جهاد الإخوان المسلمين في القناه وفلسطين
مقدمة
كانت جماعة الإخوان المسلمين أولى الجماعات الإسلامية التى نبهت إلى خطر الزحف اليهودى ودعت إلى ضرورة مواجهته , ليس بالقول والشجب والتنديد فقط , بل بالعمل الجاد والكفاح المسلح بدءا بالمظاهرات والمؤتمرات ... ووصولا إلى حمل السلاح ورفع رايات الجهاد , فأظهروا من الشجاعة ما حمل أحد الأطباء الإنجليز على القول : ( لو أن معى إثنا عشر ألفا من هؤلاء لحاربت بهم العالم ) , وقد سطر الإخوان بدمائهم أصدق صور الجهاد ضد الإحتلال البريطانى فى مصر والإحتلال الصهيونى فى فلسطين , ورووا بدمائهم أرض فلسطين الطاهرة , وصعدت أرواح شهدائهم فوق ثرى فلسطين دفاعا عن الدين والعقيدة والأرض والأخوة ضد مكائد اليهود وعدوانهم .
لقد اهتم الإخوان المسلمون بقضية فلسطين , بل كانوا أول من تبنى هذه القضية , ففى عام 1927 أرسل الإمام حسن البنا رسالة إلى مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى , وفى عام 1931 بعث الإمام برسالة إلى المؤتمر الإسلامى الذى انعقد فى القدس . وتضمنت الرسالة عدة مطالب منها : أن من واجب المؤتمر أن يعالج مسألة شراء اليهود للأراضى الفلسطينية , وفى نفس العام اندلعت الثورات والتظاهرات فى فلسطين فتجاوب معها الإخوان فى مصر . وفى عام 1932 أرسل الإخوان وفدا لنشر الدعوة خارج مصر بدأ بفلسطين وبعد هذه الزيارات أصبح المركز العام للإخوان منتدى لقادة الجهاد الفلسطينى ونشطت الجماعة فى جمع التبرعات اللازمة , وفى يوم 11- 8- 1933 قامت أول مظاهرة عامة فى جميع أنحاء البلاد تردد الهتافات (( النصر لفلسطين والموت للصهاينة )) .
وفى مارس 1935 نادى الإمام البنا فى اجتماع مجلس الشورى العام للإخوان بجمع التبرعات لمساندة قضية فلسطين .
وفى عام 1936 قامت الثورة العربية بفلسطين وساندتها فى مصر جماعة الإخوان وأخذت المساندة صورا منها :
1- استمرار الخطابة فى المساجد وكشف أبعاد القضية .
2- توزيع المنشورات التى تساند القضية وتهاجم اليهود .
3- الدعوة لمقاطعة المحلات اليهودية .
المؤتمر العربى الأول من أجل فلسطين
فى عام 1938 دعا الإخوان إلى عقد مؤتمر الدول العربية لدراسة مشكلة فلسطين , وكان ممن حضر وحاضر فى هذا المؤتمر , فارس الخورى - رئيس الوزراء السورى - وعُقد على أثره (المؤتمر الدولى ) فى سراى لطف الله بالقاهرة وشارك فيه الأمير فيصل بن عبد العزيز .
وفى عام 1939 بدأت حملة قرش فلسطين , وقام الإخوان بجمع التبرعات , وظهرت الحاجة إلى السلاح من أجل فلسطين .
وفى 29 - 11 - 1947 أعلنت الأمم المتحدة قرار تقسيم الأراضى الفلسطينية بين العرب واليهود .
جبهة إنقاذ فلسطين
اتصل الإخوان بعبد الرحمن عزام -أمين الجامعة العربية - وتم تكوين جبهة تسمى (هيئة وادى النيل لإنقاذ فلسطين ) وكان أعضاؤها يمثلون مختلف القوى السياسية - وعقب قرار التقسيم قامت الجماعة بتنظيم مظاهرة مصر الكبرى التى اشترك فيها قرابة نصف مليون من جميع الطوائف وخرجت من الأزهر , وأعد الإخوانالكتائب , وكانت أول كتيبة بقيادة الشيخ (محمد فرغلى ) .
وكان التدريب شاقا , ليلا ونهارا , حتى يصل المتطوع إلى المستوى المطلوب فى أقصر وقت .
وفى يوم 28 مارس سنة 1948 استشهد إثنا عشر أخا فى فلسطين فى معركة مستمرة مع اليهود حول مستعمرة ( كفار ديروم ) .
