عبد السلام ياسين
من هو عبد السلام ياسين
إنّ الإسلام ما قام بعنف ولن يقوم، إنّما خطّ منهاج النبوة على الرفعة والحكمة
داعية إسلامي مغربي، مؤسّس (جماعة العدل والإحسان) 1987 وشعارها:
- (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون)، أوّل معارض للشرعية السياسيّة إنطلاقاً واستناداً إلى الشرعيّة الدينيّة في المغرب.
ولد يوم 4 ربيع الثاني 1347ه/ 19/ 9/ 1928م وينتمي إلى أسرة تنتسب إلى الأشراف الأدارسة سكنت بلدة أولوز بمنطقة سوس جنوب المغرب الأقصى، وتلقّى دراسته الأولى في مدرسة الشيخ محمد المختار السوسي، وتخرّج من معهد محمد بن يوسف، و بمدرسة تكوين المعلمين بالرباط عام 1947 ؛ ودرس على علماء المغرب العلوم الدينيّة واللغويّة، والتحق بالزاوية البوتشيشيّة عام 1965 وتلقّى على شيخها الحاج عبّاس التصوّف السنّي البعيد عن البدع.
اشتغل بالتعليم والإدارة والتفتيش بالدار البيضاء بين عامي (1948 ـ 1963) وتدرّج في المناصب التربويّة والإداريّة العالية، وعيّن مديراً لمركز تكوين المفتّشين بالرباط بين عامي (1965 ـ 1967) ؛ وجرى توقيفه عن العمل عام 1968 وأحيل على التقاعد عام 1987 بسبب تمسّكه الشديد بالثوابت، وجرأته في الحق، وصراحته الشديدة، ونقده لمراكز الفساد في الأجهزة الإداريّة.
وكان شديد الاعتزاز بالعروبة يقول: أنا أعتبر نفسي عربيّاً حتى ولو كنت من أصل بربري، أتحدّث باللغة العربيّة ؛ أنا عربي بقلبي وبروحي وبلغتي ؛ إن من هم ليسوا عرباً يشعرون أكثر ممن هم عرب بأهميّة وجوهريّة اللغة العربيّة والعروبة ؛
وأنّ الأمّة كلّها لديها تجاه العرب شعور الاحترام الذي ورثوه من أجدادهم ؛ وحمل على المثقّفين العرب الذين يتعاملون مع الإسلام كأنّه زائدة فطريّة للقوميّة العربيّة ؛ وقال: إنّ هذه القوميّة بدعة، الدولة القوميّة بدعة غربيّة، هي فكرة مهيمنة في الغرب وفرضت علينا، لقد ورثناها مع الاستعمار.
مربي فاضل
كان مربياً فاضلاً، جمع بين التصوّف والعمل الإسلامي السياسي المنظّم، مستلهماً أسلوب الإمام حسن البنا في الدعوة والإصلاح الديني والاجتماعي، مع العناية الخاصّة بالتربية الروحيّة، ووضعها في مقدّمة أولويّات العمل الإسلامي، ورفض الانحراف، ووجوب العمل السياسي العلني.
وجد في دويلات المسلمين الضعيفة المتربص بعضها ببعض، التعبير الماثل لاختلاف القادة المتسلّطين، وعجزهم عن الأخذ بسياسة القوّة، وتشتّت إرادة الأمّة في أيدي من عندهم مقاليد السياسة، ومع تيارات الأحزاب السياسيّة، والدعوات الإقليميّة، والشعوبيّة المتلبّسة بالصبغة الدينيّة، وقال: ما ولدت الانقلابية ببلادنا مولوداً يصحّ أن نعدّه ليوم كريهة، وأن نعتدّ به ليردّ لنا كرامتنا الإنسانيّة، وعزّنا الإسلامي، ولن يطول تلاعب قادتنا بالشعارات الإسلاميّة، ولن يطول جهل المسلمين بالإسلام.
نبذ العنف ولكنه لم ينبذ الجهاد، ورفض مقولة انتشار الإسلام بالسيف وقال:
- إنّ الإسلام ما قام بعنف ولن يقوم، إنّما خطّ منهاج النبوة على الرفعة والحكمة، وجمع أفكاره في كتاب (الإسلام غداً) 1393/1973 حيث تناول فيه العمل الإسلامي، وحركيّة المنهاج النبوي في زمن الفتنة، وكتاب (الإسلام بين الدعوة والدولة) 1971/ 1391 و(المنهاج النبوي: تربيةً وتنظيماً وزحفاً)
وتميّز بغزارة إنتاجاته الفكريّة المتميّزة ومنها:
- (نظرات في الفقه والتاريخ) و(مقدّمات في المنهاج) و(شذرات) والمنظومة الوعظيّة) و(الإسلام وتحدي الماركسيّة اللينينيّة) و(الإسلام والقوميّة العلمانيّة) و(محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى) و(حوار مع الفضلاء الديمقراطيين) و(في الاقتصاد والبواعث الإيمانيّة والضوابط الشرعيّة) و(الشورى والديمقراطية) و(حوار الماضي والمستقبل) و(المنهاج النبوي) و(الإحسان) و(تنوير المؤمنات) و(الإسلام والملك).
طالب الحكومة المغربيّة بالالتزام بتعاليم الإسلام من خلال رسائل وجّهها إلى كبار المسؤولين، ومنها رسالة وجّهها إلى الملك المغربي سنة 1394/1974 في مائة صفحة بعنوان (الإسلام أو الطوفان) وضع فيها أمامه خيارين: إما التوبة العمريّة، والرجوع إلى الله، وإدارة البلاد تحت راية إسلاميّة، وإما الطوفان أو القومة الإسلاميّة.
وكان رد السلطة عنيفاً، حيث أودع مصحّاً للأمراض العقليّة ثلاث سنوات.وبعث برسالة إلى الملك محمد السادس طالبه فيها بإعادة الثروة التي كان يملكها والده، ووصفه بملك الفقراء.
أسّس بعد الإفراج عنه قاعدة (القومة) وذلك بتربية جند الله، ابتداءً من تأسيس (أسرة الجماعة) التي تميّزت مرحلتها بوضع الإطار النظري للعمل، تمثّل في المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً، وإيجاد الإطار القانوني بتأسيس (الجمعيّة الخيريّة) ومنبر إعلامي يعبّر عن مواقفها وآرائها وهو جريدة (الصبح) عام 1983 ثم جريدة (الخطاب) عام 1984 اللتين صودرتا من أوّل عدد لهما و(مجلة العدل والاحسان) وكانت هي وأدبيّاتها بمثابة منشورات يعاقب عليها القانون المغربي.
وكان قد أعيد اعتقاله عام 1983 بعد مقالة نشرها بعنوان: قول وفعل، ردّ فيها على رسالة الملك الحسن الثاني بمناسبة حلول القرن الخامس عشر الهجري.
وفي سنة 1407 /1987 رفعت الجماعة شعار العدل والاحسان الذي اختزل مشروعها المجتمعي، وبرنامجها الدعوي، وقد اعتبرت هذه المرحلة مرحلة التنفيذ، فتضاعف عددها وتوسّعت دائرة المتعاطفين معها، مما جعلها عرضة لمحنة الحصار بمحاصرة المرشد العام عبد السلام ياسين واعتقال مجلس الإرشاد والحكم عليهم بالسجن سنتين ؛ وقد ساهمت محنة القيادة عكس ما كان يرجو خصومها، في دخول الجماعة إلى مرحلة جديدة تميّزت بظهورها القوي في الشارع المغربي.
وفي عام 1411 /1990 رفض طلب الجماعة لتحويلها إلى حزب سياسي.وقد شكلت مجموعة الكتب التي أصدرها المرشد المؤسّس في هذه المرحلة شكلاً من أشكال الظهور بمظهر الحركة العلميّة التثقيفيّة في المجتمع المغربي.
وأمام التنامي القوي للجماعة وكثرة الاستحقاقات واستشرافها للمستقبل دخلت الجماعة في مرحلة حرصت فيها على إعادة توازن العمل بدون إفراط أو تفريط ؛ توازن بين الهدف العدلي والغاية الإحسانيّة، بين تحديات الساحة والتطلع للآخرة، مما استوجب تأسيس مؤسّسة الدائرة السياسيّة سنة 1998م للاهتمام بالشأن العام ومجالس النصيحة للتطلع للغاية الإحسانيّة.
وعني الشيخ بتربية أبناء حركته على الحب في الله والتآخي، واستحضار ذكر الله، والشورى فقال:
- لا جماعة إلا بتحاب في الله وصحبة فيه، وإن شر ما يفرق جماعات المسلمين غفلتهم عن الله حتى ينسوه فينسيهم أنفسهم، فتقسو القلوب من ترك ذكر الله، وتتمثل هذه القسوة في تباغض المسلمين، فلا جماعة ولا إيمان، أما بخصوص الشورى فقد ألح عليها المنهاج النبوي وحدد آدابها وميزانها الشرعي ؛ وأضاف مفهوم الإحسان الصوفي إلى مفهوم العدل الاجتماعي ليحرم اليسار من احتكار هذه الأرضيّة، واحتجّ على برامج التصحيح الاقتصادي التي يمليها صندوق النقد الدولي.
وفي أعقاب وفاة الحسن الثاني ملك المغرب وجّه الشيخ عبد السلام ياسين إلى الملك الشاب مذكرة نصيحة قويّة لا مواربة فيها، واقترح عليه حلولاً عمليّة من أجل النهوض بالمغرب، مما اعتبر إنجازاً سياسيّاً هاماً للحركة ؛ وكان الشيخ قد وضع في الإقامة الجبريّة بين عامي (1990-1999) للحدّ من نشاطه في منزله بقرية (السلاّب) بالقرب من الرباط ؛
قال: إنّنا لا نعارض حكام الجبر معارضة الأحزاب على مستوى تدبير المعاش والاقتصاد، بل نعارضهم لأنّهم خرجوا من دائرة الإسلام، إلاّ أن يتوبوا توبة عمر بن عبد العزيز، نعصيهم ونعارضهم لأنّهم خرجوا عن الدين، واتخذوا من أمريكا وروسيا أولياء دون المؤمنين ؛ وقال: الأمر أعمق واخطر وأشدّ صرامة من مجرّد المعارضة السياسيّة.
وفي حوار له مع الكاتب الفرنسي (فرانسوا بورجا) أجاب الشيخ عبد السلام ياسين على تساؤلاته فقال:
- لا يأتي الناس إلى الإسلام بوصفه حلاً بديلاً لمصائبهم الاجتماعيّة، إنّهم يأتون إليه استجابة لنداء ينبع من أعماق الروح الإنسانيّة، وتساءل قائلاً: لست أعلم ما هي تلك المأساة التي جعلت هذا الانسان الغربي يفقد هذه الحاسّة التي تسمح له بإدراك الأشياء الروحيّة فلا يبقى لديه سوى عناصر التحليل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ؛
- وقال: الغرب فقد دينه، فأصبح الدين بالنسبة له من قبيل الذكريات ؛ مازال لديكم الفاتيكان، ومازالت البروتستانتيّة تتمتّع بالحيويّة، لكن تلك الثقافة العلمانيّة والماديّة هي التي تسيطر عندكم بينما أساس كل شيء بالنسبة لنا هو هذا السؤال الجوهري: هل الله موجود أم لا ؟
إذا كنتم في تكوينكم وفي ثقافتكم بوصفكم غربيين قد استبعدتم الألوهيّة لصالح الجدليّة الإنسانيّة وحدها، فإنّكم تنسون بهذه الطريقة أنّ هذه الجدليّة هي جزء من المشروع الإلهي ؛ فقد عبّر الله تعالى عن ذلك صراحة في القرآن الكريم: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).
وقال: إنّ الغرب كان أكبر تحد يهدّدهم، كان شيئاً يهدّد جوهر الإسلام، فبدأوا عندئذ يتحدّثون بلغة السياسة، ثم حدثت عمليّة صقل للخطاب الإسلامي.
وضرب مثلاً بالإمام حسن البنا فقال:
- إنّ خطابه لايمكن أن يقارن إطلاقاً بخطاب علماني، فهو رجل من رجال الله كان يتحدّث من أجل الله وكان منشغلاً في جميع خطواته كما في تربية جنوده بالحياة الروحيّة، أمّا خلفاؤه فمن الممكن أن نجد عندهم المزيد من ذلك الطابع (العلماني) إننا نجد عند المودودي قدراً أقل من الحياة الروحيّة ولكنّهم جميعاً ساسة تبنّوا الدين والعقيدة الإسلاميّة من أجل استخدامها كأيديلوجيّة.
وكتب في سيرته: فتح الله رسلان (عبد السلام ياسين: حصار رجل أم حصار دعوة).
وفاته
- توفي الشيخ عبد السلام ياسين يوم 28 محرم 1434ه/ 13/ 12/ 2012 .
المراجع
- مجلة الدعوة ع 85 محرم 1420 /1999.
- قرآن كريم، سورة النحل، الآية 90.
- مجلة المجتمع مقال: واقع الحركة الإسلامية في المشهد السياسي المغربي. لمصطفى محمد عاكوب.
- معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين ج 2 ص 638 لأحمد الجدع.
- الإسلام السياسي صوت الجنوب ص 57 وص 90 فرانسوا بورجا.
- موقع المسلم، حوار مع الناطق باسم جماعة العدل والإحسان المغربيّة الأستاذ فتح الله أرسلان ، المصادر الإسلاميّة، الشخصيّة 530، محمد علي شاهين (تحت الطبع).