صفحات من التاريخ الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد
بقلم الأستاذ/ صلاح شادي
مقدمة الكتاب
عندما نتابع الذكريات أو تتابعنا ، تبرز لنا أحداث الماضي البعيد خالية من آثار الانفعال بها ، فيبدو حكمنا عليها أكثر صدقا وأدعي إلى التجرد وأقرب إلى الصواب .
ولقد عشت حياتي ،وما زلت أعيشها في ركب جماعة الإخوان المسلمين فكرا وشعورا وسلوكا ،وأظلتني رحمات القرب من الله بعد أن استوحشي مفاوز البعد عنه قبل التحاقي بفكر الجماعة وانتظامي في أقسامها ، وواكبت مسيرتي في ركبها أحداث جسام تركت بصماماتها - ليس فقط لى أمنى وحريتى وإنما كذلك على مسار الفكر ودقائق الشعور ، فقد عشت تجربتي فيها بكياني كله ، واستوقفني إدراك عميق بأن واجب الأمانة يلزمني الإفصاح والإبانة عن علامات الطريق الذى سلكته ، فربما استفاد من يقف عند هذه.
العلامات أو تلك الشواهد بما أعجزتني التجربة عن الاستفادة به . وربما كان غيري أقدر منى على المضي جث وقفت ،أو الوقوف حيث كان لا يحسن بى المضي .
وقد كتب كثير من المؤرخين عن جماعة الإخوان المسلمين ، وتنأولوا الكتابة عنها بصور متفاوتة من التجني ، وبخاصة في عهود الظلام - خلال حكم فاروق ثم حكم عبد الناصر - التى أحكمت رتاجها على رجال الجماعة وعلى نشاطها حين صدر أمر حلها مرتين ، واحدة نى عهد النقراشي ، والثانية في عهد عبد الناصر ، وظل رجالها في السجون أعواما طويلة ، ولكن ظلت انطلاقة ف كرهم وروحهم تنسم عبير الحق والحرية من فيوض رحمات الله بهم ، فأمنوا حين استوحش الناس ، ووجدوا حين فقد الناس ، وقدروا على الرؤية الصحيحة حين عجز الناس ، فكانت تجربتهم فى أعماق الضمير أغنى من تجربتهم خارج عالم السدود والقيود .
وحين بدأت أسطر صفحات حتى مع جماعة الإخوان المسلمين بعد هدأة الأحداث في نفسي استوقفتنى مشاعر جمه كادت تمنعني عن المضي ، أولها أن قناعتي بالخطأ أو الصواب الذى أسطره عن نفس وعن الرجال ، أو مواقف الجماعة 0اقتضائي استيعابه سنوات عشتها في خضم الأحداث ! والسطور وحدها قد لا تطبع في نفس القراء - من الشباب خصوصا - ما صعب على وأنا في حداثتي هضمه واستيعابه حتى إنى كنت أرى نفسي في بعض الأزمات التى عاصرتها ، تردنى عواطفي عن اتباع ما يراه حسن البنا حين كادت تبعدني عنه ضحالة في الفقه ، أو حماسة في تصور الفضيلة بعيدا عن تركيبنا البشري !
فمثلا:
عرضت للجماعة أحداث اتهم فيها - بغير دليل قاطع - أحد أقطاب الجماعة بتهمة تمس الخلق والسلوك .
وأجرت الجماعة التحقيق في هذه الأحداث ، فأسفر عن براءته من تلك اللهم التى نسبت إليه ، وإن لم تعفه من اللوم لوضع نفسه في موطن الشبهات ! !
وكبر الأمر في نفسي واستفاض ! وعجزت عن الملاءمة بين إكباري لأحد أقطاب الإخوان وبين " اللمم " الذى نسب إليه ، ولم أستطع إلزام نفسى بعدالة الحكم الذى قامت ركائزه على الشرع الحنيف الذي ننادى بتطبيقه ! واستوحشت نفسى من الإمام الشهيد حسن البنا ، وبدا عجزي عن ملاءمة مشاعري معه حتى صارحته بالأمر !
وشرح لى موقف الإسلام من هذه القضية ، وأوقفني لى عدم الإنصاف الذى قادتني إليه عواطفي المشبوبة ، تم أتحب ذلك بلمسة حانية لمشاعري لا يقدر عليها إلا من مثل قلبه الكبير حين قال :
" كتت آمل أن تأخذ منى علامات طريقك إلى الله مادمت عاجزا عن إدراكها وحدك ، خاصة وسلوكك يحكى شدة تعلقك ني وثقتك في " !
فأين نحن ألان من هذه اللمسة الحانية وهذا الفقه الأصيل !
وكيف نشرحه للشباب على طول هذا الكتاب وعرضه الذى ربما استوقفني البعض منهم فيعه ما استوقفني في مسار الجماعة من قبل ؟ ! ولكن . .
ما يجرى الآن في بعض الصحف من محاولات النيل من جماعة الإخوان المسلمين ،وما تسطره الكتب التى تنشر في الشرق والغرب عنها ، متنأولة أقداسها بالامتهان ، ومواقفها البطولية بالتشويه ، يلزمنا بالإفصاح والإبانة عن حقيقة الوقائع التى زيفتها طبول الصحافة للناس في حكم الطغيان وحتى اليوم ، فألبست الباطل ثوب الحق وخلعت عن الحق رواءه .
وتعين على هؤلاء الذين يدركون حقائق هذه الأحداث أن يؤدوا أمانتها للناس ،ولا يكفي أن يقال إن ما كتبه فلان من الكتاب أو المؤرخون تشويه للحق وإسفاف في العرض التاريخي ،وخاصة وقد أصبح في الإمكان أن نرد ونكتب ونشرح ونجيب السائلين ، وأضحي عدم الرد على هذه الأمور حجة علينا والسكوت عنها محسوبا على الرجال الذين يعرفون الحقيقة .
لذلك طرحت ردودي - في أحد عشر مقالا في جريدة الوطن الكويتية على مدى نحو من ثلاثة أشهر على ما كتبه - الدكتور عبد العظيم رمضان في جريدة الهدف الكويتية حول جماعة الإخوان ، وقد استق أغلب الوقائع التى كتب عنها من محاضر محاكمات جمال سالم سنة 1954 ، ورأيت من المفيد أن أضمن هذا الكتاب ذكرياتي عن الأحداث مشفوعة بحصيلة تجربي فيها ، سائلا الله الهدى والرشاد : مستقبلا في ذلك هدفي الواضح في كشف ما غمض على الناس إدراكه ، مقدس أ مرارة ما يواجه الشباب من تذوق مرها وحلوها ، لكن الحقيقة أعون على السير وأهدى إلى طريق الرشاد .
وقد يشق على بعض أبنائنا من الشباب ما يقرءونه عن هول ما أصاب الجماعة من بطش عبد الناصر، الذى بايع مرشدها الأول حسن البنا على السمع والطاعة ! وقد يشق عليهم كذلك رؤية بعض أقطابها في ركب عبد الناصر ! في الأحداث التى أعقبت محأولة استكتاب المرشد حسن الهضيبي استقالته ، وفي أحداث الاعتصام بالمركز العام للإخوان .
حتى لقد ساق بعض المؤرخين هذه الوقائع ليدللوا على أن شباب جماعة الإخوان ة قد خرج على الهضيبي وانبرى لمنازلته لأنه كان يهدف - في زعمهم - لحل النظام وهدم ما بناه حسن البنا ، والحقيقة كانت خلاف ذلك تماما .
ولذا كان من الإنصاف أن يرد الحق إلى نصابه ، ويدرك الناس حقيقة ما زممه البعض . وإذا حدثتنا السيرة عن خطيئة حاطب بن أبي بلتعة في حياة رسول الله ، صلي الله عليه وسلم ، فليس بدعا أن يوجد هن مسلمي اليوم - في غيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مماثل حاطب بن أبى بلتعة ونسأل الله أن يغفر له .
وإذا قال قائل : إن حاطب بن أفي بلتعة قد ظهر في الجانب المقابل له مر وأبو بكر وخالد ، فإننا نقول أيضا إنه قد برز ق صف الإخوان المسلمين اليوم شهداء وصديقون أمثال الشيخ فرعلى وعبد القادر عودة ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وسيد قطب و محمد هواش وعلى رأسهم الشهيد حسن البنا !
فليس عجبه أن يقتل الأوفياء فيشهد الناس لهم ! وليس بدعا أن يخطئ الرجال فيغفر الله لهم !
ولكن الخطأ أن نفسى الرجال بعيدا عن بشريتهم ، وبمقياس آخر غير الذى نجريه على أنفسنا - حين نلتمس لها العذر فى خطئها أو خطيئتها - استشهادا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون ). ومع ذلك لا نلتمس هذا العذر نفسه لرجال هذه الجماعة بتحكيم نفس المقياس عليهم ، وكأنهم صنف آخر غير صنف البشر !
وحقيقة السر الكامن وراء هذا الإحباط النف ى لدى رؤية أخطاء هؤلاء الرجال إنما يرجع إلى الشعور بعظمة هذه الجماعة الذى لم يترك مجالا لمتسلم ببشرية رجالها ! . حتى ليقيس المفرطون ، في الحب والبغض على السواء ، هؤلاء الرجال بمقياس آخر غير تجربه على أنفسنا .
إنه دليل عظمة هذه الجماعة ، الماثل في أغوار الضمير ، للمحبين والمبغضين على السواء !
وتمضى بنا أحداث هذا. ؟الكتاب لتقدم لنا جانبا آخر من عظمة هذه الجماعة عندما تصارعها ،ظالم عبد الناصر ، وهى مظالم تنل رجالها فحسب بالقهر والقتل والتعذيب ، وإنما تناولت بالتشويه مواقفها من الأحداث ، فقد تنكر عبد الناصر ومعه ثمانية هن أعضاء –مجلس الثورة لبيعهم مع الإمام الشهيد والصاغ محمود لبيب وعبد الرحمن السندى ،بعد في نجاح الحركة في أوقت الذى تأخر فيه بوعد قيامها في يوليو 1952 يوما فى انتظار موافقة المرشد حسن الهضيبي الذي ذهب تفر من الإخوان إلى الإسكندرية للحصول على مرافقته !
كل هذه الوقائع وش يرها أسدل عيها ستار من التعتيم ،حتى لا يظهر موقع الإخوان من هذه الحركة،وحتى يتيسر لقادتها التحرر من كل قيد لو كان هذا القيد عهد مع الله يقوم على حكم مصر حكما إسلاميا رشيدا بعيدا عن سلطان الغرب والشرق على السواء .
وبعد أن استقبل الناس حركة الجيش بالبشر والرجاء،حاول نظام حكم عبد الناصر أن يوهم الناس باتفاق الإخوان مع الإنجليز من وراء ظهر الحكومة ، ف الوقت الذي أبت سياسة جماعة الإخوان المسلمين الموافقة على هذه المعاهدة وجرت لتاءات متعددة مع عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم ،مع المرشد وجماعة الإخوان المسلمين انتهيت برفض هذه المعاهدة ومناصحتهم بعدم قبولها ، ولكن أسقط نظام حكم عبد الناصر هذا الفصل من التاريخ ، .كما أسدل المؤرخون ستارا قاتما على هذه الوقائع ! ..
ولقد أخبرت فى منهج هذا الكتاب أن أناقش وقائع التاريخ التى أعرضها لأنها جزء من سنن الكون الغلابة التى يجريها ا الله بعلمه وحكمته ، وعلى الناس عامة والمؤمنين و خاصة أن يكشفوا سرها ، ويستلهموا منها مواقف الحق والباطل ، والخطأ والصواب الذي، واكب طريقهم ، وأفش إلى النتائج الحتمية التى أدت بهم إلى النصر أو الهزيمة .
وكذا ناقشت أحداث التاريخ التي عفت ريحها ببلدنا الغالي، لأخرج معها إلى حيث يجب أن يقف المؤمنون في مسارهم السياسي لخدمة بلدهم .
وغني عن البيان أن أقول إنه إذا كانت قد مضت بنا عشرون عاما خلف القضبان لأننا أبينا أن نقدم الدنية ق ديننا في عهد عبد الناصر ، فقد حق علينا اليوم أن فهب بقية العمر -وهو قليل في جنب الله - لكلمة الحق نقولها بغير تزلي ين أو تزييف . .
أسأل الله الهدى والرشاد .
المؤلف
اللقاء الأول
كانت صرخة الضياع التى تنطلق منى وممن هم على شاكلتي يتردد صداها قلبه فيحيلها نغما رقيقا ينبعث من آيات الله الرحيمة ( وإذا سالك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لى وليؤمنوا في لعلهم ير شدون ) .
كان يرددها بصوته الخفيض المؤثر متجاوبا مع نبضات قلبى الذى أطل بعد رقدة طويلة ليجد ضالته المنشودة في القبلة التى ينتمي إليها هذا الرجل بقامته القصيرة، ووجهه المستدير ، وعينيه التين كانتا تضيئان ككرتين من نور . . " .
كانت تجربة رائدة تلك التى مرت ي في سنة 1943 إثر بيعتي للإمام الشهيد حسن البنا بعد لقائي معه ليلة السابع من رمضان ذع مركز كفر الزيات .
كنت تبلها قانعا بدنياي ، لشعوري أفي حزت الدنيا بأسرها . زوجة تشدق إلى البيت ،وابنة أضافت إلى أمن البيت سحرا جديدا أدق تعلقا به ، فضلا عن رضائي عن عملى كرئيس لنقطة بوليس ، حسنة المسكن سهلة المواصلات ، يأمل كثر من الضباط مثلى في العمل بها وهى نقطة " ضبط الملوك " التابعة لمركز إيتآى البارود .
ولم تكن في حياتي آمال تبدد! عن الحرص على المحافظة لى هذا الأمن الذى تحقق في دنياي ! حتى أحلام ابرد - التى تطالع الشباب في هذه المرحلة من العمر - كنت أجدها جهدا ضائعا ، وربما شابها الرياء ، لأن الوصول إليها من خلال أوضاع المجتمع الذى كنا نعيش فيه كان ثمنه فقدان القيم الكريمة التى توارثناها .
ولم أكن محافظا على ديني بالمعنى الصحيح ، وإن نشأت في أسرة تفرض الصلاة على أبنائها وترعى سلوكهم بالحفاظ على شم موروثة ، لا تنبعث رعايتها من مخافة الله وحده ، وإنما تشكل تقاليد ا لأسرة عنصرا هاما يصونها ويحفظها .
ومع ذلك فقد أسلمتني هذه الرعاية - على ما فيها من دخل - إلى لون من الحرص على حرمات الأخلاق ترفعا ، ولا أقول تدينا فحسب واستكبارا على المعاصي حياء من النفس ومن الناس.
وفي هذا المناخ النفسي ، تعرفت حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين . وكان لى صديق هو الأخ الأستاذ صالح أبو رقيق لحضور حفل الإخوان المسلمين الذى يتحدث فيه حسن البنا في إيتآى البارود.
وعادت ذاكر إلى الوراء ، وأنا أسمع الإخوان المسلمين . فمنذ سنة من هذا التاريخ أو أقل قليلا ،حين كنت أعمل ضابطا ببندر دمنهور ، كلفني مأمور البندر بالتحفظ على أخد كبار الإخوان المسلمين المقبوض عليهم لتوص يله إلى القاهرة وهو الأستاذ أحمد السكري وكيل جماعة الإخوان حينذاك ، وشهدت من شباب هذه الجماعة كل استوقفني فبالرغم من محاولات إلى وليس التنكيل بهم ومهاجمته دارهم بندر دمنهور ،وتفتيشها أنا بعد أن ، إلا أني كنت أعجب بطابع الثقة والصمود والرجولة فى مواجهتهم المهذبة لهذا الأسلوب القاسي الذى كانت تجرى به هذه الإجراءات . وكنت أحد الذين ينهضون بتبعات تفتيش دارهم أحيان ! وفي نفس الوقت كنت ألمح أيضا لونا من الرهبة ن قلوب الرؤساء من الضباط وهم يقومون بهذه الإجراءات القاسية .
كان الإيحاء الذى أورثه الرؤساء في عقول صغار الضباط أن هذه الجماعة خطير ة ينبغي معاملة شبابها بحذر بالى ، لأنههم يناهضون الحكومات بغية الوصول إلى الحكم !
وشق على أن أرد دعوة الضيف - الأخ صالح أبو رقيق -وخاصة وقد أخبرته أفي أعتزم استضافته للمبيت عندي،وإن حاولت أن أثنيه عن عزمه ، فعرضت عليه الذهاب إلى بندر دمنهور لمشاهدة إحدى روايات السينما ، مادام الذهاب إلى إيثاى البارود لاى عدو أن يكون زيارة ترفيهية ! ! وصارحته إنى لا أميل إلى سماع المزيد من الحديث عن نواقص الوضوء أو فرائض الصلاة من المشايخ ، الأمر الذى لم أكن أتوخ سواه من الشيخ حسن البنا ! ! .
ولكن إزاء إصراره على الذهاب لحضور هذا الحفل ، لم أجد بدا من صبته إلى هناك ، كارها ! وذهبت إلى آيتاي البارود !
وسمعت الرجل يتحدث ، لا عن نواقض الوضوء وفرائض الصلاة التى ث يعرفها غالب المسلمين ، وإنما عن جوهر الإسلام . هذا الدين الذى يحل مشاكل العصر ! السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فضلا عن مشاكل النفوس التى يعانيها شباب الجيل وأنا منهم بسبب فقدان الانتماء !
وكان يحفر الحفل معي الأستاذ محمد فريد عبد الخالق شقيق زوجتي الذى وجد معي في حديث الرجل شيئا آخر غي حديث الناس يحرك أعماق النفس من الجذور ، كما وجدت أن صرخة الضياع التى كانت تنطلق منى وممن هم على شاكلي يتردد صداها في قلبه ليحيلها نغما رقيقا حانيا ينبعث من آيات الله الرحيمة العميقة .
(وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لى وليؤمنوا ني لعلي صم يرشدون ) . وما زال جرس هذه الآية يطرق سمعي حتى ألان ، وهو يرددها بصوته الخفيض على المؤثر متجاوبا نبضات قلبي الذى أطل بعد رقدة طويلة ليجد ضالته المنشودة في القبلة الى ينتمي إليها هذا الرجل بقامته القصيرة ،ووجهه المستدير ،وعينيه اللتين كانتا تضيئان ككرتين من نور ! !
وتحدث في تلك الليلة عن مشكلة المرأة التى عجز الغرب عن أن يضعها ن موضعها ، فتارة يقدمها وتارة يؤخرها ،واستحى الشرق من أن ينصفها ! وحل الرجل هذه المشكلة حين شرح لنا هذه الآية : ( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) ، البيت المسلم شركة ، بين الرجل والمرأة ، ولابد للشركة من رئيس هو الزوج بحكم خلقته وفطرته وكسبه ، رئاسة رشيدة جوهرها رعاية ودودة .
ولكن المرأة الغربية اليوم يقدمها الرجل في الحالات ، ويجعلها تسبقه في " المناسبات " استمتاعا بفتنتها لا رعاية لحقها ، بدليل أنه إلى وقت قريب لم تكن المرأة في فرنسا تملك حق التصرف في مالها ، وكانت تعتبر شاعا مملوكا للرجل !
وتحدث حسن البنا عن مشكلة الفقر ، وعن سق الفقراء في مال الأغنياء .
وردد لنا الآية التى تحل هذه المعادلة الصعبة فقال :(والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) ثم يركز على شرح هذا الحق الذي أنزله الله ق كتابه فيقول إن الله لم يجعله فضلا ، وإنما ساه حقا ! ! من ضيعه فقد ضيع حق الله ! وثلم ثلمة فى دينه .
وانتهى الحفل لأجد نفسى وقد انساقت إليه . أسأله المزيد من الحديث عن موقف الإسلام من المرأة ، وموقفه من الأديان الأخرى ، موقفه من الرق ومن الحروب ، من فوائد البنوك . . إلخ ، وكلها قضايا باعدت نفسى عن الاقتراب منها مخالفة الضياع فى متاهة الكفر! حيث كنت أتصور أن موقف الإسلام من هذه القضايا جميعأ موقف قد لا يقبله العقل أو تقره مألوفات العصر. . !! . ليلة سعيدة فى إحدى الزرابى !
وفى اليوم الثاني كان الرجل يتحدث إلى الناس فى حفل آخر فى نكلا العنب مركز إيتاى البارود !
ووجدت أق منساق إلى الذهاب إلى هناك . . .إليه . . .مع الأستاذ محمد فريد عبد الخالق الذي أدركه من الرجل ما أدركنى !
ولم تمنعني مراسم احترام بذلتي الرسمية من المبيت تلك الليلة فى منزل أحد الإخوان الريفيين في حجرة كانت مفتوحة على إحدى الزرابى !
فكانت أنفاس البهائم تشاركنا هواء هذه الغرفة التى قدر لنا المبيت فيها لازدحام البلدة بآلاف الوافدين من الإخوان وغيرهم !
وكانت ليلة سعيدة ! سعيدة حقا ، لأني شعرت لمصرة الأولى أن النجمة التى أحملها فوق كتفي لم تعد تثقلني ! ! وأن النظرة إلى الناس من شاهق - تلك التى ألفنا أن ننظر بها إليهم كضباط شرطة - لا تعدو أن تكون ضربا من الزيف ! .
ثم كانت ليلتي الثالثة فى كفر الزيات ! !
وذهبت إلى هناك أسمع الجديد من أمر الإسلام ! واستضافني الإمام حسن البنا هذه المرة في منزل أحد أعضاء مجلس النواب فى المدينة ، ذهبنا إليه بعد انتهاء الحفل .
وكانت مفارقة تثير العبرة بين ليلة الأمس وهذه الليلة !
فالمنزل الذي قضيت فيه ليلتي هذه المرة كان أنيقا مفروشة بغالي الأثاث . إت أتباع الرجل كانوا خليطا من طبقات هذه الأمة ، يربطهم جميعا الطريق إلى الله . . تعلو في *كرامة المسام ى لى كل عرض من أعراض الدنيا . وجلست إلى مرشد الإخوان السلب ق ومعي الأخ صالح أبو رقيق من بعد انتهاء الحفل حتى انبثاق الفجر ! وتحدث إلى فى معني التبعة التى سلمها المسلم للناس ، وما هى حقيقة رسالته في الحياة !
وشعرت كأن عبراتي تغسلني حين أيقظني الرجل بكلماته لأقف للمرة الأولى على حقيقة الدور الذي يجب أن أؤديه في الحياة كمسلم وكضابط شرطة !
وما زالت أمه داء كلماته فى قلبي حتى اليوم : إنك ومن على شاكلتك من ضباط الشرطة أول من يعنيهم الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أنتم الرعاة الحقيقيون الذين تقع على عاتقهم مسئولية الحفاظ على أموال الناس وأعراضهم وأنفسهم ، وهذه المسئولية إن لم تنطلق من مخافة الله والحفاظ على دينه والتمكين فى الأرض ، فلن نتقدم بالمجتمع الذي ننهض بحراسته ، وإنك تستطيع أن تجعل من نقطة البوليس التى تعمل فيها منار للهداية ، بل من كل مكان فيه سلطان تستطيع أن تحقق بهذا السلطان ما أعجز كثيرا من المصلحين ، ويزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن !
بــيـعة !!
و في نهاية المطاف عقدت خ الرجل بيعة ! روتها دموع الندم على ما ضاع من العمر ، وجددها عزم " شاب " أدرك حقيقته فى الوجود ورسالته نحو الناس ، فقد عاهدته على العمل لجعل شريعة الله هى الهدف الذي أسعى إليه فى حياتي وأن أتحاكم إليها فى عملى فى ولاية الناس ، وأن أسعى إلى النهوض بتبعاتها وأدعو من حولى إلى الإيمان بها .
وكأن قلبى الذي هده الشعور بالفراغ قد أحس أنه وجد ذاته بعد لقائي فى هذا الرجل ،وشعرت بضآلة اهتماماتي كلها التى حبستها داخل جدران بيتى ، وفى كنف الزوجة والولد، بل فى عملى الذي تغير مذاقى له بعد تصحيح القبلة وتصويبها إلى الله !
ولعله من المفيد أن أتحدث عن أثر هذا الرباط بينى وبين مرشد الإخوان فى هذه البقعة الصغيرة من أرض الله ،فى ظل تجربة عشتها فى هذه النقطة .
لم يكن يسيرا على أن أقول للناس إن الذى بينى وبينهم إنما يقوم على الحق والعدل والاستقامة على منهاج الله ، وإن القوى منكم ضعيف حتى آخذ الحق منه ، والضعيف منكم قوى حتى آخذ الحق له . . فقد أسلمني هذا السلوك إلى أزمات عنيفة عشتها فى غمار الأحداث . .
منهاج جديد
وكان أول شيء بدأت به منهاجي الجديد،أني جمعت العمد والمشايخ فى البلاد العشرة التى تتكون منها النقطة وقلت لهم : إن هدفي الذي يجب أن نلتزمه ونتعاون على تحقيقه هو إطعام الجائع وكسوة العاري وإعانة المحتاج ، وأخوة فى الله ، ونصرة المظلوم ، وأول من أبدأ به نفسى ، فلن أكلف كم ما لا تطيقون ، ولن أحاسبكم إلا على ما يحاسبكم به الله .
وكانت تأتينا أوامر المديرية بتوزيع تذاكر حفلات تقام فى بندر دمنهور للمغنين والراقصات تكلف العمد الكثير من المال ، يتقاضونه بدورهم من الناس بفرض مبلغ على كل بيت من بيوت القرية ، وكثيرا ما كان يتكسب أهل النفوذ من هذا الوضع ، ولقد عانيت كثيرا حين أعدت التذاكر إلى المديرية من غير توزيع فى كل مرة ترسل إلى لتوزيعها ، عانيت من سخرية الرؤساء ، باتهامي بضعف النفوذ ، وأني " مش ضابط ملحاح " وأني غير صالح للإدارة .
ولم يمنعني ذلك من إبلاغ العمد والمشايخ بسقوط هذه الضريبة عنهم وعن أهل البلد ،ولكنى أطالب عنهم بدلا منها بألا أجد عاريا أو جائعا أو محتاجا فى القرية ، وكنت أجمع أهل القرى فى أثناء مروري فى الدوريات لأعلنهم بهذا النبأ ، وأطلب من المحتاج الذي لا يجد الرعاية من العمد أن قيأتني في النظرة فلأحقق له حاجته .
وبدأ الناس ينظرون إلى النقطة بمنظار جديد ، فبدلا من أن تكون النقطة مثار تخويف وإرهاب ، أصبحت مصدر أمن وهداية وإرشاد ، وأقبل الناس يطلبون الغذاء والكساء والأمن من الموطن الذي كانوا يرونه مبعث الرعب والعرى والجوع ، وكانت طلباتهم تتحقق دائما بغير عنت أو إرهاق رغبة لا رهبة ، وحبا وكرامة ليس فيها ذل السؤال . وكان المتخاصمان إذا بلغ ما الغضب مبلغه الذي يؤدى عادة إلى الضرب والعراك ، يتذكر أحدهما أنه كان يجلي لى إلى الضابط بالأمس مجلس الكرامة والأخوة ، بينما يأتيه اليوم مجروحا ، ضاربا أو مضروبا فيضرب عن المضي فى الشجار !!
مواجهة مع الخاصة الملكية !
وكانت إحدى بلاد النقطة تابعة لتفتيش الخاصة الملكية حينذاك ، وحدث أن سرق من إحدى ماكينات الرى التابعة للتفتيش " سير جلد ! كببر قدر ثمنه بستمائة جنيه ! . . فأمر المفتش باقتضاء ثمنه من أهل القرية جميعا عقابا لهم على أن من بينهم من جرؤ على سرقة فى شئ من الخاص الملكية ! ! فشكا لي أحد الأهالي من هذا ، فوعدت بإنصافه ، تحدثت إلى رئيس التفتيش لرد أموال الناس إليهم فرفض ، فدونت محضرا ضمنته شكوى الناس من هذا العدوان ، وأ سلحته إلى النيابة وهددت العمدة بإيقافه عن العمل لجمع ،المال الحرام من أهل القرية .
وبدأت المعركة بينى وبين تتفتيش الخاصة الملكية ، كادت تنتهي بنقلي وتشريدي إلى أقاصي الصعيد ولكن قيض الله لى وكيل نيابة عرفت عنه ، التقوى و هو " عبد الرحيم فراج " الذي يعمل الآن مستشارا ونائبا لرئيس مجلس الدولة ، وهدد برفع الأمر إلى رئاسة التفتيش بالقاهرة ، وهنا بدأت الأمور وأعيدت الأموال إلى أصحابها ، وأدرك الناس أن شيئا جديدا ينتظر حياتهم .
ضد الحزب الحاكم !
وفى أحد الأيام أبلغت النقطة أن إحدى السيارات الملاكي قد صدمت أحد الفلاحين البسطاء وأصابته بإصابات بليغة فى رأسه فى الطريق الزراعي مصر - الإسكندرية ، وتركته يتزف وهرب السائق بالسيارة ، إلا أن نقطة المرور التى بجوار نقطة البوليس تمكنت من التقاط رقم السيارة .
ودونت المحضر وسالت شهود الحادث ، وأرسلت المصاب إلى بندر دمنهور لعلاج فى مستشفاه العام ، وطلبت من مرور المديرية إرسال بيانات السيارة صاحبة الحادث واسم صاحبها ، وطلبت من بندر دمنهور القبض على السائق وإحضاره للنقطة أو استجوابه وإرساله مقبوضا عليه لنيابة آيتاي البارود .
وانتظرت أياما ولم يصل إلى المحضر أو أية بيانات عن السيارة وصاحبها ، وساءت حالة المصاب ، وأجريت له جراحة فى عظم الرأس مما سبب له عجزا فى النطق والحركة .
وتوقعت أن فى الأمر شيئا غير عادى، فأرسلت من يستعلم عن صاحب السيارة فإذا به تخص أحد " الكبار" الذين يمتون بصلة القرابة إلى زعيم الحزب الحاكم آنذاك .
ولم تلبث الإشارات التليفونية أن توالت على النقطة تشكك فى رقم السيارة ، بدعوى أن النقطة قد أرسلت تبلغ برقم آخر غير رقم سيارة هذا " الكبير " مما جعل بندر دمنهور يتوقف عن سؤال هذا " الكبير " فى محضر وإرساله للنيابة ! ! وأدركت أن محاولة التشكيك هذه كان المقصود بها جعل القاضي ينظر إلى الموضوع بريبة قد تدعوه إلى عدم الحكم على صاحب السيارة ، حيث إن الشك يفسر عادة لصالح المتهم .
وفى مساء أحد الأيام وقفت سيارة فارهة أمام النقطة ، ونزل منها أحد المواطنين وعرفني بنفسه ، فإذا به هذا " الكبير " الذي صدم الفلاح المسكين . وأخبرني بأنه هو الذي صدم هذا الفلاح فعلا وأنه هرب بسيارته لأنه خشي على نفسه تكاثر الناس عليه واحتمال إيذائه ، وأن أصدقاءه فى بندر دمنهور وفى المديرية يحاولون بطرقهم الخاصة حفظ القضية بالنسبة له ، ولذا ينصحني ألا أحاول تفتيح الأبواب التى تدينه ، فنصحته بدوري أن يذهب إلى نيابة آيتاي البارود ويبلغ وكيل النيابة بما حدث ثم يعالج المصاب الذي صدمه بسيارته ويحاول إرضاءه ، فإذا عرضت القضية على القاضي وجد مخرجا لتخفيف الحكم عليه .
ووعد بذلك فعلا ، وخرج من عندي -كما بدا لى -مقتنعا بما أقول ، ولذلك دونت مذكرة بهذا اللقاء وأرسلتها إلى نيابة إيتاى البارود .
ثم لم يلبث أن انقلب الوضع فبدلا من أن تثبت إدانة المتهم ، أصبحت أنا مدانا بعدم الفحص والتنقيب ، حتى لقد حضر إلى النقطة مساعد الحكمدار فى يوم عطلة الجمعة ، وطلب من عساكر النقطة عدم إبلاغي بمقدمه وذهب فورا إلى عامل التليفون ( وكان ورعا يخاف الله ) مهددا إياه بالويل والثبور وعظائم الأمور ، إن لم يعلن خطأه فى التبليغ برقم سيارة " الكبير " التى صدمت هذا الفلاح المسكين !
وأبلغنى أحد عساكر النقطة بمقدم مساعد الحكمدار ، وكان مسكنى فوق النقطة ، فارتديت ملابسى بسرعة ، ونزلت إلى النقطة لأجد المساعد يهدد. عامل التليفون ويلكزه بيده بعنف صارخ ،والرجل لا يجد فى لسانه ما يقوله سوى " حرام عليكم هو اللى يقول الحق تعملوا فيه كده " . .
وعندما دخلت الحجرة تحرج المساعد أن يستمر فى هذه المهزلة ، فترك يد عامل التليفون واتجه إلى فسألته عن المطلوب فأجابني بأن عامل التليفون زور الإشارة الخاصة بالسيارة وأن السيارة ،التى صدمت هذا الفلاح ليست سيارة " الكبير " ! !
فلم أشأ أن أتحدث إلى مساعد الحكمدار أمام عامل التليفون الذي صرفته وأغلقت باب الحجرة.
ورأى المساعد هذا السلوك منى ففتح باب الحجرة ثانية ، واستدعى عامل التليفون وهدد فى بقوله " أنت تمنعني من التحقيق فأجبته "لا يا حضره المساعد أنا بامنع التزوير فقط في محاضر النقطة ! "
وهنا نهض المساعد واقفا وجه ع أوراقه قائلا إنه سيبلغ أمرى إلى مدير المديرية ! وإن جزائي سيكون شديدا .
وأصاب الغم والحزن والألم وجمع أفراد النقطة من الصف والعساكر ، وعلمت قرى النقطة بالحادث ، وأن قوى الحكومة بما فيها الحكمدار ومساعدوه وسلطات الأمن كلها ترتكب جريمة تزوير لتمنع مجرما من الوصول إلى يد العدالة لأن غريمه مسكين لا يملك قوت يومه ! !
وشد هذا الحادث أعصابي ، وعصفت بى أزمة أليمة ، فكيف لا يجد أصاحب الحق عونا بينما الدنيا كلها تخدم الباطل وأعوانه ؟
ومضت أيام قلائل طلبت بعدها لمقابلة مساعد الحكمدار نفسه ليحقق معى فى المديرية !
وبدأ يسألني عن قصة السيارة بم فأجبته بصراحة،وانتهيت إلى سرد واقعة حضوره إلى النقطة ومحاولته التأثير على عامل التليفون ! ولكنه أبى أن يدون حرفا مما ذكرته له ، وأنهي المحضر بتقرير يتضمن رفضي التوقيع أمامه على أقوالي !
ثم مضت خمسة أيام طلبت بعدها لمقابلة مدير المديرية . . وذهبت أولا للحكمدار الذي استقبلني ببرود شديد وهددني بقوله " ازاى تعمل كده .
واسمك لسه مكتوب بالرصاص أنت لسه ملازم تحت الاختبار " . : ثم قادني فورا إلى غرفة المدير ودخل وتركني وانصرف ! !
وسألنى المدير في بساطة وبغير عجرفة أو تكلف ، هل صحيح منعت مساعد الحكمدار من التحقيق ؟ . .
فأجبته على الفور : أنا لم أمنعه من شئ ، ولكنه امتنع من تلقاء نفسه عن إتمام ما بدأه من إكراه .عامل تليفون النقط " على الإدلاء بأقوال مزورة ! !
فرفع وجهه في دهشة قائلا " وكيف ؟
فأجبته بأن عدم مجاملتي لأحد الكبراء هو الذي أوقفني فى النهاية أمامكم موقف الاتهام بسبب ادعاء يخر صحيح من مساعد الحكمدار ، فى الوقت الذي أعلم تماما أن اسمي ما زال مكتوبا بالرصاص كما قال لى سعادة الحكمدار !
وأثارت هذه الجملة انتباه المدير ! فلم يكن يعلم تفاصيل الأمر على وجهه الصحيح للأسف الشديد ، وشرحت له الموضوع . . وما إن انتهيت من شرحي إلا وأنا أكاد يقول ولا أكاد أصدق أذني !
" يشرفني وجود ضابط زيك فى المديرية. . ، وانسكبت الدموع من عيني ، وأغرقني الشعور بالشكر ليس فقط لزوال الغمة التى أعانيها،ولكن لأني وجدت من يقيم وزنا للفضيلة !
وكانت بيد المدير مذكرة الحكمدار التى ادعي على فيها الأباطيل ،فإذا به يمزقها ويقول : " أنا مقتنع بصحة ما تقول بدون الرجوع إلى أحد ! ! . . لا وخرجت من حجرته لا تكاد تحملني قدماي ليقودني الباشجاويش المعين على مكتب الحكمدار لمقابلته ثانية بناء على سابق تعليماته !
ودخلت إلى غرفة الحكمدار له واجما ! ! فيظن أن المدير لابد قد فصلني من الخدمة أو أوقع على جزاء صارما ! ! فيطيب خاطري و يقول فى تعجب " لا أدرى كيف سمحت نفسك أن تعامل مساعد الحكمدار هكذا " ! ؟ وعلى العموم سأعاود الأمر مع المدير بخصوصك ! وبالمناسبة ما هو الجزاء الذي أوقعه عليك ؟
وظلت واجما وأنا أجيبه : " لا شئ . . لقد مزق ورقة كانت فى يده أحسبها تقرير حضرة المساعد أ ! ... .
وبهت الحكمدار وأسقط فى يده ، وظن أن ورافى سلطات كبيرة دعت المدير إلى هذا السلوك ! فدعاني إلى الجلوس ، فرفضت قائلا " كنت فعلا فى حاجة إلى الجلوس عند سعادتك أول ما حضرت ، ولكنك قابلتني بهجوم بالرغم من عسر الموقف الذي كنت مقدما عليه . . أما الآن فأنا فى حاجة فقط إلى الانصراف من أمامكم ! إذا سمحتم لى بالانصراف ولكنه أبى عالج الأمر معى برقة لا تعوز من كان فى مثل مركزه ، ثم سوى الأمر فيما بينى وبين مساعد الحكمدار وانصرفت عائدا إلى النقطة ، وظن الجميع أنه لابد وأن يكون ظهيري الملك ما دام المدير يقف هذا الموقف من صهر رئيس الحكومة ! !
أما عساكر النقطة وعامل التليفون البسطاء من أهل القرية فكانوا وحدهم يدركون أن ظهيري ليس صغار الملوك ! !
وغنمت كثيرا من ممارسه هذا السلوك الجديد كضابط شرطة ظ ووسعتني فطرة الناس بالرضاء والقبول والمودة ، وبدأ الرؤساء يألفون معي لونا من السلوك لا يحادثني أحد في بباطل ،أو يدعوني إلي أن أحيد عن حق أحد .
يزع الله بالسلطان
وأخيرا جائني أحد المفتشين للتفتيش على حوادث النقطة ، بعد مضى سنة من هذا التجديد فى منهج الإدارة ، وأدهشه أن يرى انخفاض نسبة الحوادث -الجنايات والجنح - عن نسبة السنة الماضية . . حتي لقد ظن أن كاتب النقطة لابد وأن يكون قد أهمل تسجيل الحوادث فى الدفتر المنوط بتسجيل الحوادث فيه .
ولكن . . كان الجديد فى الأمر فقط أن قوة الأمن فى هذه النقطة قد سجلت عهدا جديدا عند الله ، فقد جرى العمل فى النقطة على أن يحضر الضابط " تمام الصباح ! لجمع عساكر النقطة ويثبت نحط يد، فى دفتر الأحوال حضور جميع القوة وينصرف الجميع بعد ذلك كل لعمله أو بمنزله للراحة ! ولم يكن تمام الصباح هذا إلا صورة شكلية لا تتحقق عادة إلا فى أحوال نادرة ، لسخافة الهدف الذي تتضمنه .
ولكن . . استطعت تحقيقه بصورة أخرى ! فقد كان مسجد القرية ملاصقا لبناء النقطة وما يكاد المؤذن لصلاة الفجر يدوي صوته " بحى على الصلاة " حتي يجد ضابط النقطة والعساكر يتهيأون معه للصلاة وراءه ، مما دعا أهل القرية إلى الانتباه لهذا التجديد فى حياتهم وحياة حراسهم الجدد وهكذا بدت سطور " تمام الصباح " حية بعد أن وجدت موضوعها بتفقد الغائب عن صلاة الفجر !
وحرص عساكر النقطة وضابطهم على هذا اللقاء فى مسجد القرية ، بصورة تركت فى نفوسهم بعدا جديدا ، يحمل الحرص على رضاء الله .
وأرسل المفتش بعد ذلك تقريرا عجيبا يشرح فيه خصائص هذه التجربة الرائدة ،مما دعا الإمام الشهيد إلى أن يروى قصة هذا المفتش فى مجلة الإخوان المسلمين في الشعرية التى كانت تصدر حينذاك ، ودعا إلى ضرورة تغيير مجتمعنا بإقامة دعائمه على شرع الله ،جاعلا من هذه القصة واقعا بحدي ، وحقيقة جديرة بالبحث وراءها والنفاذ إلى جذورها .
ولكن .. كان هناك صراع من نوع آخر أشد مرارة ينتظرني فى القاهرة ، حيث نقلت إليها بعد هذه السنوات التى عشتها فى محضن الدعوة فى " صفط الملوك " .
وكنت للأسف أتعجل نقلى إلى القاهرة ! فى الوقت الذى كان حسن البنا رحمه الله يستمهلني حتى "تنضج الطبخة ! حد تعبيره ، وكان يعنى بذلك أن تتحقق عمليا ركائز الإسلام فى نفسى وفى نفوس الناس الذين كان يسميهم " حرث الدعوة " .
أجل ما زلت حتى ألان أحن لتلك الأيام التى عشتها فى هذا البلد الطيب ن باكورة خدمتي للدعوة الإسلامية كضابط أمن ، فأشهدها اليوم تمر بالذاكرة كنسمة رقيقة " فى جو الأحداث اللافح بحر الابتلاء منذ ذهبت إلى القاهرة ليكلفني المرشد بالعمل فى قسم الوحدات العسكرية . فى أحضان المتاعب !
نقلت إلى القاهرة سنة 1944 لأخدم فى بلوكات – نظام الأقاليم وكانت مهمه الضابط الأساسية أن ينتقل مع قواته . إلى أى جهة من جهات القطر تكثر فيها الحوادث ، ليقدم العون فى استتباب الأمن مع رجال الشرطة المحليين . .
وكانت الأحكام العرفية وقتئذ معلنة بسبب الحرب العالمية ، وكانت العادة أن يعتقل المشهود عليهم بسوء السمعة فى جرائم القتل والسرقة ونحوها وينفوا إلى جبل الطور . وكانت من مهام الخدمة فى مجال العمل الجديد الذي التحقت به أنتدب ،إلى جبل الطور لحراسة هؤلاء المعتقلين .
وفى أواخر سنة 46 وأوائل سنة 47 - وكانت وزارة الوفد هى القائمة بالحكم وقتئذ ، فى الحين الذي بدأ فيه الشقاق يدب بن الأستاذ أحمد السكري وبين الإمام الشهيد،حول صلة الأستاذ أحمد السكري بحزب الوفد . . وكان موضوع الإشكالي يتلخص فى أن الوزير فؤاد سراج الدين الذي أراد أن يستقطب حوله نفرا من كبار الإخوان قد منح الأستاذ أحمد السكري الدرجة الثانية ، بينما كان بعض الإخوان يرى أن الأستاذ أحمد السكري لا يستحقها ،فكلفه الأستاذ البنا برفض الدرجة ، و،امتنع الأستاذ أحمد السكري؟ ! ودارت مساجلة طريفة بينهما دعاني الشهيد إلى الحكم فيها ! !
وكنت أستشعر ضآلة حجمي بالنسبة لقضاء فى أمر يخص الجماعة ويتعلق بمرشد الإخوان ووكيله ، ولكن هكذا كان يربي الرجل أتباعه ! فى حين لم يكن قد مضى على التحاقي بالجماعة فترة طويلة !
عرض الأستاذ أحمد السكري قضيته ،وكانت تتلخص فى أن له الحق فى الحصول على هذه الدرجة ، وأنه فى الحصول ، وانه ليس من مصلحة الجماعة سياسيا تلطم فؤاد سراج الدين فيما يقدمه من حق لرجل من رجال الجماعة .
وقامت حجة المرشد على أمرين : الأول أن واجبات قادة الإخوان أن من واجبات غيرهم ، والثاني أن حقوقه م مرهونة أولا بمصلحة الجماعة ! وسلامة الجماعة تقتضى ألا توحي إلى الناس عامة وإلى الإخوان خاصة أن حزب الوفد نجح فى استقطاب كبار الإخوان لصفه ، فهما كان حقه في هذه الدرجة فالأولى به أن يتركه لوجه الله .
وكانت نظرتي للقضية تنحو منحى آخر لا علاقة لى بآي من الحجج التى ساقها الطرفان . قلت للأستاذ أحمد السكري : " هل ارتضيت حسن البنا مرشدا لك فى أمور الآخرة ؟ ، قال : نعم . قلت : "وما يمنعك من أن نرتضيه مرشدا كذلك فى شئون دنياك ؟ !
وأنا قد تعلمت منك قول رب العزة فى حديثه القدسي : "من أراد رضاي أشدت ما يريد ومن قدرك لأجلى أعطيته فوق المزيد ) وأما ما يتعلق بصلة الجماعة بفؤاد سراج الدين فلن تضار برفضك للدرجة إذا كان فؤاد سراج الدين يبغى بنا خيرا ، وإذا كان الأمر غير ذلك فالقطع أولى بنا .
وكم كنت آمل أن تنتهى هذه الجلسة برأب الصدع وتحقيق ما أرداه المرشد لجماعة الإخوان المسلمين من خير بتنازل الأستاذ أحمد السكري عن هذه الدرجة . . ولكن شاءت إرادة الله غير ذلك وأعلن خروج الأستاذ أحمد السكري من الجماعة ، وبدأت حملة صحف الوفد على الإخوان تحت عنوان " هذه الجماعة تهوى ، وكانت الصحف تنشر كل يوم ج قوائم بأسماء الإخوان الذين قدموا استقالاتهم .
وبلغت قوائم المستقلين عددا كبيرا عبرت ضخامته وحدها عن افتراء هذه الصحف فيما تنشره عن استقالات الإخوان .
وواكبت هذه الفترة من تاريخ الجماعة ذهابي إلى الطور منتدبا لحراسة المعتقلين هناك ، وذهبت إلى السويس للسفر منها بالباخرة إلى مقر عمي الجديد بالطور معى أربعة من ضباط الشرطة اثنان برتبة الملازم وثالث برتبته اليوزباشبى والرابع برتبة – الصاغ – الذي كان يرأس المجموعة الني نجأ لتسلم المعتقل من الضباط السابقين إثر أحداث أليمة جرت بين طاقم ، الحراسة القديم وبين المعتقلين من أرباب السوابق ،انتهت بفاجعة دامية قتل فيها ما يزيد عل عشرة من المعتقلين بدعوى التمرد والرغبة فى الهروب…
إلى الطور
وضمتنا باخرة واحدة – الضباط الجدد – فلم يكن أحدنا يعرف الآخر إلا عند أول لقاء لنا فى الباخرة التى نقلت ، الطاقم " الجديد من السويس إلى الطور وكانت فرصة ليلة واحدة تناولنا فيها بالحديث طرفا من الوقائع التي جرت مع الضباط الذين جئنا لنحل محلهم .
وكلنا كان يتوجس خيفة من الجو الذي سنقدم عليه إثر هذه الأحداث ، وكان الشعور الذي يملأ قلوب الضباط هو شعور بالتحدي لهؤلاء المعتقلين الذين يعيشون خلف الأسلاك ، بالرغم من إجماع الضباط بناء على الوقائع المروية على تسرع قائد المعتقل فى إطلاق النار و إيصال الحال إلى ما وصل إليه من سوء قتلى وجرحي عزل من السلاح لم يقصد أحدهم الهرب وإنما كانت مشادة عادية بين رئيس المعتقل وأحد المعتقلين انتهت كذه الكارثة .
ولم يجد رئيس المعتقل سببا يعزو إليه أمره بضرب النار إلا دعوى محاولة الهرب ! وبالرغم من شعور طاقم الضباط الجدد بالظلم الذي لحق بهؤلاء المعتقل في ، فإنه أدهشني منم تحفزهم لمواجهة الموقف بالتحدي والمبادأة بالعدوان بدعوى عدم ترك الفرصة للمعتقلين بالشعور بضعف الضباط الجدد حيالهم !
وجرى- بينى وبين الاخوة الضباط حوار حول معنى الرحمة التى تلازم رسالتهم فى إصلاح النفوس ،وحول معنى العدل الذي يجب أن نأخذ به أنفسنا نحو المعتقلين بعد هذه الكارثة الأليمة ، ولكن دون جدوى ، فقد كانت قاعدة التعامل إلى تشربت بها نفوش الضباط هى القهر ما دامت القوة بيدهم والضعف والحيلة إذا عجزوا عنها !
ولكن كانت هذه المناقشة سببا فى أن يسند إلى مسئولية أمن المعتقل بالأسلوب الذي أراه .
وكان امتحانا قاسيا لى كضابط ملازم أول يتولى أمن معتقل كهذا بعد الدماء التى خاضت فيها أقدام الضباط القدامى .
ريـــان !
وسان على أن أنظم حراسات المعتقل ، المكون من جملة حذاءات " كما كانت تسمي وقتذاك ، هى في معسكر محاط بسور سلكي شائك يضم المعتقلين من كل مديرية أو محافظة كما تسمى الآن . وأمام كل "حذاء" قوة من الجند مسئول عنها أحد الضباط ، ومسئول كذلك مما يدور داخل "الحذاء" من مشاكل ومنازعات .
وفى أحد الأركان المتطرفة من هذا المعسكر الكبير الذي يضم هذه "الحذاءات كان هناك سجن صغير مكون من عدة زنزانات ، يودع فيها الأشخاص الذين يرتكبون حوادث جنائية داخل المعتقل ، وإلى جوازه عبر فسيح معد لإقامة ا،ننظر ترحيلهم من المشتبه فى صحة قواهم العقلية أو المعقورين المشتبه فى إصابتهم بداء الكاب ليرحلوا إلى القاهرة .
وكانت مهمة قوة الحراسة مراعاة عدم خروج أحد المعتقلين خارج السلك الشائك الذى يحيط بالمعسكر على حسب التعليمات الصادرة بعد الأحداث الأخيرة .
ولم يكن القيام بهذا الواجب عسيرا ، لأن الحذاءات مغلقة الأبواب ، ولا يلزم سوى تعين عدد من الجنود على كل ضلع من أضلاع الحذاءات لا ومثلها على الباب الرئيسي لكل " حذاء " . . ولكن كانت المشكلة هى حراسة السجن المبنى الذي يقيم فيه أحد المعتقلين من ذوى النفوذ فى دخل المعتقل وخارجه ، فلم يكن يقبل إغلاق باب الزنزانة عليه ! ولم يكن فى استطاعة أحد أن يجبره على ذلك ! ! بالرغم من حدة الأحداث التى انتهت بقتل مجموعة من زملائه كا أسلفنا .
كان " ريان " وهو اسم الشهرة لهذا المعتقل ، فارع الطول ضخم الجثة ، ومع ذلك كانت قسمات وجهه توحى ببراءة الأطفال ،وكانت حوادثه التى اشهر : لا والمدونة فى الدوسيه الخاص به فى إدارة الأمن العام توحى بفظاظة قلب هذا المجرم العتيد ، حتى إن أوراقه فى إدارة الأمن العام تروى أنه استدرج أحد أعدائه إلى ماكينة خارج إحدى القرى وقذف به فى داخل الفرن الذي توضع فيه الأحطاب والوقود ! !
وكان على أن اتم جولى فى أول يوم لتعيين الحراسة اللازمة على هذا السجن ، وكان معى "جاويش وأومباشى من قوة الجند القديمة ، نصحاني بالابتعاد عن هذا المجرم وعدم التعرض له أو إجراء أية محاولة لإغلاق الزنزانة عليه !
وذهلت من هذه المفارقة فى القسوة والظلم التى أطاحت بعدد كبير من المعتقلين ، وببن هذا الجبن حتى عن تنفيذ اللوائح العادية ، وإذن ، فلم تكن المذبحة رعاية للوائح مخافة هروب المعتقلين . . رإلا لما أهدرها " ريان ) هكذا أمام أعين المسئولين وربما برضائهم !
ولذا لم أجد بدأ من الذهاب إلى " ريان - لا وإغلاق باب الزنزانة عليه ! وذهبت إليه ، وألقيت عليه السلام ، فأجابني بصوت لا يكاد يسمع " وظل جالسا على مقعده إلى جوار فراشه ! ولم يزعجني أسلوبه فقد وطدت العزم على المضى فى الترفق به رغبة منى فى إيجاد الثقة بينى وبين المعتقلين .
وبدأت حديثي معه منفعلا استنكار تصرفه ، مواسيا فى الحادث الأليم الذي أقام هذا الحاجز بينه وبين الضباط ، مشيرا إلى أن الأسلوب الأمثل يقوم فقط برعاية المعاني الإنسانية بين صاحب السلطان ومن دونه .
وفاجأني بالرد فى جفاء قائلا : كلكم تقولون ذلك ولكن تعملون غير ما تقولون " .. واجبته فى هدوء بنص الحديث الشريف : "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون . . ! وأنت أيضا تقول غير ما تعمل ! وتحاول أن تكون فاضلا ولكن تدفعك نوازع الشر فتأتيه ، وكلنا بحب أن ينصح أخاه ، أنت تنصحني فيما تراه من خطأ ، وأنا أنصحك فيما أراه من خطأ ، وربت على كتفه مسترسلا : "لا فارق بيني وبينك إلا فيما يراه الناس ، أما ما عند الله وير الأهم فمن يدرى ؟ ! فلعلك تبت إلى الله توبة أسرقت كل سيئاتك ، وجعلتك أقرب إليه منى . . من يدرى ؟ !
وبدت الدهشة على وجهه ولكنه استمر قى عناده قائلا فى استنكار : "ومن قال لك إفى راغب فى التوبة ؟ "
واستوقفتني جرأته ! وأجبته فى هدوء : وجهك خلقه الله كما يبدو فى برءاة الأطفال ،واستطردت أتول لا أسد يخلو من الخير ، ولعل الله يعفو لك ما قد سبق "وضحك الرجل ملء شدقيه ، ثم رفع إلى رأسه ، واختفي طابع التحدي الذي كان يبرو فى عينيه ، ورأيت بدلا منه نظرة حزينة تنبئ عن انكسار وأسف ، وتساءل غير مصدق " ربنا يغفر لى ؟ يغفر لى إيه واللا إيه ،؟ واستطرد في يأس " يا عم اقفل هذا الباب واتركنا فى حالنا من الأكل والشرب والحراسة " وأجبته على الفور : أنا جئت خصيصا لأفتح هذا الباب عليك بعد أن أغلقته أنت على نفسك ، رسالي معك ، نفسك أولا ، وبعدها الأكل والشرب والحراسة .
وابتدرني بسرعة متسائلا : هو أنت ضابط ولا واعظ ؟ . . وأجبته أيضا على الفور : الإسلام ليس فيه ضابط أو واعظ ، فيه مسلمون فقط دور كل مسلم رعاية أخيه والأخذ بيده وإيصال كلمة الله إليه فى أى موضوع كان فيه كلاهما ، ضابطا أو معتقلا ، حاكما أو محكوما .
واستغرقني الحديث ساعتين أو أكثر فقد كان يائسا من الناس ومن الله وبدأت أقهر ياسه سين رويت له مما سمعته بقلبى يوما من حديث حسن البنا فى أول ليلة رأيته فيها وهو يقول : ( وإذا سالك عبادي عنى فإني تريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون ) .
وظننت أن قلبه بدأ ينفتح لى ، ورأيت بواكير يقظة حين نهض لى بعد أن انتهيت من الحديث معه يحاول أن يقبل رأسي وهو يقول " يا شيخ ده كلام حلو " .
ودار فى خاطري أنه ربما يضمر غير ما يظهر ، ولكن ذلك لم يمنعني من القيام من عنده أن أطلب منه شيئا فقد كان يدرك بفطنه ان نظام الحراسة يقتضي إغلاق الباب وكرهت أن يظن أنني أتقاضاه ثمن تلطفي معه ، فمضيت تاركا الحال على ما وجدته عليه ..
..لم ومضت أيإم كنت أزوره فيها لأتحدث إليه لا ، حتى شعرت أنه بدأت تربطني به مودة ! ! وبدأ هو الآخر يسعى إلى مطمئنا إلى الحديث معنا عما يشغله من أموره ، وبدأ يأسه يتبدد فعلا ، ويسأل كيف يتوضأ وكيف يصلى ؟ ! حتى زرته يوما فوجدته يبس ! فسألته فرد بقوله إنه يبكي على نفسه ، ماضيه الذي لا يعرف إلى أين أوصله ، وحاضره الذي لا يعرف ماذا يفعل به ! ! وحدثته مطمئنا أن مشاعره هذه هى أول طريق العودة إلى الله ، وتركته فى غرفته لأمضي إلى العنبر المجاور.
ومضيت إلى العنبر المجاور ، عنبر المشتبه فى قواهم عقلية - وإن كان غالبهم يتظاهر بالجنون حتى يتسنى له الذهاب إلى القاهرة لحين الكشف عليه ليمكث بها حتى يمكنه ذلك من رؤية أسرته والبعد عن هذا المنفى الذي تهدر فيه آدميته مهما كانت نتيجة الكشف الطبى بعد ذلك .
و دخلت العنبر وكان الضجيج والصراع يملآن الآفاق ، وإذا بأحد المعتقلين يجرى من أول طرقة العنبر متخيلا نفسه " قطارا" ويخرج من فمه صوت صفارة القطار ودوى عجلا ته ! ! حتى إذا قارب منتصف العنبر رجع حيث بدأ يعاود الكرة مرة بعد مرة ، وفى كل مرة يقترب منى شيئا فشيئا ، بينما أنا أتحدث إلى زملائه سائلا كل منهم عن شكواه .
وكنت اتوجس شرأ من سلوك هذا المعتقل . وشككت فى أمره ، وتصورت أنه مما يريد من وراء هذه الحركات أن يقترب منى ويصطدم بي ! حتى إذا سقطت . و سقطت تبعتى يكون ذلك إيذانا بإهدار كرامة طاقم الضباط القادم ، وتبدأ ملاحم العدوان بين المعتقلين والإدارة من جديد .
وتوقف فكرى عن العمل ، حين حدث ما توقعت ، وجرى إلى بسرعة ورفع يديه محاولا ضربي على رأسي !
كنت مستبعدا أسلوب العنف تماما . . فى نفس الوقت كنت حريصا على ألا أمكن هذا المجنون أو متصنع الجنون مما يريد . .
ولكن شل تفكيري عن المضى فى إنقاذ الموقف وتسمرت قدماي ، ووقفت لا أحرك ساكنا ، ولشدة ذهولي رأيت شخصا يأتى من وراء .
ظهري ثم يرفعه بيديه وكأنه دمية خشبية ، ثم يقذف .بد بعيدا إلى ركن العنبر ! وصرخ الرجل متما تمثيليته . . كما لو كان القطار قد توقف !
وكان "ريان " وراء هذا الإنقاذ الرباني الذى آتاني فى اللحظة الأخيرة يركن هم هذا المعتقل برخ يده ليهوى بها على رأس ويبدو أن "ريان " كان يتوخ ما سيحدث فمضى على أثرى بعد أن تركته في غرفته ليرفع ما يمكن أن يلحقنى من إيذاء كان يتوقعه أو يعلم به ، وشكرته بكياني كله !
وخرجت من العنبر بعد أن سكن الضجيج نماما بعد هذا الحادث ووقفت طويلا أمام الباب لأتم الإجراءات الشكلية فى تعيين الحراس للمرة الأولى على أرض الحقيقة والواقع ، فقد كان كل شيء يتم فقط على صفحات الدفاتر بدون أن يكون للحراسة الحقيقية أثر فى هذا المكان .
وملأت صور" ريان " مخيلتي وأنا أخطو خارج العنبر . . فقد كان هذا السلوك منه أكبر من أن يوصف وكان لتدخله فى اللحظة المناسبة أثره الفعال فى منع كارثة جديدة تزيد الهوة بين الضباط والمعتقلين .
ولكن زادت دهشتي وأنا أسمع "ريان "بعد أن ذهب إلى غرفته . ينادى الشأويش ويقول نعال يا شاويش اقفل على باب الزنزانة .
وذهب الشاويش ليغلق عليه باب الزنزانة للمرة الأولي .
أجــــل ... لم لا تهزه ، شوكة السلاح ولم تبلغة الحراس، ولكن قهرته لم رحمة المودة .
وهكذا أغلقت أبواب السجن فى الطور لأول مرة، لا بيد الحراس ، ولكن بأيدي المعتقلين أنفسهم ،وانتهت مدة خدمتي فى الطور لأعود إلى القاهرة أباشر مهام كل الجديد فى جماعة الإخوان المسلمين بهت كمسئول عن قسم الوحدات العسكرية ، وفى نفس الوقت ضابط شرطة فى بلوكات نظام الأقاليم .
لا أحب أن أستطرد فى الحديث عن مل فى هذا القسم قبل أن أعود إلى ريان لأروى نهاية تصنه ، لقد أفرج عن المعتقلين بعد ذلك ، وعاد "ريان إلى بلده ليصارع حكم الإقطاع هناك .
حدثني بعض الاخوة بعد سنوات من هذا الحادث أن ريان ، عاد إلى بلدنه بغير الوجه الذى خرج به .
فقد انتظم فى علاقته بشعبة الإخوان هناك ، والتق بالإمام الشهيد وعرفه بقصة توبته ، وظل يصلى ويصوم ويستنفر الله عن آثام ماضيه ، ولكن طبيعته التى لا نعرف البعد عن الصراع ، والتى غالبته فى الماضي فى الشر ، عادت لتغالبه هذه المرة فى الخير ، فكان ينتصف لفلاحي قريته الفقراء من طني أن أصاب النفوذ ، وحث الناس على مواجهة ساس فى خبزهم ، ذاع صيته وبدأ يهدد كيان البشوات الذين تربصوا لقتله ونجحوا فى إسكات صوته ، وبكيت عند سماعي نبأ مصرعه ، وبكيت مرة أخرى وأنا أسمع الإمام الشهيد يروى قصته ويتحدث عنه فى معرض خروج الأستاذ أحمد السكري وغيره هن صف الجماعة فيقول :
" كيف حولت المودة قلوب العتاة والمجرمين إلى قلوب رقيقة صافية صلبة ،نصارع الباطل وتواكب الحق ،وتبذل حياتها حفاظا علميه ، بين عجزت مودة أحبابنا عن الكف من التشهير بنا ، لا حفاظا على حياتهم ، ولكن حفاظا على لجماعة من الجماعات الدنيا " .
ومضت قرابة الأربعين عاما على هذه الكلمات !! وما فقدت جدتها ، فما زلنا حق اليوم ق حاجة إلى أن نسمعها ونتدبر حالنا معها .
'فى قسم الوحدات
" . . وكان الدرس قاسيا عل ولكنه كان مفيدا كذلك لمن هم ط شاكلي ممن يبدءون المهل فى صفوف الجماعة ، تحدوهم الرغبة ويعوقهم الحياة عن الرؤية الصحيحة لرجال ! . . " .
بعد نقلى إلى القاهرة سنة 1944 كان المرشد العام بالعمل فى قسم الوحدات العسكرية للجيش ، وكان يرأس المدنيين فى هذا القسم الأخ عمار رئيس الصيانة الفنيين ويساعد، الأخ حسين ، وكان قسم الوحدات يضم عسكريين ومدنيين من كافة الأسلحة فى الجيش . وعرفت من العسكريين الاخوة محمد الشناوى وعلى بدران وكانا فى هذا الوقت يعملان فى سلاح الطيران برتبة صول . . ومن المدنيين محمد الكاشف وحسين البوهي ورفعت النجار وعبد السلام وعمار وإبراهيم بركات وغيرهم .
وكان عامة نشاط القسم يتلخص فى تجميع العسكريين والعمال علي هدف الإسلام ، وتعريف بعضهم ببعض ، ومحاولة أيحاد رباط فى العمل بينهم لإعانة بعضهم بعضا ، فيما يلحقهم من مظالم في داخل الوحدات وتبصيرهم بحقيقة الجهاد فى الإسلام ، وأنه لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله حتى لا يموت الجندي فيهم ميتة جاهلية ، ثم تعريف الضباط بواجباتهم نحو جنودهم ونحو أنفسهم ، وأن شجاعتهم فى دفع الظلم عن جنودهم وعن أنفسهم لا تقل ثوابا عن جهادهم فى المعارك .
ولم يكن فى قسم الوحدات عند قيامي بالعمل فيه أحد من ضباط الشرطة كما لم يكن فيه أحد من قوات الأمن ( الجنود والصف ضباط ) ، و إنما ضم هذا النشاط إليه بعد ذلك تبل تخرج دفعة سنة 1946 من كلية الشرطة التى كان فيها الضابط رشاد المنيسي . . الذى كان مسئولا عن نشاط الدعوة داخل كلية البوليس ، فلما تخرج منها نهض بعبثها فى محيط الضباط بعد ذلك ، حيث ضم إليه بعد تخرجه نخبة من الضباط والجنود و "الكونستبلات " والصولات نذكر منهم على سبيل الملكال الأخوة سيد خشبة ومدحت حافظ وكمال عبد الرازق وعباس أبو كرم وعز الدين شرف ومصطفي أبو دومة ومنير المصري وسعيد الفرماوى وأسمد فؤاد رسمه الله وجمال إسماعيل وآخرين من الرتب الأخرى من والصولات والجنود الكونستبلات أذع ر منهم المرحوم متولي رمضان وغيره من الصف والجنود.
وكان فرع " البوليس " فى قهم الوحدات يتناول عمله تعريف الضابط والصف ضابط ؟الجندي بعمله ، وكيف يرفعه إلى الله غير مشوب بضلالات الهوي والبعد عن الحق التى كثيرا ما تفرضها ظروف العمل ، وتامين حياة الناس وحرياتهم وأعراضهم ، والامتناع عن التجسس الذى ربما تفرضه عليه طبيعة العمل الذى يزاوله ، وعدم السماح لأحد بانتهاك محارم الناس رئيسا كان أو مرءوسا . وكان لهذه المواضيع دراسات ثقافية وتربوية داخل أسر الضباط والصف والجنود ، تكشف عن مواقع العطب الشرعي فى العمل البوليسي وكيف يتلافاها الجندي والضابط ، وكان هناك لون آخر من النشاط يتناول التقريب بين العاملين فى حقل الجيش والبوليس من ضباط –وجنود ، حيث كان التباغض والتنافس الملكير بين ضباط الجيش والبوليس هو سمة هذا العصر ، فكان كلاهما كفرسي رهان إذ كل منهما يدعى التفوق على أخيه ، ولعل هذا من آثار الاستعمار فينا ، ولذا كانت ضرورة المزج لي ينقما فى القهم والسلوك ضرورة لا تغيب عن اهتمام مه احب الدعوة فى هذا المحال ، ولذا نشأت أسر الضباط فى الجيش والبوليس يعملون معا فى مجال الأسرة لمزت الفكر والسلوك فى كلا المجالين ، فى الوحدات العسكرية للجيش ، وفى المرافق المختلفة والإدارات ا لمتعددة للبوليس ، فى الجوازات ملأ وفى أقسام البوليس وبلوكات النظام وفي ذلك من مختلف الإدارات .
ولعله من المفيد أن نشرح ،.طبيعة الجو الذي كان يجرى فيه هذا النشاط لأنه : شكل إلى حد كبير اتجاه قسم الوحدات بعد ذلك إلى العمل الفدائي .
فقد شكل الملك فاروق تنظيما من ضباط الجيش أسماه " الحرس الحديدي خصص للقيام -بالمهام التى يكلفه بها الملك عن طريق مرتضى المراغي لمواجهة من يعارض السراي من الساسة ،أو ممن يشتم منه رائحة الخطر على النظام الملكي ، فنهم من قام بمحاولة هدم منزل النحاس باشا ،ومنهم من قام بقتل عبد القادر طه وغير ذلك من الأحداث .
