مشهور الضامن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مشهور الضامن


بقلم: المستشار عبدالله العقيل

رائد الإخوان في فلسطين.. الشيخ مشهور الضامن

هو الشيخ مشهور ضامن بركات .. ولد سنة 1918 م في مدينة (نابلس) بفلسطين، وهو من عشيرة المساعيد المنتسبة إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من قبيلة هذيل.

ونشأ في بيئة محافظة، حيث كانت أمه امرأة صالحة، أحسنت رعايته، فنشأ نشأة متدينة، وكان يلتزم بصلاة الفجر في المسجد منذ صغره، وقد رأى أكثر من رؤيا تحثه على طلب العلم، فكان قراره الذهاب لمصر لمتابعة الدراسة الشرعية في الأزهر.

سيرته العملية

في مصر تعرّف إلى الإمام حسن البنا "رحمه الله" ودخل جماعة الإخوان المسلمين، كما تعرّف في مقاعد الدراسة بالأزهر في منتصف الثلاثينيات الميلادية إلى الشيخ مصطفي السباعي ، الذي أصبح فيما بعد المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا ، وتعمقت الصلة بينهما وذلك، ولعله يكون أول الإخوان المسلمين من فلسطين.

وخلال دراسته في الأزهر، قام الشيخ مشهور الضامن مع صديقه الشيخ مصطفى السباعي، بمجهود مميز في التعريف بقضية فلسطين، حين قامت الثورة الكبرى في فلسطين (1936 م 1939 م)، حيث وقف في مكان يطل على كلية الشريعة بالأزهر، وخطب في الطلاب عن تاريخ فلسطين وجهاد شعبها وواجب المسلمين ونحوها، وكان هذا على مسمع ومشهد من الشيخ محمود شلتوت ، الذي هنأه بعد كلمته ودعا له بالتوفيق.

وتشاور الضامن مع السباعي وقررا العمل على توعية الناس بالقضية الفلسطينية ، وقاما بدعوة الشيخ إبراهيم القطان ، والشيخ هاشم خازندار، والشيخ راتب الدويك، والشيخ يوسف المشاري، للانضمام إليهما والعمل معاً، وبعد اجتماعهم قرروا طبع بيان يتضمن شرح قضية فلسطين، ومكانتها المقدسة في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وواجب العالم الإسلامي تجاهها، والدعوة لمقاومة الاحتلال البريطاني والعملاء، كما قرروا توزيع البيان يوم الجمعة في مساجد مصر وخارجها، وتمّ توزيع البيان وخطب بعضهم ومنهم السباعي في عدد من المساجد، داعين للجهاد في فلسطين أرض الإسراء والمعراج، الأرض المقدسة، وفي منتصف الليل، داهمت سكنهم في الأزهر قوة شرطة أخذتهم إلى التوقيف، وهناك طلب المحقق من الشيخ الضامن أن يدلّه على مكان الشخصية الوطنية الفلسطينية المعروفة "محمد علي الطاهر" فرفض الشيخ الضامن برغم علمه بالمكان، وشجّعه الشيخ السباعي على موقفه، ولما حان موعد الامتحانات النهائية، أدى المعتقلون الستة الامتحانات في السجن.

وبعد الامتحانات تمّ إخراجهم من مصر ، ونقلوا عبر "غزة" إلى معتقل "صرفند" في فلسطين. وبعد أن استقر الشيخ الضامن في فلسطين، عيِّن مدرساً في المدرسة الأحمدية في "عكا" 1943 م كما كان نائباً لمدير المدرسة الشيخ جمال السعدي.

جهوده ومواقفه

رغم وجود أفراد من الفلسطينيين المنضمين إلى دعوة الإخوان المسلمين، والمؤمنين بفكرتهم، والملتزمين بمنهجهم منذ فترة مبكرة، إلا أنهم انتظروا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، للقيام بتشكيل فروع علنية لجماعة الإخوان المسلمين، وكان من أوائل هذه الفروع، فرع الإخوان المسلمين في مدينة نابلس الذي قام بإنشائه الشيخ مشهور الضامن سنة1946 م، وكان هذا الفرع من أنشط فروع الإخوان المسلمين العلنية حتى منتصف الستينيات، وقد استمر الشيخ مشهور الضامن رئيساً له حوالي عشرين عاماً أو أكثر.

