محمد العدوي
إعداد: موقع إخوان ويكي
تقديم
إنه الأخ والأستاذ الفاضل محمد أحمد العدوي مسئول إخوان المنصورة والذي ولد في أوائل القرن العشرين وتوفي عام 1992م.
والذي كان قائدا لمسيرة نشاط الإخوان المسلمون في جامعة المنصورة، في عدد من كلياتها ابتداء من 24/ 3/ 1975م و لمدة نصف قرن من الزمان .
واحد من إخوان الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين ، يقول عنه الأخ الأستاذ طلعت الشناوي :
الأستاذ (محمد العدوى)؛ هو مربِّي كل إخوان الدقهلية.
وكان يجمع بين حنان الأب وحزم القائد، وحقيقةً.. كانت هذه الصفة بالذات تثير دهشتي.
إضافةً إلى صراحته التامة مع إخوانه؛ لا لمجرد كشف العيب أو النقد، بل من أجل الإصلاح في المقام الأول .
من الظلمات إلى النور
كان أيام شبابه باحثا بين التيارات الفكرية المختلفة ، و الأحزاب المتعددة ، يقول عن ذلك :
"كنت طالبا صغيرا أهتف مع الطلبة الذين يكبروننى سنا بحياة سعد وسقوط عدلى ثم إذا بى أسير فى جنازة تهتف بحياة ذكرى سعد وحياة خليفة سعد كل هذا وأنا لا أعرف شيئا ولكننى أردد ما يقوله الكبار مدفوعا بعاطفة لم أتبينها حينئذ."
وظل هكذا فترة من الزمن تتقاذفه أمواج السياسة ... فمن إلغاء لما يسمى بدستور 23 ، وإعلان آخر لدستور 30 ، إلى تجريم عمل الطلبة بالسياسة ، ثم سقوط وزارة عبد الفتاح يحي باشا ، ومجيئ وزارة محمد توفيق نسيم باشا ، وما صاحب ذلك من إلغاء للقيود السياسية على الطلاب ، وتأييد من زعيم حزب الوفد لهذه الوزارة .
يقول الأستاذ محمد العدوي :"حتى جاء يوم 13 نوفمبر 1935 وهو ما كان يسمى وقتئذ ( عيد الجهاد الوطنى) وعقد الوفد مؤتمره الوطنى فى سرادق كبير وخطب فيه من خطب ثم أعلن الوفد سحب تأييده للوزارة ... لأنها لم تعلن الدستور 1923 ... وخرجت المظاهرة وتصدت لها قوات البوليس ودائما هى هى, وكانت هتافات وانطلقت الرصاصات ... وسارت مظاهرات 13 نوفمبر تهتف مطالبة بدستور 1923, وفى اليوم التالى 14 نوفمبر قامت مظاهرات الجامعة المصرية تهتف مطالبة بالاستقلال وجلاء جيش الاحتلال. وأمام ثكنات الجيش البريطانى فى قصر النيل( ميدان التحرير الآن) أطلق الإنجليز النار وهكذا بين رصاص البوليس بقياد ضابط انجلترا ورصاص الجيش الإنجليزى سقط القتلى فى القاهرة ... واشتعلت ثورة 1935 فى جميع المدن وتعطلت الدراسة وسقط القتلى أيضا فى كثير من المدن.
الوفديون يهتفون للدستور لأنه طريقهم إلى الحكم والباقون يهتفون للاستقلال ... وتاه الشباب, ولكن دورهم كان حاسما حيث أخذوا يمرون على دور الأحزاب ويقابلون رجالها ورؤساءها ويضغطون عليهم وتوجهوا بخطاب إلى الملك فؤاد ليتدخل فى الأمر ويحسم الخلاف ويجمع الكلمة.
ثم تشكلت وزارة على ماهر، وبعدها كانت معاهدة 1936 التى سماها الوفد معاهدة الشرف والاستقلال وكان الذى رأس وفدها النحاس باشا
وفي أثناء ذلك مات الملك فؤاد .... وجاء ابنه فاروق ملكا ... , وفى وسط هذا الخضم الهائل من الأحداث المتراكمة المتلاطمة, وفى هذا العام العامر بالأحداث كشفت الرجال والأهداف والنوايا والوسائل - غمرتنى رحمة الله وتعرفت على جماعة الإخوان المسلمين."