وكانت محاولة القصر إشعال ضباط الجيش بأنفسهم ومراكزهم ورتبهم وحياتهم ، ليصبح ذلك كل ما يهم الضباط وقتئذ . فكان أول أهداف النشاط الفكري للإخوان خ ضباط الجيش والصف والجنود هو تبصيرهم بموقعهم من العبث الذى يحيط برسالتهم وينتقض من ش فهم ومروءتهم ، وكانت الاستجابة لهذا اللون من الحديث تلمس القلوب وتؤكد ما فيها من خير ، فمن وجدناه منهم راغبا في المزيد ، وفرنا له جوا أ آخر أكثر أمنا وأدعى الى الاسترسال ف تعريفه بحقيقة الخطر الذى يحيط بأسرته ودينة ، ووطنه .
وكنا نجد طريقنا إلى الحديث فى الوحدات العسكرية وفى المجالات الخاصة ميسرا ، حيث إن اسم الإخوان المسلمين فى هذا الوقت لم يكن له دوى نخشى منه ، ولذلك وجدت الدعوة طريقها فى أول الأمر ميسرا غير مهدد بالمصادرة ، حتى إنه كان لقسم الوحدات غرفة خاصة فى دار المركز العام بتجمع فيها الدعاة وأصحاب اللباس العسكري بلابسم الرسمية فى أكثر الأحيان بل كنا نحتفل فى دار الإخوان بتخريج أفواج الضباط ،ويدعى إليها بعض الوزراء وكبار الضباط وأساتذة الجامعات لا ! !
وكان الفهم السياسي الذى يراه الإخوان سثة 1945 هر ضرورة الإعداد لإخراج الإنجليز ، ليس فقط لاحتلالهم أرض الوطن ، ولكن لمعاونتهم المعلنة لسجى اليهود نحو إن!شاء دولة الصهاينة على أرض فلسطين بطرد المسلي في منها.
وجاءت جرائم الصهيونية تكوى قلوبنا،وتؤجج حماسة الشباب فينا، حتى بون الأمر بالإخوان فى سلاح الصيانة وفى القاهرة أن طلبوا أداء دورهم فى الرد على هذا العدوان .
وفى هذا الجو المشحون ،بكراهية الإنجليز و الصهاينة ، واستنكار الحكومة والشعب لجهود الإنجليز فى تأمين وتثبيت الكيان الصهيوني فى فلسطين بدأت العمل فى قسم الوحدات .
وعرفني الإمام الشهيد فى باكورة عملي بهذا القسم بالأخ عبد الرحمن السندي باعتباره المسئول عن القسم الخاص الذي ينم تشكيلا من المدنيين من نختلف طوائف الأمة يؤهلون فيه تأهيلا عسكريا لقيام بأعمال فدائية يتطلبها نشاط الجماعة فى الداخل والخارج ، سواء فى محاربة الإنجليز ، أو مواجهة عدوان الحكومات التي تخدم مصالحهم ، أوفى الجهاد فى فلسطين ، كما كان يضم فريقا من ضباط الجيش منهم جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وغيرهما ضمن تشكيل هذا النظام الخاص .
فلما تكاثر عدد الضباط بعد ذلك ، رغب الإمام الشهيد فى جعل شباط الجيش تحت قيادة خاصة يرأسها المرحوم الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين باعتباره ضابطا سابقا فى الجيش ، وخاض عمليات حربية عبد الرحمن عزام وعزيز المصري فى حروب السلوم وغيرها .
وتبينت فى الوهلة الأولى من لقائي عبد الرحمن السندي أن الذى عناه الإمام الشهيد من هذا اللقاء هو تنسيق العمل بين جهازين يعملان فى خدمة الجماعة فى حقل واحد مشترك من العمل ، ولذا لزم تنسيق الروابط بينهما. ولكنني أدركت أخير - بالإضافة إلى ذلك - أن مرشد الإخوان إنما كان نحطط لأمر آخر هو ألا يجعل كل رجال النظام الخاص تحت يد واحدة دفعا لما يمكن أن يواجه الجماعة من أحداث .
وفى نفس الوقت أراد أن يعرفني بصيادة هذا النظام ، فكلفني يوما، بمصاحبته إلى اجتماع قادة هذا النظام فى مصر والأقاليم فى منزل الأخ عبد الرحمن السندي فى حي بولاق ، ولم يكن لعبد الرحمن السندي سابق علم بمصاحبتي لمرشد فى هذه الزيارة ، ويبرر أن ا لمرشد لم يكن قد أبلغه بصحبتي له ، ولذلك ظهر على وجهه الكراهة والامتعاض ، وصارح المرشد بأنه كان يلزم ل إخطاره مسبقا قبل حصول هذه المفاجأة !
وربما كان لعبد الرحمن السندي الحق فى هذا التحفظ ، ل لا أن الصورة التي، انظبعت فى نفسى من مواجهته للمرشد - بهذه الصورة- أنه كان يتحدث إليه كما لو كان الحديث بين ندين لا بين مرشد الجماعة وبين رئيس أحد أقسامها ! .
وبدأ الضيق على وجه المرشد ولم نمكث كثيرا فى المنزل ووضح أن المرشد كان مستاء من دفعه هكذا ودفعي معه بالتالي . . إلا أن المرشد لم يعلق على هذا التصرف .
حادث القطار الإنجليزي
كنت قد ألمحت سابقا إلى أن حماسة شباب الإخوان فى سلاح الصيانة قد بلغت حدا دعاهم إلى محاولة الرد على فظائع اليهود ومؤازرة الإنجليز لهذا العدوان الصهيوني السافر ، وكانت قوات الجيش الإنجليزي تنقل من مصر لتسافر إلى فلسطين لتعزيز تكوين الدولة الصهيونية الجديدة .
وكانت هذه القوات تمر عبر القاهرة فى منطقة الشرابية حيث كان القطار الذى ير هذه القوات يضطر إلى تهدئة مسيرته فى هذا المكان بسبب أعمال الحفر التى كانت قائمة وقتئذ هناك .
"وفكر إخوان قسم الوحدات فى القيام من هذا المكان بقذف القطار بقنابل متفجرة تسقط فى يسر من شباك القطار داخله حيث بمجلس الجنود ، وسمل الاخوة على بدران وحسن عبيد من الطيران والأخ إبراهيم بركات ( من الصيانة ) سلال السميط والجبن والبيض شأن الباعة المتجولين الذين يشاهدون فى هذه الأماكن عادة ، حملوه لتغطية ما بداخله من قنابل ،
وترصدوا موعد وصول القطار ، ثم بد يقذفون القنابل داخل القطار من شباكه فى أثناء سيره المتمهل فى هذا المكان ، وكانت المسافة التي يسيرها القطار بعد قذف القنابل تكفي لتباعد بين الإخوان وبين الانفجارات التى تحدثها القنابل بعد ثوان من إلقائها .
وكانت خطتهم فى هذه العملية صائبة وناجحة بتوفيق الله وأخبرت المرشد بها قبل تنفيذها ووافق عليها ، وأخطرت الإخوان بالإذن بالتنفيذ الذى جرى على أكل صورة بفضل الله ، وعاد الإخوان سالمين بحمد الله . .ورصدت الحكومة خمسة آلاف جنيه للكشف عن القائمين بالحادث .
صـــدمة !!
وذهبت من فور ى فى اليوم التالي لأخبر عبد الرحمن السندي بنجاة الإخوان ونجاح العملية فإذا به يفاجئني قبل أن أتحدث إليه قائلا :
-هل قرأت الصحف ؟
-نعم ..
قال هل أدركت سر البراعة فى هذه العملية وكيف أصابت الإنجليز فى القطا ر ! !
فسرني ذلك وأخجلني سوء ظني السابق بصاحبي ، وظننت أن المرشد لابد ؟ن يكون قد أعلمه بقصة القطار وهو يتحدث إلى منطلقا من علم سابق .
ولكنه استطرد فى الحديث فى صراحة تنبئ أنه شخصيا الذى أمر بالإعداد لهذه العملية وأنها تمت بناج على تكليفه وإشرافه ! !
وأصابني الذهول مما أسمع !
فسألته مستوضحا : وهل كنت تعرف توقيت التنفيذ ؟
فأجاب فى ثقة طبعة كنت أعلم .
هل أنت الذى باشرت هذا التنفيذ فعلا ؟ فرد بالإيجاب كذلك ! ولم يعد هناك أمامي: مفر من الصمت ! فإذا أقول ، والموقف لم يعد يحتمل إلا الأسى والألم . وهل تصل الرغبة فى إظهار النفوذ والقدرة والهيلمان إلى هذا المستوى ؟ !
وخرجت من منزله كسيف الخاطر مهزوز الوجدان ، تعصف في م كل الظنون وكان الله أراد أن ينزع من ظني هذه القداسة التى أضفيتما على من يحملون مثل هذه المسئولية ، وإذن ، فهم بعثر يصيبون ويخطئون ويمرضون !
وكان الدرس قاسيا على ولكنه كان مفيدا كذلك لمن هم على شاكلتي ممن يبدون العمل فى صفوف الجماعة . . تحدوهم الرغبة ويعوقهم الحياء عن الرؤية الصحيحة للرجال ! !
ولـكـــن ..
هل غابت عن المرشد طبيعة قائد النظام ؟ . . أم هو خطأ يغتفر ويقوم صاحبه ؟
وهل يقوم وهو فى رئاسة النظام أم تنزع عنه سلطاته ؟ !
لم تكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالأمر الهين ، ولكن أدركت فى نهاية الأمر أن المرشد لم يكن مخدوعا ، ولم يتوقف عن علاج أمراض أتباعه ولم يدخر وسعا فى وضع الرجل الصالح فى مكانه المناسب ، ولكن عاجلته منيته قبل أن يرتم رسالته ، وسنعرض بالشرح لما قدمنا بمشيئة الله :
إخفاء حسين توفيق
فى أوائل سنة 1946 قام حسين توفيق بقتل أمين عثمان بسبب صلته الوثيقة بالإنجليز وعلى أثر تصريح له قال فيه إن مصر وإنجلترا قد تزوجا، زواجا كاثوليكيا . . ! !
واتهم معه الضباط أنور السادات الذى أوقف من خدمة الجيش منذ سنة 42 بتهمة اتصاله بالألمان ، وظل معتقلا من ديسمبر سنة 1942 إلى أكتوبر سنة 1944 حيث استطاع الهروب من معتقل الزيتون إلى أن سقطت الأحكام العرفية فى سبتمبر سنة1945 فأفرج عن جص خ المعتقلين وخرج بدوره إلى الحياة ليكون جمعية من المدنين من أفرادها " حسين توفيق " الذى كان يمارس قبل الانضمام م إلى السادات قتل الجنود الإنجليز . .
ورأى السادات أن يوجه أعمال هذا الشباب المتحمس إلى هدف أكثر جدوى وفاعلية،فأشمهم أن قتل حفنة من جنود الإنجليز ليس هو الطريق إلى تحرير مصر والمهم و التخلص ممن يساندون الإنجليز فى هذا الوقت وعلى رأسهم مصطفى النحاس رئيس الوفد الذى قبل أن يفرضه الإنجليز بقوة السلاح فى 4 فبراير سنة 1942 رئيسا للوزارة الوفدية التى تولت الحكم على أسنة رماح الإنجليز .
وفى أوائل سبتمبر سنة1945 التي حسين توفيق قنبلة على سيارة النحاس باشا لم تصب بأذى وانطلقت السيارة بعيدا عن مكان الانفجار،وانسحب أنور السادات ومعه بعض أفراد الجمعية الذين كانوا ينتظرون معه نتيجة الانفجار إلى ميدان الإسماعيلية حيث توجهوا بعد هروب حي في توفيق إلى مقهى " أسترا " حيث قرروا هذه المرة التخلص من أمين عثمان .
وتمكن حسين توفيق بعد ذلك من قتل أكل في عثمان فتحقق السادات بهذا الحادث الذى دبره خ أعوانه فى مقهى " أسترا " التخلص من أحد أنصار الاستعمار فى نفس الوقت الذى قش إلى حد كبير (ا) على الهالة التى كانت تحيط بالسلطات البريطانية فجعلها تهتز فى نظر الناس بشكل لم يحدث من قبل كما يقول السادات ،ثم قبض لى حسين توفيق فى يوم الحادث وبدءوا التحقيق معه ، وفى يوم 10 يناير سنة 1946 بدأ يعترف على شركائه ومدبري الحادث ومعاونيه . وقبض على السادات فى ليلة 12 يناير متهما بتدبير الحادث ووضع فى سجن الأجانب فى زنزانة منفردة.
لا ولكنه استطاع أن نختلق وقائع تعذيب اتهم بها وكلاء النيابة (2)وضباط القلم السياسي هزت أركان القضية بالنسبة له ولغيره ممن أنكروا لتهم بالحادث ، ومع ذلك ظل ترتيبه السابع بين المتهمين في الذين بلغ عددهم سبعة وعشرين متهما .
واستمرت المحاكمة ستة أشهر من يناير سنة 1948 إلى أوائل يوليو من نفس السنة وفى أثناء وجود السادات ف السجن قامت حرب فلسطين وكانت الجيوش العربية تشق طريقها إلي نصر أكيد وفجأة عقد الملك عبد الله الهدنة التى أنقذ بمراقبة إسرائيل ! !
ويتساءل السادات السجين في حادث قتل أمين عثمان وقلبه يتفطر مرارة ، لماذا عهدوا إلى الملك عبد الله برش بقيادة الجيوش العربية ؟ إن هذه الهدنة أثارت غضه ولكن ماذا يفعل وهو بين جدران أربعة ؟ !
ثم هرب حسين توفيق من السجن ليواصل كفاحه ضد الإنجليز والصهاينة وأعوانهما من العرب ، كما تقال لى عندما تسلمته من الضابط عبد الرؤف نور الدين قبل أواخر سنة 1948 ويومها استدعاني المرشد حسن البنا وسألني عن مدى إمكان إخفاء حسين توفيق ط ين تدبير فراره من مصر . .
فأجبته أن هذا ممكن . .
فاستدعى أحد الأشخاص من غرفة أخرى وعرفني بأنه أحد ضباط الجيش وأنه جاء لإخفاء حسين توفيق لدينا ط في تدبير هروبه ، ولم يكن هناك مجال للاستعلام عن شيء أبعد *ن هذا فى ذلك في بالرغم من غرابة الموقف !
فأنا أعلم أنه ليست لنا علاقة بمقتل أكل أمين عثمان فمالنا وهذا الشان إذن ؟ ورتبت أمر الإيواء فى منزل أحد الأخوة وهو الأستاذ صالح أبو رقيق . . وحضر إلينا حسين توفيق فى ملابس ضابط شرطة وأركبته !ص يارق ومضيت به إلى المنزل !
وجلست إليه فى الأيام التالية وقدمت له مصحفا تقبله شاكرا . وكنت أعلم من قبل أن حسين توفيق لا يتحرك فى جهاده الوطني من منطلق الإسلام اعتقادا منه أن الإسلام يقيد الوطنية ! ! ولكنه خ ذلك يرى أن المسلم إذا حركته العقيدة وقليلا – فى نظره – ما تحركه ، يكون وطنيا صالحا !
كان يعيش بمفرده فى المنزل الذى خصص لإقامته ،ولا يدخله سواي وصاحبه والمرحوم حسن عشماوي والأستاذ عبد القادر حلمي وهم الاخوة الذين شاركوني فى أغلب الأحداث التى شغلت شامة نشاطي فى الجماعة.
ولا شك أن الوحدة التي عاشها حسين توفيق فى المنزل وحالة القلق التى يعانيها من كان فى موقفه ردته إلى التفكير فى قراءة القرآن .
حتى إذا زرته يوما ، قرأت فى وجهه ما لم أكن أقرؤه من تبل ، وحدثني أنه قرأ القرآن فأبكاه فكنت عازما على أن أحدثه عن قافلة الإسلام التى نسير فيها ، ووجدت الفرصة سانحة لذلك ، فقدمت له طرفا من وقائعها خ الإنجليز واليهود ، لكنى أشرت إلى أن أهدافنا ( من ذلك ) هي الدفاع عن أرضنا لإقامة حكم إسلامي تستقيم به نظم الحياة ى ضدنا فى كل جوانبها المختلفة ، العقيدة والسياسة والاقتصاد ولا تقتصر على جانب ئ أحد فقط من هذه الجوانب ! فالإصلاح السياسي وحده لا يمكن أن يؤدى إلى هدفه إلا إذا بدأ من تصحيح العقيدة عند الفرد التى يدعو تصحيحها حتما إلى إصلاح الجوانب الأخرى فى المجتمع على قواعد الإسلام ، فالإسلام كل لا يؤخذ بعضه ويترك بعضه إن أردنا الإصلاح الحقيقي ، وفى نفس الوقت لا يمكن أن يتم هذا الإصلاح من فراغ ولكن نبدأ بأنفسنا أولا،فإذا تغيرت نغير كل شئ ، وإن الوطنية بمعناها الصحيح لابد أن تلاقى الإسلام ولا تعارضه .
وبدا اقتناعه بهذا الكلام فسال عن أحكام الصلاة ، وبدأ يصلي : ولكن هل انطلقت صلاته وتلاوته المستمرة فى القرآن من واقع الحاجة إلى الله فى هذا الموقف العصيب . . ( حتى إذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين 00 ) أم أن صلاته هذه كانت بداية لتخطيط حياته تخطيطا جديدا.
تاريخ حياته بعد ذلك شهد بغير ما كنت أتوقع له من لحاق بركب الإسلام .
أجـــــل . .
رأيته يعود إلينا فى مجن المزرعة بعد نحو من خمسة وعشرين عامة بعد الحكم عليه فى قضية محاولة قلب نظام حكم عبد الناصر متهما خ الإخوان فى قضية سنة ه 60 ! وآسفنى أني رأيته وقتئذ عذ نفس الحال التى وجدته عليها يوم تسلمته من الضابط عبد الرؤف نور الدين لإخفائه ، ولم أندم على جهد ضاغ وإنما آسفنى الشعور بضياع أخرته وفقد دنياه .
وسمدت الله أني لم أقصر فى واجبى نحو دعوته إلى الله فى الوقت المناسب ،وتنتهي صورة حسين توفيق فى نفسى سنن تركته ن سجن المزرعة عند الإفراج عنى فى سنة 1974 ، وعلمت بعد!لك أن السادات قد أفرج عنه خ من أفرج عنهم فى قضايا الإخوان الذين مجنوا سنة1965 .
عبد الرءوف نور الدين
قصتي مع الضابط عبد الرءوف نور الدين الذى أحضر لى حسين توفيق لإخفائه لم أنته من سردها بعد . فقد عرفني به المرشد باعتباره أحد ضباط الجيش الذين يعملون فى الحرس الحديدي ، وأنه برغم ذلك يقدم بعض المعلومات للإخوان ما يدور عنهم فى دوائر القصر .
ثم حدثني عبد الرءوف نور الدين عن نفسه فقال إنه من الضباط الموثوق بهم عند مرتضى المراغى الذى كان من أخطر أعوان الملك حيث إن الحرس الحديدي كان يقع تحت سلطانه المباشر،وأن مرتضى المراغى يثق به ويكلفه بأخطر الآمال وأنه بموجب هذه " الثقة يتحرك لصالح الإخوان وينبئهم بما يجد من نشاط القصر نحوهم ونحو الأحزاب .
كما أخرني أنه هو الذى قام خ آخرين بمحاولة (ا) نسف منزل النحاس باشا ! !
إذن فالملك لعب دورا خطيرا فى مجرى الأحداث . . وكان يحرك طاقات ضباط الجيش لدفع عجلة السياسة إلى أهدافه ومراميه .
أما ما يتعلق بمقتل أمين عثمان فلم أعرف منه ما إذا كان هذا الحادث قد وف ع بإيحاء القصر خدمة لأهدافه المتعلقة بتقليم أظافر الوفد بالقضاء على أمين عثمان حلقة الوصل بالإنجليز . . أم وقعت هذه الحادثة بعيدة عن توجيه القصر بدافع وطنى من مرتكب يه . . ؟
كما حدثني عبد الرءوف نور الدين عن أنور السادات واشتراكه فى الحادث وأ!ثهاد بوطنيته ، ومن هنا عرفت صلة السادات بعبد الرءوف نور الدين .
وأمضى حسين توفيق لدينا أيامه التى بقيت حتى إعداد ترتيبات هروبه من مصر :
ولم تنته صلة الضابط عبد الرءوف نور الدين بى حتى بعد أن جاء ليصحب حسين توفيق من منزل الأستاذ صالح أبو رقيق تمهيدا للخروج من مصر .
ولا أريد أن أختم هذه السطور قبل أن أشير إلى نهاية الضابط عبد الرءوف نور الدين فقد جاءني يوما كسيف البال وعلى وجهه كابة شديدة وقال : "إن صلته بجماعة الإخوان قد اكتشفت وأنه مضطر للذهاب إلى أرض المعارك فى فلسطين ! وأن على أن أحذر فاس وارد فى توائم القصر ضمن المطلوب التخلص منهم " !
وسافر عبد الرءوف نور الدين إلى فلسطين وبلغني نبأ مصرعه هناك . . أبلغني به أخوه الطالب فى الكلية الحربية حينذاك .
ولكن . . بقى هناك سؤال يفرض نفسه . .
ما هى علاقة السادات بعبد الرءوف نور الدين وعلاقة الأخير بحسين توفيق . . وعلاقة الإخوان بكل هؤلاء ؟
لم يكن حادث حسين توفيق الخاص بمحاولة قتل النحاس باشا بالقنبلة التى ألقاها على سيارته فى أوائل سبتمبر سنة1945 ، هى المحاولة الوحيدة لقتل النحاس باشا . . فقد أخبرني عبد الرءوف نور الدين أنه هو الذى قام بالحادث الأخير فى محاولة نسف منزله . . ولا شك أن عبد الرءوف نور الدين كان على علاقة بالسادات بل وبجمال عبد الناصر نفسه وأن السادات أيضا كان على علاقة بيوسف رشاد طبيب القصر منذ سنة 1941 وأنه (ا)هو الذى أعاده إلى الخدمة سنة1955 برتبة يوزباشى وأنه أعيدت إليه أقدميته برتبة بكباشي بعد ذلك بنفوذ جمال عبد الناصر فى الضباط ليدلل للسادات على مدى ما ومه ل إليه التنظيم من قدرة !
وليس نجيب عن هذه الأسئلة يلزم أن نتبين هوية حلقة الوصل فى هذه النشاطات كلها وهو الضابط عبد الرءوف نور الدين ، أحد ضباط الحرس الحديدي الذى كان يخدم نوايا القصر،والذي كان عداؤه للوفد طبيعيا بعد 4 فبراير سنة 1942 حيث كان عامة الشعور الوطني حينذاك هو أن قبول الوفد للحكم على حراب الإنجليز مطعن خطير فى سياسته التى رآها الشباب خيانة للقضية الوطنية بالرغم من عدم رضائهم أيضا عن سياسة القصر التى اتسمت بالفسق والفجور والعربدة التى نالت من شرف بعض الضباط فى حياتهم الأسرية .
وكان تجنيد الشباب المتحمس لمواجهة ساسة الوفد بالقتل ونس! سياراتهم ومنازلهم يحقق للشباب هدفه فى العمل الوطني وفى نفس الوقت يخدم نوايا القصر .
ولذلك كان تجنيد أمثال حسين توفيق فى الأهداف التى قام بها فى محاولة نسف سيارة النحاس باشا ون قتل أمين عثمان . . لا يحتاج إلى كبير عناء .
ولعل لون المعاملة التى عومل بها المتهمون فى قضية أمين عثمان تلقي ضوء على حماية القصر لهم . . ، فلم يصب أحد منهم بسوء ،ولم يعرف أن أحدا ذاق مرارة السياط التى ذاقها الإخوان المتهمون فى قضايا مماثلة كالجيب والأوكار . . وحامد جودة . . وإنما كانت النيابة تحقق دفاع كل منهم فى حيدة كاملة أدت - كما يقول السادات - إلى تصدع أركان القضية مما ساقه من دعاوى عن التعذيب ،وكان أقصى ما ساقه فى هذا الصدد أنه كأن يستدعى للتحقيق معه فى أوقات غير مناسبة ! ! . . وادعى كذلك أنه ضرب ضربا لم يظهر له أثر فى بدنه ! ! وكان هذا كافيا لهز أركان القضية التى حكم فيها على المتهم الهارب المعترف بقتل أمين عثمان بعشر سنوات !! . . ويمكنك بعد ذلك أن تتصور باقي الأحكام ! !
وظلت صلة القصر بأنور السادات عن طريق يوسف رشاد قائمة حتى قيام الحركة ، بل فى يوم 26 يوليو سنة 1952 عندما توجه أنور السادات إلى رئاسة الوزارة فى بولكلى استدعاه الدكتور يوسف رشاد - طبيب القصر - تلفونيا وألح فى مخاطبته لرغبة الملك أن يطمئن لأنه كان ما زال يعتقد أن صداقة السادات ليوسف رشاد يمكن أن تؤدى إلى مساعدة الملك ! ! ويقول السادات فى هذا الشأن إن يوسف رشاد كان صديقة عزيزا له استخدمه فى تضليل الملك (ا) !
وظل وفاء السادات ليوسف رشاد قائما عندما طلب منه مجلس الثورة بعد خروج الملك أن يعتقله فرفض وأحضر ملابسه فى حقيبة وطلب من مجلس الثورة اعتقاله هو أيضا إذا اعتقل يوسف رشاد ! ظلال حول علاقة الإخوان بالقصر :
وقد ذكر السادات فى مذكراته التى نشرت فى الصحف - بعد أن ساءت علاقة الحركة بالإخوان - تحت عنوان " صفحات مجهولة من كتاب الثورة " ما يلتى ظلالها على علاقة البنا بالقصر،حيث قال إنه "دهش " عندما تبين له انزعاج البنا (2) من خوف الملك و الأجانب من حركته ! ! وذلك حين أفهمه أن الملك كان يخشى من موقف الإخوان المسلمين التقليدي من الآراء الإسلامية حول البيعة ، الأجانب نحشون أن يفقدوا أعالهم و امتيازاتهم إذا نجحت الدعوة ، وأن الملك لو اطمأن على سكه فسيطمئن الأجانب بالتالي على أملاكهم ، ولذلك طلب حسن البنا من السادات فى نهاية الأمر تهيئة لقاء مع الملك عن طريق صديقه يوسف رشاد لإحداث هذا التغيير فى نفس الملك ! !
وتحدث السادات - كما ينقل عنه ميتشيل فى كتابه - إلى يوسف رشاد فى هذا الأمر،وتام يوسف رشاد محاولتين فاشلتين لتحقيق هذا اللقاء ، ولكن الملك غير رأيه بعد عدة أشهر من هذه المحاولات الفاشلة . . وطلب من يوسف رشاد أن يقابل البنا ليعرف ما عنده ، وفعلا قابل رشاد البنا وعاد للملك محاولا إقناعه بإخلاص البنا له فلما ذكر رشاد هذا للملك ضج ضاحكا وقال له " لقد سخر البنا منك لما .
والجدير باتذكر هو تعبير السادات في نه " دهش " عندما رآي انزعاج البنا من نجوف الملك والأجانب من حركته ! ! .
ومعنى الدهشة هنا يوحي "بأنه تيين له السادات ، من حديث المرشد أن هناك بعفتي التعديلات غير العادية فى علاقة المرشد بالملك ،ومدى ولائه الذى ظ كان براه مفقودا عند لقائه الأول معه سنة 1940 . والحقيقة التى رمما غاب عن السادات إدراكها، ولم تغب عن الملك ، هى أن حسن البنا لم محمل ل ولاء ولا للنظم القائمة ،وإنما نقول ، وبحق ،إن ولاءه كان لله متمثلا فى أقله تحقيق شرع الله كمنهاج حياة لهذه الأمة ، ولا شك أنه كان يرجو فى هذا الوقت أسنة 1945 ، بل فى كل وقت من التأثر على الملك حتى يحمله على انتهاج سياسة إسلامية تنسئ خ دعوته وكان يظن أن لقاءه سه سيحقق له هذا الأمل . . وبذلك يسلم طريق الدعوة من كثير من العثرات التى تلاقيه .
ولذا فلم يكن عجيبا أن يطلب حسن البنا من السادات إعلام الملك برغبته فى لقائه ،فلاشك أنه سيصيب أهدافا كثيرة كذا بهذا الطلب إذا نجح أو إذا فشل . . .
فإذا نجح حقق لديه ما يصبو من إيصال الحق الذى يؤمن به لمن يتقدم مسيرته إذا صدق ، وواجب الداعية ألا يقصر فى إبلاغ الحق شتى لمن لا يتصورا نتفا عه به . . ونحن نقرأ ذلك ف كتاب الله تعالى : (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون وما الله مهلكهم أو معذبتهم عذاب شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) . وإذا لم يتحقق أمله فى اللقاء فإن طلب اللقاء فى ذاته سيؤكد له مدى فاعلية صلة السادات بالملك وفى نفس الوقت ستكون إجابة الملك عن هذا الطلب ضوءا كاشفا على نظرته إلى الجماعة فى هذا الحين .
فماذا يدهش السادات من هذا الطلب فى الوقت الذى يعترف فيه بأنه كان يستخدم صديقه يوسف رشاد فى تضليل الملك ! ! ولم يتهمه أخد فى وطنيته برغم ذلك . . وإذا غاب ذلك عن فطنة السادات وقتئذ فلم تغب هذه الحقائق عن فطنة الملك الذى قال ليوسف رشاد " لقد سخر البنا منك " .
و البنا - فى الواقع - لم يسخر من أحد ول نما كان كما يقول عر بن الخطاب : "لست بالحب ولا الحب يخدعني ". فكانت فطنته تهديه دائما لتجنب العثار هذه المسيرة المليئة بالأشواك من كل جانب ، وكان يعتقد أن مسئولية الدامية نحو الناس لا تنقط م إلا بانقطاع وسائل التبليغ .
أما ما يقوله السادات بعد ذلك (ا) فيما نقله عنه مؤلف الكتاب من أن يوسف رشاد أخره أن الملك قال لإبراهيم عبدا لهادى فى عام 1945 : "لقد أخطأنا فى قع الأخوان وبحب علينا العودة إلى سياستنا القديمة " فلما سأله عن هذه السياسة القديمة قال لآ أعلم " !
فكأنه يريد بذلك أن يوحي إلى القارئ أن الملك أبدى سلوكا رقيقا تجاه الإخوان خلال فترة قصيرة فى عام 1946 كما يستطرد فى مذكراته فى الصحف . . بما يشرحه ريتشارد ميتشيل (2) حيث يقول :
أولا-إن البنا قد استشير فى تعين إسماعيل صدقي باشا رئيس للوزارة فى فبراير سنة 1946 وأن إسماعيل صدقي رخص بطبع جريدة الإخوان الرسمية فى مايو سنة 1946 م وسمح لها بشراء الورق بالأسعار الرسمية وليس بسعر السوق السوداء . . كما أذن باستعمال المعسكرات الحكومية لجوالة الإخوان .
ثانيا : - مواقف الجماعة الودية مع وزارة النقراشي باشا فى أوائل عهدها فى الحكم الذى أعقب وزارة صدقي في ديسمبر سنة 1947 .
ثالثا- دعوة البنا لأول مرة لحضور حف!ل بالقصر الملكي عقب تعيين إبراهيم عبد الهادي رئيسا للديوان الملكي سنة 1947 م .
أما ادعاء استشارة البنا فى تعيين وزارة إسماعيل صدقي فى فبراير سنة 1946 فلا يعنى أن تكون على أية حال ، سوى رغبة الملك فى تحسس موقت الإخوان من وزارة إسماعيل صدقي التى خلفت وزارة النقراشي التى استقالت أو على الأصح أقيلت على اثر المظاهرة (1) التى قام بها مصطفى مؤمن زعيم طلبة الإخوان المسلمين ومميت مظاهرة كوبري عباس التى قتل فيها عدد من الطلبة فيما وقتئذ بمذبحة كوبري عباس .
وعندما ذهب الملك فى صباح اليوم التالي إلى الجامعة لافتتاح جناح جديد لسكن الطلبة - كما كان مقررا من قبل - قابله الطلبة بتمزيق صورته لا والهتاف ضد " ملك الفساد " وأغرقوا أرض الملاعب بالماء ! فإذا قيل بعد ذلك إن الملك قد استشار حسن البنا فيمن يخلف وزارة النقراشي التى أقالها بسبب استنكاره ما فعلته بالطلبة فذلك قول غير صحيح ، ولكن لا يأخذنا الجب منه لأن فزعه من مقابلة الطلبة له في الجامعة بعد حادث كوبري عباس أفقده حصافة السلوك الدبلوماسي المألوف فى هذه الظروف حتى إنه لم يتردد فى دعوة زعماء الطلبة إلى لقائه فى القصر والتى إليهم خبر عزمه على إقالة النقراشي !
وانطلاقا من سياسة الإرضاء التى اختطها الملك لنفسه مع الطلبة ظن البعض صحة خبر حصول هذه المشورة المدعاة لإدراك الملك أن مظاهرة كوبري عباس إنما قادها ونظمها الإخوان المسلمون .
وبعد تولى إسماعيل صدقي الوزارة مر على دار المركز العام الحلمية وترك بطاقته ! . . ويعجز المنصف أن يرى فى هذا السلوك خروجا عن المألوف فى مثل هذه الظروف . . ومهما قيل حول التصريح لجريدة الإخوان بالظهور ، أو شراء أوراق الطباعة بالسعر الرسمي أو استعمال الجوالة لمعسكرات الحكومية فلا في أن يجرى ذلك بدافع شراء موقف الإخوان إزاء سياسة الحكومة ، حتى إذا قصدت الحكومة ذلك ، لأن كل ما قدمته للإخوان لا يزيد شيئا عن الحق الطبيعي للجماعة إلا أنه فى أبريل سنة 1946 أى بعد نحو من شهرين من تولى صدقى للوزارة ، هاجمت صفة الإخوان المسلمين إعلان صدقى عزمه على دخول المفاوضات خ الإنجليز ! وخرجت منهم مظاهرات متكررة ،وقدموا مذكرة له بواجبه ومسئولياته تجاه الأمة . فلما سافر صدقي إلى لندن لإجراء مفاوضاته خ بيفن فى 17 أكتوبر 1946 أعلن حسن البنا أن حكومة صدقى فى حرصها على المفاوضات لا تمثل إرادة الأمة وجرت اعتقالات عديدة للإخوان المسلمين واعتقل مرة أخرى الأستاذ أحمد السكري فى 27 أكتوبر إثر خطبة له امتدح فيها المتظاهرين . فإذا لم يكن هذا عدوانا فلا يمكن لأحد أن يصف هذه أحداث بأنها علاقة مودة بين حكومة صدقى ولي يمن الإخوان ! أي بين القصر وبين الإخوان ! !
أما ما قيل عن المودة التى بدت فى علاقة الإخوان المسلمين النقراشي في أول وزارته التى قلت وزارة إسماعيل صدقي فى 9 ديسمبر ، فهو موقف يحسب للإخوان لا عليهم ، لأنه بالرغم من العداء السافر الذى عله النقراشي للإخوان المسلمين إثر بعد مظاهرة كوبري عباس التى قادها الإخوان المسلمون فإن سياسته التى بدأ بها حكمه فى25 يناير سنة 1947 كانت ظ ع المفاوضات خ بريطانيا وعرض لى قضية مصر أمام -مجلس الأمن ، وهى نفس السياسة التى دعا إليها الإخوان لهبل ذلك بعدة أشهر .
فلم يكن معقولا أن يعارض الإخوان المسلمون النقراشي فى سياسة أقروها قبل توليه الحكم ، ومع ذلك فعند عودة النقراشي إلى مصر مهزوما لمجد تأجيل انعقاد -مجلس الأمن وبقاء القضية المصرية دون حل ، قام الإخوان المسلمون مظاهرة حيوا فيها النقراشي تحية عبر عنها بعض مؤرخي هذه الأحداث بأنه امتز ج فهيها شعور الوطنية المتسامح تر بحرارة مرهفة (1) الحس تهدى إلى بطل مهزوم! .
ومما يؤكد انقطاع الصلة تماما بين النقراشي بين والإخوان أن تتصدى توات البوليس لهذه المظاهرة وتطلق النار على حسن البنا فيصاب فى يده بجراح !! . .
فهل تعتبر هذه الأحداث مودة بير النقراشي وبين حسن البنا ؟ ! ! . .
أم أنها استمرار لسياسة الغباء والحقد التى انتهجها النقراشي مظاهرات كوبري عباس التى خرجت من قبل تنصر لكرامته المهيضة باعتباره ممثلا لمصهر حنن واجهته الحكومة البريطانية لرفض التفاوض معه ، فآبى إلا أن يغرق المتظاهرين فى النيل ؟!. . .
أما دعوة حسن البنا المزعومة إلى اقصر ق حفل تعين في إبراهيم عبد الهادي رئيسا لديوان نم تحدث قط طوال حياته ! ولو حدثت لأظهرتها الوفد التى كانت محاول إبراز الإخوان لكل مظهر يتسم بالعمالة للقصر –وأحزاب الأقلية !. . . . .
وليت أحدا يوضح لنا كيف تمت هذه المقابلة خ الملك التى صبه فيها مستشاره العسكر ى محمود لبيب و ما ذا دار فيها؟ ! بل و ما أثرها على سياسة أثرها على سياسة القصر تجاه الإخوان ؟ بدءا من تمزيق صورة الملك عند زيارته للجامعة وانتهاء إلى التعاطف فى عهد صدقى وما لاحقه من اعتقالات ،وفى عهد وزارة النقراشي التى بدأت مودتها للإخوان بحادث كوبري عباس فى وزارته الأولى،وأرد فتها بإصابة البنا فى يده بالرصاص فى وزارته الثانية وانتهت به أخيرا إلى قرار حل الجماعة ! !
هذا هو لون " المودة " التى أظهرها التاريخ . . فلم تكن فيها مخادعة أو تضليل وإنما كان شأنها كشان مودة أصحاب الدعوات تتحقق حيث يجب أن تظهر وتنمحى حيث لا يجب أن تكون !. .
حادث تفجير فندق المد جورج
… "وما زال نور عينيه فى قلبي مجسدا معنى الوفاء للعمل الذى يكلف به المجاهد وللرجال الذين يشاركونه الأداء . داخل الدائرة الفسيحة إلى تمثل وفاءه لنه. . . فحين استفاق رفعت والتقت عيناي به ! .. كانت ألام جراحه بالغة ! . . ومع ذلك أشار إلى بعينيه ويديه أن ابتعد عن المكان مخافة انكشاف أمري " ! !
فى سنة 1946 كانت مدينة الإسماعيلية مقرا لم نشاط المخابرات البريطانية فى الشرق الأوسط فى أثناء احتلال الجيش الإنجليزي لمدن القناة . .
وفى هذا العام كنت أكل ضابطا فى بلوكات نظام الأقاليم بالقاهرة - كما أوضحت سابقا- وكان من المهام التى أندب إليها السفر خ قوات الشرطة لحفظ الأمن فى مختلف جهات القطر التى تحتاج إلى تدعيم الأمن بها ، وكانت وزارة الداخلية ترسل إلى . مدينة الإسماعيلية عددا من قوات الأمن بصفة مستديمة فى المدينة التى يعيش فيها الإنجليز فى مسكراتهم ، وكان ضباط المخابرات البريطانية يقيمون فى فندق الملك جورج ليسهل اختلاطهم خ الأهالي ليحصلوا بسهولة على ما يشاءون من معلومات تستخلص بصورة طبيعية من العملاء الذين يحضرون إلى الفندق لتناول الطعام أو الإقامة ، فى حين يكشف ترددهم على معسكرات الجيش هويتهم أمام المصريين وخاصة العملاء الذين لا ممل لهم داخل المعسكرات .
أما متعهدوا المقاولات أو متعهدو توريد الأطعمة ، ممن يترددون على المعسكرات بص ورة لا نثير التساؤل فكان أغلبهم مجندا لخدمة المخابرات البريطانية،بل كانت هذه إحدى ميزاته التى يختار من أجلها فى التوريد أو فى المقاولات .
وكان الكابتن " GOOD " ( ج ود ) ضابط المخابرات له طابع من خفة الظل وحب الاختلاط وحسن المعاشرة تؤهله لإيجاد صلات بالمصريين على مختلف طبقاتهم وأوانهم وثقافاتي ،وكان الضباط المصريون الذين يتدربون فى الإسماعيلية يعتبرونه " لقطة " لما ييسره لهم 5ئ شراء السجاير الإنجليزية الواردة للجيش أو الأطعمة أو ش ير ذلك بأثمان زهيدة ،أو على صورة هدايا .
وكان هذا الضابط يستفيد - لمصالحه الشخصية ولعمله - من هذه الروابط بأعلى كثيرا من ثمن هداياه!
وكان فندق الملك جورج بهذه المثابة وكرا هاما للتجسس وملتقى مألوفا للجواسيس عملاء المخابرات البريطانية .
ولما فى إلى علم الإخوان ذلك صحبت يوما كابتن " ،GOOD " ( برد ) إلى القاهرة فى سيارة كان يقودها " حسن " أحد ضباط الطيران العراف الهارب من الحكم الملكي العراقي بسبب ثورة رشيد عالي الكيلاني ، ولجا إلى الإخوان فى القاهرة وكلفت بوضعه تحت رعايتي والاستفادة من إمكاناته شتى تتهيأ له أسبا في العودة إلى العراق بعد ذلك . وأفهمت هذا الضابط موضوع صلات المخابرات البريطانية ببعض المصريين فى الإسماعيلية وازى سأصب كابتن " جود " إلى القاهرة وأن عليه أن يقود السيارة من الإسماعيلية كسائق خصوصي لى وأن يحاول تبيين ما يحملة الكابتن " جود " من أوراق فى حقيبته . . فربما وجدنا فيها ما يفيدنا فى هذا الشأن إذا غادرنا السيارة إحدى استراحات الطريق . . حيث نزلت الكابتن وتركت " السائق " حسن خ الحقائب وعدنا بعد نصف ساعة ليحدثني الضابط حسن حين وصولنا إلى القاهرة عن بعض تقارير رآها مدونة باللغة الإنجليزية خالية من أسماء أصحابها وإن تضمنت معلومات مبالغا فيها عن الإخوان المسلمين وهمية . . وصلات أشخاص داخل الإسماعيلية يعتقد أنهم من الإخوان المسلمين في ،وقدموا تقارير عن رجال الجماعة فى الإسماعيلية ادعوا فيها أن الإخوان لهم عصابات لسرقة المعسكرات الإنجليزية،وذكرت فيها وقائع حقيقية نسبت للإخوان كذبا . واستطاع الضابط حسن أن يحفظ بعض الأسماء الواردة فى التقارير وأن يدون بعضها الآخر . . ولكن ذلك لم يكن يمثل كل ما فى التقارير .
وعند وصولنا إلى القاهرة س توصيلنا كابتن " جود " إلى فندى ناسيونال بشارع سليمان باشا . . جلسنا نسترجع معا هذه المعلومات التى قطعت لدينا بالصلات الوثيقة التى يقيمها كابتن "جود" بعض المصريين من المقاولين وغيرهم ،ولم نستطع - إلا على سبيل الاستنتاج والتخمين - معرفة الأشخاص المتعاونين معه فى هذا الشأن ، ولكن جرى بالقط ح تأكدنا من نبأ هذه الصالات بفندق الملك جورج بصورة حقيقية لا تحتمل الشكوك . .
وفكرنا فى إرهاب العملاء ، بإعلان كشفنا لاتصالاتهم لم بالإنجليز ، وفي نفس الوقت بتضييق الخناق لى رجال المخابرات الإنجليزية، وإشعارهم بأن وراءهم من "كشف أمرهم ! فلم تكن قدرتنا تحتمل شيئا لعلاج الموقف أبعد من ذلك ! ئ لو كانت لدينا معدات تصوير للأوراق تعمل بسرعة وضبط كاف ، لأمكننا الوصول إلى معلومات دقيقة من وراء ملاحقتنا للكابتن ! " جود " هذا . . ولكن أوقفتنا الحسرة على مدى العجز الذى نعانيه من تخلف قدراتنا عن مراكبه النشاط اللازم لنا فى هذا الشأن ، ق الوقت الذى يجب أن يكون لنا فيه علماؤنا وباحثونا وهم كثرة ولكن لم ت!كن تجمعنا بهم وحدة التنظيم ، وهذا يعتبر من أهم ما يلزم تحقيقه لكل من يتصدى اليوم للتحرك الإسلامي ليم سك بزمام التوجيه ة يه ، إذ أصبح لاغني - في -خالد الصراع ضد الشرق أو الغرب - عن استعمال التكنولوجيا الحديثة والعلم المتقدم ، والعلماء الاختصاصيين ، ليتحرك الجميع كفريق واحد نحو هدف واضح يستفيد المجاهدون من إمكاناته .
وأخــيرا . .
التقي أمرنا داخل قسم الوحدات لى القيام بعملية إرهاب فى داخل شدق الملك . جورج بإشعال عبوة ناسفة لا تؤدى إلى قتل أحد أو إصابته بجسامة ، وإنما تعلن فقط عن ملاحقتنا للعملاء والمخابرات الإنجليزية .
وكلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام كذه العملية ، بأن يحمل دوسيه به مادة ناسفة يشعلها ثم يتركها فى ردهة الفندق إلي جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة ثم بنهض بعد ذلك ويمضي خارت الفندق !
وجرى التنفيذ على أحسن وجه ، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد س جال المخابرات من الحراس الإنجليز الذى أفي آثار شكوكه هذا الدوسيه المتروك ،فتوجه الحارس ليمسك به ، فى حين أصهر الأخ رفعت لى إنجاح التفجير فعاد إلى الدوسيه وأمسكه بيديه ومنع اقتراب أى شخص منه حتي تم التفجير فى أثناء إمساكه به ! وليكن ما يكون ! !
صورة نادرة من الشجاعة والالتزام والحزم وإن لم يكن الموقف فى حاجة إليها . . فص ث لو لم يرتم الانفجار فقد .أدت العملية غرضها تماما ! ولع ش شاء الله أن يفه ح الأخ رفعت نفسه فى منزلة الشهداء بنيته ، وإن كتب الله له بعد ذلك مرا مديدا إن شاء الله رغم انفجار المادة الناسفة بين يديه !!
وكنت فى هذا الوقت موجودا في صم الإسماعيلية أرتب الأحداث وكل يتناقل عنها من أخبار حين قدم الأخ رفعت صولا على نقالة إلى مبنى القسم وملابسه ممزقة من أثر الانفجار، وبه حروق كثيرة فى ساقيه ومع ضابط المباحث بعض متفجرات ضبطت فى مكان الحادث ووضعها فى زحمة العمل على مكتب النوبتجية ! واستفاق رفعت والتقت عيناي به ! . . كانت آلام جراحه بالغة ! . . ومع ذلك أشار إلى بعينيه ويديه أن أبتعد عن المكان نحافة انكشاف آمري ! ! فلم يكن يفكر ن نفسه وآلامه فى هذا الوقت وإنما كان يفكر فى نجاة أخيه .
وما زال نور عينيه يعيش فى قلبي اليوم مجسدا لى صري الوفاء للعمل الذى يكلف به المجاهد وللرجال الذين يشاركونه الأداء داخل الدائرة الفسيحة التى تمثل وفاءه لله ! ! ووجدت الفرصة سانحة لألتقط بعض المضبوطات التى كانت قريبة منى على مكتب الضابط النوبتجى ، لأدخ عنه بعض ما يمكن أن يلحقه فى التحقيق من اتهام .
وحمل الأخ رفعت إلى المستشفي وتوجهت إثر الحادث إلى القاهرة حيث كلفت الأخوة أعضاء أسرته بتفتيش منزله للتخلص مما يمكن أن يعتبر دليلا ءلى الاتهام . وعدت إلى الإسماعيلية فى اليوم التالي وزرته فى المستشفى بدعوى الاطمئنان على حراسته التى ندبت إليها بعض الوقت قوات الأمن التابعة لى ، وجدته يعيش فى ظل آيات الله التى كهان يتلوها طوال وقته ! وسعدت به وله بقدر ما أثقلت قلبي حالته الصحية !
وأحضرنا له بعض الاخوة المحامين الذين دفعوا بأن قدراته النفسية والعقلية لا تضعانه ن مستوى المسئولية الجنائية التى تمكن النيابة من تقديمه للمحاكمة !
ولم أعجب لاستجابة النيابة والمحكمة لعرضه الكشف عليه للتحقق من هذا الدفاع ، فقد كان تعاطف أجهزة التحقيق كلها يتجه إلى مساعدته ! وأرسلت تقارير المباحث الجنائية للنيابة بما يتضمن صلة رجال المخابرات البريطانية بالفندق وتردد عملائها عليه ، وعزوا الحادث لهذا السبب ولم يلبث جهاز المخابرات الإنجليزية أن غادره وانكش العملاء المصريون والأجانب . . وتناقل الناس أن الإخوان المسلمين يطاردون الخونة من المصريين والأجانب المتصلين بالإنجليز. . حين عرفت هوية الأخ رفعت النجار عند السؤال عنه فى سلاح الطيران ، فقيل إنه من الإخوان المسلمين !
وتوجه الأخ رفعت للإقامة بمستشفى الأمراض العقلية بالقاهرة بالعباسية فترة اختبار انتهت بكتابة تقرير طبى من مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية إلى المحكمة بالإسماعيلية بعدم مسئوليته الجنائية عن هذا الحادث ! !
ولكن لم ينفع هذا التقرير لدى النقراشي بدفع المسئولية الجنائية عن الأخ رفعت النجار وبالتالي عن جماعة الإخوان المسلمين ، كا لم يشفع ث له ما وصله من تقارير المباحث الجنائية المصرية عن أن الفندق كان وكرا لمخابرات البريطانية ، بل اعتبر النقراشي هذا الحادث سبباً من الأسباب الداعية إلى حل جماعة الإخوان المسلمين فى ديسمبر سنة 1948 م .
أحداث سنة 1948
كنت أحكامهم فأصبحت منهم .. " .... المستشار محمود عبد اللطيف
كانت هذه السنة سافلة بالأحداث التى أثرت تأثرا كبيرا على كيان الجماعة، ففى مارس سنة 1948 اغتيل الخازندار بيد الأخوين محمود زينهم وحسن عبد الحافظ ،وحكم عليهما بالسجن المؤبد فى 22 نوفمبر سنة 48 ، وتم هذا الحادث بغير علم المرشد وبغير إذنه مما أثر عليه تأثيرا بالغا .
وأراد الأستاذ المرشد بادئ الأمر أن يتحقق أن هذا الحادث قد قام به السندى حج ث جرى فى ظنه احتمال حدوثه من بعض الطلبة غير المسئولين الذين يخضعون لقسم الطلاب ،والذي كان مسئولا عن العمل " فى هذا الوقت الأستاذ محمد فريد عبد الخالق ،ولذلك ما إن قرأ الأستاذ المرشد هذا النبأ فى الصحف بعد فجر هذا اليوم حتي أرسل من يستدعى الأستاذ فريد عبد الخالق على عجل ليقابله فى منزله فى صباح هذا اليوم الباكر ، فذهب إليه على التو إذ كان لي سكن فى منزلي فى هذا الوقت قريبا من منزل الأستاذ ا لمرشد :
وسأله المرشد مما إذا كان لقسم الطلاب دخل فى هذا الحادث ؟فأجابه بالنفي طبعا . . وأنه لا يمكن أن يصدر. لأحد الطلاب آمرا جهدا الخصوص ، أخذ الغضب والأسف من المرشد كل مأخذ وهو يقول إن هذا يعنى تدمير الجماعة التى قضى مره فى بنائها ! وأن الرصاصات التى أطلقت على الخازندار إنما أطلقت على صدره هو ! !
ولم يخفف من هول الحادث ما تذرع به السندى عندما ووجه برد الفعل هذا لدى المرشد،فادعى أن المرشد قال فى مجلس عام إن القاضي يستأهل القتل وذلك عندما سع بالأحكام القاسية التى صدرت ضد أشخاص ضبطوا فى الإسكندرية أمام نادى الجيش الإنجليزي معهم قنابل لم تفجر بعد ، فاصدر عليهم القاضي الخازندار أحكاما قاسية فى نفس الوقت الذى حكم فيه على حسن قناوى سفاح الإسكندرية ، الذى ارتكب جنايات فتل وهتك عرض أثارت الفزع والغضب فى الرأي العام و-خاصة فى الإسكندرية فقش عليه بالسجن سه خ سنوات ! فاعتبر السندى أن هذه العبارة من المرشد أذنا ضمنيا بالقضاء على الخازندار ! !
وهذا تبرير غير معقول لحادث كهذا ، ول كن الحقيقة كانت كامنة وراء شعور السندى،ث هذا الوقت باستقلاله هو وبمن يتولى قيادتهم م من الإخوان ، عن سلطان الجماعة وقائدها الأمر الذى سهل له هذا ا السلوك ، ؤلي ممن من حق أحد من إخوان النظام أن يتصل بالمرشد فى شأن من شئون النظام الخاص إلا عن طريقه ، وبهذا عزل إخوان النظام تماما عن قيادة الدعوة ، وأصبح فهم السندي لدور المرشد هو أن يبحث له عن مخرت أمام الناس لترميم الصدوع التى تحدتها أمثال هذه التصرفات غير المسئولة وتكييف الرأي العام فى داخل الجماعة وخارجها لتقبل هذه الحوادث !
وفى 13 مايو - قبل دخول الجيش المصري فلسطين - أعلنت الأحكام العرفية وفى 20 يونيو نسفت بعض المساكن فى حارة اليهود الذين ينتمون إلى طائفة اليهود الربانيين فى القاهرة ردا على مذبحة دير ياسين التى ارتكبها اليهود فى فلسطين فى 48/4 / 1948 م .
وفى 16 يوليو ألقت طائرة إسرائيلية حلقت فى سماء القاهرة – قنابلها على أحد الأحياء الفقرة – حى البراموني – قرب قصر عابدين فهدمت منازل كثيرة وقتلت عددا من السكان .
و كان الرد على هذا الحادث فى 19 يوليو هو نسف س لى شيكوريل وأرريكو ، وفى صباح نفس اليوم أعلنت الحكومة المصرية الهدنة الأولى .
ولكن فى أواخر يوليو وأوائل أغسطس أعلن الوطنيون عدم رضائهم عن هذه الهدنة فدمروا محلات برش ايون وجاتينيو ، كما دمر فى 22 سبتمبر ر جزء من حارة اليهود القرائين .
وفى 12 نوفمبر دمر انفجار آخر شركة الإعلانات الشرقية التى ساعدت النشاط الصهيوني فى ذلك الحين .
ولم تستطع سلطات الأمن أن تنسب هذه الحوادث إلى الإخوان المسلمين بن إلا فى أثناء عرض قضية الجيب فى ديسمبر حين نسبتها إليهم دون حل جماعة الإخوان المسلمين
وفى 8 ديسمبر أصدر النقراشي قرارا حل جماعة الإخوان المسلمين وبناه على أن الجماعة كانت تهدف لقلب نظام الحكم فى ا،لبلاد، وسردت المذكرة التفسيرية لهذا القرار وقائع مختلفة أو مبالغ فيها ، ونسبتها إلى الجماعة تبريرً لاتخاذ قرار حلي ا منها (ا) :
أولا - الجماعة مسئولة عن قتل شخص بن وإصابة آخرين فى معارك " ضد خصومها " يومي 6 يوليو سنة 46 ، 27 فبراير سنة 48 .
ثانيا - شهر ديسمبر سنة 46 ألقيت متفجرات داخل فندق الملك جورج فى الإسماعيلية،كما ألقيت متفجرات أخرى فى 24 ديسمبر على مؤسسات عديدة فى مدينة القاهرة ،وأعقب ذلك القبض على عضوين من أعضاء الجماعة أدين أحدهما .
ثالثا – فى 10 ديسمبر سنة 1946 قبض على أعضاء من الجماعة يقومون بصنع القنابل والمتفجرات فى الإسماعيلية .
رابعا- تشكيل الجماعة لنظام الجوالة المدربة تدريبا عسكريا كان المقصود به قلب نظام الحكم .
خامسا- حدوث مصادمات عديدة بين أعضاء الجماعة وبين رجال الشرطة تجاوزت حد المقاومة إلى الاعتداء .
سادسا- فى 18 يناير سنة 1948 أشعلت الجماعة النار فى غابة لأحد الملاك فى كفر بدواى وفى 3 فبراير سنة 1948 قامت الجماعة بتحريض أهالي كفر البرامون ليثوروا طلبا لزيادة الأجور وليطالبوا بإنجازات معتدلة وأن الجماعة قامت بتظاهر نودى فيه بعبارات ملتهبة وأنها قاومت الشرطة بالأسلحة النارية والحجارة فضلا عن أنه فى 16 يونيو سنة 1946 أوحت إلى العمال بإحدى القرى التابعة لوزارة الزراعة أن يقوموا بإضراب ليؤيدوا المطالبة بتملك هذه الأراضي .
وأخــــــير ..
من العجيب أن قرار الحل لم يعثر إلى شيء من حوادث نسف حارة " اليهود القرائين " أو حادث حارة " اليهود الربانيين " أو حوادث شجكوريل وأوريكو أو حوادث شركة الإعلانات الشرقية أو حوادث جاتينيو . . لأن السبب ن هذه الأحداث كان كامنا فى قبول النقراشى توقيع الهدنة الثانية خ اليهود فى الوقت الذى كانت فيه كتائب الإخوان المسلمين تقذف فلذات أكبادها فى فلسطين لحرب اليهود ، !راد النقراشي أن يسدل ستارا من التعتيم على قرار الهدنة الذى كان يمهد له !
ولكن ذلك لم يمنع سلطات الاتهام فى قضية الجيب التى نظرت بعد مقتل النقراشي من إثارة هذه الحوادث فى مرافعة النيابة واعتبرتها أدلة لإدانة الجماعة ، غير أن المحكمة لم تقض فقط ببراءة الجماعة مما نسب إليها وإنما أشادت وأظهرت دورها المشرف فى خدمة مصر، كما سنورد ذلك فيما بعد وبهذا أعفتنا المحكمة التى أصدرت حكها فى 17 مارس سنة 1951 ف هذه القضية - آي بعد ع ل الأحداث التى ادعى أن الإخوان قاموا منذ يناير سنة 1948 بما فيها قتل النقراشي - عن تفنيد هذه التهم والتى أوردها قرار الحل حين وجهت فى حيثياتها اللوم إلى الحكومة لانتهاكها حقوق المواطنين ، حيث ثبت تعذيب الأخ مصطفى كمال عبد المجيد الذى اتهم فى حادث حامد جودة ، حينما استغاث بإبراهيم عبد الهادي رئيس إلى كومة الذى حضر التحقيق فى قسم مصر القديمة ورآه معلقا فى الهواء ويضرب بالسياط فلم يحاول منع التعذيب واعترت المحكمة ذلك تدخلا سافرا من الى كومة فى التحقيق وتجريحا للعدالة "
وخطأت المحكمة كذلك وصف النيابة للجهاز الخاص بأنه جهاز إرهابي وذلك حين قالت فى حيثيات الحكم إنه -تدريب يتمشى مع الأهداف المقررة لتحرير وادى النيل (ا) وجميع البلاد الإسلامية وأنه لم يتضمن أو يدع إلى ارتكاب " الجريمة " ولا يعنيه أر يعيبه أن بعض أعضائه كونوا من تلقاء أنفسهم مؤامرة إجرامية لأعمال القتل والتخريب .
واعتبرت المحكمة التى أصدرت حكها ن قضية الجيب فى 17 مارس سنة 1951 أن ثناء اللواء أحمد المواوى واللواء أحمد فؤاد صادق فى شهادتهما أمام المحكمة " على البذل والفداء الذى قدمه الإخوان فى الصراع الفلسطيني وعلى مستوى التدريب العالي الذى حصلوا عليه ع ل ذلك جدير بالتقدير فى الحكم على نوايا الجماعة وحقيقة أهدافها " .
ومن هنا نستطيع القول بأن ما جاء فى قرار حل جماعة الإخوان المسلمين الذى أصدره النقراشي طاش أغلبه عن المضمون الذى ادعاه ،وهو أن الجماعة كانت تهدف بتدريب الجوالة والأسلحة المضبوطة لديهما وصناعة القنابل والمتفجرات إلى تي نظام الحكم ، كما فشل ق صبغ الجماعة بالإجرام لما قام به بعض لى أفرادها تحت قهر الأحداث من أعمال وصفت بأعمال القتل والتخريب ( 1 ) كحادث الخازندار ومقتل النقراشي .
أما ما أشارت إليه مذكرة الحل من أن الجماعة مسئولة عن إشاعة العنف بين العمال والفلاحين فى القرى ،وإشعالها النار فى غابة لأحد الملاك بكفر بدواي وتحريضها أهالي كفر البرامون ليثوروا طلبا لزيادة الأجور وليطالبوا " بإيجارات معتدلة"، فأمر لا يحتاج تفنيده إلى كبير عناء ، فالعنف الذى تدعي الحكومة أن الجماعة أشاعته بين العمال والفلاحين لم يكن سوى الروح الجديدة الذى بعثته تعاليم الإسلام والذي نهضت به هذه الجماعة فى الأمة جمعاء بدفع الظلم السياسي أ الاستعمار الأجنبي أ ودخ الظلم الاجتماعي المتمثل فى استغلال الملاك لجهد العامل والفلاح ،وقد ذكرنا فى هذا الصدد قصة " ريان الذى كان معتقلا فى الطور وهداه الله إلى العمل للإسلام وذهب شهيدا بعد الإفراج عنه بسبب مواجهته لملاك الأرض .
أما موضوع كفر بدواى الذي اتهم فيه الأخ محمد وادي فقد برأت المحكمة ساحته من تهمة الشروع فى قتل شيخ خفراء كفر بدواى واعترته المحكمة دفاعا شرعيا عن النفس ،وأما تهمة إشعال النار فى غابة أحد الملاك المدعاة فى قرار الحل ، فقد انتهت بالحفظ لأن النيابة لم تقتنع بالأدلة ولمست أنها تهمة كيدية .
أما الدعوى بتحريض الإخوان
للعمال كي يثوروا للمطالبة " بأجور معتدلة " فقول يثير الدهشة ، " فالمطالبة " ذاتها لا يمكن أن تعتبر ثورة بل هى المدخل الصحيح للحصول على الحق وموضوع المطالبة نفسه مادام لا مغالاة فيه لا يشرح قرار الحل حيث يقول " المطالبة " " بأجور معتدلة " يؤكد طبيعة هدف الجماعة وهو رخ الظلم الاجتماعي عن الناس ، بغير مغالاة ولا إجحاف بحق الملاك .
مصرع النقراشي
ومن هنا نستطيع تصور وقع قرار الحل على نفوس الإخوان المسلمين - النظام الخاص وعامة الإخوان - لندرك ما تلى ذلك من أحداث أسفرت عن قتل النقراشي فى يوم 28 ديسمبر سنة 48بواسطة أسد الإخوان بعد محاولات متعددة ومريرة من جانب المرشد فى تجنب هذه الكارثة (1) بالإضافة إلى الحقائق التى كانت تلق ظلها على النقراشى بالعمالة للإنجليز فى مواقفه المتعددة من حوادث كوبري عباس فى 9 فبراير سنة 1946 على أيدي الشرطة المصرية تحت إشراف (2) البريطانيين ثم موقفه كذلك من المظاهرات التى قام بها طلبة الجامعة ضد محادثات الهدنة المقترحة لحرب فلسطين فى 4 ديسمبر (ا) سنة 1948 قبل قرار حل جماعة الإخوان بأربعة أيام فقط ، وطبعا جاء قرار الحل هذا ردأ عليها ويمهد لاتفاقية " رودس " للهدنة التى وقعت فى 4 2 فبراير سنة 49 م .
ولعله من المفيد أن نعرض هنا لرسالة القول الفصل " وهى أخر ما كتب المرشد حسن البنا رحمه الله للإخوان بعد أن حيل بينه وبينهم ،فاضطر إلى توزيعها عليهم وتصدى فصيها للرد على بيان الحكومة محل الجماعة ، وأورد فيها وجهة نظر الإخوان فما ادعته الحكومة من مفتريات نورد هنا بعض فقراتها بعد تفنيده لمتهم الثلاثة شر التى أوردتها مذكرة الحل :
أشارت مذكرة وكيل الداخلية إلى أن الإخوان اتخذوا من الدين وسيلة : لخوض غمار السياسة ، وأنهم أرادوا بذلك الوصول إلى الحكم وقلب الخم المقررة فى البلاد. .
وكل من اتصل بالإخوان ودرس نظمهم يعلم تمام العلم بطلان هذا الاتهام ، وكل ما هنالك أن الإخوان مهيأة إسلامية جامعة مزجت الوطنية بروح الدين ، واستمدت من روح الدين واستمدت الوطنية ، ولم تبتدع ذلك ابتداعا ، ولم تختر عه اختراعا ، وإنما هى طبيعة الإسلام الحنيف الذى جاء للناس دينة ودولة ، وكل مواقف الإخوان فى ميدان السياسة مواقف وطنية خالصة ، بريئة كل البراءة عن حب الدنيا أو الرغبة فى الوصول إلى الحكم أو الغنيمة ، تهدف إلى إصلاح النظم المقررة فى البلاد حتى تتفق خ دينها وعقيدتها ، ونص دستورها الذى ينادى بأن دينها الرسمي الإسلام .
وليست الأوراق التى توجد بأيدي الأفراد وفى حيازتهم حجة على هيئة .عاشت تعمل وتجاهد ! حدد ظاهرة عشرين عاما كاملة ، ولكن الحجة هى قوانين هذه الهيئة ولوائحها ونشراتها التى اعتمدتها جهات الاختصاص . ومنذ صور القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم جماعات البر والأعمال الخيرية حدد الإخوان المسلمون نواحي نشاطهم تحديدا واضحا دقيقا ، وفصلوا بين العمل للبر والخدمة الاجتماعية ، وبين العمل للوطنية نشر الدعوة الإسلامية ، ووضعوا لكلتا الناحتين نظاما دقيقا ولوائح مفصلة اعتمدتها وزارة الشئون الاجتماعية ، وفيها بيان غايتهم ووسيلتهم كاملة ، وساروا فى حدود هذه الأوضاع يلزمونها بكل دقة إلى الآن ، وليس من هذه الوسائل الجريمة ئ لا الإرهاب كما تريد ا لمذكرة أن تقول .
ولعل الذى يسر للحكومة سبيل هذا الاتهام وسهله عليها ، وأوجد بين يديها بعض الشبهات - لا الأدلة - عليه ، هو عمل الإخوان وجهادهم فى سبيل فلسطين ، وإن كان هذا العمل من أنصع الصفحات وأمجدها فى تاريخ دعوته م ، فقد احتاجت فلسطين الشقيقة إلى السلاح قبل التقسيم بأشهر ، ونشطت فى جمعه بعض الهيئات ، وأذنت الجهات المختصة من طرف خفي بهذا الجمع ، وشجعت الإخوان على التعاون خ تلك الهيئات باعتبارهم أتدر الناس على بذل هذه المعونة ، لانتشار شبم م وامتداد دعوته إلى كل مكان ، فأبلى الإخوان فى ذلك أحسن البلاء ، وكانوا عند حسن الظن .
وأعلن التقسيم : ونشبت الثورة فى فلسطين ، والتحم العرب والجهود ى معارك شعبية، وللإخوان فى فلسطين أكثر من عشرين شعبة فى الشمال والوسط و الجنوب ،وتدفق سيل الأهليين من الفلسطينيون يريدون شراء -السلاح من مصر ، وفتحت الحكومة المصرية لهم الباب وعقدت الجامعة العربية عدة اجتماعات ، وألفت لجنة لمساعدة هؤلاء الأهليين حتى يحصلوا كل ما يريدون ، وقبل الإخوان ركية فى هذه اللجنة ، وتطوع بعض شبابهم لهذه الغاية وتركوا مصالحهم وراء هم ظهريا ، وبذلوا فى ذلك غاية المجهود ، وتدموا كل ما يستطيعون واحتملوا كثيرا من التضحيات المالية فى هذا السبيل ، وبخاصة بعد أن عدلت الى لمكومة عن خطتها ، وصادرت كثيرا من المشتريات التى اشتريت لأهالي فلسطين بمعرفتهم أو عن طريق الإخوان ، وكان جزاء هؤلاء الإخوان أخيرا السجن وسوء الحساب .
