المسجد الأقصى يستصرخ المسلمين لتحريره من الصهاينة
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين في ذكرى تحويل القبلة
مقدمة
الحمدُ لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يقول الله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)﴾ (البقرة :142).
وعن البراء رضي الله عنه: "أن رسول الله-صل الله عليهى وسلم- صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت، وإنه صلَّى- أو صلاها- صلاة العصر وصلَّى معه قوم فخرجَ رجلٌ ممن صلّى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت..". البخاري.
لقد أكمل الله نعمته على الأمة الإسلامية بهذا التحول، وأضحت مستقلة المعالم في كل شيء، وبهذا التوجيه كمل ربط قلوب المسلمين بأماكن الله المقدسة، ببيت المقدس وإقليمه، والكعبة وإقليمها، ومن هذا الربط إيحاء بالمحافظة على تلك الأماكن المقدسة، وبالتضحية في سبيل تطهيرها من عبادة غير الله، ومن كل سلطان غير سلطان المسلمين.
لقد أيقن المسلمون بهذا التحويل أن الله مستخلفهم في الأرض لينظر كيف يعملون، وتأكدوا- في حينه وقبل فتح مكة وقبل دخول المسجد الأقصى- بأن المسجد الحرام بمكة سوف يطهرونه من الأوثان والأصنام، وأن بيت المقدس سوف يكون وما حوله تبعًا للبيت الأعظم، وأن رسالة الإسلام سوف تسري في الآفاق، ويمتد نورها إلى تلك البقاع.
بالإيمان والعمل يتحقق الأمل
وقد حقق الله لهم تلك الآمال بإيمانهم وعملهم وجهادهم فطهروا المسجد الحرام من الأصنام يوم فتح مكة، وبإيمانهم وجهادهم فتحت القدس وبإيمانهم وعملهم أعيد المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين في عهد صلاح الدين.
واليوم كأني بالمسجد الأقصى ينادي أمة الإسلام أن خلصوني مما أنا فيه، ومن أيدي الصهاينة الذين يعملون على طمس معالم القدس وعلى تهويدها، كما يسعون في هدم المسجد الأقصى المبارك بحفر الأنفاق من تحته، والخنادق من حوله، حتى يهدموه ويقيموا الهيكل المزعوم على أنقاضه.
فهل ينتفض الحكام المسلمون ومن خلفهم شعوبهم ويستجيبون لنداء الأقصى ويهبون للدفاع عن القدس وبيت المقدس وتخليصه من الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدره.. وبالإيمان والعمل والجهاد في سبيل الله سوف تكون لهم الكلمة النافذة في تحديد مصير القدس وفلسطين، وسوف تعود فلسطين حرة في ظل الإسلام العظيم يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، ولا يبقى للصهاينة سلطان ولا هيمنة على تلك الأرض المباركة.
تحويل القبلة يعمق جذور الإخلاص والتجرد
وإن في تحويل القبلة حكمة من الله بالغة أراد بها أن تخلص النفوس المؤمنة له؛ وأن تتخلص من كل رواسب ووشائج كانت قبل الإسلام، وأن ينفرد في حسها شعار الإسلام وحده، لا يلتبس به شعار آخر، وأن يتوحد المصدر الذي تتلقى منه لا يشاركه مصدر آخر، وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية 143).
فلقد كان العرب يعظمون المسجد الحرام، فأراد الله- عز وجل- أن يجرد إيمانهم من كل ملابسة تاريخية وعصبية قومية، فلما أسلموا لله صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، وربط قلوبهم بحقيقةٍ أخرى وهي: أن هذا البيت ميراثهم؛ وأنهم خير أمة أخرجت للناس وأنهم الأمة الوسط الشاهدة على الناس: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143).
وما أعظم استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله فلم ينتظروا حتى يتموا صلاتهم.. وإنما تحولوا في الحال حيث أراد الله لهم.. وهكذا شأن المسلم الصادق يدور مع أمر الله حيث دار، وحيثما اتجه فوجهته نحو الله: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)﴾ (البقرة: 115).
وهنا نتساءل أما آن للأمة الإسلامية أن تسارع في استجابتها لربها، وأن تولى وجهها نحو خالقها دون سواه، بأن تخلص لربها وشرعه، وأن تتجرد لعقيدتها، وتنخلع مما سواها من العصبيات البغيضة والقوميات المفرقة والأجناس المتنازعة لتصير كما أراد الله لها أمة واحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾ (الأنبياء).
