن عبد الناصر اتخذ من قضية فلسطين مادة للحصول على شعبيته, وحين كنت قائدا للواء الفلسطينى تحدثت معه لإمداد اللواء بأحدث الأسلحة فقال العبارة التالية:" إن الفلسطينيين خونة".
أنباء المؤامرة:
فى يوم (7 من سبتمبر1965) أعلن راديو لندن أن الإتحاد الاشتراكى العام فى القاهرة كشف عن مؤامرة لجماعة الإخوان المسلمين كان القصد منها اغتيال الزعماء المصريين, وتدمير المنشآت العامة وقلب نظام الحكم, وأنه قبض على حوالى ألف شخص فى القاهرة والإسكندرية وست مدن أخرى.
أثر هذه الأنباء:
اتهم عبد الناصر الجماعة الإسلامية بالتعاون مع المكتب الثانى اللبنانى, لأن المكتب هدد إبراهيم قليلات إذا جرى أى شىء, مخل بالقانون, وأضاف الذى اتهم الجماعة بأن المكتب تابع لفرنسا, إذا فالجماعة تعمل لحساب فرنسا, ويظهر أن عبد المنعم مشترك فى حوادث الإخوان الأخيرة بدليل أن عبد الناصر قطع عنه المعاش, فأجابه الأخ اللبنانى: لو كان ذلك حقيقة لسحب منه جواز السفر على الأقل, كانت كل هذه الأحاديث تدور, وحتى لا ألتقي بهؤلاء الشبان المندفعين –لأن حبهم لعيد الناصر أفقدهم صوابهم – أصبح خروجى من المنزل للضرورة فقط.
اتصالى ثانية بالسفارة :
مر أكثر من خمسة شهور على قطع المعاش ولم يستقر الرأى على شىء... إيجاد عمل أو سفر, مما اضطررت معه للاتصال بالسفارة وتقديم شكوى من عدم صرف المعاش, وإذا بالمسئول يخبرنى بأن هناك تعليمات بوقف المساعدة من ثلاثة شهور قبل الوقف, ولكن الأخ محمد نسيم لم يشأ أن يوقفها واستمر فى الصرف حتى نقل من هنا.
سألته: هل يجوز وقف صرف معاش تقاعدى؟ فأجاب: هذه كانت مساعدة ولم يكن معاش تقاعديا. فقلت بحدة: هو أنا بتاع مخابرات؟!! فأجاب على الفور : لا.
قلت: أنا أخدم وطنى وبلادى بروحى ودمى بدون قيد ولا شرط.
ووصلتنا أخبار من القاهرة بأن الحكومة تعد تهما لإلصاقها بالإخوان فى الخارج, وتقديم التهم للحكومات التى فيها إخوان بقصد استدعائهم ثم القبض عليهم, وبذلك تسوء سمعة الإخوان وتضمن الحكومة عدم قيام حركة لهم مرة ثانية.
الحاج أمين الحسيني:
زرت الحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين فى مقر الهيئة العربية العليا, وذكرته بمقابلتى له مع الإخوان رشاد مهنا وأحمد فؤاد عام 1947 ووضعنا خطة لتحرير فلسطين. سألنى وأين أحمد فؤاد؟ أجبت رحمه الله. سألنى كم مرة التقينا؟ قلت ثلاث مرات. قال : إنه يعرف إننى كنت قائدا للكتيبة الفلسطينية. سألنى كم كان عددها؟ قلت : ألف جندى, وذكرنى أيضا باننى زرته بصحبة الأستاذ حسن عشماوي قبيل ثورة (1952). وقال لى هو يودعنى فى مكتبه أنا موقن بيقينك وإيمانك. وقال: إن العلاقات بين السعودية وجمال تتحسن ثم تركته وانصرفت لكنه لحق لى فى سيارته, ودعانى للركوب معه وأثناء ذلك سألنى كم كان عدد الكتيبة الفلسطينية؟
فقلت : ألف.
قال: إن تعداد الفلسطينيين مليونان ويمكن نجنيد مائتى ألف!!
وسألنى: ألا يكفى هذا العدد لتحرير فلسطين؟ أجبت: لقد سبق ان زرتك اول مجيئى لبنان وقلت لك: إن السلاح الرهيب الأول لتحرير فلسطين هو اتفاق الدول العربية فى النواحى السياسية والإقتصادية والعسكرية.