وأقرت الجامعة العربية فكرة التطوع ، فتقدم الآلاف من شباب الإخوان يريدون الموت فى سبيل الله ، وظلت الجامعة والى كومة مترددتين بين الإقدام والإحجام ، والحماسة تشتد ، والنفوس تعلى ، مما دعا المركز العام أن يبعث. طائفة إلى معسكر " قطنا " بسوريا ، وهم كل ما استطاع أن يقنع المسئولين هناك بقبوله .
ولكن ذلك لم يشف غلة الإخوان فاستأذنوا فى إقامة معسكر لهم بالقرب من العريش ممارسون فيه التدريب استعدادا لدخول فلسطين ، وأذن لهم ف ذلك ، وأقاموا معسكرا كبيرا لعدد منهم يزيد على المائتين ، يمدم فيه المركز العام بكل ما يحتاجون إليه من أدوات وتموين .
وسلاح وعتاد بإذن الحكومة وعلمها ، حتى تم تدريبهم ، ودخلوا فلسطين فى مارس (آذار ) أى في دخول القوات النظامية بأكثر من شهرين ، واحتلوا هناك معسكر النصيرات جنوبي غزة ، وكان لوجودهم هناك أحسن الأثر فى رد عدوان اليهود وطمأنينة السكان .
وتحركت الحكومة وهيئة وادي النيل العليا لإنقاذ فلسطين ، وأعدت معسكر " هايكستيب " لتدرب المتطوعين وتقدم إليه أكثر من ستمائة على مختلف ، فجهزتهم الحكومة ، ودخلوا خ القوات النظامية ، ووزعوا على نختلف الجهات ، وظفروا - بحمد الله – بتقدير كل من عرفهم أو اتصل 2 تجم أو رأى حسن بلائهم وإخلاص جهادهم ، فقد رابط الإخوان فى "صور باهرا وفى " بيت لحم " وعلى مشارف القدس ، واقتحموا " رامات رحيل " من جهة الوسط واحتلوا معسكر النصيرات ومعسكر البريج ، ونسفوا مستعمرة " ديروم " ، واشتركوا فى معارك " عسلوج " وحاصروا " المسنة وبيرون اسحق " وترددت نقطهم الثابتة والمتحركة فى كل مكان من جهة الجنوب .
واستشهد منهم قرابة المائة وجرح نحس ذلك وأسر بعضهم ، وكانوا مثال البسالة البطولة والعفة والشرف والنزاهة وحب الاستشهاد ، فكان ط جميعا أن تحصل الحكومة على بعض عتاد لم ينقل بعد إلى ساحة المعركة ، وأن تجد فى بعض الأماكن بقايا من المتخلفات ، ولكن ليس معنى هذا أبدا أن الإخوان المسلمين المؤمنين المجاهدين المحسنين قد أب و؟ا خطرا يهدد سلامة الأهليين فى الداخل وهم دعاتهم ، وسلامة الجيوش فى اندرج وهم زملاؤهم .
الدوافع الحقيقية لموقف الحكومة :
مستحيل أن يكون الدافع الحقيقي لهذه الخطوة الجريئة من الحكومة مجرد الاشتباه فى مقاصد الإخوان ، أو اعتبارهم مصدر تهديد للأمن والسلام ، وهو ما لم يقم عليه "دليل ولا برهان . ولكن الدافع الحقيقي فيما نعتقد هو انتهاز الأجانب فرصة وقوع بعض الحوادث خ اضطراب السياسة الدولية ، وقلق الموقف فى فلسطين ، وتردد مصهر بين الإقدام والإحجام ، فشددوا الضغط على الحكومة ، وقد صرح بذلك سعادة " مار بك " نفسه وأقر بأن سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا قد اجتمعوا فى " فايد وكتبوا لدولة النقراشي باشا فى صراحة بأن لابد من حل الإخوان المسلمين ، وكان فى وسع دولته أن يزجرهم عن مثل هذا التدخل فى شان داخلي بحت ، وأن ينظرهم حتى تظهر نتيجة التحقيقات ، وأن يتعاون خ المسئولين ن الإخوان على إزالة هذا الوهم من أنفسهم ، ول كنه بدلا من ذلك استجاب لهذه الرغبة الأجنبية وأصدر قرار الحل ، فإذا الأعداء ، وأحزن ا لمؤمنين الأتقياء . وهكذا تقوم الشواهد كل يومء لى أن مصر للأجانب ، قبل أن يكون لأهلها منها نصيب ، وأن على صفوة شعبها أن تقدم حرياتها قربانا لإرضاء السفراء ورعايا الدول ، التى طالما ناصبتنا العداء ، وأنزلت بنا البلاء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ويكون لما يشاع عن قرب الاتفاق بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية أصل فى هذه الخطوة أيضا ، كما قد يكون للموقف الحزبي والتأهب للانتخابات القادمة دخل كذلك ، ولا يعلم بالحقيقة غير الله ، ولته عاتبة الأمور .
ولقد كان الأمر العسكري غريبا فى نفسه وفى طريقة تنفيذه ، ولا يمكن أن يقول إ؟سان إن حل هيئة من الهيئات يستلزم اتهام كل من كل ، من يتصل بها أو حمل اسمها بالجرم والعدوان ، ومصادرته فى حريته رماله وتهله ومهاجمة فى كل مكان ، !لئن جاز فى عرف الأحكام العسكرية أن تحل الهيئات فا بال الشركات التى لا مي لمة بينها وبينها إلا بمجرد الآكل م ، خ تمام الفصل فى كل الأعمال ونواحي النشاط .
إن شركة المناجم المحاجر ، وشركة الإعلانات العربية ، وشركة الإخوان للنسيج ، وشركة دار الإخوان للصحافة ، وشركة دار الإخوان للطباعة ، وشركة مدارس الإخوان بالإسكندرية ، كلها شركات لا صلة لها بالهيئة ، جمعت رءوس أموالها من أفراد بصفتهم الشخصية ، فكيف يصح فى ذهن أحد أن تصادر أموالها لا لشئ تحمل أسم الإخوان وهؤلاء العشرات من الإخوان من كرام الشباب لماذا يعتقلون بغير جريرة ولا سبب ، وتمنع عنهم أدواتهم الضر روية ، ويلقي كثير منهم قى في ون الأقسام خ مع المجرمين وغيرهم من أرباب السوابق ومعتادى الإجرام ، ويتركون فريسة للبرد والجوع ، ولا يسمح بأن يقدم لهم الغذاء أو الغطاء ! ! .
ولقد ضربت الرقابة الشديدة حول مسكن المرشد العام ، وأحيط بسياج من رجال البوليس الملكي مزودين بموتوسيكل ، حتى إذا دخل داخل أو خرج خارج أدركوه فقبضوا عليه كائنا من كان !ذهبوا به إلى أحد الأقسام حيث يقضى ليلة أوليتين ، ثم يعمل له بعد ذلك تفتيش ئ تحر،ويطلق سراحه ، أو يظل معتقلا إلى ما شاء الله ! ! هذا الأسلوب من الحرب والتعسف لم تسلكه الحكومة خ اليهود ، ولا مع أشد الأعداء عداوة للوطن والحرب على أشدها ، ولم يعمد الإنجليز إبان الحروب الماضية ، ولكن لجأت إليه الحكومة خ الإخوان المسلمين فى هذا الوقت ! !
إن هذا القرار فيما نعلم باطل شكلا ، لأنه ليست هناك جماعة الإخوان المسلمين ،وإنما هناك جماعات اسمها أقسام البر والخدمة الاجتماعية 1 للإخوان المسلمين ، وهناك هيئة الإخوان المسلمين العامة ، وباطل موضوعا لأنه تجاوز لحقوق الحاكم العسكري الممنوحة له قى مرسوم الأحكام العرفية ، ومناف لروح الغاية التى فرضت من اجلها هذه الأحكام ومحال أن تطبق الأحكام التى فرضت لليهود على خصوم اليهود الألداء .
ثم استطرد البيان فى توضيح هذا الأمر فقال :
ولا ننسى فى هذا المضمار ممل الأصابع الحفية و الدسائس من ذوى الغايات الذين خاصموا هذه الدعوة من أول يوم وتربصوا بم بها الدوائر ، حتى أمكنهم منها الفرصة وساعدتهم الظروف ، فأحر الخطة ، ودأبوا على التدبير وال كيد حتى وصلوا فى النهاية إلى ما يريدون .
فاليهودية العالمية ، س الشيوعية الدولية ، والدول الاستعمارية ، وأنصار الإلحاد و الإباحية زرع ل هؤلاء من لم أول يوم يرون الإخوان ودعوتهم السد المنيع الذى ب !ل بينهم وبين ما يريدون من باطل رقود !ى وإفساد ، ولا يألون جهدا فى معاداتي بكل ما يستطيعون ،:!هم بر لي يستطيعون كتمان شعورهم هذا ولا إخفاء سرورهم وفرحهم لنجاح خطتهم ،حين أعلن قرار الحل ، فأقاموا المآدب وأولموا الولائم ، وتبادلوا التهاني ، وجعلوه يوما من أيام ا لمواسم والأعياد .
وهكذا أقرت الحكومة المصرية كذا التصرف أعين الضالين المضلين ، بالعدوان لى المؤمنين العاملين ، الحكومة التى أخفقت فئ المفاوضات مع الإنجليز فقطعتها ، وذهبت إلى مجلي لى الأمن فعادت في فى حنين ، وتركت قضية الوطن لى رفوفه فى زوايا الإهمال والنسيان ، وتجاهلت الإنجليز ذلك تجاهلا تاما ، وتركتهم يفعلون ما يريدون حتى أضاعت بهذا التجاهل، السودان ، واتبعت سياسة التردد والاضطراب فى قضية فلسطين ، وقبلت الهدنة الأولى فأضاعت بهذا القبول ، وحرمت الجيش المصري الباسل ثمرة انتصاره ، وأفقدت الوطن ملايين الجنيهات ئ آلاف الرجال ، فضلا عن فقدان اله كرامة وسوء الحال والمآل ، ودللت يهود مصر فلم تتخذ أى إجراء يتفق خ موقفهم من مناصرة أعداء الوطن .
هذه الحكومة التى يعيش فى ظلها الأجنبي آمنا مطمئنا على نقسه وماله وعبثه وفساده ، ويحمى جنودها حانات المسكرات ، وبيوت العاهرات ، ودور ا لمت كرات ، وأبواب ،ا لمراقص والبارات ، والتى عجزت كل العجز عن إنقاذ شعبها من براثن الفقر والمرض والجهل والغلاء الفاحش الذى يق منه الأقوياء فضلا عن الضعفاء والتى لا يؤيدها ولا يساندها إلا نفر قليل ضئيل من أصحاب المصالح الشخصية ، فهي فى واد والأمة فى واد . هذه الحكومة هى إذ تطارد الإخوان المسلمين وهم الشعب -، وتحكم عليهم بالإجرام والتشريد ومصادرة الأموال والأملاك والحريات .
ولو أخذت الأمور وضعها الصحيح ، وكانت الكلمة للحق لا للقوة ، لحاكمنا كم نحن يا أيها المفرطون على التفريط ، ولحاسبناكم لى هذا العجز أشد الحساب ولكن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة . ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
ثم ننهي فى رسالة ( القول الفصل ) بهذه الفقرات :
لقد أوقف هذا الحل نهضة اجتماعية كبرى ، تهيأ لها شباب هذا الجيم ل كل ن أبناء الوطن ، وترك فى النفوس أعمق الآثار ، وسيقول التاريخ كلمته ،ويظهر المستقبل القريب آيته ت وإن تستطيع القوة أن تمحو عقيدة أو تبدل فكرة : ( كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض . كذلك يضرب الله ا لأمثال ) ، و العاقبة للمتقين -. وهكذا تنتهي أخر رسالة الإمام البنا ( القول الفصل ) بتاريخ "مص لى مؤثر لما قدمه الإخوان المسلمون لوادي النيل وللدول العربية ، وكأته كان يخط بهذا السرد التاريخي لنشاط حركته آخر س أمور حياته النابض بالحب والخير لأمة الإسلام ، إذ أنه ق 12 فبراير سنة 1949 م تلقى استدعاء مجهولا إلى المركز العام لجمعيات الشبان المسه لى ين في يل غروب شمس هذا اليوم ، وبينما كان بركوب السيارة الأجرة التى كان يستقلها خ صهره عبد الكريم منصور أطفأت أنوار شارع الملكة نازلا الذى وضح فيه بناء الجمعية وأطاق عليه المخبر أحمد حسين جاد (1) الرصاص وصد المرشد على سلالم دار الشبان بالرخ م من إصابته ، وطلب عربة الإسعاف بنفسه تليفونيا وحملته العربة إلى القصر العيني حيث لاقي ربه بسبب النزيف الذى لحقه من إصابته .
وحمل الإمام الشهيد حسن البنا إلى قره تخرسه الدبابات والسيارات المصفحة ! ! . . وكان مكرم عبيد الزعيم الوحيد الذى تحدى الحكومة ، واخترق صفوف الشرطة المحيطة منزل الشهيد ، ليصحب أفراد أسرج إلى حيث شيع إلى مقره الأخير ، نها كان هو الوحيد أيضا الذى أعلن فى الصحف اعتراضه " على قرار حل جماعة الإخوان المسلمين .
وطويت بذلك صفحة رجل جدد دين أمته على مدى قرن من الزمان ، ولكن عاشت حركته برغم ذلك إلى يومنا هذا ، ندية بفضل الله ، مشرقة بتعاليمه ، حتى لقد صرح محمود عبد اللطيف " القاضي لا الذى أصدر حكما فى سنة 1951 فى قضية الجيب المقدمة ضد الإخوان المسلمين بقوله " كنت أحاكهم فأصبحت منهم ! ! ) .
كما صرح بذلك أحمد كامل بك و المحكمة بعد إصدار حكها أنه سم قوم بالانتساب لهذه الجماعة ! !
رحلة الإخوان
" كان الثمن باهظا . . هذا الذى دفعته الجماعة لقاه أحداث سنة 1948 ، تلك التى انتهت بفقد حسن البنا الذى كانت حياتنا بعض أنفاسه ، وصونا من صورة . . وحركتنا بعض خطوه ،. . ولكن..
ربما كان إحساسنا بهذا الضياع بعض سنة الله فى خلقه ليحول مشاعر القلوب المزمنة من القلوب إلى الإصدار ومن الأخذ إلى العطاء . . .ومن الاكتفاء بالورود إلى الإغداق عل الوجود . . "
قبل اغتيال الإمام الشهيد بأقل من شهر بغنى نبا نقلى إلى أسوان للعمل بها . . وأدركت من وراء هذا النقل ،محاولة لإبعادي عن القاهرة وخاصة أن إبراهيم عبد الهادي كان قد علم بانتمائي إلى الإخوان عندما حضر مشيعا فى وفاة أبى رحمه الله سنة 1947 ، حيث كانت بيننا وبينه روابط المصاهرة بزواج شقيقه أحمد المليجي من شقيقتي ، فى الوقت الذى كان متوليا فيه رئاسة الديوان الملكي ، وفى أثناء تشيع الجنازة التقي بالمرشد حسن البنا .
و ظننت أنه من الممكن أن يتأخر تنفيذ هذا النقل ، إلى أن استدعاني صابر طنطاوي مدير الأمن العام بعد أقل من عشرة أيام من صدور أمر النقل ،وأبلغني بضرورة السفر إلى أسوان ئ ، نفس الليلة وإلا اضطر إلى اعتقالي !
وأبلغت المرشد جهده المقابلة وما دار فيها ، ولم يكن فى عزم الرجل مواجهة الموقف ة إثارة الشكوك حولي فكافنى بالإذعان . . وسافرت فعلا فى نفس الليلة إلى أسوان حيث عينت معاونا للبوليس فى مركز كوم أمبو وكلفت من السلطات هناك بعدم التحرك من المركز إلا بإذن خاص من مدير الأمن العام ! أو بمعنى أكثر وضوحا تحددت إقامتي بمركز كوم أمبو لا أغادره إلا بأمر من إدارة الأمن العام فى القاهرة ، وعلمت ة هد ذلك من قراءة أوراق تحقيقات قضية النقراشي أنه وصل إدارة الأمن العام بلاغ كل مجهول بأني مشارك فى مقتل النقراشي وأن المصل تقتضى اعتقالي ! ولم يذكر البلاغ المجهول شيئا كل ممن وقائع هذا الاشتراك . . ول كن يبإو أن إبراهيم عبد الهادي كان متأثرا بهذا البلاغ إلى الحد الذى دعاه إلى أن يرد لى أخيه أحمد المليجي حين سأله عن سيب هدا الإبعاد ، فأجابه لي بكلام يوحي بأني أدبر فى هذا الوقت أمر مقتله هو أى إبراهيم عبد الهادي ! ! !
وظلت فى كوم أي و تحت مراقبة يومية من ضابط المباحث الذى يعص ل تحت رئاستي ! وفى نفس ا وقت يرسل تقريرا يوميا عن تحركاتي ومقابلاتي . . وظلت سبعة أشهر فى أسوان وهى مدة حكم إبراهيم عبد الهادي من آخر ديسمبر سنة 1948 إلى أواخر يوليو سنة 1949 ، وكانت أيامي الأولى قاسية مريرة تلك التى أعقبت سماعي مصرع الإمام الشهيد !
كان الحظ ن باهظا . . هذا الذى دفعته الجماعة لقاء أحداث سنة 1948 كلها بما ؤيها رأس النقراشي . . فماذا يساوي كل هذا ؟ !
ولم يركن من اله حمل تصور هذا الظن إلا بعد أن أدركنا ماذا كان يعنيه وجود حسن البنا بيننا ! ! لم يكن فقط إشعاعه نور على طريق الحق نبصر بها خطونا ، وإنما كان المحور الذى تبلورت عسيه آمالنا للوصول بالحركة الإسلامية إلى هدفها الصحيح ، كانت حياتنا بعش لى أني ،سه وصونا من بره وحركتنا من خطوه .
فلما اختاره الله إلى جواره توقف إدراكنا لمسيرتنا ، إلى أيرن تسير . . وكيف تمضى بعده ؟! ورمما كان إحساسنا بهذا الضياع برضي سنة الله فى خلقه ليحول مشاعر القلوب المؤمنة من التلقي إلى الإصدار ومن الأخذ إلى العطاء ، ومن الاكتفاء بالورود إلى الإغناء و الإغداق لى الوجود ، رمهما كان العويل ،البكاء فلابد أن تجف المآفي واجه حياتنا بالبعد الجدلي د الذى اختاره الله لنا .
وهكذا سارت بنا الأيام ، وسرنا معها فى موكب الحق الخالد بغير حاديتا الذى ألفنا ص وته وأشجانا حداؤه . . ولكن .. . ما زالت بالقلب غصة أضافت إليها قسوة الأحداث ومرارة التنكيل بنا بعدا جديدا ، إذا شهدنا مصيبة أحدنا فى دينه أرجعنا ذلك إلى مصرعه ! وإذا رأينا غرسا كريما من غراس هذه الدعوة أثار أحزاننا لأنه فف د من تعهده برعايته !
حضر إلينا فى كوم أمبو أحد الاخوة الذى كان يعص ل في ل هذه الأحداث رئيسا . لمكتب أداري الإخوان بالمنزلة ونقل إلى كوم أمبو مبعدا ط ين النظر فى أمر اعتقاله ! وكان يتصور أن ع ل الناس ترقب حركاته وسكناته ! ! فإذا يقول ل يثبت للناس لي أنه برج لي عن تنظيم الإخوان مع ! بر فى نادى الموظفين لجنى الخمر ! . . علنا على رؤس الأشهاد تغزو السبب فى فقد هذا الأخ لدينه ومثله وأخلاقه إلى مص يشنا فى فقد الرجل ! ! .
وحضر إلينا الأخ فتحى عثمان منقولا أفي ! إلى مدرسة كوم آمو ريثمايتم التصرف فى شأنه . . وكان مثلا طيبا للداعية الصادق الذى نشر ظلال فهمه ومرحمتدءلى قلوب إخوانه ومر حمته فى المدرسة أي نقل إليها ، و أثر فى، المحيط الذى يعمل فيه تأثيرا كريما حول الناس يلجون بالثناء عليه حي يهت نتل ثانية عائدا إلى بلده بعد أشهر قلائل ، وودعه جص ع غفير من أهل كوم أمبو- على محطة البلدة بصورة أثارت أشجان الجميع ! ومع ذلك لم تكن حسرتنا فى وداعه وقتئذ تعدل حسرتنا على فف د الرجل الذى ة دم فتحى عثمان هذا الزاد الذى اغترف من ! الإسلام الخالد . . في مميت - فى وداعه - حسن البنا بأكثر مما حزنت على فراق فتحى ! كان كل شيء كل حولنا يوحي بفضل الرجل الذى فقدناه حتى إذا حان يوم 26 يوليو سنة 1949 سقطت وزارة إبراهيم عبد الهادي حزمت متاعي وسافر ت إلى القاهرة لا أنوي العودة .
وظلت فى إجازة نحو من ستة أشهر نقلت بعدها إلى القاهرة لأعمل ضابطا فى مخازن الشرطة! !
أما أحداث الفترة إلى تغيبنها عن القاهرة فبرز فيها حادثان : الأول كان محاولة الثأر من إبراهيم عبد الهادي متمثلا فى حادث الشروع فى قتل حامد جودة ن ه مايو سنة 1949 بعد شهرين ونصف تقريبا من اغتيال الإمام الشهيد ، والثاني كانت أحداث انتخاب المرشد الجديد .
وبدأت وقائع الحادث الأول تلوح فى قلوب الإخوان بعد أن حمل الإمام الشهيد إلى قبره فى وقت كانت فيه قلوب الإخوان المسلمين ! فى أنحاء العالم تعلى كرجل أجهدته نيران الحسرة على فقد رائد الحركة الإسلامية فى القرن الراجع عصر الهجري .
فلم تستطيع هذه القلوب أن تخفي دفين أحزابها حجما بدا لهم اشتراك إبراهيم عبد الهادي فى حادث اغتيال الشهيد البنا ، بالإضافة إلى الملك الذى تخلف منذ الحادث عن أداء صلاة الجمعة خ الجمهور ، وضاعف إبراهيم عبد الهادي من الاحتياطات الأمنية سول شخصه ، وبدأت حملة تشي ير قوية ضد الإخوان تكاد تحاكى حملات عبد الناصر فى سنة 1954 وسنة 1965 .
ولم يحتمل الإخوان فقد المرشد من بين ظهرانيهم بعد التنكيل برجال الجماعة فى السجون والمعتقلات ، فكان الرد المنتظر على هذا الحادث هو قتل إبراهيم عبد الهادي الذى قدم رأس المرشد هدية لفاروق يوم أحاله بعيد جلوسه على العرش !
حادث حامد جودة
وهكذا فكر بعض اخوة النظام الخاص ف تدبير حادث حامد جودة الذى كان مقص !دأ به تتل إبراهيم عبد الهادي نفسه ، وكان يعتبر ن الواقع امتداد لحكم النقراشي إن لم يكن أكثر عنفا منه ، ويروى أحد الأخوة الذين انهموا فى هذا الحادث وقائعه فيقول : إنه والاخوة المشتركون معه استأجروا شقة على الطريق بمصر القديمة تشرف تماما على الطريق الذى ممر به موع ب إبراهيم عبد الهادي من منزله فى المعادى إلى رئاسة الوزارة بلاظو وعلى ذهابا وجيئة . . وعرضت فكرة قتل إبراهيم عبد الهادي وحده دون المساس بموكبه ، لذا استقر التفكير على أن يقود الأخ مصطفى كمال عربة تنطلق مندفعة من شارع بحوار الشقة المستأجرة حيث تكون مجهزة بعبوات ناسفة يتحقق بها نسف عربة إبراهيم عبد الهادي والعربة التى يقودها مصطفي كمال . ولكن يبدو أن الأخ مصطفى كمال خشي أن يكون هذا القتل انتحارا، وفي أن يشترك فى معركة سافرة حراس الموكب .
وعرضت خطة جديدة لخض فى مهاجمة الموكب لمجموعة مسلحة تنتظره فى الشارع الذى يسير فيه فضلا عن إلقاء القنابل على الموكب من الشقة المطلة على الطريق وضربه بأسلحة نارية من أعلى هذه الشقة . وحاول أحد الاخوة مناقشة هذه الخطة مع الأخ المسئول بحضور الأخوين على رياض و عز الدين إبراهيم اللذين كانا يشاركانه رأيه نخطأ هذه الخطة لأن المنطقة آهلة بالسكان وخاصة وأن الترام يمر بالشارع الذى يمفى فيه الموكب ، وأن ذلك سيضطرهم إلى التضحية بأبرياء كثيرين مما بحافى الشرع . وأن الأفضل هو قتل إبراهيم عبد الهادي بالأسلوب الذى قتل به النقراشي .
ولكن . . بينما كان الموضوع ما زال يجرى بحثه ومناقشته ولم يصدر به قرار من الأخ المسئول بعد ، سارت الأمور بالصورة التى جرت طيها بإلقاء القنابل على الموكب . وتبين أن إبراهيم عبد الهادي لم يعد . بموكبه ولكن الذى عاد كان حامد جودة رئيس -مجلس النواب الأسبق ولم يصب بسوء لأنه استلق فى دواسة العربة ونجا بسيارته التى أسرع قائدها بالفرار،ولكن جرح الكثير من المارة وقتل سائق عربة كارو كانت بحوار الموكب وفر الذين اشتركوا فى الحادث بعد أن ألقوا بأسلحتهم ولم يتمكن مصطفي كمال عبد المجيد من إلقاء سلاحه وقبض عليه ومعه مدفعه وكان ذلك بداية الخيط الذى أوصل إلى القبض على جميع المشتركين فى الحادث .
وتصادف فى هذا الوقت موعد عودة إبراهيم عبد الهادي بسيارته إلى متله بالمعادى ،فاستوقفه البوليس فتوجه من فوره إلى قسم مصر القديمة فوجد مصطفي كمال - معلقا فى إحدى غرف القسم - يجرى تعذيمه للاعتراف بالمشاركين معه . .
وعندما نظرت القضية بعد ذلك استدعى . إبراهيم عبد الهادي شادة أمام المحكمة ،وتقدم الدفاع ببطلان التحقيق بسب هذه الواقعة ،وجاء فى حيثيات المحكمة بعد ذلك ما يردين سلطات التحقيق ، الأمر الذى دعا المحكمة إلى عدم الاطمئنان إلى أقوال المتهمين فى التحقيقات .
ولقد تصدى الأستاذ المرحوم حسن العشماوي ومعه نخبة من محامى الإخوان هم الأساتذة فهمى أبو غدير وسعيد رمضان ومحمد المسماري ومختار عبد العليم والمرحوم طاهر الخشاب ،بالإضافة إلى غيرهم من خارت جماعة الإخوان اشتركوا فى الدفاع وهم يرد بأني مصطفي الذى كان رئيسا لمحكمة النقض والأساتذة على بدوي وعبد المجيد نافع منصور وعبد الفتاح حسن .
وتشكل من هذه النخبة من المحامين ب لجنة الدفاع عن قضية والأوكار وص قتل النقراشي وقضية حامد جودة كان مقرها في الأستاذ فهمي أبو غدير بالعباسية ، وسبق أن أوردنا فى في حيثيات الحكم فى قضية الجيب ف أشاد القضاء!هداف جماعة الإخوان المسلمين وبرأ الجماعة من قام الإرهاب واعتبر أن قيام بعض الأفراد بارتكاب برضي الحوادث كقتل الخازندار. النقراشي لا يطعن فئ أهداف الجماعة أو أسلوبا فى توجيه الأمة ، وخاصة فى هذه الظروف الصعبة التى تجتازها البلاد بسبب الاحتلال الإنجليزي والكيان الصهيوني . وكان من آثار هذا الحكم فى قضية الجيب أن أفرج عن المتهمين فى قضية الأوكار ،وبقي المتهمون فى قضية النقراشي فى السجن إلى أن أفرج عنهم فى سنة 1953 بعد أن نفذكم الإعدام فى المرحوم حسن
هروب نجيب جويفل
" وشاء الله أن يسدل ستره بإنجاح هذه المخاطرة التى أبى فيها محامي المتهم إلا أن يصل بموكله إلى الحرية من باب آخر !
بعد أن عجز تبرئته أمام القضاء فخاطر فى سبيل ذلك بنفسه وزوجه وولده وشقيقته ! !
وظل الإخوان المتهمون فى قضية حامد جودة! السجن ينظرون تقدمنهم للص حاكة ، وكان من بلإنى م - كما ذكرنا سابقا- الأخ نجيب جويفل الذى أخطر! المرحوم الأستاذ حسن العشماوي - فى نهاية سنة 1950 باعتباره مسئولا عن لجنة ا الدفاع عن قضايا الإخوان - أن أدلة الاتهام ضده جعلت موقفه عمي يرأ وإدانته فى قتل صاحب العربة الكارو التى كانت ج همه ير مصادفة إلى جوار موكب حامد جودة تبدو محققة ، الأمر الذى ربما دعا إلى الحكم بإعدامه ! وكان نجيب جويفل قد استأذن السندى ن تهيئة من يقوم بتهريبه فرفض بدعوى عجز الإمكانات المتاحة لهذه العملية ، وسمح له بالقيام بها على مسئوليته الخاصة إذا استطاع ، بدون أن يتحمل النظام الخاص نفقاتها !!
وتحمس الأخ المرحوم حسن العشماوي لفكرة تهريبه من المستشفى الذى كان يعالج فيه مستشفى الدمرداش ، وأبلغني بضروس ة التخطيط لهروبه فى هذا الظرف الملائم تبل انتهاء علاجه وءودته إلى السجن .
وكان هروبه من المستشفي إلى مكان آمن بالقاهرة آمرا يسهرا ، ولكن الذى كان يشغلني هو تهريبه إلى خارج القطر .
وقبلت الخاطرة وأفي .المرحوم حسن العشماوي إلا أن ينهض بتبعاتها كلها حتى يتم ،وكله النجاة خارج القطر.
وكانت الحراسة على نجيب جويفل داخل مستشفى الدمرداش ممون من أحد الضباط أو والصولات ، وجنديين يتبادلان الحراسة فى ثلاث نوبات ليلا ونهارا ، يرأسهم الصول أو الضابط رئيس النوبة ، وقد استفاد نجيب جويفل من ثقة الحراس فى تحركاته دون متابعتهم له ، ودبر هروبه ن نوبة أحد والصولات فى مساء أسد الأيام التى جهزنا فيها أسدى السيارات التى تنتظره أسفل البناء الذى يقيم فيه بارز شق ، وجرت الخطة على أن تتغير السيارة التى أقلته من المستشفي ليستبدل كما سيارة أخرى يقودها الأخ عبد القادر حلمى الذى كان ينتظر بها فى حريق بولاق ، وفى نفس الطريق الذى يسلكه إلى روض الفرج لينقل " مريضنا " الهارب إلى ص نز ل إبراهيم بركات - أحد إخوان قسم الوحدات - الذى كان يعده صاحبه للدخول بعروسه قبل مقدم ضيفه الجديد !
وقاد المرحوم حسن العشماوي السيارة التى كانت تنتظر نزول نجيب جويفل - فى الوقت المحدد - من غرفته فى البناء الذى قي يم فيه إلى فناء المستشفى الخارجي بعد أن استطاع بسهولة أن يتخلص من مراقبة حراسه .
وتبعت الركب بسيارة توقيا لآي طارئ جديد يعوق نجاح الخطة ، حتى إذا ومه لمنا إلى المكان المتفق عليه والذي كان ينتظرنا فيه الأستاذ عبد القادر حلمى ، انتقل نجيب إلى سيارته التى أقلته إلى ا المنزل المعد لاستقباله والبقاء فيه لحين انقضاء تحركات البوليس المحتملة فى البحث عنه .
ومضت فترة أعددنا فعيها أنفسنا لسفر الأخ نجيب إلى الخارج ، وأصر المرحوم حسن العشماوي لى أن يصحبه أيضا بالطائرة إلى لبنان خ أسرته وأبنائه .
وكانت الشخصية التى اخترناها لنجيب جويفل فى مرحلة هروبه شخصية مربية خرساء للأطفال ! ! إذ لم يكن من المستطاع تشكيل ص وته على النحو الذى يضمن لنا سلامته وعدم اكتشاف أمره .
وصورناه لى النحو الذى يتفق وهذه الشخصية ، واستطاع الأستاذ المرحوم رجائي العشماوي لم شقيق المرحوم سسن أن يستخرج له جواز السفر المطلوب باس م مستعار اختاره للمربية الخرساء ، ثم تحدثت إلى الأخ رمضان متولى أحد إخوان قي الوحدات الذى كان يعمل كونستبل شرطة فى مطار القاهرة فى شأن استقبال أسرة المرحوم حسن والمربية التى معه لتسهيل السفر لهم عن نوبة عمله فى المطار ، بعد أن أعلمته بحقيقة المسافرين وخطورة العطية ، وقد قبل الاشتراك فيها بغير تردد ، ووصل ركب المسافرين إلى المطار بصحبة شقيقة المرحوم حسن العشماوي زوجة المرحوم منير دله (1) لتطبع جو الأسرة على المسافرين فى وداعهم ف صالة المطار واستقبلنا رمضان متولى رحمه الله وسهل لنا إجراءات السفر حتى استطاع الجميع بلوغ الطائرة فى أمان ، وأقلعت به م إلى لبنان حيث شاء الله أن يسدل ستره على هذه الخاطرة التى أي في محامي المتهم إلا أن يصل بموكله إلى الحرية ، بعد أن أدرك عجزه عن تبرئته فى ساحة القضاء ، وخاطر فى سبيل ذلك بنفسه وزوجه وولده وشقيقته !
وبقيت مشكلة أخرى نبعت من شعورنا بالواجب حيال الصول وجنود البوليس الذين اتهموا بالإهمال فى مراقبة المتهم الذى كانوا يحرسونه !
واستطعنا تعويضهم مما تم خصمه منهم بسل! ؟ هذا الحادث الذى هون من شأنه ما صوره التحقيق من أن هروب المتهم كان فى صباح اليوم التالي عندما استأذن حراسه للدخول إلى دورة المياه التى قفز منها إلى خارج المستشفى!!
والجدير بالذكر أنه بعد قيام الحركة ن يوليو سنة 1952 بأشهر أبلغ المرحوم حسن العشماوي جمال عبد الناصر بقصة نجيب جويفل فاستقدمه بحواز سفر آخر عاد به إلى القاهرة لحين صدور العفو العام عن قضايا الإخوان المسلمين سنة 1953 والذي شمل اسم بنجيب جويفل ة بين الصرف عنهم بعد ذلك . .
انتخاب المرشد
" إنه شامة وسط القضاة "... حسن البنا
بعد صدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين عام 1948 جرت اعتقالات لرجال الإخوان فى كافة أنحاء القطر زادت ضراوة الاعتقال بعد قتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي ! .
وظل مرشد الإخوان مطاق السراح مع اثنين من أعضاء مكتب الإرشاد هي ا الأستاذ أحط حسن ا إلباقورى والأستاذ المرحوم . منير دله .
وكان من الطبيعي أن يحاول الأستاذ المرشد إنابة أحد الإخوان عنه فى إدارة شئون الجماعة عندما عزم لى التوجه إلى إحدى القرى! الريف ، وعد م الاتصال بأحد ، دفعا ،لمضرة القبض على كل من يتصل به ! ! . . ولذا عهد بمسئولية الجماعة إلى أحد الاخوة –ولذا لم يشملهم الاتصال - برعاية شئون الإخوان داخل معتقلات وخارجها ، فاختار لذلك الأستاذ أحمد حسن الباقوري ، وكلف الأستاذ عبد القادر حلمي باستدعائه سر وألقي عليه هذه التبعة فئ حضوره .
واستعان الأستاذ أحمد حسن الباقوري بالأستاذ المرحوم منير دله بالإضافة إ! الأستاذ المرحوم حسن العشماوي الذى كان يعمل وكيلا للنائب العام نى الصعيد واستقال لينهض . بمهام العمل فئ مكتب والده المحامي المرحوم محمد العشماوي ،وزير المعارف الأسبق .
وبعد استشهاد مرشد الإخوان ظل أغلب الإخوان داخل المعتقل ، والقليل فى الخارج وبالرغم من ذلك كان الإخوان يستشعرون أن فترة الاعتقال هذه لن تدوم طويلا. . وأنها مرهونة ببقاء وزارة إبراهيم عبدا لهادي ف الحكم .
وكان من الطبيعي أن في الإخوان فيمن يشغل منصب المرشد بر د استشهاده ، وظهرت من داخل المعتقل ثلاثة أسماء كان أصحابها جديرين بملء هذا الفراغ كما جرى ظن الإخوان حينذاك :
أولا : الأستاذ عبد الرحمن البنا - شقيق الإمام الشهيد الذى يشبهه ئ ظاهر الشكل وطريقة الحديث والحركة ، وكانت عواطف الإخوان تنجذب إليه بحكم تعلقهم . بمرشدهم الشهيد .
ثانيا : الأستاذ صالح عشماوي - وكيل الجماعة والذي يحظني بتأييد جناح النظام الخاص ، حيث كان يعتبر رأسا من رءوسه .
ثالثا : الأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتير الجماعة آنذاك والذي كان مشهودا له بوفرة الحركة والنشاط إلا أنه كان موضعي شك من الذين نوجوا من الجماعة من مكتب الإرشاد وهم الدكتور إبراهيم حسن وأحمد السكري وفي وهما ممن أخذوا عليه سلوكا غر لائق فئ علاقاته الشخصية (1) .
" أما خارت المعتقل فقد برز اسم الأستاذ أحمد حسن الباقوري الذى كان مكلفا من الإمام الشهيد برعاية شئون الإخوان كما سبق أن أوضحنا .
ولم يغب عن أذهان الإخوان بعض أسماء أخر ئ لم تحظ بهذه ا لمكانة وإن كانت جديرة بالتفكير فيها شغل هذا المنصب وهم الأستاذ عبد العزيز كامل و الأستاذ مصطفى مؤمن والأستاذ سيد رمضان .
ولم يكن كل مقبولا أن بحري البت ف هذا الأمر والإخوان رهن السجون ، ولذلك بر!ت هذه المشكلة بصورة جادة بعد إقالة وزارة إبراهيم عبدا لهادي وتولى حكومة الوفد الحكم .
وقام الأستاذ المرحوم منير دله محاولة .لجة الرأي حول من يشغل هذا الفراغ دفعا لمفتنة واتقاء للاختلاف ، فدعا هؤلاء الأربعة إلى منزله وهم الأساتذة صالح عشماوي وأحمد حسن الباقوري ،-عبد الحكيم عابدين وعبد الرحمن البنا ، كما دعا الأستاذ عبد القادر حلمي إلى حضور هذا الاجتماع و صارح الإخوان الأربعة . مما يشغل باله و بال الإخوان جميعا، و دعاهم إلى الاتفاق على اختيار أحدهم ، وإلا فأولى أن يتفقوا على شخص آخر غيرهم يرشحه إم وه و الأستاذ حسن الهضيبى (1) المستشار بمحكمة النقض .
ويعرض لنا الأستاذ عبد القادر حلمي ما دار بهذا الاجتماع فيقول :
تم الاجتماع المشار إليه . فى أوائل عام 1950 فى ص ش ل الأستاذ منير دله وقد بدأ حوالى التاسعة والنصف مساء واستمرت حتى منتصف الليل ، وقد استهل الأستاذ منير حديثه بتناول المشكلة بأبعادها وجوانبها المختلفة، فعرض عليهم الصورة التى يمكن أن يؤدى إليها الخلاف بينهم وترشيح كل واحد منهم نفسه وسط ص فوف الإخوان والانشقاقات التى يمكن أن تحدث مما سيكون له أسوأ الأثر على الجماعة ، فهو على الأقل سوف يورث الضغائن بينهم ويصدها مما لا يختلف فى شئ عن بقية الأحزاب ، ولئن كان خطر هذه الأمور بالنسبة للأحزاب قليلا إذ أن منشأها يكون غالبا بسبب الدوافع والمصالح الشخصية التى تسير أفرادها ، أو حتى مصالح الحزب الذى ينتمون إليه ، إلا أن ذلك يختلف فى حالة جماعة الإخوان فلا يصح ذلك باك سبة لهم فالمفروض ألا مصلحة لأحد فى هذا الأمر إلا ما يقربهم إلى الله .
فدعاهم الأستاذ منير أن يتفقوا على أحدهم أو على شخص أخبرني يرهم س يقدموه إلى الإخوان ، فلا يكون هناك بعد في لاختلاف وسط الإخوان .
بدا الاقتناع التام من الحاضرين بكلام ورأى الأستاذ منير ، ووافقوا بالإجماع على هذا الاقتراح وأكل ية توحيد الكلمة وضرورة الاتفاق بينهم على رأى ليجنبوا الإخوان الفرقة ، وعلى أثر ذلك دعاهم الأستاذ منير إلى أن يقول كل أسد منهم وجهة نظره الخاص آ فإن كان أحدهم يرى نفسه أهلا وكفؤا لهذا الأمر ،ثم وافق عليه الثلاثة الباقون شكون المشكلة قد انتهت زوال خطرها .
بدأ الأستاذ عبد الرحمن البنا بالكلام فقال ما ملخصه إنه سيرشح نفسه لمنصب الإرشاد وسيسعى إليه . وتلاه الأستاذ صالح العشماوي فقال إنه سيرشح نفسه للمنصب ولكن لن يسعى إليه والرأي للإخوان . وأما الأستاذ عبد الحكيم عابدين فقال إنه لن يرشح نفسه ولن يسعى إلى المنصب ،ولكن إذا دس إليه من الإخوان أجاب . أما الأستاذ الباقورى فقال إنه لن يرشح نفسه ون يسم ى إلى الانتخاب وإذا دعي إلى المنصب رفض .
ظهر الآن بوضوح أنه لا اتفاق بينهم ،ولما كان الأستاذ عبد الرحمن البنا هو الذى رشح نفسه فى البداية وقال إنه سيسعى إلى المنصب بقوة اعتبر نفسه الوحيد الذى يصلح لهذا الأمر ، فقد عرض الأستاذ منير اسمه على الثلاثة الآخرين فرفضوه بالإجماع ، وبالمثل قام بترشيح كل من الثلاثة الآخرين فلم ينل أحد منهم موافقة أى من إخوانه الثلاثة الباقين . .
وعلى أثر ذلك أوضح يا الأستاذ منير خطورة هذا الاختلاف ،ثم عرض عليهم فكرته التى تقضى بترشيح شخص أخر لهذا المنصب ، واقترح عليهم ساعتها الأستاذ المرحوم حسن الهضيبي وعرفهم بعلاقته بالدعوة من قديم وصلته بالأستاذ البنا وأسباب عدم ظهوره ، وقد كان الأستاذ حسن الهضيبي معروفا للأستاذ الباقورى الأستاذ عبد الحكيم عابدين ولسكنه لم يكن معروفا لدى الآخرين .
لم يرفض المجتمعون اقتراح الأستاذ منير لأول وهلة ، ولكنهم أرجأوا البت وإبداء الرأي حتى يلتقوا به ويتعرفوا عليه ولي درسوه عن قرب بصفته مرشحا لهذا المنصب الخطير وكان هذا رأى الاثنين اللذين كانا يعرفانه من قبل أيضا ، وانتهي الاجتماع على الحد على أن ينعقد بعد أن يقابل الاخوة الأربعة الأستاذ حسن الهضيبي .
تمت عدة مقابلات بينهم وبين الأستاذ حسن الهضيبي مجتمعين ثم منفردين للتعرف به ومعرفة علاقته بالدعوة ، ذلك دون أن يفاتحوه فى الغرض من هذه الزيارات والمقابلات ، وبعد أن أبدى كل منهم موافقته الكاملة واطمئنانه لهذا الاختيار راجين من الله أن يكون ذلك فى صالح الدعوة وخيرهـا زاره الأربعة خ الأستاذ منير لمفاتحته فى الأمر ، ولكن الأستاذ حسن الهضيبي اعتذر فى البداية بشدة وقدم لذلك أسبابا عدة أكل مما أنه كان بعيدا عن صفوف وتنظيمات الجماعة،وكذلك عدم معرفته بكثير من أفراد الجماعة ، غير أنهم تمسكوا به مفندين لهذه الاعتذارات واعدين أفهم سيكونون سندا له وعونا فى قيامه بهذه المسئولية الخطيرة ، وأخيرا قبل على أن يكون هذا الوعد أحد الشروط ، والشرط الأخير هو موافقة أعضاء الهيئة التأسيسية بالإجماع ، س قد تم ذلك كما معروف بعد أن زاره أعضاء ا الهيئة التأسيسية وش كر من أفراد الجماعة،وتد تم اختياره فعلا من ا آية التأسيسية بالإجماع فى أكتوبر سنة 1951 كما هو معروف أيضا ، ومما يذكر أن كل ذلك قد تم وقرار حل الجماعة لا يزال قائما .
وقفة مع النظام الخاص
ما من جماعة خاضت تجربتها مع الأحداث فى سير الأحداث لتحقيق غايتها ، إلا و تبادل بعض رجالها مواقف ا طق و الباطل و الخطأ و الصواب ، فتارة يصيب البعض وتارة يخطئ الهدف فيتصدى غيره للذود عن الحق والوقوف إلى جانبه . .
نشأته :
بعد أن اتضح تواطؤ الإنجليز والأمريكان مع الصهاينة على تسليمهم فلسطين ،أدرك الإخوان المسلمون أن المستعمرين لن يعدلوا عن ذلك إلا مكرهين ، وأيقن مرشد الإخوان حسن البنا أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود ، كما أدرك أيضا أن الحكومة المصرية والحكومات العربية أغلبها متخاذلة إن لم يكن بعضها متواطئ .
الإنجليز ، فكان من الطبيعي ، إذا واطأ العزم الصادق هذا الإدراك ، أن يفكر المرشد فى إنشاء نظام سرى يواجه به مسئوليات هذا الفهم إزاء التحرك الصهيوني فى فلسطين الاحتلال البريطاني لمصر
وفى عام 1945 عرض مرشد الإخوان (ا) حسن البنا على خمسة أشخاص هم : صالح عشماوي وحسين كمال الدين وحامد شريت وعبد العزيز أحمد ومحمود عبد الحليم إنشاء نظام خاص تواجه به الجماعة مسئولياتها إزاء الإنجليز فى الداخل والصهاينة فى فلسطين ، وأسند إلى هؤلاء الخمسة قيادة هذا النظام وعهد إليهم بإنشائه وتدريب أفراده على أساس الأصول الإسلامية للجندية ، التى تحكم نوازع الفكر والسلوك ونبضات المشاعر .
وكلف هؤلاء الخمسة بإحاطة هذا الأمر بالسرية المطلقة على أن يكون تمويل هذا القسم من اشتركات أفراده ، ورتبت قيادة هذا النظام ابتداء من صالح عشماوي إلى حسين كمال الدين إلى محمود عبد الحليم إلى حامد شريت انتهاء بعبد العزيز أحمد .
ولكن تركز العمل فى هذا القسم على الأخ محمود عبد الحليم الذى كان مندوبا للطلبة فى القاهرة ، فاستطاع أن يجند مجموعة من الطلبة كانوا نواه لهذا النظام ، وأن بجند كذلك شبابا من الموظفين ، ومجموعة من العمال الفنيين كانوا الرعيل الأول الذى أقام عليه الأخ محمود عبد الحليم بناء النظام الخاص .
وقسمت هذه المجموعات إلى أسر كانت تباشر نشاطها العام فى الجماعة كسابق عهدها ، فلم تكن خصوصية هذا النظام لتعيق باقى أنشطة الدعوة لدى الفرد .
ويحدثنا الأخ محمود عبد الحليم عن برنامج هذا النظام الذى ظل متبعا إلى فترة طويلة حي بعد تركه قيادته للسندى ، فيقول إنه كان يشمل دراسة عميقة مستفيضة للجهاد فى الإسلام ، وما جاء بشأنه فئ القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والتاريخ الإسلامي ، وكان العضو يأخذ نفسه بأنواع العبادات المختلفة كالصوم والله والذكر والتلاوة ، والتدريب على الأعمال الشاقة والتخاطب بالشفرة واستعمال الأسلحة ، وكما يقول أخيرا : المبالغة فى السمع والطاعه فى المنشط والمكره وكتمان السر ! . .
ونقول إن آثار هشه " المبالغة " كانت إحدى ثغرات الفهم التى ترنبت عليها أخطاء أثرت على نجاح كثير من العمليات الفدائية التى قام بها النظام ، وسيجرى حديثنا عنها فيما بعد إن شاء الله . ول كن فى مجال الاستطراد التاريخي ، نقول إن الأخ محمود عبد الحليم قد التحق بوظيفة حكومية بدمنهور فرز الأقطان ، الأمر الذى اضطره أن يترك العمل فى النظام الخاص لمن يستخلفه بعده كما أشار عليه المرشد .
التحاق السندي بالنظام الخاص :
وتعرت الأخ محمود عبد الحليم على جاره الجديد فى السكن الأخ عبد الرحمن السندي الذى قدم خ شقيقه الطالب فى المدارس الثانوية للسكن فى إحدى شقق المنزل ، ولحق بهما بعد ذلك الأخ عبد العزيز كامل مستقلا بحجرة فى نفس الشقة .
وكان الأخ عبد الرحمن السندي طالبا فى كلية الآداب فى السنة الأولى ، ولمس الأخ محمود فيه الصلاح والخلق الفاضل ، وخاصة بعد كثرة تردده على الشقة لعلاقته بالأخ عبد العزيز كامل الذى التحق بقسم الجغرافيا بكلية الآداب فى هذا الوقت ، وكانت هذه الزيارات فرصة للتعرف بالساكنين الجديدين ،وعرض الأخ محمود على الأخ عبد الرحمن السندي الدعوة ننهض بها جماعة الإخوان المسلمين ، فلاحظ إقباله عليتها إقبالا ملك عليه شغاف قلبه ، وأدرك منه أنه يود لو يفتديها بنفسه ، فالتا وثق به تماما تدمه باعتباره عضوأ بالنظام الخاص للأستاذ المرشد ، وراتأي الأخ مود عبد الحليم على أثر نقله إلى دمنهور أن يجعل الأخ عبد الرحمن بديله فى قيادة النظام الخاص ، وخاصة بعد أن استقر رأى السندى على الانقطاع عن الدراسة فى كلية الآداب ليلتحق بوظيفة فى وزارة الزراعة بشهادة الثانوية العامة مما يوفر له عنصر التفرغ .
وعرض الأمر على الأستاذ ا،رشد فوافق عليه وحضر السندى للمرشد الذى أخذ منه البيعة أمام الأخ محمود عبد الحليم ليقود النظام وألا يقدم لى أية خطوة مملية - كما يقول الأخ محمود - إلا بعد الرجوع إلى لحنة القيادة ثم إلى المرشد شخصيا . .
وكان أول ممل قام به النظام فى أوائل أعوام الحرب العالمية الثانية، أي بعد خمسة أعوام من تكوينه حينما رأى إخوان النظام أن يعملوا مملا يبث الخوف فى قلوب الجنود الإنجليز العابثين ين جأر منهم الأهالي بالشكوى من كثرة ما جنوه من قتل الأبرياء وهتك الأعراض وتحطيم المحلات فئ حال من السكر والعربدة لا تأمن فيه المرأة المسلمة على نفسها وعرضها ، كما لا يأكل ن فيه المصريون وهم فى بلدهم على حرياتهم وأموالهم .
فبدا لإخوان النظام أن يلقوا على النادي البريطاني قنبلة فى ليلة عيد الميلاد لم نفتل أحدا لكنها أصابت قلوب الإنجليز. بالرعب . الأمر الذى حقق الغرض منها تماما حن أدرك الإنجليز أن المصرين يستطيعون أن يحفظوا كرامتهم بأنفسهم ، وقبض ، فى هذا الحادث على الاخوة الطلاب نفيس حمدى وحسين عبد السميع، وتلت ذلك حوادث وضع قنابل غير متفجرة !ستة من أقسام القاهرة وكان ذلك فى أواخر سنة 1946 ، وقصد بها إجهاض مشروع معاهدة صدقى بيفن ،وعلى أثرها استقالت حكومة صدقى .
وليس صحيحا ما رواه ميتشل فى كتابه (ا) عن الإخوان المسلمين أن النظام الخاص اتخذ مراكز الشرطة هدفا للتدريب ، وأن الجماعة كانت تتبارى فى هذه الأحداث ! !
وإنما يقال إن القنبلة التى ألقيت على النادي البريطاني قصد بها تهديد الإنجليز لأجل س خ عدوانهم على الشعب ، وكانت قنابل الأقسام الستة التى نزع منها " فتيل الإشعال " فاستحال انفجارها ، قصد بها كذلك إشعار رئيس الحكومة بعدم رضاء الشعب عن مشروع معاهدته كل ح بيفن . .
أسلوب التربية فى النظام الخاص :
القوه مطلوبة لذاتها :
إن القوة فى النظام الإسلامي مطلب مقصود لذاته ، مهما تحقق للأمة استقلالها وحتى لو أظلها حكم الإسلام ، لظل التدريب على الأسلحة والتجمع لبذل المعروف وإنكار المنكر بشرائطه الشرعية واجب ا تنهض به وله مم المسامين ، ويسعى كل مسلم صادق لتحقيقه ئ نفسه ، ودعوة الناس إليه ، وحضهم عليه ، والمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . . . ولا يزال رسول الله ص لى الله علبه وسلم يشرح للناس معنى القوة الواردة ن الآية ( وأعلموا لهم ما أستطيع تم من قوة ) فيقول ألا وإن القوة " المرمى " ويكررها ثلاث مرات ثم لا يلبث أن يجعل الرمى عبادة فيقول . " من تعلم الرمى ثم تركه فقد عصاني " ! !
وهكذا يصبح التدريب على السلاح وتنشئة النفس على مشاق الحياة بالرحلات ونحوها ، هدفا يطلب لذاته ، ويظل الفرد عاكفا عليه لحفظ معنى الرجولة فيه ، وعدم عصيان الله بنسيانه ! !
وإذن فدعوة الإمام البنا للقوة فى مظاهر تنظيماته المختلفة لا تعني بالضرورة التخريب وقلب أنظمة الحكم ا يدعى البعض ، ولقد نجح الاحتلال البريطاني وأعوانه من الحكام المصريين فى تركيز مفهوم خاطئ فى عقل الشعب ووجدانه مض ى به إلى الاعتقاد بان استكمال عدة القوة جريمة ! لأنها تمثل لدى الاحتلال البريطاني وأذنابه مواجهة تسقط معها حيله وألاعيبه التى بدأت منذ أن س وجوده فى البلاد التى يحتلها استعمارا ! بينما هو فى الحقيقة تخريب لطاقات الأمة ، ورجولة شبابها ، وإضاعة لثرواتها ، وكرامتها وحريتها ! فإذا جاء حسن البنا ليقدم لهذا الشعب المقهور معنى شديدا من كتاب الله يغسل به ما ترام من ذل الاستعباد فى النفوس . فأقام الفرد على عتيدة التوحيد ليستكمل بها عدته من مدد السماء . . ودعاهم إلى تكوين أمة تستظل بشريعة القرآن لتحفظ لنفسها القوة والمنعة . ودعا الحكومات بعد ذلك إلى توحيد قوتها تحت راية الخلافة الإسلامية ، فلا يتصور أن يكون مترعه فى هذا الصدد مظهرا من مظاهر العنف أو صورة من صورة الاستعلام بالقوة على الحق ،أو إبراز العضلات لوأد معنى الحرية فى الناس ،أو علهم بالإكراه على التبعية لجماعة ، وإذا جرى فى مخيلة أحد هذا الظن فقد جانب به الحق والصواب ! . .
القوة والثورة :
يقول الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس : " أما القوة فشعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته فالقرآن ينادي فى وضوح وجلاء (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) . . . بل إن القوة شعار المسلم حتى فى الدعاء وهو مظهر الخشوع والمسكنة ، واسمع ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم فى خاصة نفسه ويعلمه أصابه وينادى به ربه " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، أعوذ بك من العجز والكسل ،. وأعوذ بك من الجبن والبخل ، ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال وهكذا استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل مظهر من مظاهر الضعف ، ضعف الإرادة بالهم والحزن ، وضعف الإنتاج بالعجز والكسل ، وضعف الجيب والمال بالجبن والبخل . . . وضعف العزة والكرامة بالدين والقهر ! ! . . "
ثم يستطرد فيقول :
والإخوان المسلمون -أعمق فكر وأبعد نظرا من أن تستهويهم سطحين الأعمال والفكر فلا يغوصوا فى أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها ، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة العقيدة والإيمان ، ويلي ذلك قوة الوحدة والاتباط ، ثم بعدما كوة الساعد والسلاح ،ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حف تتوفر لها هذه المعاق جميعا ، فإنها إذا استخدمت قوة الساعد وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خاملة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك .
ثم يتساءل الإمام البنا فيقول :
ولكن هل أوصى الإسلام - والقوة شعاره - باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال أم حدد لذلك حدودا واشترط شروطا ووجه القوة توجيها محدودا .
" وهل تكون القوة أول علاج أو أن آخر الدواء الكي " .
وبعد هذه الأسئلة يجيب السائلين فيقول :
إن الثورة أعنف مظاهر القوة،ومن هنا كان نظر الإخوان المسلمين إليها أدق وأعمق وبخاصة فى وطن كمصر جرب حظه فى الثورات فلم يجن منها إلا ما تعلمون ، وبعد كل هذه التقديرات أقول لهؤلاء السائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا بحدي غيرها،وسيبث يثقون أفهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه ا القوة يركنون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا وينتظرون بعد ذلك ، ثم يقدمون فى أمة وعزة ويحتملون كل نتائج موقعهم هذا بكل رضاء و ارتياح .
أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها . . وإن كانوا يصارحون كل حكومة فى مصر بان الحال إذا دام على هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر فى الإصلاح العاجل ئ العلاج السريع ،فسيؤدى ذلك حتما إلى ثورة ، ليست من عل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ! !.
" هكذا فهمت جماعة الإخوان المسلمين القوة منذ نادى بها حسن البنا وهكذا نظروا للثورة .
وهنا نتوقف قليلا فنقول إن إنشاء النظام الخاص من حيث الهدف الذى يتضمنه ،وأسلوب التوجيه الذى جرى عليه منذ أول نشأته ،لا يعيبه شئ فى القصد ولا فى أسلوب التوجيه إلا بعض أخطاء فى طريقة التربية ، لا تقدح فى طبيعة النظام ولا فى عموم التوجيه . . وذلك ج ق نعرض لبعض أسس البرنامج فيما تضمنه قول أحد قادته فى الأساس السابع إنه كان يقوم على المغالاة فى طاعة الأمر !
ونقول إن كل إسراف مردود ، لا يقبله شرع ولا عقل ، ولا شك أن معين المعرفة التى نغترف منه أسلوب التربية فى كل نظم الجماعة لابد أن يرتبط بشرع الله ، وكان التوجيه القرأنئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فما وصفه به سجل شأنه من شرف خلقه كقائد قوله تعالى عزيز عليه ما عن حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) وروى فى الصحيح في عن على ابن أبى طالب أن رسول الله ص لى الله عليه وسلم أرسل رجلا من الأنصار على رأس سرية فأغضبوه ، فقال اجمعوا لى حطبا ، فجمعوا فقال أوقد؟نارا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لى ؟ فقالوا بلى قال فادخلوها فقالوا إنما فررنا رسول الله مص لى الله عليه وسلم من النار ، فلما رجعوا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم مع قلائدهم ، قال صلوات الله وسلامه عليه : " لو دخلوها ما خرجوا منها أبدأ) . .
والقصة التى ساقها الأخ الكريم الأستاذ محمود عبد الحليم فى كتابه المشار إليه عن الأخ البدين الذى أبى إلا أن يقفز من شرفة على ارتفاع ثلاث أمتار - ن إحدى الجولات التدريبية - بالرغم من إعفاء قائدة له من القفز ، إنما يدل على معني المغالاة فى طاعة الأمر فعلا .
ولا يجب أن يكتفي الأخ محمود بعذر قائد هذا التدريب - بإعفائه إصلاح البدين من القفز -وإنما كان عليه أن يمنعه من هذه المغالاة فى الطاعة ! وكان واجب إشعاره بالرحمة من قائدة أولى من التندر . مغالاته فى الطاعة .
ويحضرني فى هذا الصدد قصة أخرى تؤكد ما قاله الأخ محمود عبد الحليم سمعتها عن الأخ " دعبس " الذى كان يعمل موظفة فى -مجلس النواب فى حياة الإمام الشهيد ،وكان يدرب بعض الاخوة فى أحد معسكرات التدريب فأمرهم "بسف التراب ! ! " يعنى أن يضع كل واحد شهم حفنة من التراب فى يده ويلقمها فه ! ! وبلغ المرشد حسن البنا ذلك أمامي فغضب ، وقلت للمتحدث إن مثل هذا الأمر -شذوذه - قد يفهم فى العسكرية التى تعلمناها نحن فى الكلية الحربية أو كلية البوليس ، ولكنه لأفهم رجال يريدون أن يتعلموا جندية الإسلام الحقة النظيفة القائمة لى مرحمة القائد وعدم إعناته لجنوده ، بل حرصه عليهم أكثر من حرصه على نفسه حتى ليشقه إلى لقاء العدو ، كما قال على رضى الله عنه فى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المعارك " كان يسبقنا إلى العدو إذا اشتد الخوف ) فضلا عن أن هذا التكلف ن إصدار الأمر ولو كان فئ مجال التدريب يورث تكلفا وزيفا فى الطاعة أيضا ! . .
فإن عدم إعمال الجندي لعقله بعرض أمر قائدة على شرع الله ليجيز ما أجازه الله ويرفض ما لا يجيزه ، يورث الجندي لونا من الغرور فى فهمه لمدى التزامه بحقيقة الطاعة المطلوبة منه إذا كان ممن يسمعون ويطيعون بيرس تفكير ، كما يورث قائدة أيضا لونا من الخداع فى تقدير كفاءته ، حين تحجبه منه مظاهر الطاعة دون جوهرها ، وربما قرب ذلك إلى إفهامنا ما بلغني من الأخ سيد فايز رحمه الله عن الأخ المرحوم عبد المجيد أحمد حسن الذى أعدم فى قضية مقتل النقراشي ، فعندما وقع الحادث سالت المرحوم سيد فايز عنه ففال لى إننا نسميه ونناديه بهذا الاسم صخر فسألت عن معنى ذلك فقال إنه معروف بالكتمان ولا ينبس ببنت شفة ! !
فأشفقت عليه وعلى من وراءه ! حيث أدركت أن الإيحاء بهذا المعنى (صاحبه يعجزه عن أن يستلهم من الله حقيقة الستر التى تلزمه فى هذا الموقف ، والذي هو من فضل الله وسده ولا يستوحى من أصل طه ت صاحبه فإذا تركه الله لنفسه و " لصخر يته " لما سلم من العثار ، وأشهدتنا الأحداث ما توقعته ، فا لبث المرحوم عبد المجيد أحمد حسن أن اعترف على نفسه وعلى من وراءه من غير تعذيب ، ومجرد أن زيف له البوليس السياسي بعض الوقائع عن الإمام الشهيد البنا رحم الله الفقيدين .
ولعل من المشاهد ا أي كانت تستوقفنا فى هذا الصدد أننا كنا نستطيع أن نعرف من النظرة العابرة كثيرا من الإخوان الملتحقين بالنظام الخاص ، من بى في جموع الإخوان التى كانت تموج بم م دار الجماعة ! ! والأمر لم يكن يحتاج إلى ذكاء ، فأسلوب الحديث خ هؤلاء كان ينبئ في عن صرامة قد لا يحتاج إليه ا موضوع الحديث ننسمه ، وقسمات الوجه تصيح أن صاحبها سمل أسرارا ! ! وطابع الحركة والمشية تثير انتباه الراني أو تساؤله كل الأقل ممن يكون وما عمله ! ؟ .
ولعله من فضل الله أن شرطة المباحث أو القي لمم الخصوص لم يكن لديهم من الفطنة والذكاء ما يدعوهم إلى التحقق من هذه الأمور وتتبعها .
والتدريب الناجح على الأعمال الفدائية على وجه العموم ليس تدريبا على المشقة المادية فحسب ، بل لعل ذلك أبسط جوانبها ، ولكن الجانب الأهم الذى بحب أن يركز عليه المعلم أو الموجه هر تلقين الجندي ممارسة الحاجة إلى الله وهو فى خضم الأحداث ، ولا يتأتى ذلك فقط بقراءة الأوراد أو الأذكار مهما كان قلب الجندي حاضرا معها ، وإنما يتأتى ذلك كما قلت ممارسة الشعور بذكر الله وحضوره معه وهو محوط بالخاطر مشدود إلى الأهوال ، وحدث رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ يقول عن رب العزة : عبدى كل عبدى الذى يذكرني وهو ملاق قرنه " أما الاستعاضة عن الوصول إلى هذا المستوى بتلقين الجندي وصفا رائعا لصموده أو لذكائه
وعبقريته أو لبراعة حركته ، فأمر لا ينفعه إذا أحاط به أعداؤه ووجد نفسه عاريا حتى من أوصافه التى يضفيها عليه أصابه !
ونعود لنقول إن هذه المغالاة ن الطاعة لا يمكن أن أرجع إليها وحدها السبب فى كشف كل الأحداث التى تام بها النظام الخاص . وإنما يعزى الكثير منها إلى سوء التخطيط .
فحادث الخازندار ، وحادث النقراشي ، و حادث المحكمة ، وحادث حامد جودة ، وقبلها حادث النادي البريطاني - بغض النظر عن علم المسئولين بها أو عدم علمهم ، لم تحط كلها بقدر كاف من التخطيط السليم ، وهذه الأحداث كانت أظهر ما قام به النظام سنة 1948 وما قبلها . . وكلها ضبط فيها فاعلها .
أما فى ميدان المعارك فى فلسطين وفى القنال فنرى الأمر على ص ذلك ، إذ أن عامل التخطيط لم يكن وحده العنصر البارز فى إنجاح هذه العمليات ، وإنما كانت روح الاستشهاد هى العامل الأول فى هذا النجاح ، فالفشل معناه الشهادة والنجاح معناه النجاة ، نم يكن هناك قبض أو اعتقال من جانب الإنجليز أو اليهود عادة.
ولعل من الإنصاف أن نقرر هنا أن أخطر ما يواجه العمل الفدائي هو احتمال سقوط الجندي فى يد عدوه وما يترتب على ذلك من تعذيب لا يقوى كل فرد على احتماله ، فتكون فترة في يد أعدائه هى المحنة الحقة التى تلحقه آثارها ، فإما أن تسلمه إلى ضياع نفس بإفشاء أسرار من وراءه إذا بدأ معركته بدون ،اقتناع كامل بالهدف الذى يحركه ، وإما تسلمه إلى معاناة قاسية إذا ظل - متحفظا بكتمان سره ، لذا تهان لابد لهذا الصنف من الرجال الذى يؤهل لمثل هذا النوع من العمل أن يكون متميزا بقدر من الفهم وعمق الإدراك يحول بينه وبين الانهيار النفسي الذى من الممكن أن يلحقه .
وأحسب أن ألوف الإخوان الذين قبض عليهم فى سنة 1954 وسنة 1965 قد مارسوا الشعور بهذه المحنة ، فصمد لها من استأهل ستر الله ، وضاع فيها من أسلم نفسه لعبد الناصر وجنوده بسبب قهر التعذيب ، حين توهم أنه كان لى ضلال وأن عدوه كان على حق ، وسلم منهم من اعترف بعجزه وعدم قدرنه على مواصلة الطريق خ اقتناعه بصوابه وأحقية شرع الله فى الوجود .
حتى إذا شاء الله كشف الغمة والتأم فهم الجميع على رؤية تصدى عبد الناصر للحق ولمشاعر أمته التى انتهن سلوكه معها إلى الحزب والخذلان ، تلاقي رأى المنصف من أصدقاء عبد الناصر خ رأى المنصف من أعدائه فى الحكم عليه . . ولكن . . عجز البعض من الإخوان عن مواصلة مسيرته فى ركب الجماعة بعد الفشل النفسي الذى واجهه من قهر التعذيب ، وخاصة أولئك الذين ألحقهم عبد الناصر بموكب الحكم .
