محمد حسن العناني

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد حسن العناني .. شهيد زفه أبوه للجنة


بقلم : عبدالحليم الكناني

توطئة

ربما لا يعرف الكثير أن هناك من ارتضى لنفسه أن يبحر من شاطئ الدنيا نحو ربه، رافضًا أن يكون شراعُ سفينة الرحلة مصنوعًا من غير سرِّ الله في الأرض.. وعدَ وصدق فصدقه الله، فأحال روحه شراعًا ممدودًا على سفينته التي تحمله إلى ديار الخلد، وحواصل الطير الخضر، وروح وريحان، ورب غير غضبان.

واليوم نبدأ في فتح صفحات عميقة الجذور، واسألوا عنها إن شئتم أرض فلسطين المروية بدمائهم.. اليوم نقدم لكم الشهيد الذي زفه أبوه إلي الجنة "محمد حسن علي العناني"

نشأته

ولد هذا الأخ الكريم في "كفر وهب" مركز قويسنا في 5 مارس سنة 1922م، وانتقل مع والده إلى الأسكندرية، وبها بدأ حياته التعليمية، ثم انتقل إلى الزقازيق وفيها أتمَّ دراسته الأولية وحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى طنطا وبدأ يتعلم صناعة النسيج في "المحلة الكبرى"، وكان والده يرجو أن يلحقه بمدرسة المعلمين الأولية لولا ظروف حالت دون ذلك، وفي نوفمبر سنة 1940م انتقل مع العائلة إلى القاهرة حيث التحق بإحدى شركات النسيج.

انضمامه إلى الدعوة

ولم يأت عام 1942م إلا وكان محمد حسن ممن آمنوا بفكرة الإخوان المسلمين، بل كان من السابقين الذين أسسوا شعبة (الترعة البولاقية) في ذلك العام.

أخلاقه وثقافته العلمية


احتلت شخصية "محمد" قلوب إخوانه؛ لما امتاز به من آراء وأخلاق كريمة ونفس أبيَّة عزيزة وروح مرِحَة لطيفة.. يقول أحد إخوانه: "كان يجذبني إلى صحبته فأقضي معه كثيرًا من أوقات الفراغ أحيانًا بالتزاور وأحيانًا بالتنزه في حقول شبرا القريبة منَّا"، ولقد كان محمد شجاعًا ذكيًّا، كما كان نقيَّ السريرة حاضر البديهة، ويذكر أنه في مؤتمر عام للإخوان بالمركز العام سمع أحد إخوانه يقول: - هذا مؤتمر عظيم‍.

فقال "محمد" على الفور:

- نعم، ويجب أن نضع على الباب (لافتة) مكتوبًا عليها قول الله تعالى: (وَائْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) (الطلاق:6).

يروي أحد إخوانه فيقول: "ما كان يحدثني هذا الأخ الشهيد إلا في نواحي كريمة مفيدة، مثل: التفكير في هذا الكون، حالة المسلمين العامة، جهاد الإخوان المسلمين ونشاطهم.. كل ذلك بأسلوبه الخاص الذي لا يملُّه جليسه.. ومما أذكره في هذا الصدد أننا كنا نتحدث يومًا في موضوع عن فلسطين وما يجري فيها من المآسي الأليمة، وكان الإخوان في هذا الوقت قد بدأوا يفكرون في فتح باب التطوع للجهاد، فما كان منه إلا أن قال في إخلاص وصدق ومرارة:"كم أتمنَّى أن أقتل عددًا من الصهيونيِّين.. ثم أُستشهد بعد ذلك في سبيل الله"..!!

وكان محمد حسن أديبًا بارعًا، يحفظ الكثير من عيون الشعر والأدب، كما كان يحفظ القرآن الكريم ويقرأه مرتلاً بصوت مؤثر جميل، ويعرف هذا إخوانُه الذين كانوا يصلون خلفه بالشعبة "صلاة التراويح"، بل يعرف هذا إخوانُه المجاهدون الذين كان يصلي بهم وهم في الطريق إلى الميدان.