ثم نبدأ حرب العصابات ضد إسرائيل بواسطة الفلسطينيين مع قواعد فى البلاد العربية , وتكون الدول العربية على استعداد لرد أى اعتداء عليها.
وعندما وصلت السيارة إلى المكان الذى أريده نزلت وعندها قال لى: أى خدمة أنا موجود. فقلت له: وأنا كذلك.
الفصل الحادى والعشرون : إنتهاء صلاحية جواز سفرى
فى 28/3/1966 قدمت طلبا للسفارة بتجديد صلاحية جواز سفرى ودفعت الرسوم وأخذ منى الجواز وطلب منى الحضور بعد عيد الأضحى مباشرة.
وذهبت للسفارة بعد العيد فأعاد لى الموظف المسئول الجواز بدون تجديد بحجة أن رد القاهرة بخصوص زيارة بعض البلاد وتجديد الصلاحية لم يأت.
فطلبت مقابلة القنصل فقيل إنه مشغول, وحاولت بعد ذلك فكان يتهرب بإنشغاله دائما.
وفى أحد المرات سألت أحد موظفى القنصلية: لماذا لم يأت الرد من القاهرة؟
فقال: إن وزارة الداخلية هى السبب.
ضياع جواز السفر:
بينما كنت عائدا إلى المنزل لم أجد جواز سفرى فوقفت حائرا... ماذا أعمل؟
لقد وقعت فى مشكلة!! وأول شىء فعلته أننى أعلنت عن فقده فى جريد الحياة اليومية, وعملت محضرا فى قسم الشرطة, ثم ذهبت إلى السفارة وأبلغت المسئول بان حواز سفرى فقد منى بتاريخ 27/4/1966.
البحث عن حل:
اجتمعت مع الإخوة, وكان رأى أحدهم أن أعود إلى الأردن وأطلب اللجوء السياسى خصوصا بعد أن تغيرت الأحوال.
فأخبرته: كيف يحدث ذلك وقد طردت منها وبدون سبب.
كما أرسل احد الإخوة السودانيين خطابا لإخوانه فى الخرطوم عارضا عليهم عرض حالتى على الحكومة السودانية, من أجل قبولى لاجئا سياسيا هناك, ولكن لم يصل الرد. وذهبت إلى السفارة السودانية وطلبت السماح لى بدخول السودان ولكن المسئول قال: إنه لا يستطيع تحمل تبعة هذه المسئولية.
فى هذه الظروف خشيت من الأمن العام أن يطردنى من لبنا فقررت الإختفاء لحين ظهر شىء جديد.
وفعلا اتفقت مع بعض الإخوة الشبان الذين يدرسون فى بيروت , بأن أقيم عندهم وبقيت لديهم شهرا بعيدا عن منزلى, وعلمت أن الأمن العام لم يسأل عنى خلال هذه المدة مما دعانى إلى أن أعود إلى المنزل وربما كان السبب فى ذلك, كما أظن, هو لجوء قتلة كامل مروة صاحب جريدة الحياة لمصر ورفض الحكومة تسليمهم,مما أثار رجال الأمن هنا, وبما أننى معاد لعبد الناصر فلم يأمرونى بالخروج, وأيضا لكراهية مدري الأمن ورئيس شعبة الأجانب لعبد الناصر وشعورهم بانى مظلوم.
ومن جهة فأنا لم أراجع السفارة المصرية بشان تجديد صلاحية الجواز, لحزنى على إخوانى الذين أعدموا فى المؤامرة الثانية على الإخوان.
السودان ترفض سفرى إليها:
حضر الأخ السودانى وشرح لى محاولاته الكثيرة بخصوص موقفى الحرج فى لبنان فطلب منهم شطب اسمى من قائمة الممنوعين من السفر أو قبولى لاجئا سياسيا وقال: إن الجميع على علم بحالتى لكن لا يستطعيون مساعدتى للسفر إلى السودان الآن لسببين:
الأول: الخوف على من الإغتيال. لأن حزب الشعب الديمقراطى والشيوعيين والناصريين مؤتلفون, والخطر منهم علىّ, وذكر أن مظاهرة من عشرة آلاف شخص قامت فى الخرطوم, تأييدا لمقتل الشهيد سيد قطب ورفاقه الشهداء, إذ أن أعوان عبد الناصر موجودون فى الشمال والشرق من السودان.