وفي حرب 1948 م كان للشيخ مشهور وإخوانه جهودهم الطيبة، وبلاؤهم الحسن، برغم إمكاناتهم المحدودة، ولم يكن وقع الكارثة وهزيمة الجيوش العربية، لينال من عزيمتهم وإخوانهم، فقام بإنشاء "جمعية التضامن الخيرية في نابلس" في نفس السنة، وأسهم في بناء المدارس والمعاهد الشرعية، وساعد أهل الخير ببناء دار كبيرة للإخوان المسلمين ، صارت مركز إشعاع إسلامي في المنطقة، وأصبح الشيخ مشهور الضامن "مفتي نابلس" وكانت شعبة الإخوان المسلمين في نابلس من أنشط الشعب في الضفة الغربية، خلال الخمسينيات مع شعب "الخليل" و"القدس" و"عقبة جبر" وغيرها.

وقد ذكر الشيخمشهور الضامن في تقريره سنة1950 م، أن أعضاء فرع نابلس زادوا من مائتين إلى ثلاثمائة عضو خلال سنة واحدة من سائر طبقات المجتمع، وكانت شعبة نابلس أهم مراكز الإخوان المسلمين التي تقام فيها الأنشطة العامة والمهرجانات الخطابية، وكان يشارك فيها رجال المدينة وخطباؤها، فضلاً عن العديد من الزوار والضيوف أمثال الأستاذ عمر الداعوق من لبنان، والشيخ محمد محمود الصواف من العراق، والأستاذين محمد عبدالرحمن خليفة و يوسف العظم من الأردن، وقد حظي فرع "نابلس" بزيارة للأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين في أواخر شهر يونيو سنة 1954 م.

وشكل إخوان نابلس فرقاً للكشافة والجوالة، وكان المشرف على التدريب السيد ممدوح النابلسي، وحين ارتكب اليهود مجزرة "قبية" في أكتوبر 1953 م، عقد اجتماع كبير من أهالي فلسطين في مدينة نابلس، وطالبوا بطرد الجنرال البريطاني كلوب باشا من الجيش الأردني، وقامت مظاهرات عارمة، وفي شهر نوفمبر 1962 م فاز الشيخ مشهور الضامن بأغلبية كبيرة في انتخابات البرلمان الأردني عن مدينة نابلس، كما فاز الأستاذ يوسف العظم عن مدينة معان، والأستاذ عبدالماجد شريدة عن مدينة إربد، وشكلوا كتلة الإخوان المسلمين في المجلس النيابي الأردني.

وقد سبق أن تولى الشيخ مشهور الضامن مسؤولية المراقب العام للإخوان المسلمين بالنيابة سنة1957م، كما كان للإخوان المسلمين بفلسطين دور كبير في مؤازرة إخوانهم في المغرب العربي، وشكلوا (لجنة الدفاع عن المغرب العربي) ومحاربة فرنسا في تونس والمغرب والجزائر، وفي منتصف الستينيات حلت الحكومة الأردنية مجلس النواب الأردني، فغادر الشيخ مشهور الضامن الأردن إلى المملكة العربية السعودية للعمل كخبير للخطوط العربية، فقد كان هذا مجال تخصصه، بالإضافة لدراسته الشرعية الأزهرية.

من أقواله

يقول في مقابلة له مع د.محسن محمد صالح:

"إنني تتلمذتُ على الإمام البنا، والتحقت بجماعة الإخوان المسلمين أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات أثناء وجودي للدراسة في مصر ، وكان الإمام البنا يؤمّل مني القيام بدور كبير في فلسطين، وقد دعاني قبيل عودتي إلى فلسطين وطلب مني أن أقوم سراً بجمع عناوين رجالات وشخصيات فلسطين وأرسلها إليه، وقد قمت بذلك والحمد لله خير قيام، وتواصلت من خلال هذه العناوين المراسلات بين الإمام البنا ورجالات فلسطين، وكان عنواني الشخصي يُستخدم لإيصال المراسلات إلى هذه الشخصيات".

قالوا عنه

يقول الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح :

"التقيته ثلاث مرات وأنا أحاول تسجيل جانب من التاريخ الشفوي للتيار الإسلامي الفلسطيني، وكان ابن الثمانين عاماً يتمتع بروح حيوية شابة، وبنفسية إيمانية عميقة واثقة بربها، لم يهزها النوم على فراش المرض طوال سنتين بسبب آلام مبرحة في الظهر أصابته في اليوم التالي للقائه قيادات الحكم الذاتي الفلسطيني، بعد أن عاد محبطاً منهم حسبما ذكر لي لعدم الاستجابة لنصحه لهم، وقد دعاني الشيخ الوقور بروح دعابته الخفيفة إلى الانضمام إليه في عضوية "فرقة الشباب" التي قال لي إن شعارها: "لا تقل شاب قلبي، ولكن قل شاب ذقني، لا يشيب القلب وذكر الله فيه".

