محمود عزت وجهاد السنين
مقدمة
قال تعالى "لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ" (التوبة44)، بهذا المعني عاش الدكتور محمود عزت حياته التي بلغت الـ76 ربيعا، بهذه الروح الشبابية ظل مرابطا صابرا محتسبا لله كل ما قام به وما تعرض له من محن وابتلاءات، بلغت ذروتها بعدما وقع انقلاب على أول تجربة ديمقراطية حقيقية تعيشها مصر في العصر الحديث.
محمود عزت الذي أحب دينه وجاهد من اجله منذ صغره بالكلمة والمال والنفس، ويختم حياته بنفس الروح دون تخاذل أو كسل أو تفريط – بقدر استطاعته – يعد صورة تربوية حية في نفوس كل من أراد العمل من أجل هذا الدين الحنيف.
بداية الرحلة
في حي مصر الجديدة أحد أحياء قاهرة المعز ولد الدكتور محمود عزت إبراهيم في 13 أغسطس 1944م، حيث حرص والده على تعليمه وتخرج في الثانوية العامة سنة 1960م، بمجموع أهله للالتحاق بكلية الطب جامعة عين شمس حيث تخرج فيها عام 1975م – وذلك لغيابه في السجن في محنة 1965م مدة 10 أعوام – ومع ذلك سعى للحصول على درجة الماجستير وذلك عام 1980م، قبل ان يحصل على درجة الدكتوراه عام 1985م من جامعة الزقازيق ويتم تعينه في نفس الجامعة.
لكن لشغفه بالعلم وحرصه على العلوم الشرعية استطاع أن يحصل على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية عام 1998م، وإجازة قراءة حفص من معهد القراءات عام 1999م.
سنوات من الجهاد
كان لنشاط شباب الإخوان في الشعب والأحياء تأثير كبير على أقرانهم من الشباب، وكان لانضباط الجوالة في سلوكها وزيها وكلماتها أثرا كبير في انجذاب كثير من الشباب إلى دعوة الإخوان وكان منهم محمود عزت الذي تعرف على دعوة الإخوان في ظروف كانت الدعوة تمر بظروف عصيبة بينها وبين جمال عبد الناصر.
تعرف عزت على دعوة الإخوان صغيرا عام 1953م غير أنه ظل يتشرب من معينها من بعض الأفراد الذين لم تطلهم محنة 1954م، حتى جاء اليوم الذي أصبح عزت أحد الشباب القادة لهذه الدعوة، وحمل فكرها ومنهجها الوسطي وعاش به وسط زملاءه طلاب كلية الطب.
كان لغياب الإخوان أثره في نفوس الشباب المحب لدينه والباحث عمن يأخذ بأيديهم إلى طريق الحق، فما إن دخلت دعوة التبليغ لمصر عام 1958م حتى انضم لها محمود عزت و فاروق المنشاوي وجلال بكري ومحمد أحمد عبد الرحمن، وصلاح عبد الحق، قبل أن يلتقي بهم الشيخ عبد الفتاح إسماعيل ويدعوهم إلى دعوة الإخوان والتي سارعوا بالانضمام إليها لمعرفتهم القديمة بها
غير أن الرياح أحيانا تأتي بما لا تشتهي السفن، فما أن بدأت محنة 1965م وتحت سياط التعذيب الرهيب اعترف البعض على كثير من إخوانهم وكان منهم محمود عزت، الذي قبض عليه مع مجموعة طب عين شمس، حيث وضعته مذكرة النيابة ضمن مجموعة القيادات الأولى أمثال الشهيد سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل و43 متهم أخرين
وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بـ10 سنوات قضاها كاملة بين جدران السجون، ومع طول مدة الحبس لم يداهن محمود عزت، ولم يردعه موجات التعذيب التي نالها، وظل ثابتا على فكرته ومنهجه، حيث رحل للعديد من السجون كان فيها نعم الشاب المتمسك بدعوته، ووسط هذا الجو ومع منع نظام عبد الناصر المصاحف عن المعتقلين استطاع محمود عزت حفظ القرآن بالتبادل مع بعض الحفاظ أمثال عبد العزيز عبد القادر – من الشرقية – أو جابر رزق – من الجيزة .