الثانى: خشية رئيس الوزراء صادق المهدى من أن يفسر وجودى فى السودان على أن حكومته تحتضن المعادين لعبد الناصر, وبذلك يثير ثورة المعارضة المؤيدة لعبد الناصر.
وبذلك سدت فى وجهى جميع البلاد.
الذهاب لمقابلة القنصل:
هذا الحادث دعانى أن أذهب إلى السفارة , وطلبت من الموظف اننى أريد مقابلة القنصل ,بعد قليل قال لى: تفضل.
سألنى القنصل عن طلبى فقلت: أنا عبد المنعم عبد الرؤوف ضابط متقاعد مقيم مع زوجتى وابنائى فى لبنان, وقد فقد منى جواز سفرى وأرسلت لكم خطابا بخصوص الرغبة فى السفر لمحاربة إسرائيل.
قال: خطابك وصلنى ثم أخرجه من أمامه وأخذه وغاب فليلا وقال: سأعمل لك جواز سفر, وكانت الساعة قد تجاوزت الواحدة وكان اليوم هو يوم السبت, فأجلت ذلك ليوم الإثنين وذهبت إلى السفارة وأتممت الإجراءات وتسلمت جواز السفر وكان ذلك يوم 23/5/1967 وهو بدل فاقد.
وبعدها ذهبت للقنصل وسألته عل هناك ما يمنع من سفرى؟ أجابنى لماذا تستعجل فلتبق (20) يوما أخرى ونحن أيضا نريد الاشتراك فى حرب إسرائيل.
فقلت هذا صحيح لكن بالنسبة للضباط يجب أن يرحل بسرعة.كما أن هذا واجل على كل عربى ومسلم ومسيحى لن تلك البلاد المقدسة.
ثم قلت: إن النقطة الأولى التى تهمنى هى السفر ثم جواز السفر فأجاب: لك أن تسافر لكن خذ تأشيرة من الأمن العام.
ذهبت إلى المن العام وطلبت من الموظف إعطائى تأشيرة خروج ولما فحص الجواز وجد أنه بدل فاقد فسألنى: هل أبلغت عن فقد الجواز السابق أجبت: نعم وعملت كل الإجراءات.
فأعطانى ورقة خاصة بتجديد الإقامة وملأتها فأخذها وأعطانى إيصالا بتسلمه جواز سفرى.
وأحب أن أذكر أن جواز السفر كتب عليه ورود برقية بالتصريح بالتجديد من (9/6/1966) بينما إصدار الجواز (22/5/1967) والسفارة بالرغم من ذهابى إليها مرات ومرات لم تبلغنى, بوصول الرد, وفى هذا دليل على أن هناك من يعمل ضدى.
مكائد وتحريات:
عدت إلى منزلى فأبلغتنى زوجتى أن شخصين أحدهما يدعى عبد الحكيم حاطوم سأل عنى وقال: إنه يريدنى لموضوع شخصى فلما أجابته باننى غير موجود, قال : هل انتظره على المقهى؟ فأخبرته بأننى لا أجلس على المقهى ثم انصرفا.
وفى (30/5/1967) فى السادسة صباحا طرق بيتى تحريات ودخلا إلى غرفة الضيوف وبعد أن قدمت لهما التحية سألانى عن الإقامة وجواز السفر فأبرزت لهما الإيصال المعطى من الأمن العام, ثم سألا عن إيجار الشقة وعن الأطقم التى كانت موضوعة على المقاعد فأخبرتهما عما يريدان وقلت هذه الأطقم من خياطة زوجتى.
- سأل هل تخيطون هنا؟
- قلت : نعم.
- وسأل : هل ما زلت من الإخوان؟
- قلت: إننى قدمت إلى هنا وأنا مشغول فى تربية أولادى.
ثم طلبا منى الذهاب معهما إلى الأمن العام, فطلبت مهلة لارتداء ملابسى وتدوين بعض الكتابات, وأخذا يستعجلانى وذهبت معهما فى سيارة خاصة, وكتبا محضرا وقعت عليه وشمل الآتى:
1- إننى لم أمانع فى الذهاب.
2- معى إيصال وجواز سفرى فى الأمن العام.