ويكمل الأخ الفاضل الأستاذ محمد العدوي حديثه عن رحلة النور التي غيرت مسار حياته بأكملها فيقول : "فى غمرة من النشاط السياسى وبعد ظهور نتيجة الانتخاب فى المنصورة التي جاءت على غير ما نرجو مرت علينا ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وذهبنا نحن الشباب إلى سرداق الذكرى نهتف لرجلنا الذى سقط فى الانتخابات ونتحدى مرشح الوفد الذى نجح.
وبعد قليل قام الرجل وقمنا معه وهو يقول فلنذهب إلى حفل الإخوان وذهبنا, وبدأت أرى النور.... فتبدد ظلام نفسى ورفعت غشاوة عينى وسمعت صرير مفتاح يفتح قلبى.
تحسست الأرض بقدمى وأجلت بصرى وحركت يدى وتأكدت أنى فى يقظة وأيقنت أنى أفقت وتخلصت من كابوس ثقيل.
سمعت رجلا يتكلم عن الإسلام شارحا موضحا وعن المسلمين وحالهم وما عليهم من فرائض وواجبات ما كاد الأستاذ البنا ينتهى من قصته حتى أحسست بأقفال قلبى وقد تفتحت وكانت ليلة مباركة خرجت فيها من الظلمات إلى النور وصدق الله" كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم" اللهم أدم علينا نورك ومتعنا بنور كتابك ونور نبيك الكريم وأخرج الناس كل الناس من الظلمات إلى النور إنك رحمن رحيم.
وكان ذلك آخر العهد بالأحزاب والحزبية ولله الحمد المنة."
وهكذا انضم الأستاذ محمد العدوي إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وأحبها و أحب مرشدها الذي علم من خلال معايشته له مدى التزامه بمبدأ السمع و الطاعة و الجندية في تنفيذ الأوامر برغم كونه المرشد ، وكذلك مدى عطفه وحنانه على أبناء جماعته ، وفي ذلك يروي لنا هذه القصة فيقول :
"ولكن قصة صغيرة حدثت لى عرفتنى من هو حسن البنا فقد أصدر قائد المعسكر - وأظنه كان الأخ محمود أبو السعد - قرارا بمعاقبتى لسبب من الأسباب بصرف نصف رغيف فقط فى وجبة الغداء... فصدعت بالأمر رغم ما أحس به من جوع لخروجى من البحر.
وكانت جلستى بجوار فضيلة المرشد العام, وكان ما كان, فقد لاحظته وهو يجمع الخبز من أمامه محاولا أن يعطيه لى ثم يضعه ثانية... مازالت الصورة ماثلة أمامى ... الوالد فى حنانه وعطفه, والجندى الذى تمنعه جنديته من تحطيم الأمر كل ذلك رغم مكانته بيننا. لم يذق الرجل الطعام وظللت أرقبه وأحس بعاطفته. لم يتكلم ولكن قلبى سمع ما يقول قلبه... وكان درسا أفدت منه الكثير وأرجو ألا أنساه طول عمرى."
و بعد المحنة في السبعينات من القرن الماضي مارس نشاطه الدعوي في الدقهلية ..فكان ممن لهم دور كبير في تأسيس العديد من المؤسسات الدعوية التابعة للإخوان ومنها "مدارس الهدى والنور"' يقول الأستاذ عوض عبد المتعال المؤسس لها :'
"كنت لا أملك إلا مبلغًا ضئيلاً جدًّا من حق الأرض فاستشرت أخي الحبيب محمد العدوي فأشار عليً بدفع العربون وسوف يفرجها الله بعدها وبالفعل ذهبت ودفعت ما معي ثم رزقنا الله بثلاثة عشر شريكًا أتموا المبلغ المقدر كاملاً وبدأنا في إنشاء المدرسة واتفقنا على ألا نتقاضى كجهة إدارة أي رسوم إدارية وأن يخرج عائد المدرسة بأكمله لتنمية العملية التعليمية وقد كان بالفعل ".
