رجاء داود .. زوجة الصحفي جابر رزق
مقدمة
كثيرًا ما تبتلى النساء بالمصاعب والمشقة في حياتهن بسبب الغاية التي يعملن من أجلها، ويعاونّ أزواجهن على تحقيق هذه الغاية، رغم الصعاب التي ربما تعتري طريقهن وتحاول أن تبعدهن عن السير قدما نحو غايتهن.
ومنذ ارتباطها بشخصية الأستاذ جابر رزق وهي تتحمل الصعاب والمشاق أولا لمعاونة زوجها طوال حياته وبعد مماته أكملت الطريق في تربية أبنائها بل وأبناء الأمة
والمحن سنة من سنن الله في الكون ليمحص الصف المؤمن وينقه من الخبيث، قال تعالى:
- ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 139-142).
البداية
في قرية كرداسة الواقعة غرب الجيزة، هذه القرية التي شهدت أحداثا جساما ارتبطت بمصير دعوة الإخوان المسلمين منذ نشأة هذه الدعوة فيها، فقد شهدت هذه القرية انتشار الدعوة فيها في عهد الإمام البنا على يد الشيخ عثمان عبد الرحمن نائب الشعبة.
ولقد كانت القرية معروفة لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بسبب قربها من الصحراء الغربية والتي كانت تقام فيها المعسكرات بصورة دورية، كما كان لهذه الدعوة المباركة الفضل في القضاء على التناحر بين عائلة مكاوي (عائلة العمدة) وعائلة عمار.
حيث دخل في الدعوة الكثير من شبابها، ثم زاد أثرها بعد ثورة يوليو 1952م عندما برز فيها بعض الأفراد صغيري السن الذين حملوا الدعوة في قلوب مؤمنة وصاروا بها، حتى أصبحوا قادة لتنظيم 1965م أمثال أحمد عبد السميع والسيد نزيلي وجابر رزق الفولي.
كما ارتبطت هذه القرية بحادث هام ما زال عالقا في أذهان الأجيال التي عايشته يحكونه لأبنائهم جيلا بعد جيل، فلم تعد الكتب التي أرخت لتاريخ حركة الإخوان المسلمين هي التي تحوي مثل هذا الحدث بل أصبحت صدور أبناء هذه القرية تحمله بين جنباتها، وليس ذلك فحسب بل أصبحت كتاتيبهم وحضاناتهم يدرسون هذا الحدث للأطفال منذ نعومة أظفارهم، إن قرية كرداسة نموذج لضراوة حرب الإبادة التي شنها النظام الناصري على الدعوة الإسلامية وكل ما يمثل الدعوة الإسلامية. (1)
في هذه القرية ولدت وترعرعت هذه الشخصية وشهدت على أحداث جسام عاصرتها بل عايشتها.
ولدت رجاء سيد إبراهيم داود بحي عابدين عام 1938م حيث كان والدها يعمل كاتبا بالمحكمة كما أنه كان إماما وخطيبا في مساجد الجمعية الشرعية، وكانت والدتها مربية في المرحلة الابتدائية، ومع ذلك كانت الأسرة نموذجا للأسرة الإسلامية غير أنها كانت بعيدة عن الحركة الإسلامية خاصة حركة الإخوان المسلمين.
حصلت رجاء على شهادة الدبلوم التجاري وعملت بعد اعتقال زوجها في شركة مصر للتأمين، وفي 12 يوليو 1960م طرق بابها الأستاذ جابر رزق جابر الفولي ليتزوجها وتم له الموافقة والزواج، وقد رزقهما الله بأيمن والذي ولد عام 1961م ثم أشرف والذي ولد عام 1962م ثم أحمد والذي ولد عام 1975م. (2)
والزوج هو جابر رزق الفولي في 2-10-1936م في قرية "كرداسة" التابعة لمحافظة الجيزة، ونشأ في بيئة متواضعة متوسطة الحال، وكان عصامياً في حياته، درس الابتدائية في كرداسة، والثانوية بمدرسة السعيدية.
