سعيد بلال
بقلم: سامر خويرة
صحفي بمكتب النجاح للصحافة نابلس
توطئة
قلائل هم الذين يرحلون عن الدنيا ويتركون بصمات واضحة فيها، وتحديدا إذا كانت هذه البصمات قد أرخت لمرحلة ما في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين؛ وذلك في وقت كان لا يجرؤ أحد أن يعلي صوته فوق صوت الاتجاهات اليسارية والعلمانية خلال فترة ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم.
الشيخ سعيد بلال رحمه الله كان أحد هؤلاء الذين عملوا على تطوير ميادين الدعوة الإسلامية بعد أن أصبحت شغلهم الشاغل، فقد لعب دورًا تنويريًّا ودعويًّا متميزًا، وبشَّر بقدوم عهد دعوي جديد لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين المحتلة.
فوصفه الشيخ حامد البيتاوي، رئيس رابطة علماء فلسطين، غداة وفاته، بأنه كان من الرعيل الأول الذي حمل همَّ الدعوة الإسلامية على عاتقه، وقال عنه: "ففي فترات قحط تقدم الشيخ بعقله النير، ولسانه الطليق، وقلبه الكبير، وفكره الصائب ليؤسس أول بنيان في صرح الحركة الإسلامية في فلسطين".
النشأة والبدايات
ولد الشيخ سعيد بلال في قرية "طلوزة" شمال شرق مدينة نابلس عام 1934، وتلقى تعليمه في مدارس بلدة "طوباس" المجاورة لها، ومن ثم درس في مدارس قرية "ياصيد" شرق مدينة نابلس.
بعد تدريسه لسنوات في مدرسة مدينة نابلس سافر إلى العراق التي انضم فيها إلى جماعة الإخوان المسلمين في الخمسينيات، حيث كان يعمل هناك، ليكون تعرفه على جماعة الإخوان نقلةً نوعية في حياته بعد أن كان مؤيدًا للشيوعيين ومتبنيًا لأفكارهم، ولم يطل بالشيخ الغياب كثيرا في العراق، فعاد إلى وطنه ليعمل معلما في مدارسه، وليؤسس برفقة آخرين النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين فيها.
وقد عمل إمامًا وخطيبًا إضافة لعمله في التدريس، حيث عمل موظفًا رسميًّا لدى وزارة الأوقاف في مسجد "التينة" بحارة القريون بالبلدة القديمة في نابلس، وكان هذا المسجد الوحيد الذي إمامه وخطيبه من جماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة، فكان أبناء الجماعة يتوافدون عليه لسماع خطبه المعبرة عن وجهة نظرهم ومواقفهم.
وعبر سنوات حياته تجول الشيخ بلال مع ثلة قليلة من إخوانه في مختلف مدن وقرى ومخيمات فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة، وكذلك داخل الخط الأخضر، حيث ركز عمله هناك في الستينيات والسبعينيات، وتنقل في مدن "المثلث" و"اللد" و"الرملة" و"النقب" و"جلجوليا"، في وقت كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعى جاهدة لتطبيق سياسة تهويد الفلسطينيين.
ورغم السياسات القاسية التي كانت تتخذها دولة الاحتلال تجاه الدعاة والإسلاميين في ذلك الوقت، فإن ذلك لم يثنِ الشيخ عن عزمه في مواصلة دعوته، وهذا لم يجعله بعيدا عن أعين الإسرائيليين، فاعتقل عام 1981 وخضع لتحقيق قاسٍ، غير أن ذلك لم يثنه عن مواصلة عمله الدعوي، وعندما فشلوا في ذلك فرضت عليه الإقامة الجبرية، ومنع من الخروج من مدينة نابلس.
عائلة التضحيات
عانت عائلة الشيخ سعيد بلال من ظلم الاحتلال الإسرائيلي، فقد تعرض أفراد العائلة الخمسة للأسر، فبدأت حكاية العائلة مع الاعتقالات عندما أسر الابن الأوسط "عثمان" بتاريخ 19-8-1995، حيث يقضي الآن حكمًا بالسجن المؤبد 26 مرة، بالإضافة إلى 25 عامًا و24 شهرًا.
أما الابن "معاذ" فقد اعتقل بتاريخ 11-10-1998، ويقضي حكما بالمؤبد 5 مرات، بتهمة عمله مع مجموعات كتائب الشهيد عز الدين القسام، وتأسيس وقيادة مجموعة "شهداء من أجل الأسرى".
كما أن للابن الأصغر "عبادة" قصة أكثر إيلاما إذ لم يشفع له فقدانه للبصر من الاعتقال قبل نحو 3 أعوام ونصف تقريبا، بتهمة صناعة المتفجرات ليحكم عليه بالسجن أحد عشر عاما.
كما وقع النجل الأكبر في العائلة "بكر" في الأسر بعد مطاردة استمرت 3 أعوام وحكْم بالسجن 40 شهرا، كما اعتُقل "عمر" ليقضي عاما كاملا في السجون الإسرائيلية.
وخلال جولات التحقيق مع أبناء الشيخ كان المحققون يقولون لهم: "أنتم أبناء المجرم الحاقد" سعيد، لقد ورثتم عنه الحقد...". ورغم الأحكام العالية جدا بحقهم، فإن الأمل بلقائهم لم يكن يفارق الشيخ لحظة واحدة، فكان يقول دوما: "لا أؤمن بالمؤبدات، بل بقضاء الله وقدره...".
مواقف لافتة
ومما عرف عن الشيخ أنه معطاء لا يأخذ، مسامح لا يظلم، وإن ظلمه أحد لا يحاربه، بل يوجهه للطريق الصحيح، لينا على الحق قاسيا على الباطل. كما عرف عنه مواقفه اللافتة فبعد أن كان شيوعيًّا ومتعاطفًا معها تحول إلى إسلامي مدافع صلب.
كما حملت ليلة زفاف الشيخ موقفًا طريفًا آخر يدلل على طبيعة الفقيد، فقد كان من المقرر أن يأتي ليأخذ زوجته إلى بيته الجديد، لكن الوقت مر وسط انتظار عروسه ولم يحضر.
فقد نسي يوم عرسه في أثناء انشغاله بحضور عرس إسلامي آخر، وخلال كلمته في العرس قال له أحد الحضور:
"عقبالك يا شيخ" ليتذكر ساعتها عرسه، ليأتي عروسه في اليوم التالي. وهذا يعود لسيطرة همَّ الدعوة إلى الله على حياته وجل وقته.
وقد عرضت عليه منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م أن يكون ممثلا لها في مدينة نابلس بمعاش 90 دينارًا لكنه لم يقبل، وفضل البحث عن عمل آخر حتى لا يؤثر عمله على توجهاته الفكرية.
تجاوز "الخط الأخضر"
ويحسب للشيخ سعيد بلال أنه مارس الدعوة في أماكن متعددة، سواء في فلسطين جميعها أو الأردن. وساهمت جهوده في تكوين الكثير من الدعاة المعروفين المتواجدين على الساحة الفلسطينية الآن، فمعظم الدعاة والقيادات في الحركة الإسلامية داخل فلسطين اليوم يعدون ثمرة من ثمار جهده وعمله.
حيث لعب دورًا نمو الصحوة الإسلامية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فقد جاب البلاد طولها عرضها يدعو إلى الله، وإلى فكر الإخوان المسلمين في وقت اجتهد الإسرائيليين في تهويد تلك المناطق، وربى المئات من الشبان، وانتشلهم من الضياع والتهويد عبر زياراته الدعوية لمدن وقرى الجليل والمثلث.
وكان الشيخ عبدالله درويش رئيس الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 1948 أول من انتظم في جماعة الإخوان المسلمين بنابلس، حيث كان طالبا في المدرسة الإسلامية عام 1968، وعن طريقه نجح في نقل فكر جماعة الإخوان المسلمين إلى الداخل، كما خطط الشيخ سعيد برفقة الشيخ درويش وإخوانه في فلسطين المحتلة عام 1948 لتكوين أسرة الجهاد التي خرجت للنور وجاهدت وعملت عسكريا، لكن أمرها سرعان ما اكتشف وسجن قادتها.
ويضاف إلى سجل الشيخ سعيد بلال شغله لمواقع متقدمة في جماعة الإخوان المسلمين لسنوات طويلة، وكان ممثلا عنها في كثير من المؤتمرات والملتقيات الإسلامية والاجتماعات الخارجية.
المكتبة.. وسياسة "التوفيق"
أدى الشيخ بلال في حياته دورًا مهما في نشر الدعوة الإسلامية، فاختلفت الطرق التي استخدمها في ذلك، وكان أحدها عن طريق مكتبته الإسلامية في منطقة "خان التجار" بنابلس والتي ساهمت في نشر الكتاب الإسلامي، ونشر الأزياء والجلباب الشرعي للسيدات والفتيات في نابلس.
كما شغل الشيخ المرحوم لمدة سنوات عشر ممثلا عاما للهيئة الإدارية لجماعة الإخوان المسلمين في الضفة الغربية برفقة الأستاذ ناجي صبحة رحمه الله.
وكان الشيخ خلال سنوات حياته بعيد النظر، يختار سياسة الرفق الذي يحبه لا سياسة العنف، فكان بمثابة صمام أمان في مواجهة الخصوم والأطراف الفلسطينية الأخرى من فصائل وجماعات وسلطة وطنية عبر انتهاجه سياسة التوفيق؛ فكان له دور جوهري في إطفاء نار الفتنة داخل الجامعات الفلسطينية بين الكتل الطلابية، وداخل نسيج المجتمع الفلسطيني.
وفي رمضان سافر الشيخ إلى الأردن، وهناك أصيب بغيبوبة استمرت حتى وفاته بتاريخ 19/10/2005 عن عمر ناهز الـ75 عاما، ليوارى الثرى في يوم الجمعة في مقبرة مدينة نابلس الشرقية دون أن تكتحل عينيه برؤية أبنائه الأربعة خارج أسوار السجون.
|
|
|
|
مواقع إخبارية |
الجناح العسكري . الجناح السياسي |
الجناح الطلابي الجناح الاجتماعي
|