ومن هنا ندرك أصالة الحاجة إلى التركيز على الإدراك العميق لجوهر الرباط بالجامعة وتبعاته ، لا كثرة الذين يبايعون ومركزهم فى السلطة !
ومضت الأعمال التى قام بها النظام الخاص منذ سنة 1946 حتى أوائل سنة 1949 لا يثقلها إلا حادث الخازندار ، ومحاولة نسف أوراق تحقيقات قضية الجب ب فى محكمة الاستئناف ، وذلك ن فترة حياة المرشد حسن البنا رحمه الله .
ولعل سابق حديثنا عن حادث الخازندار يغنينا عن سرد تفاصيل جمل وقائعه ، ووقائعه أن نعلم طرفا من حادث محكمة الاستئناف .
فى يناير سنة 1949 وبعد مقتل النقراشي بأيام وقع حادث محكمة الاستئناف الذى كان له أسوأ الأثر فى نفس حسن البنا ، فقد رخ فى أعقاب هذا الجو المضطرب من سنة 1948 التى كانت تموج أحداثها لتصيب جماعة الإخوان فى الصميم !
ويفسر لنا هذا الحادث الذى نفذ فى هذا الوقت مدى فقد الشعور بالمسئولية التى كان السندي ينظر من خلالها إلى الأحداث .
ويجدر أن أشير هنا إلى أنه قبل هذا الحادث بأشهر قليلة عرفني المرشد بالأخ السيد فايز باعتباره المسئول عن النظام الخاص . .
وكان عبد الرحمن السندي فى هذا الحين محبوسا احتياطيا بسبب اتهامه فى قضية السيارة الجيب ورأيت فئ سيد فايز صنفا من الرجال يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد . . وفى نفس الوقت كان يفكر فى الأحداث بعقل مستنير بمستلهم به الحفاظ على كيان الجماعة ، يخدمها بجهده وعزمه ولا يستخدمها لهواه ، وكان سيد فايز يشارك حسن البنا إدراكه خلل روابط السندى بالقيادة ، ويعلم أن حسن البنا كانت تشغله قضية الإصلاح ، وأن الظروف ربما أتاحت هذه الفرصة بواسطته حيث إنه أمه بح مسئولا عن إدارة النظام تحت إشراف من يوافقه فى الفكر والرغبة فى الإصلاح ، ولذلك فقد حدثني عن .كيم فيه ذلك وعن الصعاب التى يواجهنها فى نقل الاختصاصات إليه حتى انتهى الأمر إلى الفشل ،وكان تخطيطه لهذا الإصلاح سببا فى إيغار ص در السندى عليه . .
ووصل إلى علم المرشد عزم السندى لى القيام بحادث إحراق المستندات التى كانت فى دولاب محكمة الاستئناف بميدان باب الخلق فكلفني بإبلاغ سيد فايز برفض هذه العملية والتأكيد على ذلك ، بل والالتزام بالهدوء الكامل ، خاصة والجماعة ما زالت تعاق من آثار قتل الخازندارو النقراشي ،
وأكدت على سيد فايز هذا المفهوم الذى أبلغني أنه أكده بدرره عل إخوان النظام ! !
ولكن السندى كان قد أبرم أمره وهو فى السجن بضرورة تنفيذ العملية ! من وراء ظهر سيد فايز ومن وراء مرشد الجماعة ، ظنا منه أن إحراق أوراق التحقيق قضية الجيب فيه إعدام الدليل على اللهمة التى تلحق بالأشخاص المدونة أسماؤهم فى أوراق التحقيقات .
وفى هذا الوقت كان المرشد حاول الاتصال بإبراهيم عبد الهادي لرخ الحظر من نشاط الجماعة والإفراج عن أموالها المصادرة، وإطلاق سراح الأعضاء المعتقلين ، في شكلت لجت ظ وساطة من صالح حرب باشا وزكى على باشا ومصطفى مرعى بك ومحمد الناغي ومصطفى أمين وكتب الإمام محمد نشرة بعنوان " بيان للناس " استهجن فيها حوادث القتل لرمن بينه حادث قتل النقراشي ، إلا أن إبراهيم عبد الهادي كان ن الواقع يريد ع "ب الوقت ليتمكن من اغتيال المرشد نظير رأس النقراشي .
وإن هذا الجو الملبد بالغيوم وتعت حادثة محاولة نسف أوراق التحقيق محكمة الاستئناف وضبط الأخ شفيق أن!س ، فأصدر المرشد بيانا آخر فال فيه إن أي عل يصدر من أي شخص ينتمي إلى الجماعة يعتبر كأنه موجه إليه شخصيا .
وفقد المرشد بعد حادث الاستئناف كل سلطان له على قيادة النظام بعد فشل سيد فايز فى ربط خيوط النظام بيده ، وأعلن فى صراحة أن القيادة بعد أن أصبحت غير قادرة على مزاولة سلطتها ، فإن مسئولية حادث المحكمة تضم على عاتق من قاموا به وليس على عاتق الجماعة .
وهكذا فشلت محاولة التغيير التى أراد حسن البنا أن يحققها فى رئاسة النظام منذ عجز سيد فايز عن أن يمارس اختصاصه الذى كان يأمل حسن البنا أن يحققه ، فوجد نفسه عاجزا عن وضع يده على الرجال والأسلحة والذخيرة والعتاد،حيث كان يملك خيوطها كلها عبد الرحمن السندي . . بل زاد الأمر تعقيدا أن قام السندى بتنفيذ عملية المحكمة فى الظروف الحالكة التى تلت مقتل النقراشي ، بالرغم من تأكيد المرشد عليه بعدم القيام بها فلم يقف السندى هذه المرة عند حد إغفال حق المرشد فى الاستئذان منه ولكن تعداه إلى رفض تلبية أمره والإطاحة بحقه ن السمع والطاعة !
وعاجلت المرشد منيته ، فلم يستطع أن يتم دوره الذى بدأه ف إزاحة السندى عن رئاسة النظام .
وربما تساءلنا عن مدى مسئولية المرشد ق إبقاء السندى فى موضعه من القيادة ، ومدى قدرته على علاج هذا الحاجز القائم بينه وبين أفراد النظام إذا خرج قائدة عن طاعته !
نقول فى هذا الصدد إن المرشد حسن البنا رحمه الله منذ سنة 1944 كان يحاول تقليص سلطات السندى جهد الطاقة بدون مواجهة صارخة بعزله ، فقد أراد أن يجنب الجماعة صراعا ف داخلها لا تحمد عواقبه ولهكن لم يغفل عن التخطيط لإزاحته فى هدوء وج ئ تواتيه الفرصة . كما بدا ذلك فى تكليف محمود لبيب مباشرة العمل خ ضباط الجيش فى الجهاز السري ، وتهمليني بممارسة نفس الواجبات بمعزل عن نشاط النظام الخاص .
أما بعد حادث الخازندار فى مارس سنة 1948 فقد رأى رسمه الله أن يحزم الأمر بان ت كلف شخصية أخر يثق فى أمانته وطاعته وقدراته فى النهوض بتبعات العمل فى النظام الخاص " ولم يتحقق ذلك إلا قبل قتل النقراشي بأشهر" بما كان من أمر سيد فايز على ما سبق شرحه .
وكان محور تفكر الإمام الشهيد هو أن إبعاد ا أسدى دفعة واحدة فى وقت تتربص فيه الحكومة بالإخوان ممكن أن يؤدى إلى إحداث فتنة وسط الجماعة لا تعلم عواقبها وأبسط أن تعصف الحكومة بكيان الجماعة ليس فقط فئ الجاذب الظاهر منها ، ولكن فى كيانها كله .
وكذلك لم يكن من السهل إبلاغ أراد النظام بعدم السمع والطاعة لقادته فيما يصدرونه من أوامر إلا بعد علمهم وتأكدهم من موافقة المرشد عليها أ لأن ذلك يجعل الاختصاص ئ التنفيذ لغير صاحبه ، فضلا حما ت ورثه هذا السلوك من أخطار تلحق بمرشد الجماعة إذا جرى استيثاق الأفراد بشرعية الأعمال الموكل إليهم بها من غير تيم آدتهم المباشرة !
ولهذا لم يكن هناك حل يستطع المرشد الوصول إليه إلا بتغيير تألد النظام بصورة لا تحقق أخطار على كيان الجماعة ، وكان من الممكن الوصول إلى هذا الحل مساءلة السندى فى أعتاب موقفه (لمتخاذل من تحقيقات قسمة السيارة الجيب ، الأمر الذى أدى إلى كشف كثير من الوقائع والأشخاص . بمجرد التحقيق معه فى البوليس والنيابة .
ونقول إن قيادة الإخوان لا يمكن إعفاؤها من مسئولية عدم مبادرتها إلى مساءلته عن ذلك بحكم موقعه من المسئولية باعتباره قائدا للنظام الخاص آنذاك ،وهذه المساءلة لو حدثت وقتها لتحتم معها إبعاده عن منصبه ولتجنبنا الهزة التي حدثت فيما بعد فى صفوف الجماعة - خاصها وعامها-عندما عزل السندى سنة 1953 بدون أسباب ظاهرة لعامة الإخوان كا سيجىء فيما بعد . وخ ذلك فالإنصاف يدعونا إلى إعطاء السندى حقه فى هذه المرحلة التى عاصرت حياة المرشدحسن البنا .
لقد استطاع بوفرة جهده أن قي يم الكيان الذى صه خ جيلا مقاتلا نى صفوف الجماعة ومدربا على صنوف كثيرة من ضروب القتال بأسلحته المختلفة .
واستطاع أن ينظم الجهاز الخاص باختلاف أقسامه ن التدريب والتخزين والمعلومات بصورة أوجدت - على الأقل - النواة التى تصلح لإعداد شبل مقاتل صالح لمواجهة تحد الصهاينة وبطش الحكومات العميلة بالإخوان ، ولقد شهدت معارك فلسطين لهذا الجيل بالشجاعة الممتازة التحرك المدرب بأكثر مما لتهدته نشاطاته داخل القاهرة فئ الأحداث التى تعرض نا لسردها .
أما الأخطاء التى تنازلت شخصيته من حيث فشله فى "أداء" ما فات من واجبه كرئيس للنظام الخاص فى أثناء تحقيقات قضية الجيب ، وتلك الى أبانت عن نزعاته فى حب الظهور والرئاسة ، والتى برزت آثارها بصورة خطيرة فى مرحلة قيام المرشد حسن الهضيبي بتبعات عمله فلم تعالج علاجه أ شافيا فى أثناء حياة الإمام الشهيد .
ولا يجب أن يغيب عنا بعد ذلك آثار هذه" الانحرافات فى نفس السندى بما أنذرته بعد ذلك من استخفافه بواجب الطاعة لمرشده حسن الهضيبي وربما أشار السبب فى مقتل سيد فايز بعد ذلك إلى حدة وخطورة هذه الانحرافات فى نفس السندى حين لم يطق مه برأ أن يكون من بين إخوان النظام من يخالفه الرأئ أو ينال بالنقد الجدى أسلوبه فى العمل أو موقعه من قيادة النظام !
وهذا واجهت الجماعة أخطر حادثين أصاباها من داخلها من!ذ نشأتها . . وكان الأول هو مقتل الشهيد سيد فايز والثاني إرسال عبد الرحمن السندي لجماعة من أفراد النظام الخاص إلى ص نجز ل مرشده حسن الهضيبي ي لإرغامه على الاستقالة فى الوقت الذى احتلت ف!يهه جماعة أخرى من إخوان السندي المركز العام للإخوان المسلمين بعد ذلك ، مخططة لانقلاب يرأسه صالح عشماوي يحاكى - فى وهم أصابه - انقلاب الجيش !
ويجدر في قبل مناقشة هذين الحادثين أن أشير إلى علاقة عبد الرحمن السندي بمرشد الإخوان حسن الهضيبي إثر خروج الأول من السجن فى أعقاب تولى مرشد الإخوان منصبه ،فقد حضر السندى إلى منزلي قبل أن يعقد العزم على بيعة حسن الهضيبي وتحدث إلى عن رأيه فيه ، ثم بصورة أصرح انتقل إلى ما يدور من شاثعات أن الرجل لا يؤمن بالجهاد منهاجه لتربية الإخوان المسلمين ، بل إنه بصدد الأمر بحل النظام الخاص !
أ وأدهشني ذلك ، ش لكن ظهور هذه الشائعات والرجل فى بدء عمله فى قيادة الجماعة كان يرى عندي ما ينتظره من صراع بدأ بهذا التشكيك فى نواياه ! فطمأنت خاطر السندى وأفهمته أن الرجل يدرك الإسلام كما بدركه حسن البنا وأنه يسير على خطاه وأن هذه الشائعات لا نصيب لها من الصحة .
فلما اطه أنن خاطره غادر! على عزم الذهاب إليه ومبايعته وذهب إليه فعلا كا علمت بعد ذلك وعقد معه البيعة ! وبدأ الإخوان يفدون إلى حسن الهضيبي ، كل يحدثه بما يراه من خطا يئزم إصلاحه فى نظام الجماعة أو فى رجالها . . وضاق الرجل ذرعا بما كان يسمعه ، وربما كان صاحب الحديث صادقا فى الرغبة فى الإصلاح وفى ظنه أن نافذة هذا الإصلاح تهفتح فقط عند المرشد . ومن هنا لأخ الكثير عن الكثير ، الأمر الذى ساء وجدانه وضاق بالإخوان فيه .
واستمع المرشد إلى رأى سيد فايز فى إصلاح النظام الذى يدعو إلى تخلى كل قادته المعروفين لدى الحكومة عن مراكزهم ، إذ لا يتصور أن يتم تهل فداق يكون اسم صاحب رؤفا لدى الشرطة ! ! وإلا فقد النظام أسرى مضمونه وأصبح علنية ! ! وأقت خ المرشد بهذا الرأي وه بدأ يحكم خطوه بالإعلان عن عدم وجود هذا النظام داخل الجماعة ، فى فممن أتلوف الذى ظل مبقيا على وآخ لمتنغايم بدون آي تغبير . .
وأيقن السندى أن الأرض التى يقف عليها لم تعد صلبة ، وأن هناك ته كير فى تغييره وتغيير غيره من قادة النظام ، وأدرك أن الفكرة آل ى حيه لها سيد فايز مجملها أثو نفس الوقت كال القرار وصد شديد وج يرهم ، وكان قد سبق طرحها عليه فلم يوافق . فبدأ يعرض على الأخوة أعضاء مكتب الإرشاد النظام فكرة حاج المرشد ! !
والاحتمال الغالب أنه لما لم تتح تق رغبة السندى ، هداه فقس ه إلى التخلص من هم الذين - جرى ظنه أفهم - يحوش عن الأرض تحت قدميه ! وربأ هذا هواه إلى أن أفضل سيد فايز المرشد بمعلوماته عن النظام جبانة تيما له قتله شرعا ! !
وقد روى لي الأخ على صديق أن الأخ محمود الصباغ سآمل أن يعرف سر حادث قتل سيد فايز فذهب خ الشيخ الغزالى والشيح السيد سابق إلى عبد الرحمن السندي بعد الحادث بفترة ليست طويلة ليسألوه عن حقيقة الحادث ، وأفهموه أنه 3 لا يألتظرون منه إلا جواب بالفتى أو الإثبات ، وأن ما يقدمه من شروح دون ذلك يرى عندهم ارتكابه الحادث ، فلم يبحث بالنهي، فخرج الثلاثة باقتناع واضح أنه هو الذى دبر الحادث .
و لم بحر تحقيق من قيادة الجماعة نصوص مقتل المرحوم سيد فايز لم تهتم أحد بارتكاب الحادث ، وإن جرى ظن الإخوان باتهام السندى على الأقل بأن له صلة بالحادث .
وكان المرشد قد عين فى هذا ألقمت الأخ يوسف طلعت لرئاسة النظام بعد فصل السندسي ، وبدأ يوسف طلعت رحمه الله يمارس دوره فى تسلم أجهزة النظام بدس ن موافقة السندى .
ويحسن هنا أن نسجل شهادة أسد رجال النظام الثقاة وهو الأخ سيد عيد يوسف الذى كان مسئولا عن إخوان النظام فى منطقة شبرا الخيمة آنذاك - فى وفاح مقتل سيد فايز ومحاولة استكتاب المرشد امشق الله واحتلال المركز العام ، وقد كان من بين الذين نهضوا بدرر كبير فى تلت الأحداث لصلته الوثيقة أسمد عادل كمال وقد استطاع بفضل الله أن يشتت شهود القائمين لي تلك الفتنة وأن يحبطها . .
يقول الأخ سيد عيد يوسف :خلال !بهري سبت معر و أكتوبر عام 1953 كان الجو الحكاوي مشحون ضد جماعة الإخوان المسلمين ، وكانت خطة عبد الناصر وقتها هي الاتصال بأعضاء من الجماعة - من خلف ظهر المرشد - ساعيا لتجميعهم ضده بعد أن تبين له أن المرحوم حسن الهضيبي يثكل عقبة خط!ير فى طريق تن يذو مخططاته ضد الجماعة .
وفى المقابل كانت هناك عاملات من جانب المرشد لتصحيح أوضاع النظام الخاص ألذ كانت قيادته تتصرف بعيد عن قيادة الجماعة .
وحماسة بعد فصل الأربعة المستولين ، فأصبحوا يجاهرون بعدم ارتباطهم بالمرشد ، بل ويغذون روح العداء تجاهه ني أفراد النظام الخاص ، فكلف المرشد الأخ جلس .
عبد آب يد وأحمد حسنين الاتصال بالأعضاء دون جد،ى ، إذ كان لابد أن يتم ذلك عن طريق أحمد عادل كمال رئيس منطقة القاهرة،فهو الذى يحتفظ بأمناء تشكيل النظام الخاص لا"يه سبأ ، وعندما بدأ الأخ ،سيد فايز وهبر من قادة النظام الخاص الاتصال بأفراده ليبين لهم خروج السندى عن طاعة المرشد ويدعوهم للارتباط به ، اعتبر السندى وأحمد عادل كمال أن هذا التصرف فيه إذكاء للفتنة بين أعضاء النظام الخاص وبين المرشد ! !
مقتل سيد فايز
ويواصل الأخ سيد عيد روايته :
كنت فى السنبلأوين عندما علمت باستشهاد سيد فايز حين طالعت الخبر فى الصحف صباح يوم الجمعة 21 نوفمبر عام 1953 فعدت إلى القاهرة وعلمت أن الحادث تم ا السماعة الثالثة بعد ظهر الخميس عندما حمل أحد الأشخاص إلى ص نزل المهندس سيد فايز أهدي المولد ، عبارة عن علبة حلوى بداخلها شحنة ناسفة من مادة الجلجنايت سلمت إلى شقيقته ، وادعى حاملها أن اكه كال القرار ، حتى إذا حضر سيد فايز بعد ذلك انفجرت المادة الناسفة في محيط الغرفة الضيقة وأطاحت بحاملها بل وبحائط الغرفة جميعه الذى هوى إلى الشارع .
وفوجئت بوالدي تبلغني أن أحمد عادل كمال قد حضر إلى متزلفا فى الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الخميس ،وأحضر معه حقيبة فلما جنها وجدت فيها أشياء يحرص أحمد عادل كمال كل الحرص لي سريتها ، تتضمن جوازات سفر مصرية بدرن أكاد وتقارير روبلات الإخوان عن شركة الجيش ، وتحركات السفارات البريطانية والأمريكية فئ مصر ، وتتاري عن تحركات الشيوعيين ، هي أمور سرية للغاية وأشياء أخرى تخصه .
وقد أدركت أنه أبقى إلى بهذه الأشياء لأنه نحعثى من تفتيش بيته - خشية حالة وراجحة - ارتبطت فى ذهني بحادث الشهيد سيد فايز ، فتوجهت إلى المركز العام وأبلغت فضيلة المرشد والأخ الدكتور خميس حميدة - نائب المرشد حينذاك - :لذا الأمر وسلمت محتويات الشفطة .
بعد هذه المسالة بثلاثة أيام - السبت 22 نوفمبر وهو اليوم التالي لتشيع جنازة سيد فايز صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل أربعة من قادة النظام الخاص هم عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي ، فعدت مرة ثانية إلى المركز العام لإبلاغ الدكتور خميس حميدة بأن لى ارتباطا خاصا خ أحمد عادل كمال أحد هؤلاء القادة ، شد كان ظ ك مخزن للسلاح ي تحت بيت أسمد عادل كال ولكنى كنعت أنا المسئول عنه ، فأبلغني الدكتور خميس بأن صاب التنظيمية جمعهم قد انتهت ، ولكن تبتي صلة الجوار والمودة ! !
وحين كنت بالمركز العام رأيت أحمد عادل كمال الذى حضر ليسأل غن بسباتي فصله .فأجابه الدكتور همس بأن عليه أن يقدم شكوى لمكتب الإرشاد لينظر فى أمرها ، فكتب الشكوى .
وتحدثت معه عن الفتنة ا إى تسببت فى فصلهم ، وأن موقفهم الآن بالني الدقة ، وأن عليهم تجنيب الجماعة أية منزلقات فأجاب أنه لن يقوم بأي مل يذكى الفتنة ، وأنه سيمكث فى منزله ولن يكلم أحدا حي ى تظهر براءته .
من الرحلة وهو يشبه كثيرا أحمد عادل كمال ذ، قصر القامة وضع الرأس واسمه محمد أبو سريع ،وصلته مباشرة بأحمد عادل كمال ومن الأسر المرتبطة به ارتباطا خاصا ، وعندما عرض أحمد سال على الفتاة التى تسلمت الطود لم نتعرف عليه إنما قالت إن الجاني يشبهه .
والغريب فى الأمر أنه رغم حرص الحكومة! اعتقالات أن 1965 لا تترك شيئا من قضايا السلاح القديمة التى تم التحقيق فيها عام 1954 دون إعادتها للتحقيق ، فإنها لم تحاول أن تثير موضوع مقتل سيد فايز إطلاقا ، ولو حاولت لحصلت على ما تريد من معلومات لأن أحمد عادل كمال وقتها كان مستعدا-من شدة التعذيب -أن يقول كل فى شئ ! !
الاستقالة :
وبمضني الأخ سيد عيد يوسف سرد الأحداث فيقول :
وفى يوم الجمعة ديسمبر عام 53 أى بعد أسبوعين من قرار الفصل ذهبت قبل العصر إلى مسجد شريف - القوي من منزل المرشد - وكنت عل موعد مع الأخ حسن عبد الغني ، وفوجئت بوجود عدد كبير من شباب النظام الخاص على رأسهم فتحى البوز وعلى صديق مما لفت نظري . ع\وعندما التقيت بحسن عبد الغني - كان معه الأخ إسماعيل الهضيبي - أخرته بكل ما اعلمه فلم تعقره الدهشة ، وطلب كل ى متابعة الأمر ، أما الأخ إسماعيل فقد قال هذا مرشد وأنتم أحرار معه ومن ناسيتى لن أتدخل فى هذا الأمر ، ورأيت عمد أحمد - سكر تكر السندى - وعلى صديق وفتحي البوز وعلى المنوفي مع آخرين لا أذكر أسماءهم يتشاورون فيمن يكلم المرشد واختاروا على المنوفى لأنه هادئ الطبع .
وصدت مجموعة عددها حوالى العشرين إلى منزل المرشد امتلأت بهم غرفة الاستقبال وبتى الآخرون فى المسجد ، وحضر إليهم المرشد قائلا السلام عليكم فوقف الجميع وردوا السلام ، فقال زيارة وإلا مظاهرة ؟ قالوا زيارة وبدأ على المنوفي بالكلام :بهدوء . . وقال : إننا حضرنا لسؤال فضيلتك عن سبب فمي ل قادة النظام الخاص ، وهنا تدخل الأخ محمد حلمى فرغل ليقول : "لا . . نحن لم نحضر للسؤال بل قدمنا لأننا تعبنا منك لأنك لا تعرف كيف تقود الجماعة ومحن بر نر منك خيرا . . ونحن حضرنا لنطالبك بالاستقالة " فسأله المرشد الأخ اسمه إيه ؟ فرد عليه الأخ أحمد نضير فقال : " فضيلتك بتسال عن اسمه ليه ؟ " فأجاب المرشد : واحد يطالبني بالاستقالة . . ألا أساله عن اكه ! فعقب أحمد في قائلا " أم أنك تريد أن تتخذ ضده إجراءات ؟" فأجاب المرشد يا بنى ماذا تملك نحن من إجراءات حتى ننفذها في كم ؟ فقال الأخ محمد حلمي فرغل من إخوان تحت الأرض ! ! وهنا هم المرشد بمغادرة الحجرة إلى داخل ا،بزل فقالوا له حضرتك رايح فين ؟ . . فقال " ازتم طالبين استقالتي وأنا رايح أكتبها " رقد بدا الانفعال واضحا على وجهه .
د وفتحي البوز ومنعاه من الدخول وخلعا سماعة الهاتف لمنع الاتصال بالخارج ،فغادر المرشد الحجرة من الباب المطل على السلم فلحق به على صديق ؟محمود زينهم الذى قال للمرشد " ما يصح برضه فضيلتك تنزل كده بالروب " فقال له "يا بنى انتو خليتو. ساحة تصح أو ما تحش إ"رهتا حمله عمود زينهم وعاد به إلى الغرفة. . وعلما نزلت إلى الشارع لأجد الأخ سيد الريس غاضبا لغاية قائلا هل هذا إسلام . . خدعونا ! ظلمونا ! لقد كادوا للرجل . . فقلت له ما دمت من هذا الرأى فابن مع الرجل ولا تتركه ، وأسرعت إلى حسن عبد الغني الذى حض ولم يفعل شيئا . . وو جدت عبد الرحمن البنا فى صالة شقة المرشد واقفا مع على نعمان وسمعت الأخير يقول للأخ البنا : ألا تذهب إلى المركز العام حيث أعضاء الهيئة التأسيسية ينتظرون هناك . . ! فاجاب الأخير لا . . كفاية لغاية كده ه .
احتلال المركز العام : ومازال الأخ سيد يتابع حديثه : لقد كان الشق الثاني مما دبر هو الاعتصام بالمركز العام حنى تصل استقالة المرشد حسن الهضيبي .غادرت المكان وذهبت للأستاذ محمود عبده عند خروجي التقيط بالأخ عبد العزيز أحمد حسن سكرتير الإمام الشهيد ، فأخبرته بما جرى فدخل بيت الأخ محمد فاضل صهر الأستاذ سعيد رمضان وبدأ ة الاتصال بأعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية لإبلاغهم بما حدث ، فتركته وعدت لبيت المرشد لأجد الاخوة إسماعيل عارف وفوزي فارس وحسن عبد الغنى وسيد الريس من إخوان النظام وغير هم يحاولون إقناعه بأن الذين حضروا إلى منزله لم يكونوا متفقين على ما تم ، وأن قلة فيهم فقط هم الذين دبروا ذللك ، وأن الآخرين خدعوا . . ونجن على مثل ذلك . .فقال لهم لماذا إذن لم تتكلموا ؟ فقالوا كرهنا أن تحدث مجزرة فى منزلك فطالما لم يتعد الأمر مسألة الكلام فنحن نسكت . . لكن لو تطور الأمر فنحن جاهزون للتصرف .
وذهبت إلى نجيب جويفل بالروضة لسابق علمي أنه على خلاف خ السندى وأبلغته بما حدث فئ بيت المرشد وما يجرى بالمركز العام ، ثم توجهت إلى الحدائق القبة لأصطحب الأخ إبراهيم صلاح إلى منزل محمد أبو سريع – لصلته الوثيقة به – حيث كانت لديه كراسة فيها أسماء أفراد النظام الخاص ، وكنت حريصا على الحصول عليها ، فذهبنا ،بزله فلم نبده حاولنا أخذ الكراسة من مكتبه إلا أننا عجزنا عن فتح أدراج المكتب . . فتوجهنا للمركز العام للالتقاء به ، واستحضارها منه ، ولدى دخولي المركز العام وجدت أفرادأ فى النظام أغلبهم من رؤساء المناطق قدموا من القاهرة و المنوفية ، وبعد قليل اتصل بئ تليفونيا الأخ صلاح العطار-مسئول النظام عن شبرا-ومن المقربين لسندي وكان معه فى الشقة التى تدار منها الأحداث فى باب اللوق قرب مبنى جريدة الأهرام ، فقال لى ماذا تعمل فع المركز العام ؟ قلت له أزدى مهمة . . تال من كلفك بها ؟ قلت الله كلفني ، فأعطاف عنوان المكان الذى ت نتطرف فيه بالقرب من مبنى صحيفة الأهرام وقال تعال إلى . . فذهبت والتقيت بر" تحت البناية التى بها الشقة وكنت فى أشد حالات الانفعال ، فقصصت علمه ما عندى ثم انخرطت ئ البكاء،فهدأ فى قائلا هناك ما هو أخطر من هذا . . إن "سيد سابق قادم الآن من عند عبد الناصر ليبله ت السندى بموافقته على الانقلاب داخل الإخوان وأنه لن يتدخل إلى أن يتم الأمر – لأن تدخله سوف يقلب الأمور – وأن التعاون مع عبد الناصر سيتم بعد نجاح الانقلاب ! ! " أحسست عندها بتعاطف صلاح العطار معى !
واتفقنا على التصرف بحكة لمواجهة الفتنة ، فصعد صلاح إلى السندى وعادل كمال وأبلغهما بأنه استطاع إقئع سيد عيد مسئول إخوان شبرا الخيمة بالاشتراك مهم ، وبالتالي يمكن الاستعانة بإخوان شبر ا . وطلب السيارة التى سهما لإحضار إخوان شبرا لمشاركة فى الأحداث ، وكان الأستاذ سعيد رمضان مكلفا من جانب المرشد بالاتصال بصلاح سالم وزير الإرشاد بشأن عدم نعثر هذه الأشياء فى الصحف ، ووافق صلاح سالم على ذلك إلا أن عبد الناصر قال وقتها إن الصحف حرة فيما تكتبه ولا يريد أن يؤثر عليها (ا)!
يا فرحة الصهيونية :
وبمضى الأخ سيد عيد فيقول :
وحدث فى أثناء انتظارنا قرب منزل المرشد ، أن التقينا بالأستاذ سيد قطب الذى كان غاضبا يردد : يا فرحة الصهيونية والصليبية العالمية ! ! . .
وعندما أتيحت لى الفرصة بعد ذلك - وأنا فى السجن بالأستاذ سيد قطب حدثه تساءلت وقتها- فى ن!فعمى بدهشة ما دخل الصهيونية والصليبية العالمية فخلاف داخلي بين الإخوان ! !
فقال لى : لقد اتصل ! الأستاذ على أمين الساعة الثانية ظهر يوم الحادث وسألنى قائلا : أين حاسة الصحفى عندك . . ! الإخوان قافي لى بعض بالسلاح وأنت قاعد فى البيت ؟ ! . . فقمت عندها وأخذت سيارة تاكسى وذهبت إلى بيت المرشد فلم أجد شيئا غير عادى . . وذهبت إلى المركز العام فلم أجد شيئا ملفتا للنظر كذلك . . ثم تحدث بعدها كل الأمور ا إى حدثت ! ! .
وهذا ما جعل الشهيد سيد قطب يقطع بأن الأمر مدبر من أكثر من جهة .
وتوجهنا إلى المركز العام بعد الواحدة صباحا وعند وصولنا وجدنا أن قد اتصل بالمعتصمين هناك ليقول لهم اسمعوا وأطيعوا لصلاح العطار ، ووجدت أن أكثر الموجودين نشاط أ محاولة دخ الفتنة وإنهاء الاعتصام هو عبد العزيز كامل ، فجاء إليه صلاح العطار وقال له عليك بفتحي البوز وعلى صديق ، فتوصل معهما إلى اتفاق ، وجلس معهم حسن عبد الغني وانفقوا جميعه على الذهاب إلى السندى ليخبروه بأن الأمر لا يمكن أن يستمر ! ! . .
وركب الجب مع صلاح العطار وذهبوا للسندى فى الشقة فاسقط فى يده وقال لهم تصرفوا كما تريدون وأنهوا الموضوع . . وعادوا إلى المركز العام . . وغضب صالح عشماوي عندما علم أن هناك نية لإنهاء الموضوع وحاول الاتصال بالسندى، ولكن صلاح العطار أوقفه . . وجه عن الإخوان داخل صالة المركز العام وبدأ يتكلم عن السمع والطاعة وأن مطالبهم أجيبت ، ولعكن لي "تجم الأمر بالطريق الصحيح لابد من الالتزام بالسمع والطاعة ،
وطلب منهم عدم التواجد ف المركز العام والانتشار بأسرع ما يمكن ، على أن يبقى سامي البنا وسيد عيد فقط للمشاركة ف حراسة المركز العام .
وبعد أن انفض الجمع ذهبت خ صالح عشماوي وسألته إن كانت هناك صلة بي من هذه الحركة وحركة الجيش . . فارتبك وكان يعلم مدى حساسية الإخوان تجاه السلطة القائمة .
وفى نحو الساعة الثالثة بعد منتصف الليل سمعت هتافات خارج المركز العام ،فخرجت مع سامى البنا لنرى سيارات تاكسى تحمل عددا من الاخوة من قسم الوحدات لم ينتظروا حي ى نفتح لهم باب المركز العام فتسلقوا السور ودخلوا المبني ، ومعهم صلاح شادي و نجيب جويفل وحاول بعضهم الاعتداء على باعتباري من حراس الفتنة ! ! ولكن منعهم نجيب جويفل الذى كان يعرف موقفي منهم قبل ذلك .
وتوجهت إلى صالح عشماوي فى غرفة المرشد فوجدته يصلى ! ولما انتهى من صلاته أفهمته بأنه لابد من الخروج كل من غرفة المرشد لمواجهة الموقف ،فنعنى قائلا أنت جنون . . يموتونا إذا خرجنا . . . ولكنى خرجت والتقيت بصلاح شادي فأملهنى ومع ساعة للخروج !لم صالح عشماوي وعبد العزيز جلال بدون أن يتعرض لنا بسوء ، فدخلت الغرفة ثانية وأبلغت صالح عشماوي وعبد العزيز جلال بذلك وقلت لهما إنى مسئول عن حياتهما هذه الفترة فقط ، فخرجا وأنا معهما إلى حيث كانت سيارة صلاح عشماوي بعيدة قليلا عن دار الإخوان فاستقلاها ، وانتهت بذلك قصة احتلال الداس وإن لم تنته أثارها .
هكذا ينتهى الأخ سيد يوسف من سرد أحداث لم دار المرشد والمركز العام للإخوان المسلمين ،وقبلها حادث الشي يد سيد فايز ظ 9 وتوافق أقواله ما وصلني أنباء ليلة حادث احتلاك المركز العام عندما عدت من مملى إلى منزلي متأخرا فاتصلت تليفونيا بمنزل المرشد فأجابني عبد الحكيم عابدين مصدقا على ما حدث ، فتوجهت ومعى نحوا من ثلاثيين أخ من إخوان قسم الوحدات وبصحبتى نجيب جويفل وإبراهيم بركات ومحمد الشناوى وعدد آخر ممن استطعنا اصطحابه وقتئذ من قسم الوحدات ، ودخلنا المركز العام برد تسلق السور حيث كان الباب مغلق بالسلاسل وواجهنا الذين كانوا فئ الحراسة دون الاضطرار إلى استخدام الأسلحة أو التلويح بها .
ووجدت داخل الدار . . فى مكتب المرشد الأستاذ صالح عشماوي والأخ عبد العزيز جلال ، فطلبنا منهما مغادرة الدار ، إذ لم تكن شاك مشكلة فئ داخل الدار سواهما ، ، و كانت مباحث عبد الناصر وقوة من البوليس تقف خارج الدار انتظارا لأوامر لم أكن أدرى كنهها فى ذلك الوقت . وقد علمت بعد ذلك أنهم كانوا ينتظرون إعلان استقالة المرشد بداية لتوقيت تنصيب صالح عشماوي بدلا ومنع أى شخص من دخول الدار إلا بإذن المرشد الجديد بدعوى مع الاعتداءات ومع المشاحنات ! لكن عدم النجاح الذى لازم الخطوة الأولى حال دون استمرار المهزلة ، واتصلت بالأستاذ حسن الهضيبي من الدار وأفهمته ما تم ، ثم ما لبث الأمر أن ذاع فى القطر وبدأت تترى على الدار المكالمات الهاتفية من شتى الأنحاء ، تستعلم عن صحة الخبر ،فأشار المرشد بإخطار كافة المناطق وافي بالحضور فى اليوم التالي لسماع حديثه فى هذا الشأن .
وفى عصر اليوم التالي اكتظت الدار بالحشود ، وامتلأت الشوارع الموصلة إليها بجموع غفيرة من الإخوان . وشاهدت منظرا لا أنساه . . لقد كان الإخوان يفدون من شتى المناطق ،والشعب وما إن تطأ أقدامهم أرض المركز العام حتى تخر الجباه لتصلى لته تعالى صلاة شكر !
وبلغ المشهد مداه من التأثر حين صد المرحوم الشهيد عبد القادر عودة يعلو المنصة ويعلن لمجتمع وفاءه لقائدة ومرشده ، وأن المؤامرات مهما بلغت فلن ترتفع إلى مواطن أقدام المؤمنين ! !
وانتهى المشهد بقبول اعتذار الاخوة على صديق و فتحي البوز وغرهما ممن أدرك خطأه بالانقياد للسندى .
واضطلع يوسف طلعت . بمهامه كقائد لنظام الخاص ليسير به كما أوصاه المرشد" نحو وجهته الصحيحة بعيد؟ عن الروح التى أملاها السندي لى أتباعه " .
وكان أول ممل قام به إخوان النظام الخاص برئاسة يوسف طلعت رحمة الله هو تسلمهم حراسة دار المركز العام من إخوان قسم الوحدات يوم اكتظت الدار بالحشود التى قدمت ق اليوم التالي لاحتلال أتباع السندى لها .
وكنا فى هذا الوقت عاجزين عن إدراك ما تنويه الحكومة تجاهنا ، ففرضنا حراسة دائمة على المركز العام .
ومضى الشهيد يوسف طلعت فى الاضطلاع بمهمته الجديدة فوضع يده على أقسام النظام المختلفة فى الوقت الذى كان ظهره مكشوفا لخصوم الجماعة . عبد الناصر والسندى .
وفى التاسع من ديسمبر قرر مكتب الإرشاد فصل صالح عشماوي وعبد العزيز جلال ومحمد الغزالى ، وق اليوم التالى اجتمعت ايى ث 9 التأسيسية وأقرت ذلك .
وجرت تعديلات أخرى تناولت رئاسة قسم الوحدات الذى كلف بمهام النهوض به الأخ الضابط أبو المكارم عبد الحى وبق قي ضباط البوليس ورجاله تحت إشرافى .
ثم كون المرشد قبيل سفره إلى الأقطار العربية فى أوائل يوليو سنة 1954 لجنة قيادية برئاسة الشيخ فرعلى وعضوية يوسف طلعت ومحمود عبدة وأبو المكارم عبد الحى وصلاح شادي مهمتهما مواجهة موقف الحكومة من الإخوان بما يلزم ،وما تمكنهم قدراتهم على ضوء الأحداث ، وبالفعل تمت عدة اجتماعات لهذه اللجنة فى أثناء سفر المرشد خارج القطر لزيارة الإخوان المسلمين فى للأقطار العربية التى رقي على أثرها فى النصف التالى من أغسطس ليعلم أن جمال عبد الناصر يهدده بالقتل وهو ما سنرويل! بمشيئة الله فى الجز 4 الثاني من هذا الكتاب .
وبذلك يطيش سهم المتقولين على المرشد حسن الهضيبي بادعائهم أنه كان يتنكر لمبدأ الجهاد أو يدعو إلى حل النظام الخاص .
ويستفيض فى هذا الادعاء بعض س كتب عن هذه الفترة (ا) وقد سبقهم فى ذلك أصاب الهوى - السندى وأعوانه - ممن صوروا تصدى المرشد للسندى بأنه كان حلا للنظام وليس تصحيحا لأوضاعه .
نهاية..!
ولا يمكن أن نمض ى فى وقفتنا كل النظام الخاص عن غضون هذه الأحداث - بغير أن نتعرض لمدى أصالة الرجال الذين تربوا فى أحضان هذه الجماعة وخاض وغمار أحداثها كيف واجههوا هذه الفتنة ، لنكشف الستار مما تامي ل فى وجدانهم من حق وصدق وإخلاص يآيز به - عادة - أصاب الدعوات ، لنستطيع بذلك أن نضم حكما صيحا صادقا على جماعة الإخوان المسلمين على هدى ما هاجما به هذه الفتنة ، لأن الحس م على الرجال فى هذا الموقف هو الحكم الصحيح على فهم هذه الجماعة . . فقد نرى شواهد صحة الانقياد وسلامته فى كثير من رجال الجماعة الذين لم يخوضوا أصلا محنة الاستجابة لفتنة السندى ، إما لبعدهم التنظيمي عنه أو لموقفهم أصلا من عبد الرحمن السندي بالشك وعدم الثقة فيه ، وهذا وحده لا يطينا المؤتمر الصحيح للجماعة على صلاحية هؤلاء الرجال ، وبالتالي على جماعة الإخوان المسلمين فى أخص أقسامها الذى ترجت ؤيه رجالها على الجهاد فى سبيل الله بمعناه الأصيل الذى جاء به شرع الله .
ولكنا حين نرى شاهدا عاما بالأوبة السريعة فى سلوك المحنطة ين والذين انحرفوا عن الحق ندرك ما أعنيه من عدالة الحكم على هذه الجماعة من خلال موقف عامة الإخوان ، وخاصة من تردوا فى هذه الفتنة .
فأصالة أى جماعة إنما تنهض على خصيصتين :
الخصيصة الأولى :
أن يتبادل رجالها مواقف الخطأ والصواب فى الأزمات ما دام كل ابن أدم خطاء. . والثانية أن شكون من وفرة الحيوية بحيث تستطيع أن تلفظ السوء عنها وعن الخاطئين .
. فما من جماعة خاضت تجربتها مع الأحداث ، فى سكرها لتحقيق غايتها إلا وتبادل بعض رجالها مواقف الحق والباطل والخطة والصواب ،فتارة يصبب البعض وتارة يخطى الهدف ، فيتصدى غيره للذود عن الحق ، والوقوف إلى جانبه .
وقد جرى تبادل المواقف هذا خ السلف الصالح . . بل الأفذاذ من المصاحبة كعمر وأبئ بكر رض الله عنهما ! . . وغيرهما . . . حتى ليكاد عمر بن الخطاب ينأى عن متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صلح الحديبية فيقول قولته المشهورة " اتهموا الرأى فى الدين . . فلقد رأيتني وإنى لأرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي فاجتهد ولا ألو ، وذك يوم أبى جندل والكتاب يكتب حين قال " اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم " فقال أى سيل ، تكتب " باسمك اللهم " فرضي رسول الله صلى- الله عليه وسلم وأبيت فقال :"يا مر تراق قد رضيت وتأبى ؟ ! فى الوقت الذى كان فيه موقف أفي بكر فى هذا الشان تسلما طلقا. لرأى رسول الله ص لى الله عليه وسلم .
ونرى عمر بن الخطاب فى موقف أخر – بوم بدر يشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يفق على أسير ، ويشير أبو بكر بالإبقاء عليهم وأخذ الفدية ا ويتنزل الوحي من السماء مؤكدا صحة رأى عمر بن الخطاب !
ويتبادلان المواقف كذلك فى حرب الردة فبجنح عمر رضى الله عنه إلى اللين والسياسة وعدم الحرب !! فى حين بصر أبو بكر رش الله عنه على أن يقاتل المرتدين إذا منعوه عقال بعير-كانوا بؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول له معاتبا " أجبار فئ الجاهلية خوار فى الإسلام ! ! " .
وهكذا يظل الحق نابضا فى الرجال الذين ينهضون بتبعة العمل فى الأم والجماعات كل يستر أخاه ويكله وينهض بعبء الحق إذا تأخر غيره عن داعيه.
و هذا فى رأي عنوان .إيمان الأمة أو الجماعة التى يتكامل أعضاؤها فى أداء واجباتهم للحق وصيانة أماناتهم لله فيه ، و ليست علامة مرض أو انتكاس . إذ ليس من المعقول ان يكون مقياس سلامة جماعة من الجماعات عدم خطأ أفرادها إطلاقا أبى عدم انحراف بعضهم عن جادة الحق ، ولكن الصحيح - الذى لا يصح الحق إلا به - هو أن يوجد من أفراد هذه الجماعة أو الأمة من يصوب الاتجاه ويصحح القبلة ويقوم الاعوجاج فيتبعه ركب الخطئين . . فليس بعجيب إذن أن نرى تبادل المواقف فى.جماعة، الإخوان المسلمين فى عامة مسارها وخاصة فى هذا الموقف العصيب حين حاول بعفر الإخوان استتاب المرشد استقالته ، والبعض الآخر الاعتصام بالمركز العام ، أو حتى هؤلاء الذين دبروا مصرع الشهيد فايز . . فلم نر أحدا سيده أو يشيد بقتلته " بينما رأينا صل! العطار ذراع السندي الأمن بعد أن أدرك الصواب من الأخ سيد عيد يوسف يقف فى صفه مؤازرا مساندا له بكل ما وسعته الطاقة ، ويلفظ ولايته للسندى ، ويعمل جادا لإحباط الفتنة ! !
وأخشى أن يظن بعض الاخوة الذين سميتهم فى هذه الأحداث أ! عنيت من وراء سرد أكائهم إغفال مواقفهم قبلها وبعدها لغير هذه الجماعة، وإنما عنيت فقط أن أبرز تبادل الرجال مواقف الخطأ والصواب فى هذه الجماعة ، وإن ذلك دليل على صلة بنيتها واستقامة عودها على الحق ، بل لا أستطيع أن.
أنكر على المرحوم السندى نفسه جهده فى إنشاء النظام الخاص الذى أعتبر، 9من أمجاد جماعة الإخوان المسلمين ، كما لا أستطيع أن أذكر جهد الأستاذ صالح عشماوي فى هذا 31 لسبيل ، ولا جهده ألان وهو يقدم عصارة لا فكره لخدمة الإسلام فى مجلة الدعوة التى كانت فيما مضى من حيادة الأستاذ حسن الهضيبي .
سوطا يلهب طهور الإخوان المسلمين ، و حسن الهضيبي لجماعتة ، كما لا أنكر جهاد الشيخ محمد الغزالي المبرور بجد عودته إى أحضان هذه .الدعوة فى أثناء سجننا ، ولا الأخ على صديق والأخ فتحى البوز اللذين ذيهرت موقفهما فى منزل المرشد فلم يلبثا أن برزا لحراسه المرشد فى تحركاته التى كان عبد الناصر يرصدها . . وهو وفاء سبقه جهاد مرير الحلقات فى فلسطين يقدم لصاحبيه كريم التقدير .
و غير هؤلاء وهؤلاء ، فما كنت بصدد الحديث عن مفاخر الرجال أو أخطائهم ،وإنما أردت الحديث عن مفاخر هذه الجماعة التى من أبرز خصائصها أنها تمتص فضائل الرجال لخيرها وتلفظ السوء عنها وعنهم .
والخصيصة الثانية :
من خصائص صلاحية الجماعات للبقاء هن أن تلفظ سوءها ولا لقيم عليه بعد أن عرفته ، وهذا ما فعلنه الجماعة خ من استكبروا عن رزية الحق وأتباعه لعلة يعلمها الله .
وهكذا نقول فى صدى ويقين إن ما أصاب جماعة الإخوان من محنة استشهاد سيد فايز ،ومحنة الاعتصام فى دار المركز العام ،ومحاولة استكتاب المرشد استقالة كانت كلها-عند المنصف - شهادة كشف عن أصالة هذه الجماعة وصلابة قاعدتها فيما جرت الأحداث بعد ذلك :
حركة الجيش وعبد الناصر و الإخوان
. . منذ سنة 1946 بدأ عبد الناصر فى ع تحويل ولا"ضباط الجيش من الإخوان له . . ، شخصيا ، من وراء أظهر محمود لبيب رئيسه وقائدة فأصبحت ماله الشخصية فى السلطان . والنفوذ، بعد ثلاث سنوات من بيعته لمرشد الإخوان ، أبعد غورا من أن تحدها فضيلة الوفاء للأشخاص أو لفكرة ذاتها ! . .
بدت علامات استفهام كثيرة بعد نجاح حركة يوليو سنة 1952 ، وتساءل كثيرون عن الضباط الأحرار ، من هم ، وما أهدافهم ، رما علاقتهم بالإخوان المسلمين من هذه الحقائق اليوم بعد ثمانية وعشرين عاما ، لابد أن نعرف كيف بدأت حركة الإخوان فى الجيش ، وصلة عبد الناصر لا وضباط الحركة بها . ؟
ولا نستطيع أن .نتحدث عن بدء حركة الإخوان فئ الجيش بغير أن نلمس جانب ارتباطها بالنظام الخاص الذى كان عورا لأنشطة الجهاد اشغلتة التى مارسمها الإخوان من خلال الجماعة .
ففكرة الجهاد لدفع الاحتلال الإنجليزي داخل مصر ،مواجهة الصهاينة فى فلسطين كان بريقها يخطف لب الشباب المتحمس الذى كان كثيرا ما عركه مع ذلك إلى الانتماء لدعوة الإخوان ،فضلا عن إدراكه لإيجابية هذه الجماعة فى دعوتها . . وأنها لا تنطلق فقط لتقويم الفرد بتعليم الصوم والصلاة والحج س الزكاة ، ولكنها ، تدعو المسلمين أيضم إلى منهاج حياة شامل يقوم على الأمر بالمعروف ودخ المنكر ،وعدم السكوت على الضيم الذى يواجهه من الاستلال الإنجليزي فى م!صر والحكام الموالين له والاستعمار الصهيوني ل فلسطين ،وركاثز-نشاطه الاقتصادي ق العالم العرفي كله وداخل مصر بالذات .
لذا كان انتماء الشباب لجماعة فع هذا الوقت هو الاستجابة الطبيعية لهواتف الإصلاح الذى يأمله الشعب عامة والشباب خاصة بإحداث التغيير الذى يتطلع إليه ويجسده لهم مرشد الجماعة فيما يردده من قول الله تعالى،: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
" ولذا جرى إقبال الشباب على أنظمة الجماعة المختلفة ، نظام الأسر ، والكتائب والجوالة منذ سنة1935 وكان يحمل طابع الجندية الذى يعنى عند الشباب هذا التغيير الذى يأمل تحقيقه فى نفسه وهو يتدرب على ننون القتال وإطلاق النار ، حياة عسكرية خشنة داخل المعسكرات العلنية التى كان مسموحا بهها وقتذاك ، وإن بدأت الحكومات بعد الحرب فى تضييق الخناق على الحريات عامة ونشاط الإخوان خاصة ، فكان من المجيعى أن يتحدد درر هذه النشاط ليتخذ لنفسه صورة أخرى لا من السرية بالإضافة إلى ساحة تطوعي الإخوان إلى التدريب ليقفوا مع الفلسطينيين فى حربهم ضد الصهاينة .
وكان من الطبيعي أيضا أن تستقطب حركة الإخوان فريقا من جنود الجيش وضباط الصف والضباط . وكان ارتباطهم بالجماعة فى الخفاء ، لأن نظام الجيش لا يسمح بانتماء أفراده لهيئة أو حزب . . ولذا كان انتماؤهم للنظام الخاص للإخوان آمرا حتمته ظروف الحال تبل أن يفرضه المستوى الذى وصل إليه الضابط من فاعلية فى الفهم والعمل برسالة الجماعة وهو ما كان متحققا بصورة أفضل فى صفوف المدنيين عند التحاقهم س بالنظام الخاص .
ولقد بدأ ظهور حركة الإخوان فى الجيش فى سنة 1938 سينما نشطت صحيفة الإخوان "النذير" فى مناقشة قضايا الجيش جنودا وضباطا ،وأفسحت المحال لمناقشة الأخطاء والعيوب التى تسمح بها أكالات الجيش المختلفة كنظام المراسلة وعدم إقامة -الأذان فى أوقات الصلاة بل عدم تخصيص وقت لصلاة الجنود وكان أول نشاط فى المحيط الرحمن شركة هو العريضة التى أرسلت إلى أقهر فى ديسمبر سنة 1941 لا " .
متمنع ما يتعارض مع الإسلام . . - وإلغاء معاهدة سنة 1936 ومنح الجندي الحق فى الامتناع عن أعمل يناقض الشرع .
ووزعت منشورات فى داخل وحدات الجيش . مضمون هذه العريقة التى وقعت باسم "الجنود الأحر ار "(1) ج ومنذ هذا التاريخ أى سنة 1938 ، كان حسن البنا بتحدث عن الإسلام فى الوحدات العسكرية فى المناسبات الدينية كولد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزوة بدر فى ض رمضان ،حيث تفتح أبواب الوحدات العسكرية للوعاظ لإلقاء دروس فى هذه المناسبات للجنود .
ولم بكن الأمر بخلو من وجود الضباط فى هذه الاحتفال الموسمية ، لأن افي بط المناوب بالوحدة كان من عمله الإشراف على هذه الأحفال "ى لم تكن تتقيد بالوعاظ الرسميين . ق فقط ، فكانت أصداء كلمات الرجل تبعث فى سامعيه الرغبة فى الانتماء إلى ما يدعو إليه فى وقت كانوا يشعرون فيه بالضياع لقهر النظام العسكري، وفساد الرؤساء والمرءوسين ،ولذا وجدت دعواه صداها بين الضباط الجنود والعمال العسكريين .
وكانت دروس ، الثلاثاء فى دار المركز العام هى الملتقي الأسبوعي راغب من جنود الجيش وضباطه فى التزود من حديث حسن البنا .
وهكذا فكر حسن البنا ق إنشاء قسم " الوحدات العسكرية لا للإخوان فى أوائل الأربعينات ، وبدأت النشأة المنظمة لهذا القسم بزيارة الإمام الشهيد لمدرسة الصيانة التابعة لسلاح الصيانة أسبوعيا كل يوم أربعاء،حيث كان يدعوه الى ذلك بعض الإخوان الطلبة كالأخ عباس السيسى وغيره ، وألت ئي لاه الاخوة الذهاب إلى المركز العام للإخوان ،وانتم إلى أصبتم آخرون من وحدات أخرى،وكان على رأسهم ص ن المدنين الأخوة محمد أحمد عمارة وحب ق مصطفى سليمان من شعبة عابدين ،ومن العسكري مند بون من اسيانة وعلى وأحمد عبد الحليم عمارة عبد السلام موسي ومن الطيران الاخوة على بدران ، وعمد الشناوى ، ثم تسلمت بعد ذلك العمل فى كهذا القسم سنة 1944 بعد نقلى إلى القاهرة وتكليفي من المرشد حسن البنا بالعمل فى هذا القسم ، فضممت إليه ضباط وكونستبلات وصولات البوليس الذين يعلون فى حقل هذه الدعوة .
وكان لهذا القسم دعاة مدنيون فى وسدات الجيش المختلفة يقومون بتعريف الجنود بدينهم وشمول هذا الدين لكل نواحي الحياة ، وكيف يمارسون حياتهم داخل الوحدات مهتدين بأصوله !لهين بأحكامه .
وساهم أفراد القسم فى سرب فلسطين وقتل منهم شهداء على أرضها، وساسوا بجهد ملحوظ فى حركات فدائية فى قلب القاهرة منها إلقاء قنابل متفجرة على القطار الذى يحمل الجنود الإنجليز المتوجهين إلى فلسطين ،كما ورد تفصيلها فى فصل سابق .
ومضي شمم الوحدات فى رسالته بتعريف الجنود والضباط من الجيش والبوليس برسالتهم فى إطار. الحركة الإسلامية فى ساحتها العريضة مرتبطا بفهم جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها. ! .
وكان من مهام الدعاة المدنيين التعرف بضباط الوحدات حتى ذا وجدوا منهم تجاوبا ئ الفهم ورغبة فى الاستزادة ، رمموا لهم ط!يق الصلة بالمرشد الذى كان يعرفهم بلإوره فى أول الأمر بالصاغ محمود لبيب ويعرفهم 1 هذا بدوره لا بعبد الرحمن السندي الذى كان يقوم بتبعة العمل الحقيقي فى النظام ا الخاص تحت رئاسة صالح عشماوي وحسين كمال الدين المشرف على النشاط العام فى القاهرة .
ولما كثر عدد المنتسبين من الضباط فئ النظام ، وضاقت قدرات عبد الرحمن السندي وثقافته عن تلبية نوازعهم الفكرية وأشواقهم إلى العمل الجدي ، أفرد لهم المرشد قسما خاصا يرأسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان ورئيس الجوالة وقتئذ ، ، وبدأ استقلال محمود لبيب بعمله فى هذا القسم فئ م سنة 1944 مستعينا "بعبد المنعم عبد الرحمن الذى كان يمارس معه منذ سنة 1943 .
وفى سنة 1944 وبعد أن أسند إلى المرشد العمل بصم الوحدات جمعني والصاغ عمود لبيب والسندى وحسن كمال الدين المسئول أيضا عن القسم الخاص وعن نشاط الإخوان العام فى القاهرة لتنسيق العمل كل فى اختصاصه ، وأدركت حينذاك استقلال الصاغ محمود لبيب فى العمل بقسم الضباط ، وكان هذا اللقاء أول مجالات الصلة بيني وبينه ، وأدركت منه مجال نشاطه فحدثني عن المنشورات التى تكتب لإيقاظ الضباط وتعريفهم بواجبهم حيال مصر والإنجليز وكيف أنها لاتت رواجا فى صفوف الجيش على وجه العموم ، وكانت هذه المنشورات تطبع معرفة الإخوان ويوزع بعضها تسم الوحدات ويوخ بعضها باسم الضباط الأحرار ، وبعضها باسم ا الجنود الأحرار ، وكان قسم الوحدات يشارك فى توزيعها "
وقد التقيت فى بعض المناسبات بمجموعات الضباط الذين يرأس كم الصاع محمود لبيب حضور المرشد حسن البنا فى بعض منازل الإخوان كالأخ حسين عبد الرازق وغيره سيث تعقد البيعة للإمام الشهيد خ الضباط الجدد.
وحدثني المرحوم محمود لبيب عن نشاط النشاط وعن عبد المنعم عبد الرؤوف وذكر طرفا من ماضيه خ عزيز المصري الذى ترج ح صلته به إلى ما تبل سنة 1937 م .
وكنت أعلم - فى هذه الفترة - أن عبد المنعم عبد الرءوف كان يجمع الضباط فى الجيش تحت إشراف محمود لبيب على فهم الإسلام ، وهو ما تنادى به الجماعة .
صلة عبد الناصر بالإخوان
كانت صلة عبد الناصر بالإخوان على ثلاث مراحل :
الأولى : بعد عوده من العمل فى السودان عندما اتصل به الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف لضمه إلى تنظيم الإخوان وعرفه حينذاك بعمل! عبد الرحمن السندي الذى عقد معه البيعة ، وكانت عادة السندى فى أخذ البيعة أن يجربها فى غرفة مظلمة حيث يقه م الأخ الجديد على المصحف والمسدس بما يشعره بأهمية ما هو مقدم عليه – أو هكذا كان يعتقد (1) السندى - وأنه تدخل مرحلة جديدة من الجدية التى ممثلها رباطه الجديد من الله فيتضمن قسمه على طاعة الله ضما محب ويكره ، والالتزام بقيادة الجماعة ف! لا معصية فيه . . وكانت هذه هى المرحلة الأولى لصلة عبد الناصر بالإخوان .
ولكن عبد الناصر لم يجد بغيته المنشودة لدى عبد الرحمن السندي حيث لم يقدم له الأخر من المعرفة سوى فك أجزاء (2) المسدس وإعادة تركيبه ، وكان طموحه أبعد من ذلك . . ولكنه تام برغم ذلك بتدريب الإخوان المسلمين على استعمال السلاح ببلدة ( الرقة الشرقية " مركز الصف ، وتعرف فى هذه المرحلة (3) على كثير من إخوان النظام الخاص كالأخ حسني عبد الباقي وغيره .
والمرحلة الثانية : من علاقة جمال عبد الناصر بالإخوان كانت بصد تعرفه الوثيق بالصاغ محمود لبيب (4) سنة 1944 وذلك بعد أن فترت علاقته بعبد الرحمن السندي ، وحين رأى عبد الناصر أن محمود لبيب بدأ معه نشاطا يقوم على تقدير كفاءته وطموحه فكلفه بالنهوض بتبعات نشاط الإخوان داخل الجيش وزيارة أسر الضباط بعد ذلك ف سنة 1946 حتى وفاته رسمه الله فى أوائل سنة 1951 . .
والمرحلة الثالثة : كانت فى نهاية سنة1955 فى أثناء مرض المرحوم محمود لبيب الأخير ( فى الفترة التى كان ممنوعا فيها طبيا من لقاء أحد ) ، وذلك سين جاءني اليوزباشى عبد الفتاح غنيم مأمور القنطرة شرق - وكان من الإخوان - وأبلغني برغبة فريق من ضباط الجيش إلى الإخوان فى استئناف الاتصال بعد انقطاع صلاتهم بالجماعة عند حل الإخوان فى عهد النقراشي سنة 1948 واعتقالا ته لهبر ، هو وخلفه إبراهيم عبد الهادي .
وكنا منذ قيام وزارة حسين سري التى أعقبت استقالة إبراهيم عبد الهادي فى النصف الثاني من سنة 1949 ، نحاول ربط خيوط أجهزة الجماعة التى تقطعت وكان من ضمنها طبعا صلة الإخوان بضباط الجيش ، لذلك عندما أبك ى اليوزباشى عبد الفتاح غنيم برغبة هؤلاء الضباط فئ إعادة-الصلة بنا فاتحت المرحوم عبد القادر عودة بذلك فكلفني بلقائهم م وخاصة لأن المرحوم محمود لبيب كان فى هذا الوقت فى رسالة لا يتمكن معها من لقاء أحد لشدة مرضه . . فالتقيت بصلاح سالم الذى حددت معه موعدا للقاء الأخ المسئول عن ضباط الإخوان فى الجيش . وكان هذا أول لقاء اق بعبد الناصر حيث التقيت به تبل نهاية سنة 1950 نى مكتب حسن العشماوي رحمه الله بميدان لاظوعلى ولم يكن المرحوم حسن حاضرا هدا اللقاء . . ولكنى عرفته به بعد ذلك فى اللقاءات التالية التى جمعتني به .
وأخبرني جمال عبد الناصر فى لقائه الأول بواقعة تهديد إبراهيم عبدا لهادي له بسبب تدريبه للإخوان ، كما حدثني عن انقطاع صلته السندي وإعجابه الشديد بالصاغ محمود لبيب فى كفاءته وعزمه واقتداره .. وعن "بيعته للمرشد " فأفهمته أنني إنما ألقاه مستهديا بهذا الأصل الذى-أظلتنا به الجماعة ، وفى نهاية اللقاء أبدى رغبته فى أن أوفر له برنامجا ثقافيا يلائم الضباط الذين يشرف عليهم فوعدته .
بذلك وكلفت المرحوم حسن العشماوي بالنهوض بهذه التبعة فقام بها فعلا نفذ هذا أو برنامج الأخ الضابط رشاد المنسي الذى زاوج فى اجتماعات الأسر بى ين ضباط الجيش وضباط الشرطة ، إلى وقت قريبا من قيام الحركة سنة 1952 . كيف بدأ انحراف عبد الناصر :
وهنا يحسن بى أن أشير إلى حقيقة جديرة بالتسجيل ، حدثني بها المرحوم محمود لبيب سنة 1946 ، وهى أنه رأى أن قصر دعوة الإخوان فى الجيش على الضباط الذين تحقق ولاؤهم للجماعة فقط ،يفقد الحركة قاعدة عريضة من الضباط الوطنين إذا ظلوا بعيدا عن التجمع الحركي للإخوان فى الجيش ، وأنه يمكن إذا انضموا إلى أسر الضباط الملتزمة بنظام الجماعة فإن ذلك يساعد على تهيئتهم لفهم التحرك الإسلامي المنشود داخل إطار الدعوة ، وأن ذلك يوفر خطوة الدعوة الفردية للجماعة التى تسبق البيعة ليصبح الضابط عضوا فى تشكيل الضباط الملتزم برفهم الجماعة وسلوكها. وفى الواقع لم يحضرني فى الرد على أزاحه هذا إلا محذور واحد هو أن يدخل إلى تشكيل الإخوان " بالصورة المقترحة " الضباط الذين يتجسسون على الحركة .
فأمن على تولى وطمأن خاطري بأن الذين يختارون للانضمام لابد أن تكون لجم مواقف رجولة مشهودة فى الجيش تبل ترشيحهم لهذا الانضمام .
ولم يدر فى خاطري قط حينذاك خطر تشعب الولاء فى الحركة إلى ما بين أليها بهذه الصورة وبين من بين من ينضم إليها مقيدا بولائه للإسلام مبايعا عليه ، فإن الأول يظل ولاؤه قائما لمن أدخله فى التنظيم إذا لم يحسن فهمه للإسلام بعد ذلك وإيمانه بواجبات بيعته ، بينما يظل ولاء الثاني للإسلام قائمة حتى إذا ارتد قائدة (1)
واستغل عبد الناصر تصريح محمود لبيب له سنة 1946 في الضباط الذين لا يتحركون من منطلق الإسلام إلى أسر ضباط الإخوان قبل قيام الحركة . وجرى ذلك فى خفاء أولا أعانه عليه الأسلوب المتبع فى ضم الضباط الجدد ، حيث إنه كان محذورا بادئ الأمر أن يصرحوا بهويتهم الإسلامية لمن يدعونه إلى الانضمام إلى التنظيم ، وكان الغطاء الذى يغلفون به نشاطهم للنفاذ إلى قلوب الضباط الجدد هو الحديث عا تعانيه الأمة من قهر الإنجليز وتواطؤ الحكومات ولم يكن هذا الغلاف لدى الدعاة الأمناء من الضباط وسيلة لتجمع الضباط لحسابهم الخاص ، لأن الأمر كان موكولا أولا وأخير لصدقهم مع الله ، مخفورأ يامانتهم ، مرتبطا ببيعتهم لقيادة الجماعة .
ومنذ سنة 1946 بدأ عبد الناصر فى تحويل ولاء الضباط له من وراء ظهر محمود لبيب حتى هؤلاء الذين بايعوا مرشد الجماعة كما وضح مجدي حسنين وإبراهيم الطحاوي عندما أخطرهم محمود لبيب (ا) ، فى اجتماعهم الأسبوعي عن تدوم أسرة إخوانية جديدة زيارة أسرتهم وحضر جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ! فاقترح إبراهيم الطحاوي فى هذا الاجتماع المشترك بهينة انقلاب من ضباط الجيش عوما بالاشتراك خ جماعة الإخوان المسلمين ! ولكن جمال عبد الناصر ، انفرد به بعد الاجتماع وعرض عليه التعاون على مل تنظيم عسكري موحد أ يعنى بدون الإخوان فوافق إبراهيم الطحاوي على الفور ا !
وتظهر هذه الواقعة أمورا فى غاية الأهمية ، وهي أن جمال عبد الناصر تد بدأ يحول ولاء ضباط الإخوان الذين ارتبطوا بالمرشد ومحمود لبيب بالبيعة للإسلام إلى الولاء لشخصه هو من وراء ظهر محمود لبيب ، وبدأت هذه المحاولة سنة 1946 فى الخفاء !
وهكذا تبدو لنا اليوم إحدى معالم شخصية عبد الناصر فى هذه المرحلة المتقدمة للحركة أى قبل قيامها بست سنوات ! !
فهذا الرجل الذى وثق به المرحوم محمود لبيب ومرشد الجماعة حسن البنا وعقد البيعة خ الإخوان كا ورد آنفة ، كانت آماله الشخصية فى السلطان والنفوذ أعمق من أن تحدها فضيلة الوفاء للأشخاص أو للفكرةذاتها ؟
وإذا سهل عليه النجاح فى إعداد الضباط الموالين للدعوة بتغيير الولاء له شخصيا فقد كان الأسهل عليه أن ينم بعد ذلك هؤلاء الذين لا يرتبطون بفكر أو عقيدة إلا ما تمليه الرغبة الوطنية من اندفاع – على أحسن الوجوه – الأمر الذى كان قد استأذن فيه محمود لبيب وسمح له به بشرط أن يوضعوا فى المحصن الذى يهيئ لهم فرصة التغيير المطلوب داخل نظام الأسر ويكون ولاؤهم للجماعة نى نهاية الأمر خالصة غير مشوب .