3- تاريخ المحضر 30/5/1967.
ثم دخل علينا فجأة عمر النويرى وسألنى عمن أكون, فقلت : فلان. فقال أحد اللذين حضرت معهما وهو سعيد بيطار: إن الإخوان فيهم سيئون وطيبون, وثبت أن السيئين تعاونوا مع الإستعمار وهو واثق من ذلك. سألنى عن رأيى فى عبد الناصر : فقلت عبد الناصر قائد عسكرى وسياسى. وبعد قليل أدخلونى غرفة الموقوفين مع المهربين والهاربين وتجار المخدرات.
التحقيق:
حقق معى حبيب مرتضى. الأسم والسكن والمهن والحالة الإجتماعية ومورد العيش فأجبت عن جميع السئلة.
وقلت ليس لى نشاط سياسى لا سابق ولا حاضر ولا مستقبل, وإننى مشغول بتربية أولادى ولن أجيب عن أسئلة خاصة بموضوعات حدثت قبل وصولى إلى لبنان
قرأت ورقة التحقيق وتبين لى فى المقدمة أن إخبارية رقم (33063/ س )بتاريخ17/5/1967) جاءت للأمن العام نصها:
إن السيد عبد المنعم عبد الرؤوف يقيم فى لبنان بدون إقامة ولا يحمل جواز سفر, ويؤم بيته أفراد من جماعة الإخوان المسلمين حيث يجرى اجتماعات.
وفى نهاية التحقيق أفرج عنى ووقعت بإمضائى إلا أن المحقق أبلغنى بأن مفوض بيروت عمر النويرى يريدنى.
فذهبت إلى غرفة سكرتيره الذى أجلسنى وأبلغ عمر فاستدعانى فدخلت وبادرته بالتحية فقال: تفضل, فجلست. ثم قال : خلاص ستبل نشاطك؟
قلت: إننى ليس لى نشاط ولم افعل شيئا فى الماضى ولا الحاضر ولا المستقبل!!
فقال: المستقبل عند الله فقلت: فى الماضى والحاضر فقال: سأطلعك على نشاط الماضى وخرجت وذهبت إلى المحقق فأجلسنى بجواره وبعد نصف ساعة ابلغني بان المدير أمر بالإفراج عنى.
ثم استبقى معه إيصال جواز سفرى وطلب منى الحضور فى اليوم التالى إلى عمر النويرى فى التاسعة صباحا, ورفض تسليمى الإيصال. فقلت: إن هذا سيعرضنى لمتاعب, كيف أسير بدون إيصال جواز السفر؟ فأصر, ثم التفت إلى المفوض قائلا: (شوف) فقال لى المفوض ممكن وممكن بكره وبعده ويمكنك أخذ تاكسى!! فذهبت لإبراهيم نصر ومصطفى الحاج طالبا جواز سفرى فأخذت إيصالا.
وفى اليوم التالى 031/5/1967) كنت فى التاسعة بمكتب عمر النويرى فاستوقفنى خارج غرفته وفجأة استدعانى حبيب مرتضى وتظاهر با،ه سيحقق معى , لكنه مزق الورق وسمح لى بالإنصراف, فصعدت وأخذت جواز سفرى وعليه إقامة إلى (10/6/1967).
زيارة لمحمد كوثر:
زوت السيد محمد كوثر فى مكتبه بالسفارة برفقة الشيخ محمد الجو زو. بدأ الحديث مزكيا إياى بأننى لم أنحرف وليس لى اتصالات مريبة وأعيش من عرق جبينى وأنه مستعد لأى شىء.
وقال : إن المعلومات التى عندى أنه لا نشاط له, وهذا الوقت هو الوقت الوحيد الذى يستطيع العودة خلاله لبلاده.
قلت: إن كل شىء موجود عندكم, كما أننى واثق بأن لا نشاط لى مطلقا.
فكتب رسالة إلى القاهرة لمكتب الرئيس متضمنة ما يأتى:
حضر إلينا قائد اللواء الجوى المتقاعد عبد المنعم عبد الرؤوف برفقة المفتى . وعمره (53) عاما, أحيل للتقاعد عام (1954) متزوج لبنانية وله ثلاث بنات وولد ودخل لبنان فى (23/7/1962) وتسلم مرتب التقاعد 82,5 جنيه مصرى اعتبارا من أول ديسمبر ( 1962 إلى نهاية إبريل 1965) وجواز السفر فى (10/6/1963 إلى 9/6/1966)
سألنى هل أنت مستعد للسفر سواء جاء القبول أو الرفض أو عد الرد؟ فأجبت: نعم. وبعدها أستأذنا وأخذ عنوانى ورقم هاتف أهل زوجتى وانصرفنا.