ثم عمل مدرساً للغة الفرنسية ثم أكمل المرحلة الجامعية بجامعة القاهرة "كلية الآداب" قسم الصحافة، وتخصص في العمل الصحفي، وعمل محررًا في مجلة (الإذاعة والتلفزيون), التي كان يرأس تحريرَها الكاتب الكبير أحمد بهجت سنة 1962م.
وكان قد تعرف على الإخوان المسلمين منذ طفولته في قرية كرداسة، ثم انتظم معهم في شبابه وشارك في الحياة السياسية، حيث اعتقل سنة 1965م، حيث كان أحد رجال جمع المعلومات بسبب إتقانه اللغة الفرنسية.
فقد كان يطالع الصحف الفرنسية ويترجم الأخبار الهامة بها (كما يقول أحمد عبد المجيد أحد قادة تنظيم 1965م) ولقد حوكم جابر مع الإخوان المسلمين "سيد قطب وإخوانه"، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس عشرة سنة، قضى منها تسع سنوات في السجن، وأفرج عنه سنة 1974م.
وفي سنة 1976م صدرت مجلة "الدعوة" بإشراف عمر التلمساني، ورأس تحريرها صالح عشماوي وتولى جابر رزق مدير تحريرها، وفي سنة 1981م سجن مرة أخرى مع قيادات الإخوان المسلمين وغيرهم لمدة خمسة أشهر.
وفي 1986م تولى رئاسة تحرير مجلة "لواء الإسلام" الناطقة بلسان الإخوان المسلمين، وكان يكتب في العديد من الصحف والمجلات، كمجلة الاعتصام، وصحيفة الشعب، وصحيفة النور، ومجلة الأمة القطرية، ومجلة الإصلاح الإماراتية، ومجلة المجتمع الكويتية، كما أنه كان متحدثا رسميا باسم جماعة الإخوان المسلمين.
ومن مؤلفاته
- "الإمام الشهيد حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه، الدولة والسياسة في فكر حسن البنا، المؤامرة على الإسلام مستمرة، محمد عواد الشاعر الشهيد، مذبحة الإخوان في ليمان طرة، الأسرار الحقيقية لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، طه حسين.. الجريمة والإدانة، حسن الهضيبي.. الإمام الممتحن، الإخوان المسلمون في سورية، النصيرية.
وافاه الأجل في أمريكا يوم الاثنين 6 ذو القعدة 1408هـ الموافق 20/ 6/1988م عن عمر يناهز الثالثة والخمسين، وعاد جثمانه إلى مصر ليدفن بالقاهرة قرب أستاذه عمر التلمساني، حيث أوصى رحمه الله بذلك. (3)
ويضيف الأستاذ بدر محمد بدر قوله:
- "وفي أوائل سبتمبر 1981م تم القبض عليه مرةً أخرى ضمن عدد من قيادات الإخوان، منهم الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام وصالح عشماوي, وتم الإفراج عنهم بعد نحو 5 أشهر, وخرج جابر رزق ليواصل جهاده, مرافقًا للأستاذ عمر ومستشارًا إعلاميًّا له ومسئولاً عن الملف الإعلامي للإخوان المسلمين.
- رغم أنه جاءته الدعوة ليكون رئيسًا لتحرير مجلة (الإصلاح) التي تصدرها جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي بدولة الإمارات, لكنَّه فضَّل أن يكون قريبًا من قيادة الجماعة التي كانت في حاجة إليه, وفي عام 83 تم افتتاح مقر الإخوان في شارع سوق التوفيقية بوسط القاهرة.
- وفي عام 84 شاركْتُ معه في إنشاء مجلة (البشير) لكنَّ أجهزة الأمن صادرت المجلة الوليدة, وأحالت المسئولين عنها للمحاكمة, وفي عام 85 تولَّى الأستاذ جابر رئاسة تحرير مجلة (لواء الإسلام) بعد سلسلة من ضغوط السلطة, حتى نجحت المجلة نجاحًا كبيرًا، وفي أوائل الثمانينيات, تولَّى جابر رزق مسئولية تفعيل شباب الصحفيين المنتمين للإخوان أو القريبين من الجماعة في نقابة الصحفيين. (4)
دعوة الإخوان ومحنة كرداسة
تقول الحاجة رجاء:
- " في بداية الستينيات لم يكن التعرف على دعوة الإخوان واضح بالنسبة لنا لكن الزوج من الإخوان غير أنه لم يحدثني مطلقا في هذا الأمر لطبيعة الظروف التي كانت تعيشها مصر في ظل حكم جمال عبد الناصر، فكان يخاف على لتوصيل مثل هذه المفاهيم وكانت الحياة بسيطة وسهلة أكثر من الآن.