يقول أحد إخوانه: "وأحيانًا كنت أسأله عن أشياء غابت عن ذاكرتي فيذكِّرني بها، تحادثنا يومًا في موضوع "الشورى" وأهميتها فانطلق يترنَّم بقول الشاعر:

شاوِرْ سواك إذا نابتك نائبةٌ يومًا

وإن كنت من أهل المشورات

فالعين تنظر منها ما دنى ونأى

ولا ترى نفسها إلا بمرآة

وهكذا كانت الحِكَم تملأ جوانب نفسه لتتدفق من فمه وتفيض على لسانه".

في عمله المهني

أما في عمله فقد عُرف بالحَذق والمهارة والخبرة.. ليس في صناعة النسيج وحدها، بل وفي إصلاح آلات العمل أيضًا، وأحيانًا كان يشاهد في فترة إصلاح "ماكينة" وقد جلس بجوارها ممسكًا بمصحفه.. مرتلاً لآياته.. وقد أهَّلته أخلاقه الكريمة ليكون مندوبًا عن العمال في مصنعه (شركة النيل للغزل والمنسوجات)، بل ليكون عضوًا بارزًا في مجلس إدارة (نقابة عمال النسيج) بشبرا الخيمة.

مؤتمر عائلي للتطوع للجهاد

اجتمعت عائلة الشهيد في شبه مؤتمر لتدرس مسألة الجهاد، وكان رئيسها قد قرر أن الجهاد فرض مقدس، وأنه يرى أن يتقدم أولاده الثلاثة للتطوع "محمد وعلي وعبد الوكيل"، رغم أنهم كانوا قد عُوفوا جميعًا من الخدمة العسكرية والأخيران منهما قد دفعا البدل المعروف، ولكن محمد حسن كان يرى أن يذهب وحده للجهاد ويترك أخويه ليعاونا والدَهما على شئون الحياة، فكان أبوه يقول: "إن الرزق بيد الله، ولا يتوقف على والد ولا ولد".

وبينما هم جالسون يومًا على مائدة الطعام إذا بأحمد الطفل- شقيق محمد- يقول: رأيتُ جدِّي في المنام يقول لي قل لأبيك اترك الأولاد ليذهبوا للجهاد، عند ذلك ضحك الرجل وقال لأولاده، وهاهو الإذن قد جاءكم فتطوَّعوا.. وفعلاً تقدموا للكشف الطبي، ولكن لم ينجح سوى محمد وعبد الوكيل.

يروي أحد إخوانه فيقول: "قبل أن يذهب محمد للجهاد صرح لي بحديث ألقاه إلي في هدوء وبساطة وصراحة، ولكن حديثه هذا كان مفاجأةً لي أدهشتني حقًّا بيني وبين نفسي، وشعرت من وقتها بأن من الواجب عليَّ أن أُطأطِئَ رأسي إجلالاً وتقديرًا لتلك الروح النادرة.. قال محمد في حديثه:

"إنني وأخي عبد الوكيل قد نجحنا في الكشف الطبي للمتطوعين.. أما أخي علي فلم ينجح، وإن والدنا قد وافق على سفرنا فلسطين ولولا ظروفه الأخرى لتقدم هو أيضًا للتطوع على أن والدتي قالت مستفسرةً ضاحكةً: ألا يأخذون السيدات أيضًا.. يا الله..!! ماذا يستطيع القلم أن يكتب في مثل هذه الحال؟! وبماذا كنت أجيب أخي محمدًا إلا بأن أُطأطئ رأسي أمامه تقديرًا وإعجابًا به وبأسرته الكريمة".

في معسكر التدريب

ودخل الأَخَوان الشقيقان معسكر التدريب في (هايكستب) في يوم الجمعة10 ربيع الثاني سنة 1367=20 فبراير سنة 1948م، و فيه تدرَّبا أحسن تدريب على استعمال الأسلحة بأنواعها، ومكثا نحوًا من شهرين كانا في أثنائهما يأخذان إجازات قصيرة لزيارة المنزل والأقارب والأصدقاء.

التحرك إلى الميدان

وكان السفر إلى الميدان في صبيحة يوم الأحد 16 جمادى الآخر سنة 1267هـ= 25 أبريل سنة 1948م، وكان أبوهما في توديعهما، فكان مما قاله لهما: "اعلما أنكما ذاهبان للموت في سبيل الله، فكونا عند الله هديةً مقبولةً"، وركب المجاهدون السيارات من المعسكر إلى الإسماعيلية ثم إلى (أبي عجيلة) حيث باتوا بها، ثم تابعوا السفر إلى العريش، ومكثوا بها اثني عشر يومًا، ثم اخترقوا الحدود الفلسطينية بخطَّة محكمة إلى خان يونس، وكان ذلك بقيادة قائد الكوماندوز المرحوم القائم قام أحمد بك عبد العزيز.

معركة (كفار ديروم) بدير البلح

وجاء يوم الثلاثاء الموافق 2 رجب سنة 1367هـ= 11 مايو سنة 1948م فكانت معركة كفار ديروم الثانية، وكان محمد في مقدمة الإخوان المجاهدين أمام الأسلاك الشائكة، قرى مستعمرة العدو؛ حيث كان "حكمدار" لفرقة النسف والتدمير، وقبل دخوله هذه المعركة فرَّق ملابسه الملكية وأمتعته الخاصة على الفقراء من إخوانه إحساسًا منه بقرب استشهاده، وبعد ذلك أصيب بإصابة جعلته ينادي أخاه "عبد الوكيل" فأسرع إليه أخوه وما كاد يقترب منه حتى أصيب هو الآخر فوقعا شهيدين، وفاضت روحاهما معًا وكأنهما كانا مع الموت على ميعاد.

الأسرة المؤمنة بعد الشهادة

الأب: إيمان واحتساب

الشيخ حسن علي العناني الموظف بحكمدارية السكة الحديد في وظيفة (أمين بلك) والذي يحفظ كتاب الله جيدًا ويتمسك بآداب الدين الحنيف.. ذلكم هو أبو الشهيدين.. يروي أخ كريم فيقول: "ذهبت إليه لأعزيه فابتسم وابتسمت وقلت له: "إنني أهنئك بشهادة محمد وأخيه" قال: نعم، وهكذا يجب أن يقول الناس.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن والد الشهيدين قد ألقَى خطبةً مؤثرةً بليغةً أمام (الميكرفون) في الحفل الذي أقيم لتأبينهما في (كفر وهب)، وحضره مندوب من المركز العام.. فمما جاء في تلك الخطبة قوله:

"نبَتا في بيت واحد وتربَّيا في بيت واحد، وتطوَّعا في يوم واحد، وخرجا للجهاد في يوم واحد، واستُشهدا في يوم واحد وفي مكان واحد"، وهنا خنقته العبرات ثم وجه كلمته إلى المستمعين قائلاً: "لا عزاء في الشهداء، فمن أراد منكم أن يتقدم إليَّ بشيءٍ فليتقدم بالتهنئة على ما أعطاني الله من خير في استشهاد ولديَّ وإكرامهما".

ولما ذهب الإمام الشهيد حسن البنا لمواساة الأب الصالح، ردَّ عليه قائلاً: "لو أردت ولدي الثالث لأرسلته فورًا إلى ميدان الجهاد"، وكان موقفًا رجع بالقلوب والنفوس إلى ذكريات الصحابة الكرام في صدر الإسلام، وهاهو يتجسَّد الآن في ذلك الأب المؤمن الصابر المحتسب.

الأخ الصغير: تربية إيمانية

ويكمل الأخ قائلاً: "وأذكر بهذه المناسبة أن شقيقه الصغير "أحمد" ويبلغ من العمر تسعة أعوام تقريبًا قابلني مرةً في الطريق فعنَّ لي أن أسأله: "هل حزنت يا أحمد لموت أخويك؟!"، فقال لا، قلت: ولم؟! فال: لأنهما من الشهداء..!!

الأم: خنساء القرن العشرين

ونقصد بها والدة الشهيدين؛ لأن الخنساء الأولى التي تحدث عنها التاريخ كانت قد قدمت أولادها الأربعة للجهاد في سبيل الله ثم فرحت باستشهادهم وقال: "الحمد الله الذي شرفني بقتلهم في الإسلام"، وأما خنْساؤنا هذه فحينما ذاع نبأ استشهاد ولديها وجاء إليها النسوة يصرخن ويُعلِنَّ حزنَهن بأصوات منكرةً، قامت فيهم واعظةً ومرشدةً لتبين لهنَّ فضل الشهادة ومنزلة من اختصه الله بهذا الفضل العظيم.

للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية