زينب أحمد حسين
مقدمة
ما أجمل أن نتحدث عن أناس باعوا أنفسهم لدينهم ولوطنهم، فهذه النماذج كثيرة في زمن فقدت فيه معنى الرجولة الحقة، فأصبحت رجولة أقوال لا رجولة أفعال، ولقد تحدثنا عن شخصية زوجة اللواء طيار عبد المنعم عبد الرؤوف ورأينا كيف كانت زوجة على خط النار مع زوجها منذ أن التحق بالجيش ثم جماعة الإخوان المسلمين.
وها نحن نعيش من خلال هذه السطور مع زوجة رجل أخر كان بطلا جسورا في الحرب، زوجا حانيا في السلم، صابرا محتسبا وقت المحن، كما كانت زوجته نعم الزوجة الصابرة وقت أن تعرض زوجها للاعتقال مرارا وتكرارا من خلال زملاءه من الضباط الأحرار أمثال جمال عبد الناصر وجمال سالم وغيرهم وبالرغم من ذلك صبرت وتحملت أمام طغيانهم فلم تهن لحظة قط.
الزوج
أحببت في هذا المقال أن نتعرف على زوجها لندرة المعلومات عنه، بل لأنه أحد الأبطال الذين لم يأخذوا حقهم من الباحثين فمن هو معروف الحضري « ولد معروف الحضري عام 1918م في مدينة الخرطوم حيث كان والده يعمل ضابطا في الجيش المصري بالسودان وإن كانت الأسرة أصلها من القليوبية.
التحق بمراحل التعليم حتى تخرج في الكلية الحربية في بداية الحرب العالمية الثانية، عمل كضابط جيش وفي حرب فلسطين عام 1948م انضم هو وأربعة عشر من الضباط كمتطوعين يقودون مجموعات الفدائيين على رأسهم أحمد عبد العزيز وتم تنظيم قيادة المجموعة على النحو التالي:
- البكباشي أحمد عبد العزيز: قائدًا للقوات.
- اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف: أركان حرب.
- الملازم أول معروف الحضري: مساعد أركان حرب العمليات.
- بكباشي زكريا الورداني: أركان حرب إمداد وتموين.
- يوزباشي كمال الدين حسين: قائد لمدفعية الهاوزر.
- ملازم ثان خالد فوزي: مساعد لقائد مدفعية الهاوزر.
- يوزباشي حسن فهمي عبد المجيد: قائد للمدفعية المضادة للمصفحات.
- ملازم ثان أنور الصيحي: مساعد لقائد المدفعية المضادة للمصفحات.
تعرف معروف الحضري على جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين أثناء حرب فلسطين، ولقد تعرض للإصابة مرتين حيث اخترقت إحدى الرصاصات رأسه واستقرت أسفل المخ غير أنه نجا منها أثناء معركة كفر ديروم فحمله الإخوان من داخل المستعمرة حيث رحل للعلاج في القاهرة وقبل أن يتماثل للشفاء عاد ليواصل جهاده ويلعب دورا هاما على مسرح الحرب.
انضم الحضري إلى الإخوان المسلمين حينما كان طالباً بمدرسة المنصورة الثانوية في شعبة الإخوان المسلمين بالمنصورة إلا أن الكلية شغلته، ثم تقابل معهم أثناء الحرب حيث شاهد بطولاتهم التي أذهلت العالم بشجاعتهم والتي كبدت اليهود خسائر جمة.
وعندما حاصر اليهود 5000 جندي مصري في الفالوجا في 16/10/1948 وظلوا محاصرين حتى نهاية الحرب في 13/11/1948 وعندما ساءت أحوال القوة المحاصرة ... استنجدت قيادة الجيش بقوات الإخوان التي غامرت باختراق الحصار اليهودي في رحلتين على الجمال تحت قيادة المجاهد معروف الحضري ونجحوا في إيصال أكثر من 100 صندوق من المؤن إليهم واستقبلهم الجنود بفرحة لا توصف على حد تعبير اللواء سيد طه قائد القوات.
أسر معروف الحضري أثناء إدخاله المؤن للقوات المحاصرة في الفالوجا مرة أخرى حتى حدث تبادل أسرى فعاد معروف للقاهرة، وفي اليوم الذي صار فيه تبادل الأسرى جاء دايان يقول لمعروف الحضري، اليوم نسلمك للمصريين كتبادل، فقال له أريد أن أسألك سؤالا لماذا كنتم تهاجمون كل المعسكرات إلا معسكر الإخوان المسلمين؟ - قال ديان: "لأننا جئنا نعيش، والإخوان المسلمين وجاءوا يموتوا، والذين يريدون الموت لا يغلبون ولا يقهرون".