- وكان التعارف على دعوة الإخوان عبارة عن علاقة شخصية قامت مع الأخت فوزية عبد المجيد زوجة الأستاذ سيد نزيلي سبق الكتابة عنها تحت عنوان عروس كرداسة كما كان هناك علاقة مع زوجة الشيخ الخطيب، لكن لم يكن هناك أي أمور دعوية مطلقا لطبيعة المجتمع فلم يكن هناك حضور للنساء في المساجد". (5)
وتقول عن المحنة التي تعرضت لها وكل نساء القرية:
- " لقد جاءوا لاعتقال الأستاذ سيد نزيلي وزوجي والأستاذ أحمد باوة وغيرهم غير أن الأحداث تطورت في بيت الأخت فوزية عندما أرادوا أن يصطحبوها معهم وثار أهل البلدة عليهم معتقدين أنهم لصوص وتطور الحال وجاءت الشرطة العسكرية بجحافلها وعاثت في الأرض فسادا.
- والقصة بتفصيلها سردها زوجي في كتابه (مذابح الإخوان في سجون ناصر)، وبعد أن اخذ زوجي ومن معه عاشت القرية فترة عصيبة لا يستطيع أحد فعل شيء بسبب الحصار الذي ضرب على القرية، وكنت أعاني كثيرا في إيجاد ما يكفي أبنائي خاصة أثناء الحصار الذي ضرب على القرية وزوجي خلف الأسوار.
- حتى كانت المحاكمة والتي حكم فيها على زوجي بأثنتى عشر عاما ولم يكن لي ولا لولدي أي مصدر رزق فسعيت للعمل في التأمينات حتى أكفل أولادي ونفسي، كما أن الأحكام كانت قاسية حتى أن والدي أصيب بمرض شديد عندما سمع الحكم على زوجي لشدة حبه له، كما أن الأخ عبد الفتاح حسين كان دائم زيارتنا والسؤال على الأولاد حتى خرج زوجي من السجن وكان هذا من فضل الله ثم التربية التي تربى عليها الإخوان.
- ومع هذه الأحداث لم أتعرض للاعتقال مثل الأخت فوزية غير أن المضايقات من قبل رجال الأمن كانت شديدة والمراقبة كانت فوق طاقتي، فوقت ذهابي للعمل وعودتي كنت أشعر بمن يراقبني مما كان يسبب لي الحرج أثناء سيري". (6)
ويقول الحاج سيد نزيلي عن الحادث:
- "وبعد ساعتين حضرت وقد علمت بالحادث فلم أرض بزيادة الأمور تعقيدا فذهبت وسلمت نفسي إلى نقطة القرية فوضعوني في العربة والتي كان بها كثيرا من شباب إخوان القرية كجابر رزق وأحمد باوه، وغيرهم وبعد ذلك تحركت العربات بمن فيها من أناس إلى معتقل السجن الحربي، حيث العذاب الهوان والمأساة الكبرى. (7)
حب ووفاء
ثناء الزوجة على زوجها وذكر محاسنه أصبح أمرا نادرا أن يحدث في ظل طغيان المادة والظروف المعيشية الصعبة وبعد الرجال والنساء عن أمور دينهم وطغيان؛ حب الذات على الإيثار والرحمة والمودة التي كفلهم الله، وشخصيتنا ضربت أروع الأمثلة لحفظ فضل وحسنات زوجها، ولنترك لها المجال في التعبير عن هذه العاطفة التي تعلمنا حسن التعامل مع الزوج أو الزوجة فتقول:
- " زوجي الحبيب جابر كان رجل ذو حياء كبير، محب للناس جميعا مخلصا في عطاءه لهم كما كان مهتم بهم وبمشاركتهم إلى جانب ذلك كان متميز من الناحية التعليمية حيث إن ظروف الفقر جعلته يتعلم ويتقن اللغة الفرنسية وبعد تخرجه عمل مدرس فرنساوي، ثم التحق بالتعليم مرة أخرى ليحقق رغبته في الصحافة وعندما تخرج منها كان على موعد مع الاعتقال.