وبعد فترة حضرت حماتى وأبلغت زوجتى أنمحمد كوثر اتصل بهم وابلغهم بتأجيل سفرى إلى القاهرة, وهنا سألتنى زوجتى ماذا ستفعل؟ قلت: لن أسافر مادامت الرئاسة فى القاهرة لم توافق على سفرى. غذ من المحتمل إذا سافرت أن أوضع فى دون الإستفادة بى فى الحرب.
وجاءنى خبر بأن أتصل فورا بالسيد محمد كوثر فى السفارة فاتصلت به وأبلغنى نص الإشارة الواردة من القاهرة, ردا على الإشارة التى أرسلها بتاريخ (3/6م1967) وكان نص الرد: ينبه على السيدعبد المنعم عبد الرؤوف بتأجيل سفره وأن الموضوع قيد الدرس فشكرته وقلت: إننى سعيد بمعرفتك.
بدء العدوان:
فى صباح 05/6/1967) بدأ عدوان إسرائيل على مصر وسوريا والأردن فاتصلت الساعة (11) بالسيد محمد كوثر وأبلغته الإشارة التالية:
إن وقتك ثمين جدا وإننى مستعد لأى عمل يطلب منى والله يحفظ الأمة العربية, إن رقم هاتفى وعنوانى معك, وأى شىء إننى فى الخدمة.
قال: أنا عارف كل هذا.
لقاء مع الشباب:
زارنى بعض الشباب وسألنى أحدهم عن الحرب. قلت: إنها هزيمة لا تعادلها إلا هزيمة فرنسا, والمسئول الأول والأخير سياسيا وعسكريا عبد الناصر, لكونه اعتمد على مساندة ورسيا له لكنها خذلته, وتحطم سلاح الجو العربى ومطاردته فى الساعات الأولى من المعركة, واستسلام أربع فرق مشاه و21 فرقة مدرعة, وهذا هو الوقت المناسب للإخوان.
ودافعت عن الجيش المصري الذى لولا تحطم السلاح الجوى لانتصر, قلت: إن المدفعية المصرية هى أقوى مدفعية فى العالم قارنت بين صحراء سيناء والدلتا المكشوفين وبين مواقع سوريا الجبلية العالية.
- فسأل أحدهم: هل هناك خيانة من الضباط الذين استقالوا أو أحيلوا؟
قلت:لا!! إن أكثر من أعرفهم أكفاء حسن الخلق وزكيت صدقي محمود وأنور القاضي وقلت: إن أسباب الهزيمة تخلى الروس ومفاجأة القوات الجوية وتدميرها ومطاراتها وتدخل الطيران الأمريكى والإنجليزى لصالح العدو, وتفكك الدول العربية بين مصر وبين السعودية والأردن وتونس واليمن, وحرب اليمن التى استنفدت قوى مصر من الرجال والسلاح والمال!!.
- وبدأ تساؤل من هى الدولة التى وراء إسرائيل؟
- قلت: أمريكا!
قال: إن أمريكا سـتأمر إسرائيل بالانسحاب إلى المواقع التى كانت فيها فى (4) من يونيو وقال : إنه كونى بالخير مع شخصية هامة, إذ إن عبد الناصر سجن وشرد الضباط الأكفاء, وأن أسهم عبد الناصر انخفضت جدا بعد الهزيمة الأخيرة فى (5/6/1967) قلت له: إن هناك مؤامرة مبيتة ضد مصر, دفع ثمنها الشعب الأردنى من دمائه الزكية, وموهوا عليها بميثاق الدفاع المشترك ,وارتفعت أسهم الملك حسين, فلم يعلق على هذا إنما كرر أن أمريكا سـامر إسرائيل بالانسحاب.
وقال: إنه يبدو أن هناك حركة تطهير فى الجيش من جذوره وأن هناك انقلابا.