وقامت الثورة واشترك معروف الحضري فيها حيث قام بتأمين نفق العباسية والاستيلاء على القيادة المركزية.
غدر به رجال الثورة وأحالوه إلى التقاعد بسبب صلته بالإخوان ثم بعدأن اعتقل بعد حادثة المنشية وحكم عليه بعشر سنوات، غير أن كمال الدين حسين توسط له حتى أفرج عنه.
اعتقله عبد الناصر عام 1965م بتهمتين التهمة الأولى قضية امن دولة والتي كان فيها حسين توفيق، والقضية الثانية قضية الإخوان، وحكم عليه بعشر سنوات خاصة بعد اعتراف علي عشماوي عليه، وقد رأى كل ألوان التعذيب، وأثناء النكسة أرسل لجمال أن يجعله جندي في الحرب لكنه قابل هذا الطلب بأن عزله في زنزانة فردية وشدد عليه الحراسة.
بعد خروجه من السجن سافر للعمل بالسعودية وهناك توفى في 10 يونيو 1978م ودفن في البقيع..(1)
زينب بين الميلاد والزواج
تعرفنا على الزوج وعرفنا من يكون هذا المجاهد وهذا يدفعنا بشغف للتعرف على سنده في الحياة وهي السيدة التي عاشت معه على خط النار دائما.
هى زينب أحمد حسين ولدت عام 1930،وهى ابنة لرجل تاجر عطارة في شارع الأزهر، وهى المنطقة التي ولدت فيها وقد ولدت وحيدة لأبويها فأحسنوا رعايتها وتربيتها، وحرص والدها على تعليمها بما يناسب الظروف وبما يحفظ عليها مكانتها فحصلت على قدر كبير من التعليم غير أنها توقفت عند الجامعة بسبب زواجها.
كان معروف الحضري يصلي الفجر كثيرا في مسجد الحسين، وفي إحدى المرات تقابل مع أحد أقاربه من البلدة وتجاذبا الحديث وعلم رغبته في الزواج فما كان منه إلا أن رشح له أبنته، وبعدها رآها معروف الحضري فكانت زينب وتم الزوج عام 1948م قبل سفره إلى حرب فلسطين.
رزقهما الله بالذرية فقد رزقا بأحمد عبد العزيز عام 1952م وقد سماه تيمنا على اسم القائد الشهيد أحمد عبد العزيز، وهو حاليا طبيب بيطري يقطن في فايد التابعة للإسماعيلية، ثم نبوية ثم محمد والذي توفي عام 1997م، ثم سمية وهبة الله وآمنة (2)
زوجة في المواجهة
لم تغب الزوجة عن هذه الأحداث، بل كانت سندًا له تشد من أزره، وتعينه على طريق الدعوة، وكانت صابرة محتسبة فترات تغيبه في الجيش، وأثناء حرب فلسطين عام 1948م، فكانت أمينة على بيتها، فلم تخاف الموت أو شهادة زوجها حتى أنه في إحدى المرات أرسل لها القائد أحمد عبد العزيز خبرا بأن زوجها قد استشهد فقابلت الرسول برضا بقدر الله واحتسبته عند الله واسترجعت، غير أنها فوجئت بأن زوجها مصاب وفي المستشفى ولم يستشهد ففرحت بنعمة الله عليها.
كانت الزوجة تدرك طبيعة عمل زوجها وكانت تدرك المهام التي يقوم بها في فلسطين فقد كانت تتابع الأحداث عبر الإذاعات، وقد علمت (وهى الوحيد) بأن زوجها قد أسر لدى اليهود أثناء إدخاله المؤن للقوات المحاصرة في الفالوجا، فهرعت إلى الله تدعوه وتبتهل إليه أن ينجي زوجها من أيدي اليهود وعلم الله ضعفها فما كادت تمر الأيام حتى وجدته واقفا بين يدها بعد معاهدة رودس التي نصت على تبادل الأسرى بالرغم من تعنت اليهود معه خاصة ومحاولتهم إخفائه عن الصليب الأحمر إلا أنهم في النهاية أطلقوا سراحه.
رزقها الله ابنها البكر قبل قيام ثورة يوليو، وتحملت الرعب الشديد والألم المرير عندما كلف زوجها من قيادة الثورة أثناء الثورة بمهمة خطيرة وهى تأمين نفق العباسية والاستيلاء على القيادة المركزية، ولم يرتح بالها إلا بعد عودته سالما.