وكان ن هذه المرحلة إذا سئل مما يلاحظ من تفلت بعض الضباط من القيم والأخلاق وأرجع ذلك إلى بدء دخولهم التشكيل ! وأن صقلهم يرتم على مراحل . . وفى نفس الوقت كان ش عن الضباط الذين يضمهم إلى التشكيل تبعيته للجماعة أو لأى حزب وتهان يعنى ذلك حقا فى قراره نفسه وإن كان يعتذر لمن يسأله من ضباط الإخوان عن هذا التناقض بين سلوكه مع الضباط الجدد وارتباطه بالجماعة بأن الوقت لم يحن بعد لاطلاعهم على الحقيقة ! ! حفاظا على كيان التنظيم
ولذا كان من الطبيعي بعد ذلك أن يطيح عبد الناصر بعبد المنعم عبد الرءوف قبل ثلاثة أشهر من الانقلاب لأن سلوكه فى دعوة الضباط كان مغايرا له تمأمأ حيث كان يبصر الرجال بالإسلام ويقدمهم بعد ذلك إلى محمود لبيب ليفقههم فى الدعوة ويربطهم بقادتها.
وبذلك تبلورت نوايا عبد الناصر لدى " لجنة القيادة " حين نجح ف الحصول على موافقتهم على أن تبقي الحركة داخل الجيش غير مرتبطة بالإخوان المسلمين (1)!
أو ظلت حاجة عبد الناصر إلى الارتباط بالإخوان المسلمين قائمة حتى بعد هذا القرار الذى دفعت إليه حاجاته إلى ولاء الضباط الشخصي له بعيدا عن تبعيتهم للجماعة ، بل ظلت هذه الحاجة قائمة إلى ما بعد اعتقاله (للإخوان المسلمين فى يناير سنة 1954 حينما ذهب إلى تبر الشهيد حسن البنا بعد شهر واحد من هذا الاعتقال فى 12 فبراير سنة 1954 خ صلاح سالم وأحمد حسن الباقورى وخطب وهو يقول :
"أشهد الله أن أعمل وكنت أكل لتنفيذ (2) هذه المبادئ وأفنى فيها وأجاهد فى سبيلها ! ! " وإزاء هذه الحاجة أخف عنا القرار الذى أصدره قبل قيام الحركة باض قلائل كا سبق لأنه لم يكن معقولا وهو يقوم بالاتصال بنا ئ أخطر شئون الحركة أن يعلننا بعدم ارتباطها بالإخوان .
وكان من الطبيعي أن يفزع أصاب الخلق من ضباط الإخوان من هذا الخليط الجديد الذى ضم إليهم قبل قيام الحركة فتري كمال حسين يصارح عبد الناصر (3) برأيه بل وبرأي ضباط سلاح المدفعية فى نوعية هذه الفئة النى ضمها إلى التشكيل ، ولكن عبد الناصر بجيبه ضاحكا بأنه كان مضطر لجمع أى عدد من المندفعين والمغامرين -أحضرهم من غرز الحشيش و البار ا ت ! !
ويعلق كمال حسين على ذلك فيقول : " إن هؤلاء كانوا أول من أساء إلى الثورة بعد قيامها بتصرفاتهم وتحقيق المكاسب المادية لأنفسهم وف كوين الثروات من المال الحرام " .
ويؤكد خالد محيي الدين حقيقة هذا الخليط من الضباط الذى أضافه جمال عبد الناصر إلى الحركة حيث يعتبر أن ذلك كان منذ بداية إنشاء تنظيم "الضباط الأحرار" فى نهاية سنة 1948 ويقول إن نسبة كبيرة من أعضائه أصلا من الإخوان ( 1 )بالإضافة إلى جماعة عزيز المصري أو الشيوعيين أو الوفد وغيره إلى جانب عناصر جديدة ! ! وعندما تكونت اللجنة التأسيسية ن سنة 1949 أخذ كل ضابط يكون فى سلاحه خلايا من زملائه فتكون فى نهاية الأمر تنظيم الضباط الأحرار ! !
وهذا يؤكد ما قرره كمال حسين من أن عبد الناصر أخذ ينم إلى التنظيم قبل 23 يوليو كل من هب ودب بدون مراعاة للأصل الذى جرى الالتقاء عليه خ محمود لبيب وما جرى معى بعد ذلك فى سنة 1950 م حنن التقيت به لأول مرة . . فلم يعمى ذلك فض ط إلى الحركة ئ ذاتها ، وإنما أخرجها عن أهدافها التى -النق عليها خ محمود لبيب " العقيدة " فى إطار " الجماعة " وهو ما التقيت معه عليه فى اليوم السابق للحركة من تذكري له بالأصل الذى اجتمعنا عليه من قبل .
وربما استوقفنا اسم الضباط الأحرار " الذى اعتبر خالد محيي الدين أن أول نشأة له كانت فى نهاية 1948 ووصفه بأنه تنظيم فيه نسبة كبيرة من الإخوان المسلمين وأن لجنته التأسيسية تكونت سنة 1949 م . .
وحين تتضح لنا معالم الحقائق عن قوية هذا التنظيم الذى تام بالحركة ف يوليو سنة 1952 يلزم أن نقف نى! عند المسميات لا الأسماء ، فقبل أن أشغل بالتحقيق فى اسم لا الضباط الأحرار متى سميت الحركة بهذا الاسم ومن سماها وكيف سميت ؟ نتساءل أولا عن هوية الضباط الذين قاموا بالحركة ، ومدى صلتهم بالإخوان المسلمين ، وما هى أعماق الالتزام فبادئ الجماعة ئديهم ، ومتى بدأ الله ممر لهذه المبادئ منهم أو من بعضهم ؟
أما أن تكون هذه الحركة قد مميت باسم الضباط الأحرار تبل نهاية سنة 1949 كما يدعى البغدادي (ا) وخالد محيي الدين ، أو كانت مسماة بهذا الاسم منذ سنة 39 أو سنة 43 كما يذكر السادات (2) أو أن أصل تسمية " الضباط الأحرار " قد استوحى من أول منشور أصدره الإخوان بالمم " الجنود الأحرار " ودعوا فيه إلى إلغاء معاهدة 1936 فوالت منشورات الجيش ا اى أصدرها الإخوان المسلمون بعد ذلك تحت أمر الضباط الأحرار أو كما روي محمود لبيب فى لقائه معى سنة 1944 بأنه ط حب هذه التسمية وكما أكد عبد المنعم عبد الرءوف (3) ذلك فكل هذا لا يعنيا الجدل فيه إذا وصلنا إلى حقيقة انتماءات ضباط الحركة .
أركان البيعة العشرة
الانتماء إلى الإخوان المسلمين له مفهوم يخالف الانتماءات الأخرى للأحزاب التى كانت تحكم مصر . . فالبيعة حتى انعقدت أواصرها ة ينجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وعبد اللطيف بغدادي وحسن إبراهيم بل وخالد محيي الدين كذلك وحسين الشافعي وصلاح سالم يخما بين هؤلاء جميعا كطرف وقادة الإخوان كطرف آخر سواء جر،ى ذلك خ حسن البنا أو محمود لبيب أو عبد الرحمن السندي أو غرهم بالصورة العادية للبيعة أو بالصورة التى كانت نتمثل ق القسم على المصحف والمسدس كما كان يفعل السندى عادة خ من يبايعه منهم إنما كانت تقوم بعد توضيح أركان هذه البيعة العشرة وهى الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة .
يمكن لمن يقرؤها أن يتبين من مفهوم هذه الأركان اختصار أن المقصود ( بالفهم ) هو إدراك أن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعه أمة وحكومة .
وبالإخلاص - أن يكون الأخ المسلم جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة .
والمقصود بالعمل : هو تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي ،وإصلاح الحكومة لتكون إسلامية وأن بخرى ذلك بالنصح والإرشاد ثم الخلع والإبعاد فلا طاعة لمخلوق معصية الخالق ، ثم بعد ذلك إعادة الكيان الدولي ئلأمة الإسلامية .
والمعنى بالجهاد : تول رسول لا الله صلى الله عليه وسلم :" من مات ولم يغز ،لم يغزز الغزو مات ميتة جاهلية " .
والتضحية - معنى لا يلتئم إلا عند إدراك حقيقة الجهاد حتى أصبح هتاف الإخوان عامة " الموت فى سبيل الناس أمانينا لا ينطلق مر هذا الفهم . والطاعة - عرفها مرشد الإخوان بامتثال الأمر وإنفاذه توا فى اسر واليسر والمنشط والمكره ويتحقق وجود فى ( الطاعة فى أمور ثلاث تمثل مراحل هذه الدعوة :
الأول : فى طاعة نظام الجماعة وقانونها الأساسي وهذه هى الطاعة فى طورها العام لجميع الإخوان .
الثاني : في الطاعة التى تتمثل نظام الكتائب !! بتكليمها الإخوان لإنماء الجانب الروحي وتدعيم الجانب العسكري والنظام فيها .
الثالث : هو الطاعة فى مرحلة التنفيذ وهي جهاد لا هوادة فيه ومل متواصل رابتلاء لا يصبر عليه إلا الصادقون .
أما الثبات - فهو أن يلقي الأخ ربه ثابتة على المعان التى بايع ليها وقد فاز بإحدى الحسنيين إما نصر لمبادئه وإما شهادة النهاية .
وأما التجرد – فهو أن يخلص الأخ فكرته مما دونها من ا لمبادئ والأشخاص لأنها ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) وعليه أن يعتبر أن الناس أمامه فى هذا المجال إما مسلم مجاها- أو مسلم قاعد أو مسلم آثم أو ذمي ، أو معاهد أو محايد أو محارب وأحكام الشرع ص ملائمة فى علاقة الأخ بكل هؤلاء .
وقصد بالأخوة - ارتباط القلوب على حب الله فى علاقة من الحب أقلها سلامة الصدر وأعلاها موتي الإيثار ، وأما الثقة - فهى اطمئنان الجندي إلى كفاءة قائدة الذى له حق الوالد ن رباط الحب معه ، والأستاذ فى الإفادة العلمية به ، و الشيخ فئ التربية الروحية له ، و القائد فع إحكام السياسة العامة للدعوة .
وعلى هذه الأصول العشرة تقوم البيعة .
فإذا تم هذا القسم أدرك الأخ حقيقة الرباط الين بينه وبين الجماعة ، وأنه لا يتصوره جلبابا يخلع س بم يتزين به ، وإنما هو عهد وموثق ورباط من خانه فقد خان عند - الله ، ومن نكث فإنما ينكث على سنه .
فكيف كان ولاء الضباط الأحرار الذين بايعوا على هذه الأركان لدعوة الإخوان ؟
ولاء قادة الحركة !
الحقيقة الوحيدة الجديرة بالاعتبار والتى كانت مشتركة بين ضباط الحركة جميعا ، أنهم كانوا يعشقون صاحب القوة والسلطان ويدينون له بالولاء قبل ولائهم لآي اعتبار آخر .
فمثلا عندما يشرح السادات - عضو مجلس الثورة - انطباعه ن حسن البنا ودعوة الإخوان وأثرها على اتجاهه يقول إن ما لقت نظره كان (ا) ما عليه الإخوان من تنظيم وما أحاطوا به المرشد احترام يكاد لمجل إلى درجة التقديس ! ! وأفهم كانوا قوة لا يستهان بها ويكفي للتدليل على ذلك أنهم استطاعوا ثراء دارهم الجديدة عندما طرحوا اكتتابا ثرائها وغطى فى أكل لهن يوم ! ! وأنه صارح البنا بأن له تنظيما يهدف به قلب الأوضاع فئ البلد وأن معه عددا كبيرا من الضباط (2) ! ! . . وأن تنظيمه لا يخض خ لأحد ولا يعمل لحساب أحد وإنما يعمل لحساب مصر ! ! وهكذا لا تكن تحقيق اندماج معه وإنما تعاون فقط خ " تنظيم البنا " ! !
وهكذا لم ير السادات نى جماعة الإخوان إلا ثقلهم المادي حينما غطوا اكتتاب الدار فى أقل من يوم ! ولم ير فى معنوياتهم إلا شدة تعلقي م بالرجل ! لاشدة تعلقهم بدعوتهم مما جعلهم قوة لا يستهان بها ، بل لم يشهد فى الرج ل إلا براعته فى الجمع بين الدين والدنيا وأنه كان ممهريآ صميما ولم يشده إليه أنه كان ربانيا حنيفا .
ولذا كان من الطبعى أن يفكر فى التقرب منه للاستعانة به على الوصول إلى أهدافه القريبة والبعيدة بدون الاندماج معه ، وحتى يغرى المرشد بمنطقه ذكر أنه يرأس تنظيما قويا من ضباط الجيش ! !.
أما عذره الذى أبداه لعدم موافقته على الاندماج فى الإخوان المسلمين فلا حجة فيه لأن الإخوان المسلمين " لم يكن هدفهم حزبيا ضيقا كما يدعي إنما كان مفهومهم الذى أوضحه بالتأكيد حديث المر-شد للسادات " هو تحكيم شرع الله فى الأرض قاطبة لا فى مصر فحسب ! )
أما البغدادي - عضو مجلس الثورة : فقد انضم إلى الإخوان ( 1 ) عن طريق أمين العز! ومحمد الليثي الموظف بسل! الطيران الذى كان يعمل معه ،وقد انضم إلى الإخوان خ الطيارين حسن إبراهيم وحمدي أبو زيد و عبد الرحمن عنان ، وكونوا أسرة خ عبد المنعم عبد الرءوف ،وكانوا يواظبون على حضور دروس الثلاثاء : وفى المركز العام التقوا بالمرشد والصاغ محمود لبيب الذى كان " حلقة الوصل بينهم وبين الجماعة واستمرت صلتهم حتى سنة 8 ث 19 إلا أن البغدادي رأى كما يرى السادات (2) أن تقتصر علاقاتهم على التعاون دون الاندماج ! ! ولكنه عزا لم ذلك إلى مخافته أن يذوب تنظيمهم ف تنظيم الإخوان ! !
والحقيقة أن سلوك محمود لبيب فئ هذه الرئاسة التنظيمية كان محوطا بفكر الإخوان المسلمين وبتنظيمات الجماعة ، أما ما وصف به محمود لبيب من رجال حركة يوليو بعد نجاحها (3) بأنه كان " حلقة الوصل " بين ضباط الحركة الإخوان المسلمين فلا يمكن اعتباره وصفا دقيقا ولا صحيا ! !
وهنا نقف قليلا لنتأمل تعبير "حلقة الوصل " هذه ! فكان كيان جماعة الإخوان المسلمين يضاهى الكيان الذى كان قأ الجيش للسادات أو البغدادي والذي كان يشكل فى حقيقته عددا لا يزيد عن خمسة أو ستة من ضباط الجيش التحقوا بجماعة الإخوان بعد ذلك !
ولهذا نقول إن الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان ش عض و كيل مكتب الإرشاد لم يكن " حلقة وصل لا بين هذه القيادة المدعاة ؟بين الإخوان المسلمين ، لأن من كان فى خبرة محمود لبيب ومركزه ف الجماعة لا يتصور أن يكون "حلقة ومه ل " لجماعة اعتبر+ته مرجعها ث الشئون العسكرية ، و كان مركزه كوكيل الجماعة يسمح له بمعرفة الشئون السياسية الدقيقة فى خط سير الجماعة ، ولذلك كان محمود لبيب خما الحقيقة هو المسئول وحده عن تنظيم الضباط فى الجيش .
ويخطئ كذلك من تال إنه كالت بمثابة " الأب الروحي "(1) لأن هذا التعبير لا يوحي بدقة الحقيقة لرجل يهتج نر بروح تنظيمية دقيقة وعزيمة ماضية، و هاتان الصفتان أخص بالقائد المنظم منها بالشيخ الصوفى ! كما أن روابطه بضباط الجيش) لا يمكن أن تكون علاقة هامشية أو شيئا يتسلى به ، لأن هذه الصلات كان نحسب لخطورتها ألف حساب ، ئ خصوص ؟ سنه لرجل فى مثل سنه وتجربته .
ولست أتصور كذلك معالم هذا التعاون المدعي وصورته ، فى الوقت الذى يقول فيه بغدادي إنه س من معه قد التقوا بالصاغ محمود لبيب الذى بايعوه على السمع والطاعة لقيادة الإخوان واندمجا فى سلك أسر الضباط ، ثم ما نقوله نحى من انتظامهم بعد ذلك ن سنة 1951 فئي أسر جديدة مع ضباط البوليس بعد لقائي جمال عبد الناصر حسبما شرحا سابقا .
كما أنني ، فى الواقع لا أستطيع أن أجد تفسيرا لهذا التناقض بين اعتراف بغدادي بالإعجاب بتنظيم الإخوان (2) هو الأخر ؟قيامه بتدريب جماعة ا لإخوان وإمدادهم بالأسلحة والذخيرة ة ، وتشكيل كتائب فدائية منهم ، وبين خرفه من فى تنظيمه المدعو فى تنظيم الإخوان إذا نجم إليهم .
فهل جرى هذا ن وقت لم يكن –نجعد مندمجا فى التنظيم أو منضما إليه ؟ !
أما خالد محي الدين – عضو مجلس الثورة : فقد كان أول رباط (1) له خ الإخوان سنة 1944 عن طريق عبد المنعم عبد الرءؤف الذى أوصله إلى جمال عبد الناصر وكال وكمال حسين وسعد توفيق ، والتقي بعد ذلك بعبد الرحمن السندي خ حمال حب ئ وعبد الناصر وأقسموا –ليلا- على المصحف و المسدس .
وكان أيضا فى هذا التنظيم عبد اللطيف بغدادي (2) وحسن إبراهيم ، وظل هذا التنظيم قائمة حتى سنة 1948 - كما يدعي - ثم حين التقى به أحد الضباط وأعطاه كتابا فى الماركسية هو " الاقتصاد محرك التطور الاجتماعي " لروجيه جاس ودى ، تاثر بالفكر الماركسي ! ! ولم يجد تعارضا وبي ؤ الإسلام ولم ير فيه ما يصرفونه عن دينه ! !
وليس غريبا أن يصل حال أفراد ذلك التنظيم الذين باعوا مرشد الإخوان إلى نقض أول أصول بيعتهم معه وهو عنصر " الفهم " الذى هو إدراك شمول الإسلام وأنه يتناول مظاهر الحياة جميعا ومن بينها الاقتصاد ، ونظرية ماركس إذا ظ ن أحد أنها تكل الإسلام فمعنى ذلك أن الإسلام ناقص بقدر كال الفكر الماركسي ، وهذا أمر يخبرت صاحبه عن الإسلام فضاد عن الالتزام بما عقد عليه بيعته " وإذا قيل إنها تفصيل لإجمال سمح به الإسلام قلنا إذا صح هذا فإن الأصل هو ما أجازه الإسلام لا ما أقره ماركس ،وإذن فلا جديد فى هذه الاشتراكية حتى نتحول عما أباحه الإسلام إلى ما قرره ماركس !
ومن هنا نستطيع إدراك حقيقة ربما غابت عنا فى غفلة النشوة التى صاحبت حركة الإخوان المسلمين داخل الجيش فكان الكم عندنا أعلى من الكيف .. !
وأصبح الإسلام فى نظر ضباط الحركة حلة ترتدى وتخل عند اللزوم . . وهذا اللزوم قد يكون فكرأ براقا لا أصالة له ، أه كل مصلحة متصورة ، أو سلطانا خادعا .
وإذا أضيف إلى هذا آن الضابط المسئول عن هذا التنظيم الذى اختاره محمود لبيب لتفقد أسر ضباط الإخوان سنة 1946 هو جمال عبد الناصر الذى أشرنا إلى أطماعه " أدركنا كيف تهاوت قيم البيعة وانحدرت روابط العقيدة لدى لا الضباط الأحرار " حتى وصلت أخيرا إلى القرار الذي اتخذه التنظيم بأن تكون الحركة داخل الجيش غير مرتبطة بالإخوان المسلمين (ا) ! وهذا القرار فى ذاته يشير إلى هوية هذا التنظيم قبل اتخاذه وإن جرت ا،وافقة عليه بعد ذلك بش ير علم من قيادة الجماعة .
ومع ذلك ظلت قيادة التنظيم قائمة خ الإخوان مع الحركة وإلى ما بعد قيامها كما تشير الأحداث .
أما حسن إبراهيم : - عضو مجلس الثورة - فهو الآخر قد بالي ح الإخوان المسلمين منذ سنة 1 94 1 ، وانقطعت مه لمته بالإخوان على أثر هروب زميله هد سعودى (2) إلى الألمان وما تم مع ذلك من تحقيق انتهي إلى إخراجه من الجيش وتأخير أقدميته .
ثم عادت صلته بعد ذلك بعبد اللطيف البغدادي (3) وحمدي أبو زيد وعبد المنعم عبد الرؤوف فى نظام الأسر الإخوانية عن طريق الصاغ محمود لبيب ، وكان حسن البنا يحضر لقاء اتهم وخال هذا الرباط قائما حتى سنة 1948 .
وأما عبد الحكيم عامر : فقد اتصل بالتنظيم (4) فى سنة 1944 وكان يحضر اجتماعات الأسر عبد الرحمن السندي ، 4-التقى بالإمام الشهيد وظلت صلته بمحمود لبيب قائمة حتى سنة 1951 حتى التق بى فى مكتب حسن العشماوى يرح عبد الناصر بعد تنظيم مجال العمل بيننا. وأما صلاح سالم : فكان أول لقاءاته معى فى سنة 1950 وأشرت إلى ذلك سابقا سين طلب هو من اليوزباشى عبد الفتاح غنيم لقأني لتعريفي بعبد الناصر بعد انقطاع صلتهم بالإخوان فى عهد إبراهيم عبد الهادي . وفى لقائه معى فى مقهى البوسفور بميدان محطة مصر حدج ى بنفسه عن روابطه بالجماعة وبيعته للمرشد وانتظامه فئ سلك الأسر .
وأما حسين الشافعي : فكانت صلاته بالجماعة معروفة لعامه الإخوان بشعبة طنطا قبل قي ابم الحركة بفترة طويلة ، وقد اندرج فى سلك أس الضباط تحت إشراف محمود لبيب سنة 1944 .
أما إبراهيم الطحاوي وتوفيق عبده إسماعيل وثروت عكاشة وصلاح شص 9ينكه وسعد توفيق من ضباط الصف الثاني لمحركة، فدليل انتمائهم إلى الإخوان وارد ى أحاديثهم (ا) عن أنفسهم ومن خلال أحاديث خالد محي الدين عنهم .
وأما موقف كمال حسين : من حركة يوليو سنة 1952 ومدى ارتباطه بجماعة الإخوان ة يوضحه موقفه من ضرب الإخوان سنة 1954 وضربة وضربهم سنة1965 .
فهو لا ينكر ارتباطه بالإخوان المسلمين (2) فكرا وتنظيما إلى الوقت الذى قررت ة يه لجنة قيادة الحركة – قبل قيامها مما بثلاثة أشهر إعفاء عبد المنعم عبد الرءوف وتلي قرار عدم ارتباط الحركة بالإخوان المسلمين الذى أخفاه عبد الناصر - وأخفاه هو أيضا عنا .
وحين استفحل الصراع برئ عبد الناصر والإخوان مهنة 1954 عجز وفاؤه عن الصمود أمام قهر الأحداث التي أدت إلى محاكمة الإخوان المسلمين فى أكتوبر سنة 1954 بعد أن كشفت التحقيقات التى كان يطلعهم عليا عبد الناصر أفهم كانوا يريدون السيطرة على الحكم ! ! وحينذاك سقط ولاؤه لجماعة وانحلت من عنقه بيعتها ! ! ولكن من الإنصاف أن نقول إنه ظل على ولائه لمفاهيم الإسلام العامة ،والتزامه بما يعلم أن فيه مرضاة الله على حسب قدرته وفهمه للإسلام ،وكان الوحيد من رجال الحركة الذى استطاع أن يرسل لبرد الناس بعد عدة أعوام من طغيانه ! خطابا قال له فيه اتق الله وبعد يومين من هذا الخطاب حددت إقامةكمال حسين !
وكان سلوكه بمواجهة عبد الناصر بكلمة الحق قد بدأ يظهر فى25 مارس سنة 1964 ضد صدور قانون 119 لسنة 1964 1 (ا) . فعاق عليه بقوله : "هذا ظلم . . فرعون نفسه لم يحكم البلاد بقانون مثل هذا " ووصلت هذه الكلمات إلى عبد الناصر ، بل إنه حرص أن يندد بهذا القانون أمام كل من يحضر إليه .
ثم فى مارس ى سنة1965 عندها أجرى الاستفتاء على الدستور ورئيس الجمهورية + بعث عبد الناصر إلى لجان الانتخاب المقيد بها زملاؤه من رجال الثورة ليعلم من منهم قد اشترك ن الانتخابات وما كل أيهم . . ولم لذهب كمال حسين للانتزاع ، في حنن ذهب البغدادي الذى كان مثله فى هذا الوقت مغضوبا عليه ، فلما أعطى صوته له أصدر قرار جمهوريا اليوم التالي بالحراسة عن شقيقه سعد بغدادي وأعاد له ممتلكاته (2) ! ! .
وربما تظهر لنا هذه اللمحة البسيطة ا الفارق الدقيق بين رجل في بايعا الله ف جماعة الإخوان المسلمين على الحكم بكتابه واشتركا فى مواجهة عبد الناصر بالرفض - رفض طغيانه طبعا - ول كن ظل الاختلاف بينهما قائما فى طبيعة هذا الرفض فالبغدادي كان ينطلق فى معارضته لعبد الناصر من مرارة شعوره بطغيانه على شخصه .
ولكن . رمما وجد كمال حسين فئ معارضته عبد الناصر يقظة فى واجبه نحو الحق . ولكننا لا نستطيع كذلك أن نغفل أن هذه اليقظة تأخرت طويلا ، منذ بدأت مظالم هذا الطاغية !
ولما كانت المعارض * الوحيدة التى تخيف عبد الناصر تنطلق من الإخوان ا لمسلمين ، اعتبر كمال حسين مؤازر للإخوان فى رغبتهم الإطاحة به ، وخاصة وأن عبد الناصر يعل! أنه تهان يوزع كتاب المرحوم سيد قطب - معالم علي الطريق - على زواره قبل اعتقاله ! !
والحقيقة التى يمكن أن نقررها هنا أن كمال حسين ق كان هو الوحيد الذي أعلن شعوره بالندم على الفترة (1) التى قضاها خ عبد الناصر فى الحكم من السودان - سنة 1943 وأنه استجاب لدعوته ، وأن عبد الناصر لم يجد صعوبة بعد ذلك فى إزاحة عبد المنعم عبد الرءوف من رئاسة التنظيم ! ! ثم يقول إنه بعد لتعائه بالمرشد سنة 1940 لم للبث أن ضم المرشد إلى جماعة الإخوان المسلمين ناثبه التنظيم عبد المنعم عبد الرءوف بضره غير طويلة ، وانه - أى المرشد - سعى إلى أن يضمه أيضا إلى تنظيم جماعة الإخوان فأجابه بكل صراحة قائلا إن تنظيمه لا نحض ح لأحد ولا يعمل لحساب أى حزب أو حينئذ وإنما لمصلحة مصر كتل وأن هذا كان واضحا مع المر!ض لى منذ البداية .
ولكن البغدادي يتحدث أيضا عن نفس هذه الأسماء التى وردت فى تنظيم السادات ويدعى أنها اللجنة التنفيذية للتنظيم الذى قام سنة 1940 بمعرفته ، وأن حسن عزت اقترح اسم الملازم أنور السادات لينضم إليه (1 ) ، وأن هذا التنظيم المس هو تنظيم الضباط الأحرار (2) الذى تام بعد حرب سنة 1948 فؤكدأ اختلاف أغراض التنظيمين . . وسكت البغدادي عن شرح أهداف تنظيم الضباط الأحرار،بينما وضح ذلك كال حين قال إن أهداف تنظيم الضباط الأحراش لا كانت العمل على تطبيق الإسلام ولا يعلم هدفا له ش ير ذلك (3) وتد سبق أن أوردنا كيف ظل عبد الناصر يدعى ولاموه لمبادئ الإخوان المسلمين حتى بعد اعتقالهم يناير سنة 1954 ج ق ذب إلى قبر الشهيد حسن البنا وخطب وهو يبكي في ذكرى وفاته مدعيا تنفيذ مبادئه والفناء فيها .
ولكن البغدادى أوضح أهداف تنظيمه - المدعى - فقال إنه كان إعاقة انسحاب الإنجليز بالاتصال بالألمان وإرسال خرائط الحاميات العسكرية (4) وأنه جرى اتصال بالجاسوس الألماني حسين جعفر ليصبح حلقة الوصل بين القيادة الألمانية والتنظيم (ا) وأن السادات أرسل بموافقة الجميع مسودة المعاهدة بينه وبين الألمان حملها.-رفيقهم ذات التنظيم أحمد سعودي الذى سقطت طائرته قرب العلمين فقام بنفس المحاولة الطيار رضوان (2! الذى كلفه سلأت الطيران بالبحث عن طائرة سعودى فى الوقت الذى كلفه وجيه أباظة بإتمام ما بدأه سعودى ليحمل الخرائط إلى الألمان .
أما موضوع " الاندماج " والذي ذكر السادات أنه رفضه عندما دعاه إليه المرشد، فيتحدث عنه أيضة البغدادى ويقول إنه خشي أن تذوب منظمتهم كم الوليدة! تنظيم الإخوان . وينقل عبد العظيم رمضان عن مذكرات حسن عزت ا ا! صدرت سنة 1953 ( قبل حدوث المصادمات بين الإخوان والجيش ) والتى دإم لها السادات والبغدادي وخالد محيي الدين ومجدى حسنين وثروت عكاشة ، فيقول نقلا عن مذكرات حسن عزت إن السادات كان مستعدا للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين إذا صارحه المرشد بذلك ، ولكنه لما رآه قد اكتفي بالتلميح دون التصريح أجابه بأنه ليس من وسائلهم أبدأ الدخول كجماعة .
أوكافراد فى أى تشكيل خارج نطاق الجيش،وسأوضح اختلاف الأسلوب واختلاف سبب الامتناع ! هذه الرواية عن سابقتها . . أما بالنسبة للتنظيم الذى يدعيه البغدادى لنفسه وفى نفس الوقت يذكر أسماء نفسها المشتركة فئ تنظيم السادات ، فهل كان تنظيما وأسد ؟ وما هى قوته ؟ !
يروى السادات عن مقابلة لعزيز المصري التى رتبها له المرشد فى عيادة الدكتور إبراهيم حسن قول عزيز المصري " إن كان معك خمسة أفراد مؤمنين فآوى مستعد اليوم أن أحمل اعبنجتى وأتقدمكم لآي حمل لإنقاذ البلد . ونصه أخيرا بالاعتماد على أنفسهم ! . فهل كان عددهم أتل من ت سمة فى ذلك الوقت ؟ !
ويقرر حسن عزت فى مذكراته (4) أفهم ض مرا السادات إليهم فى التشكيل الذى تألف من وجيه أباظة وأحمد سعودي و البغدادى وحسن عزت ، وتكون بهذا أول لجنة من الضباط الأحرار، ويقول خالد محيي الدين إن حركة الجيش تبلورت فى سنة 1949 وكيت الضباط الأحرار فى سنة 1950 وأنهها كانت تضم فى فى غالبيتها الإخوان المسلمين .
ويقولكمال حسين إن حركة الضباط الأحرار منذ دخلها سنة 1944 لا يعرف لها هدفا سوى الحكم بكتاب الله ، وأنهم جميعا : عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعبد المنعم عبد الرءوف قد بايعوا على ذلك محمود لبيب والمرشد وعبد الرحمن السندي ، وأن الحركة قد انتكسمت عندما أضاف إليها عبد الناصر ضباطه من غرز الحشيش والخمارات منذ سنة 1948 ، وأنه ظل باقي أيحمل الفكرة التى آمن بها - وتخلى عنها عبد الناصر وعبد الحكيم -حتى سنة65 وإلى ما شاء الله .
( الخطاب الذى دونه لعبد الحكيم عامر ) . ويحسن بعد هذا السرد أن نسته ح إلى الأخ الضباط عبد المنعم ،عبد الرءوف وهو يوضح قصة تعرفه بالإخوان فه يقول :" إنه بعد صدى ر الحكم عليه فى قضية هرس به خ عزيز المصري وتنفيذه للحكم وخروج ر من السجن سنة 1943 صدر قرار بإعادته إلى الجيش ن سلاح المشاة . . . وعندما ذهب لاستلام -مله ! كتيبة المشاة الثى ألحق بها . . وسلم نفسه لأركان حرب الكتيبة . . لي جم توزيعه بواسطة قائد الكتيبة. . . كان أركان حرب الكتيبة جمال عبد الناصر . . وكانت أول مرة يمعرفه ويلقاه . . وكان عبد الناصر أصغر منه سنة ورتبة .. ومن ذلك التاريخ بدأت علاقته الشخصية بعبد الناصر . . ونجعد فترة قص ث رة ذهب إلي إدارة الجيش بوزارة الحربية لاستلام بعض المبالي المجمدة له بالوزارة منذ محاكمته وسجنه . " ؟قابل الموظف المختص .. والذي لم لعرف أصحابه . . واكن استراح إليه وإلى أسلوب استقباله له بمودة ومحبة وأخوة . . وفى أثناء جلوسه فى مكتبه انتظارا لإنهاء موضوع، . . على مكتبه جريدة مكتوبا إليها الإخوان المسلمون الحق والقوة والحرية فسال الرجل باستجواب وهل يوجد ن مصر من يعرف أو يعمل من أسجل الحق والقوة والحرية . .
فأجاب الرجل بهدوء . نعم . . الإخوان المسلمون . . فصاب منه أن يعرفه جمام . . فأعطاه عنوان المركز العام بالحلمية . . واسم الأستاذ البنا . . فذهب إلى المركز العام القريب من منزله والتقي بالأستاذ البنا . . وكان الأستاذ محمود لبيب حاضرا واستمع للأستاذ إليها . . وتناقش معه لم أعجب به ربانية … وقال له اعتبرني من ألان من جنود ا الدعوة ومندوبها ذ، الجيش وسأحاول تجنيا- أفراد اجلي للعمل (للإسلام من خلال الجماعة . . واتفق معه الأستاذ البنا أن يكون محمود لبيب هر المسئول عن نشاطه داخل الجيش . . ومنذ ذلك التاريخ بدأ يعملى للإسلام تحت راية الإخوان المسلمين . . وجند خلال شهور قليلة حي ين حموده – جمال عبد الناصر – كمال الدين حسين . . ثم ضم محمود لبيب إليهم صلاح خليفة ( شقيق الدكتور- المهندس كم الخليفة بم وخالد محيي الدين ، ش لا انتهى الأمر بالبيعة المصحف والمسدس ف الغرفة المظلمة بالصليبية بحى طولون ، من ذلك نرى أن كلأت سلىاا، سسين أقرب الروايات الحارقة ث فالذي لا شلث فيه أنه لم تكن هناك حركة لها نبض أحقيتي فى ا: لبش سوى حركة الإخوان المسلح ن ، ولم يكن هناك تنظيمان ، اللهم إلا التجمع الهلامي من بعض ضباط الطيران الذى ليم يصل إلى المستوى الذى يستحق أن يطلق عليه اسم التنظيم ،وفى نفس الوقت دان مضطرب الأطراف – إذا أحسنا الظن – لا ينبع سلوكه من فهم أصيل لمعنى التحرر الوطني الحقيقي سلطان ،شخصي من ، وإنما رأيناه ينبع فقط كل من كراهية الإنجليز والرخ في فئ الاستعانة عليهم بالألمان ! !
وهكذا لم ينطلق مذاقهم لحرية وطنهم من نبع الفطرة الأصيل الذى يوحي بأن الحرية لا تقوم إلا بجهاد الشعب ولا سفظها لا الشعب نفسه . ولعل من الطريف و الغريب معا أنه ق الوقت الذى حاولوا فيه الاتصال بالألمان كان الملك فاروق يخمل نفس الأفكار ويحاول نفس المحاولة عندما شارف الألمان العلمين (ا) . . . ولكن كان الفارق في الهدف . . فقد كان فاروق يهدف إلى الاحتفاظ بعرشه . . بينما هم يم يهدفون إلى استلام السلطة ة هد هزيمة الإنجليز و الإطاحة بفاروق " .
ونعود من جدي! للتساؤل فإذا إذن كان الغرض اتصال ضباط الجيش بالأستاذ البنا ئ جماعة الإخوان ؟! وقد وضح أنهم على حسب رواياتهم كانوا . ، زالوا رحلة التي ين . . والتفسير القريب إلى التصديق أنه كان من وراء ذلك الرنحبة فى الانتفاع بطاقات الإخوان دون التقيد بأهدافهم ونظمهم . . وذلك هـ ا دعا عبد الناصر قبل بضعة شهور من قيام الثورة إلى إخراج عبد المنعم عبد الرؤوف من لجنة القيادة بعد الاستفادة منه (1) 00 إننا نظلم الحقيقة إذا تصورنا أنه قد تحقق أى تعاون أو اندماج ص ا بين بمجموعات ضباط البغدادى وغير ه وبين الإخوان المسلمين ، فالاختلاف واضح فئ المنهاج ا أساس . . والتربوي . . والأهداف . . فهل كان ممكن التوفيق بين مسلكهم السياسي الذى يرون في تخليص البلد من الإنجليز بتمكين الألمان من احتلال مصر وبي ق منهج الإخوان فى تحرير الأرض بتكوين جيل مؤمن تعلو عنده كلمة الله على كل اعتبار .
بم يقبلون برغم ذلك حثهم النازي ليم كون لهم شرعة ومنهاجا . .. بل إن أوامر دينهم تنقاهم عن الاستعانة بكافر . . فضلا عن أن أهداف الإخوان ال ق كانت وما زالت من وراء كل جهادهم هى إقامة شرع الله فئ الحياة والناس فئ هذا الوطن وفى العالم كله . . فأين هذا من تلك الأهداف اى لا تتعدى تعويق انسحاب الإنجليز وتسهيل دخول الألمان ! !
أما بالنسبة للسلوك والأخلاق . . فكانت محافل الإخوان المسلمين هي المساجد وأماكن العبادة آمرا بالمعروف ونهيا عن المة كر. . بينما كانت محافل غيرهم هى الحانات والبارات كما يقول كمال حسين …فكيف وأين الالتقاء !!
استعمارهم (1) . . هذه الفكرة فى ذاتها لا تتفق خ منهج الإخوان من ناحية المبدأ ، وهي مخالفة لشرع الله ، بل إنها حى من الناحية السياسية المجردة غير مقبولة لأنه ا استبدال احتلال عسكري باحتلال عسكري آخر لا قي لم إلآ الله مداه ، وقد ا اعترف بذلك البغدادى فى مذكراته فى صفحة 13 فيقول ؟ "ربما يكون هذا التفكير منا فيه سذاجة . . ولكن لا ينسى القارئ قلة خبرتنا بالسياسة ن ذلك الحين . . ولم يكن حمر أحد منا تعدى الاثنين وعشرين عاما كما لا ينسى أيضا أن الدافع لهذا التحرك منا كان الحماس الوطني اندفاع الشباب . . وكذا لم تكن صورة ألمانيا الهتلرية حقيقتها واضحة لنا " .
والله يعلم ماذا كان سيصيب مصر من بلاء لو تم هذا الاتصال ، واستلم الألمان مشروع المعاهدة ومعه صور لجميع خطوط مواقع القوات البريطانية ممصر . . هدية سخية . . ولقمة باردة بغير جهد . . وبغير ثمن ة . اللهم إلا الأمل فى شهامة الألمان ووفائهم واعترافهم بالجميل لمن أعانهم .
صلتى بعبد الناصر قبل الحركة
"كان اسم " الضباط الأحرار " هو الاسم الظاهر الذى اختاره الصاغ محمود لبيب لحركة الإخوان المسلمين داخل الجيش .. . ".... لواء طيار عبد المنعم عبد الرءوف
لم يجمعني بأحد من ضباط هذه الحركة لقاء منتظم لعمل فى نشاط الجماعة قبل سنة 1948 م ، بل إن لقاء بعبد المنعم عبد الرءوف ، لا؟ل مرة ، كان قبل قيام الحركة بأيام قلائل .
وأما عبد الناصر فإن معرفتي به ترج خ إلى الوقت الذى طاب في صلاح سالم من اليوزباشى ( شرط آ ) عبد الفتاح غنيم تعريفه بى فى منتصف سنة1955 وكان فئ هذا الوقت يعمل مأمورا لمقنطرة شرق . فالتقي في فى القاهرة لي بلغني برغبة صلاح سالم ئ مقابلتي تمهيدا لهودته ومن معه إلى سابق صلتهم بالإخوان اعدلا سقوط وزارة إبراهيم عبد الهادي سنة 1949 وأبلغت المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة بهذا الآمر ، وكان وكيلا للمرشد العام حينذاك حيث لم يكن الأستاذ الهضيبي قد تولى بعد رسميا منصب الإرشاد. فكلفني بالاتصال بهم وإعادة رباطهم بالجماعة .
والتقيت بصلاح سالم نى مقهى " البوسفور " ف محطة مصر الذى أبلغني حينذاك برغبته فى إعادة مجموعة في الجيش إلى صفوف الجماعة ، وأن المسئول عنهم هو البكباشي جمال عبد الناصر ، وطلب منى تحديد موعد للقائه فحددت موعدا له .بمكتب الأستاذ حسن العشماوي ،وكان يه هل حينذاك . مملأ مكتب والده المرحوم محمد العشماوي وزير المعارف الأسبق .
والتقيت فى الموعد المحدد بجمال عبد الناصر وعرفنى بنفسه وصلنه بالصاغ ى محمود لبيب وأنه منتظم فئ تشكيلات ض باط الإخوان ، وكنت أعلم مسبقا من المرحوم ا الصاغ محمود لبيب بعض المعلومات عن جمال عبد الناصر الذى كان يثق فيه كثيرا ! .
وكان محمود لبيب في مرضه ا.لأخير لا يستطيع ن يحرك لسانه بالكلام مما أعجزني عن سؤاله فى شأن هؤلاء الضباط (1) وأخبرني عبد الناصر أنه يود أن يصل ما انقط ح من العلاقات التى تربطه ومن معه من الضباط بتشكيل الجماعة بعد الانقطاع الذى اضطروا إليه فى أثناء حكم إبراهيم عبد الهادي .
وأخبري ضمنا بواقعة استدعاء إبراهيم عبد الهادي له ، ،وإبلاغه بان الحكومة تعرف أنه كان يدرب الإخوان المسلمين ، وأنه معرض للقبض عليه واعتقاله إذا عاد لذلك مرة أخرى، كا أبلغني بسابق صلاته بعبد الرحمن السندي وأن صورة نشاطه معه - على حد تعبيره - لم تكن تعدو فك المسدس وإعادة تركيبه ، وج نه كضابط جيش ليه ن فئ حاجة إلى تعلم هذا الأمر من جديد !
ولم يكن هناك شك فى حديث جمال عبد الناصر بأن ارفي اطه ومن معه من الضباط إنما جرى فى ظل الجماعة باعتباره أحد الذين بايعوا حسن البت ا على السمح والطاعة كما ذكر إ، ف حديثه معى !
وكنت أعرف قصة تعرفه ومن مه ، بالمرحوم محمود لبيب من المرشد أيضا الذي أخبرني أنه نظرأ لتكاثر عدد ضباط الجيش الملحقين بالنظام الخاص ،فإنه أفرد الصاغ محمود لبيب وكيل الجماعة - باعتباره ضابطا سابتا فى الجيش وخاض عمليات حربية عبد الرحمن عزام في السلوم وغيرها - للإشراف على هذا النظام وتوجيهه .
واجتمعت مع بعضهم فى حدود ضيقة فى أثناء ارتباطهم بالمرحوم مح!هود لبيب . بمنزل حسين عبد الرازق أحد أعيان الصيد ، وكان شضما للإخوان وقتذاك ، واجتمعنا! *ش له خ المرشد والصاغ محمود لبيب وبايعو ا المرشد هناك على حكم هذا البلد بكتاب الله وكان هذا جوهر اللقاء وموضوعه .
وكان محمود لبيب رحمه يحدثني عن تشكيل هؤلاء الضباط فيم يختلف المناسبات و أن اسم الضباط الأحرار هو الاسم الظاهر الذى اختاره لحركة الإخوان (1) داخل الجيش فسماهم بهذا الاسم حتى يتوافر لحرع * الإخوان نوع من الحرية داخل الجيش ، وليرخ من كاهل الجماعة ما يمكن أن ياحقها من عدوان اختلف الحكومات ، وكنت أعرف جمال عبد الناصر كأحد الضباط من بيز تشكيل الإخوان الذين يثق بهم محمود لبيب رحمه الله وإن لم ألتق به من قبل كما ذكرت سابقأ .
وكان انطباع جمال عبد الناصر عندي في أول لقاء معه أنه رجل قليل الكلام جاء لهدف واضح وهو إعادة صلته بالجماعة بعد أن قطعت الأحداث ما بينه وبينها وانه يرغب فئ النهوض بحركة الإخوان فئ الجيش ، وأن من مص " من الضباط فئ حاجة إلى الزاد الثقافي والتربوي بما يتفق والمستوى الفكري والنفي ى الذى يعيشون فى 9 تحت ضغط الأحداث وصرامة النظام العسكري ، وأن السندي لا يقدم لهم الغناء فئ هذا الشأن.
ووجدت أنه من المتسحسن أن أحتاط للأمر بشأن هذا الإلقاء الجديد الذى سعى إلى فيه صاسبم " ! لا من ناحية أمنى الشخص ى ، فقد كنت تأكدا من شخص القادم ، وإنما كنت أ!يد ان أحتاط لهذه العلاقة التي تجددت ة هد انقطاع طويل . . هل تغيرت الأهداف ؟ أم أن الأمر متعلق بظروف الجماعة وانقطاع برجالها .
ولذلك حرصت على أن أذكر لعبد الناصر أن لقاءنا هذا إنما بحرى تحت مظلة الجماعة ويواكب سيرها الحثيث نحو أهدافها ن تحمى الحكم بكتاب الله ، فهذه هى حدود تفويضي من وكيل الجماعة ، فأمن على هذا القول وأكده وطلب منى أن أقدم له برنامجا ثقافيا وتربويآ . . يتفق خ ما ة أمله فيما أشار إليه من التصور الفكري ني التربوي لضباط الذين معه . وفعلا طلبت من المرحوم حسن العشماوي أن يقوم على إنفاذ ومتابعة هذا البرنامج ومعه من يشاء من الإخوان اختير الأخ رشاد المنيسي للنهوض بهذه التبعة معه داخل أسر ضباط الجيش .
وعرفت جمال عبد الناصر بالأخ حسن العشماوي فى اللقاء الثاني : بينى وبينه ، ثم شاء قضاء الله أن يختار محمود لبيب إلى جواره ن يناير سنة 1951 بعد أشهر من اللقاء الأول . . حضر. كلانا تشيع جنازته ، ن جواره يستطع أحد منا فيه .أن يحي الآخر ! مخافة أعين . أجهزة الأمن التى كانت ترصد ف هذا الوقت شل هذه الصلات .
وزادت الصلة قربا حيث لم ي!كن هناك بد من الارتباط به بعد وفاة المرحوم- مود بي ش ، وجرى ا التعاون لي شنا فى مجالات لهض ى! شراء الأسطورة والمعدات العسكرية ا كنا نجه رها لمواجهة الإنجليز . كواقع لابد من مواجهته يومأ ما ، فكان لابد لنا أن أهدى لهم ما استطعنا .
قصة اللغم : وتوطدت صرحته عندما اتفقنا على ج فجير اللغم البحري الذي كنا نأمل آن نسد به القنال بتفجير مركب إنجليزي استيرنة و-هى ناقلة غاز لإقناع الإنجليز بعدم فائدة القنال وهى على هذه الحال ، وضرورة الاتفاق خ مصر على الجلاء ، وهنا ترفعت بالضابط صلاح هدت ئ زير البحث العلمي بعد ذلك ، ج جرت لقاءات كثيرة أخرى بيننا عند محاولتنا تفجير هذا اللغم ، فتدش ن يصر على أن يجهزه بنفسه ليتأكد من صلاحيته بعد أن نقله من العريش إلى القنطرة شرق بإحدى سيارات الجيش ومكث معنا ساعات طويلة فى،(جراج ) منزل مأمور القنطرة شرق عبد الفتاح غنيم لنعيد ربط أجزائه بعضها ببعض .
جرت أحداث هذا اللغم البحري الذى حاول الإخوان المسلمون تفجيره مرتين فى قناة السويس ضمن سلسلة النشاط الفدائي الذى قامت به الجماعة ضد الإنجليز فى أثناء تولى فؤاد سراج الدين شئون وزارة الداخلية فى وزارة الداخلية بعد إعلانه إلغاء معاهدة سنة 1936 فى أكتوبر سنة 1951 م .
وكان الجو الذى تعيشه مصر آنذاك مشحونا بكراهية الإنجليز وخاص ة إعلان حظر تشغيل العمال المصريين بالقاعدة البريطانية ومنع من داخل مصر . وبدأ الشباب يدرك واجبه فع العمل الفدائي لإخراج الإنجليز بإقناعهم بأن حجتبم ن البقاء فى مصر للمحافظة على قناة السويس حجة داحضة لأنم ؟ لا يستطيعون حماية أنفسهم إزاء سخط الشعب فكيف يحمون القناة ! ؟ ولذلك كان الأعمال (لفدائية الإنجليز أنفسهم س مؤنساتهم فى قناة السويس .
وسرت الحماسة فى الأجهزة الحاكمة التى دعت إلى ائتلاف قومي يضم أصحاب الرأى فى مصر لتنسيق النشاط الفدائي ، و أن عبء العمل الحقيقي الفعال قي ع على كاهل الإخوان ، فقد قامت المعسكرات فى الجماعة لتدرلي ش الشباب لى استعمال السلاح والمواد المتفجرة والقنابل الحارقة والألغام ، مباشرة الأخ محمد عاكف فى جامعة القاهرة وفي وه . ق الإخوان فى الجامعات الأخرى ، وأعطتهم الجامعات من المكنة ما يؤهلهم لهذا الدور ، حتى لقد فى كد شباب الجامعة وقتئذ ص ا لم يشهده بعد ذلك فى مجال التكاين العسكري المؤسس على العضيدة السليمة التى لي بئ عليها الجهاد الصلاح ، فكنت ترى فئ داخل الجامعة بمثابة فى الجامعة شبابا فى عمر الزهور لم نفتنهم موجة تعلم شيء جديد كالسلاح والمفرقعات والقنابل ، عن شغلتهم العبادة ليم لمجب هذا العل! الجديد بالأسلحة ئ المفرقعات ( الذى كثيرا ما يفق الشباب ) هي لى فه الصحيح بجعله جهادا ! سبيل الله ، وخابم الضابط مجدي حسنين الذي بايع الإخوان من قبل بتدريب الإخوان على استعمال الأسلحة وقذف " قنبلة الأنرجا " .
وسقط كثير من الشهداء منهم : المنيسى رشاهن . . . وغيرهما وكان لكل منهم قصص لى بطولية تذكرنا بالسلف الصالح .
وفى هذا الجو المشحون بالرغبة ن التحرك ضد المحتلين بالصورة .،المتاحة فكر الإخوان المسلمون فى صه خ لغم بحري لنسف أحد المراكب الإنجليزية المحملة بالبترول ق داخل القناة ، لتعريف الإنجليز أنه لا يمكن لهم حماية القناة أمام شعب غاضب يطالبهم بالخروج من بلده وتطهير أرضه منهم .
وفكرت فى الأمر مليا بعد تكليفي من الأستاذ حسن الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين بصنع هذا اللغم وتفجيره ، ووجدت أن الاستعداد لصنع هذا اللغم لا يتوافر في إمكاناته العلمية فضلا عن التصنيع إلا بمعاونة قسم الأبحاث فى الجيش الذى كان يعما،-فيه الضابط صلاح هدايت .
وذهبت إلى جمال عبد الناصر وعرضت عليه الفكرة ، ، قام من فوره معى ، وذهبنا إلى صلاح هدايت وتحدثنا إليه فئ الأمر ، فكان رده مشجعا لنا فى المضى لإكمال هذا التخطيط ، ووعد بي خ لغم على شكل كرة كبيرة مجوفة على نصفين قطرها نحوا من متر مصنوعة من معدن خفيف يسحق مع لها بالطفو داخل الماء وبداخلها مادة T . N . T المتفجرة بكمية مناسبة ، و يعلق بها ثقل محسوب الوزن لتبقى على ارتفاع معقول أسفل سطح الماء بحيث تلاصق أسفل المركب المقص ى دة ويجرى تفجيره فى الوقت المناسب لمر،ر مركب ( الاسترنة ) . . حاملة الغاز ، المراد تفجيرها .
و بعد إتمام صنعه كان لابد من نقل هذا اللغم بأجزائه كلها إلى منطقة القنطرة شرق ، ورؤى أنه من المستحسن تجزئه اللغم ، فوضع ( الثقل الحديد ) الذى لا يؤدى كشفه إلى مخاطر ، إذ هو عبارة عن قطع حديد فقط ، وضع فى صناديق أوصلها السيد مجدي حسنين إلى بمحطة القاهرة لشحنها بالسكة الحديد إلى القنطرة شرق ، حيث استقبلني فى محطة القاهرة السيد وجية أباظة ليعرفني ، مأمور جمرك السبتية الذى سيصحبني فى القطار إلى القنطرة شرق أسهل لى استلأم صناديق الشحنة باعتبار أن جمها متفجرات ! !
والذي علمته من وسجيه أن فؤاد سراج الدين سيسهل نقل اللغم وكان وقتئذ وزيرأ للداخلية ، وأنه وعد بتسهيل الشحن وبإيفاد مندوب الجمرك معى لهذا الخصوص وطبعا لم يعلم أحد . . . وربما وجية أباظة نفسه . . أن أن الموجود فى الصناديق لا يعدو أن يكون ( ثقل حديد ) ! ! ولكن خ ذلك أردت أن أختبر مدي الأمن الشحن بالسكة الحديد إذا دعت الضرورة إليه بعد ذلك ، مع عدم التعرض لخاطر افتضاح الأمر فى أول تجربة لنا خ الحكومة الوفدية التى أثبتت الأحداث بعد ذلك صدقها فى الشعب فى جهاده .
أما بقية أجزاء اللغم بما يحمله من متفجرات فقد نقلت بالطائرة إلى العريش ومنها بالسيارة إلى القنطرة شرق سيث قدم بها السيد صلاح هدايت وأودعناها بمنزل الأخ عبد الفتاح غنيم مأمور القنطرة شرق - الذى احتمل كثيرا من المخاطر بسبب النشاط الفدائي فى منطقته - لحين ربط أجزاء اللغم وتجهيزه للعمل من داخل هذا المكان ، وقد جرى هذا خلافا لما نصوره السيد البغدادى فيما مجلة فى مذكراته (1) أن الجزء الخاص بالمفرقعات نقل بالسكة الحديد وباقي اللغم نقل بالطائرة وقد لا ؟ هذا التفصيل كثيرا ، رلكن جرت هناك الخلافات أخرى ربما أشرنا إليها بعد ذلك .
وسهرنا أكثر من ليلة داخل ( جراج ) مأمور القنطرة شرى حيث كنا نقوم بتركيب أجزاء اللغم بما فيه من نصفي الكرة التى تكون جسم اللغم المفجر البادئ بالإشعال ورتبت الخطة على اختيار المكان المناسب ، وكان غير بعيد عن كوبري الفدان ، وكان هناك مهندس مقيم بالضفة الغربية مهمته القيام بالتركيبات الهندسية للكوبري هو السيد فهمي طلبة وكيل وزارة الإسكان الآن ، وكانت لديه قوارب للعبور إلى الضفة الشرقية وكان عليه نهل الثقل الحديد بأحد قواربه والسر به إلى المكان الذى سينزل فيه اللغم من الضفة الشرقية ثم تركيب ( الثقل الحديد) فيه وإنزاله فى الماء فى الوقت الذى تمر فيه الباخرة الإنجليزية التى اخترناها والتى كنا نعلم مسبقا بموعد وصولها فى هذا المكان الذى اخترناه مسرحا للعملية .
وكانت مراعاة دقة التوقيت عاملا كبير فى نجاح العملية . كما كان اختيار المركب جزءا هاما لتركيب الهدف منها ، فالمركب التى محمل الركاب ما كانت تصلح غرضا لنا على الإطلاق ، وكذلك أى مركب غير إنجليزية ، فضلا عن ضرورة الانتهاء من تركيب الثقل باللغم فى فترة بسيطة لا نزيد عن ساعة قبل وصول الباخرة المقصودة - ثا كان لابد من التوفيق بين وصول القارب الذى يحمل ( الثقل الحديد ) من الضفة الغربية ووصولنا بالسيارة التى تحمل اللغم من الضفة الشرقية إلى نفس المكان الذى كان يبعد نحو ثلاثة كيلو مترات من كوبري الفردان الذى تقوم عليه نقطة حراسة إنجليزية .
كل هذا كان يستدعى منا ضرورة تامين ظهورنا فى أثناء العملية ، وكان يستدعى أيضا إجلاء المنطقة من دوريات خفر السواحل ، لذلك التقينا بالسيد حسن التهامي الذى عرفني به جمال عبد الناصر لتيسير هذه الأمور لدى الضابط المنوط به حراسة الشاطئ ضمن قوة خفر السواحل .
واخترنا الليلة والمكان والساعة ، ووضعنا اللغم فى سيارة جيب ، واتجهنا بالسيارة إلى المكان المقصود تحرسنا سيارة من سيارات الجيش بقيادة الرائد على السود الضابط بالمعسكر المصري فى الضفة الشرقية ومعنا الضابط حسن التهامي والأخوة رشاد المنسي وإبراهيم بركات ويوسف عبد المعطى وصلاح عبد المتعال وآخرون نهضوا معنا بمسئولية تنفيذ هذه العملية .
وكان وتمت التنفيذ بعد منتصف الليل ،وحملت السيارة الجيب اللغم يستره غطاء السيارة ومضت القافلة برجالها إلى المكان المتفق عليه يحرسنا السيد حسن التهامي ويساند ظهرنا من أي عدوان يقع علينا .
وكان المتفق عليه قيامي بتفجير اللغم من مكان على الشاطئ الشرقي يشبه الكهف الصغير ويبعدون مكان الانفجار نحوا من مائتي ياردة .
ولكن ..
قبل وصول السيارة إلى المكان المعد للتنفيذ ساخت فى رمال الضفة الشرقية وتوقف الموتور ولم نتمكن من تحريكها ! . . وغير بعيد منا تف ح نقطة الحراسة الإنجليزية ! !
وتركنا السيارة وحملة ا اللغم من " الشفة " التى تربط النصف العلوي منه بالنصف السفلي ومضينا إلى مكان الالتقاء ننتظر القارب القادم ( بالثقل الحديد ) من الضفة الغربية .
ومضت نصف ساعة متثاقلة الدقائق والثوان وبدأنا نسه ح أصواتا تتصاعد من بعيد من الجهة التى ننتظر قدوم القارب منها ، وكأن شجارا نشب بين أشخاص على الضفة الغربية ، ولم نتبين تفاصيل الحديث ، فأرسلنا من يتحرى الأمر فوجد أن القارب فى مكانه من الضفة الغربية .
لم يتحرك وعلى الشاطئ جنود من حرس الحدود فأدركنا أنههم منعوا القارب من التحرك مخافة استعماله فى تهريب مخدرات أو نحوها ! وكنا حريصين فى الخطة على إخلاء الشاطئ من أي دوريات حتى لا نواجه بهذه المفاجآت ، وعلمت من حسن التهامي الذى كان مكلنأ بأداء هذا اللمور أنه أبلغ القائد العسكري لهذه المنطقة وبإخلائها من الدوريات ،ول كن يبدو أن قائد المنطقة تخوف من احتمال الإيذاء الذى يلحق به من الإنجليز إذا تم التفجير ،فأخرج الدورية فى نفس المنطقة التى رغبنا فى إخلائها وأوقفت القارب عن العبور إلى الضفة الشرقية لوضع الكرة التى تحمل مادة الـ T. N . T وربطها ( بالثقل ) الذى بداخل القارب ثم إنزال الثقل بعد ذلك فى جوف المياه مثبتا به الكرة المتصلة بسلك ممتد إلى مائتى ياردة فى العمق حتى أول الشاطئ إلى حيث مكان الكهف الذى يعتبر ساترا لمن يقوم بمهمة التفجير .
وأسقط فى أيدينا !
إذ لا شك أن تفجير اللغم لو حدث على سطح الماء ة لمن ينشج شيئا له أثره ، وفى نفس الوقت بجعله ظاهرا للعيان ولا يمكن تثبيته فى الماء لأنه سيسبح خ التيار ونم جز بالتالي عن ملاحقته ليمكن تفجيره بجهاز كهربائي من الشاطئ ومربوط بسلك موصول باللغم ، وشهدت الألم والقنوط على وجه حسن التهامي ، بل عجز عن حبس دموعه ! ووجدت أن هذا أمر يستقيم ومشاعرنا جميعا فلم يشغل بالى . . ولكنه أصر على تنفيذ العملية برغم ذلك ! ! وأصر على تفجير اللغم فى السفينة القادمة ! ! - أى سفينة ! - ورفضت بصورة قاطعة ، فلم يكن هدفي إحداث أصوات تفجير فى انطواء لا وزن لها،كما أن احتمال إصابة سفينة غير التى اخترناها يخرجنا عن الهدف الذى نسعى إليه ، فقد اخترنا مركبا إنجليزيا نسد به القناة ، وأية جنسية أخرى لا يتحقق بها هدفنا .
ولما يئس حسن التهامي . أخبرنا أن جريدة المصري قد جهزت مانشيت بالخط العريض تحس تفاصيل هذه العملية وأنها كانت تنتظر منه الإشارة بالتنفيذ لطبع المناشيت . . فما هو الموقف الآن ؟ !
فقلت لا شيء ، لا يكتب شيء عن هذا الحادث على الإطلاق ، ولا علم لى بذلك أصلا ، وإذا كان عبد الناصر قد رتب الإعلان عن هذا الحادث فى جريدة المصري بدون أن يخبرني ، فعليه وحده علاج الأمر مع الجريدة ! !
ولكن كيف نتصرف فى اللغم ؟
كان عزيزا علينا ترك اللغم بدفنه فى الرمال . . لأنه لابد سيكشف من دوريات سلاح الحدود ولن نستطيع العودة إلى تنفيذ العملية ثانية .
وفى نفس الوقت ساخت السيارة فى الرمال . . فلا يمكنها حمل اللغم ، وبدأت أشعة الفجر تلتى بصحي من النور يعين على رؤية الإنجليز لنا !
وسألت من معي من الاخوة الرأي ، فأشاروا بدفن اللغم فى الرمال وفعلا بدأنا الفحت حتى قاربت الفجوة أن تسه ح اللغم ، وكدنا ننتهى من تغطيته بالرمال ، وعنت لأحدنا فكرة إعادة إدارة السيارة ففعلنا ، فدارت ماكينتها وإذا بها تخرج من " الغرز " بسهولة . . وسرنا بها إلى مكان اللغم فلم يعجزها السير ، فعدنا نفكر فى حمل اللغم ثانية فى السيارة والمضى بها من حيث قدمنا !
فلما وصلنا إلى أول الطريق وجدنا الصاغ حلى السودة يلقانا بمشاعر صادقة حلوة تحس قلقه علينا طوال الوقت ، وتحركت السيارتان فى حذر عند المرور بها على نقطة المراقبة الإنجليزية .
وكان الفجر قد انشق نوره فى وضوح . . ولكن مضينا إلى حيث أودعنا الغم فى منزل مأمور القنطرة وجهزنا أنفسنا لجولة أخرى .
وفى اليوم التالي كان حسن التهامي أسبقنا إلى الاقتناع أن الحكة كانت تقتضينا هذا التوقف ، فإن المركب الذى كان من الممكن أن يكون هدفنا بعد عجزنا عن تفجير اللغم داخل مياه القناة كان مركبآ هولنديا يحمل أطفالا ! .
وحمدت الله الذى هيما!ا لنا النجاة من هذه الخطيئة الكبيرة التى كان من الممكن الوقوع فيها لولا 2 توفيق الله بوضوح الهدف لدينا ، وحمدت الله ثمانية حينما شهدت حسن التهامي يبدأ صلاته معنا ونحن نخوض غمار هذه المحاولة التى لم لكتب لها النجاح فلم نكن نشهده يصلى من تبل ، وكنا قد دعوناه فلم يلب وأسرننا ذلك من أعاقنا،فقد كنا نحس أن الله لن يمنحنا توفيقه إذا رضينا بمعصية أحدنا . . ولكن شاء الله أن يهديه فصلى ، فكانت فرحنا بذلك كبيرة ، وكشفت صلاته الغمة عن قلوبنا .
وفى اليوم التالي لهذا الحادث أبلغنا حسن التهامي أن دورية سلاح الحدود قد اكتشفت كل خطواتنا فى الليلة الماضية حتى لقد قرأ تقريرا فى هذا الصدد يبين عددنا والوقت الذى حملنا فيه اللغم.
وإن لم يستطيعوا تحديد نوعية الشيء المحمول وقد وصفوه فقط أنه حمل تفصيل ! وقالوا فى التقرير إننا حاولنا دفن هذا الشيء الثقيل ولكن استخرجناه ثانية ! ! وبالجملة كشفوا تفصيلات دقيقة بمجرد تتبعهم الأثر فى المكان الذى عزمنا على تفجير اللغم فيه !
وبعد أيام توخينا الحذر ما استطعنا وعزمنا على تفجره فى مكان آخر شمال القنطرة،ولكن باءت المحاولة بالفشل أيضا لعدم تمتهننا من إنزال اللغم فى المكان المناسب من القناة . . فأودعناه ثانية فى (جراج ) منزل مأمور القنطرة شرق الذى عرض نفسه لكثير من الشاطر المباشرة من قيادة الاحتلال البريطاني فكان مثلا كريما للضابط المجاهد فى موقع عمله .
وبعد قيام الثورة بفترة ليست بالقصيرة أبلغنا اللواء الباجورى مدير الأمن العام بالأمر واستطاع الأخ النقيب عبد الفتاح غنيم أن يتخلص من وجوده بمنزله فى ( الجراج ) بتفجيره بمعرفة ضباط الجيش .
وهكذا انتهت قصة (التيتل ) كما شاه البغدادى أن يسميه فى مذكراته (ا) . والتى ما زال رجالها الأحياء الذين عاشوها معنا يعرفون وقائعها حما دونتها اليوم .
والقصة كما يرى القارئ ليست أبعد من محاولة شجاعة لم تتم فصولها كما كنا نأمل .
ولكن. .
ما يدهشني حقا أن أفلاما كثيرة تناولت هذه الحادثة منها كمال رفعت والبغدادي والسادات (ا) بل قدمها فؤاد سراج الدين فى أثناء محاكمته كدليل يدخ به عن نفسه تهمة السلبية والتعود عن مواجهة الإنجليز . . وادعى البغدادى الذى كان يحاكه أنه وأترابه هم الذين قاموا بهذه المحاولة ! !
ولكن العجيب أن أحدا من كل هؤلاء الضباط لم يشر إلى دور الإخوان المسلمين فيها . . بل إن بعفهر الكتاب - أحمد حمروش ن كتابه -آثر أن يتهم المرشد حسن الهضيبي بأنه كان ضد حركة الجهاد فى القنال ! ولما رأى أن وقائع استشهاد الإخوان الطلاب شاهين والمنسي وغرهما تكذبه ادعى أن جهادهم هذا كان من وراء المرشد ! ! وفى نفس الوقت نصب للشيوعيين أكاليل الغار .