وتصاب بالخجل وهو يحرص على إكرامك وضيافتك بنفسه، ويقوم ليصافحك برغم آلامه ويضغط على يديك بقوة لتحس بنفسك "شبابه" يرحمه الله.

وربما لا يعرف كثيرون من أبناء الدعوة الإسلامية في هذه الأيام وحتى من الفلسطينيين أنفسهم الشيخ مشهور الضامن بركات، وربما كان عذرهم أنه ليس من الأسماء اللامعة في زماننا هذا، ولكنه على أي حال كان أحد أعلام الحركة الإسلامية الكبار في فلسطين والأردن منذ منتصف الأربعينيات وحتى منتصف الستينيات".

ويقول الأستاذ حسني أدهم جرار:

"الشيخ مشهور الضامن.. عالم جليل من العلماء الروّاد في أرض الإسراء والمعراج، وأحد أعلام الحركة الإسلامية الكبار في فلسطين والأردن، ومؤسس شعبة الإخوان المسلمين في نابلس عام 1946 م، وأول رئيس لها.. كان مفتياً لمدينة نابلس وقضائها منذ عام 1952 م، وعضواً في الهيئة العلمية الإسلامية بالقدس، ورئيساً لجمعية التضامن الخيرية بنابلس، وخطيباً لجامع الحاج نمر النابلسي.

كان من أبرز وجوه نابلس الذين يثق الناس بهم ويحترمونهم، وكان خير ممثل لهم في مجلس النواب الأردني عندما اختاروه عام 1962 م بأغلبية كبيرة.

كان مصلحاً كبيراً، ومربياً فاضلاً، ومعلم أجيال.. وكان داعية عاش لدعوة الإسلام، يدعو الناس للتمسك بها والسير على هداها، ولم يكن يعنيه في حياته إلا أن يطمئن على نجاحها قبل مماته.

كان صاحب همّة عالية، وعزيمة قوية، وإخلاص للدعوة، قلّ أن تجد له مثيلاً في فترة الخمسينيات من القرن الماضي تلك الفترة التي طغت فيها الأفكار القومية والناصرية والشيوعية في نابلس ومنطقتها.. فوقف هذا الشيخ الجليل ومعه نفر من إخوانه، وفي مقدمتهم: شريف صبوح "مدير أوقاف نابلس"، وصبحي العنبتاوي، ونبيل بشتاوي، وناجي صبحة، وأحمد الحاج علي، وسعيد بلال.. وقفوا بهمة وعزيمة وثبات ينشرون أفكار دعوة الإخوان ، ويربون الشباب على منهج الإسلام.

كانت بداية معرفتي بالشيخ مشهور في أوائل الخمسينيات، حيث كان بينه وبين أعمامي الشيخ فريز والشيخ توفيق، علاقة مودة وأخوة ودعوة... وفي بداية عام 1953 م التحقت بالمدرسة الصلاحية في نابلس للدراسة، وكنت أتردد على دار الجماعة، والتقيت فيها الشيخ مشهور، وزرته في بيته مرات كثيرة.. ومن خلال هذه الزيارات وجدت فيه داعية كريم النفس، شفاف الروح، حسن الحديث، وفياً وقوراً، يؤثر أن يعيش بعيداً عن الأضواء.. وصرت أحرص على لقائه والاستفادة من تجاربه، كما أحرص على سماعه في خطبة الجمعة في جامع الحاج نمر النابلسي، واستمرت صلتي به في نابلس وفي عمان، وعرفت الكثير من أخباره منذ التقيته وحتى وفاته عام1998 م، رحمه الله.

وبعد طول معرفة، فإني أقول: إن في سيرة هذا الشيخ وفي نشاطه ومواقفه الكثير من الدروس التي يستفيد منها الشباب، ومن ذلك:

أن الشيخ مشهور منذ بداية شبابه كان على وعي وإدراك لما يُخطط للأمة الإسلامية، وإن من أخطر تلك المخططات "الغزو الثقافي" الذي أدركه الشيخ أيام كان طالباً في المرحلة الثانوية، في فترة الاحتلال البريطاني في فلسطين، وقد ذكر لي ذلك فقال: كنا ونحن ندرس في المدرسة الصلاحية نتلقى حصة واحدة فقط في التربية الإسلامية، وأما حصص اللغة الإنجليزية فقد بلغت ثلاث حصص يومياً، فكانت سبع عشرة حصة في الأسبوع، أما التاريخ المقرر على الطلاب في المناهج فكان من تأليف مستشرق بريطاني اسمه "بريستد" وكان يخوض في تاريخ الإنسان على الأرض بما يخالف عقيدة المسلمين ويخالف ما أنزله الله في كتابه الكريم، وبما يبعدنا عن تاريخنا المجيد، وكانوا يوزعون علينا كتاباً اسمه "الشخصية" يتحدث فيه المؤلف عن رجال الغرب العظماء، ولا يتحدث عن رجال المسلمين العظماء، وقد شعرت بعد أن أنهيت الدراسة الثانوية ضمن تلك المناهج، أننى غير متفقه في ديني التفقه اللائق بالمسلم، فأنا إذن أحد ضحايا المناهج التي فرضت علينا من قبل الغزاة الغربيين.

عندما ذهب إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف، اشترك مع إخوانه هناك في العمل الوطني، وشارك في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، مما دعا المستعمرين الإنجليز إلى القبض عليه وسجنه.. وفي عام1941 م قبض عليه الإنجليز وسجنوه مرة ثانية.. وفي مقابلة أجريتها معه في عام 1994 م روى لي هذا الحدث فقال: "كنا ونحن ندرس في الأزهر نخطب في المساجد ونتكلم ضد الاحتلال الإنجليزي، وبعدثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، اتفقنا مع مصطفى السباعي أنا وهاشم الخازندار وإبراهيم القطان على إصدار بيان للشعب المصري للتعريف بالقضية الفلسطينية ، ومهاجمة السياسة البريطانية في فلسطين والمنطقة العربية.. وقررنا توزيعه يوم الجمعة على المصلين في المساجد... وثارت ثائرة الإنجليز، وبدأوا يفتشون عن الذين خططوا لهذا العمل، وبعد ثلاثة أيام اعتقلونا، ووضعونا في سجن التخشيبة، وبقينا فيه ثلاثة أشهر.

وتدخل الشيخ المراغي في موضوعنا، فأخرجونا من مصر ، وتسلمتنا السلطات البريطانية في فلسطين وأحلَّتنا معتقل صرفند مدة أربعة أشهر.. وتدخل أخي الأمير عبدالله الضامن عميد عشيرة المساعيد، وكانت له منزلة في منطقته، وطلب من المندوب السامي إخراجي من المعتقل... فأرسل من يخرجني فرفضت إلا مع إخواني الذين دخلوا السجن معي وتم الإفراج عنا جميعاً".

مشهور الضامن وعبد الله الكليب وعبدالرازق الصالح المطوع في مخيمات اللاجئين بالأردن عام 1952

في أواخر الخمسينيات شاع بين الناس انتساب بعض كبار المسؤولين في الأردن إلى الماسونية، فاعترض الشيخ مشهور على هذا الانحراف، وكلم قاضي القضاة في ذلك، وقال له كلمة الحق، فرفض الشيخ الشنقيطي كلامه واعتراضه، وحجب عنه الراتب وأوقفه عن العمل في الإفتاء.. فذهب الشيخ مشهور إلى مزرعته في الغور واعتكف فيها، وحمل الطورية "الفأس" وعمل مع المزارعين تسعة أشهر، واحتج عدد من وجهاء نابلس على ما حدث وطلبوا من الحكومة إعادة الشيخ مشهور إلى الإفتاء.

في عام 1966 ذهب الشيخ الضامن إلى السعودية للعمل خبيراً للخطوط العربية هناك، وهي الخبرة والمهارة التي أجادها عندما كان يدرس في الأزهر في الثلاثينيات، إذ درس الخطوط العربية إلى جانب دراسته الشرعية.

وبعد ستة أشهر من ذهابه قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية في حرب1967 م، فرجع إلى عمان ودخل إلى نابلس خفية عن طريق الغور، وصار يدعو إلى مقاومة الاحتلال.. فاتصل موشى ديان بالحاج معزوز المصري رئيس بلدية نابلس وأخبره بأن إسرائيل لا تقبل وجود الشيخ مشهور في نابلس، وعليه أن يغادر البلد.. فخرج الشيخ إلى الحجاز.