لم تكد تمر هذه المحنة عليها وعلى أولادها حتى ابتليت بمحنة أشد وهي إحالة زوجها للتقاعد وقطع موارد الرزق عنه ثم سرعان ما اعتقل بعد حادثة المنشية وهنا ظهرت معادن الزوجة الطيبة التي وقفت بجوار زوجها ولم تخذله يوما ما، بالرغم من الضغوط التي كانت تمارس عليها لن قضية زوجها ليست كقضية الآخرين فهي كان أحد الضباط ومن ثم كان يخشاه ضباط الثورة فوضعوا له كل اعتبار وضيقوا عليه في السجن وفي الرزق وبدؤوا في مضايقة زوجته وأولاده، وساق الله لها الخير والرعاية على يد أبيها الذي تكفلها وأبنائها حتى خرج الزوج من المعتقل بعد أن توسط له كمال الدين حسين (أحد الضباط الأحرار ووزير التربية والتعليم بعد ذلك).
وأثناء سجنه تعرف على بعض إخوان الإسماعيلية الذين أرشدوه على أرض الإسماعيلية وبعد خروجه اشتراها عملا بنصيحة هؤلاء الإخوان.
التحق معروف بشركة تصدير واستيراد حتى عام 1960م حيث عين على إحدى الشركات التي أممت وظل بها حتى عام 1964م وأراد عبد الناصر الاحتفال بزواج إحدى بناته ووجه الدعوة لمعروف الحضري لكي يحضر حفل الزفاف غير انه رفض فضغط عليه إخوته بسبب مناصبهم في الجيش وتحت الضغط وافق على الذهاب للحفل، وهناك التقى بيوسف صديق وظل جالس معه حتى انتهى الحفل ما أثار حنك عبد الناصر عليه، واعتقله بتهمتين وحكم عليه بعشر سنوات.
اعتقل الزوج عام 1965م وبعدها قطع عبد الناصر كل الموارد عنهم، ووقعت الزوجة في حرج خاصة أن أبنائها في المدارس ووالدها قد توفي وهو السند لها بعد الله في محنة 1954م، دفعها ذلك لتأجير أملاكها لأولاد عمها فكان يخرج لها الشيء النذير.
كانت تزور زوجها كل شهرين خاصة بعد هزيمة 1967م وفتح باب الزيارات أمام الأهالي، وبعد معاناة استخراج التصريح في السجن الحربي، وبعد ترحيله لطرة والتي قضى فيه عامين كانت تحافظ على زيارته، وأيضا عندما انتقل لسجن القناطر، فكانت تقتطع من طعام أولادها من أجل زيارة زوجها، وليس ذلك فحسب بل كانت تعمل على أن تكفى أولادها الملابس التي لديهم عام وعامين حتى لا تضطر لشراء ملابس أخرى فيسبب لها حرج في المصاريف، ولقد حاول عبد الناصر تدمير الأسرة بكل وسائله، وليس ذلك فحسب بل ظلت الأسرة (الزوجة والأولاد) مراقبين من قبل البوليس ومهددين حتى توفى عبد الناصر.
بل وصلت الحرب النفسية مداها أن عم أولادها الضابط في الجيش كان لا يزورهم بل كان يتعمد الذهاب للمصيف هو وأولاده دون أولاد أخيه حتى لا يتهم أنه يعاون أولاد أخيه أو يعطف عليهم فيفصل من الجيش، وكل ذلك بسبب الخوف من عبد الناصر.
حتى أن الأرض التي اشتراها معروف الحضري في الإسماعيلية استولى عليها عبد الناصر ودمر الزراعة التي كانت بها ولم تعد إلا بعد وفاة عبد الناصر وخروج معروف من السجن وتسليمها له من قبل السادات.
كل تلك المحن والزوجة صابرة راضية سعيدة بقضاء وقدر الله حتى خرج الزوج فعاد لعمله لكنها لم تهنئ معه كثيرا لأنها تركته والأولاد ورحلت ..(3)
رحيلها
خرج معروف الحضري بعد وفاة جمال عبد الناصر وتوسط حسين الشافعي لدي السادات في يوليو 1971م وأعاده لمجلس إدارة شركة القاهرة العامة للمقاولات، ورقي إلى رتبة لواء وحصل على معاش وزير.
لم يكد الزوج يخرج ويهنئ بالعيش مع زوجته الصابرة وأولاده حتى جاء قدر الله بوفاتها فقد توفيت ليلة وقفة عيد الفطر وفي شهر رمضان الكريم في 24 أكتوبر 1973م عن عمر ناهز 42 عاما، فرحمها الله رحمة واسعة.
الهوامش
- موقع إخوان أون لاين: 18/ 12/ 2008م.
- حوار مع الدكتور أحمد معروف الحضري أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي يوم الجمعة 17/ 4/ 2009م.
- المصدر السابق .