ولست هنا بصدد مناقشة وقائع كتابه . . . ولكن أعرض فقط لزاوية جديرة منا بالتأمل وهى تحريف الوقائع إلى الصورة التى تناسب السمت الذى يريد الكاتب أن يرسمه لنفسه أو لمحركة التى ينتسب إليها أو للرجل الذى لجحده ، ولهذا أردت أن أنبه فى مملية اللغم - الذى لم يتم تفجيره - آلى هذا الأمر الذى تعمد من ذكرت أسماءهم إخفاء بعض تفاصيلها ، لا للأثر الذى خلقته هذه العملية لأفها كما أوضحت لم لتم تنفيذها فعلا ، ولكن لأن حقائقها إذا بسطت على وجهها الصحيح توحى بوجود الإخوان فى معركة القنال ! وهذا عندهم أمر يجب إغفاله من التاريخ !
وعجيب كذلك أن ش ق أحداث معركة " القورين " مثلا التى قام بها الإخوان ونظمت أحداثها شعبتهم هناك ، أو الفدائيون الذين نسفوا مخازن الجيش الإنجليزي باقي سلطان ليجسد الشيوعيون منها نصرا للفكر الماركسي داخل القرية فى نفس الوقت الذى لا يذكر الكافي المؤرخ والضابط الحر شيئا عن حقيقة دور الإخوان (2) فيما رواه كتابه .
ومازال الأخ البطل عبد الرحمن البنان الذى خاض أحداثها خاض هش بكين أظهرنا إلى اليوم - وهبه الله العافية – وهو الذى قام بنسف القطار الإنجليز ى المحمل بالأسلحة و الذخائر والعتاد القنطرة غرب ، ، وقصته ف هذا الشأن ملحمة بطولة في هذه الفترة من نشاط الإخوان المسلمين أخشى أن تسرق هى الأخرى وتنسب إلى غيرهم . . . !
أن الشيوعية تعتبر الملوك أعداءها ا التقليديين ، فإن قادة الشيوعية المصرية غلب عليهم فيما يبدو سلوك ملوك المصريين القدماء الذين كانوا يسرقون انتصارات لأنفسهم فى المعارك الحربية وينسبونها لأنفسهم ويتقشرنها على الآثار .
فلا عجب أن نشهد اليوم هذا الصنف ممن يحبون أن يحمدوا بما لم يقطعوا فتراهم يضيقون ما يشاءون ويسقطون من الوقائع ما يكرهون نسبته لأصحابه فى جرأة نادرة فى تزيف التاريخ الذى ما زال أصحابه أحياء يرزقون !!
حريق القاهرة
لقد كان حريق القاهرة أول بادرة للثورة الاجتماعية ط الأوضاع الفاسدة و حريق القاهرة هو تعبير شعبي عن سخط الشعب المصري كانت ترزح فيه مصر من إقطاع واحتكار واستبداد رأس المال من خطبة عبد الناصر فى حفل افتتاح مجلس الأمة سنة 1960 .
فى أغسطس سنة 1951 توقفت مباحثات حكومة الوفد الإنجليز التي كان مقصودا منها إلغاء معاهدة سنة 1936 التي في ثارت عليها الأمة بأجمعها وشجبها الإخوان المسلمون .
ولم يقف عداء فاروق لوزارة الوفد عند الحد الذى يدفعه إلى إقالتها فحسب ، ولكنه بدأ يقيم العراقيل أمامها للحيلولة دون وصولها إلى إلغاء هذه المعاهدة بطريق المفاوضات ، فاستدعى الفيلد مارشال سليم - قائد القوات البريطانية فى الشرق الأوسط - فى أثناء إجراء هذه المباحثات وقال له : " أحب أن تبالغ حكومتك بأنه مهما كانت نتيجة المباحثات فإن نتائجها (ن لوثر على علاقتنا معا ! ! " (1) .
وكان هذا الإخطار من الملك يعني أنه لا!ب على الإنجليز أن ينقوا بالا إلى ما تحققه هذه المباحثات من فشل أو نجاف ، فإن علاقته بهم أو؟ق من أن شالها اختلاف حكومة الوفد معهم !
وكان هذا معناه اضطرار؟ الوزارة الوفدية إزاء ضغط الرأي العام المصري إلى القيام بإلغاء هذه المعاهدة من طرف واحد ردا على كيد الملك فم الذي علموه فئ حينه من أحمد عبود باشا بما نقله عن السفير كافرى فى هذا ا لصدد ( 2 ) .
وهكذا وقف النحاس باشا فى مساء 8 أكتوبر سنة 1951 على منبر مجلس النواب وأعلن إلغاء المعاهدة .
وظن الإنجليز أن هذا الإلغاء لن يترتب عليه أى لون من الكفاح المسلح أو القرارات التي تعوق الوجود ا البريطاني القنال ، إلا أن الوفد أصدر تشريعا بسجن كل عامل يستمر ف العي ل بالقاعدة البريطانية، وكان عددهم 554005 عامل ، فوصلت نمي بة البطالة بعد أيام من هذا الشرح إلى 155 ير وقامت وزارة الستون الاجتماعية بدفع مرتبات هؤلاء العمال كاملة بعد نزوحهم إلى القاهرة ، كما صدر قرار وزارى فى السكك الحديدية من نقل أى مهمات إلى القاعدة .
وكان احتجاج السفير البريطاني -الذى قدم للحكومة المصرية آنذاك - بسبب نشاط ضباط البوليس الذين يرتدون ملابس مدنية وذلك لتحريركم الآمال الفدائية ن القنال ، فضلا عن مصرع أكبر خبير للإنجليز !
شئون حرب العصابات يمثل صورة مما كان يعانيه الإنجليز فى: ذلك الوقت . وفي يوم 21 ديسمبر سنة 1951 قالت جريدة التيمز"إن الجنود الإنجليز فى حيرة من جدوى الاحتفاظ بقاعدة عسكرية فقدت كل قيض مما نتيجة للشعور الوطني أعادى وإن الجهاد الديني الذي تبدو أبعاده فى المنطقة بشرعية سفك دماء الجنود البريطانيين يجعل الأمور خطيرة للغاية " ! !
وفى يوم 12 يناير نسف الإخوان المسلمون قطار بريطانيا محملا بالجنود والأسلحة والذخائر وقام بهذه العملية الأخ عبد الرحمن البنان فى قصة بطولية نادرة .
وكتبت النيوزكرونيكل فى تعليقها على هذا الحادث تقول : " إن الضباط الإنجليز قي ش لون بان هذه المعركة أعنف من أي معركة خاضوها أيام الانتداب البريطاني فئ فلسطين .
" . . وكتبت نيوستيتسمان تقول : " إن مستقبل المصالح البريطانية " قد أصبح الآن مظلما فإما جلاء عن مصر وإما اشتباكات عسكرية لفترة طويلة غير معلومة الأجل .
ووصل . إلى القاهرة (1) نجيب الراوي موفدا من نوري السعيد رئيس وزراء العراق وقتذاك ، وقابل فؤاد سراج الدين وزير الداخلية وتال له : "إن الإنجليز أفلسوا تخافا وهم يطلبن حلا محفظ ماء الوجه ، وهه مستعدون للموافقة على كل شيء شريطة إيقاف أعمال الفدائيين فى القناة " وأجابه فؤاد سراج الدين : " بأنه ليس هناك مصري يجرؤ على إعلان ذلك وأن على الإنجليز أن يقرروا الجلاء " .
والنتيجة المتوقعة إذا الموقف أن حاول الإنجليز استعادة سلطانهم على مدن القنال لإجهاض الحركات الفدائية المتوالية ، فاصطنعوا معركة ضد بوليس الإسماعيلية فى25 يناير سنة 1952 ص ين حاصر الجنرال أرسكين القائد العام للقوات البريطانية فى المنط قة رأمر قوات البوليسي المصرية بتسليم كافة أسلحتها خلال نصف ساعة وأن يخرج الجنود رافعين أيديهم وإلا فه نه سيهدم الثكنات على من فيها بالمدفعية ! ! وقرر ضباط البوليس رفض الإنذار،- وبدأت المعركة التي قتل فيها سبعون جنديا مصريا من جنود البوليس كما قتل كذلك أربعون جنديا إنجليزيا من قوات جيش الاحتلال .
وظهرت الصحف الإنجليزية فئ يوم 26 يناير تقول إن إنجلترا تشعر بالخجل لأن جيشها يحارب البوليس المصري ! !
كيف بدأت الشرارة الأولى :
فى اليوم التالي لضرب قوات البوليس ! الإسماعيلية ، صدرت الأوامر لقوات بلوكات الأقاليم ا إى تعمل بالجيزة لحفظ الأمن فئ الجامعة ، أن نسافر إلى الإسماعيلية لتحل محل القوات التى قتل وجرت عدد كبير منها .
وفى أثناء عودنهم إلى مقر " البلوكات بالدراسة بالسيارات وعلى طول الطريق ترددت هتافاتهم ضد الإنجليزيين وضد الحكومة احتجاجا على قتل إخوانهم ق الإسماعيلية ، وكانت هذه القوات يرأس ط الضابط عبد الهادى نجم الدين من بلوكات الأقاليم الذي كان مكلفا بالذهـاب إلى الإسماعيلية لاستبدال قواته بالقوات التى أصابها الإنجليز فى أثناء ضرب بوليس الإسماعيلية بالقنابل .
وفى ميدان الأوبرا نزلت ثلة من الجنود من ا السيارات بدأت ، تشعل الحرائق الحرائق فى المحلات التجارية الإنجليزية ، مع الشعب الذى أثارته حوادث الإسماعيلية بالأمس . . وفعلت نفس الشي لقوات القادمة السيارات من ورائهم ثم عجز الضابط عبد الهادى نجم الدين عن ملاحقة الأمر " أو دفه، . وخرج الأمر تماما من يده واستمرت القوات فى إحداث الحريق في فندق شرد وغيره من الفنادق والمحلات الإنجليزية وغيرها. وجرح شباب الجامعة تضنا فى القاهرة بمظاهرات كبيرة في تندد بفداحة جرم الإنجليزية ، ،و لما صدرت ،الأوامر لقوات البوليس النظامي الشوارع والميادين بالتصدي لهم رفضوا ذلك ! واندفع الطلبة المتظاهرون إلى السفارة البريطانية وحاولوا اقتحامها ،ولكن رجال البوليس منعوهم من ذلك فقذفوها بالطوب والحجارة ، ثم اتجه المتظاهرون إلى المؤسسات الإنجليزية لحرقها وتمكنوا من إحراق المكتبة البريطانية! السفارة ، واتجهوا إلى مكتب هيئة الخطوط البريطانية؟ في ميدان التحرير وأحرقوه أيضن ، ثم إلى بنك باركليز الذى سرقت منه أموال كثيرة ،ثم تطوت الأمور وتصرفت الجماهير بطريقة غوغائية بدأت بلإحرق فالمباني الأجنبية دون تمييز بي لمن الإنجليزية وغيرها . . .
وبدأ حريق القاهرة !
وإني إذ اقررن الحريق بدأ عفويا بهذه الصورة التى شرحتها، آلا أن استمرار الحرائق ووقوف رجال البوليس موقفة سلبية ترك الفرصة لبعض العناصر فئ أن تفكر وتدبر فى الاستفادة من هذه الكارثة .
فى ظهر هذا اليوم 26 يناير سنة 1952 اتصل بى عبد الناصر تليفونيا كي أذهب إليه فى كنزاه فمنجدته فى حالة من الاضطراب لم بعهده عليها من قبل ! وطلب منى الإسراع فى نقل أسلحة وذخائر موجودة لدى مجدي حسنين فئ مدرسة الأسلحة الصغيرة لخوفه من تفتيش المكان بمناسبة الحريق ! واتفقنا على موعد ذهاني إلى هناك واتصل هو بمجدي حسنين وابلغه الموعد . . ولكن استلفت نظري سؤاله.المتكرر ليهم صح الإخوان ما اشتر توش فئ الحريق ده .. فأجبيه بالقطع فى عدم اشتراكهم طبعا ، فهذا لا يتسق ديننا بنظرتنا للمصبحة . فكرر سؤاله جملة مرات بما استوقف خاطري .. ولكن الوقت لم يسمح لنا بطرح هذا الموضوع معه للمناقشة من جانبا لحل والحرمة.
وتوجهت إلى مدرسة الأسلحة الصغيرة ومعي الأجوبة منير دله وعبد القادر حلمي بسياراتهم والتقينا هناك بمجدي حسنين ونقلنا هذه الأسلحة والذخائر برمتها إلى عزية الأخ حسن العشماوي تمهيد لنتلها بعد ذلك إلى والده المرحوم محمد العشماوي بالشرقية ش هي نهمه ى الأسلحة التى ضبطها عبد ا اضاصر وقدم ة مها حسن العشماوي للمحاكية لإحرازه أسلحة وذخائر بقصد قطب نظام الحكم فى يناير سنة 1954 ! ! وكان قد تردد فى مذكرات البغدادى أنه قد حض ث فيما تردد من أن أعضاء جماعة مصر الفتاة هم الذين قاموا بإحراق القاهرة وبعضهم من العناصر اليسارية " ولم يجد فى ذلك ، ولكنه أغفل طبعا التحقيق فى ارتباط عبد الناصر بهذه الأحداث إذ أنى لا أستطيع أن أتجاهل ما تشير إليه هذه الواقعة التى رويتها عن مخافة عبد الناصر من ضبط الأسلحة بمدرسة الأسلحة الصغيرة فى هذا الوقت بالذات ، فما دام الأمر بعيدا عنه فإذا يريبه ويدعوه إلى هذا الاضطراب ؟
وإ ذا كانت القرائن التى ساقها ا لمرحوم حسن العشماوي فى كتابه " الإخوان والثورة " فى هذا الصدد لا تكفى للإقناع بدور عبد الناصر فى هذا الحريق وذلك حين قال إنه وجد ضمن المواد التى نقلها بسياراتنا مادة T.N .T التى استخدمت فى حريق القاهرة وذلك عندما دارت مناقشة بينه وبين عبد الناصر بعد الحريق وقبل الثورة فيما ل ذا كان من المصلحة قيام ثورة عسكرية الآن ، فل! يستطع جمال عبد الناصر أن يضبط نفسه وينطلق فى سؤال إنكاري " لماذا إذن كانت هذه المتاعب والأخطار فى سبيل إنزال قوات الجيش إلى شوارع القاهرة ، لقد كان الأمر أن أتفلت من أيدينا ! ! "
وحدثي حسين توفيق فى أستأ وجودي معه فى سجن المزرعة بطرا سنة 1972 قبل الإفراج عنه بقليل أنه شاهد عبد الناصر يوم الحريق ينقل إلى عربته أسلحة أخذها من محل السلاح بميدان الأوبرا ، ولقد أحبت أن أسوق هذه القرائن لعل ذلك يلغي ضوءا على أحداث حريق القاهرة الذى حققه" البغدادى فئ محكمة الثورة وأورد نتيجة التحقيق بدون اتهام لأحد ، ولخص أحداث الحريق بأنها جرى بسبب انفعال الجماهير وغضبها وأن هذا هو المحرك آلما حدث وسرت عدوى التدمير والتخريب بعد ذلك فى الناس .
ولكن ذلك لا يمنع القول بأنه من المحتمل : أن الناصر وغيره قد استغل هذه الحرائق بصورة أو بأخرى ولا يجب أن يغيب عن بالنا حديث عبد الناصر - عن هذا الحريق سنة 1960 فئ سفل افتتاح لمجلس الأمة حين قال :
" لقد كان حريق القاهرة أو ل بادرة لتوش الاجتماعية على الأوضاع الفاسدة ، س حريق القاهرة هو تعبير شعب عن سخط الشعب المصري على ما كانت ترزح فيه مصر من إقطاع واحتكار واستبدت رأسي المال " كان هذا التعبير ص ت حريق القاهرة مذهلا لكل الناس إذ أن الجميع كانوا يعتبرون هذا الحادث أ:ث ح الجرائم التى ارتكبت ضد مصر ، ذ+لم كيف جعله عبد الناصر أولى بوادر ثورته !
لقد أتاح هذا الحريق للإنجليز إيقاف كفاح الشعب ضدهم فى القتال . وأتاح للملك فاروق أن يبرئ الإنجليز على شعبه فئ إسقاط الوزارة الوفدية أي بدأت مساندتها للشعب فئ كفاحه الفدافئ ضد الإنجليز ، وكانت هذه أول مرة يتفق في "ا سلوك الحكومة مع رغبات الشعب ضد المستعمر الإنجليزي .
ولكن ذهول الشعب من مقالة عبد الناصر هذه فى حفل افتتاح مجلس الأمة لم ينته فقد ظل هذا التخريب طابعه إلى يوم وفاته ! !
أما الجهات الأخرى التي تشب س إليها أصاخ الاتهام بالاستفادة بأحداث هذا الحريق فكانت القصر والإنجليز .
وبا(نسبة لفاروق فكان قد أعد حفلا يوم 26 يناير (يوم الحريق ) بمناسبة ميلاد ولى العهد الذى كان قد ولد فى15 يناير من نفس الشهر وقد دعا إلى هذا الحفل كبار الضباط من الجيش والبوليس على السواء وقد استبقاهم فى القمر ممنوعين من الاتصال بالخارج وكأنهم مسجونون وليسرا مدعوين ،ومما يذكر أن فؤاد سراج الدين وزير الداخلية فى ذلك الوقت اتصل بحيدر باشا وزير الحربية ألذ كانت القصر ل ذ ذاك خ المدعوين وطلب منه إصدار الأوامر بى ش ول الجيش إلى القاهرة لإعادة النظام إليها !كدفع أعمال العنف ، فرد عليه بأنه لا يستطيع إصدار مثل هذه الأمر دون استئذان الملك فطلب منه أخذ الإذن منه ثم الاتصال بر، الثانية لإصدار الأوامر المطلوبة وبالطبع لم تصدق إلا ن الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم بعد أن استفحل الأم ر وانتشرت الحرائق فى أنحاء القاهرة،ومن ناحية أخرى فقد طلب الملك من النحاس باشا بعد نزول الجيش إعلان الأحكام العرفية فى البلاد بعد أن أحرقت عاصمتها وكان منطقيا إذ ذاك أن يطلب الملك هذا الطلب من رئيس الوزارة وقد استجاب النحاس لهذا ا(طلب متورطا أو جاهلا بينية الملك سيالة فأعد قرار إعلان الأحكام العرفية وقدمه إلى الملك ليذيله بتوقيعه ،وى ننسى الوقت و ث الملك على قرار إقالة حكومة النحاس باشا وتعين وزارة جديدة كان رئيسيها هو الحاكم العسكري موجي أ بذلك طعنة قاسية إلى النحاس مظهرا إياه أنه المتسبب فئ إعلان الأحكام العرفية، ومظهرا نن!سه أنه هو الذى أقاله وخلص البلاد منه وفى نفس الوقت صدر قرار بإيقاف اللواء على حكمدار القاهرة لأنه لم يمنع المظاهرات ! !
هدأ من ناحية الملك ، ومن ناحية أخري فقد استفاد الإنجليز تماما من هذا الحريق ومن إعلان الأحكام العرفية ومن إقالة النحاس فقد كان هذا لموتت بداية إحساسهم بثقل فى س بات الفدائيين نجهم وحرج مركزهـم في القتال مما اضطرهم ن بعض الأحيان إلى اقتحام بعض لى القروي بدباباتهم بحثا عن الفدائيين في وتعقبة لهم ،وكانوا قد بدءوا يضجون من النحاس باشا وحكومة الوفد وتشجيعهم الفدائيين ومساعدتهم وشكهم في تعارفهم معهم فى بعض الأحيان ، وحنن ننظر إلى الأحداث بعد ذلك نجد أنها كانت سانحة تماما ، فقد أعلنت الأحكام العرفية ، وتغيرت حكومة النحاس ،وعينت وزار ة جديدة ، وشي ومنع نشاط الفدائيين ، بل طولبوا بتسليم أسلحتهم ، هدا بالإضافة إلي أن الإنجليز كانوا هم السبب الأول فى الحوادث التى أدت إلى الحريق ، وقد هددوا فيه بالزحف إلى القاهرة بحجة إعادة النظام إليها وحماية المصالح الأجنبية من الغوغاء ما لم تتوقف أعمال العنف ويستتب الأمن ويظهر من ذلك أن الإنجليز قد استفادوا تماما من الحريق بتوقف أتهال الفدائين وبتفويت الفائدة التى كان يمكن أن تجنى من إلغاء المعاهدة . .
ولعله من المفارقات الجديرة بالتسجيل هنا أن نعرض لما انتهي إليه أمر الأسلحة والذخائر ومادة T . N . T التي حملها الإخوان بسياراتهم لإنقاذ عبد الناصر ومجدي حسنين وغر هما ممن كان من المحتمل إلحاق أضرار بهم ضما لو أجرى معهم تحقيق بصدد إحراز هذه الأسلحة والمفرق حين قبل الإخوان الذين حملوا الأسلحة هذه الخاطرة فى هذا الوقت العصيب والانتقال بها فى شوارع القاهرة التى كانت تلتهمها النيران .
وتوخينا الحذر ما استطعنا أن يقبض علينا البوليس السياسي المعروف آنذاك باسم " القلم الخصوص " . .
ولكن لم يدر فئ خاطرنا قط أن نحذر من جمال عبد الناصر نفسه ! !
ولذلك فعندما برزت مشكلة إخفاء هذه الأسلحة ، إلى جانب الأسلحة الأخرى التى كانت معدة لإرسالها إلى القنال ،لم نجد مانعا من أن يشاركنا عبد الناصر فى تصميم الذى أقتاه تحت أرضية ( جراج ) والد المرحوم حسن العشماوي بعزبة مباشر بالشرقية ! !
وتم بناء هذا المخزن فعلا بواسطة الإخوان فى مدى ثلاثة أيام وكان الأهل يبل ليلا فى سرية كاملة على حسب التصميم الذى وضعه جمال عبد الناصر ! ! ونقلت الأسلحة والمواد المتفجرة إذ هذا المخزن فى سرية تامة كذلك و. ظلت حتى نجاح الحركة .
وكان قلقنا يبدو أحيانا سوء التخزين لأن المخزن بنى فى سرعة س على عمق ثلاثة أمتار من سطح الأرض الأمر الذى كان نخشى جمليه ص من تسرب المياه إلى أرضية الخزن ونلف الأسلحة والمواد الأخرى، ولذلك كنا نستعجل ء"جمد. الناصر فى نقل محتويات المخزن كان يطلب منا التريث لعله يحتاج إليها يوما ما !
وكنا نتصور أنه ربما كان فى عزمه مواصلة الكفاح ئ القنال ! ولذلك لم تكن إجابته تة ير تلقنا كثيرا .
وفى يناير سنه 1954 تحققت حاجة عبد الناصر إلى هذه الأسلحة فعلا حين ألق القبض علينا واتهمنا بتخزين أسلحة ومفرقعات تفكي لنسف القاهرة ! ! ضمن اتهامات أخرى بالاتصال بالإنجليز من وراء ظهره وحينئذ أطلق ألسنة الصحافة بالكلام عن مخازن الأسلحة هذه التى كانت معدة لمحاربة الثورة . . . لا لإنقاذ الثوار من براثن الشرطة يوم حريق القاهرة ! !
ويدخل المرحوم حسن العشماوي السجن فى يناير سنه 1954 متهما أ بإحراز أسلحة عبد الناصر ويأق وكيل النيابة المحقق ليسأله عن هذه الأسلحة ومن صاحبها فيجب الأستاذ حسن بانه يطلب تصريحا كتابيا من عبد الناصر لكى يجيب عن هذا السؤال ! !
ويطوى وكيل النيابة أوراق التحقيق ويذهب إلى عبد الناصر فلا يرد عليه بشيء ! ! . . ولم تتم فصول المهزلة بعد !
فبعد ثلاثة أشهر نحرج الإخوان فى25 مارس سنة 1954 ويذهب عبد الناصر إلى منزل المرشد فى نفس اليوم فلا بحد حسن العشماوي ويسال عنه فيقال له هو " غاضب من سلوكك معه وخ الإخوان " فيضحك عبد الناصر ويعقب فى تساؤل ماكر : " أنا ض ته فى الجرائد بما يساوى عشرة آلاف جنيه ! ! " . وهكذا كان تقييم عبد الناصر لمعاق العدل والصدق والوفاء . . كانت كلها لا تعدل عنده ظهور اسم ضحيته فى الصحف بتهمة ملفقة !
دور الإخوان ق حركة 23 يوليو سنة 1952
بعد استقالة وزارة حسين سري فى 19 يوليو كان أول تخطيط فكر فيه ضباط م الحركة ينيير نظام الحكم هو ا!ال بعض الساسة المصريين ممن ساهم فى إفساد الحياة السياسية فى البلاد وقد اتفقت المجموعة كلها على تنفيذ هذه الاغتيالات ولم يشئذ منهم أحد والأمر الوحيد الذى عاقهم عن التنفيذ كان عدم وجود سيارات كافية لديهم للقيام بهذه العماليات ! ! ".
من مذكرات عبد اللطيف البغدادي . . .
بعد حريق القاهرة فى 26 يناير سنة 1952 نشطت لقاءات عبد الناصر بنا وكان يحضرها عادة المرحوم الأستاذ حسن العشماوي والأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ فريد عبد الخالق أحيانا ، وكان أغلبها فى منزل الأستاذ عبد القادر سلس الذى عاش عامة أحداثها وخاصة تلك الاجتماعات التى حددت مسيرة حركة 23 يوليو سنة 1952 . ويشاركنا الأخ الأستاذ عبد القادر حلمي رواية هذه الفو ة من التاريخ كما شاركنا أحداثها فيقول :
" فى أواخر يناير وأوائل فبراير كثرت لقاءات عبد الناصر بنا وجاءنا يوما بعد حريق القاهرة يقول إن من رأت 9 التعجيل بالقيام بالانقلاب لان الظروف مناسبة ، لقيام حالة مي خ التجول من منتصف الليل إلى م الصباح الباكر ، وهى مدة يسيطر فيها الجيش على الأمور فى القاهرة ويمكنهم القيام بالانقلاب فى خلالها .
وبدأت مناقشاتنا فى لقاءات متفرقة فى كل إلى بحضور الاخوة صالح أبو رقيق والمرحوم حسن العشماوي وصلاح شادي فى أهداف الانقلاب أو ما يترتب على حدوثه وقدم عبد الناصر رايه فى هذا الأمر بأن الغاية من الانقلاب تتمثل فى ثلاث أمور :
ا -إصلاح نظام الحكم السياسي بإرساء قواعده على أساس حكم نيابي سليم .
2 -تطهر الجيش وأجهنرة الدولة من عملاء الملك وعناصر الفساد .
3 - إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل .
وكانت وجهة نظرنا تتلخص فى أن مبادئ الإسلام هى الأساس الوحيد الصالح لحكم مصر ولعلاج الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي منها ، وأقر عبد الناصر ذلك وأكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغير المنشود، وأوضح أن هدفه الإسلام ، إلا أنه قال : " إن المصلحة عدم اب اهرة بذلك فى بادى الأمر ، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا حتى لا يحارب أعداء الإسلام الحركة فى أول عهدها ، ثم بدأ الجيم ح فى مناقشة الأمور المترتبة على قيام الانقلاب ، مثل موضوع الحكم ومن الذى سيتولاه ،وقد عرض عبد الناصر دراسته فئ هذا الأمر ، وتتلخص : فى أن الأحزاب القائمة فى ذلك الوقت قد استشرى فيها الفساد ، كما أن القائمين عليها غير ضباط .من لتولى الأمور بعد الانقلاب لتحقيق أهدافه ، وقد اتضح من ثنايا المناقشة أن الضباط الأحرار لهم أعضاء مندسون فى كثير من الأحزاب ليتعرفوا أخبارها وخطوط سيرها .
وأن دراستهم لهذه الأحزاب أكدت لهم أن ليس هناك حزب جدير بالثقة والاحترام سوى الحزب الوطني الذى تمسك بمبادئه واحترمها حيث رفض قبل ذلك الاشتراك فى الحكم أو مفاوضة الإنجليز إلا بعد جلائهم ، ومع ذلك فإن هذا الحزب لا يستطيع أن يتولى الحكم لضعف تكرينه وافتقاره إلى القاعدة الشعبية .
ثلاثة احتمالات :
وقد أوضح عبد الناصر أن الدراسة بينت أن موضوع إسناد الحكم بعد الانقلاب لا يخرج عن ثلاثة احتمالات . إما أن يتولى الإخوان الحكم أو يتولاه الجيش ، أو تتولاه شخصية مستقلة عن الأحزاب يعتني باختيارها ، وقد أظهر تبادل الآراء - بعن عبد الناصر من جهة ومجموعة الإخوان من جهة أخرى - أن ليس من المصلحة من بادي 4 الأمر أن يتولى الإخوان الحكام حتى لا ينكشف الاتجاه الإسلامي لحركة مما قد يكون له رد فعل دولي ضدها من أعدائه .
أما عن العسكريين فلا يجب أن يتولوا الحكم إطلاقا ، لان التجارب على مدى التاريخ أثبتت أن تدخل العسكريين فى السياسة وتوليهم الحكم يؤدى إلى انحرافهم إلى الطغيان الشديد مما لا يمكن لأحد أن يحده أو يقف فى مواجهته كما أنهم يتعرضون للانحراف عن المبادئ والأهداف التى قاموا من أجلها أكثر من غيرهم لتجمع السلطة فى أيديهم وقد لاحظ أحد الإخوان الحاضرين تأثير هذه المناقشات على وجه عبد الناصر، فقد ظهر عليه الارتياح والاطمئنان لفكرة استبعاد تولى الإخوان كا ظهر عليه الوجوم الشديد عندما تولى الأخ حسن العشماوي مهاجمة فكرة تولى العسكري في الحكم بالشرح والتفصيل مؤيدا فكر.
بحجج منطقية ووقائع تاريخية ، وعند الانتقال إلى. مناقشة الاحتمال الثالث ؟هو إسناد الحكم إلى شخصية مستقلة اقترح أحد الإخوان " على ماهر " كشخص ذى كفاءة احترم نفسه فى فترة قيامه بالعمل كرئيس للديوان أو كرئيس للحكومة فلم يشب ماضيه أية شائبة مثل ما أصاب الأحزاب من فساد،وأنه حاز الإعجاب والإحرام سواء من المصرين أو الأجانب وقد لقيت هذه الفكرة الاستحسان ، رمن الأمور التى لهثيم لمتها المناقشات والدراسات خ عبد الناصر وبعض زملائه من الضباط الأحرار ومع مجموعة الإخوان السابق ذكرها – مصير الملك – وقد رؤى أن يترك هذا الأمر للظروف فى الوقت المناسب .
وقد نوقش فى البداية مدى قدرة الضباط الأحرار على القيام بالانقلاب من الناسية العسكرية، وكذلك دور الإخوان المتصور فى هذا الانقلاب . وبصفة خاصة من الناحية الشعبية وقد أوضح عبد الناصر أن لديهم القدرة فى الوقت الحالي على القيام بالانقلاب ، لأن الأمن والنظام فى القاهرة – وخصوصا وقت منع التجول – منوط بالجيش ، وأن المسئولين عن القوات الموجودة بالقاهرة منهم ، كما أن لهم رجالا فى جميع وحدات القوات المسلحة والجميع ينتظر هذا اليوم – فيما عدا البحرية –التى لا اخشي منها إذا تم الاستيلاء على القاهرة والسيطرة على زمام الأمور فيها والقبض على الملك
الموقف الداخلي :
استعرض الموجودون ردود الفعل المحتملة فى الداخل ، وكان الرأي التفق عليه أن القوى الشعبية بصفة عامة سوف تؤيد الانقلاب ولن يوجد بينها من يدافع عن الملك ونظامه بما فى ذلك الأحزاب ، إلا أنها سوف تحاول !! كسهب ثمار الانقلاب أو السيطرة على القائمين به ، لتوجيههم لمصالحها الأمر الذى ينن فى وضعه فى الاعتبار ، وعدم السماح لهم بذلك ، وفى أثبت ير الأيام صحة هذه التوقعات حيث إن رجال الأحزاب لى اختلافهم حاول ذ التقرب من مجلس قيادة الثورة بطريقة مهينة ومؤسفة .
أما الفئة الوحيدة التى كل تصورنا أنها لن تقبل الانقلاب ويتوقع منا المتاعب فهم الشيوعيون ،ومع أنهم بر كانوا فئ ذلك الوقت يفتقدون الشعبية تماما سواء بين الطلاب أو العمال آ س الذين كان الإخوان يسيطرون على توجيههم ، إلا أنه يجب الحذر منهم م ومراقبتهم ،واتفق على أن يتولى الإخوان مسئولية الانقلاب وحمايته والدفاع عنه من الناحية الشعبية ، أي أن الضباط الأحرار يقومون بالجانب العسكري فى الانقلاب ويقوم الإخوان بالجانب الشعبي .
احتمالات التدخل الأجنبي :
أما من ناحية ردود الفعل الخارجية فمد اتفق الرأي من خلال الحوار ، على أن دولتين فقط ص ، أمريكا وإنجلترا يحتمل تدخلهما ، وقال عبد الناصر فى هذا الشأن إن أمريكا لن تقف فى صف الملك إذا حدث الانقلاب ، بل إنها تؤيد أى ثورة أو انقلاب يطيح به ، وقد فهم ضمنة أنه يلإى رأيه على أساس معلومات استطاع بعض زملائه الحصول عليها نتيجة صلة صداقة أو مل خ مسئولين فى السفارة الأمريكية ، وقال إنه ليس لديه معلومات عن سياسة إنجلترا وموقعها فى هذا الشأن ، وهنا أجاب الإخوان أنهم يعلمون أن موقف الإبخيز لن يختلف عن ما يقف أمريكا ، وقد فوجى عبد الناصر تمامة بهذا القول وأبدى دهشته من هذه المعلومات وكيف حصل عليها الإخوان ، وسأل عن مصدرها وألح فى التأكد من صحتها مرة ثانية ( وقد تأكد الإخوان فعلا مرة ثانية وأخبروه ) وبحب التنويه على أن دهشة عبد الناصر من حصول الإخوان على هذه المعلومات تهان سببها أنه لم يتصور أن عندهم القدرة على معرفة رأى الإنجليز بصورة أكيدة ، كما أن المستقبل كشفع عن اختلاف مصدر المعلومات بالنسبة للضباط الأحرار ومصدرها بالنسبة للإخوان ، وقد كشف الإخوان لعبد الناصر فى الوقت المناسب عن مصدرها ، ومن ناحية أخرى كشفت الأيام عن حقيقة علاقة عبد الناصر بأمريكا . ولازالت تكشف عن الجديد .
ويحسن أن نشير هنا إلى كيفية وصول هذه المعلومات عن الإنجليز إلى الإخوان . . فتد كان المستشار محمد سالم وهو مستشار قانوني فى إحدى الوزارات على علاقة زمالة وصداقة ببعض الإخوان ( الأخ منير دله والأخ صالح أبو رقيق )وكان للمذكور نشاط سياسي عن طريق صلاته ببعفر أعضاء الأحزاب ،كما كان يقترب من الإخوان ، وكان فى نفس الوقت على صلة ببعض الشخصيات الإنجليزية الكبيرة التى تعمل فى مصر،وكذا بأركان سفارته م ( وكان الإخوان على علم بنشاطه ) وقد حاول الإنجليز عن طريقه أن يستشفوا موقف الإخوان من الملك حين كان مسافرا إلى إلى آروبا واجه الثاني ، حيث جاءهم المستشار المذكور بفكرة أو أمنية الإنجليز بعدم عودة الملك إلى مصر وتحبيذهم لقيام انقلاب ضده ، وأنههم لن يعارضوا مثل هذا الانقلاب ، ولكن الإخوان كانوا يعرفون حقيقة هذه اللعبة ولم ينساقوا وراءها .
ونعود إلى الموضوع الأصلي حيث أوضحت أن عبد الناصر فى أواخر يناير كان يرى تعجيل القيام بالانقلاب لمناسبة الظروف الخاصة بمنع التجول من منتصف الليل إلى الصباح الباكر . ولكن . . حضر إلينا عبد الناصر فى أحد الأيام يشكو بعض زملائه الذين لم يوافقوا على القيام بالانقلاب لعدم مناسبة الوقت ! !
ويجدر بى هنا أن أنوه إلى أن عبد اللطيف البغدادي يذكر فى مذكراته أنه قد اعتكف عن اجتماعات اللجنة التنفيذية للضباط الأحرار فى هذا الوقت المشار إليه لأنه كان يدعو إلى التدجيل بتنفيذ الحركة فى نفس الوقت الذى كان عبد الناصر يرى عدم الاندفاع ويدعو (ا ) بم إلى التأني .
ولذا لم يعد البغدادى إلى الاجتماع بهم إلا يوم 16 يوليو عندما استدعي على أثر قرار حل نادى الضباط . .
إذن فقد كان عبد الناصر ينقل إلينا الوقائع بعكس ما كان يدور وبين إخوانه فى اجتماعاته بهم.
ومن المفهوم أن مجموعة الإخوان التى أشرنا إليها سابقا كانت تبلغ المرشد بما يدور فى اجتماعاتها خ عبد الناصر زملائه أولا فأولا .
وتمضى الأحداث بنا إلى أوائل يوليو سنة 1952 حيث استقالت وزارة نجيب الهلالي بسلب تحقيقها فئ قضايا الرشوة والفساد والمحسوبية ، فلما اقترب التحقيق من الملك ورجاله أقاله وعين حسين سري فى أوائل يوليو الذى أعلن عن إقامة انتخابات برلمانية جديدة ،وطلب من الملك تعين محمد نجيب وزيرا للحربية فأصدر الملك قرار أ بحل بر إدارة نادى الضباط وطلب من حسين سري ، تعيين حسين سري عامر وفي يرأ للحربية فاستقال حسين سري فى 19 يوليو وكلف الملك نجيب الهلالي بتأليف الوزارة فى 21 يوليو وتعيين القائم قام إسماعيل شيرين وزيرا للحربية .
ثم نما إلى علم الضباط أن أجهزة الملك الخاصة بالأمن توصلت إلى معرفة بعض من أس هاء الضباط الأحرار وأنه على وشك التحرك للقضاء عليهم ، وإزاء تلك الظروف رأو من الضروري أن يتحركوا بسرعة وأن يبقوا الملك وأجهزته وأن يضربوا ضربتهم وإلا فإن التنظيم ربما يقضى عليه قبل أن يحقق الهدف . . "
مفهوم التغيير لدى الضباط ! !
كان أول تخطيط فكر فيه الضباط هو العمل على اغتيال (1) بعض الساسة المصريين من الذين ساهموا في إفساد الحياة السياسية فى البلاد ! !
وإذن فهذه الحركة التى بدت ذات نتائج ضخمة فى تاريخ مصر لا بجب ا أن نعطيها أكثر من دوافعها التى شغلت فكر رجالها .
فلا نظلم التاريخ ولا نظلم الرجال إذا حملناهم أهدافا لم يقصدوها ، ونخطئ الرأي كذلك إذا تصورناها ثورة أو حتى انقلابا فى ذلك الوقت .
وإنما كانت دوافعها وقت حصولها هى محاولة دفع بطش الملك بهم وعدم تمكينه من الوصول إليهم ، بصور ة ساذجة لا يمكن أن تؤتي حتى هذه الثمار بتلك الوسيلة !
ومن العجيب أن تتفق المجموعة كلها على تنفيذ هذه الاغتيالات ولا يشذ منهم أحد حتى يصبي ، الأمر الوحيد الذى يمنعهم من القيام بهذه الاغتيالات هو عدم وجود سيارات لديهم تحقق القيام بهذه العمليات ضد هؤلاء الساسة الذين كان عددهم يزيد على الثلاثين شخصا (1) ،ولذا فقد اضطروا إلى إعادة النظر فى الخطة التى ظهر لهم عدم صلاحيتها لأن هذه الاغتيالات لابد أن ينكشف أمرها ( ليس لأن الهدف كان التغيير الجذري لنظام الحكم القائم والذي لا تصلح له هذه الخطة ) ! جرى هذا التفكير قبل ستة أيام فقط من قيام الحركة على خفاء منا وبعيدأ عن الهد! والمضمون الذى تم اتفاقنا عليه خ عبد الناصر .
وأخيرا . .
رأي الجميع ( بعد مناقشة وتقليب الأمر على جوانبه المختلفة ) أن أى باب سيطرقونه فيه مخاطر كبيرة على التنظيم وعلى حياتهم والتضحية لازمة فى كل الحالات ! وإذن فليأخذوا المخاطرة بالعمل على تنفيذ الخطط الأساسي وهو القيام بانقلاب عسكري (2) ! . الاتفاق علي التنفذ :
وفى يوم 19 ناقشوا فيما بينهم تنفيذ الانقلاب بعد أن قسموا مراحل التنفيذ إلى ثلاث مراحل أولها السيطرة على القوات المسلحة ، والثانية السيطرة على جهاز الحكومة المدني ، والثالثة التخلص من الملك . .
ويعود بنا الحديث مرة أخرى مع الأستاذ عبد القادر حلمي ليروى لنا أحداث اليوم السابق لاجتماع الضباط الذى قرروا فيه تنفيذ الانقلاب !
وهو يوم 18 يوليو عندما طلب عبد الناصر عقد لقاء هام وعاجل معنا . وقد تم هذا اللقاء فى ذات اليوم حوالي الحادية عشرة مساء فى ص نزلى، وحضره خ عبد الناصر كمال الدين حتى يروي لى عبد الحكيم عامر . وكانوا فى غاية الإنهاك والتعب والجوع وقالوا إفهم لم يناموا منذ 48 ساعة ولم يأكلوا شذا منذ الصباح وحضر.ه كذلك معنا الأخوة حسن العشماوي وصالح أبو رقيق وأخبرنا عبد الناصر بحدوث ا أمور خطيرة إذ أن أسماء أعضاء مجلس قيادة الضباط الأحرار قد عرفها البوليس السياسي .
ولذلك فإنهم يرون وجوب الإسراع بالقيام بالانقلاب ، وقد قرروا ذلك فعلا وأن يكون فى خلال عشرة أيام ، وسال عما إذا كان الإخوان موافقين ومستعدين لقيام بلررهم الذى سبق الاتفاق عليه وتحمل المسئوليات بعد إتمام الانقلاب ، وطلب ردا سريعا ، ولكن الإخوان أفهموه أن صاحب الكلمة فى هذه الأمور هو المرشد .
وأنه موجود بالإسكندرية وأن الرد يحتاج على الأقل إلى 48 ساعة للسفر لاستطلاع رأى المرشد وتحديد لقاء بعد هذه المدة ، وسافرت ( والحديث ما زال للأستاذ عبد القادر ) ومعنا الأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ فريد عبد الخالق والمرحوم حسن العشماوي ، واتفق على بقاه الأخ صلاح شادي فى القاهرة لانتظار عبد الناصر فى الموعد المتفق عليه فى حالة احتمال تأخير عودة الإخوان من الإسكندرية وتد تحقق فعلا هذا الاحتمال ، وعندما حضر جمال عبد الناصر فى الميعاد المحدد فى 20 يوليو تأجل اللقاء العام حتى يعود من ذهب للقاء المرشد .
مخاوف المرشد :
وقد عرض الأخوة الموضوع الذى جاءوا من أجله على المرشد ، ووجه إليهم المرشد عدة استفسارات أهمها مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام ومدى إخلاصهم فى قولهم بالعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، وهل تم الاتفاق فى وضوح س صراحة على هذا الأمر ؟ وهل اتفق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار فى الانقلاب والمسئولية إزاءه .
والتعاون ى تنفيذه وبعد نجاحه ، وفى النهاية أعطاهم المرشد موافقته المشروطة بالأمرين السابقين كما أعطاهم الحق فى الاتصال بالإخوان لتنفيذ التعليمات فى الوقت المناسب التى تترتب على قيام الانقلاب والمشاركة فيه بما فيهم ضباط الإخوان فى الجيش لتنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادتهم ، وعندما عاد الاخوة متأخرين عن الموعد السابق عرفوا الموعد الجديد للقاء عبد الناصر الذى حدده معه الأخ صلاح شادي يوم 21 يوليو .
وحضر عبد الناصر وحده مبكر فى هذا اليوم إلى منزلي قبل حضور الأخ صلا وفى هذه الأثناء اتصل بعض الإخوان تليفونيا من المركز العام سائلين عن الأخ صلاح شادي وأكدوا أهمية لقائه فاتفق معهم على الحضور فى منزلي للقائهم وعندما عرف عبد الناصر أكاد الأشخاص الذين اتفق معهم على الحضور طلب عدم تعريفهم بوجوده وأسبابه ، وقد انتقلوا فعلا إلى غرفة داخلية ليتمكن الأخ صلاح من لقاء القادمين من الإخوان فى غرفة الاستقبال وزيادة فى الاحتياط نقلت سيارة عبد الناصر من أمام المنزل إلى شارع خلفي . وعندما تكامل حضورنا اجتمعنا بجمال عبد الناصر وشرحت له وجهة نظر المرشج بالتفصيل وقد صدق عبد الناصر على جميع تحفظات المرشد وأكد قبولها وأنه سبق الاتفاق عليها معنا وقال إنه تأكد له اليوم أن اسمه قد عرف لدي البوليس السياسي لذلك فقد اتفقوا على القيام بالانقلاب فى خلال يومين على الأكثر وأنه سيعرفنا بالموعد ساعة الصفر .
تذكير بالبيعة :
وقبل انصراف عبد الناصر استأذن الأخ صلاح من الاخوة الموجودة ن أن ينفرد بعبد الناصر وتد تم الانفراد فترة قصيرة أنصرف بعدها جمال عبد الناصر ، ثم أبلغنا صلاح بأنهما تذاكرا فى هذا اللقاء عهدهما السابق على المبادئ والأهداف التى بايعا الله عليها قبل الإقدام على هذه الخطوة المصيرية وأشهد الله على هذا العهد بقراءة الفاتحة .
فى خلالي الاجتماع المذكور حضر الاخوة حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي ومعهما الضابطان عبد المنعم عبد الرءوف وأبو المكارم عبد الحي وكان الأستاذ صلاح قد استشار إخوانه الأربعة فيما إذا كان من المصلحة تعريفهم مما يجرى من أمور فى هذا الشان أم لا ؟
واتفقوا أنه ليس من المصلحة الآن الكشف . عما يجرى من اتصالات خ هذه الجماعة ؤأن على ضباط الجيش من الإخوان تنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادته م ، وقد التزم الأخ صلاح بهذا الرأى عندما قالا أنهما باعتبارهما ضابطين فى الجيش قد شعرا بتحركات للضباط الأحرار .، ولما سألا الدكتور حي ئ كال الدين وعبد الرحمن السندي لم يجدا عند"ما معلومات بهذا الشأن وتالا وقال إنهما ما جاءا إلا للاستفهام من أ صلاح عن هذا الموضوع وقد انصرفا قبل انصراف عبد الناصر .
وفى اليوم التالي ( 22 يوليو ) اجتمع ( الإخوان الخمسة ) الذين كانوا على اتصال يهذأ الموضوع فى منزلي ليتدارسوا الأمور ويتفقوا على التصرفات الواجب عملها ، وما إلى ذلك من مواضيع مهمة تترتب على قيام . الانقلاب وانصرفوا تبل الفجر بقليل .
وعلى أثر صلاة الفجر اتصل حسن العشماوي تليفونيا بى وطلب منى ارتداء ملابسى وانتظاره أمام المنزل للخروج معا لأن الانقلاب قد تم بنجاح ولما التقي به أخبرني أن عبد الناصر حدثه تليفونيا من قيادة الجيش وطمأنه أن الانقلاب قد تم بنجاح وأنهم استولوا على الأمور وإن كان هناك بغير المتاعب والعقبات ، إلا أنه لا يخض ى منها وظلمت أن يتولى الإخوان دورهم سأطلب منه عبد الناصر أن بحضر إليه فى موعد اتفقا عليه معتذرا بأنه لا يستطيع مغادرة قيادة الجيش حاليا ، .
كما طلب تكليف أحد الاخوة بالمرور على منزله ليطمئن زوجته وأخاه بالتحدي- على نجاح الانقلاب لأفهما ينتظران هذه الأخبار بقلق . وقد تم تبليغ الرسالة المطلوبة لمنزل عبد الناصر بواسطة أحمد إبراهيم بركات صلاح بالذهاب إذ الدكتور حسين كمال الدين باعتباره مسئول الإخوان عن منطقة القاهرة وإطلاعه على جميع الأمور ليقوم بدوره بإصدار أوامره وتعليماته إلى ،الإخوان ليقوم كل بدوره . . وقد لاحظنا فى أثناء سيرنا أن قوات الجيش وبعض الدبابات موجودة بالشوارع وفى الأماكن الرئيسية، وكان قصر عابدين محاطا بالقوات وأن الهدوء يسوه المدينة .
وقد قام الإخوان بواجباتهم كاملة بعد أن أبلغوا بالأوامر والتعليمات ، وتوجه عبد المنعم عبد الرءوف بوحداته العسكرية (ا) إلى محاصرة تصر الملك بالإسكندرية بناء على تعليمات ( قيادة الجيش والإخوان ) ولم يتخلف عن دوره كجندي حينما استدعى لأداء واجبه فى حصار القصر ، ولم يعقه عن أداء دوره صراعه خ عبد الناصر عندما أضاف إلى الحركة ضباطا من كل لون وجنس للتفرد بالسلطة وإبعاده عن النظام الذى أقام عده بنفسه ورواه بعرقه وبناه بجهده .
قامت الثورة إذن يحالفها النجاح فى أولى خطواتها فقد بدأت التأييدات تنهال عليها من مختلف وحدات الجيش ،إلا أن القوات البحرية تأخر تأييدها بعض الوقت وبالنسبة لفئات الشعب المختلفة فقد أبدت التأييد والرضاء التام ، ولم يكن هناك من يأسف من أجل الملك ، فبالرغم - من انه بدأ حياته أحب مالأ. يكون إلى قلوب أفراد الشعب وانعقدت - آمالهم عليه كما لم تنعقد لأحد من قبلة من أفراد أسرته ، لا فإن البطانة الفاسدة ومحاربة الأحزاب وتصرفات الإنجليز ، كل تلك العوامل كانت تهدم الملك بوسائل مختلفة وكان أخطرها أثرا انزلاقه فى طريق الفساد واللهو الذى زينه له رجال بطانته حتى إنه فقد فى السنوات الأخيرة لحكه كل رصيده الشعبي وحل محله السخط والمبرم ا.لكراهية لحكمه وسياسته ا وسلوكه الشخص ى ، لذا فلم يكن من المستغرب ألا يجد حليفة حتي من الجيش ، وظهر ذلك جليا يوم 26 يوليو حين ثم إجباره على التنازل عن العرش حيث تركه الجميع يواجه مصيره الحتمي الناتج عن سلوكه وسوء تصرفاته ، وتنازل عن عرشه مجبر لولده الذى كان لا يزال فى المهد،ولم يتجاوز ممره ستة أشهر وعين عليه م مجلس وصاية مؤلف من الأمير محمد عبد المنعم ورشاد مهنا و بهي الذين بركات -.
أمريكا تؤيد الضباط !!
ومما لفت الأنظار فى حينه وأثار كثيرا من التعجب . الدور و الذي قام "به الممه فير الأمريكي:لإقناع الملك إ، بالتنازني ، ،.نجير أن الأمر م رفتها لم يتجاوز التعجب (!).
وبالإضافة إلى ذلك نقول ، إنه لما نجحت المرحلة الأج لى كل ت الخطة ، رأوا تجنب الصدام مع القوات البريطانية المعسكرة فى منطقة القنال فأبلغوا السفير ( عن طريق السفير الأمريكي ) برأن الجيش المصري تحرك داخلية وأنهم "ص يصون على مصلحة الأجانب وحماية أرواحهم ، محذرين ين ى نفس الوقت من أن أى تدخل من القوات البريطانية سيدفعهم إلى التصدي والاشتباك معها وأن هناك منظمات شعبية ستشترك فى هذا التصدي(2)
وهكذا خرج الملك من مصر نهائيا ومعه الملك الجديد الطفل ، وكانت ظواهر الأمور تدل على أنه من غير المتوقع عودة أحدهما ، وبذلك طريت صفحه من صفحات تاريخ مصر لتفتح صفحة جديدة ليست أفضل كثيرا من سابقتها.
علي ماهر فى الحكم
أسندت الوزارة أول ما قامت الحركة إلى علي ماهر عملا بالاقتراح السابق دراسته والذي أضرنا إليه فتتفا ، كما تم أ تشكيل ما ب ى " مجلس قيادة الثورة " الذي تولى الحكم الفعلي ، وهو مكون من رجال الصف الأول من تنظيم الضباط وفقا لما قاله عبد الناصر ، وتد تولى رئاسة المجلس محمد نجيب الذى كان قد انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار قبل مدة ليست طويلة ، وتلخص ظروف انضمامه عبد الناصر فى أنه عندما اعتزم تنظيم الضباط الأحرار خوض معركة تجريبه ضد الملك للتأكد من مدى قوتهم وتأثيرهم فى الجيش وهى معركة انتخابات رئيس مجلس إدارة نادى الضباط ، رأوا وقتها أنه يحتاجون فى تنظيمهم إلى ضابط برتبة كبيرة لما لهذا من أثر معنوي ونفسي سواء" بالنسبة لخصومهم أو للتأثير فى باقى الضباط الذين يدعون للانضمام إلى تنظيمهم ، وأنه انتهى باختيارهم للواء محمد نجيب لما يعلمونه من نظافته وتاريخه الطيب فى الجيش ، ولم يكن ممن مشى فى ركاب الملك نحيره من كبار الضباط فضلا عن ص فاته الخلقية والشخصية ، وقد خاض معهم فعلا معركة الانتخابات المذكورة وانتهت بنجاحه لمنصب رئيس مجلس أداره النادي وأفلحوا فى إسقاط مرشح الملك الأمر الذى اضطره إلى حل مجلس الإدارة فى 96 يوليو سنة 1952 قبل سبعة أيام من حصول الانقلاب .
تولى محمد نجيب رئاسة مجلس قيادة الثورة وبدأت الوزارة تباشر مسئولياتها بتوجيه من المجلس المذكور لتحقيق أهداف الحركة ، وكان اهتمامهم الشديد فى أول الأمر متجها إلى ضرورة إصدار قانون الإصلاح الزراعي بأسرع وقت .
ومن اليوم الأول لقيام الانقلاب رأى الإخوان أن طبيعة الأمور ومقتضيات العلاقة المشتركة بين الإخوان والضباط الأحرار تقتضى، ضرورة حضور المرشد من الإسكندرية ليكون بجوار الأحداث ، وليم تم اللقاء المباشر بينه وبين عبد الناصر ، وقد سافر لهذا الغرض بعض الإخوان ليصحبوا المرشد فى عودته التى تمت يوم 26 يوليو سنة 1952 .
وفى يوم 35 يوليو الساعة السابعة صباحا تم اللقاء بين المرشد وعبد الناصر لأول مرة فى منزل الأخ صالح أبو رقيق لقربه من مقر القيادة العامة للجيش ، وقد دار الحديث بينهما من منطلق ما اتفق عليه عبد الناصر مع الأخوة الذين كانوا أيجتمعون .
معه قبل قيام الحركة كما سبق أن ذكرنا بالتفصيل غير أن عبد الناصر بدأ يتنصل شيئه فشيقة من بعض الالتزامات التى تقتضيها المشاركة المتفق عليها ، مقتلا عندما قيل له بوجوب التشاور خ الإخوان فى الأمور الرئيسية فى السياسة العامة قبل اتخاذ أي قرار فها"ث سواء فى النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وذلك بصفتهم شركاء فى المسئولية " . . هنا رفض عبد الناصر- وقال عبارته التى كان يكررها فى مناسبات مختلفة " إنه لا يقبل وصاية من أي جهة على الثورة " وهنا وجه المرشد حديثه متسائلا بتعجب حسن العشماوي: " ألم تتفقوا على المشاركة "يا حسن ؟ " فأجاب بلي اتفقنا . وهنا ظهر على المرشد عدم الارتياح أو الاطمئنان لدرجة أنه لم يشارك فئ الحديث تقريبا حتي نهاية الجلسة التى دامت حوالي الساعتين ، بعدها انصرف عبد الناصر .
أبدي ا المرشد للإخوان عقب انصرافه عدم اطمئنانه إلى اتجاه هذه الحركة وعدم ثقته بالقائمين عليقا لما بدا من تنصل المسئولية الأول الفعلي من التزاماته ووعوده -،2 التنصل الذى بلغ جد الكذب وذلك من أول خطوة س فى طريق الجريمة ! ورتب على ذلك أنه لا يمكن اعتبارها حركة إسلامية تسر على الخط والهدف الذى يبتغيه الإخوان ، وإنما يمكن اعتبارها على أحسن لم الوجوه حركة إصلاحية ويبتغى القائمون بها الانفراد بالعمل وأنه يجب أن يكون تعامل الإخوان معهم قائما على هذا الفهم ! !
هكذا انتهى الأستاذ عبد القادر حلمي من سرد روايته فى شأن –ما تدمنا . . وبق أن نتساءل عن الوجه الذى أراد عبد الناصر أن يعرض * ليصور للأمة هذه الفترة من علاقته معنا فئ ظلال الأحداث التى واكبتها .
قرار الحل الثاني للجماعة
فى يوم 13 يناير سنة 1954 صدر بيان مجلس الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين مصورا فيه هذه العلاقات على النحو الآتي :
" بدأت الثورة فعلا بتوحيد الصفوف إلى أن سلت الأحزاب ولم سل الإخوان إبقاء عليهم وأملا فيهم وانتظارا لجهودهم فى معركة التحرير ، وبأمهم لم يتلوثوا بمطامع الحكم كما تلوثت الأحزاب السياسية الأخرى ، ولأن لهم رسالة دينية تعين على إصلاح الخلق وتهذيب النفوس ، و لكن نفرا من الصفوف الأولى فى هيئة الأخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمناخ شخصية وأطماع ذاتية مستغل ين سلطان الدين على النفوس وبراءه وحماسة الشبان المسلمين ولم يكونوا ن هذا مخلعين لوطن أو دين .
ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم تقوم عليها هذه الهيئة لإحداث انقلاب فى نظام الحكم القائم تحت ستار الدين وقد سارت الحوادث بي ين الثورة وهيئة الإخوان بالتسلسل الآتي :
فى صباح يوم الثورة استدعى الأستاذ حسن العشماوي لسان حال ، المرشد العام إلى مقر القيادة العامة فئ كوبري القبة وأبلغ إليه أن يطلب من . المرشد العام إصدار بيان لتأييد الثورة . ولكن المرشد بت ف مصيفه بالإسكندرية لائذ! بالصمت فلم يحفر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك .
ثم أصدلي بيانا مقتضبا طلب بعده أن يقابل! أحد رجال الثورة وهو البكباشي جمال عبد الناصر فى منزل الأستاذ صالح أبو رقيق الموظف بالجامعة العربية وتد بدأ المرشد حديثه مطالبا بتطبيق أحكام القانون فى الحال فرد عليه البكباشي جمال أن هذه ا الثورة قامت سربا على الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي الاستعمار البريطاني وهى بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن الكرم ، فانتقل بالحديث إلى تحديد الملكية وتال إن رأيه أن يكون الحد الأقصى ( 505) فدان
فرد عليه البكباشي جمال قائلا إن الثورة رأت التحديد بمائى فداق فقط وهى مصممه على ذلك . فانتقل المرشد بالحديث قائلا إنه يرى لكى تؤيد الإخوان الثورة أن يعرض عليه أى تصرف للثورة قبل إقراره ، فرد عليه البكباشي جمال قائلا بأن هذه الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها وهى لن تقبل بحال أن توضيح تحت وصاية أحد ، وإن كان هذا لا يرخ القائمين على الثورة من التشاور فى السياسة العامة خ كل المخلصين من أهل الرآى دون التقيد بهيئة من الهيئات ولم يلق هذا الحديث قبولا من نفس المرشد . .
ليس بدعا أن نختلق عبد الناصر الأكاذيب أمام شعب لا يعرف حقيقة ما دار بيننا وبينه قبل الحركة ، ولكن عبد الناصر كان يدرك بغير شك أن ضباط الحركة جميعا يعرفون التخبط الذى تم بين الإخوان المسلمين وبينهم ليس الذى تم اليوم السابق للحركة فحسب ، وإنما قبلها بكثير فما نشره مؤرخو (1) عبد الناصر فى الصحف فى 14 نوفمبر سنة 1952 بعد قيام الثورة بأقل من أربعة شهور عن طبيعة هذه العلاقة عندما سئل عبد الناصر من أحد ضباط الحركة قبل قيامها مما إذا كان يتوخ خيرا من الإخوان فاجاب "نه بم خير كثير) ويعلق ميتشل صاحب كتاب " الإخوان المسلمين " على هذا الرباط (2) قى نظر ضباط الحركة فيقول : " هكذا خرج الإخوان المسلمون فى نظر الثوار وتد اكتسبوا منزلة عالية ومع هذا أصبحوا الشركاء المنطقيين فى سلف بين الجيش وحزب شعبي يعملان معا دون ارتباط ظاهري حتى يحين الوقت ا لمناسب .
أما قبل الحركة بيوم واحد فقد حضر جمال عبد الناصر معكمال حسين (3) لنبلغهم رأى المرشد وكان عبد الناصر قد أضر فى اليوم الأسبق وحده ولم يكن الأخوة الذين ذهبوا إلى الإسكندرية لأخذ رأى المرشد قد وصلوا بعد فأبلغته بالحضور فى اليوم التالي فلما وصل الإخوه فى اليوم السابق لقيام الحركة أخبرنا عبد الناصر وكمال حسين . بموافقة المرشد وقيامنا بما اتفق عليه وهو ما سبق أن أوضحناه .
وهكذا نتضح حقيقة ما أورده جمال عبد الناصر فى بيان مجلس الثورة " إنه فى صباح يوم الثورة (ستدعى حسن العشماوي لسان حال المرشد العام إلى مقر القيادة العامة بكوبري القبة وأبلغ إليه أن يطلب من المرشد العام إصدار بيان لتأييد الثورة . . ولكن المرشد بق فى مصيفه بالإسكندرية لائذأ بالصمت فلم يحضر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك ثم أصدر بيانا مقتضبا ! !
رد على المفتريات :
ويبدو أن ب س الثورة الذى آثر أن يصرر الإخوان وعلى رأسهم المرشد بأنهم كانوا بمعزل عن تأييد الحركة قد نسى بيان الإخوان المسلمين الذى صدر فى الصحف بعد أسبوع واحد من قيام الحركة ليرسم خطوات الإصلاح المأمولة فى العهد الجديد .
فهل نسى عبد الناصر أيضا حرصه يومين متواليين على استطلاع رأى المرشد بالموافقة رهل غاب عن المجلس أيضا مواقع فدائي الإخوان فى طريق السويس لإعاقة تقدم الجيش الإنجليزي إذا فكر فى التحرك لإجهاض هذه الحركة؟!
وهل غاب عنه أيضا تحرك جوالة الإخوان المسلمين لحراسة المنشات والسفارات الأجنبية الأمر الذى بشهد به البوليس المصري ورئيس مباحث العاصمة وتمتد الضابط الهادى دياب الذى كان دائب الاتصال ! فى هذه ا لشئون ) !
هل جرى كل ذلك بغير أمر المرشد وتكليفه ؟ !
وهذه بعض فقرات –من لمجان الإخوان المسلمين الذي صدر فى أول أغسطس سنه 1952 ونشرنه 3 الضعف المصرية ، يرم خطوات الإصلاح فى العهد الجديد مص درأ بهذه العبارة " بسم الله الرحمن الرحيم ، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز " .
الآن وقد وفق الله جيش مصر العظم لهذه الحركة المباركة ،- وفتح بجهاده المظفر أبواب ،الأمل فى بعث هذه الأمة وإحياء مجدهـا التليد لا ، وإزالة عقبة ،كانت تصد عن سبيل الله والحق وتعوق المصلحين ، ويستند إليها ويملى لها المفسدون والمغرضون من كبراء هذه الأمة و"كامها فى العهود المختلفة " .
ثم عرض البيان على ما ينبغي الالتفات إليه من ضروب الإصلاح فبدأ بالتطهير الكامل الشامل للحكام ونظام الحكم السابق بمؤاخذة كل ،من عبث بمصلحة الدولة أو أجرم فى حق البلاد . وأردف ذلك بوجوب إلغاء الأحكام العرفية وسائر القوانين المنافية للحريات ، وأبرز البيان أهمية الإصلاح ، ا: للق والتربوي واعتبر ه الركيزة قبل كل إصلاح فى القانون أو التشريعات .
ثم نسبه البيان إلى وجوب تحريم ما حرم . الله وإلغاء مظاهر الحياة التى تخالف شرعه وإعادة بناء النظام التعليمي كوين جيل جديد مشي خ بالروح الدينية والخلقية والوطنية .
ولفت البيان نظر الحكومة فى القسم الثالث منه إلى الإصلاح الدستوري بالمسارعة إلى عقد جمعية تأسيسية لوضح الدستور الجديد ليعبر عن عقيدة الأمة وإرادتها، لحماية مصالحها ويستلهم مبادئ الإسلام الرشيدة نى شئون الحياة كافة ، لتختني فى ظل هذه المبادئ أسطورة الحكام الذين هم فوق القانون أو المسئولية الجنائية .
وفى البند الرابع من البيان تناول جانب الإصلاح الاجتماعي فأورد ما يقضى به الإسلام أن يكون لكل فرد فى الدولة مسلما كان أو غير مسلم ، كحد أدن - مسكن وملبس ومطعم وعلاج بالمجان لغير القادر وتعليم بالمجان له ولزوجه ومن يعول .
وقبل توفر بهذه الضروريات الأساسية لكل فرد لا يوقع حد السرقة على السارق . . وبخ در إلى.التنبيه إلى وسائل تحقيق هذه المزايا بالعمل والتكافل الاجتماعي مع ضرورة النظر فئ عدة إجراءات يجب أن تنجزها الدولة هى :
( 1 ) تحديد الملكيات الزراعية : بتقدير حد أعلى وبيع الزائد عنه إلى المعدمين وصغار الملاك بأسعار معقولة تؤدى على آجال طويلة .
(ب ) تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر بما لا يحرم الفلاح من مملة طوال العام .
(جـ) استكمال التشريعات العمالية بحيث يشمل جميع العمال بما فيهم العمال الزراعيين وتحديد أجور العمال وفق المبادئ الإسلامية لض ن الحصول على نصيبهم من غلة الإنتاج .
( د) إصلاح نظام التوظيف : تأمين المرءوسين ضد أهواء الرؤساء وتبسيط الإجراءات وإلغاء المركزية وتقريب الفوارق بين الحد الأعلي والحد الأدنى ، والمرتبات والأجور 50 ..
(هـ ) جعل المسجد مركزا دينيا وثقافيا واجتماعيا بتعيين رجال متدينين ا مثقفين للإشراف على المساجد لتحويلها إلى قدوة حافلة بضروب الإصلاح والنشاط ومكافحة الأمية .
وعرض البيان فى مجال الإصلاح الاقتصادي إلى ضرورة فتبم ألوان جديدة لثروة وإصلاح الأوضاع القائمة على أسس سليفة تتضمن أمورا منها :
(1) تحريم الربا .
(ب ) تمصير البنك الأهلي .
(ج ) إلغاء بورصة العقود التى أدت المضاربات فيها إلى زعزعة الاقتصاد ا . القومى . .
( د ) استكمال إصلاح الأرض البور .
( هـ) تصنيع البلاد خ العناية بالصناعات المعتمدة على المواد لا الأولية المحلية .
وانتقل البيان بعد ذلك إلى التربية العسكرية واعتبر أن رجال افي للين بيم أولى الناس بإصلاحه والعناية به لتمكينه من تأدية واجباته التى تعتبر لا يؤخرها نجرها من الفرائض ولو يقتضي الأخذ من أبواي الميزانية الأخوي، وأشار البيان فى هذا الصدد. إلى مراعاة الآتى :
ا - قيام العلاقة بين أفراد الجيش على أساس الأخوة خ مراعاة الآداب والشعائر الدينية .
2 - توسيع نطام التجنيد بحيث يشمل بعد مدة محدودة كل من يستطع حمل السلاح .
3 - مضاعفة العنابر بالتدريب العسكري فى المدارس والجامعات .
4 – إنشاء جيش إقليمى يتكون من كل من فاته الانتظام فى الجيش العامل .
5 - أن تبادر الحكومة إلى إنشاء مصانع للأسلحة والذخيرة .