قلت: مادام هناك حركة تطهير فهذا من عمل الانقلابيين لترسيخ أقدامهم وهم لا يريدون الإعلان عن الإنقلاب كيلا يطمع العدو.
من آثار الهزيمة:
انهارت سمعة عبد الناصر فى الصفة الغربية بعد الهزيمة التى حلت بالضفة الغربية والجيش المصرى, والجيش العراقى لم يستطيع التحرك نهارا بسبب شدة الغارات, وعلمنا أن ضابطا فدائيا مصريا قال للفدائيين بالقرب من تل أبيب: إنهم لا يقاتلون فى سبيل عبد الناصر ولا غيره إنما فى سبيل الله, وقام بأعمال مجيدة مما حبب فيه الأردنيين, ودخلت دبابة إسرائيلية من باب الأسباط فى القدس, وقد توقفت الدبابة الأولى مما أعطى فرصة للجنود الأردنيين بالانسحاب من الجنوب.
وذهب مندوب عن مجلة الحوادث إلى عمان وجاء بمعلومات منها:
يوجد قوات عائلة عراقية فى الأردن, ولا يزال عبد المنعم رياض قائدا للجبهة, وهو موضع إعجاب الكثيرين والملك, وأن القوات الإسرائيلية غير كافية لملء مواجهة الأردن والحركة قائمة بين عمان وبين الجبهة.
المشاة ركبت سيارات صغيرة برشاش تحمل جنودا وتتسلق الجبال وتهبط وأن العراق أعطت الأردن مائة طائرة بينما مصر أعطتها خمسين طائرة والمطارات العربية كلها الآن فى العراق, قوات جزائرية الآن فى سوريا والقوات العراقية متعطشة للثأر , وهى خشنة الطبع, وأن الهجوم القادم ضد إسرائيل سيكون فى الجبهة الأردنية والسورية, وتحصر القوات الإسرائيلية التى فى سيناء, وأن قوات سورية فى الأردن جار إعادة تدريبها, وأن عقيدا عراقيا اتهم أحمد سعيد المذيع فى صوت العرب ى المذيع فى صوت العرب بالخيانة, لأنه أذاع نبأ تحرك قوات عراقية نحو الجبهة فدمرها طيران العدو فورا إذاعة الخبر.
موقف الإخوان فى السجون:
وعلمت أيضا أن عدد الإخوان فى السجون والمعتقلات يبلغ خمسين ألفا وقد أبرقوا لعبد الناصر برغبتهم فى الإشتراك فى الحرب ضد إسرائيل لكنه رد عليهم رافضا السماح للخونة بالقتال.
لقد كان أجدى لجيش مصر التقدم داخل إسرائيل غذ يفصلها (60) كيلو من أن ينسحب (600) كيلو تخت سياط العدو, بينما الضابط المقدم الذى أسرته إسرائيل ومعه ضابطان وجنديان هو من أصل يهودى خدم الجيش المصري (20) سنة وفر إلى إسرائيل ومعه معلومات خطيرة, وأن اجتماعا سريا جرى بين الملك فيصل وثروت عكاشة فى روما أثناء عودة فيصل إلى بلاده, وطلب ثروت من فيصل المرور بالقاهرة لمقابلة عبد الناصر ولكنه رفض, وكان هناك (1500)) فدائى مصرى رفضوا العودة لمصر إلا بعد تحرير القدس.
لم يأسر المصريون سوى اسير واحد بينما وقع الآلاف فى يد إسرائيل ومما سمعته أيضا أن عبد الناصر كان من رأيه البدء فى عمل هجوم جوى مفاجىء على إسرائيل, لكن عبد الحكيم عامر وشمس بدران كانا معارضين, وسافر إلى روسيا لشكايته للروس وقال لهم: إن المجنون عبد الناصر يريد عمل حرب , لما أجرى اليهود هجومهم المفاجىء أصدر عامر أمرا إلى الفريق عبد المحسن كامل مرتجى بالقبض على جمال, إلا أن صلاح نصر أبلغ الخبر لجمال وطلب منه الاطمئنان وأن قوة من الفدائيين فى طريقها إلى عامر ومرتجى للقبض عليهما, وفعلا أصيب عامر بسبع رصاصات فى جنبه الأيسر ومحاولة قتل عبد المحسن مرتجى.