عندما كان الشيخ محمد أبو سردانة قاضي القضاة في السلطة الفلسطينية، كان يختار العلماء المخلصين لتولي مناصب القضاء والإفتاء.. وقد عمل على عودة الشيخ مشهور إلى نابلس لتولي الإفتاء، ووافق رئيس السلطة ياسر عرفات على ذلك، وعاد الشيخ إلى نابلس... وكان من مخططه العمل على تشييد صروح للعلم الشرعي في أرض الإسراء والمعراج، ودعوة الناس إلى ذلك، والعمل على ربطهم بعلمائهم السابقين، والسير على هداهم.

وفي إحدى جولاته زار بلدة جماعين وتسمى في الأصل "جُمَّاعيل" وهي بلدة العلامة الشيخ ابن قدامة، وتذكر وهو في طريقه إليها قول الشاعر:

عرفت الدار دار بني قدامة

ودار الأكرمين لها علامة

ولما وصل إلى البلدة توجه إلى الدار، فهاله ما رأى!! فقد وجدها مكباً للنفايات في البلدة... فجمع الناس وتكلم فيهم عن ابن قدامة العلامة الكبير الذي انتشر علمه في كل مكان، ودعاهم إلى إكرام هذا العالم الجليل بتكريم داره التي كانت مناراً للعلم وقبلة للعلماء.. وعمل معهم على إزالة القمامة وتنظيف الدار.. وقال لهم: سنعمل إن شاء الله على إنشاء جامعة في هذه الدار نسميها "جامعة ابن قدامة".

وبدأ الشيخ يحضّر لمشروع الجامعة.. ولما قام الرئيس ياسر عرفات بزيارة لنابلس عرض عليه المشروع، واستعد للقيام بجولة لجمع التبرعات لإنجازه.. فطلب منه الرئيس أن يعدّ دراسة ويرسلها له عن طريق أحد المسؤولين في نابلس، وسيرعاها الرئيس بنفسه.

وأعد الشيخ الدراسة وقدمها!!! وتأخر الجواب.. وأعدها مرة ثانية وذهب بها إلى غزة لمقابلة الرئيس ، فقال له السكرتير "واسمه موسى": إن الرئيس مشغول!! ثم جاء الجواب بإحالته إلى بعض المسؤولين الذين لم يعيروا الموضوع أي اهتمام.. وطلبوا من الشيخ أن يريح نفسه وسيتولون هم العمل على إنجاز المشروع!

وكانت الصدمة قاسية.. وفوق التحمل!! وأصيب الشيخ بإحباط وبآلام مبرحة في الظهر، أصابته في اليوم التالي للقائه تلك القيادات، وأقعدته في الفراش، ونام ليلته عند صديق له كان يعمل رئيساً للجامعة الإسلامية في غزة.. ونُقل الشيخ إلى نابلس، ثم نقله ابنه عبدالكريم إلى عمان.

ويقول الأستاذ زهير الشاويش:

"كانت معرفتي به مطلع سنة 1365ه- 1946 م عندما حملت إليه رسالة من أستاذنا الشيخمصطفى السباعي الذي كان زميله أيام الدراسة في مصر ، وفي والعمل مع جماعة الإخوان المسلمين والصلة مع الأستاذمحب الدين الخطيب، يطلب فيها تعريفي بمنطقتهم حول القدس والطرق المؤدية إلى القدس وأماكن التحرك في منطقة الغور، حيث كانت النية منعقدة أن تكون هذه المنطقة مجال تحركنا في الجهاد دفاعاً عن فلسطين، وعقد الصلات مع المجاهدين السابقين، كما زرت مختلف مدن وقرى فلسطين، وقد استقبلني بترحيب ظاهر وكرم زائد، واهتمام كبير وذهبت معه إلى الغور، وهو يمثل فيه إحدى أكبر العشائر "المساعيد" وله الإمارة على بعضها، اتباعاً لميراث العشائرية هناك، ووجدت منه كل لطف وكان يناديني يومها ب"الرائد" ويكرر المثل المشهور: "إن الرائد لا يكذب أهله" وكنت في تلك الأيام أحاول حفظ ألفية ابن مالك "الخلاصة" وندَّت مني كلمة أثناء الحديث معه، حيث أوردت فيها شطراً من أبياتها وهو:

ورغبة في الخير خير وعمل

بر يزين وليقس ما لم يقل

فما كان منه إلا أن جعل يروي على مسمعي محفوظاته من الألفية وغيرها من المتون التي يحفظ الكثير منها. ولما ذهبنا في كتيبة الإخوان المسلمين السورية إلى فلسطين سنة 1367ه -1948 م كان مكان وجودنا في القدس، ولم نتمكن من زيارتهم في نابلس، غير أنني عبرت مع بعض إخواني ومنهم العالم الشهيد الشيخ راضي الجوهري إلى مكان كان فيه مجموعة من إخوانه محاصرة لمساعدتهم، وبعد فك الحصار عنهم رجعنا ولم نجتمع بهم لإحاطة الأعداء بنا وبهم.