وانتقل البيان بعد ذلك إلى إصلاح الشرطة فشجب نظام البوليس السياسي الذى أساء إلى سمعة رجل الشرطة ودس إلى إلغائه ، وإلى تطهير الشرطة من عناصر الفساد التى عاونت الطغاة ، وندب كذلك إلى وندب مستوى كل رجال الشرطة وتوثيق روابط الرد بينهم وبين رؤسائهم ربينهم وبين الشعب .
وفى خاتمة البيان لخص خطوط الإصلاح فى أمور ثلاث :
ظالم يقتص منه ومظلوم ترد إليه حقوقه ، وأوضاع مكنت الظالم من الظلم يجب أن تتغير تغييرا شاملا فى كل ا: لو اني التى استطاع الطغاة أن ينفذوا منها إلى خ رجهم . وأشار إلى أن هذه الخطوط الرئيسية للإصلاح مستوحاة من كتاب الله الذى يأمر بالعدل والإحسان ورعاية أهل النسة ، وانتهى إلى قضية استقلال البلاد فقال أن ليس لها إلا حل واحد هو أن نحرج الإنجليز من مصر والسودان بل أن يخرج كل مستعمر من بلاد الإسلام .
وقد ظن عبد الناصر أن الشعب لن يقف لحقيقة بيانه ، ولكن عرف الشعب حتى فى أثناء اعتقالنا فى الأرض الثلاث التى تلت دخولنا السجن أن ما أورده البيان كان بعيدا عن الحقيقة ، وخرجتا فى مارس سنة 1954 لا لنصحح للناس الحقائق المفترى عليها فحسب ، وإنما ليقوم مرشد الإخوان بما اعتبره واجبه فى الإصلاح بين عبد الناصر إا) ومحمد نجيب فى وقت بلغ فيه الصراع على السلطة بينهما ذروته ! !
ولكن . . . شتان بين وفاه عبد الناصر ووفاء الأمين (ا) ! ! .
مرحلة الوفاق
لم تخل مرحلة الوفاق هذه من كثير من المنغصات أدناه ، محاولة التشهير بعبد الحكيم عابدين بإرسال فتاة يهودية إليه . . . ومحاولة القبض على عبده قاسم لإظهار سلطانه وجبر وته وهيلمانه ! !
كانت اللقاءات تدور بيننا وبين عبد الناصر ورفاقه فى منزله أو فى مجلس الثورة أو فى أحد بيوت الإخوان .
ولكنها كانت تدور على ضوء الفهم الذى حدده المرشد ، فى حعن ظل هناك بعض المسئولين وبش ض عامة الإخوان على فهمهم الأول من أن هذه الحركة إسلامية هم فيها شركاء ، وكان من أهم المشاريع التى تحمس لها رجال الحركة هو إصدار قانون الإصلاح الزراعي .
وكانوا يتعجلون علي ماهر فى إصداره ، فى الوقت الذى لم يكن متحمسا فيه - ير ما يبدو - لهذا المشروع فكان يسوف فى إملال اره ويتذرع لذلك بحجج شتى تتعلق تارة بالدراسة خ السياسيين ، وتاره ببحثه مع رجال الاقتصاد ، الأمر الذى أثار عبد الناصر ومن معه واتفقوا أخيرأ شم لى تغيير الوزارة . . ولما يمض على تيعينها ثلاثة أشهر .
وفى شهر سبتمبر استدعى عبد الناصر المرحوم حسن العشماوي للقائه فى مجلس قيادة الثورة ، وهناك أنبأه أفهم قرروا التخلص من على ماهر وتشكيل وزارة جديدة ، وأن الضباط الأحرار قرروا الاشتراك فى الوزارة والقيام بأعباء الحكم أ !
وأنهم بدءوا يتدارسون الشخصيات المدنية التى يمكن إن يستعان جمها فى النظام الجديد . وأدرك المرحوم الأستاذ حسن ان الحزب الوطنى هو الوحيد الذى يحتفظ لديهم م بالسمعة م الطبية برغم افتقاره ا إلى ا القاعدة الشعبية التي تخدم صلاحيته
كما أدرك أيضا من كلام عبد الناصر أن مجلس الثورة مجتمع هذا الوقت لدراسة تشكيل الوزارة وأنهم اتفقوا محلى أن يرأس الوزارة محمد نجيب واختاروا سليمان حافظ نائبا له وقرروا اشتراك الحزب الوطني بوزيرين .
وبدت رغبة عبد الناصر واضحة فى الانتهاء من تشكيل هذه الوزارة نفس اليوم .
وهنا أبدى المرحوم حسن العشماوي دهشته المقرونة بالاستنكار لعدم لتشاور خ الإخوان لهبل اتخاذ هذه ؟ الخطوة التى تعتر من الأساسيات المتفق عليها ظ فإن دخول العسكريين الحكم أمر يخالف ما ثم الاتفاق عليه .
آسف !! ، والعجيب أن عبد الناصر أبدى أسفه لهذا بالرغم ص ن إنكاره السابق أمام المرشد للمضمون الأساسي الذى جرى الالتقاء عليه قبل الحركة ، واعتذر بأن الرغبة فى سرعة التخلص من علي ماهر وتأليف الوزارة الجديدة هو السبب فى نسيان القيام بهذه م المشورة الواجبة ، ثم استطرد يقول إن الوقت –لم يصنع وما زالت هناك فرمي لأخذ رأى الإخوان فى هذه الأمور ، ثم عرض مشاركتهم فى الحكم .
وسأل حسن عن رأيه فى ذلك فأجابه أن الرأي لقيادة الإخوان ورعاية هو الاتصال بالمرشد فى هذا الشأن ، وقد تم ذلك كما سنبينه تفصيلا،وفى أثناء المناقشة سال عبد الناصر هل يوجد بين الإخوان من يصلح للوزارة اذ أن كلهم (مشايخ أفرد . علية، حسن أن من بين من يصفهم عبد الناصر بأنهم مشايخ على سبيل المثال أحمد الباقوري واسم أو اسمين فاعتذر عبد الناصر وقال فعلا إفهم يصلحون لتولى الوزارة ، كما ذكر عبد الناصر أنه عرض على مجلس .قيادة الثورة اقتراحه باشتراك حسن العشماوي فى الوزارة ، وقد وافق الجميع ف! جمدا المستشار سليمان حافظ الذى تعلل بصغر السن ، فرد حسن ،عل ت لك بأنة حتى لم لو تمت الموافقة فإنه لا يعستط خ قبول هذا العرض لأنه مرتبط فرأى جماعة الإخوان المسلمين التى هو عفه!و فيها ،ء وملتزم ؟السياسة التى نقراها وأما مسألة السنن ش تعليل غير مقبول لأنه لا يصغر عن بعض ث أعضاء المجلس ا.لمذيهور وخنى عبد الناصر نفسه ليكبره بأثر من خوالي ،ثلاث سنوات .
اتصل عبد الناصر فى هذه الأثناء وبحضور حسن وعبد الحكيم عامر بالأستاذ المرشد وعرض عليه اشتراك الإخوان فى الوزارة على ضوء الظروف الجديدة ، فأجابه المرشد يجب أن يعرض هذا الأمر على مكتب الإرشاد الذى يبت فيه بالرأي ، فرجاه عبد الناصر أن ت تم ذلك قبل العصر لأفهم يرغبون فى الانتهاء من أليف الوزارة فى نفس اليوم ، فوعده المرشد بالعمل على دعوة المكتب فى أسرع وقت ممكن ويبلغه بالنتيجة ثم طلب منه عبد الناصر أن يرشح له بعض أعضاء الإخوان ليتولوا الوزارة فى حالة الموافقة على الاشتراك فيها لتتاح فرصة لمجلس قيادة الثورة للمشاورة واختيار الأشخاص توفرا للوقت ، وكان رد المرشد هو نفس الرد السابق فلما ألح عليه عبد الناصر فى الطلب إلحاحا شديدا اضطر المرشد لأن يذكر له ببعض أمماه الإخوان مؤكد أن هذا ليس ترشيحا لهم لأن الترشيح في حالة الموافقة سيتولاه مكت الإرشاد ، ثم طلب عبد الناصر من المرشد أن يرشح بعض الشخصيات الإسلامية ممن يعتبرون من أصدقاء الإخوان أو ممن يرضى عنهم الإخوان لإشراكهم فى الوزارة فى حالة عدم دخول الإخوان فى الحكم ، فذكر له المرشد بعض الأسماء مثل أحمد حسني ! وعبد العزيز علي اللذين دخلا الوزارة فعلا .
ولقد تمت دعوة مكتب الإرشاد واجتمع فى نفس اليوم وانتهى إلى قرار بعدم اشتراك الإخوان فى الوزارة ، وأبلغ المرشد عبد الناصر بهذا القرار فورا .
الباقوري وزيرا ! !
وعند إعلان أسماء الوزراء الجدد فى مساء ذلك اليوم فوجئ الإخوان بوجود ،الشيخ أحمد الباقوري ضمن الوزراء ، إلا أن الحقيقة عرفت بعد ذلك وتتلخص فى أن عبد الناصر أرسل فى البحث عن الباقورى والاتصال به مباشرة فلما عزوا عليه عرض لميه الاشتراك ى الوزارة وقبل الباقورى دون الرجوع إلى رأى الإخوان ، وكان الباقورى وقتئذ عضوا فى مكتب الإرشاد وبحث عنه الإخوان لحضور الاجتماع سابق الذكر ولم يتمكنوا من العثور عليه لعدم معرفة أهل بيته بمكانه لأنه لم يرج بيت فيه " فى الليلة السابقة.
وبعد ج تشكيل الوزارة وأداء اليمين وما إلى ذلك من مراسم توجه الشيخ الباقورى آلي منزل الأستاذ المرشد وكان أوقت حوالي منتصف الليل واعتذر عن هذا المسك معترفا بأنه مخالف لواجبه كعض فى الجماعة* حيث كان عليه الرجوع إلى رأيها ، إلا أنه أقر لي أن الأمر صادف هوى فى نفسه ، و لتحقيق غايات وأهداف هي من آماله ، أن تصرفه هذا بصفته الشخصية وأنه مستعد لتنفيذ ما يراه المرشد ، فرد عليه المرشد بما معناه أنه لي كل! ج يدا ما يجب أن يعطه فى هذا الموقف ، فقال الباقورى إنها الاستقالة وعلى ذلك فقد كتبي ا فى الحال وقدمها للمرشد الذى قال إنه يرى من الأئ فقء -دم إعلانها ، شير أن الصحف أذاعت خبر الاستقالة بأسلوب فيه مبالغة وفي سيم للأمر بما يظهر وجود خلاف بين الإخوان ورجال الثورة ، ورغبة الإخوان فى عدم التعاون خ الحكومة ، وكان نشر الاستقالة بهذه الصورة سببا فى عتاب عبد الناصر (للإخوان الذين أوضحوا له أن موقف الإخوان من عدم دخول الحكم قديم أوضحوه له من قبل الحركة ، وأن تش يير اظ روف وإقالة الوزارة ودخول ضباط الجيش الحكم قد تم دون معرفة الإخوان أو استشارتهم خلافا لما اتفق عليه ، وأن هذا لم يغير من رأى الإخوان ، وبالة سبة لاستقالة الباقورى فإنها تصرف بديه ى على ضوء ما تقدم ذكره ولا يدل على ما أشاعته الصحف من عدم التعاون .
وهكذا لم تخل مرحلة الوفاق هذه من كثير من المنغصات التى تركت بطتها على علاقة عبد الناصر بالإخوان أذكر منها على سبيل المشال محاولته الإيقاع بعبد الحليم عابدين ومحاولته القبض على عبده قاسم ! !
التعريض بعبد الحكيم عابدين
ولا أستطع أن أغفل محاولة عبد الناصر الإيقاع بعبد الحكيم عابدين - بعد بضة أشهر من قيام الحركة - وتلويث سمعته فى الوقت الذى لم تكن لهذه المحاولة أبعاد سياسية إلا التشهير بالباطل بمن يكرهه من رجال الجماعة .
والعجيب أن الذي كشف أبعاد شخصية عبد الناصر فى هذا الحادث كان سامى شرف وربما كانت لمسة وفاء منه للحق فى الأض الأولى من قي ام الحركة ! وذلك حين لاحت فئ الأفق بوادر أزمة عبد الناصر والإخوان بسبب هتافاتي الله أكبر و لله الحمد " التى كانت تدوى فى المحافل الشعلإية ا إى يحضرها قادة الحركة فتؤرق وجدانهم بما توحيه شكوكهم من .
أن غرض الإخوان المسلمين هبر إظهار الشعبية ! فقد وصلة ى فى تلك الأيام رسالة من سامي شرف أخبرق فيها أنه يأسف إذ يتكول إن اشابرات تدبر أمرأ للإخوان ، وأن علينا أن نحذر من محاولة ت!شويه كعة الرجال البارزين فى الجماعة واتهامهم بما يشين الخلق ، وذكر لى أفة صا اتفقوا خ إحدى النساء اليهوديات على أن تذهب إلى الأخ المرحوم عبد الحكيم عابدين وتدعى أفها ترغب فى اعتناق الإسلام وبهذه الذريعة تستدخ أن تنشى معه علاقة تسمح لها أن تصوره فى أوضاع تسى 4 إلى سمعته ! !
وكان عبد الناصر يحدثني فيقول إنه يبغض شخصين فى الجماعة أحدهما عبد الحكيم عابدين والآخر أحمد حسن الباقوري !
وكنت أدخ عن كليهما بما يحضر فى من رد وأقول مازسأ : "من يدس ى ما تقوله عنى للناس فى قابل الأيام ؟ " !
ولذا لم أستبعد الخبر الذى أرسله ساى شوف ، بل لم أشك فى أن وراء هذه المحاولة عب! الناصر نفسه .
وذهبت لفورى إلى المرحوم عبد الحكيم عابدين وسألته عما إذا كانت تتردد عليه إحدى النساء اليهوديات ،فرد بالإيجاب وأنه فعلا قد حضرت إليه امرأة قالت إنها يهودية وتريد أن تعتنقالإسلام ! فحدثته بما ببيته له عبد الناصر فعجب وقال إنه لا يعرف سببا يلي عو عبد الناصر ل لى ذلك ، ولكنه سيأخذ جانب الحذر .
وألح سامي شرف ألا يعرف اسمه حتى لا يؤذى إذا وصلت هذه الرواية إلى أس غ عبد الناصر ولا أستطع أن أذكر هذا الحادث إلا وتحضر فى قصة سامي شرف بعد ذلك خ أخيه طارق الضابط لي الجيش الذى ابلغ بسامى شرف عنه عبد الناصر أنه يدبر مؤامرة للإطاحة به وبنظامه ، وكانت هذه الحادثة سببا فى الثقة بساى شرف إلى الحد الذى دعا عبد الناصر إلى التندر فى مجالسه بوفاء رجاله له ولنظام الحكم ولو أدى به م الحال إلى الإضرار بذويهم! ؟
ومنذ هذا الحادث بدأت جماعة الإخوان تواجه عمليا ما يدبر لها فى الخفاء ينتظرها على يد عبد الناصر !
وإذن فالصراع يتصاعد ، يؤججه لقاءات الإخوان لرجال الجيش بالتهليل والتكبير فى الحفلات العامة . فق تصريح لمحمد نجيب ردأ على هتاف أحد الإخوان فى أحد المحافل : " نريد الدستور الإسلامي يا نجيب " يرد رئيس الجمهورية فيقول ت "المسالة تحتاج لوقت تمهيد بالنسبة للمسيحيين الذين يعيشون معنا ، ماذا يقال لهم ؟ "
إن الفهم البسيط للأخ المسلم يدعوه إلى اليقن بأن قائل هذا الكلام لا يعرف شيئا عن طبيعة الإسلام. فالإسلام يصون حق أهل الكتاب فيه ليتحاكموا إليه ويستظلوا تحت رايته فى حياة كريمة عادلة هى أعلى من الحقوق التى تقدمها هذه الدساتير الفرنسية والإنجليزية والبلجيكية التى صه خ منها دستور مصر وعاش المسيحيون واليهود تحت ظلها .
وتثور الأزمات لهذه التصريحات المرتجلة من رجال مسئولين ! ويبدو رد فعلها على رجال الحركة ، وبعيشي جمهور الإخوان ورجال الحركة فى حلقة مفرغة بتدافعها مشاعر الشك ويؤجج غليانها ما يتناقله الناس من شائعات تلتبس بالحقائق .
ثمثيلية القبض على عبده قاسم
وكنت لدي عبد الناصر فى مكتبه بقيادة كوبري القبة لأبصره بهذه الحقيقة وأخبرته بما يتناقل عنه بأن الوقت لم يحن لضرب الإخوان ، ولكن الضربة قادمة لا شك ، حدثني بذلك عبده قاسم رحمه الله وطلب منى التحقق من هذا الأمر مع عبد الناصر بما يوضح الحقيقة.
وعندما أبلغت عبد الناصر بذلك هاج وأرعد وبدأ لي يدوس أجراسا فوق مكتبه ويطلب من أحد ضباط البوليس الحربي أن يأتى بعبده قاسم مقبوضا عليه !
حماسة ليست فى موضعها لا ترى مطلقا أ أنه لم يقل هذا الكلام وإنما تعنى صدمة المفاجأة والرغبة فى التشهير بالإخوان فضلا عن إظهار السلطان .
ولم أتمالك نفسى من النظر إليه فئ دهشة قائلا :
"كبرت والله يا جمال ! أهذه طرق التفاهم التى ألفناها من قبل ، إنك لا شك تريد أن تقطع علاقتك بي إذا نفذت وعيدك فى عبده قاسم " .
وسكتت ثورته المصطنعة ، واكتفيت منه بتكذيب هذه الواقعة التى كنت أرى شواهدها وإن لم أسمع عباراتها منه .
وتستوقفني هذه الحادثة لأرى للقارئ بعض ا الصراعات النفسية التى كانت تحركني صعودا وهبوطا فى علاقاتي عبد الناصر .
كنت أعلم أن وضوحى معه لي ستلتزم منه الكذب فى بعض الأحيان ، ولكن اضطراره للكذب أيضا كان مكلفا ! كان يكذب مضطرا لأن باطنه فى هذا الوقت كان لا قي فق خ سلوكه ، فى فى نفس الوقت كان يستكثر على نفسه اضطراره بذلك وهو فى هذا السلطان كن لا يمنعه ذلك من الإقلاع عن الكذب لأن أهدافه السياسية كانت أعمق غورا من صدقه فلا يلبث أن يرتد شعوره بالهوان إلى معاداة من اضطره إليه !
عجيبة هذه النفي البشرية إذا أصابها الكبر ولم تعوزها الحاجة إلى الله ، وكنت أعلم أنه لا يحب منى أن أبدو أمام الناس معه على المستوى الذى تني ض عليه علاقتنا الحقيقية ، فالناس من حوله يقومون ولا يقحدون ، وترتعد فرائصهم ولا تسكن ، وتنحني جباههم ولا تنهض ، وتسره هذه الانحناء لشخصه فيضفي على صاحبها حينئذ رضاه ! وعلى العكس كان يرى فى كل من يرفع رأسه عدوا ولا يسأل بعد ذ"ث ماذا يقدم ، وكل ما يقدمه مرفوض لأن رأسه المرفوعة كا؟ت ثوى عنده عدم الولاء .
وكنت أسمع شعاره الذى أطلقة ارفع رأسك يا آخى . فأوقن أنه شعار بلا مضمون ، بل انفعالة معكوسة لحقيقة ما يضمر من كبر .
ولم يغب عنى إنني أستطيع أن أكسب وده بقليل من الإغضاء ومزيد من الإطراء
ولكن . .
لا أكون فى هذه الحال متسقا مع نفسي وكرامتي وفضائلي .
كان يصيبني الغثيان حن أتصور أن علاقتي بجمال عبد الناصر تصلحها هذه المهانة ، فظلت لى المستوى الذى عرفته عليه وظلت مرارته على سالها معى حتى شاء الله أن أقطع صلتي به ند ص دور قانون الأحزاب فى أخر لقاء بيني وبينه والمرحوم الأستاذ منير دله . قبل اعتقالي فى يناير سنة 54 م .
قصة حل الأحزاب
وأغض ب عبد الناصر حديثي حين أدرك أنى ألومه على مفاجأتنا بصدور قانون حل الأحزاب لمناقشته فيه ؤبل صدوره إذا حرص على تأييدنا . . وتساءل ط يلزم أن أعرض عليكم قرارات مجلس الثورة قبل صدورها وإلا منعتم عنى تأييدكم ! " .
لا نستطيع سرد قصة لقائنا خ عبد الناصر التى جرت بعد صدور قانون حل الأحزاب ى يناير عام 1953 دون أن نعرض لخطاب وزارة الداخلية الذى وجهته إلى جماعة الإخوان المسلمين - قبل هذا اللقاء بأربعة أشهر - استناد إلى القانون الصادر فى 10 سبتمبر عام 1952 القاضي بتسجيل جميع الأحزاب و تقديم المستندات التى يجرى التسجيل بموجبها . ويتضمن الخطاب استفسارات عن أهداف الجماعة الواردة ن براي أ وهل فيها ما يشير إلى السعي للوصول إلى الحكم ! فضلا عن استفسارات متصلة بقيادة الجماعة ، إذا طلبت تسجيل نفسها كحزب سياسي .
ولقد أثار الخطاب المذكور جدلا شديدا بركن الإخوان ، كاد أن يصل إلى حد إشعال النتنة ، ولا أحسب أن ذلك كان بعيدا عن أهداف عبد الناصر . وكان هناك رأى يقول إن الإخوان المسلمين يجب تسجيلهم كحزب سياسي لأن السياسة جزء من منهاجهم ! ورأى آخر يقول إن الإخوان المسلمين ليسوا حزبا سياسيا ولكنهم هيئة إسلامية تقوم على أسس إسلامية لا تنطبق عليها التقسيمات التى تنادى بها النظم القائمة غربية أو شرقية ، وكان الأستاذ الهضيبي من أصاب الرأى الأخير .
ولكن الهيئة التأسيسية أخذت بالرأي الأول ، وتقدمت بالطلب إلى وزير الداخلية سليمان حافظ لتسيجل الإخوان كحزب سياسي ، وعندئذ قدم الأستاذ الهضيبي استقالته إلى الهيئة التأسيسية التى اجتمعت مرة أخرى ونظرت فيما قدمه الأستاذ الهضيبي من أسباب أولها المضمون الذى نادى به الإمام الشهيد فيما أوص به الإخوان المسلمين فى رسالته " بين الأمس واليوم أنتي لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية الأغراض محدده المقاصد ، ولكنكم روح جديد يسرى فى قل! هذه الأمة في فيحيية بالقرآن ، ونور جديد يشرق في بدد الظلام ، ظلام المادة بمعرفة الله ، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومن الحق الذى لا غلو فيه أن تشه روا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس ، وإذا قيل لكم إلام تدعون ؟فقولوا ندعو للإسلام الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه ، فإن قيل لكم هذه سياسة فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نحرف هذه الأقسام .
فإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة ، فقولوا نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به ، فإن ثرتم علينا ووقفتم فى طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين ، وإن قيل لكم أنكم تستعينون بالأشخاص ،والهيئات فقولوا : (آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنتم به مشركين ) فإن لجوا فى عدوانهم فقولوا (سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين ).
وهكذا رد المرشد أعضاء الهيئة التأسيسية إلى الأمة ل الذى تعارفوا عليه ونادى به الإمام الشهيد وسار هو بعد ذلك على خطاه بالأمانة التى سلمها فى خلافته لم جل الذى أنشأ هذه الجماعة ، وما كان له أن يغر فى أهدافها أو وسيلتها أو غايتها .
" وهكذا تررت الهينة التأسيسية العدول عن طلب تسجيل الجماعة كحزب سياسي . وتم محب الطلب المقدم سابقا منها . وما إن وافى ض يناير عام 1953 حتى صدر قانون حل الأحزاب الذى أصبح سيفة مسلطا على الرءوس ، فذهبت إلى عبد الناصر أ فى مقر مجلس الثورة بكوبري القبة أ خ المرحوم منير دله إثر مفاجأتنا بهذا القانون وطلبنا مقابلته فلبى على الفور وكان يحضر اجتماعا للمجلس وقتئذ وسلم علينا وأدخلنا غرفة الاستقبال هناك ولبثنا فترة وجيزة قطعها حديث تليفون بينه وبين ضابط الاستقبال قال لنا على إثره فى لهجة ساخرة إن عبد الرحمن السندي بالباب يطلب مقابلته وإنه أفهم ضابط الاستقبال أن " يلطعه " ثم يصرفه بعد ذلك ، ليأتي اليوم التالي ! وأفهمنا طبعا أنه يريد التحدث إليه فى شأن من شئون الجماعة ، فاعتبرناها صورة صبيانية منة وخطأ من عبد الرحمن السندى إذا ما قاله عبد الناصر ، فعبد الرحمن السندي لم يرى ن موكلا فى الحديث عن شئون الجماعة معه ، ولم يكلكن عبد الرحمن السندي فى هذا الوقت قد أسفر عن نواياه ضد المرشد ، كما أن عبد الناصر أيضا لم يرى ن قد حاول ضرب الإخوان به حتى تملك اللحظة ، ول كن كنا نعرف كنا كما يعرف عبد الناصر عدم التفاهم القائم بين السندى ومرشد الجماعة .
ولذا كان إعلامنا بحضور السندي لهذه الصورة يرى أمورا ، بعضها أنه ما زال يحفظ ودنا ، وبعض كما أنه لي أستطع أن يستخدمه ضددنا إذا شاء ولكنه لا يريد ! وأبديت له اشتياق لهذا الأسلوب المهين فى صرف من يطرق بابه جهده الصورة تفويتا لصده وحفظا لكرامة السندي .
وجلسنا نتحدث عن قانون حل الأحزاب ، تناولنا الموضوع من زاويا لمن ، الأول : أن مفاجأتنا به منعتنا من رض وجه * نظرناؤيه مادام يرغب فئ الحفاظ على تألي نا لخطوات * الي ياسية وإلا فلا يغضبه منا مواقفنا السلبية إزاءه والتى كان يعتبرها مقدمة قطيعة .
والثانية هى : السؤال عن هدفه من هذا القانون إذا اعتبرنا حزبا يجرى عليه ما يجري لى الأحزاب !
وأغضبه حديثي حين أدرك أفن ألومه على مفاجأتنا بهذا القانون ، وتساءل هل يلزم أن أعرض عليم كم قرارات مجلس الثورة قبل صدورها ؟ وإلا منعتهم عنى تأييدكم ؟
فأجبته بأن المفروض فى قرارات ا أن تنه خ من اقتناع الشعوب ، ولن تعرف اقتناعه إلا بحواره ، رقد سبق لك أن أخذت رأى الإخوان كقطاع من الشعب - ولا أقول فض ط براء تبارك واحدا منهم - في أن تنهض بالحركة . خ خصوصية هذا الأمر وأهمية الاحتفاظ بالسرية في وعرفت رأيهم وناقشتهم فى كثير من التفاصيل ، فماذا جرى الآن بعد أن أصبحت حاكما ؟ إن الجواد لا يستطيع أن يبرر العربة إذا تخلف عنها ووقف وراءها ، فإذا أردت أن تقود الأمة وراءك فلا يجب فض ط أن تضف أمامها وإنما عليلك أن تحكم الرباط بينك وبيني ا كذلك ، فقال فى مكر ظاهر وما هى الطريقة
العملية لإحكام هذا الرباط ؟ هل ترون تعيين لجنة منا ومنكم ش هتي ا تيسير هذه الصلة وإخطاركم بكل جديد ؟ ! ولم ينتظر الرد وإنما استطرد "هل تقبلون الشيخ الغزالى أو سيد سابق فى هذه اللجنة " . فأجابه الأستاذ منير رحمه الله أننا لم نأت لذلك وإنما جثنا لنسأل عما تنتويه بشأن هذا القانون بالنسبة لباقي الأحزاب ، ولننصح لك بأن علاقاتنا يلزمها أن تكون أكثر توثقا إذا أردت منا عدم السلبية أو على م المعارضة فيما تصدره من قوانين لأنه لا وكالة من الإنصاف أن تطالبنا بتأييدك على طول الخط فى أمور صدرت بها قوانين لا نعلم شيئا عنها ، ولا نستطع أن نجيبك فيما تعنى بخصوص اللجنة لأنه لا وكالة لنا ق ذلك الرأى فيه للمرشد ومكتب الإرشاد .
واستدعاه وحيد رمضان قتئذ إلى اجتماع المجلس فاستأذن بغض الوقت ليعود إلينا لإكال الحديث ، وكنت أعرف وحيد رمضان من في ل فقد كانت له صلة سابقة بى وبالجماعة ، فلما رآني وقت دخوله بدا كأنه لا يعرفني حتى إذا مضت حوالي رخ الساعة استدعاني هامسا لألحق به عند باب الغرفة يحدثنى على الأفراد قال لى " هل حقا هددتم جمال عبد الناصر مواجهته بسحب البساط من تحت قدميه بعد أن تأكدتم أن قانون حل الأحزاب لا يسرى عليكم فأصبحتم بمفردكم ؟ فى الساحة فجئتم تفرضون عليه الوصاية ! إنه تحدت بذلك الآن فى اجتماع المجلس حتى إن قرار الأعضاء كلها أصبحت ضدكم "
فأجبته أننا لا ندرى إن كنا مقصودين بهذا القانون أم لا . ولعل ذلك يننى القول بمحاولات ب البساط من تحت قدميه ! ول ممن تساءلت فى نفسى ، ماذا تراه يعنى من وراء ذلك ؟
وكيف تعكس الأمور هكذا ؟ بهذا القول المغلوط !
ثم أوت ت لوحيد رمضان حقيقة ما دار بيننا ، ورجوته أن يبلغه رغبتنا فى الانصراف ، وانصرفت خ المرحوم منير دله الذى علق على هذا اللقاء بقوله بهنت أشهد إنسانا يمتلئ إخلاصا فى نصح أخيه والأخر يقطر خبيثا ! !
ولكن ..
عند محاكمة المرسوم منير دله أمام جمال سالم ذكر المرحوم منير حقيقة الحديث الذى دار بيننا وبينه ! ويبدو أن جمال سالم اكتشف هو الآخر للمرة الأولى هذه الخدعة التى أوقعهم فيها جمال عبد الناصر حتى إنه قال للمرحوم منير دله :
كلامك ده فيه نوع من الاتهام (1) لجمال عبد الناصر إنه مش عارف ينقل الكلام صح ! والحقيقة كانت أبعد من هذا ، فمد كان جمال عبد الناصر يعرف كيف ينقل الكلام الصحيح ، ولكن كان له مأرب أبعد من هذا ، فتد بدأ حينذاك نحطط للصدام الإخوان ، وهذا من شأنه أن يثير حفيظة زملائه على الجماعة ليظل ممسكا بزمام الموقف حتى؟ تأتى اللحظة المناسبة فلا في لمد الجماعة من يقف إلى جوارها منهم . وكانت مصلحته تقتضيه فى هذا الوقت – من الصراع القائم بينه وبين محمد نجيب – عدم المجاهرة بالعداء للإخوان حتى لنراه يرفض فى جلسة أخرى بعد ذلك اعتراضات محمد نجيب على استثناء الإخوان من قانون حل الأحزاب ، ويقف مدافعا عن حقهم فى عدم الحل (2)!
فكان –حريصا فئ هذا الوقت على إجماع الإخوان – لحاجته إليهم – أنه يسعى للدفاع عنهم أمام المجلس ، وفى نفس الوقت يوهم أعضاء المجلس فى هذه المناسبة أنه في !ر على سلطانه م من أن ينال منه الإخوان – بفرض الوصاية المدعاة – ولو أدى به الحال إلى الإطاحة بهم ! واكتشافنا هذا الخداع لم يكن إلا بمحض المصادفة !
فلما أمسك الخيوط كلها بيده وأدرك بعد نحو من عام أنه يستطيع ضرب الإخوان لم يجد من أعضاء مجلس الثورة من يقول له لماذا استثنيتهم من قانون دون حل الأحزاب ولماذا تضربهم الآن ؟ بل لم يجد أيضا منهم من يقول له بعد ثلاثة أشهر من سل الجماعة وإيداع أفرادها فى السجون " لماذا أفرجت عن الإخوان وعن الهضيبي وذهب تزوره فى منزله بعد أن اتهمه بالتفاوض خ الإنجليز من ورائك !
" كان المحور الذى يدور عليه سلوك عبد الناصر هو إحداث الفرقة بين القوى التى أمامه ، فمثلا كان يعلم مدى الخصومة التى كانت بين السندى ومرشد الإخوان ، ولكن فى المقابلة التى دارت بيننا وبينه بمناسبة الحديث عن قانون الأحزاب أراد أن يظهر لنا إصغاره لشأن السندى بالسلوك الذى سبق شرحه ،وبعد تسعة أشهر من هذا اللقاء كان عبد الناصر يتفق خ السندى على إجبار المرشد على الاستقالة واحتلال دار المركز العام ! !
وهكذا جرى فى وهم الكثير من الناس (ا) أن الإخوان المسلمين كان لهم علم سابق ، بل اتفاق سابق كذلك باستثنائهم من قانون حل الأحزاب حين علموا موقف عبد الناصر خ محمد نجيب - برفض اعتراضه باستثنائهم من قانون الحل - حتى ظنوا أنه قد أخذ رأى الإخوان المسلمين فيه قبل إعلانه !
ومن الطريف أن مناقشتنا لعبد الناصر فى هذا القانون ، التى أثارته بغير مقتضى ، كانت إحدى التهم التى سوكت بسببها وصدر الحكم على، فيها بالإعدام !
وإذن ، فالقول بسبق معرفة الإخوان المسلمين بهذا القانون وأخذ رأيهم فيه لا يتفق طبعا والواقع الذى سوكت بسببه !
ولا يفوتني هنا عرض ما أراد عبد الناصر أن يظهره للملا بشأن هذا اللقاء الذى دار بيننا وبينه بخصوص هذا ا القانون ، وذلك بما ورد فى عريضة الاتهام التى قدم بها قرار الحل فى 15 يناير سنة 1954 ، فق هذه العريضة وحدها ما يغنى عن الرد على كثير من الافتراءات التى نالت الإخوان بدعوى " سابق علمهم بصدور هذا القانون بل وموافقتهم عليه . وتحولت الفرية إلى إتمام :
فى البند السادس هن قرار اتهام الإخوان بالاتصال بالإنجليز من وراء ظهر الى كومة أعلن مجلس الثورة هذه المزاعم :
" فى ملاحة يوم صدور قرار حل الأحزاب فى يناير سنة 1953 حضر إلى إلى مكتب البكباشي جمال عبد الناصر الصاغ صلاح شادي والأستاذ منير دله وقالا له : الآن وبعد -ل الأحزاب لم يربق من يؤيد الثورة إلا هيئة الإخوان ولهذا فإنهم يجب أن يكونوا فى وضع يمكنهم من أن يردوا على أسباب التساؤل فلما سألها ما هو هذا الوضع ؟
أجابا بأني حما لي ويريدون الاشتراك فى الوزارة ! ! فقال لهما إننا لسنا فى محنة وإذا ش تم تعتقدون أن بهذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون . فقالوا له إذا لم يوافق على هذا فإنن نطالب بتكوين لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها . للموافقة عليها وهذا سبيلنا لتأدييكم أردتم التأييد أيرج د ، فقال لهم جمال لقد قلت للمرشد سافي ا إننا لن نض ج ل ا وصاية وإننى أكررها اليوم مرة أخرى فى عزم وإصرار " . وكانت هذه الحادثة هى نقطة التحول فى موقف الإخوان ه ،ن الثورة حكومة الثورة ، إذ دأب المرشد بود هذا على إعطاء تصريحات صحفية مهاجما فيها الثورة وحكومتها بأن يظهروا دائما ف المناسبات التى لي التى يعقدها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدى .
ويلزمنا مناقشة فقوات البند السادس هذا فقرة .
فهو يقول فى الفقرة الأولى : إزى والأستاذ منير دله ستضرنا إليه فى صلاحية يوم صه لى ور قرار حل الأحزاب فى فبراير سنة 1953 وقلةا له " الآن وبعد حل الأحزاب لم يبم ث من يرؤيد الثورة إلا هيئة الإخوان ولهذا فإننا يجب أن كون فى وفى يمكننا من الرد على كل التساؤلات فلما سألنها ما هو هذا الوضع أجبناه بأننا نريد الاشتراك فئ الوزارة ! فقال لنا إننا لسنا فى محنة وإذا كنتم تم تعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون .
ونقول إنه إذا صح لديه أننا طلبنا منه " أن نكون فى وضع يمكنة من الرد على التساؤلات الدائرة حول حل الأحزاب " فالأمر الطبعى أن تكون مقدمة هذا الطلب هو أننا لا نطم شيئا عن هذا القانون الذى أصدره ويل زم أن نكون على بينه منه قبل صدروه للرد على تساؤلات الناس ، أما المقدمة ا إى أزجاها كذبا وادعى فيها أن الإخوان يهددوني م بعد حل الأحزاب ضرورة اشتراكهم 9فى الوزارة ل يرد تساؤلات الناس ! فذلك مطلب كبير أقيم على مقدمة تافهة ت أباها العقل والمنطق ، لأنه لو كان غرضنا من هذه المقابلة طلب المشاركة فى الحكم لسبقنا الحديث في بمقدمات أخرى ليس من ينها طبعا أن اشتراك الإخوان فى الوزارة يمكنهم ص ن الرد على تساؤلات الناس ! ! ثم أراد أن يرتب على هذا القول أكذوبة أخرى مما نقصده بكلمة " الوضع " فادعى أننا قلنا نقصد الاشتراك فى الوزارة ونسي أو تناسي عبد الناصر ومعه أعضاء مجلس الثورة ، أن قرار الإخوان المسلمين بعدم المشاركة فى الحكم كان سافي ا لقرار حل الأحزاب ، هذا وأن المرشد دعا الباقورى لتقديم استقالته لمخالفته لهذا القرار ! الذى يعتبر من القرارات المبدئية .
فضلا عن أن هذا القرار لم "ممن وليد هذا الوقت وحده ط ولكنه كان تطبيقا لسياسة الإخوان المسلمين المقررة "ى قبل الحركة عندما دعانا عبد الناصر إلى الاشتراك فى أول وزارة فأشرنا عليه بتوليه علي ماهر الحكم ! ! وكان الخليق بعبد الناصر أن يرد علينا – لو صحت هذه الدعوى – بقوله : " أنتم أعلنتم عدم المشاركة فى الحكم ، وهذا الطلب يتناقض مع ما سبق إعلانه منكم ! ! " .
أما قوله بأنه رد على ذلك " بأننا لسنا فى محن!ة وإذا كنتم تعتقدون أن هذا الظروف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون " فقول يتناسب خ كل الدعاة – أمام إخوانه أعضاء المجلس بذننا جئناه لنرفى لى وصاية الإخوان عليه وعلى المجلس ! ! الأمر الذى لا يتسق مع الواقع ولا يتسق خ مناسبة وصورنا فى اليوم التالي لصدور قانون حل الأحزاب ! !
أما البند الثاني من هذه الفقرة الذى ادعى ة ت " أننا قلنا له إذا لم يوافق على هذا - أى على قبوله اشتراكنا فى الحكم - فأننا نطلب لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها للموافقة عليها ، فقول مكذوب أيضا حيث لا ينبغى تصور الهبوط من مستوى طلب المشاركة فى الحكم -بزعمه - إلى مستوى طلب ف كوين لجنة تعرض عليها القوانين قبل صدورها !
والواقع أنه هو الذى طلب تعيين هذه اللجنة - بناء على ما أوضحناه له من مفاجأتنا بصدور قانون الأحزاب - واختار هو اسم سيد سابق أو الغزالى لها وكان معلوما فى هذا الوقت أنه نجح نى استقطاب الشيخ سيد سابق والشيخ الغزالى لصفه ، فأعلنا له أننا لا نملك البت فى هذا الأمر لأنه يتعلق بالمرشد ومكتب الإرشاد ، وهكذا يعود البم جمان - بالرغم من كل هذه الأكاذيب - ليقرر. الأمة ل الذى طلبنا من أجله هذه المقابلة وهو الأمر المتعلق بصدور قانون حل الأحزاب وعدم قدرتنا على تلبية طلبه المتكرر لنا بتأت يده يخما يصدر بغير علم منا ، فاقترح هو تكوين هذه اللجنة لعرض هذه القوانين عليها تبل صدورها !
وكذب أخيرا حين قال إن هذه الحادثة كانت نقطة التحول فى موقف الإخوان من الثورة وحكومة الثورة ، لأن نقطة التحول فى موقف الحكومة من الإخوان كانت بسبب معارض تهم الاتفاقية الإنجليز .
وحقيقة هذا التحول بالنسبة لقعلن الأخ ير عدم ارتباط حركة الجيش بالإخوان مدعيا أنه لم يقم بينه وبين الإخوان اتفاق على إنزال يادة الإخوان ، كانت بعد أول لقاء بين المرشد وبين عبد الناصر - بعد قيام الحركة بأيام قلائل - حين أكتاب الله منزلته ابآ، تنادى بها الجماعة ! ! وحينذاك أعلن المرشد فى دروس الثلاثاء لعامة الإخوان أن حركة الجيش لا تعدو أن ف كون حركه إصلاحية ، الأمر الذى أغضب جمال عبد الناصر وملأ صدره حقدا عليه !
أما مواجهة الحكومة للجماعة بحلها واعتقال أفرادها فكانت بسب معارضتهم اتفاقية الجلاء المزعوم ودعوا الكاذبة فى هذا البيان باتفاق الإخوان مع الإنجليز من وراء ظهره تلك الدعوى التى أبطلها نفسه حين زار المرشد فى منزله فى نفس يوم الإفراج عنه مهنئا إياه باسمه واسم أعضاء مجلس الثورة بعد ثلاثة أشهر من صدورها هذا البيان وقبل الانتهاء من إبرام الاتفاقية مع الإنجليز !
هيئة التحرير
( أنا يكفيني إبراهيم الطحاوي أحكم به مصر ... جمال عبد الناصر )
" أنتم بغبغانات تهتفوا ومش فاهمين حاجة " انطلقت غاضبة هادرة من فم جمال عبد الناصر ردا على هتاف الإخوان المسلمين التقليدي " الله أكبر ولله الحمد " فى حفل ضمه ومحمد نجيب فى بلدة الحوامدية فى أثناء رحلتهما معا إلى الوجه القبلي التى كان يقصد بها إظهار مدى الشعبية التى تحظى بها الحركة من خلال الحفلات التى كانت تقام لمحمد نجيب بعد تولى الأخير رئاسة الوزارة .
وكان عبد الناصر قد أبدى للإخوان رغبته فى رغبته هذا الاستقبال الشعبي فاستقبلوه فى مدن الوجه البلارى بلافتاتهم وهتافاتي م التقليدية " الله أكبر ولله الحمد " ،ونجحت هذه الزيارة من الناحية الشعبية ، ولكنها تركت ظلالا قاتمة من الحقد الأسود! نفس عبد الناصر ، حيث كان قصده من هذه الزيارات أن يثبت للناس عامة أن حركة الجيش أقوى من جميع القوى الحزبية وخاصة حزب الوفد ، فأثبت الإخوان المسلمون فيها أنام (1) الدعامة الوحيدة لهذه الحركة وأفها بدونه م لا تساوى شيئا ! !
فلما تهيأ محمد نجيب لإكمال رحلته فى الوجه القبلى أصدر عبد الناصر أوامره للمديريات ش رجال البوليس أن تكون الهتافات للجيش فقط ! ! وألا تظهر أية شعارات للإخوان المسلمين ! !
وأن يمنع الإخوان المسلمون من الاحتشاد بمظهرهم التقليدي ! !
ولكن برغم ذلك علت هتافات " الله أكبر ولله الحمد "(1) على غيرها ، وضاق عبد الناصر بذلك فانطلق فى صوت هادر "أنتم بغبغانات تهتفوا مش فاهمين حاجة " وكان الأخ الكونستابل رمضان متولى موجودا بملابسه المدنية فى هذا الحفل فانبرى رحمه الله من وسط الجموع يسفه قوله ويرده إلى حجمه قائلا " إحنا بتقول ربنا أ كبر منكم علشان تفوقوا يا جمال ! " كان تيار الإخوان الشعبي يزرع فى وقت عبد الناصر صنوفا من الحقد دعته - حين ولى محمد نجيب الوزارة بعد على ماهر فى سبتمبر سنة 1952 إلى محاولة استقطاب أفراد من الجماعة فكان يخصهم بحديث ينتقد فيه قادتهم ويعرض نفسه كواحد منهم يبتغى الوفاق حتى لا تحدث كارثة بين الجماعة والحكومة ! كما كان منتظرا أن يحدث بعد قبول الباقورى للوزارة واستقالته من جماعة الإخوان !
وفى نفس الوقت كان هناك انتقاد من الإخوان للحركة بسبب الحفلات الترفيهية التى كان يقوم بها الضابط وجيه أباظة فيما أكوه أ قطار الرحمة ! وكان حريا بالإخوان أن يسخطوا لما كان فى هذه الحفلات من استعراض للراقصين والراقصات ينضح بالبعد عن الفضيلة ومقتضياتها ، وكان النقد يتوالى أيضا على الإخوان من كل يخور على دينه باعتبارهم سدنة هذه الحركة ! ! وكان إغراق الشعب بهذا اللهو الفاجر الصادر عن " الحركة المباركة " يثير التقزز ، فشكر الله على نجاح الحركة لا يتحقق بالمعاصي التى يستهلون بها عهدهم بعد طرد الملك المتهم بالفساد واللهو والفجور !
وتحدثت فى هذا الشان إلى جمال سالم وجمال عبد الناصر في مادية عشاء دعانا إليها المرشد فى منزله فكانت إجابة سالم " يا شيخ خلى الناس تنبسط " ! !
وأما إلى المرشد بعدم متابعة الحديث وكأنه يقول " فاقد الشيء لا يعطيه " وكان الدم يعلى فى عروقي ، وحاول عبد الناصر تعليق الأمر فى برود فقال " قطار الرحمة وتف وانتهت المهرجانات "!
حقا لقد توقف غيث الرحمة وبعدت الشقة بينهم وبين الطريق السوي . . . !
ولكن لم تكن هذه الاختلافات هى السبب الرئيسي لإنشاء هيئة التحرير وإنما كانت هى الإرهاصات التى أشارت إلى أن عبد الناصر يفكر أن تكون له شعبية بعيدا عن الإخوان المسلمين .
وفى شهر ديسمبر سنة 1952 أرسل إلى عبد الناصر لمقابلته بكوبري القبة فذهبت إلى هناك فاخبرني أن إبراهيم الطحاوي لديه إنكار يريد أن يمحصها معى ! ! وأنه إذا جرى اتفاق حول هذه الأفكار فانه يكون من المفيد أن نلتق معه ومع قيادات الإخوان المسلمين فى هذا الشان !
وحدثني إبراهيم الطحاوي لأول مرة عن إنشاء هيئة التحرير ، وقد لذلك بان البلد فى ساحة إلى وحدة فكرية وسلوكية تكون قاعدة لهذا الشعب الذى مزقته الأحزاب بدعاويها الباطلة ، وأنه ليس هناك أنسب من قاعدة الإخوان المسلمين لقاعدة الشعب جميعه فى صعيد واحد تتحقق من وراثة وحدة الأمة المصرية !
يعنى أن تتكون هيئة يذوب فيها نشاط الإخوان وجميع نشاطات الأحزاب لإيجاد الأمة المصرية الموحدة ، المستمسكة في يوم الإسلام دون شعاراته التى ينادى ؟ الإخوان المسلمون حتى يتسنى للجميع الانضمام إليها ، وضمانا لتحقيق المضمون الإسلامي المطلوب فيمكن أن يعهد إلى أحد الإخوان برئاسة هذه الهيئة التى اختار لها اسم " هيئة التحرير " لتمثيل الواقع التحرري الذى دعا الجيش إليه بتحركه " الميمون " !
ثم أردف فى خبث " وزيادة فى الضمان فإني أرشحك لرئاسة هذه الهيئة والقيام على نشاطا ويوافقني فى ذلك الرئيس ، ( يعنى.جمال عبد الناصر ) الذى نعرض عليه هذا الأمر بعد اتفاقنا .
فأجبته أن التفكير فى الشكل قبل المضمون أمر يثير التساؤل ، والحاجة إلى وحدة الأمة أمر مطلوب ، ولكن السؤال هو هل تحقق هذه الهيئة المقترحة شيئا من هذه الوحدة ؟
فأجاب أن هناك دراسات من بعض أساتذة الجامعة حول هذا الأمر أدعوك للإسماع إليها فى نادى الجيش حتى تتعرف أكتر على جوانب الموضوع ، فذهبت فى الموعد المضروب مع المرحوم منير دله لنلق بعضا من أساتذة الجامعة الذين تحدثوا فى الحاجة الموضوعية التى تحققها هذه الهيئة ، ودارت تساؤلات كثيرة حرة منهم ومنا انتهت إلى عرض الأمر على . مرشد الإخوان الذى رأى أن هذه الهيئة لا تمثل فكرا جديدا وإنما تمثل تكتلا حكوميا جديدا يريد عبد الناصر أن يذيب فيه جماعة الإخوان المسلمين فى معرض اندفاعه إلى النفوذ والرئاسة فلا ببتي فى الأمة صوت سوى صوته .
واقترح جمال عبد الناصر أن يحضر فى منزل أحدنا ليناقش هذا الأمر معنا .
وفى نهاية ديسمبر سنة 1952 تم لقاء بيننا وبينه فى منزل الأخ عبد القادر حلمي حضره كذلك من الإخوان منير دله وفريد عبد الخالق وصالح أبو رقيق وحسن عشماوي وحضر عبد الناصر كل من عبد الحكيم عامر وكمال حسين وصلاح سالم وعبد اللطيف بغدادي وأنور السادات وأحمد أنور!
ودار حشد من الأحاديث حول هيئة التحرير وحول الانتخابات كان محوره جمال عبد الناصر وفريد عبد الخالق و صالح أبو رقيق وافتتح عبد الناصر حديثه عن هيئة التي التحرير وأبدى رغبته فى أن تتكون هيئة تنصهر داخلها جماعة الإخوان المسلمين فلا يعود لها شكلها المعروف وإنما تذوب بقيادتها فى الهيئة الجديدة لتكون تنظيما جديدا تدخله جميع الأحزاب بدون حساسيات تمنع حاليا انضمام أى منها إلى هيئة الإخوان المسلمين .
وأجابه الأخ صالح أبو رقيق قائلا إن مثل هذه التنظيمات المفتعلة يكون لها من القوة الشعبية ما نرجوه الثورة ، وقد جربها فى مصر من قبل صدقى باشا كانت عنوانا لفشل أحزاب الأقليات "بهن ترغب فى دعم موقفها الشعبي بتنظيم حكومي ، والسر ق هذا الفشل هو أن هذه الأحزاب أو الهيئات التي تنشئها الحكومة تستمد قوضها من مركز الحكم ولا تبنى على العقيدة والفكرة فيدخلها المنتفعون وأصاب الملك والنفاق (1 ) . .
وطلب عبد الناصر أن يتجاوب معه الإخوان بإرسال دعاة ينهضون إلى هذه الهيئة لينهضوا بعبء الدعوة فيها فقبل الإخوان ذلك وأفهموه أنه إذا فتحت لهم الهيئة الجديدة هذا المجال فلن يتأخروا عن الدعوة فيه على أن يظل لجماعة الإخوان كيانا الخاص الذى تنطلق منه دعوتهم إلى العالم كافة .
وبدا عبد الناصر عدم الارتياح حتى بعد هذه الموافقة وحاول الأخ فريد عبد الخالق أن بجعل الحديث أكثر صراحة ووضوحا ونفاذا إلى أعماق المشكلة فقال إنه لا يغيب عن الإدراك أن الباعث على إنشاء هذه الهيئة هو عدم الاطمئنان إلى جانب الإخوان كحركة شعبية لها أهدافها ومراميها وتصوراتها الإسلامية المعروفة التى جانبت مسار الحكم حتى الآن ، وبدت مظاهره فى حذف الرقابة لجميع بيانات الجماعة وعدم نشرها فى الصحف ، فضلا عن مظاهر أخرى إلى الأجهزة الحاكمة فى المديريات وغيرها بمنع الإخوان من الظهور بلافتاتهم الأحفال العامة بالرغم من أنكم أيختم الذين طلبتم أولا من الإخوان إظهار التصاق الشعب بكم فى هذه الأحفال إلى ما كان الإخوان ليشاركوا فيها إلا بإعلان أهدافهم التى بايعوا الله عليها.
فأجاب عبد الناصر فى خبث :
"أعملكم إيه ؟ . ما أ؟تم عصاه ! ! " فأجابه الأخ فريد مستنكرا : " عصاه كلمة كبيرة لها معناها ! فهل رأيتنا نقف موقفا عدائيا من الأهداف الوطنية للثورة ، وهل مطارنتنا بنشر بياناتنا تطالب بالحياة النيابية ومطاردة الفساد والقيام بأحكام الدين يعتبر عصيانا ؟ !
فتراجع قائلا :
" ما أنتم كده بتحر جدوني ، طالبين انتخابات حرة ! ! ، يعنى عازين النحاس باشا يرجع تاني نعود لنفس الأوضاع ، أنا أقولكم أدخلوا هيئة التحرير وتولوا أمرها وتصبح هي مسرح نشاطكم وأنتم برفضوا ، عازين إيه أما ل ؟ "
فأجابه الأخ فريد ندا صراحة :
يا جمال عليك أن تعلم أنه لا بديل لمحكم النيابي الذى أعلنت عند بدء الحركة أنك تهدف إلى تصحيحه لا إلغائه ، والشعب سيتمسك بك إن كنت جادا فى التصحيع ، وسيتخلى عنك إذا أدرك أن رغبتك فى السلطة شغلتك عن تحقيق أماله ، أما هيئة التحرير فلا ممكن أن تصبح بديلا لمحياة النيابية ، ولكن يمكنك أن تنشئها إذا أردت أن تقود التنظيم السياسي بواسطتها ، أما اندماج جماعة الإخوان المسلمين هيئة التحرير فهذا أشبه بالضبط بن يضع زيتا وماء فى زجاجة ويحاول مزجهما ببعض ، فلا يمكن إتمام هذا المزج ، ومن الأفضل للإسلام وللبلد ولك أن نظل فى معزل عن أجهزة الحكم التى تمارس بها أهدافك ، نصوبها إذا جنحت ونرشدها إذا استهدت ونؤيدها إذا صلحت ، وليس من هدف الإخوان المسلمين أن ننافسك فى الحكم فنحن لا نبتغيه فاذك لا أرى أي سبب للصدام بيننا وعدم تقبل النصيحة ، خاصة وقد قال لك كل شد الأخوان عند بد 4 الخلاف " يا جمال عندما شعر بضيق من الإخوان أبلغي وأنا أسلم لك مفتاح المركز العام ، ونقفلها حتى لا تقع فتنة! .
وصمت جمال لحظات ثم تحدث كاشفا عن دخيلة نفسه فقال :"اسمح يا فريد ، أقولك اللي فى نفسى وأخلص ، أنا عندي فكرة مسئولية على ولا أعرف إذا كانت غلط أو صح ، إنما أنا عاير فى خلال سنتين ثلاثة أوصل إلى أنى أضغط على زر ، البلد تتحرك زى ما أنا عاير وأضغط على زر ، البلد تقف ! "
وعلق الأستاذ فريد على ذلك ضاحكا وقال : الإخوان المسلمون منذ سبع وعشرين عاما وهم يدعون إلى مبادئ الإسلام فتستجيب لهم جموع الأمة من منطلق الإيمان بالله وهدى كتابه ، ومع ذلك لا يستطلع قال هذه الدعوة التى أنشأها وهو سسن البنا أن يدعى أنه بلغ من سلطانه على الإخوان درجة يجمعهم فيها بالضبط على زر ويفرقهم بالضغط على آخر بدون وعى منهم ! !
ثم استطرد " أنت تفكر فى الشعب كما لو أنك ضابط فى معسكر ، ولكن مسار المجتمعات لا يمكن أن يتم بهذه الصورة التى تركها وإنما فى جو من الحرية يسمح بازدهار القيم الصحيحة والمفاهيم السليمة التى تحرك بها ولها ، فإذا كان تصورك فى علاقتك بالشعب وهذا فلا فائدة من شخصيتي أو نصيحة غيري ، والتاريخ هو الحكم لك أو عليك "
وانبرى قائد البوليس الحربي أحمد أنور يقول فى ملق طاهر " أصل البطل اليومين دول مشغولا بأمور خارجية ولما أفضى للبلد حتشوفوا يعمل إيه !! " .
وانتهى الحديث حول هيئة التحرير وآمال عبد الناصر فيها وانصرف جمال عبد الناصر مع إخوانه ولم يمض على هذا اللقاء أكثر من سنة وثلاثة أشهر حتى اعترف عبد الناصر أنه ليست لديه ثقة فى هيئة التحرير (ا) ! !
ولكن . . دلت وقائع التاريخ بعدها أن عبد الناصر كان فى عندما أطاح بكافة الأحزاب والتجمعات فى مصر إلى تحقيق حلمه بتحريك البلد بأن يضغط على زر ، ومن أجل ذلك أقام التنظيم السياسي المفروض بقوة السلطة الذى تمثل فى هيئة التحرير التى استخدمها فى تسيير المظاهرات لحسابه خلال أزمة مارس (2) . وبعد عودته من مؤتمر باندونج (3) وفى إحراق المركز العام للإخوان المسلمين بعد حادث المنشية المصطنع (1) .
و أخيـر ا . .
نتوقف هنا لحظة بعد استعراض " إنجازات هيئة التحرير من واقع ألسنة قادتها بحرق المركز العام للإخوان المسلمين ونهب ما فيه ! وتزييف إرادة الشعب فى مظاهرات مارس المصطنعة التى كلفت الدولة 2000 جنيه فقط ! كما يقول الطحاوى والتى واجهت ثورة الأمة التى نادت " إلى السجن يا جمال ، إلى السجن يا صلاح " فأبدلها إبراهيم الطحاوي وأحمد طعمية بمظاهرة أخرى حملت جمال عبد الناصر على الأكتاف ، حتى قال عنه جمال " أنا كفاية على إبراهيم الطحاوي أحكم به مصر ! !.
نتوقف لنتساءل :
ماذا كان جزاء صناع هذا الزيف الشعبي ؟
يقول إبراهيم الطحاوي إنه انتظر جزاءه بعد نجاحه فى إعادة عبد الناصر إلى كرسى الحكم ، انتظر جزاء سنمار لأن الثورة كما يقول تأكل أبناءها(2) فقد مع جمال عبد الناصر يرده من مساعدة هيئة التحرير ، ويقول أحمد طعمية عن دوره فى اعتصام رؤساء نقابات العمال بأنه لم يكن هناك إملاء منه ولكن فقط إيحاء (3) ! !
أما ما فعله عبد الناصر به لقاء هذه الحركة فيجب عنه طعيمة فيقول " حاربني منذ اليوم التالي لنجاح الحركة " فقد عرض عليه منصبه الوزارة ول كنه رفض هذا العرض حتى لا يفهم العمال أنه أخذ مكافأة على عمله فى مظاهرات مارس ، ولكن عبد الناصر فهم العكس وهو أنه يريد أن يظل فى هيئة التحرير ليحل محله ويصبح رئيس للدولة حتى إن عبد الناصر (1) أطلق عليه اسم الرئيس أحمد طعيمة " ! ! ، ولزيد الأمر وضوحا أن عبد الناصر عندما أنشأ الاتحاد القوى - التجربة الثانية الفاشلة بعد هيئة التحرير تركه الطحاوى دون مناصب محتجا عليهما بأنه لا يريد أن ينقل إلى الاتحاد القوى ما علق (2) بهيئة التحرير ! ! .
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن إبراهيم (3) الطحاوى وأسمد طعيمة (4) قررا أفهما كانا من الإخوان المسلمين ! ! وأن أحمد طعيمة ظل حتى سنة 1949 ن تشكيل الإخوان السرى ! ! وبرغم ذلك لم تمنعهما لمسة وفاء لهذه الجماعة من إحراق ونهب وتدمير دارها ! ! .
ولا ندعى أن طعيمة الطحاوي كانا أوفياء لعبد الناصر فى محاولتهما تزييف إرادة الشعب فى مارس عام 1954 ، وإنما كان المحرك الرئيس لسلوكهما هو ما قاله الطحاوى لحسن الشافعي إن ترار مجلس الثورة بالانسحاب من السلطة معناه دخوله السجن (5) ! !
ونقول فى تفسير سلوك عبد الناصر حيالهما إن الزيف الذى أنشأ به عبد الناصر هيلمانه أمام الأمة لم يدع له مجالا للثقة فى أحد ممن حوله فقد ظن أن البغدادى وصلاح سالم وزكريا محيي الدين وجمال سالم يصارعونه السلطة فضلا عن عبد الحكيم عامر كما سنعرض له فيما بعد بمشيئة الله .
وكذلك الشأن خ الطحاوى وطعمية ، فلم يسلم كلاهما من اتهامه بأنهما ينازعانه رئاسة الدولة ! ! .
كان عبد الناصر يظن أن هذه الأمة من الغفلة بحيث ؟كن أن يرأسها كل مخادع !
وكان يظن أيضا أن أصحابه من الخيانة بحيث أضحى منصبه هدفا سهلا ل كل طامع !
وكان يظن - أخيرا- أنه هو نفسه من الهوان بحيث يسهل على كل واحد أن يقذف به خارج الحكم ! كان يشك فى كل من حوله حتى السادات ، بل إن شكه هذا لمد انسحب على نفسه أيضا وعلى أصالة وضعه ! وهكذا نستطيع أن نقول إن هيئة التحرير نشأت لتسط لافتات الإخوان المسلمين ، وانتهى الحقد بقادتها إلى إحراق المركز العام .
ولكن ... خنقتهم سحب الدخان !
الحرية فى ركب العبيد
فى 20 مارس سنة 1954 قام عبد الناصر بتفجير ست عبوات ناسفة فى الجامعة والسكة الحديد وغيرها واعترف أمام كمال حسين و حسن إبراهيم والبغدادي أنه قام بهذه الحوادث لإشعار الناس بالبلبلة وعدم الطمأنينة فيلجا إليه الشعب حينئذ لحماية ! ويكف عن المطالبة بالحكم النيابي ! .
" من مذكرات بغدادي " :
إن فكرة الحكم النيابي . بمفهومها السليم وبما فيها من الحرية والشورى التى تم اتفاق الإخوان عليها مع عبد الناصر قبل قيام الحركة بأيام اتضح منذ أول اجتماع عقده مجلس الثورة بعد 23 يوليو أنها لم تكن واردة فى أذهان قادة الحركة على الإطلاق حتى لقد عرض وقتئذ اقتراح للاتفاق على نظام الحكم وهل ث كون حكة استبدادية بالمفهوم الدستوري ، ( ديكتاتوريا ) بالمفهوم الدارج ، أم حكما نيابيا ؟
ولدى أخذ الأصوات وقف الأعضاء جميعه إلى جانب النظام الاستبدادي ! ! ووقف جمال عبد الناصر وحده إلى جانب الرأي الآخر !
فلما أعيد أخذ الأصوات مرة أخرى ف كرر نفس الوضع ! حينذاك غادر عبد الناصر المجلس معلنا استقالته من جميع مناصبه ! ! وذهب إلى منزله !
وأسقط فى يد الجميع !
ولكنهم ذهبوا إليه على الفور نازلين عند رأيه واتفقوا على إجراء انتخابات نيابية بعد ستة أشهر على أن يطلب من الأحزاب ظهير نفسا بشروط وضعت فى هذا الشأن .
فهل كان عبد الناصر راغبا فى الحكم النيابي ؟
المسألة كلها فى رأى السادات – لم تكن إلا مناورة من جانب عبد الناصر يهدف فيها إلى إثبات قدرته ( ا) على اتخاذ القرار .
ولم تكن فى رأى البغدادى سوى مناورة أيضا ليحكم من وراء سمار(2) مدنى يتمثل فى حزب الوفد أو جمعية الإخوان المسلمين ! !
هذا بالنسبة لمفهوم الحرية لدى القادة الجدد .
أما بالنسبة للقرارات التى كانت تصدر منهم فكانت صدى للصراع بينهم وبي ئ كل صاحب سلطان أو نفوذ - يظهر ظله فى البلد- يرفض أن يخضع لقهرهم !
حتى على ماهر ، أول رئيس وزارة عينوها للحكم وحملت أعباءه ، يظهر الصراع معه فى أول قرار يصدره مجلس الثورة بشأن الحياة النيابية .
وكان ذلك حين هاجم المجلس على ماهر فى بيان أصدره فى أول أيام وزارته يشرح فيه مثالب نظام الحكم السابق وأخطاء الأحزاب ،لا أنه لم يحدد موعدا للانتخابات المنتظرة .
فإذا فعل مجلس الثورة الذى كان يرى منذ أيام أن النظام الأمثل لهذا البلد هو الحكم الاستبدادي ؟
لقد أصدر مجلس الثورة أمرا بإيقاف مطابع الصحف لكى تصدر بيانا من مجلس الثورة بان الموعد المتفق عليه لإجراء الانتخابات هو 2 فبراير سنة 1953 م . واعتبروا ذلك صفة(3) سياسية لعلي ماهر ! !
ولهذا يبدو أن فهم الضباط للعمل السياسي والقرار الذى يخدمه كان خالية من الجوهر والمضمون ، فإبراز عضلات مجلس الثورة – كامن وقتئذ – بهذه الصورة لا يعتبر سياسة لأن تحديد وقت إجراء الانتخابات إذا لم يكن مؤكدا فإنه يضر بموقف الحركة ، فإذا أظهرت الأحداث بعد ذلك أن الانتخابات فعلا لم تتم بعد هذه الأشهر وإنما تمت انتخابات مزيفة بعد أربع سنوات ! ! أدركنا أن السياسة ليست لعبا على حبال السرك وإنما قرار مدروس يتحرك به الساسة لمصلحة مقطوع بها ، أما الإعلان عن الحكم النيابي بعد ستة أشهر لمجرد الرغبة فى صفع على ماهر فليس سياسة على الإطلاق وإنما لعب بثقة الشعب ، مآله الفضيحة والانكشاف ! ويكون الخاسر هو الذى يفضح نفسه بإظهار جبروت أجوف ، وفضلا عن هذا العجز فى تنفيذ القرارات فإن مظهر الاضطراب الذى أشارت إليه هذه الحال له أثره البالغ على صاحب القرار نفسه وعلى الشعب الذى يستقبل أول عهده الحكام الجدد بهذه الهزة فى الثقة في قراراته .
فأين وقعت إذن تلك الصفعة التى كالوها لعلى ماهر ؟
لقد وقعت على رأس هدا الشعب المسكين الذى ظن أن هؤلاء القادة صنف آخر من الحكام .
وكان هذا هو السمت الغالب فى أكثر القرارات المصيرية المتعلقة بهذا الشعب . ببعثها الصراع مع أى سلطة لإظهار القهر قبل أن تقرره مصلحة منظورة للوطن .
وحين نتحدث عن مراع السلطة هذا نرى أن عبد الناصر قد شعر بمنافسة جميع أعضاء مجلس الثورة له . حتى السادات (ا) وصلاح سالم (2) و زكريا محيى الدين (1) فضلا عن محورجمال سالم (2) والبغدادي - كما كان يسميهجمال عبد الناصر - وعامر (3) . فقد كان يعتقد أن كل من حوله يحاول أخذ السلطة من يده . ولذا اتسمت قراراته نحوهم فى أغلب الأحيان ب صبيانية تركت بصماتها على مصلحة الوطن .
وكان صراع عبد الناصر معمحمد نجيب أخطر الصراعات وأعمقها فى سياسة عبد الناصر حيال الحكم النيابي الصحيح .
وحين نعرض لهذا الصراع ينبغي أن نعرف كيف بدأ ، ثم نستعرض على صوره ، ثم أثره على نظام الحكم وآمال الشعب فى الحرية .
بداية ظهور الصراع :
ظهر الخلاف بين عبد الناصر ومحمد نجيب لدى التنافس بينهما على زيارة قبر الإمام الشهيد حسن البنا فى 12 فبراير سنة 1954 ! !