واستمر نشاط أ. محمد العدوي مع الإخوان فكان واحدا من مؤسسي العمل بالقطر فكان هو بالدقهلية وفي الإسماعيلية الحاج علي رزة وفي البحيرة الأستاذ الدسوقي بقنينة وفي السويس الحاج عبد العزيز العزازي وفي بورسعيد الحاج عبدالعزيز حمودة وكانوا هم الذين يتصلون بالخريجين من الجامعة في السبيعنات حيث كانوا يغطون معظم محافظات الجمهورية تقريبا... في الوقت الذي ظلت القيادات الطلابية (أبناء الجماعة الإسلامية بالجامعة ) آنذاك في القيادة كما هي بعد التحاقها بالإخوان ولكن بتوجيهات من قيادة الإخوان لتنطلق على أيدي هذه الثلة الصحوة الكبرى التي مازال أبناء الأمة يعيشونها حتى الآن.
في السجن
دخل الأستاذ محمد العدوي محنة 54 مع إخوانه مسئولا عن المنصورة وكان أنموذجا لتضحية القائد فكما يحكى علي عشماوى في مذكراته أن الأستاذ محمد العدوى تحمل هو وعبد الحميد البرديني عبء تحقيقات (54) وحدهما , وكانا سببا في نجاة أعداد هائلة من إخوان الدقهلية من السجون والمعتقلات في هذه المحنة.
واستمر الأستاذ العدوي سائرا في طريق الفداء حيث إن الشيخ عبد الفتاح إسماعيل والذي كان يعد تنظيم 65 ذهب إليه بسجن الواحات ليستشيره في بدء العمل على تجميع الإخوان وسأله :هل لو عملنا شيئا بالخارج تعتبرون أنتم أسرى ويقتلونكم ,فقال له لو فعلنا سوف نكون فداء لأي عمل للإسلام .
وعند نقله إلى سجن قنا استمر أستاذنا مع إخوانه في نشاطه داخل السجن فكان النشاط الدعوي يتولاه: الحاج حسن عليان، مالك نار، علي جريشة، محمد العدوي.. وغيرهم.. ومن ذلك أن الحاج محمد علي الشناوي كان يعد طبقاً من الأرز باللبن لكل مسجون جديد تحت التحقيق يحضر إلى السجن.. وكان هذا عملاً دعوياً ممتازاً.
كما كان لورشة النجارة التي كان مسؤولا عنها أ.محمد العدوي دور كبير في ماليات الإخوان وكانت تدر دخلاً عليهم يساعدهم في معايشهم.
و يخبرنا م/ محمد الصروي في كتاب الإخوان المسلمون في سجون مصر عن هذه الفترة قائلا:
لقد استوعب الإخوان جميع المساجين، واستوعبوا إدارة السجن، وملئوا سجن قنا نشاطاً وحركة، وأداروا معظم مرافق السجن ومنها المطبخ (عباس عبدالسميع)، الغلاية (مالك نار، وعبدالسميع عفيفي)، الملاعب الرياضية (محمد مهدي عاكف)، الكانتين (محمود أبورية - محمد سليم وغيرهما) المرسم (معرض الرسم): (علي نويتو، محمد رسمي سلامة، فتحي هاشم، السيد سليم) ورشة النجارة (محمد العدوي، محمد الدسوقي بقنينة وغيرهما)
الإخلاص و الوفاء
ظل الأستاذ الفاضل محمد العدوي مخلصا لدعوته، وفيا لانتمائه لجماعته ، خاصة في فترة المحنة التي قضاها في السجون حتى عام 1975م فصبر و احتسب ، يقول الأستاذ الصروي :(لبثوا في السجون حتى عام 1975م فصبروا واحتسبوا.
ولما خرجوا من السجون عادوا ومارسوا الدعوة إلى الله، كأن شيئاً لم يكن .... هذا محمد العدوي، خرج ومارس الدعوة في أنحاء محافظة المنصورة كلها حتى عام (1992م) وأثره لا يخفى على ذي عينين.
الخاتمة
كانت هذه كلمات موجزة و لمحة سريعة على هذه الشخصية الفذة، بكل ما فيها من معاني البذل و العطاء، والبطولة والشجاعة، والوفاء والإخلاص.
لبث في السجون حتى عام 1975م فصبر واحتسب.. وشهد له إخوانه أنه لما خرج هو وإخوانه من السجون عادوا ومارسوا الدعوة إلى الله وشعارهم: " إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي " يناجون ربهم قائلين " واجعل من جماجمنا لعزِّك سُلَّمًا .. سُلَّماً ".