واستمرت المعارك بين كتائب المتطوعين واليهود , وكانت هناك بطولات نادرة ممن وهبوا أرواحهم رخيصة فى سبيل الله .
وفى 15 مايو سنة 1948 أٌخبرت القيادة بأن الجيش المصرى فى طريقه إلى فلسطين والمطلوب حراسة مشددة فحدثت تراشقات بين المتطوعين واليهود أسفرت عن قتل جميع أفراد العدو . واستمرت هذه التحركات لاقتناص جنود العو وذخائرهم مما أزعج اليهود كثيرا من المتطوعين .
جاءت تعليمات جديدة بالإنتقال إلى منطقة ( بئر سبع ) وتم ذلك , ثم رصدت تعليمات بالإنتقال إلى (بيت لحم ) وترك جزء من قواتنا فى (بئر سبع ).
تشتت القيادة
تم توزيع القوات فى أماكن مختلفة مثل : الفالوجا وبئر سبع وبيت لحم وغيرها وأصدرت القوات المصرية قرارا بمنع المتطوعين الحاصلين على إجازة قصيرة من العودة إلى فلسطين مرة أخرى .
وخطب فينا القائد أحمد عبد العزيز فى أحد الأيام قائلا : ( أنتم خير شباب مصر وخير رجالها ولابد من تحرير البلاد الإسلامية من كل أجنبى ) .
وفى يوم 8 يونيو سنة 1948 تم قبول الحكومات العربية لقرار الهدنة لمدة شهر , مما أدى إلى استعادة اليهود قوتهم ومدهم بالمؤن والسلاح , وكان من نتيجته أن استولى اليهود على قرية العصلوج فى أول ليلة .
كتائب الإخوان
فى 20 يوليو من تلك الفترة دخلت فلسطين عدة كتائب للإخوان منها كتيبة يقودها الدكتور مصطفى السباعى , وكتيبة يقودها الشيخ محمد الصواف مراقب الإخوان فى العراق , وكتبة من الأردن يقودها الشيخ عبد اللطيف أبو قورة مراقب الإخوان فى الأردن .
وفى يوم 23 يونيو كلف القائد أحمد عبد العزيز , اليوزباشى معروف الحضرى , باحتلال مواقع أمامية فى مواجهة اليهود منها ( تبة مار إلياس ) وقام باحتلال مواقع أمامية فى فترة الهدنة :
1- فى هذه الفترة استولى اليهود على منزل لأسرة فلسطينية فهددناهم إن لم ينسحبوا فانصاعوا لأوامرنا .
2- استشهد البطل أحمد عبد العزيز قائد المتطوعين , وما زاد الأسى والحزن أنه قُتِل بأيدٍ مصرية , وتسلم قيادة المتطوعين بعده البكباشى محمد عبد الجواد .
معركة جبل المكبر
وقعت فى صور باهر , حيث قامت قوات محمود عبده ,بعمل استحكامات للموقع , وقد حاولت العصابات اليهودية الهجوم على الموقع وكان عددهم لا يقل عن ألف جندى , وترك القائد اليهود يتقدمون صوب المعركة حتى وصلوا إلى مرمى المدفعية التى بدأت تضرب فى كل مكان حتى اضطر العدو إلى الإنسحاب , وبلغ عدد قتلى اليهود ما يزيد على 264 قتيلا فى هذه المعركة .
خداع العدو
كنا نرغب فى إزعاج العدو , فكنا نضع هياكل على شكل مدافع ونضع على رؤؤسها خوذا فيظن اليهود أننا سنهاجم من هذا المكان فيطلقون النار على المكان الذى نكون قد انسحبنا منه .
حصار الفالوجا
حاصر اليهود معسكرا فى الفالوجا , وحاولت قيلدة الجيش مدهم بالمؤن والذخائر فلم تستطع , فلجأت إلى قيادة متطوعى الإخوان الذين استطاعوا الوصول إلى ثغرة وصلوا منها إلى القوات المصرية وقابلوا اللواء سيد طه , ونجح الإخوان فى توصيل أكثر من قافلة للمحصورين بالفالوجا وشهد لهم الضبع الأسود بذلك .
قرار حل جماعة الإخوان المسلمين فى 8- 12 - 1948
بدأت حكومة النقراشى باتخاذ إجراءات عشوائية ضد الإخوان , وصدر قرار الحكومة بحل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها فى 8 ديسمبر سنة 1948 وكان لهذا القرار أثره السيء على المجاهدين , وأعقب هذا القرار حملة من الإعتقالات وسحب القوات الأمامية فى فلسطين ووضعهم فى المعتقلات وحرمت الميدان من جهودهم الممتازة .
أسباب حل جماعة الإخوان المسلمين
أقر وزير الداخلية لمرشد الإخوان بأن انجلترا وفرنسا قدمت للنقراشى مذكرة عام 1948 بحل جماعة الإخوان , فقد كان هذا القرار يتكرر على لسان السفير البريطانى كثيرا , وفى عام 1942 طلب من وزارة النحاس باشا حل الجماعة ولكنه رفض واكتفى بإغلاق الشعب , وكان فى وسع النقراشى أن يفعل ذلك لكنه ضعف أمام الضغط الأجنبى .
ثانيا : المفاوضات مع انجلترا : كان الجميع على علم بأن الإخوان عقبة أمام المساومة على حقوق البلاد فكان التمهيد للمفاوضات يقتضى حلهم .
ثالثا : ستر الفشل فى قضيتى السودان وفلسطين :كانت الحكومة على علم بأن الإخوان يعرفون أسباب فشل الحكومة فى حل قضيتيى السودان وفلسطين وأنهم لن يصمتوا .
التبة 86
قامت معركة بعد حل الجماعة مباشرة فاتصلت قيادة الجيش المصرى فى فلسطين بالأخ كامل الشريف قائد معسكر البريج وطلبت منه التوجه فورا - ومن معه -إلى قيادة القطاع , وكان معه أربع فصائل , ذهب بها للقيادة التى أرسلتهم للمعركة .
بدأت المعركة يوم 23 - 12 - 1948 واستمر التراشق بين الطرفين حتى الساعة العاشرة دون نتيجة تذكر , لأن القوات اليهودية عززت عززت مواقعها فى التبة فركزت قيادة الجيش على متطوعى الإخوان , فانقسمت القوات المتطوعة إلى مجموعتين :
- الأولى لإقتحام خنادق التبة
- والثانية لاقتحام خنادق جنوب التبة
ونجحت المجموعتان فى تحقيق أهدافهما , وكان هذا النجاح سببا فى الهجوم الرئيسى الذى قام به الجيش المصرى واستشهد فى المعركة خمسة من متطوعى الإخوان .
جهاد الإخوان فى القناة
بدأ جهاد الإخوان فى القناة بعد إلغاء معاهدة 36 فى أول أكتوبر سنة 1951 , إذ أعلن النحاس باشا رئيس الحكومة إلغاء معاهدة 36 , فكان هذا بمثابة إعلان الحرب على بريطانيا , وقررت قيادة الإخوان أن تتبنى المعركة فتم تكليف الأخ كامل الشريف بدراسة شاملة لمنطقة القناة .
وتم عقد مؤتمر بالإسماعيلية برئاسة الشهيد محمد فرغلى - رئيس الإخوان بمنطقة القناة - بهدف دراسة الأوضاع بالتفصيل . استغرق المؤتمر ثلاثة أيام , وقدم كل مندوب تقريرا عن الرجال المدربين والذخائر الموجودة فى حوزتهم , وفى ختام المؤتمر وقع الإختيار على الخ كامل الشريف قائدا للمجاهدين .
وبدأ الإخوان أولى خطواتهم بالتظاهرات التى تدعو إلى المقاطعة وتطالب بمنع العمال المصريين من العمل بمعسكرات الإنجليز فتم توجيه نداء إلى التجار والمقاولين والمزارعين يدعوهم إلى المقاطعة , ونجحت الخطة وانقطع تدفق الأغذية عن المعسكرات الإنجليزية تماما .
معسكرات التدريب
أقام الإخوان العديد من المراكز لإعادة تدريب الرجال الذين اشتركوا فى حرب فلسطين , فأقيم معسكر فى مزرعة الحاج إبراهيم نجم , ومعسكر داخل جامعة القاهرة وجامعة عين شمس .
كما بدأ الإخوان يقومون بحرب العصابات ضد معسكرات الإنجليز فنفذوا أكثر من عشرين عملية نسف فى مثلث بور سعيد والتل الكبير .