بعدما خرج من السجن عام 1974م استكمل تعليمه، قبل أن ينتقل للعمل في جامعة صنعاء في قسم المختبرات سنة 1981 ، ثم سافر إلى إنجلترا ليكمل رسالة الدكتوراه، ويحصل عليها من جامعة الزقازيق.
كان محمود عزت من أوائل من حمل الدعوة مع بقية إخوانه في العمل على إعادتها تحت قيادة الأستاذ عمر التلمساني، وكان له دور في إعادة العمل الطلابي في بعض الجامعات ومنها الزقازيق
يقول الدكتور إبراهيم الزعفراني:
- وخلال تلك الفترة تشكلت قيادة واحدة لإدارة العمل الطلابي الإخواني على مستوى الجامعات، لعبت فيها القيادات الجديدة دورًا كبيرًا كما شارك فى ذلك بدور كبير كل من الاستاذ محمد حسين عيسي و أ. د محمود عزت حيث تلاحمت القيادات الطلابية لتفوز باتحادات طلاب كثير من جامعات مصر بل وتحصل على رئاسة ومقاعد (اتحاد طلاب مصر العام).
وحينما اجتمع مجلس الشورى العام للإخوان في التوفيقية في يناير 1995م اختير الدكتور محمود عزت إبراهيم عضوا في مكتب الإرشاد، قبل أن يتم اعتقاله مرة ثالثة ويحكم عليه بـ5 سنوات، حيث اعتقل لشهور في قضية سلسبيل.
فبعد اجتماع مجلس الشورى العام تم اعتقال عدد كبير من قادة الإخوان المسلمين، وتم تحويلهم لأول محاكمة عسكرية في عهد مبارك والتي حكمت على الدكتور عصام العريان والدكتور محمود عزت والمهندس خيرت الشاطر والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد حبيب بالسجن 5 سنوات ليخرجوا عام 2000م، ثم يعاد القبض عليه أثناء فعاليات أثناء الهجوم الصهيوني على غزة في يناير 2008م.
اختير أمينا عاما لجماعة الإخوان المسلمين، فكان يتسم بالصمت الكثير غير أن من تعامل معه شعر بلين الجانب وقلب يفيض بحب دينه ودعوته، وظل كذلك حتى ضرب نموذجا تربويا لكل فرد في الجماعة بطبيعته الأبوية، كان اهتم بالجانب الصحي حيث اختير نائبا لرئيس مجلس إدارة الجمعية الطبية الإسلامية.
كان بمقدرة الدكتور عزت الخروج خارج مصر بعد المحنة الكبيرة التي تعرضت لها الجماعة عام 2013م غير أنه آثر إدارة الجماعة من الداخل للتعرف على مشاكل إخوانه داخل الوطن، وتلمس أوضاعهم، وظل متخفيا ما زاد عن 7 سنوات منهمكا في الاطمئنان على أوضاع إخوانه وأسرهم بمصر.
موقف في تصريح
كثير ما أكد الدكتور محمود عزت على عدم مساومة الإخوان مبادئهم ودعوتهم بحطام من الدنيا، فحينما أثيرت الأقاويل عن صفقة الإخوان مع النظام في انتخابات 2010م جاء تصريح الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت ليضع النقط فوق الحروف فيقول: ليس فى منهج الإخوان المساومة على المبادئ والغايات مهما كانت المواقف والتضحيات.
وأثناء محاكمته عام 1995م قال:
- كلما ازداد الابتلاء كان هذا بشيرًا بنصر الله عزَّ وجلَّ طالما أننا أحسنَّا الصلة به، وأخلصنا له، وخالقنا الناس بخلق حسن، وقمنا بواجبنا لصالح هذا الوطن"، مضيفًا: "فلا يزيدنا الظلم والابتلاء سوى أن نقول للناس حسنًا، وتوطيد الصلات بهم ومعاملتهم معاملة حسنة".
هكذا عاش محمود عزت حياته مجاهدا بعدما عرف حقيقة الدنيا الزائلة، كان نموذجا طيبا لمن عرفه وتعايش معه.
ألبوم صور