- لقد كان زوجي محافظا على صلواته وخاصة صلاة الفجر في المسجد، وكان يعمل من الساعة السابعة صباحا حتى الواحدة ليلا ما بين عمل بتدريس اللغة الفرنسية بمدرسة محمد فريد الثانوية، ثم مجلة الإذاعة والتليفزيون ثم الذهاب لمجلة الدعوة ليلا، وبالرغم من ذلك كانت صلاة الفجر نبراسا له حتى أن البيت منذ ثلاثين عاما وهو محافظ على هذه الصلاة التي غرسها فينا الزوج الكريم عليه رحمة الله.
- ولقد كنت أحرص ما يكون على تهيئة المنزل تهيئة يحتاجها كل زوج من هدوء وحب حتى يستطيع أن يواصل جهاده في الحياة خاصة أن زوجي كان له حياة خاصة بسبب زحمة الأعمال ولقاءاته الكثيرة مع إخوانه.
- ولقد كان أشد المواقف أثرا في نفسي موقف على عشماوي والذي كان يسكن عندنا في البيت ومع ذلك هو من أورد الإخوان المهالك بسبب اعترافاته الكثيرة والتي ضمت معلومات كثير كاذبة لينجو بنفسه، غير أنه مع ذلك وجدت الرعاية الطيبة من الأخوات خاصة أثناء رحلة زيارة الزوج في قنا فقد كن يهون الصعاب على أنفسنا. (8)
حياة وجهاد
خرج الزوج عام 1974م فوجد زوجته ترعى أبناءه كما لو كان موجود وسطهم بالرغم من الصعاب التي واجهتها فشكر الله على نعمائه، وبدأ يدبر حاله غير انه رغم المحن التي واجهها ووجهتها أسرته أسرع ليسلم نفسه إخوانه للعمل في محيط دعوته وحمل الدعوة مع أستاذه الأستاذ عمر التلمساني وكثير من إخوانه المخلصين فكان كثير التغيب على أسرته وكان يدرك بأنه ترك أبناءه مع زوجة كريمة سترعى هذا البيت، وكرس مجهوده في محيط الصحفيين ينشر دعوته وينظم شئونه وهو على ذلك صابر، كما أن زوجته صابرة محتسبه غياب الزوج هذا الوقت خلف السوار وغيابه من اجل الدعوة.
وعندما اعتقل في سبتمبر 1981م لم يساورها شك أو قنوط بل كانت الصابرة على قدر الله، حتى خرج الزوج مرة أخرى بعد خمسة أشهر، فكان هدفه الأول دعوته، حتى كانت الرحلة الأخيرة التي سافر فيها إلى تركيا وعاد بعد لينتابه بعض البرد فكان نعم الطبيب له والممرضة، وعندما سافر إلى أمريكا وعاد بعد أن فارقت روحه الحياة صبرت فما جزعت رضا لله لا سخطا على قدره، ومع ذلك فهي تعيش حتى الآن تكفكف على بيتها لتظل روح زوجها السمحة ترفرف فوق هذا البيت الكريم.
المراجع
- جابر رزق: مذابح الإخوان في سجون ناصر، الجزء الأول، 1985م، ص 42.
- حديث أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاجة رجاء في 10/ 8/ 2008م.
- مقالا للمستشار عبد الله العقيل بمجلة المجتمع العدد 1709 الموافق 8/ 7/ 2006م.
- مقال للأستاذ بدر محمد بدر على موقع إخوان أون لاين يوم 19/ 6/ 2007م.
- حوار الأستاذ عبده دسوقي مع الحاجة رجاء.
- المصدر السابق.
- حوار أجراه الأستاذ عبده دسوقي مع الحاج سيد نزيلي يوم 10/1/2008م.
- حوار مع الحاجة رجاء.