أيها المسلمون في كل مكان
احذروا مما يخطط له الصهاينة الآن بخصوص المنطقة العربية وفلسطين فإنهم يدفعون بالحكام للضغط على شعوبهم لقبول السرطان الصهيوني في قلب جسم الأمة العربية والإسلامية، والاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة قومية لليهود، وأن يتم الإعلان عن إنهاء الصراع إلى الأبد بين إسرائيل والعرب، وأن تكون الدويلة الفلسطينية الموعودة ذات الحدود المؤقتة منزوعة السلاح، وأن يكون التطبيع إقليميًّا شاملاً، وأن تحل قضية اللاجئين بعيدًا عن الكيان الصهيوني المغتصب لأرض العروبة والإسلام، وهذه أوهامهم.
فكيف يُنهى الصراع إلى الأبد والمحتل لا يزال غاصبًا للأرض، وصاحب الأرض ما زال طريدًا بعيدًا؟
وهل الأشلاء الممزقة بالحواجز والجدار العازل والمستوطنات هي الدولة الموعودة؟
وهل في العالم دولة منزوعة السلاح بجوار كيان غاصب يملك الأسلحة النووية؟
لقد منح الزعماء العرب الصهاينة صك الشرعية فيما لا يملكون ودون أن يستأذنوا أصحاب الأرض، وقد آن الأوان ليدرك هؤلاء الزعماء أنه لا الأمم المتحدة ولا غيرها يملك أن يجعل من الباطل حقًّا.. وأن أصحاب الحق لا يهدءون إلا باسترداد حقهم مهما طال الزمن.
وأن الصراع في المنطقة ليس بين الفلسطينيين والصهاينة، ولكنه بين المسلمين في كل أنحاء العالم.. وبين الصهاينة ومن حالفهم.
وأن تخاذل الحكام عن نصرة إخوانهم في فلسطين لن يمنع الشعوب المسلمة من نصرة إخوانهم، والوقوف بجانبهم.
وأن كل القوانين والأعراف والدساتير لا تمنع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم.
وأن المقاومة حق مشروع، وأن مقاومة أصحاب الحق لا يقف أمامها الباطل مهما قويت أسلحته.. ومهما ساندته قوى الأرض مجتمعة.
وأن للمسلمين في فلسطين مسجدًا تشد إليه الرحال وهذا يفرض على الحكام المسلمين بل وعلى سائر المسلمين أن يعملوا بكل الوسائل لاسترداد فلسطين والمسجد الأقصى، وأن يجاهدوا بكل السبل لفرض سلطانهم على فلسطين؛ حتى يتمكن المسلمون في كل أنحاء المعمورة من أن يشدوا إليه الرحال كما يشدونها إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي تحقيقًا لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومسجد الأقصى". البخاري.
أيها المسلمون الصادقون المرابطون على الثغور
لقد تجمع اليهود من شتات الأرض باسم حق مزعوم في هيكل موهوم، وأقاموا لهم دولة على مقدساتنا، فهل آن الأوان لتجتمع كلمة المسلمين وتتوحد على حقهم المؤيد بآيات من كتاب الله وبأحاديث من هدي رسول- صلى الله عليه وسلم- وبأسباب الاتحاد بينكم وهي كثيرة، فربكم واحد ورسولكم واحد وكتابكم واحد وقبلتكم واحدة، فاعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وجددوا إيمانكم وأخلصوا في عبوديتكم لله واستجيبوا لله ورسوله إذا دعاكم لما يحييكم، ولا تخجلوا أو تخافوا من وصمكم بالإرهاب حين تجاهدون في سبيل الله لاسترداد حقكم المغصوب، واعلموا أن الجهاد سبيلكم لخروج المحتل من أرضكم، وعودة مقدساتكم، ونشر الأمن والأمان في ربوع دياركم.. كما أنه الطريق لنيل مرضاة الله، والتمتع بالحياة العزيزة الكريمة.
واحذروا أيها المسلمون حكامًا ومحكومين مما يكيده لكم الأعداء إنهم يعملون على توسيع الهوة بينكم كما يعملون على تأجيج نار الصراع بين القوميات المختلفة وإشعال الحروب فيما بينها ليفني بعضهم بعضًا، ويهلك كل منهما الآخر، ولا عاصم لكم من ذلك إلا بقتل هذه العصبية الملعونة، وأن يحل محلها أخوة الإسلام ورابطة الدين، بها نتعانق فننهي الخصومة، وبها نتواد ونتراحم فنطفئ نار العداوة، وبها نتعاطف ونتعاون فنبني أمتنا ونصنع نهضنا ونستعيد مكانتنا، وبها نقف صفًا واحدًا أمام كيد الأعداء ومؤامراته فنحبطها ونردهم على أعقابهم خاسئين.. وبذلك نتمكن من رفع راية الإسلام، ونشر مبادئ الحق.. الذي يخلص البشرية من الظلم والطغيان والاستبداد والفساد، ونشر العدل والرحمة والحرية والمساواة بين البشرية جمعاء دون تفريق بجنس أو قومية أو لون أو طبقة، وإنما الكل سواء في ظل الإسلام.. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء).