رحيل الشيخ عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة المغربي
بقلم: عبد الله الراشدي
مقدمة
نعى حزب العدالة والتنمية المغربي المجاهد الكبير الدكتور عبد الكريم الخطيب، الرئيس المؤسس لحزب العدالة والتنمية، الذي وافته المنية ليلة السابع والعشرين من رمضان 1429هـ بمقر إقامته بالرباط عن عمر ناهز 87 سنة.
وقال بيان الحزب: "بقلوب خاشعة ومؤمنة وراضية بقضاء الله ننعى وفاة المجاهد الرئيس المؤسس لحزب العدالة والتنمية، وسيوارى جثمان الفقيد اليوم بمقبرة الشهداء بالرباط بعد صلاة العصر".
عُرف الفقيد رحمه الله بمناصرته لقضايا المسلمين والمستضعفين في العالم بالمال والدعم المعنوي؛ حيث أسس عدة جمعيات لتجنيد المجاهدين لأفغانستان والبوسنة والهرسك وفلسطين، ويرجع له الفضل في الدفاع عن الهوية الإسلامية بالمغرب، كما فتح باب حزبه "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" سابقًا أمام جزء من أبناء الحركة الإسلامية بالمغرب (حركة التوحيد والإصلاح).
وكانت له علاقات طيبة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وفتح جريدته للأستاذ توفيق الشاوي وأبو السعود، كما أخبر بذلك صديقه محمد خليدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة حاليًّا.
الدكتور عبد الكريم الخطيب في سطور
وُلد الدكتور الخطيب في 2 مارس 1921م بمدينة الجديدة المغربية، ونشأ في أحضان جده من جهة الأم الفقيه سيدي محمد الكباص الذي تقلَّب في مناصب عدة في عهد السلاطين مولاي الحسن الأول ومولاي عبد العزيز ومولاي يوسف.
والده هو الحاج عمر الخطيب، الذي اشتغل ترجمانًا إداريًّا، وكان مؤمنًا تقيًّا زاهدًا في الدنيا، أما أمه فهي السيدة مريم الكباص، والتي كانت حافظةً لكتاب الله، كما عُرفت بشخصيتها القوية وثقافتها الواسعة.
في بداية الأربعينيات، وفي سن لا تتجاوز 19 سنة، أسَّس الدكتور الخطيب مع رفقة بعض إخوانه الكشفية الحسنية، وانضم إلى الكشفية مولاي إدريس المحمدي والمهدي بن عبود والعربي حصار وغيرهم، وتفرَّع نشاط الكشفية في جُلِّ مناطق المغرب؛ مما دفع سلطات الحماية إلى منع الزي الكشفي؛ لما كان يرمز إليه من قيم وطنية.
دراسة ونضال
درس الدكتور الخطيب الطب في مدينة الجزائر العاصمة؛ حيث مكث فيها 4 سنوات، وكان ممثلاً للطلبة المغاربة في شمال إفريقيا، كما كان أول رئيس لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا.
انتقل الدكتور الخطيب بعد ذلك إلى كلية الطب بالسربون، وعمل في مستشفى "فرانكو موزولمان" لمدة 6 سنوات، وأثناء مقامه هناك كان يسهر على جمعية مغربية تسمى دار السلطان، وفيها وشَّحه محمد الخامس رحمه الله وشاحًا من درجة فارس، وكان الطالب الوحيد الذي حظي آنذاك بهذا الشرف تقديرًا لجهوده وأنشطته لصالح بلاده.
وبعودته من باريس سنة 1951م أصبح الدكتور الخطيب أول طبيب جراح في المغرب؛ حيث فتح عيادة بطريق مديونة بالدار البيضاء.
مقاومة الاستعمار
ألهمت أحداث كريان سنطرال سنة 1952م الدكتور الخطيب حسَّ المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، في ذلك اليوم المشهود كان الخطيب يعالج الجرحى في مسجد صغيرٍ اتُّخذ كمصحةٍ لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصابين المغاربة، وهكذا، ومباشرةً بعد هذه الأحداث الأليمة، بدأ الدكتور الخطيب في جمع الأموال وتسليمها للمقاومة كل أسبوع أو أسبوعين قبل أن يحضر أول لقائه بالشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وعبد الله الصنهاجي؛ حيث طرحت فيه مسألة تنظيم المقاومة وجيش التحرير في الجبال المغربية، فانطلق العمل وساهم الدكتور الخطيب في تأسيس قيادة جيش التحرير المعروفة بـ"لجنة تطوان" المكونة من 5 أشخاص؛ هم: الدكتور عبد الكريم الخطيب، وحسن صفي الدين، وسعيد بونعيلات، والحسين برادة، والغالي العراقي، وانضم إليهم الدكتور المهدي بنعبود بعد عودته من أمريكا، كما ساهم في تشكيل مجلس للثورة في تلك الفترة المكون من 27 عضوًا، وكان رئيسًا له، ومن بين أهم أعضائه يمكن أن نذكر الأستاذ علال الفاسي، حسين برادة، عباس المساعدي، عبد الرحمان اليوسفي، وغيرهم من قادة الحركة الوطنية وجيش التحرير.
وحدة واستقلال
كان الدكتور الخطيب يدرك منذ تأسيس جيش التحرير أن التنسيق مع الإخوة الجزائريين مهم وضروري؛ حتى يكتمل استقلال المغرب العربي كله، ومن هنا ساهم مبكرًا في تأسيس لجنة عليا مغربية جزائرية تشكلت من الجانب الجزائري من أحمد بن بلة ومحمد بوضياف ومحمد خيضر وحسن أيت أحمد والعربي بلمهيدي، فيما مثلت فيها قيادات وطنية مغربية ذات حجم كبير، مثل عبد الرحمن اليوسفي، والدكتور الخطيب، وغالي العراقي.
ويؤكد الدكتور الخطيب في كتاب "مسار حياة" أنه قد تم عقد اتفاق مكتوب مع جبهة التحرير الجزائرية على "أن نعمل على تحرير شمال إفريقيا، وننصب عليه محمد الخامس خليفة" لكن بعد الاستقلال حصل ما لم يكن في الحسبان؛ حيث طغت النزعات القطرية على الرغبات الوحدوية.
التعددية والديمقراطية
بعد الاستقلال خاض الدكتور الخطيب معركة أخرى في سبيل منع قيام نظام الحزب الوحيد في المغرب؛ لذلك سعى رفقة أصدقائه إلى تأسيس حزب الحركة الشعبية في أكتوبر 1957م، وكانت المعارك السياسية التي خاضتها هذه الحركة قد أثمرت صدور ظهير الحريات العامة.
وفي سنة 1965م رفض الدكتور الخطيب قرار فرض حالة الاستثناء وحل البرلمان، وكان ثمن ذلك حصول خلافات عميقة مع رفيقه أحرضان أدى إلى خروج الخطيب ليؤسس حزبًا جديدًا أطلق عليه اسم الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية، إلا أن هذا الحزب الوليد لم يلبث أن جمّد عمله احتجاجًا على ممارسة السلطة، ويقول الخطيب عن هذه الفترة بالذات: "لما ثبت لنا أن نظام الاستثناء كان تجميدًا للحياة الدستورية بالمغرب، وأن الدساتير التي وضعت بعد ذلك كانت تقنينًا لهذا النظام، ولما تأكدنا من تورط السلطة في تزييف نتائج الانتخابات ضد إرادة الشعب، قررنا في الحركة الشعبية الدستورية عدم المشاركة في الانتخابات حتى لا تزكي التزييف".
الوظائف والمهام
تقلَّد الدكتور العديد من الحقائب الحكومية بعد الاستقلال؛ فقد عيَّنه الملك محمد الخامس رحمه الله وزيرًا للتشغيل والشئون الاجتماعية، وبقي في هذا المنصب حتى بعد تولي الملك الحسن الثاني زمام الأمور، قبل أن تسند إليه الوزارة المكلفة بالشئون الإفريقية، كما شغل أيضًا منصب وزير الصحة، وكان رئيسًا لأول برلمان عرفه التاريخ المغربي الحديث سنة 1963م، واستمر في هذا المنصب إلى 7 يونيو 1965م تاريخ إعلان الملك تطبيق الفصل 35 من الدستور الذي يقضي بفرض حالة الاستثناء.
الدفاع عن قضايا المسلمين
لم يقف اهتمام الدكتور عبد الكريم الخطيب فقط عند حدود وطنه، إنما تعداه إلى الاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين في العالم؛ ففي منزله تم تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وتمثلت فيها كل الأحزاب المغربية، ومن خلالها تم تقديم أشكال كثيرة من الدعم المالي والمعنوي للجهاد في فلسطين.
كما ساهم الخطيب في تشكيل منظمة مساندة للجهاد الأفغاني بعد الغزو السوفيتي لهذا البلد المسلم، وزار مخيمات اللاجئين الأفغان في بيشاور وباكستان، وعندما تحركت آلة الإرهاب الصربية ضد مسلمي البوسنة والهرسك كان الدكتور الخطيب في طليعة المبادرين إلى إقامة مهرجان للتضامن مع هذا الشعب المسلم في مايو 1992م؛ حيث تقرر إثر ذلك تأسيس الجمعية المغربية لمساندة البوسنة والهرسك، والتي أصبحت لها فروع كثيرة في المغرب، وقدمت الدعم الكثير لهذا البلد لمساعدته على الخروج من تلك المحنة.
وفضلاً عن ذلك فقد كوَّن الخطيب علاقات متينة مع العديد من الشخصيات عبر العالم العربي والإسلامي، مثل نلسون مانديلا، وياسر عرفات، وحسن الترابي، وعدد من القيادات الجزائرية.. إلخ.
علاقته بالعمل الإسلامي
بدأت علاقته بقيادات الحركات الإسلامية مبكرًا؛ فقد تعرف على أحد قياديي جماعة الإخوان المسلمين توفيق الشاوي الذي استقر في المغرب هربًا من نظام جمال عبد الناصر، كما تعرَّف على محمود أبو السعود رحمه الله، وهو عالم اقتصاد ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وفي سنة 1956م التقى بالدكتور سعيد رمضان، كما ربطته علاقة متينة بالشاعر الإسلامي بهاء الدين الأميري.
وفي سنة 1973 م اقترح الدكتور الخطيب تغيير اسم "الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية" إلى اسم "النهضة الإسلامية"، لكن هذه الرغبة لقيت معارضة من طرف الإدارة وبعض مناضلي الحزب، على حد قوله.
حزب العدالة والتنمية
في بداية التسعينيات فتح الدكتور الخطيب أبواب "الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية" في وجه الحركة الإسلامية المغربية ممثلةً في حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي بعدما أخفقت محاولات الحركتين الإسلاميتين للحصول على الترخيص بإنشاء حزب، وقد تُوِّج هذا التنسيق بدخول بعض قيادات الحركة الإسلامية الأمانة العامة للحزب سنة 1996م خلال انعقاد المؤتمر الاستثنائي، وقد أدى هذا التعاون إلى ضخ دماء جديدة في الحزب الذي حصل على 12 مقعدًا في الانتخابات التشريعية لسنة 1997م قبل أن يغير اسمه إلى حزب العدالة والتنمية ويحصد 42 مقعدًا في الانتخابات التشريعية لعام 2002م.
المصدر
- خبر:'رحيل الشيخ عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة المغربي موقع : إخوان أون لاين