هناك ثلاث قوى وهى ناصرية ويمينية مع زكريا وإخوانية, وسيعمل الإخوان مقاومة سرية فى القدس, والشعب المصرى صار يحتقر الضباط المصريين بعد هزيمة (1967) ومدكور أبو العز تولى قيادة سلاح الطيران, لأنه أصدر أوامر عندما كان محافظا لأسوان بعمل دوريات جوية فوق السد, وفعلا لم يستطع اليهود اختراق ذلك الدفاع, وصدقي محمود كان ليلة الهجوم سكران مع جميع الطيارين بمناسبة زفاف ابنته, ولأيقظوه من النوم بعد أنتحطم سلاح الطيران والمطارات وعبد الحكيم بمناسبة الزفاف أعطى الضباط إجازة (48) ساعة رغم حالة الطوارىء الموجودة, وعقد اجتماع برئاسة الملك فيصل حدث فى روما حضره جميع سفراء الدول العربية وثروت عكاشة, وأبلغهم فيه أن إسرائيل ستهجم ومن الأخطاء العسكرية المصرية:
1- عدم صلاحية عبد الحكيم عامر لذلك المنصب الكبير بينما يوجد فى الجيش من هم أكفأ منه, ولم يتعين فى هذا المركز عن جدارة ولكن لصداقته لعبد الناصر.
2- انعدام الروح المعنوية فى الجيش المصرى نتيجة حكم الفرد وتعرض أهالى الجيش للإرهاب من قتل وسجن.
3- دخول الملك حسين الحرب مضطرا حتى لا يتعرض لنقمة الجماهير الأردنية والفلسطينية.
4- أن عقد ميثاق الدفاع المشترك بين الأردن ومصر قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية العربية يعتبر مهزلة, إذ إن يومين لا يكفيان لإنجاز متطلبات الدفاع المشترك فى تدريب الوحدات مع بعضها.
5- لم يكن هناك عمق فى الجبهة الأردنية.
6- خشية الملك حسين على عرشه من تسلح الشعب وأكثره من الفلسطينيين الموالين لأحمد الشقيرى العميل الناصرى المسيطر على جبهة التحرير الفلسطينية.
التفكير فى معسكر للتدريب:
زارنى أحد السوريين وعرض على الإستعداد للسفر إلى منطقة بالأردن من أجل إقامة معسكر لتريب الشباب الإسلامى من الحزب الإسلامى والإخوان المسلمين, لغزو سوريا والإطاحة بحكم البعث لأنه حكم أشد كفرا من اليهود لأن اليهود من أهل الذمة أى أهل الكتاب. فلما اعترضت على هذا التعبير بالآية الكريمة [ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا] تمسك براية وقال: إن السوريين يحبون الملك حسين لأسباب منها كره الشيعة وكراهيتهم للبعث, ولأنحداره من البيت الهاشمى. قلت له: وما العمل فى القوات العراقية الموجودة فى الأردن؟
أجاب : إن الملك يستطيع إخراجهم فى أى وقت يشاء, قلت : إن الملك متعاون مع الإنجليز, وقد يستغلنا كما استغل الإنجليز عام(1914) أبان الحرب العالمية الثانية الشريف حسين أجاب فى هذا الحالة نحارب الملك ونوجد فرصة للتخلص منه, وقال: لا تقل إن الملك عميل للإنجليز بل قال: إنه لا إسلامى, سألته: وما رأيك فى الفلسطينيين التابعين لمنظمة التحرير؟ أجاب إنها لم يعد لها كيان, وأصبح عبد الناصر لا شعبية له ويمكن للملك بواسطة قوات البدو محاصريهم.
ثم عرض على تولى قيادة الحركة العسكرية أو التسلل والقيام بحركة تطهير تسبق الحركة.
ثم سألنى : هل تستطيع السير؟ قلت: إننى مصاب بالقدم اليمنى إصابة تفوقنى عن الحركة بسهولة, وأظن أنه يمكن ركوب جيب للمرور بها على التدريب.
قال: سنجهز لك جواز سفر لقبرص أو أثينا ومنها للأردن.
قلت له: إنى لا أحب الملك ولا أتعاون معه. قال: لماذا قدمت طلبا للسفر إلى القاهرة ولم ترسل طلبا لجميع الدول العربية؟ أجبته إننى طلبت فى خطابى الإستعداد بالمساهمة الفعلية فى الحرب على أى جبهة.