كان من العمليات الفدائية التى أذهلت الإنجليز عملية نسف مخازن الذخيرة بمنطقة أبو سلطان , قام بها ثلاثة من الإخوان بعد أن اعدوا خطة للاستكشاف والتعرف على أماكن المخازن وخطة دخول المعسكر ووضع كل منهم المفجر بجوار أحد المخازن وأشعلوا الفتيل , وما هى الا لحظات حتى انطلق دوى هائل ظلت بها النار ثلاثة أيتم كاملة ونجا الإخوان الثلاثة بحمد الله وفضله .
خطة الإخوان لنسف قطار السكة الحديد الإنجليزى القادم من بور سعيد إلى الإسماعيلية وهدد الإنجليز مأمور القسم بأنه فى حالة القيام بأى عمل فدائى سيدخلون البلدة ويعتدون على أهلها , واتصل المأمور بالإخوان وأبلغهم . ففكر الإخوان فى ترك العملية ولكن الأخ عبد الرحمن البنان صمم على هذه العملية وقام بوضع ستة ألغام أسفل شريط القطار وقام بتوصيل الألغام بالمولد الكهربائى , ولكن القطار تعطل عن الخروج وكان لابد من نزع الألغام حتى لا تتلف , وبعد فترة اتصل الإخوان وأبلغونا بأن القطار قد تحرك من بور سعيد وقام الأخ عبد الرحمن بالإستعداد , ووصل القطار إلى منطقة الألغام فضغط على المولد الكهربائى فانفجر القطار وبعد أن قام الإنجليز بتصليح خط السكة الحديد قامت مجموعة أخرى من إخوان بورسعيد بنسفه مرة أخرى .
حصار الإخوان
لم يكن لقوة المقاومة فى القنطرة سيارة , فقررنا أن نستولى على سيارة من الجيش الإنجليزى , وتم ذلك , وقام أحد الفدائيين بنسف كوبرى أقامه سلاح المهندسين الإنجليز لمرور دباباتهم عليه .
معركة التل الكبير
فى فجر يوم 9- 11 - 1951 انطلق ثلاثون شابا من شباب الجامعة فى عربة إلى مزرعة بمدينة فاقوس استمر تدريبهم بها أسبوعين تحت قيادة الأخ حسن عبد الغنى وبعد انتهاء التدريب تم توزيع القوة على عدة أماكن كان أهمها التركيز على معسكرات الإنجليز بالتل الكبير لقطع المواصلات المؤدية إليها , وفى 12 - 1 -1952 قام الطلاب بارتداء ملابس عمال السكك الحديد , وعند نقطة على الحدود تظاهروا بإصلاح القضيب ثم تفرقوا بعد نصف ساعة إلا أن أحدهم جلس فى أحد المزارع فرأى قطارا يتهادى , وحين أصبح محاذيا له ضغط على جهاز التفجير فدوى انفجار القطار فقام حراس القطار الإنجليز بإطلاق النار فى كل ناحية ولكن بعد أن غادر الأخ المكان .
وفى اليوم التالى جاءت كتيبة كاملة من الجنود ومعها السيارات والمدافع والدبابات وقامت بإحراق الزروع المحيطة بالمنطقة وتمكن الإنجليز من محاصرة البلدة حتى يمنعوا الشباب من الهرب إلا أن الشباب استمروا فى اطلاق النار رغم شدة وصعوبة الموقف ولكن الرصاص انهمر عليهم فاستشهد بعضهم وأسر البعض الآخر .
وفى صباح السبت نشرت الصحف خبر هجوم الفدائيين على الإنجليز , وفى صباح الأحد شيع أهالى فاقوس جنازة الشهيد عادل غانم ونقلت إلى القاهرة وتجمع الإخوان بميدان فاروق لتقبل العزاء وعلى رأسهم المرشد حسن الهضيبى .
ونفس الشيىء حدث مع الشهيد عمر شاهين والشهيد أحمد المنيسى فقد شهد جنازتهما ما يقرب من ربع مليون مواطن .
وكانت نتيجة معركة التل الكبير استشهاد عمر شاهين وأحمد المنيسى وستة من شباب الإخوان وأسر ستة من شباب الجامعة .
أما الشهيد سيد شراقى , فرغم بطولاته وتعرضه للموت مرات بفلسطين , فقد عاد ولم يصب بأى أذى , وكان استشهاده فى مواجهة الإنجليز فى معارك القناة , فقد أصابته رصاصة وهو يزحف فوق أرض تل بسطة بالشرقية , فأسند رأسه فوق الرمال ورفع وجهه المشرق إلى عنان السماء ليلتقى تهانى ملائكة الرحمن .