ولعل القارئ يعجب إذا علم أننا كنا فى هذا الوقت داخل السجن الحربي متهمين بثلاث عشرة تهمة أقصاها الاتصال بالإنجليز بدون معرفة رجال الحكم ، وأدناها محاولة قلب نظام الحكم !
ففي هذا اليوم الذى ظهر فيه هذا الخلاف بين محمد نجيب وعبد الناصر كان قرار حل الجماعة قائما ودار الإخوان مغلقة وكنا فى السجن الحربي حينذاك مع المرشد نحوا من أربعمائة من الإخوان ، وذلك بخلاف المعتقلين بالسجون الأخرى .
ويبدو أنمحمد نجيب عندما علم برغبة عبد الناصر فى هذه " المجاملة " التى كان المقصود بها فى الحقيقة إحداث شرخ فى كيان الجماعة ظن أن جمال أراد أن يكسب لنفسه شعبية لدى الإخوان المسلمين ينفرد بها دونه فعزم كذلك على الذهاب إلى قبر الشهيد ليشاركه هذه الشعبية .
وغضب عبد الناصر غضبا شديدا لأنه أراد أن يستغل وحده دعاية الذهاب إلى قبر الراحل الشهيد ! فاستدس إسماعيل فريد ياور محمد نجيب (1) وسب عمد نجيب ولعنه أمامه وطلب منه أن يبلغ ذلك إلى محمد نجيب نفسه محذرا إياه من الذهاب إلى مقبرة الشهيد وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة(2) ! ! .
ولذا ، فعندما ممعنا ى نحن فى السجن الحربي فى فبراير سنة 1954 بذهاب عبد الناصر إلى قبر الإمام الشي يد ، أدركت أن وراء ذهابه إلى المنبر محاولة جديدة منه لتقسيم الإخوان إلى فريقين ، فريق راض عنه وفريق آخر غاضب عليه لأفهم - كما كان يقول عنهم دائما - عصاة ! ويزعم أنه ليسر معارضا للجماعة ذاتها وإنما هو يعارض أصاب الأفكار المنحرفة فيها - العصا ة - ! ! .
وطبعا كانت هذه محاولة فاشلة أتت عكس ثمارها تماما داخل صفوف الإخوان فى هذا الوقت ولكن ينبغي ألا ننمى أنه فى هذا التاريخ أو قبله بقليل أى فى 18 ديسمبر سنة 1953 كان مجلس الثورة قد أصدر قراره بضرب الإخوان المسلمين بعضهم ببعض والإيقاع فيما بينهم (1) .
كان عبد الناصر يأمل فى تقرير في المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة إليه ومعه الأستاذ عمر التلمساني جريا على السياسة التى قررها مجلس الثورة ! ولذا أبقاهما خارج المعتقل ولم يقبض عليهما إلا بعد مظاهرة عابدين فى 28 فبراير سنة 1954 فى حين كان المرشد ومن معه من الإخوان داخل المعتقلات .
لقد كان يزج بالإخوان فى السجون ! وتصدر البيانات الزائفة زاعمة اتفاق مرشد الإخوان مع الإنجليز من وراء ظهر الحكومة ! وتهما أخرى خطيرة نتناولها بالحديث إن شاء الله عندما نعرض للمعاهدة التى أبرمها عبد الناصر خ الإنجليز وعارضتها جماعة الإخوان المسلمين ، فكانت المسبب المباشر لاعتقالنا فى يناير سنة 1954 حين أصدرت بنا هذه التهم لنحض رج بعدها فى25 مارس بدون محاكمة ويزور عبد الناصر المرشد فى منزله وينشر ذلك فى الصحف مهنئا إياه بالخروج بصفته وباسم أعضاء مجلس الثورة لرد اعتبار الإخوان !
وهكذا تصبح حرية الناس وأعراضهم ألعوبة أيدي القادة الشرفاء !
وغنى عن البيان أن ذلك كان مع صدور قرارات 25 مارس بعودة الحياة النيابية وانتخاب جص هيئة تأسيسه 11 سلطة السيادة كاملة ، وحل مجلي على قيادة الثورة وتسليم البلاد لممثلي الأمة الشرعية وانتخاب رئيس الجمهورية من أعضاء التأسيسية بمجرد انعقادها .
وكان عبد الناصر هو نفسه الذى اقترح هذه القرارات ! !
وقد تعجب لصدور هذا الاقتراح هن عبد الناصر .
قتل الإخوان . . وحوادث النسف الستة ! !
ولكن تزول دهشتك عندما تعلم أنه فى جلسة مجلس الثورة المنعقد قبل هذا التاريخ بأيام قلائل أى فى الرابع من مارس سنة 1954 كان خروجهم صفية زعماء الإخوان ، وكان خروجهم هو أفضل وسيلة (ذلد، فاقترح حل المجلس وأن يعمل كل فرد من أعضائه على تكوين فريق TEAM مكون من عشرة- أفراد (1) مهمته التخلص على من العناصر الرجعية من الذين يهناهضهون الثورة وعلى رأسهم الإخوان المسلمون !
وإذن فقد فكر عبد الناصر فى التصفية الدموية للإخوان كما لم يبرد حرجا فى تقديم اقتراحه هذا لأعضاء المجلس ، فإذا حاز أغلب الأمة وات نفذه ، وإذا جرى غير ذلك نفذه أيضا بمفرده ، كما جرى قبل الحركة بمحاولة قتل سري عامر بدون علم أصابه (2) أيضا . وكما قرر أيضا تنفيذ قتل محمد نجيب فى 23 مارس وأنه سيقوم بعمل الترتيبات اللازمة لهذا الأمر كما ورد ذكر ذلك فى جلسة مجلس الثورة المنعقد فى 22 فبراير سنة 1954 .
وهكذا كان عبد الناصر يصارع خصومه فى الرأى قبل وبعد توالى الحكم ولكن ما يزيدنا إدراكا للمستوي الذى هبط إليه عبد الناصر فى رؤيته لحريات الناس من ذل عبوديته للحكم الديكتاتوري أن تشهده يحاول إبهام أعضاء المؤتمر المشترك من مجلس الثورة وأعضاء الوزارة فى 20 مارس سنة 1954 بوقوع ست انفجارات (2) نسف فى مبني السكة الحديد وفى الجامعة وفى محل جروبي فى وقت واحد ويقول إذا ذلك إنما جرى بسبب سياسة اللين فى موقف الحكومة وإن خطوة العودة إلى الحكم النيابي لا تصلح فى هذا الوقت !!
والحقيقة الجديرة بالتسجيل هنا أن هذه الحوادث قد وضعت فعلا كما رواها عبد الناصر مستهجنا ولكنك تعجب حين تعلم أن عبد الناصر نفسه هو الذى قام بها بل اعترف بذلك فى اليوم التالي لكل من عبد اللطيف بغدادي وحسن إبراهيم وكمال حسين !! وعزا السبب فى قيامه بهذه الحوادث إلى أنه كان يرغب فى إثارة البلبلة فى نفوس الناس ويجعلها تشعر بعدم الطمأنينة حتى يتذكروا الماضي أيام نسف السمينات ويشعروا أنهم فى حاجة إلى من يحميهم !!
أى واقع مر بعينه هذا السلوك !
حقا كان الشعب فى حاجة إلى من يحميه ولكن من براثن عبد الناصر الذى لم يتورع عن القيام بهذه الانفجارات لرغبته الشريرة فى إشعار الناس بالبلبلة وإيهام الشعب بعدم الطمأنينة ليلجأ إليه لحمايته من نظام الحكم النيابي !
إن الكلمات لتعجز عن وصف هذا الحاكم بما يستحقه إنها ليست فقط خيانة أمانة هذا الشعب بترويعه وهو الموكول بحفظ أمنه !
وليست فقط خيانة الحقيقة بتزيفها أمام الشعب وأمام المجتمعين معه فى المؤتمر المشترك ليصل إلى هدفه من إحكام قبضته على حريات الناس وإذلالهم وإنما هى طبيعة هذه النفس التى تربعت على عرش مصر فبعثت بكل قيمة ومقدراته بما توصف !!
ولا تقع تبعات هذا الإثم على عبد الناصر وحده ولكن تقع أيضا على هؤلاء الذين شاركوه الحكم وقبلوا أن يضعوا يدهم فى يده بعد أن تبين لهم باعترافه الصريح لون المنهج الذى يحكم به بلده ويصل به إلى أهدافه فى يجد مانعا من تخريب بلده ليجد الحجة أمام خصومه الذين يطلبون إطلاق الحرية للشعب !!
لاشك أنها أسوأ صفحات مصر فى الداخل والخارج بل أسوأ عهودها على الإطلاق فقد تسلم رجال الثورة البلد من فاروق أحسن بكثير من حالها الذى وصلت إليه وقتئذ ولقد وجد الملك فؤاد يوما من يقوله له فى مجلس النواب إنى سأحطم بقلمي أكبر رأس فى هذا البلد بينما لم يقبل عبد الناصر من شريكه فى الجهاد ورفيقه فى مجلس الثورة أن يقول له اتفق الله فحسبه ثلاثة أشهر بدون محاكمة وأفرج عنه مشكورا بعد وفاة زوجه (1) وكان السودان جزءا لا يتجزأ من مصر فقطع عنه بعد أن رأى شعب السودان أن رأى شعب السودان أن حكام مصر يشترونهم ليضمنوا تأييدهم .
وكان الجيش الإنجليزي يرابط فى معسكراته فحسب فى منطقة القنال غرب فأصبح للصهيانية كل منطقة سيناء بترولها وثرواتها يستغلونها كيف شاءوا .
إن هذه الأيدى كلها التى ولغت فى دماء مصر يجب أن تقطع !
ولكن ...
ما زلنا للأسف ، حتى هذه الاعترافات نعظم من شاركوا عبد الناصر الحكم ونعذر من يعترف بمسئوليته عن هذه الجرائم ، وكأنهم أبطال هبطوا من السماء ن مهمة لا تعدو البكاء على الشعب المسكين الذى خانه قائد هم ! وأصبحنا للأسف نكتفي منهم بالبكاء والعويل معنا على ضياع المال والرجال والعتاد وذل الهزيمة أمام إسرائيل فى حريات متواليتين . إن أثار السياط التى لا تزال على ظهور الإخوان حتى اليوم من جراء تعذيب الحكام " الشرفاء " الذين ما زالوا يعيشون بيننا ، أمثال على صبري وصلاح الدسوقي وشمس بدران الذى رشحه عبد الناصر لولاية الجمهورية من بعده ، إنما هى معالم هذا العهد تدعونا إلى الرفض ت رفض ر كل هـ ن شارك فى هذا الإذلال ، أو حتى أقره ورضى بالبقاء فى الحكم أثناء مقار فته .
عصابة!!
ولهذا نقول إن عبد الناصر والبغدادي مص دقا إذ وصفا الحكم بحكم العصابات ، وكلاهما شارك فى الإثر ش كلاهما مسئول عن جناية صاحبه ، ولا يظن القارئ أن بهذا متجن على أى منهما فمد ورد هذا الوصف حقا كل لسان عبد الناصر نفسه فى صراعه مع عبد الحكيم حين بدا للسادات وعبد الناصر أنه يحاول أن يوسع رقعة سلطانه ! فتراكمت السلطات فى يده حتى أصبح آخر الأمر (1) المتحكم فى مصير الناس . ويستطرد السادات فى هذا الشأن فيقول إنه ذهب لزيارة عبد الناصر فى فبراير سنة 1967 فوجده عزونا فلما سأله عن السلاب أجابه " يا أنور البلد تحكها عصابة ! "(2)وطبعا كان يعنى بالعصابة عبد الحكيم عامر ؟ أعوانه ! ، ولسنا بصدد البحث عن رئيس العصابة أهو عبد الناصر أم عبد الحكيم ولا شك أن كلاهما كان يمارس هذا الحكم كل فيما " دخل تحت سلطانه عبد الحكيم عن طريق لجنة الإقطاع والتعلل بالثورة المضادة . وعبد الناصر يسلب ما بق من حقوق هذا الشعب المسكين .
وفى شهر نوفمبر 1957 أى قبل عشر سنوات من تصريح عبد الناصر هذا يقول البغدادى رئيس مجلس الأمة لوجيه أباظة صديقه أنه سيستقيل من المجلس ويقول لأعضاء مجلس الأمة " إن البلد بتمسكها عصابة" (ا) وأنه أصبح متأكدا أنه ليس هناك شئ اسمه حرية أو ديمقراطية وأنه كان يحاول أن يجعل مجلس الأمة شيئا (2) ولكن تيار الفساد أقوى من الآمال ! ! وكان السبب المباشر لهذه الاستقالة هو محاولة عبد الناصر حماية مجدي حسنين المسئول عن مديرية التحرير من الإدانة فى محاولة رشوة بعض أعضاء المجلس لتعييني م فى وظائف فى مديرية التحرير فأراد عبد الناصر التأثير على اللجنة الدستورية لتقر"ر أن مديرية التحرير مؤسسة خاصة ، فلا تسرى عليها لوائح هذه المساءلة دستوريا .
ولكن شجاعة البغدادى وأمانته على الحق لم تدم طويلا ، فقد استطاع عبد الناصر أن يطوى تحت جناحه " عضو العصابة المتمرد فى أول لقاء معه ، وكان العذر الذى قدمه عبد الناصر له فأقنعه به هو " ألا يقال إن الثورة فشلت فى أول تجربة ديمقراطية لها " .
ونجح عبد الناصر فى إقناع البغدادى وكمال حسين بسحب استقالتهما التى قدمت فى 7 نوفمبر 1957 بعد أقل من أربعة ض ر كل ن انعقاد أول مجلس "ذمة بعد قيام الحركة !
و نضيف هنا أن عبد الناصر ما كان ليقبل أن يخرج البغدادى وكمال حسين بطلين فى موقف كهذا، وكان يعلم مسبقأ أن إقناعهما بالعدول عن الاستقالة سل ميسور فيكفي أن يقول :
" إن استقالتهما معناها أن الثورة فشلت فى أول تجربة ديموقراطية " فيكون لهذا الكلام أثره فى كلب استقالتهما !
فلم تكن الاستقالة فى الواقع تعني أكثر من أسلوب احتجاج !
أما البعد الحقيقي الذى يفرضه هذا الموقف إذا صدق صاحباه فهو الرفض الكامل المشاركة بالإبقاء على المرتشين إذا عجزوا سقا عن طردهم ومحاكمتهم .
أما الخشية من دعوى الفشل التى أثارها عبد الناصر فلا حجة فيها لأن قبولهم إذا هو الفشل بعينه وإلا فلماذا حلوا الأحزاب ؟
إن الوزارات الحزبية التى سبقت عهدهم كان لسقوطها ما هو أدني بكثير من هذا السلوك ، وكان الجميع يعلم هذه الحقيقة ولكن الجميع أيضا كان يعشق السلطة ، وكان عبد الناصر يعلم هذا فى نفوس أصابه ، فكان يستغل براعته فى تزييف المواقف ، فلا يصادر فى أصابها مظهر الفضيلة وإنما ت زين لهم السقوط ليصبحوا أبطالا فى الهاوية بعد أن كادوا يصبحون أبطالا فى الحقيقة ، ينازعونه مظاهر البطولة !
وفى سنة 1954 بعد صدور التصريح بحرية الصحافة كتب إحسان عبد القدوس مقاله المشهور " هذه العصابة التى تحكم مصر " وطبعا أصابه عن عبد الناصر ما يصيب أحاد الناس من رؤساء العصابات ! فقد عادت الرقابة على الصحافة واعتقل إحسان عبد القدوس وذاق أهوال السجن الحربي طوال فترة الأشهر التى قضاها بما ألجم لسانه بعد ذلك .
ولنا أن نتساءل : بماذا نسمى قيام عبد الناصر رئيس مجلس الثورة بحوادث النسف التى تذرع بها لإخافة الشعب وإفزاعه وبث الرعب أوصاله !
ولا يحاول أحمد من أعضاء مجلس الثورة ففضح مكائده هذه إلا بعد موته !
وماذا نسمى اقتراحات عبد الناصر بقتل محمد نجيب وزعماء الإخوان المسلمين فى جلسات مجلس الثورة لخالفتهم له فى الرأي وتمسكهم بإعادة الحياة النيابية إلا أن تكون مقترحات رئيس عصابة ! وتظل هذه المقترحات مدفونة أن يدفن رئيس العصابة هو الآخر فتظهر خفاياه .
وبماذا نسمى عجز رئيس مجلس الآمة عن وضع الحق فى فى نصابه بمساءلة أحد أفراد المجلس عن تهم خطيرة كالرشوة لمجود صداقته برئيس الدولة الذى صانه من المساءلة فعجز البغدادي عن وصف هذا السلوك لي بشئ سوى أنه حكم عصابة .
وبماذا نسمى تنازل رئيس مجلس الأمة عن حق الأمة فئ الضرب على أيدي المرتشين وعزمه على الاستقالة بهذه " الغضبة المضرية " التى ادعاها حين لمس بنفسه إهدار الحريات . وزيف الدعوى بالحكم النيابي ثم لا تلبث أعصابه أن تهدأ وحرارته أن تعتدل لمجرد " بصقة " من فم عبد الناصر تعيده إلى صف العصابة من جديد !
ومع ذلك سموا أنفسهم أسرار ، وادعي عبد الناصر أنه خلق فى شعب مصر الحرية والعزة والكرامة !
وإني لأتساءل فى مرارة كيف يستعيد الشعب حريته وهو يساق سلعة فى ركب العبيد !
وما زال شهر مارس سنة 1954 الذى خرج فيه الإخوان من السجون ليقتلهم الطاغية الجبار ، يثن بالجراح من دعوى الحريات المزيفة .
ففى الوقت الذى كان عبد الناصر يقدم فيه قرارات 25 مارس كان يتحقق بنفسه مع الصاوى محمد الصاوى رئيس نقابة النقل على خروج مظاهرة مأجورة كلفت الدولة أربعة آلاف جنيه فقط ( نجحت فى إزاحة " كابوس " الحرية عن عبد الناصر ) (ا) ! .
وفى صباح يوم 28 مارس فى أثناء انعقاد مجلس الثورة يدخل المتظاهرون إلى المجلس ينادون ببقاء المجلس وسقوط الانتخابات والويل لمن ينادى بغير ذلك .
ويحاول الحراس إغلاق أبواب المجلس وهم خائفون لاعتقادهم أن المتظاهرين س يعتدون على محمد نجيب ! ويقيم محمد نجيب إلى مكان اجتماع المجلس ظنا منه أن هذه المظاهرات ص ن تدبير الإخوان المسلمين أنها تهتف ضده بناء على اتفاق جرى مع المرشد فى الزيارة التى قام بها عبد الناصر له فى اليوم السابق مهنئا بخروجه من المعتقل .
ويسأل محمد نجيب (2) - فى ذعر- جمال سالم ومن معه عن سبب زيارة جمال عبد الناصر الهضيبي ويستطرد هل هى لاتفاق على شئ .
وللأسف ظن رئيس الجمهورية أن الإخوان المسلمين هم الذين قاموا بهذه المظاهرة التى تنادى بسقوط قرارات مارس أى كان من المفروض ألت تريد للشعب سريته !
وظل هذا ا الظن يلاحقه حتى افترى على الإخوان كذبا فادعى أنهم أصدروا بيانا قالوا فيه إنه م لا يطالبون (م ) بتأليف أحزاب سياسية لأنه م يطالبون المصريين بأن يسيروا وراءهم !
وحقيقة هذا البيان الوحيد الذفى صدور فى 29 مارس كانت خلاف ذلك ، إذ صدور البيان هذا الصراع المرير فى هذه الأيام القلقة والمظاهرات المفتعلة والتحركات المريبة وموقف الإخوان فئ محاولتهم التوفيق بن نجيب وعبد الناصر بع! إطلاق سراحهم وطاب البيان أخيرا بحرية الشعب وحقوقه فى ظل "حياة نيابية نظيفة ، فخرجت الصحف ف هذا ا اليوم بآلاتي : بسم الله الرحمن الرحيم :
لا ريب أن مصر تمر بفترة بالغة الدقة والخطورة ق تاريخها ، بعيدة الأثر ومستقبلها ، وهى فترة تقتضى من كل مواطن أن يهب البلاد نفسه . ويبذل لها وجوده ويؤثرها من رأيه ومشورته ، حتى يأذن الله بانجلاء هذه الغمة ويبدل الوطن بها حياة أمن واستقرار ووحدة .
ولقد فوجئ الإخوان المسلمون غداة خروجهم من السجون والمعتقلات بتوالي الأحداث الخطيرة التى تتعرض لها البلاد فى حدة وسرعة لم يتيسر معها معرفة أسبابها والغواص التى تؤثر فيها ثم تحديد وسائل العلاج التى تلائمها .
من أجل ذلك بادر الإخوان المسلمون إلى العمل أداء واجبهم فى التماس على الخرج من هذه الأزمة ، فبدا لهم أن من العسير أن ترسم الخطط الصالحة ويوضع العلاج لهذه المشاكل وتسه ح المشورة الصادقة المستقلة فى جو الغضب والانفعال وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يسأل الله ألا يستجيب له وهو غضبان .
لهذا لم يكن من بد من الإسراع بلقاء المسئولين والاتصال بطرفي الخلاف للدعوة إلى اتخاذ مهلة تتجنب فيها المضاعفات وتنتهي فيها حالة التوتر القائمة "ى يتيسر لأولى الرأى والإخلاص أن يتقدموا للمسئولين عن الأمة بخطة كاملة ومدروسة تكشف عن البلاد هذه الشدة وتصحح الحلول النهضة بوقاية البلاد من أن تتعرض لمثلها فى أية مناسبة .
وعلى هذا الأساس قام وفد الإخوان المسلمين برياسة المرشد العام بلقاء البكباشي جمال عبد الناصر فى الليلة الماضية ثم بزيارة المواء محمد نجيب لانشغاله فى الليلة بالاجتماع بجلالة الملك لسعود ضيف مصر الكبير الذى آثرها مشكورا بكرم وساطته ئ علاج هذا الموقف العصيب
وما زال الإخوان المسلمون يواصلون خطواتهم فى إقناع المسئولين باتخاذ ملة خ قيامهم فى الوقت نفسه بدراسة خطة العلاج الشاملة أملين أن يستجيب المسئولون إلى ندائهم ، فتتغلب الحكة والوطنية على بواعث الخلاف والفرقة ويلتقي الجميع بإذن الله على كلمة سواء .
وإذا كانت الجهود تتوالى فى العمل على جمع الكلمة وحل الأزمة ، فإننا نناشد شعب مصر الكريم أن يعتصم بالهدوء والسكينة ورباطة الجأش وأن ينصرف أبناؤه جميعا إلى أعمالهم فى انتظام وطمأنينة خ التوجه إلى الله العلي والكبير أن يحفظ البلاد من كل سوء وأن يعين الساعين ويجمع المسئولين على الحل الكاما، السليم الذى يخرج بالبلاد من المأزق الحاضر ويحفظ وحدة الأمة ويصون حقوق الشعب وحرياته ويحقق الاستقرار المنشود فى ظل حياه نيابية نظيفة محوطة بالضمانات التى تجنبها مساوئ لماضي وتوفر الجهود لتخليص الوطن من النائب المستعمر ولمتابعة حركة الإصلاحات الإيجابية لتستكمل البلاد نهضتها والله ولى التوفيق .
كان هذا هو نص البيان الذى أرسله المرشد العام ونشرته آسف فى هذه المناسبة .
الحكم النيابي وصراع " الأحرار"
"لا قاعدة لنا فى الجيش ولا فى الشعب . . و الذين قاموا بهذه الثورة تسعون ضابطا وإنهم فى تناقص منذ نجاح الحركة وأصبح عددهم الآن 50 ضابطة . " ... عبد الناصر فى اجتماع مجلس على أثر إلغاء قرارات 25 مارس !!
فى جلسة مجلس الثورة فى 11 فبراير سنة 1954- فى أثناء وجودنا فى السجن الحربي - بدت هناك مجموعتان كل ن أعضاء (1) المجلس اختلفت فى شكل علاج الصراع محمد نجيب : المجوعة الأولى : شكون من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم وصلاح سالم ورأت أن حسم الخلاف يكون بعودتهم إلى صفوف الجيش ، لأن بقاءهم فى الحكم سيدعو نجيب إلى الاستمرار فى إعلان عدم موافقته لقرارات المجلس وسيحصل بذلك " أبناط " يعني درجات ينتهي بعدها حب الشعب وأخيرا يقف ضدهم .
ويتم ذلك بإصدار بيان مجلس الثورة يعلن فيه عن عدم القدر.ة على التعاون خ محمد نجيب ويترك له ويترك له حرية التصرف كاملة فى إدارة شئون البلاد وادعي أصحاب هذا الرأي أن هذه الضربة الفورية ستوقظ الشرب عندما يتبين فشمل محمد نجيب فى إدارة الأمور ! وعند ذلك سيطالب الشعب بعودتهم إلى السلطة ثانية لإنقاذه .
ويعنى هذا - بطبيعة الحال - أن العودة لصفوف الجيش ليست إلا سلما للقفز ثانية إلى السلطة بأى لون من ألوان المظاهرات التى كان عبد الناصر يتقن إخراجها .
وإذن لم تكن هذه العودة تخليا عن هذا الصراع المرير الذى أفقد الشعب توازنه .
وكان هذا الحل فى رأى أصحابه أنسب الحلول لإبعاد شبح الحكم النيابي الذى يطالب به محمد نجيب ، لأن هذا الحكم كما هـو معلوم مسبقا سيفقد"م السلطة إلى الأبد .
أما المجموعة الثانية : فكانت تتكون من البغدادى وجمال سالم وكمال حسين وزكريا محيي الدين.
ورأى هذه المجموعة كان ضرورة الاحتفاظ بالسلطة وعدم خوض هذه التجربة ا(ى لا تؤمن عواقبها مما إذا ترك لمحمد نجيب السلطان ، وخاصة إذا نجح محمد نجيب فى تكون وزارة مدنية تتعاون معه مع الإخوان المسلمين .
وتعجب حين تعلم أن أصاب هذا الرأى يتساءلون فى حسرة هل نقرك (1) السفينة تعصف بها الرياح ؟! ولمصلحة من ستكون حالة عدم الاستقرار هذه .
ثم تعجب حين تسمع أنهم بتمسكهم إنما يضحون بأنفسهم لأنهم يعتبرون أن أشخاصهم حما زائلة وأن مصلحة البلاد فوق (2) مصلحتهم . وكل هذا الاختلاف بين هاتين المجموعتين كان يجرى وفى اعتقاد الجميع أن عبد الناصر ومحمد نجيب كانا يتنازعان السلطان ، ومع ذلك لم تتورع المجموعتان من تسليم كل مقدرات هذا البلد إلي عبد الناصر .
أعطوه تفويضا باتخاذ أى قرار (3) يراه صالحا بدون الاجتماع بالمجلس نهاية فى محط نجيب وانتصارا وترجيحا لكنة عبد الناصر ؟
وإنى لأتساءل ، كيف يكون الانتصار لأشخاص ؟ تضحية ؟ فضلا عن أن يكون لمصلحة البلد ! ولماذا يحاربون محبة الشعب لمحمد نجيب ؟ ولماذا لا يضيفون هذه المحبة لرصيدهم إذا كانوا حقا شرفاء فى خصومتهم وأرادوا الخير لأمتهم بصدق .
وهل كانت البلد قاصرة عن الإدراك حقا فنصا ا أنفسهم أوصياء عليها (أ) حتى تتهيأ لها القدرة على أن تحكم نفسها بنفسها .
أم لأن المطالبة بالحكم النيابي دعوى مرفوضة لأنها تبعدهم عن السلطان ؟ .
وأخيرأ . . .
تطول ناقشات بأصحاب الرأيين المتفقين الغاية - عدم ترك السلطة- والمختلفين فى وسيلتها تطول بينهم المناقشة ثم لا تنتهي بهم إلى شيء فيكتفون بترك الحل (2) لا ظروف .
وتمضي الأيام بهم ، بعد أن أوسعوا محمد نجيب سبابا وامتهانا تارة بواسطة ياوره الخاص وتارة أخرى عن طريق الصحف وأخيرا أمام الشعب فى المؤتمرات حتى يحصلهم فى يوم 23 فبراير سنة 1954 كتابا باستقالته يقول فيه :
إننى أتنازل عن جميع الوظائف والسلطات المحولة لى ولأسباب لا داعي لذكرها الآن وإن مصلحة الوطن هى التى أملت على ذلك .
وعند ذلك أسقط فى يدهم ، فقد نزلت هذه الاستقالة عليهم نزول الصناعة وبر! أن هدأت النفوس عادوا للاجتماع .
اقتراح بالقضاء على نجيب . . !
وعرض عبد الناصر و اقتراحا بأن يحاولوا إرضاء محمد نجيب الان بقبول جميع شروطه بل الخضوع له حتى يفوتوا عليه الفرصة ويعملوا على إقناعه بسحب الاستقالة ، وبعد ض أى فى يوم 23 مارس بالضبط يتخلصون من محمد نجيب وأنه هو الذى سينفذ مملية التخلص (ا) منه .
وهكذا يأتي اقتراح عبد الناصر انتهى معه كل أمل فى أن يتحول صاحب هذا القلب الأسود إلى رجل سوى الفكر يمكن أن يقدم خيرا لأمته .
ويعترض البغدادى وصلاح سالم وكماك حسين على هذا الاقتراح مخافة انكشاف الأكل وإدانة المجلس بالتدبير لهذه العملية فيكون فى ذلك القضاء على سمعه المجلس ولم أقرأ فى مذكرات بغدادي سببا أخر متعلقا بالوفاء ، أو بالعدل مثلا أو حتى لمحق ص معارضيهم فى الحياة ! دعاهم إلى رفض اقتراح عبد الناصر ويبدو أنه لم يدر شئ من هذا فى المناقشة وإنما كانت كلها حول المخافة فقط من القضاء على سمعة المجلس ولو بنسبة واحد إلى الألف ! !
وعادت دوامة المناقشة من جديد .
انتصر رأى مجموعة عبد الناصر وعبد الحكيم (2) وصلاح سالم ( ا) بالانسحاب والعودة إلى صفوف الجيش وترك مقاليد الأمور لمحمد نجيب وإصدار بيان مختصر للشعب بذلك وانتهي الاجتماع فى الساعة 4 من صباح يوم 24 فبراير "
ولكن . .
اتفقوا أيضا على أن لي هودوا لنشاطهم للثورة وأن يعملوا عن طريق منظمة سرية وطبعا ما لم يكن هذا القرار الأخير للنشر ! "
فبعد ثماني ساعات من رفض مجلس الثورة كانت هناك جموع من ضباط الجش تحتل مبنى القيادة !
وتقوم الدنيا وتقعد الضباط من مؤيدي من الثورة قد حضروا ليتعرضوا على قرار الانسحاب هذا !
ويتحدث عبد الناصر إلى البغدادي شارحا له خطورة الأمر لإعادة مناقشة الموضوع ثانية !
كيف اصطنعت مظاهرة الضباط ؟ !
صورة هازلة طبعا ، وتدعونا إلى التساؤل عن كيفية في مهر هذا العدد من الضباط هكذا فورا ، وكيف علموا ؟ والقرارات لم تع ش أعلنت بعد ، فى الوقت الذى انتهى فيه الاجتماع الذى أعدت رؤية القرارات الساعة ث صباحا يوم 24 فبراير ولسنا فى حاجة إلى كثير من الذكاء لندرك أن عبد النار وصلاح وجمال سالم تغيبوا عن مجلس الوزراء ، وكانوا فى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة فى هذا الوقت (ا) وكانت إيحاءاتهم القرارات قد أثارت هذه القرارات من صانعي المظاهرة .
وإذا ع صات الشعب ! هذا الوقت يجهل طبيعة هذه المظاهرات فإن البغدادي يعرفها تماما، ، فقد روى فى مذكراته طرفا من طريقة تحضيرها وتزويدها بالوقود المادي والمعنوي !
كانت إدارة الشئون العامة للجيش تصنع هذه المظاهرات - للأسف - وتطلب من القوات الجوية وقودا للسيارات التى تحمل االمتظاهربن (أ) ليحملوا بدورهم إلى الشعب وقود الكراهية للحريات أيضا ، وكأن الشعب يطلب لنفسه الذل والعبودية .
وهكذا قامت مظاهرة الضباط ف القيادة العامة أيضا على نفس الصورة من الزيف ، إننا نسخر كل من عقولنا إذا تصورنا أن عامة ضباط الجيش هم الذين طالبوا بعودة مجلس الثورة ، وخاصة إذا علمنا أن عبد الناصر نفسه يتول عن نفسه وفي نظامه ، بعد هذا الحادث لاقبله ، أى فى 4 أبريل سنة 1954(2) فى اجتماع مجلس الثورة ب أنه لا قاعدة لهم فى الجيش ولا فى الشعب وأن من قام بهذه الثورة كانوا تسعين ضابطا وأنهم فى تناقص منذ الحركة حتى أصبح عددهم خمسين ضابطا الآن ( كان ذلك بعد إلغاء قرارات 25 مارس ) .
فهل يعتبر هذا العدد إذا تصورنا أنه قد حضر بأممه إلى مجلس الثورة يكنى أن يكون . أيا عاما للجيش ؟
ولكن الذى أعلمه والذي يتسق مع العقل أن عبد الناصر استطاع محسن النهائي وكمال رفعت وأحمد أنور آن يحرك نفرا من أتباعه ويحشدهم فى مجلس الثورة (3) ويدعي لنفسه وزملائه أن قوات الجيش كلها تتحرك من أجلهم !
وود البغدادي وعبد الحكيم وغيره لو يجدون فكاكا من هذا القرار القاضي بانسحابه م إك صفوف الجيش بعد اللطمة التي وجهها اليوم إليهم محمد نجيب بإعلان استقالته .
وإذأ فلتكبر هذه الفقاعة من الضباط التى تحركت فى مجلس الثورة ويتصورها الجميع أنها موجه عارمة ستكسح أمامها كل شئ موجة عارمة ستكسح أمامها كل شئ !
وبهذا يظهرون للناس أنهم المتعففون الحسم الزاهدون ف السلطان وأن الشعب لجلبهم والجيش كله يستصرخهم بالعودة وهكذا ينتصر القائد البطل عبد الناصر ! .
ففي اليوم التالي أى يوم 24 فبراير الذى كان مزعما أن يعلن فيه شعب بيان تسليم محمد نجيب لكل السلطان يجتمع المجلس لإعادة المناقشة ! .
وتحت تهديد جمال سالم للمجلس بأنه إذا لم يصل إلى قرار حتى السماعة 5من صباح يوم 25 فبراير فسيتوجه إلى منزل محمد نجيب ويقتله ويقتل نفسه ، تحت هذا التهديد تناقش الأمور مرة ثانية ويقترح قبول استقالة محمد نجيب ومد فترة الانتقال إلى عشرات سنوات بدلا من ثلاث حتى شخص ق أهداف الثورة ! والوحيد الذى اعترض على هذا القرار كان خالد محيي الدين الذى تمسك بأن الحل هو إعادة الحياة النيابية ولما ع أن القرار لابد أن يكون جماعيا من المجلس كله فقد رؤى إعفاء خالد محيي الدين من عضوية المجلس (1) !!
وهكذا عقد صلاح سالم مؤتمرا صحفيا وأصدر بيانا بقبول استقالة محمد نجيب ، أعلنه على الشعب بل على صحف العالم أجمع (2) !
دور سلاح الفرسان :
وتبدأ الدائرة تدور من جديد .
ففي اليوم التالي يجتمع مائة من ضباط أ سلاح الفرسان ، ويعلنون رش استقالة محمد نجيب ، يجرى شمال عبد الناصر ( الذى كان قد قرر التخلص من محمد نجيب فى 23 مارس ) قبول اقتراح عودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية ولكن بدون سلطات ووافقه على ذلك جمال سالم الذى كان قد قرر هو الآخر قتل محمد نجيب !
ثــــم … يوافق مجلس الثورة أيضا فى 26 فبراير بالإجماع على العودة إلى الحكم النيابي وتعييين خالد محيي الدين رئيسا لوزارة مدنية تعيد الحياة النيابية فى أقرب وقت وحل مجلس قيادة الثورة وإحالة ضباطه إلى المعاش واستقالة القائد العام من منصبه وتعيين قائد جديد بمعرفة خالد محيي الدين مع إعادة محمد نجيب رئيسا للجمهورية !
ثــــم … فى الساعة 4 كل ت يوم 27 فبراير ير"وافد الضباط الأحرار على تدمير سلاح الفرسان وأنه لابد من تغيير قراري عودة محمد نجيب وعودة الحكم النيابى ويحض س جمال رفعت وحسن التهامي ويقرر ان أنههما تاما ص ن تلقاء أنفسهما بالقبض على محمد نجيب ونقله إلى ميس سلاح المدفعية (2) .
ويركب عبد الحكيم عامر موجة العنف ضد سلاح الفرسان الذى يطالب بعودة الحياة النيابية بضباطه المائة (3)لأن سبعين ضابطا يلحون فى عدم سل مجلس الثورة ويعلنون عزمهم على تدمير سلاح الفرسان (4) !
وهنا تواتى عبد الحكيم عامر شجاعته ويعلن خروجه لى قرار المجدي الذى يقضى بالعودة إلى صه فوف الجيش ويعود لتولى القيادة ثانية ويدي أنه يعرض نفسه للمحاكمة العسكرية (5) امتثالا لرغبات الجيش ! ! وأنه سيأمر بتدمير سلاح الفرسان الذى يتمسك بالحياة النيابية وبقاء محمد نجيب !.
مظاهرة عابدين :
ثم .. فى 28 فبراير سنه 1954 تقوم للمظاهرات الشعبية أغلبها من الإخوان المسلمين التى يخطب فيها محمد نجيب وإلى جواره عبد القادر عودة ويقوا، إنه سيعمل إعادة الحياة النيابية فى أصرع وقت ممكن (إ) !
ولما خيف من اعتقاد الإخوان المسلمين أن ى ل نجيب كان ضد قرار حل منظمتهم بالرغم من أنه كان أحد الموقعين على قرار الحل أصدت ج لمس قيادة الثورة ومجلس الوزراء قرار بأن حل الإخوان المسلمين كان بناء على قرار إجماعي وأعدفتحى رضوان والدكتور عباس ممار وكمال الدين حسين ( 2 ) .
وأخيرا . . .
نقف قليلا - عرض هذه الصورة من القرارات السياسية التى كانت تتناول حياة مصر الدستورية لنتساءل أى لون من الاستقرار السياسي استطاع الضباط أن يحققوه لهذا البلد ؟
لقد كانت حجة الجميع للبقاء فى الحكم ،التمسك بالسلطة هو تحقيق الاستقرار السياسي للأمة ، وأن مصلحة البلد فوق مصلحتهم ، وأن أشخاصهم زائلة ، وأنها فداء الوطن ، فهل حقق عبد الناصر – بتزيف إرادة الأمة – شيئا لهذا الاستقرار حين ألغى قرارات 25 مارس سنة 1954 ! ؟
وهل كان التحرك المزيف للضباط الأحرار فى قيادة مجلس الثورة لإلغاء قرار عودة محمد نجيب لرئاسة الجمهورية وعودة الحكم النيابي يعتبر استقرارا سياسيا ! ؟ .
وهل كانت حوادث النسف الستة التى صنعها عبد الناصر وأشرنا إليها قبلا كى يشعر البلد بعدم الأمن والطمأنينة ، كانت تدفعه إليها الرغبة فى الاستقرار السياسي ! ؟ .
وهل كانت مظاهرات طعيمة الطحاوي المزينة عند عودة عبد الناصر (3) من باندونج سنة1955 مظهرا للاستقرار السياسي فئ الوقت الذى أبدى فيه جمال سالم رغبته فى الاستقالة بسبب تزييف هذه المظاهرات وقيامها رغما عنه لأشار تعلق الشعب بعبد الناصر بعد القبض على الإخوان واعتقالهم سنة 1954 ، فى الحادث المزيف ، الذى اصطنعه للقضاء عليهم وفى ننكس الوقت القضاء على محمد نجيب .
لقد كان من الطبيعي أن يعلم القادة أن مظاهرات عابدين هى الاستجابة الطبيعية لمواجهة العبث بمقدرات الأمة وإثبات حقها فى الحرية بعد أن لوثوا إرادة الشعب والجيش الصورة !
ومع ذلك يظل القائد على حاله والمجلس فى سلطاته ؟
إننا لسمنا فى حالة إلى التدليل على المدى الذى هبط إليه حكام مصر فى صراعهم الذى منع الشعب حقه فى الحرية ، فلست أسوق جديدا فى هذا المضمار ولكنى أريد فظ أن أروع عن هذا الشعب ومن الجيش فضيحة تلويث إرادته بدعوى رفضه لا حرية ورغبته أن يطوق بأغلال الاستبعاد
صراع عبد الناصر مع البغدادي وجمال سالم
صراع عبد الناصر خ البغدادي وجمال سالم كان من نوع أخر ليس فيه سباب ولا شتائم ، وإنما جرى عن طريق تدبير المؤامرات بإزاحتهما بهدوء ، بعكس صراعه خ عمد في الذى أعلن فيه لأعضاء لمجلس الثورة أنه سيحمل وحده مسئولية قتله !
بدأ التفكير الجدى لأزاحه بغدادي وجمال سالم من السلطة فى يونيو سنة1955 حين جرى الحديث عن شكل نظام الحكم بعد سنة 1956 وكانت فترة الانتقال قد حادت سنة 1953 ليعود بعدها الحكم النيابي سنة 1956 .
ودار الحديث فى منزل عبد الحكيم عامر فى 21 يونيه سنة1955 بحضور جما ا، عبد الناصر وزكريا محيي الدين وبحضور صلاح سالم أيضا الذى نقل كل ما داس سول البغدادي وجمال سالم إليهما .
وبدا مما نقله صلاح سالم (ا) إلى البغدادى أن عبد الناصر وعبد الحكم كانا متفقين تماما على إزاحة البغدادي وجمال سالم ، كما بدا أيضا أن عبد الناصر كان مص هرا على أن ت كون له وحده الرأي الأخير فى قرارات التغيير إلى النظام الذى جرئ تخطيطه بعد سنة 56 أم ، وطرح صلاح سالم أمام عبد الناصر سؤالا عما سيكون عليه وضع البغدادي وجمال سالم بعد فترة الانتقال فأجاب عبد الناصر أنه لم يجد حلا اشك حتى هذا الوقت .
فيقترح ى لملاح سالم أن يتولى جمال سالم رئاسة مجلس الإنتاج والبغدادي رئاسة مجلس الخدمات - حتى يتم إبعادها عن السلطة التنفيذية على حد قوله ، ولا يصبحان أعضاء المجلس النيابي المنتظر ، فاعترض عبد الحكيم بأن معنى هذا أن يصبحا هما اللذان يؤديان الخدمات للشعب ويعجلان على زيادة الإنتاج وأفصح عبد الناصر عن سلوكه فقال إنه يحاول عدم جمع التخطيط التى يرأسها البغدادى ويعمل إماتتها تدريجيا خوفا من أن يحصل داخلها محور جمال سالم والبغدادي .
ويني ى صلاح سالم حديثه فيقول : " إنه لم يكن يعتقد أنهما سيصلان إلى ما وصلا إليه (يعني عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ) فهما قد أصبحا يتمنيان الفشل وعدم النجاح لمن نال النجاح من أعضاء المجلس ! ! وإنه لم يكن يتصور أن يحدث هذا فى يوم من الأيام ! "
واست أدرى هل كان صلاح سالم يعلم وهو يقول هذا الكلام أنة هو نفسه أبضا ساهم بفاعلية ضخمة فى إيصال عبد الناصر و.عبد الحكيم إلى هذه الحال من تمنى خراب البلد ! وأنه بدلا من أن يقدم اقتراحا بإبعاد البغدادى وجمال سالم لإعلاء كل السلطة لعبد الناصر كان عليه أن يقدم اقتراحا بإعطاء كل السلطة للعبث الذى يدعى أن الثورة إنما قامت لتعيد إليه حريته ! ! وأنه بدلا من أن يبدو لإرضاء عبد الناصر ووجه آخر لإرضاء البغدادي وجمال سالم – ينقل أحاديث عبد الناصر إليهما بم كان عليه أن يكون قويا صريحا فى أسلوب عرض الحق أمام عبد الناصر ، وبدلا من أن يمارس تجربه مريرة بتقديم اقتراح لإزاحة البغدادى وجمال سالم كان عليه أن يتذكر موقفه من محماء نجيب فى صراع عبد الناصر معه على السلطة حين أعانه على تجريح محمد نجيب ، وسبه وشتمه
بكل علانية ون صافة مصر وصافة العالم ، فتعيد إليه هذه الصورة ما يجب أن يكون عليه مسلكه حيال عبد الناصر فى الوقت الذى لم يبني عنه أن هدف جمال كان إزاحة الجميع لينفرد بالسلطات كما روى ذلك بنفسه البغدادى ، أن جمال عبد الناصر سيحاول التخلص منهم فرادى لأنه من الخطورة عليه أن يتخلص من الجماعة دفعة واحدة ، وأنه ب جد (1) بالتخلص من بغدادي على أن يتبعه بجمال سالم ثم حسن إبراهيم ، ولكنه بالنسبة له (أى صلاح سالم ) سيحاول الاحتفاظ به حتى ينهى مشكلة الاتحاد خ السودان فإن فشلت سهل التخلص منه ؟
لهذا بدأ بهذه الصورة حتى لا يستعجل عبد الناصر فى التخلص منه في هذه اللوحة الدامية التى صورها صلاح سالم لأسلوب العصابات التى كانت تحكم مصر التآمر ، تآمر كل مجموعة على الأخرى ، كانت هى التى تسيطر على الجميع ! .
ففي هذا الموقف يتفق جمال وعبد الحكيم على إزاحة جمال سالم بغدادي ويقف زع ريا محيى الدين متفرجا ! !
ما دام بعيدا عن الصراع ، فدوره لم يحن بها ، لأنه لم تكن تعنيه كلمة حق يقولها لصالح بلده فى هذا الصدد ، لأنه يعرف ماذا يكون مصيره بعدها ، نراه اثر السكوت وامتدت به الأيام بعد ذلك ليشهد مصرع عبد الحكيم على يد جمال بعد هزيمة سنة 67 او بعد أن عينه جمال للجمهورية لمدة ساعات ! وليشهد أيضا مصرع بلده على يد من يخافه ويرهبه من دون الله !
ويقف صلاح سالم موقفا مزر يأمن الجب ، فقد كان جمال عبد الناصر يثق فى اختلافه خ أخيه جمال سالم وبغدادي سواء كان هذا الاختلاف حقيقة أو وكل ، وكذا يتحدث إلى عبد الحكيم وجمال بما يرفي كد هذا المضمون وبما لي زكى رغبتهما فى إزاحة البغدادي وجمال سالم عن السلطان بعرض اقتراحه بتعين الأول "لمجلس الخدمات والثاني –لمجلس الإنتاج ! !
بغض النظر عن مصلحة بلده فى هذه المشكلة ، التى لم يكن يعنيه فيها إلا السؤال عن ترتيب ب طرده من السلطة هل سيعجل به أم يجعله فى ذيل المطرودين ! كان الجروح يتحسس فقط موطنه من السلطة ابتداء ص ن عبد الناصر وانتهاء بحسن إبراهيم و زكريا .
أما الحرص على موقف كل منهم من مصلحة بلده فصوت متهافت وصورة باهتة أدار الجميع لها ظهورهم منذ نجحت الحركة وأمسكت زمام الحكم .
صراع عبد الناصر وعامر
أما صراع عبد الناصر مع عامر فلم يكن صراعا شريفا على القيم والمثل العليا والمبادئ كما يلي يدعي الدين يناصرون أحدهما على الآخر ، ونضيف إلى ذلك قولنا إن اتفاقهما أيضا لم يكن يوما يمثل ارتباطا على خير هذا البلد أو صالحه أو حق متمازج عليه بينهما وبين غيرهما .
وإنك لا تحتاج ق ذلك إلى دليل حين تستعرض صورة عبد الحكيم عامر سنة 4 5 9 1 وصورته سنة 1961 ، فق في لم السنة1954 نشهده يركب موجة العنف ضد سلاح الفرسان الذى كان يطالب بعودة الحياة النيابية 9 ، وتوافقي !عبد الحكيم عامر الشجاعة ليعلن خروجه عن قرارات مجلس الثورة باستقالتهم من مناصبهم - ليتولى قيادة الجيش من جديد ليدمر سلاح الفرسان امتثالا لرغبات الجيش !
وطبعة كان يعلم مسبقا أن وفاقه خ عبد الناصر محقق به ولاءه لنفسه بالبقاء فى منصبه ولعبد الناصر فى مقتضيات مودته وخدمة أهدافه ، ولو أهدر آمال الشعب فى الحكم النيابي النظيف .
والصورة الثانية لعبد الحكيم عامر تبرز إليك فى فى ديسمبر سنة 1961 عودتهم سوريا مطرودا من الجيش السورى ومقدما استقالته !
. . . فتراه بعد أيام منشورات يوزعها على الشعب يقول فيها إنه استقال من أجل الديمقراطي والحكم النيابئ ! ! لأنه يرفض الحكم الديكتاتوري لمدى يحكم به عبد الناصر (ا) بلده .
وإذن ، فقد أصبحت المطالبة بالحكم النيابئ قميص يطالب به كل من ذهب سلطانه مكرها ليمتطى صهوة الشعب من جديد ! !
ونسجل هنا دهشة السادات لموقف عبد الناصر من عامر ، كيف تنكر جمال المسلحة بلده ثانية إثر انفصال سوريا عن الوحدة ، ورفض استقالة عبد الحكيم ، بل زاد على ذلك أن عينه نائبا للقائد الأعلى فى الوقت الذى كان يجب عليه فيه أن يقيله برد هزيمة سنة 1956 (2) .
ونحن بدورنا نسجل جبنا من دهشة السادات هذه ، وكأنه أحد النظارة لمشهد ،- درامي ، وليسو أحد المسئولين عن هذا المشهد الذى جرى به قدر مصر ليسلمها إلى مستوى من العنونة آدهى وأمر من عفونة الحكم الملكي التى جاء السادات ليخلص منها بلده الذى كان يئن تحت براثنها .
ولا أدرى لماذا لم يحاول السادات تصحيح الموقف على طريقته الثورية، أو ستى السلبية التى لاشك أنها كانت تدعوه على الأقل إلى الإصرار على عدم المشاركة فى الحكم على أضعف الإيمان !
فإذا بلغت بنا الأحداث سنة 1967 ، حدثنا السادات عن مشهد آخر كشف لنا طرفا من من هذا الصراع بين عبد الناصر وعبد الحكيم ، والمستوى الذى ومي ل إليه .
فق 11 يونيو سنة 1967 أى بعد ستة أيام من الهزيمة الذعر قلب عبد الناصر عندما حاول الاتصال بعبد الحكيم عامر ليستدعيه فلم يعثر عليه ، فظنه يدبر له مكيدة !
. . . وصلت عبد الناصر أنباء بأن البوليس الحربي يتحرك من قشلاق الحلمية فى طريقة إلى منزل عبد الناصر ، ليطالب بعودة عامر بعد استقالته ، فلما سمع عبد الناصر ذلك أخذ سلاحه ووضعه إلى جوار فراشه وظل ينتظر(3)!
وكانت هذه اللحظات كافية لأن يفكر عبد الناصر فى كيفية تدبير إزاحة عامر من طريقه بالقتل الذى بدا بصورة (1) انتحار ! ؟ !
وأفي أستبدل أن نسدل الستار على هذا المشهد س ن نهاية عبد الناصر وعبد الحكيم عامر الذى كان آخر مش!اهد صراعه ضباط الحركة جميعا لا نملك إلا أن نقول إن خوف عبد الناصر من عبد الحكيم وحبه لعبد الحكيم ! ورغبته فى قتل عبد الحكيم كلها متناقضات ربما أكدت ما أثاره السادات فى كتابه البحث عن الذات عن عبد الناصر وعلاقته بعبد الحكيم حين قال إن واجبه "كصديق يحتم عليه ألا يكشفها (2). أو يفصح عنها ) فتركنا بعد ذلك فى متاهات الظنون !
أخلاقيات الصراع :
إنه لا يوجد لى فى مصر رجال ، والمصريون يخافون ولا يستحون " . عبد الناصر عام 1954 بعد حل جماعة الإخوان ما زالت صفحات التاريخ تسطر هذا الصراع وأخلاقياته تركت بصماتها على شعب مصر بعد أن سلم قيادته لعبد الناصر ! .
منذ بدأت الثورة كان جمال عبد الناصر يحاول أن يظهر فى الصحف على أنه صاحب السلطان (ا) فى مجلس الثورة ، وكانت الصحف ظهور هذه السقطة فى نفس، القائد لتصمن منها بقية تغرق بها في وجوه أعضاء المجلس فى بحر النسيان !
ولم يسكت محمد نجيب لى هذا الصغار وإنما بدأ يواجه ا لأسلوب !
فإذا نشرت الصحف قرارات لمجلس الثورة برئاسة عبد الناصر - بالرغم من وجود محمد نجيب - فإن لأخير يدلى بتصريحات للصحف فى أمور لم يتناولها المجلس بالمناقشة ، ودقة . . بدقة !
وإذا كان عبا- الناصر قد أكل الغيظ قلبه من شعبية محمد نجيب فلتظهر الصيف أيضا شعبيته هو الآخر فيعقد المؤتمرات ن مدينة أخرى ف ير القاهرة ولتكن الإسكندرية مثلا ، ويجمع حوله حواريه عبد الحكيم عامر وصلاح سالم ، وليخطب بمناسبة أو بغير مناسبة حتى لي شه خ غروره ويؤكد ذاته .
ولكن محمد نجيب يسمع بأخبار هذا المؤتمر الشعبي بالإسكندرية ويعلم أن صلاح وعبد الحكيم سيسافران مع عبد الناصر إلى هناك .
وإذن فليحزم متاعه هو الآخر ويسرع فى اللحاق بركب الكبار .
فماذا كان جواب عبد الناصر على هذا السلوك ! .
رد على ذلك بألفاظ السوقة فسبه فى (1) خطابه فى المؤتمر الشري فى الإسكندرية مما علينا لم يعين اسمه ، ووصفه بالنفاق والطغيان والاستبداد ، ويفتح الشعب المسكين فه بالدهشة !
فماذا دهي حكامه ؟ وأى خيانة ارتكبها رئيس الجمهورية الذى يكن الشعب له الحب والاحترام ؟
أهى لعبة الحكم أم خيانة حقا ؟ !
ويصاب الشعب الدوار والبلبلة ولا يكتفي صاحب الحقد الدفين بذلك .
وإنما يأمر صنيعته محمد حسنين هيكل (2) وصديقه أحمد أبو الفتح صاحب المصري ألا لأكثر أحاديث محمد نجيب أو ص وره فى الصحف !
ويكلف هيكل بإبلاغ مصطفي أمين وعلى أمين بذلك !
فهل كانت كل مشغلتها هئ هذه الأمور الشخصية الصغيرة فى بن كان الشب يتوهم أن قادته مشغولون بمهام الدولة ول عداد الجيش س تقوية أسلحته لمواجهة الأحداث الجسام ا(ى تنتظره ؟ ! وهل بلغ بهم دوار السلطة حدا لا يتعفف فيه أحدهم عن إيصال هذا الصراع إلى الصحف لغير ما سبب سوى حب الظهور والرياسة ؟ !
وهل أدرك الضباط الآخرون فى مجلس الثورة هذا المستوي الذى هبط إليه نظام الحكم آ ! أقول للأسف نعم .
أدرك ا: لمه خ ذلك وأقول كل من زكريا الشافعي وبغدادي فى هذا الوقت أن الصراع الذى يطحن البلد بين محمد نجيب وعبد الناصر (3) كان صراعا على السلطة ! .
وبالرغم من إدراك الجص خ لهذا المستوى الخطير الذى هبط إليه نظام الحكم لا نجد منهم من يحاول إيقاف المتنافسين على الزعامة ! ولكن للأسف نرى أغلبهم - بدلا من هذا - يشعلون جذوة الصراع ويوافقون على اقتراح جمال عبد الناصر بتغيير موعد اجتماع مجلس الثورة الأسبوعي ومكانه ليكون فى يوم آخر غير يوم الأحد ( موعد الاجتماع الأسبوعي العادي ) ويكون مكان الاجتماع منزل جمال عبد الناصر بدلا من مجلس الثورة حتى لا يحضر محمد نجيب وحتى يكون اجتماع يوم الأحد اجتماعا شكلية فقط .
وافق الجميع على هذا الرأي بل اقترح جمال سالم زيادة فى تيسير الأمر على جمال عبد الناصر تفويضه فئ اتخاذ القرارات الضرورية د؟ن الاجتماع معهم على هيئة مجلس تجنبا لحضور محمد نجيب ! .
وكان ذلك فى 6 ديسمبر سنة 1952 أى بعد أقل من ستة شهور من قيام الثورة ، ولم يعارض فى هذا الاقتراح سوى صلاح سالم وبغدادي (1 ) . إذن . . فقد دخل الجميع حلبة الصراع وأمه بحت القرارات حول الانتصار لعبد الناصر ضد نجيب . بل نكاية فى عمد نجيب يعطى عبد الناصر كل الصلاحيات لاتخاذ ما يراه من قرارات ! ، فلماذا لا يصبح طاغية! !
وهكذا يفقد مجلس الثورة صلاحيات نظام الشورى إلى الأبد ليؤدى بنا هذا التطاحن فى النهاية إلى حكم الفرد المطلق الذى كان لي سعى إليه عبد الناصر رغم تمثيليته المتقنة التى أبدى فيها حرصه على الديمقراطية باستقالته كل من جميع مناصبه فى أول اجتماع لمجلس الثورة ! !
ويعجز مجلس الثورة بعد ذلك عن دخ عبد الناصر إلى النزول على رأى الأغلبية حتى ليقول لأعضاء المجلس إنه " لا يعقل أن أكون مسئولا وفى نفس الوقت أكون مقيدا برأي الأغلبية (2) "
إن فرعون علا فى الأرض
وفى يناير سنة 1954 بعد اعتقال الإخوان المسلمين كان عبد الناصر يكرر لخاصته فى نشوة بالغة " إنه لا يوجد فى مص س رجال (ا) " ، ويروى أحمد أبو الفتح ما كان يردده عبد الناصر أمامه وفى مجالسه فيقول " إن المصرين يخافون ولا يستحون ، فإن أرهبتهم انكشوا ، أما إذا أنست إ أيهم تمردوا ! "" .
وكان قد مضى الأسبوع تلو الأسبوع على حل الإخوان المسلمين ، ولم أقع أى حادث لعبد ا أناصر فى حين كان يظن الناس أن اعتقال الإخوان المسلمين لابد سيفجر الموقف .
وامتنع عبد الناصر خلال هذه الأسابيع عن الخروج من منزله إلى مكتبه إلا بحراسة قوية كان يبث فيها رجال الجيش على طول الطريق الذى يسلكه ويحرص فى هذه الأوقات أن يلحق بالسيارة التى تحرسه أحد الإخوان الذين ضمهم إلى جناحه من رجال السندى ليكشفوا له الطريق ويتعرفوا قبل سيره على الوجوه التى يعرفونها من إخوان النظام لعل أحدا يتربص به منهم .
وإنه لأمر عير محقا أن يفخر الزعيم " ا،لهم " بأنه استطاع أن يحيل الشعب إلى نعاج ! ولعل هذا الوصف هو نفسه الذى استخدمه كمال حسين (2) فى خطابه لعبد الحكيم عامر فيما وصف به سلوك عبد الناصر حيال الشعب سنة1965 .
وهي نفس الصورة التى وصفها السادات لشعب مصر فى كتابه " البحت عن الذات " حين قال " لقد استحال الشعب " مساخيط " أو دمي فى أيدى حكامهم يفعلون بهم ما يشاءون فلم يعد مسموحا للناس بالسفر أو أن يقولوا كلمة تختلف عما يقوله الحاكم وإلا اعتقلوا أو صودروا فى أرزاقهم ، وازدادت سلبية الناس وأصبح الأمان لهم أن يسيروا إلى جانب الحائط ، أصبحوا لا ينظرون ولا يسمعون ولا ينطقون ! ! " .
ولم تكن رغبة عبد الناصر فى تحقير زملائه تقل عن رغبته فى إذلال هذا الشعب فكان سلوكه المقزز فى توالى عبثه وسخريته بهم جميعا بغير استثناء يظهر جليا فيما كان يرويه للناس من نوادره معهم ! مهما كانت نوعية صلته بهؤلاء الناس !
بل لا يتورع عن إظهار تلك السخرية على الملأ فى مؤتمرات صحفية . سثل يوما عبر الإذاعة فى يوليه سنة 1970 عن أسباب عدم ظهور السادات وكان قد أشيع فى هذه المناسبة أنه حددت إقامته كما كان يفعل عادة خ زملائه ، فاجاب فى (ا) سخرية مريرة " هو مريض بالقلب فى بيته ، ورايح لكم بعد أسبوع " ! وكان يريد بهذا التصريح إظهار مدى قدرته على أصحابه الذين شاركوه مخاطر الحركة واستأثر وحده بالقدرة عليهم وعلى بلده .
ولم ينج صلاح سالم من سخرية بل من بطشه أيضا ، كان عبد الناصر يصون بالمغرور ويقول فى مجالسه عنه (2) إن صلاح كالبالونة تنفخها فتنتفخ ، ثم تنتفخ حتى إذا ما حان الوقت س شئ كتها بدبوس صغير هبطت وأصبحت لا قيمة لها " .
وقد استغل عبد لمناصر مه لملاح سالم فئ سب كل من أراد سبه وذلك حين خشي على نفسه من ظهور صلاح سالم فى الصحف أثناء قيامه بمباحثات السودان فكلفه بمهاجمة الشخصيات المصرية والعربية إمعانا فى إشباع غروره حتى زال إعجاب الناس به وبدءوا يشمئزون من حماته خصوصا على محمد نجيب فى الوقت الذى كان فيه عبد الناصر يؤكد لصلاح سالم غير هذا ! ! حتى إذا حانت الفرصة للخلاص على منه قابل الرأي العام ذلك بارتياح ورضا تامين .
1-ولست أدرى متى بدأ صلاح سالم يدرك حقيقة ما ينتويه له جمال عبد الناصر ظ إلا أنه من الثابت أنه كان يدرك ذلك فى 26 مايو1955 ( بعد سبعة أشهر من إيداع الإخوان ن السجون والإطاحة بمحمد نهائيا .
والعجيب أنه كان يدرك هذا تمام الإدراك ومع ذلك لا تتحرك في * نازعة إلى الدفاع عن حرية بلده بعد أن أدرك أن عبد الناصر قد ملك أزمة البلد كلها بيده وأصبح الاستئثار بالسلطة ح!ي "، الوحيد وهدفه الأول والأخر ، ومع ذلك فهو لا يتوزع عن مشاركته فى وصف الإخوان المسلمين كانوا يبغون إلى الحكم سم والاستثمار بالسلطة !
ويبدو أن شعور البعض بضأله حجمه أمام مسئوليات الحي م التى أصبح يواجهها فجأة بص د النجاح السهل الذى واكب الحركة ق! أسلم عبد الناصر إلى الاعتقاد بأن جإح القوى تنازعه اللعبة التى فى يده ! وكل صيحة معارضة له تعنى إقصاءه عن الحكم !
وظلت تؤرقه هذه الشكوك والمخاوف حيال زملائه أيضا واحدا تلو الآخر حتى أقصاهم جميعا عن . السلطة بعد أن نالهم بالهزؤ والسخرية وتناول أعراضهم بالتجريح وعلى سبيل المثال :
- - زكريا محيي الدين لم يسلم من سخريته ولا من شكوكه فقد كان يلومه لوما عنيفة ينتهي أحيانا بسبه بلفظ جارح (،ا) ، ولم يسلم من شكوكه كذلك قبل. قيام الحركة(2) - فى أثناء الإعداد لها - ولا بعد الحركة ولا عند (ا) تنازله عن رئاسة الجمهورية (1) بعد هزيمة سنة 1967 م .
-وحسين الشافعي كان يتناوله عبد الناصر بأسباب أمام الصحفيين فيقول " وجوده أعدمه ، ولا يضر ولا ينفع ركل ما يهتم به هو شاربه وطريقة لبس البيريه ، إنه أريحهم جميعا (2) " .
- ولم يسلم البغدادى (13 وصلاح سالم من اتهام جمال عبد الناصر لهما بالجنن يوم مظاهرات 28 فبراير سنة 1954 وبأن البغدادى كان يبس فى منزل أحد أقارب زوجته خوفا وفرتا وجبنا عند مواجهة المظاهرة التى كانت تهتف بحياة محمد نجيب ، وكان ي للناس كيف نقل كلاهما زوجه وأولاده إلى منزل أحد أقاربه
- ولم يتورع كذلك عن أن يدين فى مجالسه الخاصة اثنان من زملائه بعلاقة غير كريمة خ إحدى الأميرات . ومع ذلك يظل على علاقته معهما ويظلا على ولائهما له ! .
- وكما لم يسلم أحد من زملائه من تجريحه وسبه أمام الناس فلم يسلم كذلك أحد منهم من بطشه فنال حريتهم بما نال به حريات الناس :
-فى سبتمبر 1958 استدعى. عبد الناصر نائبه فى رئاسة الجمهورية عبد اللطيف البغدادي وأشار إلى ما توجيه حالة الثراء التى ظهرت على أخيه سعد بغدادي - بغتة ، وأذهل عبد الناصر رد البغدادى الذى قال أنه على استعداد أن يقدم أخاه إلى المحاكمة إذا قدم عبد الناصر اخوته الثلاثة الليثى : عبد الظاهر وشوقي للمحاكمة عن الثراء الفاحش الذى أوصلهم إليه عبد الناصر !
وهكذا جرى أسلوب المحاسبة بين الشرفاء حتى ليكاد الإنسان يصدق أن كلا هي ا كان يعتقد حقا أنه عضو فى عصابة ! ! ، وكانت النتيجة الطبيعية لهذه الصراحة من بغدادي أن اعتقله عبد الناصر فى منزله (1) بالإسكندرية وبعد بضعة أسابيع أفرج عنه ! .
- واعتقل كمال حسين بسب خطابه الذى قال فيه " اتق الله " وأفرج عنه بعد ثلاثة أشهر حين توفيت زوجه ! .
ولم يسلم صلاح سالم من اعتقاله جملة مرات فى منزله وقدم استقالته بعد إذاعته لبعض أسرار الدولة لأحد الصحفيين التى اعتبرها عبد الناصر خيانة(2).
- وهرب خالد محيي الدين إلى الإسكندرية (3) واختفي هناك بعي فشل سلاح الفرسان فى إعادة محمد نجيب باختصاصاته ، ولمكن عبد الناصر أرسل إليه يؤمنه ويطلب لقاءه ، ودفع خالد محيي الدين ثمن حريته استقالته فى أبريل 1954 م .
الاتفاقية مع الإنجليز'
وهكذا سلطت الدكتاتورية أبواقها من الكتاب المأجورين لتنتهي الشعب لقبول اتفاقية الجلاء مهمورة بأربعين مليون دولار قدمتها أمريكا للحكومة المصرية وثلاثة ملايين دولار منع شخصية من المخابرات المركزية الأمريكية هدية لرئيس الدولة والاستعداد المفتوح لتزويد-مصر بالسلاح الذى تحتاجه للأمن الداخل فقط !.
بدأت تظهر إرهاصات الرغبة. فى الاتفاق خ الإنجليز على الجلاء فى يناير ستة 1953 فى تصريحات عبد الناصر-بإحدى خطبه فى شبين الكوم " الجلاء عن القنال أو القتال حتى الموت ! ! ! .
وظلت تصريحات رجال الحركة تشير إلى أن البديل الوحيد الذى يرتضونه فى شان جلاء القوات البريطانية عن القنال هو العودة إلى الكفاح المسلح !!.
ولم يكن خافية على الحكومة المصرية أن الجانب البريطاني كان يستهدف ربط مصر بحلف دفاعي للشرق الأوسط ويستهدف كذلك أن تظل قناة السويس قاعدة ينطلق منها فى عملياته العسكرية فى المستقبل .
وفى فبراير سنة 1953 اتصل الدكتور محمد سالم (ا) بالأخ صالح أبو رقيق مبلغا إياه رغبة السفارة البريطانية فى لقاء بعض المسئولين من جماعة الإخوان ال