الأستاذ محمد العدوي مربي إخوان الدقهلية ، العابد الزاهد الذي كان دائما يقول موصيا نفسه و إخوانه:" اجتهد في العبادة قبل اللقاء، واحذر من ضياع أجر العمل".
رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ، وجزاه عن الإسلام و المسلمين أفضل الجزاء وأطيبه .
م/أحمد شوشة يكتب: الأستاذ محمد العدوي أحب الناس فأحبوه
بقلم : م / أحمد شوشة
أحب الناس فأحبوه
هوأحد تلامذة الأستاذ / البنا (عليه رحمة الله) . عمل سكرتيرًا للدكتور/ خميس حميدة وكيل جماعة الإخوان المسلمين (عليه رحمة الله) .
دخل السجن عام 1954 ليخرج منه بعدما أمضى فيه ما يقارب من العشرين عامًا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي الميلادي ؛ ثابتًا عاملاً مجاهدًا في سبيل نصرة دين الله عزوجل، وفي عام 1981وبعد أحداث مقتل الرئيس السادات (عليه رحمة الله) عاد إلى مصر بعد أداء فريضة الحج وهو يعلم أنه مطلوب اعتقاله ، ولكنه آثر أن يعود ليكون مع إخوانه وتلامذته في محنتهم فيدخل معهم السجن ليخرج منه أكثر ثباتًا وأصلب عزيمة إلى أن لقي ربه راضيًا مرضيا عنه إن شاء الله.
كان (رحمه الله) أستاذًا مربيًا فاض من قلبه الحب فارتوى منه جميع الناس رحمة ورأفة وعطفا فاجتمع عليه الخلق من كل الأصناف، فقراء وأغنياء، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، طلاباً وعلماء، فأسس بهم صرحًا دعويًا عظيمًا في محافظة الدقهلية وما حولها00 وما زالت كلماته الرقراقة الندية تعيش في نفوس الإخوان،ومن هذه الكلمات:
"إنما يحتضن الإخوان الناس برفق ورحمة ، يعالجون أرواحهم ومشاعرهم وأفكارهم وواقعهم حتى تستقيم على درب الإسلام كما أُنزل على خير الأنام صلى الله عليه وسلم".
كان بيته – المتواضع- قبلة لكل طارق، وكانت زياراته تلبية لكل داع إلي الخير، ينثر كلماته الذهبية فتضيء بالقرآن والسنة سبل الهداية فتجتمع حوله الصفوف وتتوحد تحت قيادته القلوب.
أما حياته فكانت قدوة عملية لجيل كامل تتلمذ على يديه في محافظة الدقهلية وما حولها ومن هذه المواقف:
الالتزام والجدية في أداء العمل الوظيفي.
تواعد أخوان يومًا للذهاب إلى الأستاذ العدوي ليستشيراه في أمر من أمور الدعوة، فاتفقا أن يذهبا إليه في بيته صباحًا قبل خروجه إلى العمل – وكان يعمل موجهًا في التعليم الصناعي وكانت مدرسة الصنائع تبعد عن بيته ما لا يزيد عن خمسة دقائق – وذهبا فعلا قبل موعد بداية العمل بوقت كاف ،ولكن قال لهما أهل بيته : إنه خرج إلى مدرسة الصنائع.
فذهبا إلى المدرسة فقيل لهما: نعم إنه حضر ولكن ذهب إلى الإدارة التعليمية ؛ فسُقط في أيديهما وقررا الانصراف ،وعند خروجهما من المدرسة وجداه عائدًا إلى المدرسة من الإدارة التعليمية، وعند رؤيته لهما سلم عليهما وانصرف عنهما حتى أنهى بعض أعماله مع العاملين في المدرسة.
ثم التفت إليهما يسألهما عن حاجتيهما فأخبراه ، فكأنه لم يجد فيما عرضاه عليه أمراً عاجلاً فطلب منهما بلطف المرور عليه في البيت بعد انتهاء العمل وعودته إلى منزله، ثم تركهما ليباشر عمله ؛ فكان درسًا في التزام الأخ وجديته في أداء العمل الوظيفي ،وأن الإسلام يفرض علينا الاتقان والإحسان في العمل ؛لأنه سبيل إلى تقوية بلدنا ونهضة أمتنا.
تواضع وتلبية سريعة لأمر الدعوة
في أحد الأيام قام إخواننا الطلبة بالدعاية اللازمة في أنحاء الجامعة لمحاضرة سيلقيها أحد الدعاة من القاهرة وفي الموعد المحدد لم يأت الأستاذ الداعية ،وبالاتصال به أخبر إخواننا بأن الموعد الذي أُخبر به غير هذا اليوم، فذهب إخواننا إلى الأستاذ العدوي – وكان يقيم بجوار الجامعة بشارع متفرع من شارع الجلاء – ليحاضر بدلاً من الأستاذ الذي لم يحضر، فأعد نفسه سريعًا وألقى محاضرته القيمة وعند خروجه في رفقة بعض الإخوان الطلبة سألهم عن ملاحظاتهم عن المحاضرة، فاعتبروا ذلك تلطفًا منه، ولكنه أصر قائلاً: أحب أن أسمع الملاحظات لعلي أستدركها في لقاءات قادمة.
وكان درسًا في سرعة تلبية الأخ لنداء الدعوة ولينه وتواضعه لإخوانه وتدريبًا لهم على إبداء الرأي وسماع المشورة.
نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه
كان أحد طلبة الإخوان يدعو شابًا ينتمي إلى جمعية إسلامية عاملة في مجال الدعوة فذهب معه إلى الأستاذ محمد العدوي لعله يقنعه ويترك هذه الجمعية وينضم إلى الإخوان المسلمين.
وفعلاً استقبلهما الأستاذ وبدأ أخونا الطالب حديثه مهاجمًا لهذه الجمعية ،وأن دعوة الإخوان أولى بالانضمام إليها والعمل من خلالها للإسلام.
فأوقفه الأستاذ العدوي وبدأ حديثه مع هذا الشاب متحدثًا عن جمعيته وأفضالها على الدعوة الإسلامية ولم يأت بذكر لجماعة الإخوان مما أثار حفيظة الأخ الطالب ،ولكن عندما رأي هذا الاخ بعد ذلك جهد هذا الشاب وتفانيه في الدعوة إلى الإسلام من خلال جمعيته استوعب الدرس ورحم الله تعالى هذا الشاب فقد لقى ربه شابًا يافعًا.
فكان الدرس بأن ساحة الدعوة تتسع للجميع ،وعلينا أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
الأخوة الخاصة والأخوة العامة
عندما حدثت أحداث التاسع والعاشر من يونية عام 1977 فيما أسماه الرئيس السادات "انتفاضة الحرمية" لجأ إلى المدينة الجامعية بعض الطلبة الذين شاركوا في تلك الأحداث – وكان موقف الإخوان غير مؤيد لها- طلب هؤلاء الطلبة بعض الطعام من طلبة الإخوان المقيمين بالمدينة الجامعية، ولكن بحماس الشباب رفض بعض طلبة الإخوان إعطاءهم الطعام ؛ وعندما علم الأستاذ العدوي بذلك انزعج بشدة وأعطى طلبة الإخوان درسًا في الأخوة العامة والأخوة الخاصة ، وأن الطعام والشراب من أساسيات الحياة التي لا يجب أن تكون أداة نشهرها في وجه من يخالفنا الرأي ،وفعلاً ذهب طلبة الإخوان واعتذروا للإخوة الزملاء عن موقفهم.
وكان الدرس بأن قلب الداعية إلى الله عزوجل قلب محب يتسع للناس جميعًا – مهما خالفونا في الرأي- في أخوة عامة لا تتعارض مع أخوتنا الخاصة لإخواننا .
حريصًا على إخوانه
أخطأ أحد شباب الإخوان خطأ دعويًا فعاتبه الأستاذ ، وبحماس الشباب، انقطع عن زيارته ؛ فكان الأستاذ يرسل له ويتجاهل أخونا الشاب الدعوة ، حتى كان عقد زواج هذا الأخ في مدينة بعيدة عن المنصورة ، فلم يذهب الشاب لدعوة الأستاذ وأرسل إليه غيره ليدعوه ، فحضر الأستاذ قبل الموعد حاملاً هدية مصحفًا كريمًا عليه إهداء منه.
فأعطى الأستاذ المربي المثل والقدوة في كيفية التعامل مع النفوس البشرية حين نفورها، وأن على الأخ المسئول المحافظة على إخوانه مهما كلفه ذلك من مشقة وجهد.
محتضنًا للشباب
دعا الاستاذ العدوي أخًا شابًا لحضور لقاء دعوي في أحد القرى وكان الموعد في صلاة العصر بمسجد النصر بالمنصورة، فوجد الشاب حوله كوكبة من كبار الإخوان فانكمش خجلاً. ومما زاد في خجله أن أحد الإخوة كان يصلي في المسجد فجاء ليسلم عليهم ،ولما رأى هذا الشاب صغير السن بينهم أظهر امتعاضه ؛ فنهره الأستاذ العدوي لذلك . و أخذ الأستاذ العدوي يتحدث مع هذا الشاب ؛ ليذهب عنه ذلك التوتر.
ويحكي هذا الأخ الشاب أنه كان لهذا اللقاء بأحداثه وكلماته أصداء طيبة ما زالت في نفسه إلى يومنا هذا فجزى الله أستاذنا خيرًا.
التزام وجندية وقيادة
عندما اقترح الإخوان دخول انتخابات مجلس الشعب في تحالف مع حزب الوفد عام 1984 عارض الأستاذ العدوي هذا الاتجاه معارضة قوية ، ولكن كان قرار الجماعة هو دخول الانتخابات بهذا التحالف ولقد رأه إخوانه باذلاً جهده ليلاً ونهارًا في سبيل إنجاح مرشحي التحالف.
فكان درسًا في حسن إبداء الرأي بقوة وأدب ،أما بعد اتخاذ القرار فهو التزام وأداء جاد في التنفيذ. الأرواح جنود مجندة:
لقد ارتبطت أرواح الإخوان بأستاذهم محمد العدوي فإذا مرض رآه أحد الإخوة في الرؤية مريضًا فيأتي فيعوده.
أو يرى أحد الأخوة في الرؤية أن الأستاذ يريده ؛ فيذهب فيجده على وشك الإرسال في طلبه وهكذا الحب إذا ملأ القلوب امتزجت الأرواح في منظومة لا يدركها إلا أصحابها.
وهذا هوسر قوة جماعتنا ودعوتنا ورسالتنا، اعتصام بالله سبحانه ، وقلوب جمعها الله في ألفة على عينه ؛ فتعارفت أرواحها وامتزجت نفوسها فكانت كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أيها الأحباب:
لقد أحببت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام (رضوان الله عليهم) بصحبة هذا الرجل الكريم. فقد رُوى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما معناه:" خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه" ، فكنت أسأل نفسي إذا كان هذا الرجل بأخلاقه ودينه وزهده وجهاده هو نتاج المدرسة المحمدية في خيريتها بعد ألف وخمسمائة عام ؛ فكيف كان خلقه (صلى الله عليه وسلم) وأخلاق الصحابة من حوله رضي الله عنهم أجمعين ؟!.
إن هذا الرجل كان يقيم في الدور الأرضي في شقة خلفية لا تطل على الشارع ثم انتقل إلى شقة أمامية تطل على الشارع في نفس العقار لها حوائط تشكو من آثار الرطوبة ثم انتقل إلى أخرى مُلحقة بمسجد الدعوة بالدور الأول في "توريل" هذا الرجل الذي كان يحسب ميزانيته الشهرية بدقة لتكفيه لنهاية الشهر هو من ملأ الأرض رجالاً يجاهدون في سبيل الله لا يخشون في الله لومة لائم.
وهكذا ظل (عليه رحمة الله) عاملاً مجاهدًا صابرًا حتى دخل في غيبوبة الموت ، فكان لا يُسمع منه (عليه رحمة الله) إلا قرآنا أو ذكرا فهذا هو كل ما علق في ذاكرته من أمر الدنيا. ثم هنيئًا له شهادة هذه الجموع التي سارت في جنازته شاهدة له أمام الله عزوجل على حسن عمله.
اللهم ألحقنا به مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
لم يَمُتْ مَنْ له أَثَرهْ
- وحياةٌ مِنَ السِّيَرْ
آيبُ الفضل كلمــا
- آبتِ الشمسُ والقمر
إنما الميتُ مَنْ مشى
- ميتَ الخيرِ والخبر
من إذا عاش لم يُفد
- وإذا مات لم يضر
الشاعر أحمد شوقي عليه رحمة الله
المراجع
- كتاب: الإخوان في سجون مصر للمهندس محمد الصروي، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
- كتاب: مذكرات علي عشماوي .
إقرأ أيضا