وبعد ذلك أقمت والأستاذ عصام العطار في الأردن ، وكانت بيننا وبين الشيخ مشهور الضامن وإخوانه العلاقات الطيبة الوثيقة، ووجدنا منه المعونة الصادقة في الدعوة والرأي الصائب وكان يومها مفتي مدينة نابلس.

معرفتي به

سعدت بمعرفة الشيخ مشهور الضامن من خلال ما حدثني به الإخوة الحاج عبدالرزاق الصالح المطوع، وعبدالله سلطان الكليب اللذان زارا الأردن واطلعا على مخيمات اللاجئين فيها، وكان بصحبتهم الأخ الداعية الشيخ مشهور الضامن، حيث حضرا من الكويت ممثلين عن جمعية الإرشاد الإسلامي، وحاملين للاجئين في المخيمات المساعدات العينية والنقدية، لتخفيف معاناتهم والوقوف إلى جانبهم في محنتهم، وكان هذا هو شأن الإخوان المسلمين في جميع الأقطار العربية الذين استنفروا جهودهم، وبذلوا طاقاتهم تجاه إخوانهم الفلسطينيين، الذين هُجّروا من ديارهم بغير حق وبتواطؤ الدول الكبرى مع الصهيونية العالمية، وخيانة الأنظمة الحاكمة التي أسلمت قيادة جيوشها إلى ممثل الاستعمار الجنرال كلوب، الذي لعب دور الخيانة، وسلّم المدن الفلسطينية دون قتال لليهود الغاصبين، ومنع القادة الوطنيين من ممارسة دورهم في كسر شوكة اليهود والتصدي لهم، وتلك ولا شك هي المأساة، لأن الأمر لو كان بيد الشعوب وبقيادة المجاهدين المسلمين، لكان الحال والمآل غير ذلك.

كما شرفتُ بلقياه في مكة المكرمة والرياض والأردن مرات عدة، وبخاصة في مكتب الرابطة بعمان، وفي منزلي، وفي منزله، برفقة الإخوة حسني أدهم جرار، ومحمد عبدالرحيم، ويوسف الزرعيني، ووليد أبو حجير، ومحمد عبدالوهاب، وغيرهم من الإخوة الكرام الذين يعرفون قدر الرجل وجهاده ومكانته.

وكانت همته همة الشباب، وعزيمته عزيمة المجاهدين المرابطين الذين بقوا على العهد محافظين، ولدعوة الإسلام مخلصين عاملين، لا تؤثر فيهم جسامة الأحداث، ولا فداحة الخطوب، بل الثبات على الحق ديدنهم، والعمل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله هدفهم، ونيل الشهادة أسمى أمامنيهم، فكان القدوة لنا في الاستمرار على حمل عبء الدعوة، مهما كانت العقبات والصعوبات، والعمل الجاد لتربية الشباب على منهج الإسلام ، ليحملوا الدعوة بقوة إلى الناس جميعاً، وليأخذوا دورهم الطليعي للتصدي لأعداء الأمة من اليهود، وغيرهم من المفسدين في الأرض.

ولقد كتب قطعة فنية رائعة بخطه الجميل، لآيات من القرآن الكريم، أهداها إليَّ للذكرى باسمي مذيلة بتوقيعه عليها، مازلت أحتفظ بها وأعتز من يد هذا الشيخ الصالح المجاهد.

وفاته

انتقل فضيلة الشيخ مشهور بركات الضامن إلى رحمة الله تعالى يوم 31-10-1998 م في مدينة عمان بالأردن، حيث شيعه الكثير من إخوانه ومحبيه وتلامذته، ودفن في مقابر عمان.

رحم الله أستاذنا الجليل رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، والحمد لله رب العالمين.

المصدر

مشهور الضامن مجلة المجتمع 11/11/2006

للمزيد عن الإخوان في فلسطين

أعلام الإخوان في فلسطين

العمليات الجهادية لكتائب القسام منذ تاريخها مقسمة حسب الشهر

المواقع الرسمية لإخوان فلسطين

مواقع إخبارية

الجناح العسكري

.

الجناح السياسي

الجناح الطلابي

الجناح الاجتماعي

أقرأ-أيضًا.png

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.