قال: إن إخوانك الضباط أرسلوا لجميع الدول ,
وقال: إن أحد إخوانك ممن يتعلمون فى أوربا أبدى كامل استعداده للعمل معه, عندما سمع بأنك ستتعاون معنا, وانتهت الجلسة دون الاتفاق على شىء لحضور زائر.
ولكنه بعد فترة طويلة جاءنى وسألني عما إذا كنت مستعدا لتدريب بعض الإخوان فلما أبديت استعدادى تخلص بقوله: إنهم جادون فى البحث عن أماكن للتدريب, وإن ضابطا مثلى إذا ضبط يدرب أحد له تفسير خاطىء, والمطلوب منى إلقاء المحاضرات عن تجاربى لواحد أو اثنين وعن تجاربى فى الحياة, ولم يتم شرح شىء فى هذا الموضوع, وكانت الأسباب التى بنيت عليها رفضى لهذا الإقتراح أن مثل هذا العمل لا يقره شرع ولا عقل فى هذه الظروف.
ووبالتالى يوصم القائمون به بالخيانة, وحسين وغيره سيستغلون بالنجاح لمصلحتهم , وأن العملية آيلة للفشل لعدم كفاءة القوات المستخدمة, وأن صحتى وأحوالى, وأن العملية آيلة للفشل لعدم كفاءة القوات المستخدمة, وأن صحتى وأحوالى تعوقان اشتراكى.
معسكر فى السودان:
كان قد طلب منى أن لأدرب جماعة من الشباب فى السودان, وفى اليوم الثالث من أغسطس (1967) زارنى أحد الإخوان, وسألنى: هل لدى استعداد للسفر للسودان لإقامة معسكر تدريب؟ أجبته بأن نلتقى مساء اليوم لأننى على وشك الخروج مع ابنتى لإجراء تحليل دم كطلب الدكتور المعالج لعا, وفعلا حضر فى المساءو وكنت قد أعددت شروط ذهابى لمعسكر التدريب المزمع إنشاؤه فى السودان وهى:
1- ضرورة موافقة قادة جماعة الإخوان فى كل من العراق والسودان وإخوان مصر فى الخارج, وهنا قاطعنى بأن الجماعة التى تريد التدريب غير منسجمة مع قيادة الإخوان الحاضرة, ومستاءة من أساليبهم, كما أن القيادة ليست موافقة على إقامة المعسكر. قلت: إننى مبدئيا موافق على السفر وأستبدل بالشرط الأول موافقة ثلاثة ممن يرغبون فى إقامة المعسكر.
ثم بدأ يشرح لى طريقة الخروج من لبنان إلى السودان بزى أمراء كويتين وسيرافقنى شخص لنركب الطائرة لجدة وهناك ننتقل إلى منطقة على شاطىء البحر القريب من جدة, وبعدها نستقل مركبا إلى شاطىء السودان والسلاح هناك متوافر.
وسألته: وما الغرض من إقامة المعسكر؟ أجاب تدريب الشباب لمقاتلة الأحباش وتغيير الوضع فى الحكومة الحاضرة فى السودان.
قلت: ألا يكفى أنصار المهدى؟ أجاب: إن صادق المهدى مختلف مع عمه.
قلت: إن الرحلة تحتاج إلى أعصاب, وإننى لا أعمل للإخوان ولا لفلان إنما أعمل لله, وأستطيع تدريب ثلاثين شابا فى ستة أشهر, وهؤلاء الثلاثون يدرّبون, كل منهم يدرب ثلاثين فصير عندنا بعد سنة ونصف (900) شاب وهكذا إلا أننى أريد تقريرا مفصلا عن طبيعى المنطقة التى سيجرى عليها التدريب الذى يجب أن يشمل التالى:
الموقع بالضبط وأقرب موانىء إليه وحالة الموصلات المؤدية إليه, ودرجات الحرارة والرطوبة طوال أيام السنة, ومستوى الأمطار وصلاحية المياه للشرب وكيفية الحصول عليها والزواحف والحيوانات المختلفة, ويجب أن يتوافر ثلاثة أطباء: جراح عام وجراح عظام وباطنى.
و الخيام والأدوية وغرفة عمليات مجهزة, وأك